Ads by Google X

رواية عهد الحب الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم نور بشير

الصفحة الرئيسية

               رواية عهد الحب الفصل الواحد والعشرون بقلم نور بشير


رواية عهد الحب الفصل الواحد والعشرون 

و فى صباح اليوم التالى ، فى منزل الأسيوطى و تحديداً بداخل غرفة عهد القابع بداخلها عاصم ، تداعب شمس الصباح بشرته ، فتململ فى نومته ، حتى بدء بفتح عيونه تدريجيا ، و بمجرد ما أن استوعب موضعه و أحداث أمس ، حتى هب واقفا بفزع ، يتساءل كيف له أن يغفى هكذا ؟ ، كيف له أن يغفى و قلبه لم يطمئن بعد على محبوبته ؟ كيف له أن يغفى كل هذا الوقت دون أن يفيق أو يشعر بالقلق حتى ؟ أيعقل أنه بمجرد أن نام بفراشها حتى شعر بكل هذا الكم من السلام و الأمان ، ما إذا غفى بداخل أحضانها ....
نفض رأسه من تلك الأفكار ، و ذهب راكضا باتجاه الصالون ، لعله يستمع إلى أى خبر يبرد قلبه و يطمئن حاله عليها ، و ما أن وصل إلى غرفة الصالون ، حتى وجد الجميع على نفس حاله أمس ، جالسون يشوب الحزن ملامحهم جميعاً ، و يسرا جالسه دموعها لم تتوقف منذ أمس ، فهتف عاصم بقلق و لهفة حقيقية: هاااا يا جماعة محدش عرف أى حاجه عن عهد
إجابه عمر بحزن: للأسف مقدرناش نوصل لحاجه خالص
فاستطردت سمية باستغراب: أنت كنت فين يا عاصم ، أختفيت فين من أمبارح
توتر عاصم كثيرا ، و شعر و كأن الحروف قد هربت منه ، فأحست أمينة بحرجه فأردفت و هى توجه حديثها إلى والدتها: عاصم كان فى أوضة عهد يا ماما
و عندما أستمعت يسرا إلى هذه الجملة حتى صاحت ببكاء: بنتى ، أنا عاوزه بنتى ، هاتولى عهد
فهتف هشام بانفعال: يسرا أبوس إيدك أهدى أنا أعصابى مش متحملة ، ولا فى حد فينا حمل أى حاجه فأرجوكى أهدى و أن شاء الله ربنا هيطمنا عليها و هترجع بالسلامه
صاحت يسرا ببكاء و غضب: ترجع بس ، ترجع و أنا إستحالة أسيبها هنا دقيقة واحدة
فأردفت سمية قائله بحزن: كده برضو يا يسرا اللى أنتى بتقوليه ده
فهتف زياد فى محاولة من لتخفيف حدة الأمر: يا جماعة مش وقته الكلام ده نطمن عليها الأول بس ، ثم وجه حديثه إلى شريف قائلاً؛ مفيش أى أخبار ، محدش قدر يوصل لحاجه من صحابك
هز شريف رأسه فى يأس و هتف بحزن: للأسف محدش وصل لأى حاجه ، أنا كلمت كذا حد أعرفه و أن شاء الله فى أسرع وقت هنطمن كلنا
كل ذلك و عاصم يقف ، و كأنه قد أفتعل فعله ، و هو هكذا فهو أوجعها كثيرا
جرحها .... !
جرحها و بشدة ، جرحا غائر ، هو من أذاقها العذاب
عذبها كثيرا بقصد و دون قصد ، فعل بها نفس الفعلة مرتان .... !
مرتان .... نعم ....
فهو قد غدر بها مرة و هو متذكرها و المرة الاخرى و هو ناسيا إياها ، جعلها تعيش الوجع مرتان ، يلوم نفسه بشدة ، يشعر بالحقارة تجاه حاله ، بشعر بالرخص ، أيعقل أن يكون هناك شخصاً يحب أحدهما و يغدر به إلى هذا الحد ، كيف لها أن تهون عليه ؟ كيف له أن يفعل فعلته تلك بها ؟ ، حسره كبيرة بداخله لا يعلم كيف له أن يصلح ما كسره ؟ كيف له أن يسترضيها ؟ كيف له أن يعوضها على ما قد اقترفه بحقها ؟ تنهد تنهيده حارة مليئه بالوجع ليس وجعا عليه و لكن وجع منه و على ما فعله بزوجته ، بحبيبته ، وجع لها و عليها ، أغمض عينيه بألم عاصرا إياها محاولا تمالك حاله فهو يشعر و كأنه على حافه الهوية ، و لا مرة شعر بالضياع مثلما يشعر به منذ أمس ، يا الله يا الله كيف له أن يستريح من هذا الحمل ؟ لو بأمكانه لكان زال كل
الوجع الذى يكمن بداخلها و وضعه بداخل صدره هو ، فهو يستحق هذا الوجع لكنها بريئه ، بريئه من كل هذا الوجع و الحزن هذا .....

