رواية العسقلة الماكرة الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم ايمان كمال
احب اشكركم جدا على تعليقاتكم الجميلة، وبرغم نسب المشاهدة العالية والقليل منكوا بيكتب رأيه، لكني سعيدة، وشكرا لكل واحد قرأ في صمت وما زال متابعها..
لسه احداثنا مخلصتش، ودخلنا في مرحلة جديدة؛ الا وهي مرحلة تصفية الحسابات، وحل العقد، وكل واحد غلط هيتحاسب، ويشرب من نفس كأس المرار والألم..
اتمنى ان المتبقي ينال رضاكم مثل البدايات..
الفصل السادس والثلاثون
ياسر بقلق: انتي كويسه يا حبيبتي؟
شادية بمجرد ما قامت من على السرير، حست بدوخه وزغلله، فردت قبل ما التليفون يقع من اديها وقالت: الحقني ياياسر.
ياسر حس ان قلبه هيقف من الفزعه والخضة عليها، لسانه اتلجم زي ما يكون اتربط، اخد المفاتيح وجري بأقصى سرعة على فليتها كأنه بيسابق الدقايق والثواني، فتح الفيلا واخد درجات السلم بسرعة رهيبه وفتح باب اوضتها لاقها واقعه على الأرض مغمي عليها، شالها بمنتهى الحنان بين ايده كأنها قطعه من الماس خايف عليها تتخدش او تنجرح، اخد ازازة برفان من على التسريحه وبيد مترتعشه من الخوف عليها رش على ايده وشممها، احساس الفقدان سيطر عليه، دموعة نازله من عينه مش متخيل انه ممكن يفقدها في لحظة، لما غابت من الفوقان كان هيتجنن، فضل يهزها وبصوت مهزوز مبحوح قالها: ماما بالله عليكي فتحي عينك وردي عليا، فيكي ايه يا حبيبتي، ماما اوعي تسبيني انا من غيرك اموت، مقدرش اعيش لحظة من غيرك.
فتحت شادية عينيها وابتسمت بضعف وقالت: ياسر حبيبي انا كويسة، متعملش في نفسك كده.
ياسر عرف يتنفس طبيعي واخدها في حضنه زي ما تكون غايبه عنه سنين مش ساعات، وقال بجدية : احنا لازم نروح نكشف حالا عشان اطمن عليكي.
شادية باعتراض: مفيش داعي انا بقيت كويسه.
ياسر بقلق سألها على سليم فردت عليه: محستش بيه لما نزل، مرضيش يزعجني.
ياسر اتصل عليه فرد سليم وبلغه بتعبها فقال: هاتها بسرعة يا ياسر، هي بقالها يومين مش مظبوطه وطلبت منها اكتر من مره نكشف وكانت بترفض، لو سمحت ادهاني.
اخدت شادية منه الهاتف واول ما سمع صوتها قال: شوشو حياتي البسي وهكون في انتظارك، ارجوكي عشان اطمن عليكي اسمعي الكلام.
شادية هزت راسها بالموافقه وبلغته انها هتيجي، قفلت معاه وهو ساعدها انها تقوم، وطلع ليها لبسها، واستناها لحد ما تجهز، واول ما خرجت اخدها وطلع على المستشفى اللي شغال فيها سليم، وكان في استقبالها، معالم القلق كانت مسيطرة عليه، ضمها بخوف من فقدانها، وبعدين اخدها لمعمل التحاليل وعملها مبدئيا كل التحاليل اللازمه عشان يطمن عليها، ويحدد هتكشف تخصص إيه، انتظروا نتيجة التحاليل في اوضة فاضية واعتذر عن الحالات وفضل جنبها، محتويها في تعبها، وياسر قاعد جنبها من الناحية التانية، وهما الاثنين بيغرقوها باهتمامهم لدرجة ان شادية حسدت نفسها من غير قصد على كل الحب ده.
