رواية حتى اقتل بسمة تمردك (2) الفصل الرابع عشر 14 - بقلم مريم غريب
حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖
**************************************************************************************
في صباح اليوم التالي ..
إستيقظ"عز الدين"بعد أن قضي الليل علي آريكة مكتبه ، ثم أخذ حماما و حلق لحيته التي نمت كثرا ، لكنه رفض تناول الطعام طوال اليوم ، كما أنه كان يعاني صداعا رهيبا ، و ظل هكذا لمدة يومان ، حيث بدا أحسن حالا ، و أكل قليلا في الأفطار حيث إنعزل بنفسه عن بقية أفراد الأسرة ..
و في المساء بدت عليه علامات تؤكد رجوعه لحالته الطبيعية مما أراح"داليا"التي كانت تتحين الفرص لكي تلقي نظرة فاحصة عليه ، بينما عاد أخيرا إلي عمله و بدا أنه شفي تماما ..
فيما كان قلق"داليا"علي مرض"عز الدين"قد أنساها الكثير من الأمور ، لكنها الأن تذكرت كل شيء بتعقيداته ، لأنها أرادت من قبل لمائة مرة أو أكثر أن تتحدث معه عن تلك المرأة التي كان لها دور هام في حياته ، و عندئذ لابد أنه سيضطر إلي التعليق علي هذا ، أو علي الأقل يشرح الوضع ، لكن الشجاعة خانتها ، فهو لا زال غاضبا و لا سبيل إلي رده عن غضبه إلا إذا فعل هو ذلك بنفسه ..
كان كل يوم يمر يزيها توترا ، لتوقعها أن تكون علاقته بـ"جومانة"قد توطدت من جديد !!
*****************************************************************************************
-ده اللي انا كنت خايفة منه ، و حذرتك يا عبير .
قالت"ريم"ذلك تخاطب "عبير"هاتفيا ، ثم تابعت في لوم:
-للأسف ما سمعتيش كلامي ، اهي اللعبة كلها اتقلبت عليكي.
-خالد اتغير اوي يا ريم.
هتفت"عبير"باكية ، ثم أضافت بنبرة متهدجة:
-مش مصدقة انه بيعاملني بالطريقة القاسية دي ! عمري ما شوفته كده يا ريم.
ثم إزدادت همهمات بكائها ، فتأثرت"ريم"لتعاسة صديقتها ، ثم راحت تهدئها قائلة:
-طب خلاص يا عبير اهدي ، ان شاء الله كله هيبقي كويس ماتقلقيش ، بس اهدي انتي دلوقتي عشان خاطري.
و بالفعل ، إستطاعت"عبير"أن تهدأ قليلا ، بينما قالت"ريم"في تردد:
-بس ارجع و اقول انتي اللي غلطانة ، اتصرفتي بطيش كالعادة و هو اصلا استحمل منك كتير و كان علي اخره ، فعمل فيكي كده.
ثم تابعت في لطف:
-معلش بقي حاولي تستحملي شوية و هو اكيد هيهدا من ناحيتك بعد فترة.
-انا بقيت بكرهه اوي يا ريم ، ده بيتعمد يهيني طول الوقت بالكلام و النظرات ، معاملته ليا كلها اهانة و قسوة.
ثم إزدردت ريقها بصعوبة ، و قالت في حزم:
-مش هاينفع افضل معاه ، عمري ما هاسامحه ابدا.
ثم أضافت في آلم:
-ده انا كنت بدأت احبه ، و الله كنت بحبه.
-و لسا بتحبيه يا عبير.
هتفت"ريم"بقوة ، ثم تابعت في لطف:
-بس انتي لسا زعلانة منه .. قولتلك معلش استحملي شوية و هو هايرجع زي الاول صدقيني.
إبتسمت"عبير"في مرارة ، ثم قالت ساخرة:
-هايرجع زي الاول ! بقولك مابقاش بيحبني ، بيعاملني اسوأ معاملة .. مش عارفة اشرحلك ازاي تاني !!