عودة إلى أسوان تجلس عهد فى المخدع الخاص بها و بحبيبها ، تحاول أن تستجمع شتات نفسها ، تحاول أن تهدء من حالها بعيداً عن ضغط عاصم و قربه لها ، و بعيداً عن ضغط العائله بأكملها حتى صغارها لا تريد أن تأذيهم بأى فعل يصدر عنها خارج عن أرادتها ، لا تريد أن تجرحهم أو تجعلهم يعيشون الحياة من دون والدهم مرة ثانية ، فهم فارحين بشدة بوجود والدهم و عودته لهم ، يبنون أحلاما و أشياءا كثيرة يريدون فعلها برفقه والدهم ، هى أيضاً تريده و تريد قربه و بشدة و لكن كبريائها يمنعها عن ذلك ...
ها هى هائمه فى بحر من التفكير ، هناك الكثير من الخيوط بداخل رأسها لا تعرف كيف لها أن تعيد ترتيب نفسها من جديد ؟ كيف لها أن تعود عهد كما كانت قديما منذ سنوات كثيرة مضت ؟ عهد السابقة التى لم تعرف يوما للحزن باب ، أو للفراق و الهجر عنوان ، كيف لها أن تعود من هذا الطريق التى تسير به منذ ٧ سنوات ؟ طريق ملئ بالحزن و الشجن لم تعرف فيه محطة واحدة من الفرح و السعادة ، فمنذ رحيلة رحلت معه عهد تلك الفتاة الباسمة المليئة بالحيوية و البهجة و الحب ، فبرحيلة عنها رحلت عهد هى الأخرى عنها ....
فاقت من تفكيرها هذا و شرودها على صوت العم هلال قائلاً بنبرة حانية: اللى واخد عجلك يتهنى بيه
نظرت له عهد بحب و حانت منها أبتسامه جميلة من الخارج و لكنها حزينة ، مكسورة من الداخل: عم هلال ، تعالى أقعد يا حبيبى
نظر لها عم هلال بطيبه ثم جلس قبالها متكأ على عصاه الأبانوس كالعادة و أردف برزانه: كيفك اليوم يا بتى ، ثم تابع بنبرة حانية؛ شايفك زينة عن عاشية
همست عهد بأبتسامه حزينه: فعلاً أنا أحسن كتير من أمبارح ، الجو هنا و الناس كفيل أنه يحسسنى بالسلام النفسى و لو لشوية صغيرين ، ثم رفعت عينيها إليه و تابعت بحسره؛ كل ما الدنيا بتضيق بيا ، و تقسى عليا مش بلاقى أحسن من هنا ولا أحن من قلبك عليا عشان أجى و أترمى فى حضنه و أحكيله كل اللى واجعنى و تاعبنى ، معندكش فكرة مجرد كلامى مع حضرتك بيريحنى قد إيه
نظر لها عم هلال و تابع بتقدير: متجوليش أكده يا بتى ، أنا دايما موچود ليكى و فى أى ساعه احتاچتى أى حاجه أنى موچود ، أنتى ماخبراش غلاوتك عندى جد إيه عاد ، أنتى فى مكانه أسما بتى ثم ربت على يديها بحب و حنان و أضاف بنبرة ذات مغزى؛ فكرتى يا بتى فى حادتنا عاشية
تهربت عهد بعيونها عنه و وضعت وجها بالأرض
فشعر عم هلال بارتباكها هذا و أردف بحب: يا بتى متوچعيش جلبى عليكى عاد ، ريحى جلبى يا بتى و جوليلى فكرتى فى إيه
نظرت له عهد هذه المرة و هى ترفع أكتافها دلاله على أنها لم تصل لحل إلى هذه اللحظة و تابعت بحزن: دماغى واقفه يا عم هلال مش عارفة إيه الصح و إيه الغلط ، و فى نفس الوقت مش عاوزه أتصرف أى تصرف أاذى بيه ولادى ، ثم نظرت له و كأنها تحثه على الحديث و واصلت بنبرة يكسوها الحيرة و الألم؛ شور عليا يا عم هلال أنا تعبانة أوى و مش عارفة أعمل إيه ولا أتصرف أزاى
نظر لها عم هلال و تابع بهدوء: و هتعملى اللى هجولك عليه
أومات عهد برأسها عدة مرات و فى حركة سريعة و تمتمت بنبرة لا تحمل الشك: كل اللى هتقولى عليه هعمله ، بس أرجوك قولى أعمل إيه
نظر لها عم هلال بقوة و هو ينظر بداخل عيونها و أردف بحكمة و رزانه: شوفى جلبك بيجولك إيه يا عهد و سوية ، ربك يا بتى رب جلوب ، و أنتى جلبك يا حبه عينى أنجى من اللبن الحليب ، و عاصم كومااان كيفك يا بتى ، و ربك بيجول كمان فى كتابه ( الطيبون للطيبات ) ، توكلى على ربك يا عهد ، و أرچعى لچوزك و عيالك و لأهلك اللى بيحبوكى يا بتى
نظرت له عهد بعيون مرغرغة بالدموع أردفت بدموع حبيسة تأبى النزول: و كرامتى
تابع عم هلال بصوتا رحيم: كرامتك فوج الكل يا عهد ، أنتى غالية يا بتى و كرامتك أغلى من أكنوز الدنيا كولاتها ، ثم نظر بداخل عيونها و أضاف بنبرة حانية؛ أبكى يا عهد ، أبكى يا بتى و خرچى كل اللى فى جلبك
و كأنها كانت تريده أن يسمح لها بذلك حتى تجهش بالبكاء ، ظلت تبكى و تبكى و كأنها قد فقدت للتو عزيزا عليها ، فأقترب عم هلال منها و أخذها بداخل أحضانه فى حضن أبوى خالص و تابع بحزن على حالها: وووه وووه ، كل ده بكى عاد ، ليه كل ده يا بتى ، ليه يا عهد تسوى أكده فى حالك ، فأضاف بهدوء؛ أبكى يا بتى أبكى و تطلعى كل اللى چواكى ، أنا زى أبوكى يا عهد ، أبكى يا حبت عينى
ظلت عهد بداخل أحضانه تبكى لما يقرب النصف ساعه ، إلى أن خرجت ما بداخلها من شحنات و طاقات سلبية ، فهى كانت كالبلون المليئه فوق طاقتها بالهواء ، و مع أقل نفس أنفجرت بوجه من أمامها ، بدءت تهدى و تستجمع أعصابها ، فربت عم هلال أعلى ظهرها و نطق بحب: كيفك يا بتى دلوجيتى
نظرت له عهد بخجل و هى تمسح دموعها بحركة طفولية و تابعت بنبرة مرنة: أنا الحمدلله بقيت أحسن كتير ، أنا أسفة يا عم هلال على اللى حصل من شوية ، و أسفة أنى فقدت أعصابى كده قدام حضرتك ، بس غصب عنى والله
أبتسم لها عم هلال و استطرد بنبرة حانية مليئه بالحب: متجوليش أكده يا بتى ، أنا جولتلك أنتى كيف أسما بتى بالظبط ، و ربنا يعلم أمعزتك أف جلبى كيف
ثم تابع بحب؛ توكلى على اللى خلجك يا حبت عينى ، و ربك يكتبلك اللى فى الخير ، و أنى واثج أن عاصم بيعشجك عشج ، بس محتاچ منيكى أنك تنفضى جلبه من الإعفارة اللى چواته ، عشان جلبه يرچع يلمع أبحبك تانى يا عهد ، ثم ضغط على كف يديها بحب يحثها على تصديق ما يخبرها بيه و المضى فى تنفيذه مع أبتسامه حانية من شفتيه
فأبتسمت له عهد و وجها بدءت ترتسم عليه بعض ملامح الراحة و الهدوء و السكون ، ثم رفعت عيونها إلى أعلى ، تنظر إلى السماء بأمتنان ، تشكر الله على أنه قد أرسالها فى الوقت المناسب لذلك الرجل العجوز الذى يبلغ من الطيبة و الحكمة ما يكفى قبيلة بجميع أفرادها ، تشعر بالأمتنان لما فعله هذا العجوز معها ، و تشعر أيضاً بالأمتنان و الشكر لربها على أنه قد وضعه بطريقها ليرشدها و ينتشلها من ما هى به من ضياع