ومر الوقت وظهرت نتيجة بعض التحاليل، وخبطت دكتورة التحاليل
ودخلت قدمت الملف لسليم، اللي بص فيهم واول ما خلص، علامات الصدمة بانت على وشه، انسحبت الدكتورة وخرجت وقرب ياسر وسأله برعب من شكله: التحاليل فيها إيه يا سليم انطق انا مش قادر اتمالك اعصابي.
سليم قفل الملف والصمت على ملامحه مدموج بعلامات الصدمه، حطه على التربيزه، وبصلهم وقال: شادية حامل !!
ياسر بصله جامد مش مصدق اللي سمعه، قرب منه ومسكه من كفته وقال: انت بتقول إيه ؟ اللي سمعته ده حقيقي؟ اكيد في حاجة غلط، والتحاليل دي مش بتاعتها.
سليم هز راسه برفض وقال: التحاليل صحيحه للأسف.
شادية كانت في عالم تاني... عالم فضلت تحلم بيه لسنوات طويلة ان يكون عندها طفل من حبيب عمرها، وعشانه اتخلت عن حلم اي بنت ان يكون عندنا طفل، واكتفت بياسر عوض ليها، ودلوقتي ربنا عوضها وهتخلف من سليم، الفرحة مكنتش سيعاها، قامت وقربت اوي من سليم وحطت اديها على خده وبصتله جوه عيونه بكل حب سنين عمرها ليه، وقالت ودموع الفرح نازله بتبارك ليها : سليم قول اني مش بحلم.. قول اني شايلة في رحمي حته منك، سليم اوعى تكون بتكدب عليا.
سليم عيونه جاوبت بنعم، وكان شايف فرحتها ومقدرش يموتها ويبلغها انه لازم ينزل، لكن ياسر اللي صدمته فاقت اللامعقول وهو لمح فرحة امه وكأنها مكنتش امه طول السنين اللي فاتت، قرب منهم ومسكها وسألها: انتي فرحانه انك حامل؟
شادية بعدم فهم لقصده ردت بتأكيد: انا هموت من الفرح طبعا، انت مش مبسوط يا ياسر؟
ياسر بحده مستغرب سؤالها: افرح !! ازاي عايزاني افرح يا ماما؟
ازاي اتبسط والحمل في سنك ده في خطوره عليكي، انتي مش في حمل مخاطرة، ما تتكلم يا سليم وتقولها مخاطر الحمل بعد سن ٤٥ نتايجه ايه؟ ولا تكون انت كمان فرحان وعايز الطفل؟
سليم بنفي قال: انا مش عايز حاجة من دنيتي غير شادية وبس، هي كل عمري وحياتي.
شادية استوعبت دلوقتي قصده، رجعت لورا مش قادرة تصدق كلامهم، وردت بعنف وحده، وهي حاضنة بأديها الاثنين بطنها بحنان امومي، كأنهم درع بتحميهم من غدرهم ومقصدهم وقالت بهسترية: مستحيل حد هيأذي ابني او بنتي ابدا، حتى لو هموت مش مهم اموت، المهم هو يعيش ويشوف الدنيا.
هنا ياسر صرخ فيها وقال: وانا إيه يا ماما مش ابنك؟ طول عمرك بتقوليلي انت ابني اللي مخلفتهوش، ولا كان ده وهم، ودلوقتي عايزه تحرميني منك عشانه.
شادية بدموع ردت: ياسر افهمني، انت ابني وربنا يعلم، لكن نفسي اجرب احساس نبض طفل جوايا بيكبر، ومش اي طفل ده من اكتر انسان حبيته واتمنيت اخلف منه هو وبس، ازاي عايزني اتحرم منه ؟ ازاي يا ناس اقتله مش ممكن ؟!
ياسر نظراته كانت بتجلد شادية، لكنها صممت على رأيها، فسليم ادخل وقالها وهو بيحاول يقنعها تغير رأيها قال: يا شادية استمرار الحمل في خطورة عليكي، وانا لو كنت عايز عيال؛ كنت اتجوزت من زمان، لكن انا مش عايز حد الا انتي اكمل الباقي من عمري معاه، فكري بالعقل، تستمري في الحمل واحتمال كبير يجي طفل معاق تظلميه طول حياته.
ردت بدفاع: وممكن يجي سليم ومعافي.
سليم بغضب: احتمال ضعيف جدا.
شادية بعند: ولو واحد في الميه، انا راضية بهدية ربنا وعوضة، وهتمسك بيه مهما يكون هحبه واراعيه.
ياسر بحزن جوه صوته قال: عمري ما كنت اتخيل انك ممكن تكوني انانية في يوم يا ماما.
شادية بتأثر قالت: انانية عشان مش عايزة اموت حتة مني يا ياسر؟
ياسر وهو من كتر انفعاله ضرب الحيطة بقبضة ايده قال: لا انانية عشان عايزاه، بتفضلي طفل في علم الغيب لسه مشافش النور عليا انا، وانا اللي طول عمري فاكر اني اهم حد عندك، طلعت غبي ومتوهم.
لف عشان يواجهها بعد ما كانت مديها ظهره، وبص في عنيها وقال بنبره تهديد قوية: انا هحميكي من نفسك، عشان مقدرش استغنى عنك، عشان كده بقولهالك يا ماما، اختاري ما بيني وما بين الحمل ؟!
شادية قلبها وجعها، الاختيار صعب اوي، كأنه بيخيرها ما بين روحها وقلبها، قعدت وبصتله بكسره ومقدرتش تنطقها، هو فهم ردها وقال لاول مره يحس بالخذلان منها وبنظره انكسار قال: ردك وصلني يا ماما، ويكون في معلومك، لو جرالك حاجة عمري ما هسامحك على كسرة قلبي وحرماني منك، واه ياريت متنظريش مني اني هحبه في يوم، لاني عمري ما هكره حد في حياتي زيه.
قال كلامة بالعافية، وسابهم وخرج وشعور الوجع امتلكه من جديد، كل اللي حبهم بيروحوا منه يوم بعد يوم، اولهم مرزوقة ودلوقتي اكتر واحده قلبه حبها وكانت بالنسبه له عالمه الخاص، فضل سايق مش شايف قدامه، مكنتش عينيه بس اللي بتبكي، انما بكاء قلبه كان اشد وجع وألم.
حاسس انه زي الطير المدبوح بيفرفر، واللي قامت بنحره اعز ما ليه في الدنيا كلها... احساس المرار اتملك قلبه ومع كل آسف مبقاش فيه رفيق هيستمر معاه ويصاحبه غير المرار والوجع..
وصل لفيلته وسألته هنية عنها، فرد بجمود: الحمدلله كويسه، ياريت من اللحظة دي تلمي كل حاجتك ياهنية وتروحي تعيشي في الفيلا معاهم، عشان هتحتاجك الفترة الجاية جدا.
هنية بستغراب: طب وحضرتك يا ياسر بيه.
ياسر وهو طالع لاوضته رد: انا هسافر يا هنية، يالا نفذي اللي قولتلك عليه وروحي هناك خليكي في استقبالها، وحضري الأكل واهتمي بيها.
هنية: اوامرك يا ياسر بيه، ستي شادية في عينيا.
سابها ودخل اوضته ولم كل هدومه وحطهم في شنطة، وبعدين غير هدومه ونزل للمكتب لم كل اوراقة ودفاتره الخاصة، واللاب توب وحطهم في شنطة سفر واتحرك من غير ما يبلغ امه انه هيبعد.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
موقف سليم كان صعب، خوفة من خطوره تكمله الحمل كان اقوى من احساس فرحته انه هيبقى أب، مقدرش ينكر انه عمره ما اتمنى الخلفه إلا منها هي، لكن لما رجعت ليه كان العمر والقدر اقوى منهم، ومتصورش ان ممكن يحصل حمل لكبر عمرها، فضل باصص ليها ومفيش كلام قادر يخرجة من شفايفة، اول مره تبكي قصاده ومش قادر يطبطب ويمتص وجعها ده، خبى وشه بكف ايده، يداري عنها وجعه وخوفه، واستسلم لحزنه، شادية بقت متمزعه لتاني مره ياسر بيحطها في اختيار صعب، اول مره لما خيرها بينه وبين سليم، واختارته هو، لكن المرة دي مستحيل تتنازل عن ابنها، هتفكر في نفسها ولتكن المرة الأخيرة .