-انا عارفة يا عبير ، لكن انتي لازم تعذريه ، ماتنسيش انك غلطتي في حقه كتير ، يعني تخيلي كده لو كل اللي جري قبل كده ماكنش حصل .. مش كنتي هاتعيشي معاه عادي ؟ مش كانت حياتكوا هتبقي هادية ؟ و كان هو هيفضل يحبك اكتر و اكتر ؟؟
تأملت"عبير"كلامها متحسرة ، ثم قالت:
-و اللي حصل العكس يا ريم !
-كله ههبقي كويس صدقيني ، بس انتي حاولي تكسبيه تاني و استحملي.
ثم صاحت متسائلة:
-و صحيح بالنسبة لكليتك ! هاتعملي ايه ؟؟
إبتسمت في تهكم قائلة:
-كلية ! ده مانعني اخطي برا باب البيت !!
تأفتت"ريم"في ضيق متمتمة:
-انتي اللي جبتيه لنفسك ، انتي اللي وصلتي نفسك لكده يا عبير.
ثم تابعت سؤالها:
-طيب اخواتك عرفوا حاجة ؟ انتي ماقولتيش اي حاجة خالص ؟؟
نفت"عبير"بقوة:
-لأ طبعا ، هاقول ايه يا ريم ؟؟
ثم تابعت بخفوت:
-بس عمر اتصل بيا امبارح عشان يطمن عليا.
ثم تنهدت في آسي ، و أضافت:
-و طبعا قولتله اني كويسة اوي و اني رجعت البيت مع خالد و انا مبسوطة و ان كله تمام و مافيش اي مشكلة.
-عملتي طيب ، يعني انتي فاكرة لو كنتي قولتيله الحقيقة كان هايسكت ؟ لا ده كان هايروح يبهدل خالد و يسأله عملت في اختي كده ليه فيقوله خالد علي كل اللي حضرتك هببتيه ، و نرجع تاني لنقطة الصفر مع كله بقي ، مع خالد و اخواتك.
شعرت"ريم"بأنها تمادت في توبيخ صديقتها ، فعادت تقول في هدوء:
-عموما زي ما قلتلك كله هيبقي تمام ، بس اصبري شوية.
بينما بدت"عبير"تعسة إلي أقصي حد ...
******************************************************************************
-انا بقول كفاية توسع ، احنا عندنا خطوط ملاحة في كذا دولة.
قال"خالد"ذلك يخاطب"عز الدين"الذي نهض من خلف مكتبه ، و إستدار ثم جلس في مواجهة"خالد"قائلا:
-و ماله لما نكبر اكتر و اكتر ؟ الربح السنوي هيزيد ، و اسمنا هيتشهر علي اوسع نطاق.
-بس المديرين اللي ماسكين الفروع مش اهل للثقة ، ممكن يعملوا شغل من تحت الترابيزة.
-لو ده حصل فعلا ساعتها الترابيزة هتتقلب عليهم ، ماتنساش ان لجن الضرايب بتعمل حملات تفتيش شهرية و ان كل مليم بيتأيد و بيوصلنا كشف بكل حاجة و الفلوس كلها بتتحول علي حساب المقر الرئيسي هنا.
هز"خالد"رأسه عابسا ، و قال:
-انا قلتلك رأيي ، و انت حر.
أومأ"عز الدين"رأسه قائلا:
-تمام ، ابدأ بقي في الاجراءات و خلص.
ثم هتف متابعا:
-و صحيح كنت هنسي اقولك .. بكرة مافيش شغل.
-ازاي يعني ؟؟
-هاديك اجازة يا سيدي ، و هاتجيب عبير و تيجوا تقضوا اليوم عندنا في القصر.
- ايه المناسبة طيب ؟؟
تنهد"عز الدين"ثم أجابه:
-فاكر لما قولتلك اني برتب لحاجة بقالي فترة ؟؟
قطب"خالد"حاجبيه متذكرا ، ثم صاح قائلا:
-ايوه فاكر ، حاجة ايه دي بقي ؟؟
أجابه"عز الدين"باسما في هدوء:
-بكره هاتعرف.
ثم عاد و جلس خلف مكتبه قائلا:
-المهم دلوقتي روح نفذ اللي اتفقنا عليه.
******************************************************************************
في الصباح التالي ...
أفاقت"داليا"علي أصوات آليات آتية من الخارج ، فتركت الفراش و إتجهت نحو الشرفة و هي تفرك بعينيها كي تري ما يحدث بوضوح ، فشاهدت بعض العمال الذين إنهمكوا في تجريف أرض حديقة القصر و إقتلاع بعض الأشجار من جذورها فيما كان"عز الدين"يتابعهم في إهتمام بالغ ..
عبست"داليا"متضايقة ، فقد إقتلعوا أكثر شجرة إستحوذت علي إعجابها
بعد قليل إستيقظ"عدنان"فأخذته"داليا"إلي الأسفل و أطعمته أولا ، ثم خرجت به إلي الحديقة ، إصطدمت بـ"عمر"في طريقها ، فسألته:
-هو ايه اللي بيحصل هناك ده يا عمر ؟؟
و أشارت له برأسها ، فزم شفتيه و أجابها:
-ده جوزك يا ستي ، بيحب كل فترة يجدد في الجنينة ، يعني يغير النجيلة ، او يوسع اماكن و يستبدلها بحاجات جديدة و كده.
همهمت"داليا"متفهمة ، ثم قالت بأسف:
-بس في شجرة شكلها كان حلو اوي اتشالت.
بينما راح"عمر"يداعب"عدنان"الذي بدا سيء المزاج ، حيث أنه أوشك علي البكاء من مداعبات عمه ، فقال"عمر"في لطف:
-خلاص يا عم ماتعيطش ، خليك مع مامتك و نبقي نلعب بعدين.
ثم إقترب منه و قبل وجنته سريعا ، و ولج إلي الداخل ، فيما كانت"داليا"ترتجف في كل أنحاء جسدها لأسباب مجهولة ، فتوجهت نحو حديقة القصر و قدماها خائرتان ، و علي بعد خطوات منها لاحظت وجود مقعد فارغ ، فجلست عليه بثقل ، ثم أجلست"عدنان"فوق العشب الأخضر تحت قدميها ، و راحت تتابع عن بعد زوجها و العمال ..
ثم شردت فجأة ، كانت مضطربة حتي أعمق أعماقها ، فريسة مخاوف و شكوك كبيرة ، فحاولت جهدها أن ترتب أفكارها
شعرت بإنقباض و بخدر في أطرافها السفلي ، رغم آشعة الشمس الحارة ، ثم راحت تحاكي نفسها .. إنها حقا قلقة ، بل مذعورة ، لأنه ما زال يحب إمرأة تدعي"جومانة"، فكل الدلائل تشير إلي أنه كانت له علاقة غرامية بها حتي عشية زواجهما ، و ربما حتي الأن !!
و لدي إنغماسها في أفكارها ، نسيت مراقبة"عدنان"الذي زحف علي العشب حتي وصل إلي منتصف حديقة القصر الشاسعة ، و لما أدركت"داليا"الأمر كان قد فات الأوان ، فقد زحف"عدنان"إلي المنطقة الخطرة ، حيث تلك السيارة الصفراء الضخمة متوجهة نحوه مباشرة ، و ستدهس جسده الصغير لا محالة ...
أرادت"داليا"الصراخ ، لكن صوتها آبي الخروج ، فالصدمة أخرستها كليا ، فيما راح قلبها يخفق بسرعة ، و هي تحدق مذعورة بطفلها الذي ظل يجتاز الحديقة و هو يحبو ، لم يكن الطفل يعي الخطر ، إنما أراد لفت نظر والده إليه ، لكن"عز الدين"كان منغمسا بمهمته و مديرا إليه ظهره ، بينما خرج صوت"داليا"أخيرا ..
حيث أطلقت صرخة ثاقبة ، فإلتفت"عز الدين"و رأي بوجه مرتعب الفاجعة التي أوشكت علي الحدوث ..
هذه الصرخة المؤلمة مزقت صمت الموت الذي كان يعم الأجواء ، فيما إندفع"عز الدين"نحو إبنه الذي كان يزحف في هدوء ، و في هذا الوقت بالذات ، هجمت السيارة الضخمة عليهما ...
فأغمضت"داليا"عينيها و فقدت وعيها و هي موقنة أنها فقدت أحدهما ... !!!
يتبع .....
- يتبع الفصل التالي اضغط على (حتى اقتل بسمة تمردك) اسم الرواية