Ads by Google X

رواية خطان لا يلتقيان الفصل الثاني عشر 12 - بقلم رغد ايمن

الصفحة الرئيسية
الحجم

 

 رواية خطان لا يلتقيان الفصل الثاني عشر 12 - بقلم رغد ايمن

12- لِقاءُ رَجلٍ، و.. وَغد!
                                        
                                              
"لا تَكُن ذاكَ الأحمق الذي يبخسُ مشاعر من أحبّوه، ويُسرِفُ في حُبِّ أُناسٍ لا يَعني لَهم شَيئاً!"



- جيفارا.

 
_____________



في اليوم التالي، استيقظ "عُديّ" مع صوتِ المُنبّه في توقيت الفَجر..
تَمطّى في رَقدته، ثم اعتدل جالساً حيثُ كان ينامُ على الأريكة..



ابتسم وهو يتذكّرُ البارِحة.. فلولا سقوط "يُوسُف" في النّوم، وذهابُ "ريتاچ" للنومِ بجانبه.. 
لكان الآن ينعمُ بحضن صغيره!



ذهب للحمام، ليتوضأ ويتجهّز للصلاة.. ثم بعدها يُوقِظُ أهل بيته..



بعد عشر دقائق، وبعدما ارتدى "عُديّ" ثيابه.. كان يقفُ أمام باب الشَّقة، مُنتظراً "يُوسُف" التي كانت والدته تُساعده في ارتداء ثيابه..



دقيقةٌ أخرىٰ، وخرج الصبيُّ وهو يسيرُ ببطءٍ من شعوره بالنُّعاس، قبل أن يُمسك بيد "عُديّ".. 
بينما الأخيرُ يبتسمُ بهدوء..



- خَلّوا بالكم من نفسكم!



قالتها "ريتاچ" بسُرعةٍ، وهي تلحقُ بهم قبل أن يُغلق الباب..
فابتسم "عُديّ" باتّساعٍ، قائلاً وهو يُشاكِسها:
- حاضر والله، هخلّي بالي من "يُوسُف".. مش ده قصدك؟



لم تَلحظ "ريتاچ" أنه يمزحُ معها، فأجابته بخفوت تُصحِّحُ له:
- أنا قصدي أنتوا الاتنين!



ولم تُمهله، فأغلقت الباب.. مُتكأةً برأسها عليه، وهي تُفكر..



ما بها؟!
لِمَ أصبحت حَسّاسةً هكذا؟!
لِمَ شعرت بالاستياء، وقررت أن تُوضِّحَ له؟!



والسؤال الأهم.. هل هي تُكِنُّ له شيئاً؟



وعِند السؤال الأخير، شعرت برجفةٍ بقلبها.. وقد أخذت تتذكّرُ تلقائياً مواساته لها، لُطفه معها.. شُعوره بالضِّيق حين يشعرُ بحُزنها منه!



وتنهّدت..
تنهيدةً تنبعُ مِن أعماقها، لتِلكَ المشاعر والأفكار التي اجتاحتها!



ثم اتّجهت للغُرفة، وقررت أن تُصلي وتَدعو الله بما أخبرها به "عُديّ" أمس..



_______________



أما عِند "عُديّ"، فقد أجَّل أفكاره إلى ما بَعدَ الصَّلاة..
حيثُ أنه ما إن نزل على السُلَّم، سَمع صوتَ الإقامة..



نظر لـ"يُوسُف"، فكتم ضحكةً كادت تخرجُ على شكله ذو العينين المُغلقتين من النُّعاس..
قبل أن يقول له بمرح:
- تِحبّ أشيلك، ولا هتعرف تِمشي لوحدك؟



نظرَ له الصَبيُّ لثوانٍ، حتى يستوعب ما قاله.. ثم اجابه بصراحةٍ يُحسد عليها:
- ولو قلتلك إني هعرف أمشي، بس عايزك تشيلني؟



 
                
- يبقىٰ تحت أمر جميل الاسم والمَلامح!



نَطقَ بها "عُديّ" بابتسامةٍ واسعة، قبل أن يقف من مكانه، ويحمل "يُوسُف" واضعاً إياه فوق كتفيه..



ما إن خرجا من المسجد، كان الجوّ جميلاً ما بين عَتمةِ الليل، وبَدءِ شُروق الشَّمس..
حتىٰ الهواءُ كان نقياً، لم يتلوّث بعدُ بنفوسِ البَشَر!



- الأجواء عاملة ايه عندك فوق؟



قالها "عُديّ"، وهو يضحكُ بسُخرية وينظرُ للأعلى..
فأشار له الصَبيُّ بإبهامه أن كُلّ شيءٍ جيّد، وهو يُكملُ نظره للشارِع الهادئ بعينيه..



أما "عُديّ"، فقد كان يسيرُ ببطءٍ بعض الشيء، نظراً لحمله "يُوسُف".. 
ونظراً لكاحله الذي لم يُعِره اهتمام، في سَبيل سعادة الصَبيّ!



هذا البطء ساعده في استرسال أفكاره التي كَبتها لأجلِ الصَّلاة..
فابتسم باتّساع، وهو يتذكّرُ حين سأل "ريتاچ" عن محلّ إقامة "شهاب".. 
فرفضت بشِدّةٍ أن تُخبره، حتىٰ لا يؤذيه الآخر!



واليوم، حين أخبرتهما أن يهتمّا لذاتِهما!



سَرىٰ بداخِله شُعورٌ لطيف، أن هُناكَ من يهتمُّ لأمرك!



وصلَ للعمارة، وهو يميلُ بجسده حتى لا يصطدم "يُوسُف" بحافة الباب..
قبل أن ينظرَ إليه، قائلاً بمزاح:
- لو طلعنا بالمنظر ده، وبرِجلي دي.. مش بعيد احنا الاتنين ناخد السِّلّم بالحُضن!



ضحك الصَبيُّ على تعبيره، قبل أن يحمله "عُديّ" بذراعيه، مُنزِلاً إياه على الأرض..



دقيقتان، وكان "عُديّ" يفتحُ باب الشَّقة بالمُفتاح، وهو يُوصي "يُوسُف" قائلاً:
- أنا هروح الشُّغل النهاردة، عايز أرجع ألاقي ماما مبسوطة منك، ومخلّص كُلّ واجباتك.. عشان محضّرلك مُفاجأة بإذن الله.



انهال بعدها سيلٌ من أسئلة "يُوسُف" الفضولية، عن كُنه المفاجأة، وهل هي جميلة، وهل هي كبيرة!



فيما كان "عُديّ" يهزُّ رأسه ضاحِكاً على أفعال الصغير..



دخل غرفته، ليتجهّز للذهاب للعمل..
أخرج قميصاً أبيض ذو نقوش، وبنطالاً من الچينز..



وقبل أن يبدأ بتبديل ثيابه، وجد باب الغُرفة يُفتح باقتحام، تزامناً مع صوتِ "ريتاچ" الحانِق:
- ممكن حضرتك تقولي ايه اللي "يُوسِف" قالـ..



اختنقت الكلمات بحلقها، وهي تراه واضعاً يديه على طرف ثيابه العُلوية، استعداداً لتبديلها..



أعادَ يديه، وثيابه.. مُبتسماً باتّساعٍ وخُبث وهو يرى وجهها الذي تلوّن بالأحمر، واضطرابها وتلعثمها الواضحَين وهو تعود للوراء قائلةً:
- أأ أنا آسفة إني دخلت من غير ما أخبّط!



وما كادت تخرج من الغُرفة، حتىٰ ناداها قائلاً بابتسامة، وهو يقتربُ من موضع وقوفها:
- استني يا "ريتا"!




        
          
                
تصنمّت بمكانها، ويكأن لجسدها حياةٌ خاصّةٌ به!
فقد كان قلبها يُقيمُ حفلاً صاخِباً بالدّاخِل، حيثُ سَمعت تدليله لاسمها!
وقدمها التي لا تَقوَ على الرَّحيل، لأنها تعلمُ جيّداً أنها ستسقطُ مغشيّاً عليها!



هزَّ الآخرُ رأسه بيأسٍ، وهو يُمسكها من ذراعها ليُدخلها الغُرفة.. ثم يُغلق الباب خلفه..



وضعها على السَّرير، وهو يرأفُ بحالتها..
ثم جلسَ بجانبها، وقال بمزاح، وابتسامةٍ جميلة:
- طبعاً هعدّيلك موضوع أنه "يُوسُف" مش "يُوسِف"!
بس يا ترىٰ أنا عملت ايه المرّادي.. حاولت أخطفه بردو؟



أنهىٰ حديثه بمرح، وهو يسخرُ من ذواتهما.. فقالت هي بنبرةٍ مُنفعلة بعض الشيء، وهو تُشيرُ لقدمه:
- رِجلك اتلوت، وشايله فوق كِتفك؟! هو "يُوسِـ.. "يُوسُف" صُغيّر!



وصَلَت له رسالتها، التي تقولُ مُباشرةً وبلا أدنىٰ تزييف: "أيها الاحمقُ، أنا خائفةٌ عليكَ!"
فابتسم سائلاً إياها، وهو يُمسكُ بكفّها الذي تُشير به:
- خايفة عليا؟



اضطرب بؤبؤها وهي تتحاشىٰ النَّظَر لعينيه وقالت بمراوغةٍ، ونبرةٍ مُتلعثمةٍ.. وهي تسحبُ كَفّها منه بهدوء:
- مينفعش تضغط على رِجلك، عشان حالتها متدهورش أكتر من كدة.



وقامت من مكانها، مُتجهةً للخارِج.. 
أرادَ أن يقولَ شيئاً، فصاحَ بشيءٍ آخر قبل أن تخرج:
- هكررها تاني، "يُوسُف" بالنسبة لي حاجات كتير أوي، ومش هتردد أقطفله نجوم السَّما لو عايزها!



ألقت عليه نظرةً خاطفةً، قبل أن تُغلق الباب بعدما خرجت..



أخرجَ "عُديّ" تنهيدةً حارّةً وهو يقومُ من مكانه ليرتدي ثيابه..



تمنّىٰ لو أخبرها، أنه إذا أرادت هي القَمَر ذاته، فلن يتوانىٰ ثانيةً عن تَلبية طَّلبها!



وَدَّ لو باحَ لها أنه يأنسُ بوجودها، ويُحِبُّ قُربها، ويطمئنُّ قلبه مع ابتسامتها!



أرادَ بشِدَّةٍ أن يُخبرها أن تَكُفَّ عَن وَضع الحُدود بينهما..
وأنه، وحتىٰ بَعدَ انتهاء تِلكَ المُعضلة.. لن يتركها ترحلُ بسهولةٍ، وتُخلِّفَ وراءها مكاناً فارِغاً..



لَيسَ فقط في مَنزله، وغُرفته..
بل بِـقَـلْبِـهِ أيضاً!



_______________



بعد مُدّةٍ لَيست بالقصيرة، نَزل "عُديّ" من المواصلات العامة..
ثم سَارَ بعدها لدقائق أخرىٰ، حتىٰ وَصل لمبنىٰ المَّدرسة وهو يبتلعُ ريقه بتوتر..



مُترددٌ بين إخبار مُدير المَّدرسة بما جَرىٰ له في تلك الأيّامِ التي تغيّبها..
أو تقديم اعتذاراته دون إخباره بشيء!



إنَّ مُديره ذو شخصيّةٍ صارِمةٍ عمليّة، ورُبّما لن يقبل باستمرار "عُديّ" في العمل، إذا ما عَلِم الأمر!




        
          
                
تنهّد "عُديّ" بقلّة حيلةٍ، وهو يدخلُ من البوّابة.. بينما قلبه يرجُف داخل أضلعه من التوتر والقلق!



لو فَصَله المُديرُ من عمله، فهي الضَّربةُ القاضية له.. يجبُ أن يستعين بالله، ثم يتحلّىٰ بالحِنكة والذَّكاء في ردوده..



في طَّريقه لمكتب المُدير، كان يُحيّي الكثير من زُملائه.. وكُل ما يتكررُ هو سؤالهم عن تغيّبه هكذا، وإجابته بأنه كان مشغولاً للحدِّ الذي مَنَعه عن الذَّهاب لعمله!



طَرقَ الباب المَفتوح، بأصابع بارِدة من التوتر.. ثم دخل للمكتب مُحيّياً المُدير برأسه..



- تعالىٰ يا مسيو "عُديّ"، واقفل الباب وراك!



قالها المُديرُ بنبرةٍ هادئة..
فعادَ "عُديّ" حيثُ الباب، يُغلقه بهدوء وهو يتحدّثُ بداخله أن رُبّما هذا الهُدوء، هُدوء ما قَبل العاصفة!



جَلس على الكُرسيّ القابع أمام المكتب، وما كادَ يتحدّثُ، حتىٰ قال المُدير بجِدّية:
- تِحب أكلمك بصِفتي مُديرك، ولا كأني والدك؟



ابتلع الآخر ريقه مُجيباً وعيناه تتصفّحُ ملامح وجه مُديره بقلق:
- شَرف ليّا طبعاً إنّ حضرتك تكلّمني كأبّ.



شَبك المُدير أصابع كفّيه، واضعاً إياهما تحت ذقنه وهو يقولُ بنبرةٍ هادئةٍ، لم تَخلُ من حَزم رُغم ذلك:
- اسمع يا ابني، أنتَ بقالك معانا هنا قُرب السبع سنين.. دايماً كُنت مُنظّم ومُلتزم بشُغلك زي الفُلّ..
وأنا هراعي ده، ومش هحاسبك على الأيام اللي غيبتها.



لم يتحدّث "عُديّ"، بل اكتفى بنظرةٍ صامتة، تحملُ من معاني الامتنان والشُّكر الكَثير.. فالتقط المُدير النَّظرة، إلا أنه استعاد شخصيته الصَّارِمة قائلاً:
- مش هسألك طبعاً عن سبب الغياب، لأني مُتأكد إنها ظروف خارجة عن إرادتك..
لكن لو تكرر الموضوع تاني، مش هكتفي بالتحذير.. وهخصِم منّك على طول!



أومأ "عُديّ" برأسه علامة الموافقة، قائلاً بامتنان، وهو يستعدُّ للقيام من مجلسه:
- حقّك.. وبجد مُتشكّر جداً لذوق حضرتك، وبإذن الله ربنا يبعد عني أي أسباب تمنعني عن إني آجي المدرسة.



هَزّ المُديرُ رأسه باستحسانٍ، مُشيراً له بكفّه بمعنى "يُمكنكَ الخروج".. دُونما كلمةٍ أخرىٰ.. فلم يكن بطبعه يُحبّ المَديح والمُجاملات، إلا أنَّ الحَقَّ حَقّ!



سَار "عُديّ" خارج المَكتب، وكُلّ ذرّةٍ به تحمدُ الله على تيسيره للأمر..
تذكَّر بابتسامةٍ خجول، أواخر الآيتين من سورة (الطّلاق).. 



﴿... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا﴾ [الطلاق: ٢]



﴿... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا﴾ [الطلاق: ٤]



خجولٌ، لأنه رُغمَ ذنوبه، وتقصيره كثيراً بحقّ الله..
إلا أنّ الله ﷻ، جَعل له مَخرَجاً!




        
          
                
ثم نظر لساعة يده، قبل أن يُسرع خُطاه للمتجر القريب من المدرسة..



سيعملُ على إدخال السعادة بقلوب أطفال فصله.. حمداً لله على لُطفه به..



ورُبّما على رزقه بـ"يُوسُف"، الذي أصبحَ ابناً له، لم يُنجبه..
وصديقاً له، رُغم فارق السِنّ بينهما..
وأخاً وسَنداً له، كما أصبحَ هو للصَبيّ!



_______________



بعد انتهاء اليوم الدراسيّ، وخروج "عُديّ" من مبنى المدرسة..
لم يتّجه فَوراً لركوب الحافلة العامة.. بل تلكّأ قليلاً في سيره، مُخرِجاً هاتفه من جيب بنطاله..
بحث لثانيةٍ في الأسماء.. حتى وجدَ الاسم الذي بسببه، حَدثت له أشياءٌ ونَّقيضها!



التقىٰ بـ"يُوسُف"، وأحبَّه قلبه.. ورُغمَ ذلك تشاجرت معه "ريتاچ"!
استعانَ به صديقه الصَّغير، ولكنّه أصبح في القائمة السَّوداء لـ"شهاب" رُغم ذلك..



أمّا الشيءُ الأروَعُ على الإطلاق..
لا! هُما شيئان!



الأوّل، هو وجود "يُوسُف" معه، والذي اعتبره بمثابة والده، بسماحة صدر..



والثاني، هو رؤيته لجانبٍ آخر من "ريتاچ"!
جانبٌ لطيف.. تخشىٰ على من معها، رُغم بعض التصرّفات المُتهوّرة!
جانبٌ، جعلها بناظِره أنقىٰ وأجمل بكثيرٍ من زوجته السَّابقة!



"تباً! لا يجدُرُ بي مُقارنةُ تِلكَ الفراشةِ، بالأفعىٰ القديمة.. أوَلستُ هكذا أخونُها، وإن كان بذهني؟!"



هذا ما دارَ بخُلده، وهو يضغطُ مرةً أخرى على رقم "شهاب".. فالوَغدُ لم يُجِب بَعد!



ثانية..
ثانيتان..
ثلاث..



قبل أن يسمع الطَّرف الآخر، يُجيبُ بقدرٍ كبيرٍ من الخشونة والبرود بآنٍ واحد:
- مين؟!



أخذَ "عُديّ" نَفساً، يُحاوِل تهدئة ذاته حتى يكون الطَّرف الأقوىٰ.. قائلاً:
- معاك "عُديّ"! كُنت عايز نتقابل ونتكلم ضروري.. يمكن نوصل لحلّ وَسط ننهي بيه كُلّ العبثيات دي!



لا يعلمُ أحدٌ، ولا "شهاب" ذاته.. قَدرَ المُجاهدة التي وُضِع "عُديّ" بها، وهو يُقاوِمُ رغبته بالتَّحدّث بحِدّة وبُرود..
ورُبّما بعضُ السُّباب الذي لا يُجيده للأسف!



- تعالىٰ كافيه (           ).



قالها الآخر بنبرةٍ مُتغطرسة.. فشعر "عُديّ" برغبته بإوساعه ضَرباً ورَكلاً..
غير أنه أجابه بذات نبرته، ويكأنهما داخل مُسابقةٍ لمن سيكون الأكثر بروداً:
- نُص ساعة، وتلاقيني هناك بإذن الله.



قبل أن يُغلق مُكالمته، في مُحاولةٍ لإثارة أعصاب "شهاب"!



أوَلم يبدأ الآخر حربَ البرود والاستفزاز؟ إذاً ليتلقَّ رَدَّ الفِعل!




        
          
                
_______________



- خير؟!



قالها "شهاب" ما إن جلس أمام "عُديّ" وتفصلُ بينهما الطَّاولة..
نظرَ له "عُديّ" بحنق، قبل أن يقول مُباشرةً:
- عايز كام يا "شهاب" وتبعد عن حياتنا!



ضحكةٌ مُجلجلةٌ، صَدرت من فم "شهاب" بسُخرية، جعلت "عُديّ" يودُّ بشِدّة كسر فكّه..
انتبه "عُديّ" أنه، ومُنذُ تعرّفه على "شهاب".. أصبحَت الرغبات العدائيّةُ العنيفة، تُراوِد عقله..



- أنتَ فاكرني مادّي للدرجادي يا شيخ "عُديّ"؟!



قالها "شهاب" بنبرةٍ ساخِرةٍ في باطِنها، يصطنعُ البراءة في ظاهِرها.. 
فأجابه "عُديّ" بهدوءٍ وحَزم:
- وأنتَ فاكرني حقير لدرجة إني أطلّق مراتي من غير سبب؟!



كان الاثنان ينظران لبعضهما بتحدٍّ، ينتظرُ كُلٌّ مِنهُما الآخر أن يرضخَ له..



أحدُهما رَجلٌ، بكُلِّ ما في تلك الكَلِمة من مَعانٍ وصِفاتٍ جَميلةٍ ونَبيلة!
والآخرُ وَغدٌ، وأيضاً بكُلِّ ما في تِلك الكَلِمة من مَعانٍ وصِفاتٍ حَقيرةٍ وقَذِرة!



إلىٰ أن شَقَّ ذلك السُكون، صوت "شهاب" وهو ينظرُ للآخر بابتسامةٍ خبيثة بعدما عاد بظهره يستندُ على الكُرسيّ:
- 100,000 جنيه، وعشان أنا طيّب هدّيك مُهلة أسبوع تدبّر المبلغ.. عشان بردو حرام أنتَ مُدرّس!



ارتجَّ داخِل "عُديّ" بقوّةٍ من كِبَر المَبلغ بالنسبة له!
حاوَل قَدرَ المُستطاع أن يُسيطر على ملامح وجهه، كي لا يُشعر الآخر بالانتصار قبل أن يبتلع ريقه، ويُجيبه بهدوءٍ وبُرود اغتصبهما لصوته:
- بإذن الله وَحده، المبلغ هدّيهولك قبل يوم الاتنين الجاي كمان.. أهم حاجة تبقى أنتَ كمان راجل وميبقاش ليك دعوة بيهم!



اتّسعت عينا "شهاب" من الجِدّية والثِّقة بصوتِ "عُديّ".. ووَدَّ بداخله لو أنه رفع المَبلغ عن ذاك..
إلا أنه مدّ كَفّه تجاه "عُديّ" قائلاً:
- وَعد!



ثم استقام من مجلسه، دون الاستئذان من الآخر حتى.. ورحل عن المكان بذات الكِبر والغرور اللذان دخل بهما..



بينما عِند "عُديّ"، فيعلمُ الله وَحده ما يشعرُ به من ثِقَل الهَمَّ على كتفيه!
زَفر بقوّة، وهو يستحضرُ دُعاء النبي ﷺ، والذي هو بحاجةٍ إليه بشدّةٍ الآن..



هَمسَ بصوتٍ يسمعه هو فقط:
- "اللهم إني أعوذُ بِكَ من الهَمِّ والحَزَن، والعَجزِ والكَسَل.. وأعوذُ بِكَ من غَلَبةِ الدَّين وقَهر الرِّجال".



ظَلَّ يُردِّدُ الدُّعاء بينه وبين ذاته، وهو يتّجه بخُطواته لباب الخُروج..



رَنَّ هاتفه، فظنَّ أنها والدته قد قلقت من تأخره.. 
فأخرج هاتفه من جيبه، وإذ بابتسامته تتسعُ على ثغره، وشعوره بالسَكينة يتخللُ جُنبات روحه..




        
          
                
- السَّلام عليكم!



قالها بابتسامةٍ هادئةٍ، ظهرت رُغم ذلك بنبرته.. بينما يُخبرُ سائق سيارة الأجرة التي استوقفها بمكانِ منزله..
أجابت "ريتاچ" بسُرعة، ونبرةٍ بها بعضُ التهدّج ورُبّما القلق:
- "عُديّ" أنتَ اتأخرت كدة ليه.. مامتك و"يُوسُف" قلقوا عليك!



نظر من النّافِذة، يهمسُ بعَبثٍ خجلت له الأخرىٰ:
- ومامت "يُوسُف" مقلقتش عليا؟!



اتّسعت ابتسامته حين قابله صمتها، الذي وَضَّح خجلها.. فأكمل حديثه بهدوء:
- عموماً، أنا جاي في الطَّريق بإذن الله.. كُنت في مشوار كِدة وقابلت واحد أعرفه.



لم يَدرِ لِمَ رَغِب بأن تستمرَّ المُكالمة إلى أن يصل للمنزل..
ثم يصلُ، ويجلسُ معها.. يحكي لها، ويسمعُ مِنها.. وفقط!



إلا أنها أجابته بقلق لا ينفكُّ من صوتها:
- قابلت "شهاب" صح؟ طَمنّي عَملّك حاجة؟ طب قالّك ايه؟!



رُغم حنقه واشمئزازه من ذكر اسم ذاك الحقير الذي قايض ابنه بالمال بكُلِّ بساطة.. إلا أنه لم يهتمّ سِوى لكلمة واحدة خرجت منها..
"طَمنّي عَملّك حاجة؟"



مَسح على لحيته الصغيرة، قائلاً بهدوء:
- حتى لو عملّي حاجة، بعد ما سمعت صوتك وهو قلقان عليّا كِدة.. هيروح أي ألم!



وقبل أن تسأله عن شيءٍ آخر، قال لها ببعض المُزاح والخُبث:
- هحكيلك لما آجي، ولا أنتِ شكلك مش عايزانا نتكلم في البيت؟



تلعثمت وهي تُبررُ له، فضحك هو بشِدّة، وطريقةٍ جعلت قلبها يرقصُ طَرباً..



قبل أن تُغلق المُكالمة، وتتجهّزُ لقدومه..
وقد قررت أن تُفاجئه بهيئتها التي ستختلفُ عن كُلِّ مرّةٍ رآها فيها..
ورُبَّما تُخبره أنّها ترغبُ باستمرار زواجهما!



_______________



وبينما على الطَّرف الآخر، حيثُ كان يُمسكُ "عُديّ" بهاتفه بابتسامةٍ جميلةٍ ارتسمت على وجهه..



خَطَر له أنّ حديثه معها، جعله يشعرُ بسكونٍ وطُمأنينة..
رُغم أنّ حياتها بالأصلِ صاخبةٌ بعض الشيء مُقارنةً بحياته..
ورُغم أن بداية لقائهما كانت صاخِبة..
ورُغم أنه تعرّض لشيءٍ لم يتعرّض له مُطلقاً من قبل..



إلّا أنّ كُلُّ ذلك يتبخَّرُ مع نبرةِ صوتها القَلِقة دائماً.. وعسليّتيها الجميلتين..



ضغط "عُديّ" على خيار (تعديل الاسم).. قبل أن يمسح اسم "ريتاچ"، ويكتب بدلاً منه:



(زَوجِي، ورُوحِي.♡)



وبينما يضغطُ على حفظ الاسم، إذ وَصلت له رسالةٌ.. قد لَمَح اسم مُرسِلها، وهو "شهاب"!



عقد حاجبيه، فقد كانا مُنذُ قليلٍ معاً، فماذا هناكَ أيضاً؟!
فَتح الرِّسالة، ومَرَّر سوداوتيه عليها.. بينما شعور الصَّدمة يتفاقمُ مع كُلِّ حَرفٍ فيها..



جزءٌ كبيرٌ مِنه يُكذِّبُ كُلَّ حرفٍ، بجوارِحه كُلِّها.. وأنَّ "شهاب" يقومُ بالافتراء على "ريتاچ"!



فعلى أيّ حالٍ، قد أثبَت "شهاب" حقارته أكثر من مرّة..
وليسَ غريباً أن يقومَ باتّهامٍ امرأة، بأنها كانت تُحادِثُ الشَّباب بوقتٍ ما.. وهي الآن على ذِمّة رجلٍ آخر!



يُتّبع...



*****

 


google-playkhamsatmostaqltradent