قامت وركعت تحت رجل سليم، ونزلت ايده وحضنته جامد، وفضلت ساكته صوت شهقاتها بس اللي بيصرخ انها في اشد الاحتياج ليه، بادلها سليم الحضن بأقوى منها، نفسه يدخلها جوه ضلوعه... نفسه متفارقش حضنه ابدا، حس ان القدر بيعانده مش هي، بيقوله ادتهالك وفرحت قلبك، وعوضتك عن حرمانها منك، وهخدها منك في لحظة وتحرمك الباقي من عمرك منها .
دموعه نزلت من كتر حبه ليها، همس ليها برجاء: انا بعشقك يا حب عمري، مش عايزه يا شادية، انا عايزك انتي وبس، خليكي معايا ومتسبنيش، فكري فيا ازاي هقدر اعيش لو جرالك حاجة ؟ الدنيا من غيرك متتعاش ولا ثانية.. فكري فيا وفي ياسر اللي ماشي مش شايف قدامه .
شادية خرجت من حضنه وردت بانهيار تام: مش هقدر يا ناس حسوا بيا، حرام عليكوا بلاش تضغطوا عليا بالشكل ده، حتى انت يا سليم.. انت اكتر واحد مفروض تكون مقدر وحاسس بكل احساسي ومشاعري، ازاي عايزني اتقل حتة منك ومني، بذرة حبنا اللي هتكبر وتقوي علاقتنا.. ؟!
سليم بخوف: اهدي يا شادية، حبنا مش محتاج لطفل يقوية ابدا.. حبنا زي الشجرة العتيقه منتثبته في الارض وجذورها متفرعة ومتشبثة فيها، مهما يجي عليها فصول السنة برضو بتكبر وترعرع، وبتزيد في غرس جذورها.. زي حبك ما عاش جوايا سنين عمره ما قل ولا نقص في يوم، بل كان بيزيد برغم وجعه، جاية دلوقتي بعد ما بقيتي في حضني ممكن اتحمل لحظة واحدة من فراق، مستحيل اسمح بيها ابدا.
تمالك نفسه واخدها وقال: تعالي نروح عشان ترتاحي، انا هعتذر واخد اجازة، يالا بينا، وربنا يحلها من عنده، ونشوف دكتوره النسا هتقولنا إيه ؟
اتحركت شادية معاه وعينيها بتترجاه ميتخلاش عنها هو كمان.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ساق ياسر ومش عارف يروح فين، ولا الطريق موديه لحد فين، مفيش مكان محدد عايز يعتزل فيه، كل اللي عايزه انه يهرب من العالم كله ويكون لوحده يتقوقع جوه احزانه وبس، نفسه عقله يقف عن التفكير، اتمنى انه حتى يفقد ذاكرته عشان يبدأ حياة تانية غير حياته اللي بقت كلها عذاب واحزان ملهاش آخر.
غصب عنه فضل يفكر في امه، حالتها دلوقتي عامله إيه ؟ هيتجنن ويطمن عليها؟ طب هتعمل إيه لما تعرف انه ساب البيت؟
معرفش ازاي جتله الجرأة يعملها، ده عمره كله كان معاها، حياته مقفوله عليهم هما الاثنين وبس، مفيش يوم غابت عن عينه ومشفهاش، طب ازاي هيقدر يعيش من غيرها ويبعد ؟! الاجابة كانت مؤلمه عليه جدا، ومعرفش حتى يتخيلها ويصورها.. برغم انه كاتب وبيعرف يشرح الآلم البعد والشوق، إلا انه في اللحظة دي مش عارف يوصف ويتخيل حياته هتكون شكلها إيه من غير امه ما تكون جنبه؟!
حس انه رجع طفل صغير من تاني، طفل لسه فاطمينه منها ومش قادر يبعد عن دفئ حضنها، سأل نفسه ليه قدره عايز يدوقه طعم الحرمان من تاني، ويعيشه من جديد بس المرة دي وهو واعي اكبر ومشاعره ناضجة، غمض عيونه بوجع وقرر يروح البلد بتاعتهم، ويغير جو يمكن يهدى، فغير خط سيره وتوجه لهناك.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصلت شادية لفيلا ياسر، ودخلت تنادي عليه، قابلت هنية شايلة شنطة هدومها، سألتها عنه فقالتلها: ياسر بيه جه من بره قالي حضري هدومك وهتروحي عند ماما في فلتها عشان انا هسافر، وطلع لم حاجته ومشي.
شادية حطت اديها على قلبها، حست انه ضاع منها للأبد، وانه نفذ كلامه، بصت لسليم وقالتله بترجي وهي مش مبطله عياط: ياسر ضاع مني يا سليم، رجعلي روحي، انا ممكن اموت لو بعد عني.. انا عايزة ابني، هاتلي ابني، يا ترى روحت فين يا حبيبي... يارب ردوه ليا ومتحرمنيش منه، انا مليش غيره.. ليه تعمل كده في امك يا ياسر؟ طب كنت ازعل مني بس وانت قصاد عيني؟ ليه تحرمني منك ومن البصه في عينك؟
والله ده حرام اللي بتعمله فيا ده؟
سليم طبطب عليها وقال: اهدي يا شادية، ياسر مش عيل صغير، ده راجل وناضج، يعني هيروح فين بس، اكيد سافر يومين في اي مكان يريح فيه اعصابه وبعدين يرجع.
هزت راسها بنفي وقالت بحسره ويأس: ياسر مش هيرجع، انت متعرفهوش زي، ياسر غضبه وزعله وحش زي الإعصار الشديد اللي بيهد ويدمر بلاد.
سليم بهدوء رد: مهما زاد مده الاعصار مسيره يهدى وكأنه ما كان.
شادية بألم ووجع ردت: لكن مع كل آسف هيكون دمر حاجات كتير صعب انها تتصلح وترجع زي الاول.
سليم فهم قصدها، واقومها عشان يروحوا بيتهم، وراحت معاهم هنية، وطلب منها سليم انها تحضر الأكل عشان تاكل، رفضت شادية، لكن مع الحاحه وافقت، وفضلت طول الوقت تفكر ممكن يروح فين ؟ وتسأل مين عنه؟ ده طول عمره وحيد وملوش اصحاب، ولا ليهم معارف، فكرت في مجدي مسكت تلفونها واتصلت بيه وسألته، وزاد حزنها لما عرفت انه مش معاه، وطلبت منه يبلغها بأي حاجة يوصل ليها.
فضلت رايحه جاية مش عارفه تتصرف ازاي، عقلها هيشت منها، هتجنن من غيابه، حاولت آلاف المرات تتصل بيه قافل تليفونه عشان متوصلش ليه، رد فعله كان قوي، وعقابه كان اشد قسوة.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وبعد عدة ساعات وصل ياسر للفيلا بتاعت جده اللي اتربى فيها وهو صغير، دخل من البوابه ولما لمحه عم عثمان جري وراه عشان يرحب بيه.
دخل ياسر جوه الفيلا ولحظات الحنين شدته لكل ركن بص عليه، وعلى كل حيطه متعلق فيها صوره مع امه شادية، مفيش صوره غير وهي مشاركاه كل لحظات عمره وحياته، صوره وهو بيحتفل بعيد ميلاده.. صوره وهي بتحضنه في اول يوم مدرسه، صوره وهي بتلعب معاه، وغيره وغيره من الصور الكتير وذكريات ومشوار حياة طويل، ازاي قدرت نساه وتفضل عليه حد تاني، قرب من حيطة متعلق صوره كبيره ليها لوحدها رفع ايده ومشى على كل ملامحها اللي اشتاق ليها اوي، ومعرفش هيقعد هنا ازاي ويتحرم منها، فاق على صوت البواب اللي بيحرس الفيلا قاله: يا الف مرحب، اهلا وسهلا يا ياسر بيه نورت البلد، مقولتش ليه انك جاي عشان ندبح الدبايح ترحيب بيك، ده انت بقالك كتير منورتناش، امال الست شادية مجتش معاك؟
ياسر بحزن: لا ماما في الفيلا، انا بس اللي قعد شوية اغير جو، شوف انت بس حد ينضف اوضتي.
عم عثمان رد: اوضتك نضيفة وزي الفل، الفيلا كل يوم بنهويها ونضفها ونمسحها كل اسبوع، تحسبا ان حد يجي على غفلة، دي كانت اوامر ست شادية، تحب نجهز لقمه كده سريعه.
ياسر وهو بيتحرك لفوق رد: شكرا مليش نفس، انا بس محتاج ارتاح، روح انت مش هحتاج حاجة، واي حد يسأل عني انا مش موجود، مفهوم.
عم عثمان رد بطاعة: مفهوم يا بيه، تصبح على خير.
طلع ياسر وعثمان مستغرب حالته جدا، عمره ما جه لوحده ويبات من غير امه ابدا، حس ان الموضوع في آنه، خرج يروح على اوضته اللي جنب البوابة وذهنه بيفكر ومشغول.
حط ياسر شنطته على السرير وفتحها عشان يرص هدومه في الدولاب، ويطلع كل شغله ويرصهم على المكتب اللي موجود على جنب مخصوص عشان لما كان بيجي يقعد هنا ويشتغل، واخد شور، وغير هدومه وحاول يستريح من تعب اليوم الطويل، حس ان الصداع يفرتك راسه، قام يدور على اي مسكن ياخده، ملقاش، فتح الدولاب ولمح كرافته، مسكها وربط بيها راسه اوي لعلها تهدي الوجع والطبل اللي جواها، ومدد على السرير، وقال: يا ريتني اعرف اسكن وجع قلبي زي ما بحاول اسكن وجع راسي.
لمح بعينه صورة شادية في برواز على الكومدينو جانبه، مسكه وبصلها كتير وقال بوجع: ليه تعملي فيا كده؟ ليه توصلينا لطريق مسدود، وتضحي بحياتك عشانه؟ ليه يا ماما ده انا مليش في الدنيا دي حد غيرك، ولا عايز حد غيرك.. انتي كل الاهل والاحباب والصحاب.
غمض عينه وحضن صورتها واستسلم للنوم، يمكن يلاقي فيه راحته.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
مجدي بيعمل اتصالاته بكل معارفه في المرور يمكن يوصل لأي معلومه تفيدهم، ومن خلال ارقام عربيته عرف هو راح فين، اتصل كتير بشادية لكن فونها دايما مشغول، راح يخلص تصوير اخر مشهد النهارده وقرر يروح يبلغها بنفسه عشان يطمنها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الليل عتم ظلامه السما، واختفت كل النجوم والعتمه هي اللي سيطرت في غياب قمر الزمان، شادية واقفه في شباك اوضتها عقلها هيتجنن من عدم رجوعه، ومش في اديها حاجة تعملها غير انها تنتظر وبس، كل محاولات سليم في انه يهديها باتت بالفشل، مفيش على لسانها إلا ياسر عايز ياسر وبس، سمعت فونها بيرن، جريت عليه زي المجنونه لعله يكون هو، لكن اكتشفت انها جهاد ردت بسرعة ومن نبرة صوتها سألتها جهاد وحكت ليها على كل حاجة، فردت جهاد: اخس عليكي يا شوشو كل ده يحصل من الصبح ومتبلغنيش بيه، انا مسافة الطريق وجيالك، مستحيل اسيبك في الظروف دي.
شادية بوجع ردت: مكنتش فايقه والله، انا من الصبح زي ما اكون حد ضاربني على راسي بشومه ومفقوتش لحد دلوقتي، خليكي مرتاحه انا مقدره ظروف شغلك والتصوير واخد كل وقتك.
جهاد بزعل: ازاي تقولي كده، تهون الدنيا كلها والشغل يتأجل، بس انتي متهونيش ابدا، هاخد تاكسي وهكون عندك على طول.
من حسن حظ جهاد انها خلصت تصوير، وقفت تاكسي وبلغته العنوان، وطول الطريق بتفكر يكون راح فين؟ وبتحاول تفهم شخصيته العجيبه، الصعبه اللي محدش يعرف يتعامل معاها بسهوله.
فكرت كتير ومره واحده قالت لنفسها: هو مكان واحد مفيش غيره، واكيد هناك.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
فتحت جهاد باب اوضة نومه، وقعدت تتأمل فيه وهو نايم، مكنتش مصدقة انه قدامها، قعدت جنبه وفضلت تمشي بأديها على خصلات شعره، وعلى خده بنعومه كأنها بتعزف على اوتار قلبه، فتح ياسر عينه ومش مصدق انها قصاده، لسه هيهاجمها ويزعق فيها، سبقته وقالت بمنتهى الرقه والميوعه: وحشتني اوووي، كنت بموت كل دقيقة من غيرك ..
ياسر كل حصونه انهارت ومعرفش يرد ولا يقاوم سحرها، ابتسمت له بسعادة اللقا، ولفت اديها حوالين رقبته وقربت من وشه وقالت: كده اهون عليك تبعد عني كل المده اللي فاتت، معقول لحد دلوقتي مش عارف انا بحبك اد إيه ؟ انا مش بس بحبك، لا انا بتنفسك يا ياسر، بموت فيك.
ياسر تنح ومش مستوعب اعترافها بحبه، رده الوحيد كان انه اخدها في حضنه وضمها اوي وفضل يبوسها بجنون بشوق كل الأيام الأسابيع اللي فاتت، وبعد وصلة الغرام الطويلة قالها: انا اللي بعشقك يا مرزوقة، بحبك لدرجة متتخيلهاش.
مرزوقة وهي بترمي نفسها في حضنه قالت: اوعى تبعدني عن حضنك تاني يا ياسر، عاقبني بأي عقاب في الدنيا الا انك تحرمني من حضنك، انت متعرفش هو بالنسبه ليا إيه ؟!
هو الوطن... الدفا.. الأمان اللي بلاقي نفسي جواه، عشان خاطري خليني دايما جواك، خاصمني وعاتبني بس وانا جواه .
ياسر مش قادر يتحكم في مشاعره، ومش قادر يصدق كل الحب اللي بتقوله ضمها اوي بقوه راجل عاشق بجد.. حبيب مشتاق واخيرا حبيبته بين دراعه مشتاقه زيه واكتر قال بصعوبه همس: انا عمري ما هقدر اخرجك منه ابدا ابدا، ده انا ما صدقت تيجي وتدخلي جواه، حضني كان متحرم على كل بنات حوا، وجيتي انتي سكنتيه وملكتيه، انا معرفتش طعم الحياة الا دلوقتي وانتي بين ايديا، بحبك اوي يا مرزوقة، وقلبي عمره ما داق الحب إلا على ايديك انتي.
سكت لحظة وافتكر حاجة وسألها: بس تعالي هنا انتي عرفتي مكاني ازاي؟
ياترى مرزوقة عرفت مكانه ازاي؟
وهل شادية هتستمر في حملها؟
وهل عندها حق انها تحتفظ بيه رغم الخطوره على صحتها؟
لمعرفة الإجابة تابعوني مع احداثنا اللي لسه مليانه كتير من التشويق والاثارة من روايتي المتواضعة..
العسقلة_الماكرة
بقلمـ إيمان كمال ✍️
إيمووو
•تابع الفصل التالي "رواية العسقلة الماكرة" اضغط على اسم الرواية