و بعد مرور ٤ أيام
فى القاهرة ، بداخل منزل الأسيوطى ، لم يذق أحدا منهم مذاق للراحة أو النوم منذ أن فراقت عهد المنزل ، فهم لهم ٤ أيام لم يقدر أحد منهم على الوصول إلى أى خبر عنها ، الجميع حالتهم لا يرثى لها ، و أطفالها أيضاً يشعرون بتوتر الجو من حولهم ، و يسألون كثيرا على والدتهم ، و لكن سمية و أمينة يخبروهم دوماً بأن عهد قد ذهبت لعمل هام خارج البلاد ، و ستعود خلال أيام قليلة ، و يسرا لم تجف لها دمعة من يوم غياب صغيرتها ، قلبها يؤلمها كثيرا ، تتمنى و لو تطمئن قلبها عليها أو تسمع صوتها فقط
و فرحه مختفية بغرفتها منذ أختفاء عهد ، تراقب كل تصرف ، و كل حركة صادرة عن عاصم ، ترأه بحاله لا يرثى لها منذ أن تركت عهد المنزل ، تراه سيفقد عقله من كثره جنونه عليها ، و هذا يؤلمها و بشده و يجعلها أكثر تخبطا ....
و ها هو عاصم معتزل الجميع ، لا يتحدث ولا حتى يتناول أو يشرب شيئاً ، فهو يشعر بالذنب ، و الوجع ، و الضياع ، و الحب أيضاً ، يلوم نفسه كل ثانية على كل مرة أوجعها فيها بقصد أو دون قصد ، يشعر بألم دافين يستوطنه لمجرد ما أن يخطر على تفكيره فكرة أنه من الممكن أن يفقدها إلى الأبد ، فهبطت دمعة ساخنه من عينيه ، فهو منذ أن فارقته من ٤ أيام و هو تمر بمخيلته لحظات و ذكريات كثيرة تجمعه بها على الرغم من أنه لم يتذكر شيئاً بعد أو حتى قادراً على معرفة هويته أو هويه من حوله إلا أنه يمر بمخيلته مشاهد كثيره جمعته بمحبوبته ، يجهل حقيقة الزمان و المكان ، لكن قلبه لم يجهلها يوماً منذ أن رأها أول مرة بالمشفى حتى الآن ....
فاق من تفكيره و وجعه هذا على صوت شريف و هو يدخل من باب الڤيلا يهتف بصوتا عال: لقيتها ، لقيتها ، لقيت عهد يا جماعة
فهب عاصم واقفا فى مكانه ثم ركض باتجاه شريف قائلاً بلهفه: هاااا فين يا شريف ، أنطق أرجوك
هتف شريف بحماس: أنا كنت مكلف واحد صاحبى فى شركة أمن يحاول يعرف أى حاجه عنها ، لقيته بيكلمنى من شوية و بيقولى أن فى حجز تذكره بأسمها من ٤ أيام لأسوان
هتف الجميع فى صدمة مرددين: أسوان
ثم همس عمر و هو يخبط بيديه أعلى جبهته: أوف ، أزاى مخطرش على بالى بيت أسوان ، أزاى
نطق عاصم بلهفة: بيت أسوان ، هو أنتم عندكم بيت فى أسوان
استطرد عمر بهدوء يشوبه بعض الحزن: البيت ده بتاعك أنت و عهد ، كنتم بتقضوا فى شهر العسل و من حبكم فى المكان و البلد اشتريته البيت ، و هى كل فترة لما بتحس أن الدنيا قفلت معاها جامد أو تكون عاوزه تحس بوجودك حواليها كانت بتروح البيت ده تقعد هناك ، خصوصاً أن فى راجل هناك طيب إسمه عم هلال راجل حكيم و حنين و كان بيحبك جداً أنت و عهد ، و عهد كمان بترتاح معاه فى الكلام أوى
فهتف عاصم بلهفة: طيب تعرف تودينى البيت ده
هم عمر أن يجيبه إلا أن أتاه صوتاً يعلمه جيداً ، محفورا بقلبه و ليس بأذنيه فقط صوتاً يردف بقوة: مش محتاج تعرف مكان البيت يا عاصم ، لأنى رجعت خلاص

يتبع الفصل الثاني والعشرون اضغط هنا 
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :" رواية عهد الحب" اضغط على اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent