Ads by Google X

رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع عشر 14 - بقلم قوت القلوب

الصفحة الرئيسية

 رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع عشر 14 - بقلم قوت القلوب 

(الفصل الرابع عشر)
حينما يرفع الستار وتسرق أبصارنا بعذوبة المشهد لكننا لا ندرك بعد ما يدبر خلف الكواليس ، تلك قصة لا يدركها إلا من يُسدِل الستار نفسه ...
خداع يجذبنا بلطفه وإدعاء المحبة يخفى خلفها شروره الخبيثة ، حتى الأذى نظن أنه صدفةً لكن عن تعمد يظهر للعلن ...

❈-❈-❈

أقوى الصراعات تلك التي تتصارع داخل نفس واحدة ، تخبط بين جانبين متناقضين تمامًا ، فها هي "عهد" تعود لطبيعتها الشرسة الغير مكترثة بما يدور حولها ، تجبر نفسها ألا تبالي ، جانب طالما إعتادت عليه وأتقنته ببراعة حتى ظهر هذا الجانب الدخيل عليها ، جانب مضئ بدأ يتسلل لداخل قلبها الذى تناست وجودة حتى أعلن أنه مازال حي بداخلها يتضارب بدقات مسموعة لا تستطيع السيطرة عليه لكنها إستطاعت وببراعة عدم إظهار الأمر ...
فرض قوتها على إظهار مشاعرها كان له الغلبة لكن هذا الصغير الذى ينبض بداخلها مازال يصارع ويراوغ عقلها للوصول وإثبات أحقيته بالحياة ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
جلس "معتصم" يعبث بهاتفه باحثًا عن إشارة جيدة للوصول لشبكة الإنترنت فيما أخذت "عهد" تبحث عن صخرة مناسبة للجلوس عليها حين لاحظت حركة غريبة خلف أغصان الأشجار الكثيفة ، أخذت تتمعن بعسليتيها الحادتين لإكتشاف من هو بالقرب لكنها لم تجد شيئًا فيبدو أنها لم تنتبه جيدًا وتوجست بلا سبب لذلك ..
وجدت جذع شجرة مقطوع تستطيع الجلوس عليه لتحمله تجاه البئر لتجلس بروية فوقه ممسكة بهاتفها للبحث عن طريق شبكة القمر الصناعي عن الكوخ ..
إستطاعت بمهارة شديدة التوصل إليها وتحديد موقع الكوخ بشكل متقن عن طريق الولوج إلى الخرائط المحفوظة به ...
كان "معتصم" منهمك أيضًا بالبحث عبر هاتفه بتركيز شديد حتى أنه لم ينتبه لـ"عهد" التى رفعت رأسها تطالعه منذ بعض الوقت ..
وللمرة الثانية شعرت بأن هناك من يحوم حولهم من خلف الأشجار ، تمعنت مرة أخرى حتى تتأكد من ذلك وأن الأمر ليس من وحي خيالها تلك المرة أيضًا لتدقق نظرها بصوب معين لتلاحظ حركة غريبة ...
فاجئتها رؤيتها لـ"كاتينا" ، تلك الشقراء التى يبدو أنها لن تتخلص منها ، ثبتت مقلتيها بتلك الباهتة التى بالتأكيد عادت لتسترد ما تظنه حقها بـ"معتصم" ...
مكان ساحر وسط الطبيعة يبعث على الرومانسية وتلك العاطفة التى لابد وتتجلى بأعين الشقراء فهي بالتأكيد على وشك رؤية مشهد عاطفي جياش الآن ...
ضغطت بأسنانها بقوة فوق شفتها السفلى وهى تزداد حنقًا لتلك المشاعر التى عصفت بها ، إنها مشاعر الغيرة التى دبت بقلبها ، لكن عقلها أخذ يحفزها بالثبات وأن تتعامل مع الأمر بقوة وعقلانية فما عليها سوى الصمت والترقب ..
تقدمت "كاتينا" بخطوات خفيفة متعجلة صوبهم لكن "عهد" لاحظت نظرة مغايرة بأعينها الزرقاء ، لم تكن نظرات تلهف وعاطفة كما كانت تظن ، بل هي نظرات يملؤها الكراهية والشر ..
من خِفة خطواتها ظنت أنها تحلق فوق الأرض دون لمسها لتتسع عينا "عهد" بفزع حين أشهرت "كاتينا" سلاحها الناري تجاه "معتصم" الغافل عما يحدث ...

❈-❈-❈

بيت النجار (شقة فريد النجار )...
دلفت "حنين" على عجالة تاركة باب شقتها مفتوحًا من خلفها فهي لا تغلقه في العادة لتراقب القادم والمغادر من البيت تحت أبصارها حتى لا يغيب عنها أمرًا تجهله من خلف ظهرها ، حين سألها "فريد" متثائبًا بنعاس وهو يقف بمقدمة الصالة بشعر أشعث ومنامة غير مهندمة ...
- إيه ده ...؟؟! إنتِ كنتِ بره يا "نونه" ...؟!!
زمت فمها بإستياء من مظهره المنفر لتزفر بقوة قبل أن تجيبه ...
- أه ... كنت عند أمك ...
- ليه على الصبح ...؟؟؟
سألها بنوع من التقليدية لا أكثر وهو يجلس غير عابئ بمظهره المغثى للنفس ، لتحرك "حنين" رأسها بنفور قائله ...
- يا أخي قوم غير هدومك دى وروح الوكالة زى الناس ... قاعد تسأل رايحة فين وبتعملي إيه ... يا ستااار ... أنا طهقت ... شوف حتى منظرك فى المراية ... أعوذ بالله ...
إعتدل بجلسته وهو يفتح عيناه الناعستان بذهول قائلًا بنبرة مهتزة ..
- حاضر يا "نونه" ... أنا كنت قايم أهو ... متزعليش إنتِ بس ...
دلف "فريد" للداخل لتتشدق "حنين" برأسها تتطلع بذات الإتجاه الذى دلف إليه وهي تخرج حقيبة بلاستيكية من حقيبة السوق خاصتها قائلة بإستمتاع ...
- وأدى كمان شوية هدوم ومكياج من بتاع حماتي ... حاجة كدة أتروق بيهم ...
(مصمصت شفاهها وهي تحلل لنفسها سرقة أغراض والدة زوجها دون علمها كما تفعل بالعادة من وقت لآخر) .. 
- هي يعني حتعمل إيه بده كله ... دى عندها هم ما يتلم ... دى عمرها حتى ما أخدت بالها إن فيه حاجة ضاعت منها ... من كتر إللي عندها ...
( نظرت لإنعكاس صورتها بالمرآة بتحسر وغرور بذات الوقت ) ..
- حسرة عليا ... بقى قمر زيي تندفن كدة مع واحد زي "فريد" ... أه يا ميلة بختي ...
تنهدت بتحسر وهى تخبئ الحقيبة البلاستيكية بأحد الأدراج قبل أن تدلف للداخل لتعطي أوامرها لـ"فريد" قبل توجهه للوكالة ...

❈-❈-❈

خرجت "زكيه" لشراء بعض من مستلزمات البيت التى تحتاجها اليوم خاصة بغياب إبنتيها للعمل ..
تتوقت عيناها بسعادة وهي تلتقي بمحض الصدفة بجارتها "أم يوسف" لتتجه صوبها بوجه بشوش ..
- صباح الخير يا "أم يوسف" ..
زاغت عينا السيدة وهي تجيب ببعض الحرج ...
- صباح الخير يا "أم شجن" ...
- دايما كدة نتقابل صدفة ...
قالتها "زكيه" تبدأ به حديثها لتدفع رفيقتها بمجاراتها للحديث عن موضوع الطبيب المتقدم لزواج إبنتها دون أن تظهر أنها تود التحدث عنه حتى لا تقلل من قيمة إبنتها ..
لكن خاب ظنها حينما وجدت "أم يوسف" تتحدث بأحاديث مشتتة دون التطرق للأمر لهذا إضطرت "زكيه" بأن تلجأ لسبيل واحد ، سؤالها مباشرة ...
- صحيح ...بقولك يا "أم يوسف" ... كنت حنسى ... إبقي قولي للدكتور يروح يكلم عم شجن بقى ...
بهتت السيدة وهى توارى عيناها عن "زكيه" بحرج شديد لكنها بالنهاية وبعد تلعثم وتردد أجابتها بما تستطيعه من لباقة لإخبارها برفضه الزوج من إبنتها ...
- والله ما عارفه أقولك إيه والله ...ده أنا وشي منك فى الأرض ... بس أقول إيه ... هو الخسران ... أكيد هو الخسران ...
دقات قلبها المتوجسة و غصة علقت بحلقها وهى تردف متسائلة بشك ..
- خير يا حبيبتي ؟!! ... قولي على طول ...
بللت "أم يوسف" شفاها بإضطراب لتصمت لوهلة تستجمع كلماتها المتحشرجة قبل أن تبتلع ريقها قائله ..
- أصل اااا ... متزعليش مني إنتِ عارفة غلاوتك وغلاوة بناتك عندي ... بس ... الأمر لله بقى .... حقولك وخلاص ... أهل الدكتور صرفوا نظر عن جواز إبنهم من "شجن" ...
برودة إجتاحت جسد "زكيه" لتعلو الدماء الثائرة برأسها لتشعر ببعض الدوار وألم برأسها من أثر إرتفاع ضغط الدم به ، بهت وجهها بصدمة لتجاهد بسؤالها المنكسر ...
- ليه يا أختي ... إيه السبب ... ده هو اللي كان مستعجل ...؟؟!!!!
ضغط ينافي حدود اللياقة بأن تجيبها بما سمعته منهم لتحاول التملص من إجابتها رغم إصرار "زكيه" ...
- خلاص بقى يا "أم شجن" ... مفيش نصيب ... هو يلاقى زى إسم النبي حارسها ...
- قولي بس ... عايزة أعرف إيه إللي حصل بين يوم وليلة ...
إكفهرت ملامح "أم يوسف" بإمتعاض لتجيبها مضطرة ...
- أستغفر الله العظيم ... والله ما أنا إللي بقول ... ده كلامهم هم ... لكن أنا عارفه إنتوا أحسن ناس يا أختى وأنا قلت لهم الكلام ده ... بيقولوا ... يعنى ..أااا ... من غير ما تزعلي مني ... بيقولوا إن "شجن" ماشيه أستغفر الله العظيم فى البطال ...
شهقت "زكيه" بقوة وهى تضرب صدرها من هول ما تسمع ...
- إخص عليهم ... بنتي أنا ....!!!!!!! ده أنا بناتي الشرف كله ... هو فيه زيهم فى الحته ...!!!
مصمصت "أم يوسف" شفاهها وهى تربت بكتف "زكيه" المنفعلة لتكشف عن الأمر كافة لتهون عليها مصابها بسمعة سيئة تنال بناتها ...
- والله وما ليكِ عليا حلفان قولت لهم كدة ... هو فيه فى كمالهم ولا أخلاق بناتك ... بس تقولي إيه ... هي مرات عمهم العقربة .. هي إللي راحت للست أم الدكتور وفهمتهم كدة ... 
( ثم إستكملت بتصحيح وإخلاء ضميرها من شهادة حق ) .. لكن أنا والله مسكتش وقلت لهم اللي يخلص ضميري من ربنا ... بس هم قالوا وعلى إيه ... نبعد عن الشر ونغنى له ...
نكست "زكيه" عيناها بإنهزام فهي كانت متيقنة أن ذلك سيحدث فتلك ليست أول مرة يطالهم إفتراء "صباح" عنهم ونشر أكاذيب عنها وعن بناتها ..
حاولت "أم يوسف" ترميم خاطرها المنكسر قائله ..
- والله بكره يجيلهم عدلهم ويجازيكم على صبركم ده كله ... إنتوا طيبين وتستاهلوا كل الخير ... سامحيني يا أختي أنا مكنتش عاوزة أقولك ...
منعت دمعة إنهزام من السقوط من عيناها وهى تردف قبل مغادرتها على الفور ...
- وإنتِ ذنبك إيه ... كتر خيرك يا "أم يوسف" ... بعد إذنك يا أختى ...
تركتها "زكيه" عائدة للبيت بحيرة وغصة فهل تنجو ببناتها وتترك بيتها وصية زوجها أم تبقى وتتحمل ما فاض الكيل به ، لترضخ بإستسلام لما حدث فليس لها القدرة على مجابهة "صباح" وجبروتها وظلمها لتتؤثر البقاء وإخفاء الأمر عن بناتها فلا داعي لتزيد همومهم وكرههم لهذا البيت بمن فيه ...

❈-❈-❈

سويسرا ..
هل ترى أعيننا ما نراه حقيقة أم أننا نرى ما نود رؤيته ، بأى عين كنا نراهم فالآن فقط رد إلينا بصرنا ...
ركضت "كاتينا" صوب "عهد" و"معتصم" المنشغل بتركيز تام بمحاولة الوصول بهاتفه لشبكة الإنترنت ليغفل عمن تتقدم صوبه بسرعة جنونية كما لو كانت الأرض بساطًا ينطوى تحت أقدامها الخفيفة المتسارعة ..
رفعت سلاحها الناري بوجه "معتصم" توجهه نحوه بأعين يملؤها الشر والدقة بذات الوقت ، لم تكن تلك الفتاة الناعمة البريئة الآن بل كانت تتحرك بخطوات مدروسة تعلم تمامًا ما هي مُقدمة عليه كما لو كانت تدربت على ذلك من قبل فثقتها بحمل السلاح واضحة بدون شك ..
حينما وقعت عينا "عهد" على "كاتينا" أدركت بفراستها أنها ستغدر بـ"معتصم" لتسرع بدون تهاون تطلق ساقيها الطويلتان بركضها السريع وجسارة لا حدود لها ، كانت قوية مهيبة لم تخشى هذا السلاح المصوب تجاههم وربما كانت لتتلقى الرصاصة دون خوف أو خشية من الإصابة أو الموت ...
أطلقت صيحة صارخة وهي تركض لتعود لتلك الشخصية الشرسة المتوحشة التى كادت تضمحل منذ مجيئها لتلك البلدة ، صيحة أفزعت "معتصم" المنهمك بجهازه دون الإنتباه لما يجري حوله ..
رفع "معتصم" رأسه بإندهاش تجاه "عهد" المندفعه ليظن أنها تندفع تجاهه لكنه سرعان ما أدرك أنها لا تقصده حينما عبرت من جواره ليتبع الإتجاه الذى ركضت نحوه ليحاول إدراك ما يحدث دون أن ينتبه ..
كانت "كاتينا" تركض بإتجاههم بينما قابلتها "عهد" بالإتجاه المضاد ، كلًا منهما تركض بقوة وشراسة نحو الأخرى حتى أصبحت المسافة الفاصلة بينهم أمتار قليلة ، أثنت "عهد" جذعها بقوة مستكملة إندفاعها نحو "كاتينا" لتزيد من سرعتها بقوة كفهد أسود وجد ضاريته ، إقتحمت حيز "كاتينا" بكتفها لتدفعها من بطنها تجاه الأرض وهي تتشبث بكلتا زراعيها حول خصرها بأعصاب قاسية من فولاذ ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
تلك الصدمة أسقطت السلاح من كف "كاتينا" قبل أن ترتطم أرضًا بالأرض الموحلة و "عهد" معها حيث طبقت بجسدها الطويل فوقها وبالطبع كانت لها الغَلبة في الجسم والقوة ..
حاولت "كاتينا" الدفع بجسد "عهد" المستقر فوقها تحاول التخلص من ثقل جسدها القوى فهي لم تكن تظن أنها تتحلى بهذه القوة مطلقًا ..
إحتدت زرقاوتيها بلؤم وحقد تجاه "عهد" وهى تنهرها بقوة ظهر بها عدوانية وغضب كما لو أنها تبدلت بإنسانة أخرى تمامًا ..
صرخت بها "كاتينا" بحدة ...
- إبتعدي عني أيتها البلهاء ...!!
كيلت لها "عهد" لكمة قوية وقد عقصت بوجهها بملامحها الغاضبة مستنكرة من أين تأتي بهذه القوة وهي ملقاة أسفلها بهذا الشكل ، من أين لها تلك الجرأة والمناكفة ، ألكمتها "عهد" بكامل قوتها قائله ..
- إخرسي يا متخلفة ... بقى أنا هبله ...!!!!
لكن يبدو أن الطبيعة هذه المرة ساعدت "كاتينا" وتحالفت ضد "عهد" لتنزلق ركبتها التي كانت تستند عليها فوق الوحل لتهبط أرضًا لتسنح الفرصة لـ"كاتينا" بالتملص من أسفلها و الإعتدال وقد إعتلت عيناها نظراتها الشرسة تتطلع نحو "عهد" و قد تهدجت أنفاسها بقوة فـ"عهد" بالفعل خصم قوي أقوى منها وأكثر حدة وشراسة .
نهضت "كاتينا" بسرعة وقد تلاحقت أنفاسها لمصارعتها مع "عهد" التي تفوقها قوة وجسمًا لم تكن تظن أن تلك البلهاء ستتصدى لها مطلقًا فقد أساءت بتقدير قوتها ولم تتوقع أن تواجهها خاصة وهي من تحمل السلاح .
دفعت "كاتينا" بـ"عهد" وهي تحاول نهرها بقوه لتبعدها عنها مردفة بغيظ ...
- إنك لمجنونة بالفعل ...!!!
- أنا مجنونة ... طب أنا حوريكِ الجنان على أصوله ...
لم تعطي "كاتينا" نفسها فرصة لإلتقاط أنفاسها حتى ، فسارعت تستدير نحو "معتصم" الذي يبدو أنه هو هدفها الذي تسعى إليه ، وقبل أن تتوجه نحوه جذبتها "عهد" بقوة من ساقيها نحو الخلف لتقع على وجهها مرة أخرى لتزجر "كاتينا" بنفور ...
- يا إلهي ...ألن أتخلص منكِ أبدًا ...!!!
عقصت "عهد" ملامحها بضراوة و هي تجيبها بإستهزاء ...
- تتخلصي من مين يا روح ماما ... ده أنا "عهد مسعود"....!!! 
رفعت "كاتينا" وجهها تبعده عن الوحل وهي تلتفت جانبًا لتتفاجئ بلكمة أخرى من قبضة "عهد" أفقدتها توازنها وتشوشت رؤيتها في الحال لتسقط غائبة عن الوعي .
إستقامت "عهد" تنفض يديها وهي تتأكد من تلك الساكنة بأنها قد غابت تمامًا عن وعيها ولا تدري بما يحيط حولها ...
- مش ناقصة غير الصُفر كمان ...
قالتها "عهد" ساخرة من "كاتينا" وهي تحاول الإتزان حتى لا تنزلق بالأرض الموحلة بفعل بقايا مياه الأمطار ...
إشرأبت بعنقها وهي ترفع رأسها بشموخ لإنتصارها عليها ، لكن لكنه إنتصار ملطخ بالوحل ...
هذا الصراع ما كان إلا بضع دقائق أمام أعين "معتصم" وهو يتابع إنقاذ "عهد" له من بين أيدي "كاتينا" وشجاعة ساحقة لم يرها مثلها بأي فتاة على الإطلاق ، لكن ذلك لم يمنعه من التهكم على رؤيتها ملطخة بالوحل ..
رغم إثارتها له بشكل ملفت فحتى تلطيخها بالوحي كانت جذابة فريدة من نوعها كفرسة برية لا يملك حجام لجامها أحد ، إنها إستثناء عن العالم بأسره ..
هتف متهكمًا وقد إرتسمت فوق ثغره بسمة ساخرة ...
- ده بقى إللي بيقولوا عليه نهارك طين ...صح ..؟!!
توسطت خصرها بكفيها وهي ترفع حاجبها الأيمن ناظرة نحو بتهكم وهي تميل برأسها للأمام قليلًا ، هل هذه هي طريقته لشكرها على إنقاذها لحياته لتردف مستهزئة ...
- وحياة .. اااا ....
توقفت عن التوبيخ وهي تراجع نفسها ولسانها السليط ، فعليها ألا تترك العنان للسانها مره أخرى ...
تملكت غيظها بصعوبة حين علت ضحكته الجذابة والتى أظهرت بياض أسنانه مشرقة عن إبتسامة مريحة سلبت به قلبها المختلج فيكفيها أنه بخير ..
لكنه إستطرد يثير مشاكستها ...
- عارفة لسانك ده لو يتلم شوية ...!!
منعت إبتسامتها من الظهور لتجيبه بجمود مصطنع ...
- يعني إنت إللي بتنقط عسل .... ما هو الحال من بعضه ...
إبتسم إبتسامة جانبية فبهذه اللحظة أدرك تمامًا أنهما وجهان لعملة واحدة ، فكلاهما يشبه الآخر و لا يختلف عنه مطلقًا ...
- تصدقي صح ...
وبتلك اللحظة الغريبة على نفسها وجدت ملامحها ترتخي دون تفكير لتنفرج عن شفتيها إبتسامة ساحرة ، إبتسامة حقيقية سعيدة من قلبها لتشق طريقها دون أن تمنعها من الظهور ، بل تركت العنان لنفسها لتبتسم نحوه تلك الإبتسامة التي أشعرتهُ بأنه قد أنجز عملًا بمهمة شاقة لم يشعر مثلها من قبل ، كما لو أن إبتسامة "عهد" هي غايته التي يسعى إليها ...
ما أجمل أن يصبح الحلم واقعًا فربما حان وقت تحقيق الأحلام ، تبادلهم تلك الإبتسامات التى دق لها قلبيهما تناسا بها ما يحيط بهما بهمزة وصال عجيبة بين نظرات عيونهم ، لكن دوي إطلاق نار صدح بالأفق كان له رأي آخر ...

❈-❈-❈

للصمت شفاه وكلمات فحتى الصمت له من الكلمات حكايات تنسج دون النطق بها ، لكن لا شيء أجمل من الصمت عندما تخيب الظنون ، الصمت هو نوعًا آخر من الهروب حتى لو كان وسط الضجيج ...
إتسم هذا المطعم الشعبي بجودة مأكولاته وأصنافه المميزة ليعج بالزحام طيلة الوقت ، لكن هذا الزحام لم يلفت إنتباه هذا الشاب الحنطي الوسيم ذو الوجه المدبب والأعين الغائره المميزة بلونها الأزرق المتوهج يكسو رأسه شعر أسود كثيف بخصلات متهدله بعشوائية فوق جبهته تكسبة وسامة وحُسن ، إنه "رشيد درويش" ...
وقفت إحدى الفتيات الملفتات للنظر داخل المطعم لتسترق نظر جميع متواجدين به إلا "رشيد" الذي لم يلتفت ولم يكترث بوجودها على الإطلاق ، حتى أثار عدم إنتباهه تعجب صديقه "محمد حميده" ليردف بتعجب ...
- غريبة أوي ...!!! إيه يا عم إللي واخد عقلك ... مش عوايدك يعني تسيب الصاروخ من غير كلام ...!!!! 
رفع "رشيد" رأسه تجاه "محمد" الذي يميل بوقفته نحوه وهو يجلس خلف الطاولة الخاصة بتلقي الطلبات ليتساءل بعدم فهم ...
- صاروخ إيه ...؟!! 
أجابه "محمد" وهو يأشر إليه برأسه ...
- إيه يا عم مش واخد بالك ... مش شايف إللي قدامك دي ...؟؟؟
زم "رشيد" فمه جانبيًا مجيبًا بملامح حزينة للغاية ...
- خلاص يا "محمد".... إللي في القلب في القلب ...
عقد "محمد" جبهته مستنكرًا رد فعل صديقه الغير معتاد ...
- جرى إيه يا "رشيد"...؟!؟ من إمتى يعني ...؟!! إيه إللي غيرك كده ...؟؟؟
تنهد "رشيد" بقوة ثم زفر ببطء لما يحمله قلبه من ثقل ..
- مش عارف حاسس إن الدنيا كلها قفلت في وشي ...
دفعه "محمد" بأصابعه ليفيقه من حالته العجيبة التى تملكته ...
- يا عم فكك بقى ... عيش حياتك إنت هتفضل واقف زي ما إنت ... ؟؟! خلاص إللي باعك بيعه ...
تطلع إليه "رشيد" بزرقاوتيه يلومه بإستنكار ...
- حاسس بندم ....حاسس إن أنا إتسرعت ... قلب الشاب شفته السفليه بتهكم وهو يحدث نفسهم مبتعدًا عنه ..
- ده حيعمل لنا فيها مستقيم ... !!!!
تابع "رشيد" عمله دون الإلتفات لتمتمة صديقه أثناء مغادرته ، فهو بالفعل لم يكن بهذه الإستقامة وبهذا الشعور بالندم من قبل ، لكنه لم يدرك خسارته إلا الآن فقط ، فلم يكن يظن أنه سيندم إلى هذا الحد ...

❈-❈-❈

حي النعماني (المستوصف) ..
كما جرت العادة جلست "شجن" تتجاذب أطراف الحديث مع صديقتها "رؤى" فالعمل غالبًا اليوم كبقية الأيام الماضية لا يوجد بها ما يذكر مما يسمى بضغط العمل فأغلب سكان المنطقة يلجأون للمستوصف في بعض الحالات الخفيفة بينما يتجهون لأقرب مستشفى لأي أسباب أخرى ..
تفاجأت الفتيات بصوت هتاف عالٍ جذب إنتباههم لوجود بعض الضجيج الآتى من خارج المستوصف ، تقدم نحوهم المسعف الخاص بالوحدة الصحية وقد إمتلأت نبرته بالإضطراب والقلق حين قال ...
- بسرعة ... قوموا بسرعة ... في حادثة عربية والناس متبهدله بره ...
أسرعتا تجاه المصابين لمساعدتهم ليقع عين شجن على رجل و إثنين من الشباب قد أصيبوا بحادث تصادم خارج المستوصف وتم نقلهم إلى الداخل ..
حاول المسعف مساعدة أحد الشباب المصابين بينما إتجهت رؤى لمساعدة الشاب الآخر ، لم تجد "شجن" سوى إضطرارها للإتجاه فورًا نحو الرجل المسن ، رجل تخطى الستون عامًا ذو وجه مستطيل وشعر خفيف باللون الأبيض الناصع أصيب إصابة بالغة بساقيه وزاده النزيف المنهمر من جرحه الغائر ..
حاولت "شجن" وقف النزيف قدر الإمكان وهي تطمئنه بهدوءها الذي يطفي على شخصيتها القوية ...
- ما تخافش حضرتك .. إن شاء الله حتكون كويس ... ما تقلقش خالص ..
نظر إليها الرجل ثم تطلع نحو ساقيه الممددتان الملطختان بالدماء ثم أجابها بنبرة مهتزة ..
- رجلي ... رجلي يا بنتي ...
ضغطت بقوة على الجرح وهي تبتسم نحوه بذات الهدوء ..
- ما تخافش خالص اهدى بس ..
نظرت "شجن" لرفيقتها والمسعف بنظرة قليلة الحيلة فليس لديهم الأدوات المناسبة ولا المواد الطبية التي تساعدهم لمساعدة المصابين تود النطق (ماذا سنفعل ...؟!!) أعادت بصرها نحو الرجل المسن لتتسع إبتسامتها المطمئنة تجاه الرجل ..
- متقلقش حضرتك أنا معاك ...
هذا أقصى ما تستطيع فعله بهذا المكان فقير الإمكانيات (المساندة) ...
- الموضوع بسيط خالص ... ما تقلقش ..
تشبس بها الرجل بقوة وهو يسحبها من معصمها بترجي ...
- أنا تعبان يا بنتي ... أنا عندي السكر والضغط ... أنا ما ليش حد خليكِ معايا ..
إحساس مختلف و هي تطالع وجه هذا الرجل المسن الذي يشبه إلى حد بعيد والدها الذي فارقهم منذ سنوات بعيده لتشعر بالحنين لفقيدها الغالي ، سندها الذي كانت تعتمد عليه والذي من يوم رحيله أصبحت كورقة هشة بمهب الرياح ، تتلقى العواصف التى تتخبط بها من كل الجهات ..
نظراته المترجيه وصوته الحنون أرجفا قلبها المشتاق لوالدها وسندها لتردف بتأثر نابع من قلبها حقيقة ...
- ما تخافش خالص ... أنا مع حضرتك مش حسيبك خالص ..
إزداد تشبثًا بذراعها وهو يعيد توصيته إليها كمن يؤكد عليها ، ليظهر طبعه المتخوف ...
- بالله عليك يا بنتي ما تسيبيني ...
إبتسمت "شجن" برفق وهي تربت فوق كتفه ...
- حاضر ..
لم يكن بيدها حيلة سوى إنتظار سيارة الإسعاف لنقل المصابين لأقرب مستشفى مجهزة للتعامل معهم ، إلتفتت "شجن" نحو هؤلاء المتطفلين الذين إلتفوا حولهم ينهرونهم لتراخيهم بإسعافهم ...
- ما تشوفوا الناس دى ... إنتوا إيه مفيش فى قلوبكم رحمة ...!!!!
أخذت تدافع عن نفسها وعن زملائها فليس لهم حيلة بهذا المكان محدود الإمكانيات ، و لن تقبل أي ضغط آخر فيكفيها الضغوطات التي تمر بها ...
- لو سمحت بلاش تتكلم في الحته دي ... إحنا هنا مستوصف صغير مش مجهز لحادثة كبيرة زي دي ... وبعدين إحنا عملنا إللي نقدر عليه لحد ما تيجي عربية الإسعاف ....
وبرغم ضآله إمكانياتهم ومساعدتهم للمصابين قدر المستطاع إلا أنهم تلقوا توبيخًا شديدًا من قبل هؤلاء المتطفلين ...
ومع الشد والجذب بينهم كان الرجل مازال متشبثًا بـ"شجن" بصورة غريبة للغاية حين أردف وسط تألمه الشديد ...
- إنتِ وعدتيني مش هتسيبيني ..؟! 
أجابته بوعد ...
- ما تخافش حضرتك أنا معاك .. ولو عاوزني أروح معاك المستشفى كمان أنا ممكن آجي معاك كمان بجد والله ...
تهللت أسارير هذا الرجل وهو يطالعها ببعض الشك ...
- إوعي تسيبيني يا بنتي .. ده أنا ما ليش حد ... خليكِ معايا ...
بشعورها المتعاظم للمسؤولية شعرت بأن هذا الرجل يحتاج إلى أحد يطمئنه ويقف إلى جواره فيبدو أنه وحيد للغاية ، يتمنى أن يرافقه أحدهم ويهتم به ، لتجيبه بصدق ...
- أنا معاك ما تقلقش ..
رد بإمتنان شديد ...
- يا ريت يا بنتي يا ريت ...
وعدها له لم يكن وعد عابر تنهي بها تعلقه بها إلى هذا الحد بل كانت على إستعداد تام لمرافقته حتى يأتي بقية أهله أو يطمئن على حاله ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بعد مرور بعض الوقت حضرت سيارات الإسعاف للنقل الثلاث مصابين إلى المستشفى لتصر "شجن" على مرافقتها هذا الرجل إلى المستشفى كما وعدته بعدما أرسلت رسالة إلى أختها "نغم" أن عليها العوده اليوم للبيت بمفردها وأن تطمئن والدتها عليها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

شركة بيكو للأدوية ...
يتشابه "رؤوف" مع إخوانه بأنه محب أيضًا للعمل ومجتهد به بالفعل ، خاصةً بهذا المجال الذي يُظهر تفوقه وتميزه ، وحينما يبدأ بالعمل يتناسى كل ما حوله مثله مثل والده وأخويه ...
بيوم عمل جديد تناسى "رؤوف" نفسه أثناء إستلام إحدى الطلبيات الخاصة بالأدوية لينهمك للغاية بكل تفاصيلها ، دنا بقُربه صديقه "حمدي" يسأله ....
- ما قلتش يا "رؤوف".... إنتوا خلصتوا موضوع العفش ...؟!!
إتسعت عينا "رؤوف" بتفاجئ كما لو أن الأمر مُحي تمامًا من رأسه ، ليضرب جبهته بكفه قائلًا ....
- يا خبر !!!! ... ده أنا نسيت موضوع العفش ده خالص ... من آخر مرة نزلت أنا و"نيره" ما إتفقناش حتى إن إحنا نكمل لف على المعارض إمتى ....
ضحك"حمدي" ساخرًا منه ليردف بإستهجان للامبالاة "رؤوف" ....
- دي زمان "نيره" هتولع منك هي هتعديها لك بالساهل ..
بهتت ملامح "رؤوف" حينما إنتبه للأمر ليقوس شفتيه للأسفل قائلًا ...
- طب كمل إنت بقى ... ورايا مكالمة تليفون من الآخر ... ألحق أشتري نفسي ... 
ضحك "حمدي" لتخوف "رؤوف" من غضب "نيره" الذى لا ينتهي ...
- ماشي يا حَبُوب ...
أسرع "رؤوف" لخارج مقر الشركة لمهاتفة "نيره" التي لابد وأنها غاضبة للغاية لتناسيه الأمر إلى الآن ، بدأ حديثه معها بمزاح ليتخطى طبعها القاسي وغضبها الغير محدود حينما يخطئ ...
- "نيرو" حبيبة قلبي ... إنتِ فين يا عمري ..؟!! وحشتيني ...
حتى وإن كان يصطنع التودد واللطافة إلا أنها قابلته بإشمئزازها المستمر وتهكمها اللاذع ...
- إنت لسه فاكر ...!!! ده أنا قلت إنك خلاص ... صرفت نظر عن الجوازة أصلًا .. !!!!!
قالتها بسخرية من تأخره حتى الآن ، لكنه أجابها بلطافة و حديثه المعسول ...
- وهو أنا أقدر أعيش من غير "نيرو" ... أنا بس كنت بشوف أنا غالي عندك قد إيه يا روح قلبي ...
- لا والله ...!!!!!!!
خرجت منها بتعجب ساخر ثم أردفت مستكملة ...
- بقول لك إيه يا "رؤوف" ... إتعدل معايا بدل ما أعدلك ... علشان طريقتك دي ما بقتش تجيب معايا ...
- تجيب إيه بس حبيبتي .... ده أنا بتصل أطمن عليكِ ... وأقول لك يلا بينا ننزل و نكملوا مشوارنا علشان نختار العفش بتاعنا ....
تنهدت "نيره" بتملل ثم نطقت ببطء شديد ...
- ماشي يا "رؤوف" ...
شعر "رؤوف" بأنه في معضلة كبرى لتناسيه الأمر ليحاول تداركه باسلوبه اللطيف ....
- خلاص بقى يا "نيرو" أشوفك بالليل تمام ...؟!!
- مستنياك ...
قالتها بعجالة لتنهي المكالمة سريعًا ، بينما وضع "رؤوف" هاتفه بجيب سترته وهو يتساءل بغرابة ، لما قد تناسى هذا الامر الذي لابد وأنه هام بحياة أي شاب ؟!! لم ليس مهتمًا من داخله بهذا الأمر ...؟!! لم يصطنع الإهتمام بخلاف ما يشعر به من داخله ...؟!! فكل ما يتعلق بحياته مع "نيره" يتسم بالفتور ، لا يشعر بالحماس بالمرة للبحث عن أثاث مناسب لبيتهم السعيد ... لماذا ليس متشوقًا .. سعيدًا لوجوده مع "نيره" بذاتها .. ؟!!! ، لم يشعر بأنه متخوف من رد فعلها عن كونه يحبها ويسعى لإرضائها ...؟!!
هكذا تساءل بداخل نفسه ليطلق زفيرًا قويًا قبل أن يعاود عمله لكن من دون إجابة مقنعة بداخله ....

❈-❈-❈

بيت محفوظ الأسمر ....
تنهدت "وعد" بتملل فقد إختارت تلك الحياه بإرادتها ، ربما هي فقط من أجبرت نفسها على هذا الإختيار وليس سواها لكنها بالفعل تشعر بالإنهزام ورفض لتلك الحياة من داخلها ...
يتعاظم هذا الشعور عندما تذكرت تلك الواقعة التي تبدل معها كل شئ ببيت عائلة زوجها ...
فمنذ هذا اليوم مكثت بشقتها ولم تتعامل بشكل مباشر مره أخرى مع "قسمت" و"عتاب" بشكل خاص ... 

فلاش باك ...
﴿بتلك الليلة وبعد أن إنتهوا جميعًا من إعداد الطعام جلست تطعم "زين" بنفسها قبل موعد تناول العشاء مع بقية العائلة كما هم معتادون بإطعام الأطفال أولًا ، ربما تناسوا جميعًا ما حدث من "عاطف" من قبل و إتهامها بعلاقة خَفية مع "محب" لكنها لم تنسى ذلك ، لكنها أظهرت تناسيه كالجميع تمامًا ، فجميعهم لم يصدقوا هذا الأمر ولم يعطوا لإتهام "عاطف" بالًا لمعرفتهم بـ "محب" و "وعد" ، وإدراكهم بأن هذا هو أسلوب "عاطف" بالتهرب ...
بتلك الشقة الكبيرة الخاصة بوالدى زوجها جلست "وعد" تطعم إبنها ، بينما جلست "قسمت" تطعم بنات "عتاب" الصغار ...
إنزوى "محفوظ" بولده "عاطف" يستكملان حديثهما بغرفة الصالون المغلقة بعد عودتهم من المعرض مع حرص "محفوظ" بألا يقتحم أحدهم حديثهم الهام ، لكن عندما طال الوقت إتجهت "عتاب" نحو الغرفة تطلب منهم الحضور لتناول الطعام ....
كانت أذناها تعمل أولًا قبل يديها التى رفعتها لتطرق الباب لتتحجر حركتها وهي تسترق السمع عما يتحدثون ، هكذا إعتادت فهي تسترق السمع بجميع الأحوال وكان حظها السعيد أن غرفة الصالون بمنأى عن هؤلاء الأطفال كثيري الضجة بالجانب الآخر من الشقة ...
كلمات قليلة سمعتها قبل أن تقطع خلوتهم السرية دون إستئذان مقتحمة الغرفة وقد فتحت عيناها السوداوتين بإندهاش وربما بصدمة وهي تشير بإبهامها تجاههم كمن تلقي بالإتهام عليهم وقد بدا على ملامحها المنزعجة الغضب ...
- إيه إللي إنتوا بتقولوه ده ....؟؟!! 
تفاجئ "عاطف" و"محفوظ" بإقتحام "عتاب" حديثهم بتلك الصورة الفظة جعلتهم بحالة ذهول لوجودها بينهم ، إلتفت "عاطف" أولًا تجاه أخته يرمقها بنظراته الحادة ...
- في إيه يا "عتاب" مالك على المسا داخله علينا بزعابيبك ليه ....؟!!
أخذت ملامح "عتاب" تتجهم بقوة نحو أخيها لتتقد عيناها بوهج منفعل قبل أن تشيح بوجهها عنه دون الإكتراث لحديثه ...
إتجهت نحو والدها وهي تدفع بـ"عاطف" بكفيها تبعده عن طريقها ... 
- ملكش دعوة إنت ... أنا بسأل أبويا ... إيه إللي سمعته ده يا بابا .....؟!!!
قالتها بنبرة حادة عنيفة موجهة حديثها الغاضب لوالدها ، تلك الطريقة التي لا يقبلها "محفوظ" كرب هذه العائلة ، لا يتقبل هذا الهجوم الغير مبرر ليصدمه طريقتها المحتدة ...
حتى وإن كان قد تصرف بشكل غير مقبول لدى أحدهم فهو لا يتقبل ذلك مطلقًا ، تطلع "محفوظ" أولًا بـ"عاطف" الذي إستشاط غضبا من طريقة "عتاب" المستفزة والمتجاهلة له فهو لا يعتاد هذا التهميش ليصرخ بها "عاطف" ...
- مش بكلمك يا "عتاب" يبقى تردي عليا ...؟؟!؟
إكفهرت ملامح "محفوظ" وهو ينظر نحو إبنته التي تهاجمه بغضب فليس لها الحق بأن تُعدّل على قرار إتخذه ، تحفزت "عتاب" للرد على "عاطف" لكن تلك المرة زادت بإنفعالها وإحتد صوتها تشاجر أخيها دون مراعاة لوجود والدها بينهم ....
- لا يا شيخ ....!!!!! إعملهم عليا وخدني بالصوت .... فاكرني حخاف ... لا يا أخويا مش أنا إللي أتاكل ....!!!
توسطت خصرها بكفيها وهي تميل برقبتها للأمام بنوع من الإستهزاء تحرك رأسها مستنكرة أفعالهم قبل أن تطلق صوتها الغاضب كصافرة الإنذار متهمة "عاطف" بالطمع ....
- عملتها يا "عاطف" ...!!!! ضحكت على أبوك وعايز تاكل حقنا وتضيع فلوسنا ....
صك "عاطف" أسنانه بغضب ليتعالى صراخه الهادر بها لإتهامها المغلوط له ...
- بس يا غبية .... إنتِ ولا فاهمه حاجه ... فوقي يا "عتاب" و إعرفي بتقولي إيه ... مش أي هري في الكلام وخلاص .... إستنى إفهمي الأول ...
عقدت ذراعيها أمام صدرها مستكملة صراخها بعدوانية وإنفعال شديد ... 
- تفهمني إيه ... ؟؟! ما تفهمني يا أخويا ... ولا إنت ماعندكش حاجه تقولها ....
كانت عيناها تتحدث أكثر من فمها فنظراتها المسلطة نحوه تتهمه بالجشع و الطمع بمال والدهم وحقهم به ، زفر "عاطف" بإنفعال وهو يردف بحدة ...
- ما ترد يا بابا .... ما تقول لها إيه إللي حصل ...!!!
لسنوات عدة كان "محفوظ" هو القوي المهيمن على تلك العائله وكبيرها الذي يدير كل كبيرة وصغيرة بها ، شعوره بوضعه بخانة الإتهام وعليه الدفاع عن نفسه ومن قبل من ..؟؟! إبنته التى تربت فى كنفه وفوق ذراعه ، كان ذلك صدمة بداخل نفسه وهو يطالع "عتاب" المنفعلة الغاضبة ، لكنه ظن أن مهما حدث من خلاف فهي إبنته بالنهاية وسوف تهدأ وتنصاع له كالسابق ، ظن أنه حينما يبدأ بالحديث وإيضاح ما حدث سوف تنصت له "عتاب" وتتفهم الأمر تمامًا عندما يطالبها بالهدوء .. 
- إسكتي ... أنا حفهمك ... بلاش زعيق على الفاضي وأنا موجود ....
قالها "محفوظ" ببعض الحدة لتصمت "عتاب" مرغمة لكن مازالت عيناها الغاضبتان تطالعانه بنظراتها المتقده ، توقفت عن الحديث مستمعة بإنصات لما سيقوله ...
بدأ "محفوظ" بإستيضاح الأمر لها رغم هذا الثقل الذى جثى فوق قلبه ...
- كان جاي لنا تقرير ضريبي ممكن يحجز على أملاكنا كلها ... خصوصًا وإن شحنة الكاوتش بتاعة فرنسا وقفت في المينا ... ودي كنت حاطط فيها مبلغ كبير جدًا ... وما لقيناش حل غير كده .... المحامي هو إللي قال ....مش أخوكِ ...!!
شهقت "عتاب" بقوة لعدم تصديق ما تفوه به والدها ، مُكذبة كل ما قاله ، متيقنة أن ما فعله هو عن عمد وليس مضطرًا لذلك ...
تطلعت نحوه لوهله بنظرات مخيفة يغلبها البغض والتحدي ، تجلى بعينيها نظرات الغضب تجاه والدها ....
صرخت به "عتاب" بقوة بصورة أفجعته للغاية ، فلم يتوقع أن أحد أبنائه يهاجمونه بهذه الطريقة الفظة ...
- عبيطة أنا .... !!! مختومة على قفايا .... ولاااا ... إنت ظبطتها معاه ؟!! ... أه ما هو إبنك الكبير ... حبيبك ... إللي مفيش على الحِجر غيره ... أنا عارفه إن إنت وأمي بتحبوا "عاطف" أكتر مننا كلنا .... بس إزاي "محب" وافق على التهريج ده ...؟؟!!!
ضم "عاطف" حاجبيه بقوة مستنكرًا ما تتفوه به ليحاول إيقاف سير هجومها الشرس على والدهم ...
- إتلمي يا "عتاب" .... إنتِ إزاي تكلمي بابا بالأسلوب ده ...؟!!
أشارت نحوهم "عتاب" بإبهامها يتأرجح بين كلاهما ....
- أكيد طبختوها سوا ... وعملتوها من ورايا .... بس لأ ... مش أنا إللي يتاكل حقي وأفضل ساكته .... 
ثم وقفت بمجابهة والدها تضع عيناها بعينيه ثم دفعته بقبضتها بقوة شعر من صدمته أنها إخترقت قفصه الصدري لتنغرس بقلبه ، هتفت بتهديد وقح بما ستقوم به لأجل إسترجاع حقها ...
- أنا حرفع عليك قضية حَجر وأقول لهم إنك خلاص كبرت وخرفت ... إنت الظاهر إتجننت مش واعي للي إنت عملته ... إللي إنت عملته ده ما يعملوش حد عاقل أبدًا...
تهدج صدر "محفوظ" بإنفعال لما تتفوه به تلك المسماة بإبنته ليهتف بها منفعلًا وهو يشعر بألم يطبق على قلبه من هول صدمته بها ...
- إنتِ إتجننتي يا "عتاب" ... !!!! أنا مهما كنت أبوكِ برضه ...!!!!!!!! 
شهقت بحدة وهي تتراجع لخطوة نحو الخلف مستكملة بنبرتها المحتدة وصراخها العالِ بوجهه بصورة لم يستوعبها "محفوظ" بروية لتهتف بإستهجان لأفعاله وخلل عقله ...
- أبويا ...!!!!! أبويا ياكل حقي عشان إبنه .... لااااااااا ... أبويا دي في البطاقة بس ... لكن إللي عملته ده لا فيه لا أب ولا أخ ... فلوسي حاخدها يعني حاخدها ...
إستدارت نحو "عاطف" الذي كاد إشتعال وجهه بحمرة الغضب أن يتوهج بلونه البرونزي المحتقن من تصرف أخته الغير مسؤول لتلقى "عتاب" كلماتها اللاذعة بوجهه ...
- ده إنت طلعت مش ساهل .... !!! يا داهية ..... بقت خليت أبوك يكتب كل حاجة بإسم إبنك المفعوص ... ليه إتعدمنا عن الدنيا ....!!!!!
تناست "عتاب" تماما ان هذا والدها وله قيمته وإحترامه لتصرخ به بإنفعال كما تصرخ بطفل صغير ، لم تكترث لأنه أبيها وأن هذا ماله في الأساس حتى لو أراد ذلك بإرادته ، لتوجه حديثها الحاد الغاضب نحوه .... 
- أنا حوريك ... حقي ده حرجعه ... و إنت لا أبويا ولا عايزة أعرفك ... يا ظالم .... يا جاحد ... فلوسي حاخدها ... وحدخلك المصحة ... ده إنت أكيد مخك ضرب ... إنت أكيد مجنون ... هو في حد عاقل يعمل كده .. إنت مش طبيعي ... إنت لازم تخش المصحة تتعالج .. وأنا بقى إللي حدخلك ... وحعرف آخد حقي منكم كلكم ....
قالتها بصراخ بوجهيهما ، لم تُظهر للحظة إمتنانها لما فعله معها وبقائها ببيته بعد إنفصالها وتحمله إنفاقها على بناتها الثلاث ، فهي إبنته ولها الحق ، صدمة هدمت كل ما قام به لسنوات و سنوات ، ظن أنه ينشئ أسرة قوية و إمبراطورية يستطيع قيادتها ، هو الأمر الناهي بها ، ظن أنه لن يخالف أحد أمره ، وأن الجميع تحت طوعه ...
لكنها تمردت وهاجمت بضراوه لم يهمها والدها بل كل ما إهتمت له هو المال وكيف سيضيع من بين أيديها ، إهتمامها بالمال أظهر طمعها وجشعها ، حتى أنها لم تهتم لوالدها الذي إمتقع وجهه باللون الأزرق بعد إنفعال إبنته الصادم الذي جعله يشعر بأنه فشل بتربيتها و فشل بسيطرته عليها ، شعر بألم عظيم يجتاح جانبه الأيسر حتى أن ذراعه تشنجت بألم لم يستطيع تحمله ، حاول "محفوظ" التغاضي عن هذا الألم وسط صراخ إبنته عليه و إتهامها له بالجنون وتوعدها لها بأن تدخله مصحة الأمراض العقلية ...
وبلحظة سقط "محفوظ" أرضًا وهو يمد يده نحوهم دون الإستطاعه بالتفوه بكلمة يطلب منهم اللحاق به رافعًا ذراعه الأيمن مستنجدًا بأبنائه فقد تحجرت الكلمات بحلقه ولم يستطيع طلبها ...
لكن حتى بلحظ سقوطه لم تكترث "عتاب" ظنًا منها أنها مجرد تمثيلية يدعي بها الإعياء والمرض حتى تغفل عما فعله وتتراجع عن عما ستفعله ، وربما فعل ذلك لتسامحه على تسجيل كل أملاكهم بإسم "زين" إبن "عاطف" تهربًا من الضرائب ... أسرع "عاطف" بإسناد والده بقلق حين جثى فوق إحدى ركبتيه يسند رأس والده "محفوظ" فقد زاغت عيناه بقلق ...
- مالك يا حاج حاسس بإيه ...؟؟؟
رغم تحشرج الكلمات بحلقة إلا أنه أخرج كلماته المتقطعة بنبرة متألمة للغاية ....
- بموت .... بموت .... إلحقني يا "عاطف".... إلحقني ....
لوحت "عتاب" بكفها في الهواء بسخط وعدم إكتراث من تصرف والدها الصبياني لتترك الغرفة وهي تغمغم بصوت عالٍ ...
- بلاش بقى تعمل الحبتين دول عليا ... أنا فاهمه كويس إنت وهو ... بلاش التمثيل ده .. قوم قوم و بطل تمثيل ... أنا فهماك ... ما تفكرش إني ممكن أتنازل عن حقي أبدًا .. أنا حوديكوا في داهيه إنتوا الإتنين ...
خرجت من الغرفة وهي ما زالت تغمغم بصوتها العالِ بسخط شديد تريد أن تسقط إنتقامها من "عاطف" ووالدها لتجد "وعد" أمامها مازالت جالسه تطعم صغيرها ، حدجتها "عتاب" بنظرات لم تفهمها ثم أردفت بتقزز ... 
- كله بسببك ... كله بسببك إنتِ يا بنت "مسعود" ... كله منك ... بس أنا وإنتِ والزمن طويل ...
قضبت "وعد" ملامحها بدون فهم وهي تحرك رأسها بإستفسار ... 
- قصدك إيه ... بتقولي إيه ....؟!؟؟
مالت "عتاب" بجزعها تجاه "وعد" متوعدة إياها بأعين قاسيه ونبرة مخيفه أثارت الفزع بنفس "وعد" المرهفة ... 
- عارفه لو طلعتي إنتِ السبب هعمل فيكِ إيه ....؟!! أنا حاكلك بإسناني .... إنتوا الظاهر ما تعرفوش مين هي "عتاب" ....
رفعت "وعد" كتفيها وأهدلتهما بدون فهم قائله ...
- أنا مش فاهمة حاجة ...!!!!
رفعت "عتاب" جذعها للأعلى متشدقة برأسها متجهه نحو غرفة "محب" تخبره بما فعله والدهما ، فلابد أن ما حدث لن يرضيه بالمرة ، وبالتأكيد ليس لديه علم به فهو لا يهمه إلا مصلحته فقط وعليه مساعدتها في إرجاع حقهم الضائع ...
أسرع "عاطف" نحو الخارج يطلب من والدته اللحاق بوالده الذي سقط أرضًا ...
- إلحقي يا ماما أبويا واقع في الأرض ومش عارف يتنفس ...
تركت "قسمت" إبنة "عتاب" التي كانت تطعمها لتلحق بـ"عاطف" الذي ركض عائدًا بإتجاه غرفة الصالون للاطمئنان على زوجها فهي لم تنتبه لما يحدث ...
إستوقف "عاطف" "وعد" التى لحقتهم بدورها قائلًا ...
- رايحة فين ...؟!!
أشارت "وعد" نحو غرفة الصالون بتعجب ...
- رايحة أطمن على عمى ...!!!
أشر "عاطف" برأسه بإتجاه إبنه "زين" الذى شعر بالقلق عليه مما حدث ليتخذ الأسلوب الأمثل الذي لابد وأن "وعد" ستنصاع إليه لتنفيذ أوامره دون إيضاح ما حدث من "عتاب" ليصرخ بوجهها بإقتضاب وغضب شديد ... 
- حتاخدي إبنك وتطلعي على شقتك فوق ... ولا تنزلي هنا ولا تتحركي من مكانك ... حتى الأكل والشرب حيبقى عندك فوق ... لو سمعت حتى إنك عملتي غير كدة حتبقي طالق مني بالتلاته ... 
رغم غضبه و سخطه وإهانته وضربه لها إلا انه لم يلقي عليها ولو لمرة بيمين الطلاق ...
خشيت من أن يقع هذا الفعل الشنيع عليها وتحمل اللقب الذي طالما تخوفت منه أومأت "وعد" رأسها عدة مرات بتخوف تخوفًا من أن ينفذ تهديده لها بالطلاق ، لتحمل ولدها و قد إرتجفت من داخلها لتسرع نحو شقتها دون فهم ما يحدث ، بينما عاد "عاطف" لوالده الذي إحتقن وجهه بشده لتخبره والدتها والدته بأن عليه الإتصال بالإسعاف فوالده ليس بخير إطلاقًا ...
وكانت تلك المرة الأخيرة التي خطت بها "وعد" شقة والدى زوجها لتبقى منذ ذلك الحين منفصلة تماما بشقتها لا تتعامل مباشرة مع "قسمت" أو "عتاب" ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈

رجفة وإهتزاز قوي تلاه سكون تام ، ترى من المصاب ؟؟! ومن مازال على قيد الحياة ؟؟ هل كان ذلك دوي إطلاق نار ؟!؟
لحظه صمت لم تدم طويلًا حين إستدارت "عهد" للخلف تجاه "كاتينا" بأعين مندهشة متسعة عن آخرها ، بينما حدق "معتصم" بقوة تجاه تلك الشقراء التي إستعادت وعيها لتحمل سلاحها الناري تضربه بالهواء لينتبها لها بعدما تناسيا وجودها تمامًا ..
تلك الطلقة النارية هي التي جعلتهم ينتبهون لتلك الضئيلة ، وما الذي ستخسره فهي الوحيدة التي تملك القوة الآن بحملها للسلاح ، فلما لا تستعرض قوتها به وتحكمها بالأمر و سيطرتها عليهم ، فلهذا شعور رائع بالنشوة يعتريها ، فهي لم تكن تدرك أن شعور السيطره مبهج للنفس بتلك الدرجة ..
استمتاعها وهي ترى وميض أعينهم المضيئة كقطع الألماس أثناء تطلعهم نحوها بنظراتهم الغامضة العجيبة ، لكنها بالنهاية المسيطرة على الوضع فهي التي تحمل القوة بيدها ...
نظرت نحو "معتصم" ساخرة منه ...
- لا أصدق أنك أبله لهذه الدرجة ...!!!
قالتها وهي تطالع "معتصم" الذي لم يتأثر بالمرة من حديثها ، لم يتفاجئ اوغ يعطي رد فعل ، فقط يطالعها بنفس نظرته الجامدة الغامضة التي كانت تراها بعيناه بالكوخ ، تلك النظرة والثبات الذي يتحلى به ...
لتستكمل تستطرد بتفاخر ...
- أعرفك بنفسي أنا "جيسيكا تشواريسكوف" ... عميلة إستخباراتية روسيه أيها الأبله المغفل ... لقد علمنا بتصميمك الفريد لهذا البرنامج الذي يمكنه تشغيل المفاعلات النووية الموقوفة .... وبسهولة للغاية ... وبسذاجة غير معقولة منك ... فأنت من يظهر كشخص غامض صعب المراس ... إستطعت أنا .. ها .. وبسهولة أيضًا الحصول عليه ... وأيضًا حصلت على مبلغ مالي باهظ للغاية من الطرف الذي رفضت أنت الإتفاق معه ... أي أنا رابحة بكلا الإتجاهات يا عزيزي ...
قالتها بغرور وقد علت ضحكتها التي محت تمامًا وجهها البريء ، ذلك القناع الذي كانت تستند خلفه ، أكملت برغم صمتهم التام تظهر تباهيها بما فعلته أيضًا ....
- و الأكثر من ذلك هي تلك المغفلة التي شاركتنا الكوخ لأيام ... لتسمح لي التحرك والتخطيط دون أن تشك بأي تصرف من تصرفاتي نحوك .... حتى حين حاولت قتلك تلك الليلة حين فصلت الأضواء جميعها ... تصدت لي "أهد" حين دفعت السكين من يدي ليسقط أرضًا قبل أن تضيئ المصابيح ... لهذا وجب علي إلصاق التهمة بها ... وأنها هي من كانت تحاول قتلك حتى تغفل عني و أُبعد الشك عني ...
نظر "معتصم" بإتجاه "عهد" بجانب عيناه فقط ليدرك الآن أنها كانت تحميه من غدر "كاتينا" وليس العكس ، فمنذ مجيئها وقد قامت بدور الحامية له دون أن يدري ...
لم يظهر تأثره بل عاد يقاتمتيه تجاه "كاتينا" ومازال متحليًا بالصمت دون حياد عنها ليتركها تستكمل حديثها حين إستطردت قائله ...
- كان لدي أمر بالتخلص منك بعد حصولنا على البرنامج ... فوضعت لك الحبوب المنومة بالقهوة ... لكن سكبتها تلك السخيفة بتصرفتها الهوجاء ... حينها أنت أخبرتني بقلقك منها ... وتخوفت من أن تقوم بقتلنا ... لهذا كان علي أن أصطحبك لأكثر الأماكن أمانًا ... إنه البيت الأمن للإستخبارات الروسية ... والذي لا يعلم أحد موقعه مطلقًا .... أنا من أشعلت النيران به ... و كدت أن أفوز ... لكن كالعادة كُتب لها عمر جديد ... وإستطعت الهرب من بين النيران المشتعلة .... حتى أنه لم يصبك خدش واحد ... إنني بالفعل متعجبة من ذلك ...
تطلعت "كاتينا" بسخرية تجاه "عهد" ثم عقدت وجهها بإشمئزاز ...
- يا لك من متطفلة .... !!! أفسدتي عملي .... لكن هذه المرة لن أخطئ أبدًا ... والآن ستنتهي حياتكما على يدي أنا ....
وجهت "كاتينا" المسدس تجاه "معتصم" أولًا لتتخلص منه ، و بثبات شديد رفعت إصبعها السبابة لتضغط على الزناد ...
لحظه دوي بها صوت مهول لإطلاق الرصاص مرة أخرى ، لكن المفاجئ لم يكن سقوط "معتصم" ، بل كانت "كاتينا" التي تلقت رصاصة بين حاجبيها بدقه تصويب قناص بارع ...
بعينين متفاجئتين وإنبهار لدقة هذا التصويب تطلعت "عهد" بإتجاه "معتصم" الذي كان يقف شامخًا تعلو عيناه نظرات حادة للغاية وهو يبسط ذراعه الأيمن بثبات منتهيًا بقبضة على مسدس بمهارة شديدة ...
ملامحة الجامدة الجادة ودقته بالتصويب البارع كان باهرًا لأعين "عهد" بصورة لم ترى مثلها من قبل ، حتى هي القوية التى لا تتأثر أعجبت لبراعته وثباته أيضًا ...
تنفست بقوة لعدة مرات قبل أن تدنو بخطواتها بإتجاه "معتصم" ، لكن لاح تساؤل أهم برأسها فقد تفاجئت بحيازته لهذا السلاح الناري ، وظنها أيضًا أن "كاتينا" كانت متفاجئة بالفعل قبل مقتلها من وجود مسدس معه ...
لتنطق "عهد" أخيرًا بتساؤلها الأهم من معرفة حقيقة "كاتينا" وسعيها لقتلهما والذى يزخم رأسها ...
- إنت إزاي ضربتها بالدقة دي ...؟!!!  إنت أصلًا جبت المسدس ده منين و إزاااااى ....؟!!!!!

ويبقى للأحداث بقية ،،،
ويبقى للأحداث بقية ،،،
انتهي الفصل الرابع عشر ،،،
قراءة ممتعة ،،،
رشا روميه (قوت القلوب)

 •تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent