رواية الماسة المكسورة الفصل الاربعون 40 - بقلم ليلة عادل
[بعنوان: سكرات العشق]
المقطم السادسة مساءً
نشاهد عثمان يتوقف ويبدو أنه في انتظار أحدهم. وبعد دقائق، تقترب منه سيارة ملاكي يهبط منها عماد.
عثمان: عماد بيه.
اقترب عماد منه بجدية: أتمنى تكون المرة دي جايب لي أخبار حلوة.
عثمان بثقة: هو أنا عمري جبت لك أخبار وحشة؟ ولا كنت هتقدر تعمل اللي عملته في سليم بيه من غيري؟ خلاص، الموضوع هيتقفل. أنا سايبهم دلوقتي وهم بيتفرجوا على الفيديوهات بتاعت نجاتي الله يرحمه. فالموضوع ثبت على نجاتي بالضبة والمفتاح.
عماد بشك: متأكد إن الموضوع مش هيفتحوه تاني؟
عثمان: وحتى لو فتحوه يا باشا، هنقفله تاني بطريقتنا.
عماد: ماشي يا عثمان، بس مش هتفهمني بقى عملت إيه؟
عثمان بلا مبالاة: ولا حاجة، لما كلمتني وقلت لي إنك عايز تعرف خطة التأمين تحسبًا لأي حاجة، قلت لازم أخرج برة الصورة وأحط مكاني كبش فدا، طلبت من نجاتي يخش يجيب لي شوية أوراق والخريطة من مكتب مكي، كأن هو اللي طالبهم، وقبلها كنت بعمل كم مكالمة من تليفونه كأن تليفوني خربان… وطلع إحساسي صح. مكي طلع حاطت كاميرا في المكتب وصور نجاتي، وطبعا إسماعيل دور في المكالمات ولقى مكالمات ما بين نجاتي وعباس وكمال، وبكده ثبتنا التهمة.
عماد: وإشمعنا نجاتي؟
عثمان: هو اللي كان قدامي.
عماد: ماشي يا عثمان. إحنا مش هينفع نتقابل الفترة الجاية. لو فيه حاجة جدت هأكلمك، والفلوس هتتحولك في البنك زي ما اتفقنا. سلام.
عثمان: سلام يا باشا.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل
في أحد المطاعم الكبيرة السادسة مساءً
نشاهد فايزة تجلس على إحدى الطاولات مع صديقتها، تتبادلان الأحاديث بمرح بينما تتناولان الطعام، دخلت هبة مع صديقتها بخطوات واثقة، وبمجرد أن وقعت عيناها على فايزة، ابتسمت وتقدمت نحوها لإلقاء السلام.
هبة: مساء الخير يا فايزة هانم. أخبارك ايه؟
فايزة تبسمت بلطف، وقالت: أهلاً هبة، أخبارك إيه؟
هبة بابتسامة خفيفة: تمام.
فايزة: اقعدي معنا.
هبة وهي تنظر نحو طاولتها: سوري معايا أصحابي.
قاطعتها فايزة وهي ترفع حاجبها: مفيش مشكلة. مش هاخد من وقتك كتير. خمس دقايق كفاية.
هبة: حاضر.
جلست هبة بجانب فايزة بعد أن أشارت لأصدقائها بالانتظار بابتسامة صغيرة.
فايزة وهي تشير لهبة بابتسامة: دي هبة زيدان، صديقة ياسين، نسرين هانم صديقة للعائلة.
هزّت الاثنتان رأسيهما بابتسامة خفيفة تعبيرًا عن الترحيب والاحترام.
فايزة بعد لحظة صمت: ها، خلصتِي اللي وراكي؟
نظرت هبة إليها بتعجب قائلة: Pardon يا فايزة هانم مش فاهمة.
فايزة نظرت إليها بنظرة ماكرة وقالت: ياسين قال لي إنك مشغولة، وعشان كده أجلتِي العزومة.
هبة زمت شفتيها بأسف، قائلة: واضح إن ياسين مفهمش كلامي لا، أنا رفضت لأن ما يصحش أكون معاه من غير ارتباط رسمي.
تمعنت فايزة بها بحيرة: بس انتي جيتي مرتين!!
هبة رفعت حاجبيها قليلاً،وقالت بتوضيح: أول مرة كنت جاية عشان أتعرف عليكِي، والثانية عشان ماسة.
مالت فايزة برأسها قليلاً وقالت بتساؤل: طيب، وإمتى هتاخدي خطوة الارتباط الرسمي؟ ياسين كل شوية يكلمك وأنتي بتأجلي.
هبة أخذت نفسًا عميقًا وقالت بنبرة مترددة: يعني أنا كنت بفكر وو.
قاطعتها فايزة رافعة حاجبيها باستغراب وقالت بعنطظة: بتفكري؟! ده ياسين الراوي! عارفة مين هو ياسين الراوي؟
هبة ابتسمت ابتسامة هادئة وقالت بعقلانية: طبعًا عارفة. ياسين إنسان محترم جدًا وأنا بحترمه، ولو مكنتش واثقة في أخلاقه ومبادئه، مكنتش اتعرفت عليه، وقربت منه، لكن الجواز مش مجرد صفقة أو فرصة، أنا محتاجة أكون متأكدة من إحساسي.
رفعت فايزة،حاجبها باستغراب: إحساسك!! يعني إيه؟ ياسين إنسان كامل من كل النواحي، ومن عيلة كبيرة. إيه اللي ممكن يخليكِي تترددي؟
هبة بضيق محاولة الحفاظ على هدوئها: حضرتك شايفة الموضوع من زاوية مختلفة، أنا مش بتكلم عن وضعه الاجتماعي أو إمكانياته المادية أنا بتكلم عن شراكة عمر، لو مش واثقة في القرار، مش هاخده.
فايزة بعقلانية: أنا مقولتش تتجوزوا بكرة يا هبة، بس أنتي وياسين من عائلات كبيرة، والصحف بدأت تتكلم. اتأكدي من قرارك وإنتم في إطار رسمي، لأن الكلام كتر، أنا متفهمة مخاوفك، بس برضو ماينفعش نسيب الموضوع كده، مادام ياسين طلبك للزواج. فكري كويس في كلامي، ولا أنتي حابة الموضوع يفضل لعبة؟
قالت آخر كلماتها وكأنها تقوم بإهانتها،
فهمت هبة مقصدها.ردت بنبرة بها شدة ولو أنها كانت شخص آخر كان عرفت كيف ترد عليها: أنا قلت لياسين إني هكلم ماما وبابا ونحدد وقت مناسب..على فكرة أنا مش بلعب يا فايزة هانم، بس بحب كل حاجة تاخد وقتها عشان ما تتحسبش عليا خطوبة… توقفت وهي تقول .. بعد إذنك، اتأخرت على أصحابي.
تحركت هبة وفايزة ترمقها بابتسامة خبث،
نسرين صديقة فايزة: البنت ذكية وعاقلة جدًا.
فايزة بإعجاب تنظر لآثارها: فعلاً، عجبتني.رغم إني مش بحب البنات من النوع ده، لكن هي لفتت انتباهي. رغم اللي حصل بينا من شوية وإللي أكيد هيحصل في المستقبل، إلا إنها عجبتني.
نسرين بمزاح: يعني هبة نجحت في تجاوز الاختبار.
فايزة: يعني.. خلينا نكمل ايه هتروحي الدفيليه؟
نسرين: أممم.. وأكملتا حديثهما.
الفيوم
مزرعة الراوي، الساعة٦:٣٠مساءً
بعد أن غادر الجميع، جلس سليم وماسة في غرفة الفينج روم بجوار بعضهما يشاهدان أحد الأفلام القديمة على التلفاز، كان سليم يحتضن كتف ماسة بذراعيه، بينما هي تضع رأسها على صدره.
ماسة برجاء: كراميلتي، خلينا نرجع القصر.
نظر إليها سليم مستغربًا، وضيق عينيه: إشمعنا؟
ماسة: بأزهق هنا وأنا لوحدي.
سليم: إنتِي عايزة كده؟
هزت ماسة رأسها بإيجاب: اممم، كمان عشان الدراسة بدأت، ويكون سهل أذاكر مع سلوى لما ترجع.
سليم: تمام، بكرة نرجع، كويس إنك فكرتيني إن الدراسة بدأت، عشان أضبطلك مواعيد الدروس.
ماسة: ميس ضحى كلمتني النهاردة وقالت لي أول الأسبوع الجاي هنبدأ الدروس.
سليم: تمام، أنا هروح للدكتور اليومين الجايين دول زي ما وعدتك.
ماسة، بسعادة: بجد؟ حلو ده أن شاءالله يجيب نتيجه انا واثقه.
أمسك سليم يدها وقبلها، وهو يدقق النظر في عينيها متسائلاً بشك: متأكدة إنك سامحتيني؟
ماسة بخجل: يعني محستش، وإحنا سوا.
تنهد سليم وهو يركز النظر في بحور عينيها التي يعشقها: حسيت، بس ممكن أحس تاني .. غمز لها.
تبسمت بخجل وشاحت بعينيها لأسفل، تبسم سليم على خجلها الذي يروق له، ثم وضع قبلة على عينيها بعشق وقال: النهاردة عندي ليكي مفاجأة حلوة نظره في ساعته قائلاً كمان كم ساعة.
ماسة بحماس: أنا بعشق مفاجأتك يا كرملتي! قولي لي، وصلت لإيه بعد الاجتماع؟
سليم بتوضيح وهو يتلاعب بخصلات شعرها: واحد من رجالي اسمه نجاتي سرق الخريطة اللي فيها التأمين، وكان من ضمن اللي اتقتلوا.
ماسة متعجبة: وسرقها إزاي؟
سليم: مكي كان حطها في المكتب.
ماسة مستنكرة: إزاي حاجة بالأهمية دي تتحط في المكتب كده عادي؟
سليم بضيق: مكي كان مدي الثقة شويه للرجالة، وحطها في الدرج. بس كويس إنه حط كاميرا وما حدش يعرف عنها حاجة، حتى أنا.
ماسة باستهجان: أوحش حاجة هي خيانة الثقة. بس إنت ما تزعلش.
سليم: لا، أنا مش زعلان يا روحي.
ثم تبسم وقال بغزل:بس من رأيي، مستي الحلوة تروح دلوقتي وتجهز نفسها عشان إحنا هنمشي الساعة 8:00. أنا عن نفسي، 10 دقايق وبكون جاهز.
ماسة تبسمت: طب ألبس إيه؟
سليم: اطلعي الأوضة، وهتلاقي اللي هتلبسيه.
نظرت له ماسة، فـ فهمت أن سليم أجلب لها فستان جديد! توقفت بحماس وركضت حتى الغرفة، وعندما دخلت الأوضة، وجدت فستانًا باللون الأحمر ذو حمالات رفيعة في منتهى الجمال، وبجانبه شال أبيض من الفرو، بالإضافة إلى حذاء عالي.
ماسة، صفرت بانبهار: واو!
أقترب سليم ثم قام بضمها من الخلف وقال بجانب أذنها: عجبك يا ماستي الحلوه.
ماسة، مبتسمة: يجنن! جبته إمتى؟
سليم، مبتسم: ما يتسألش السؤال ده.
التفتت ماسة له بابتسامهة تزين شفتيها وقالت: بعشق غرورك.
نظر سليم في شفتيها برغبه ناعمة، ثم اقترب منها وقال: بقولك إيه، أنا محتاج أحس إنك سامحتيني تاني.
ماسة أتسعت عينيها برفض : نوو! أنا هلبس. وضعت قبلة على خده، وقالت بمزاح ودلع: يلا على بره!” وأخذت تدفعه للخارج.
سليم: طب بوسة بس!
ماسة وهي تدفعه: ولا نص يلا هوينا!”
سليم وهو يضحك: ماشي، بالليل هاخد حَقّي.
وقبل أن يخرج، وضع قبلة على خدها. أغلقت ماسة الباب بابتسامة عريضة واتجهت للمرحاض لتأخذ حمامًا استعدادًا للسهره.
وبعد فترة، ظهرت وهي ترتدي الفستان الذي بدت فيه فاتنة للغاية. شعرها منسدلاً ومتموجًا على ظهرها، وأبرزت مستحضرات التجميل جمال ملامحها، خاصة عينيها الزرقاء اللتين تشبهان البحر في صفائه، زينت عنقها المرمري بعقد من اللؤلؤ اللامع، ووضعت في أذنها بحلق من الياقوت، وزينت أصابع يديها ومعصمها بمجوهرات تتناغم مع تألقها. كانت جذابة بشكل لا يقاوم.
وعلى جهة أخرى، نرى سليم، الذي يبدو هو الآخر أنيقًا في بدلته، متماشيًا مع جمال تلك الساحرة الجميلة.
خرجت ماسة من الغرفة بعد أن ارتدت الشال، وكان سليم في انتظارها. فور أن رآها بتلك الأناقة، ابتسم وهو يمرر عينيه عليها وقال بنبرة مازحه: كاظم كان على حق لما قال: كل ما تكبر تحلي وتصيري احلى واحلى.
ضحكت ماسة وقالت: وأنت كمان بقيت قمر! ها يا عم كاظم، هتودينا فين؟
سليم مبتسمًا: الجمال ده ما ينفعش مع الطريقه دي.
ماسة: عندك حق، هتوديني فين يا كراميل؟
سليم تبسم: قلت لكِ مفاجأة.
امسك سليم يدها ووضع قبله برقي
مد ذراعه بحركة رقيقة ليجعل ماسة تتعلق بها، تبسمت وتعلقت بذاعيه وتحركا حتى السيارة، حيث فتح لهما”مكي” الباب، وتوجهوا إلى اليخت الخاص بسليم الذي كان راسيًا على النيل.
كان اليخت مزينًا ببعض الشموع البسيطة والورود، وكان بسيطًا لكن جذابًا. فور صعود ماسة إلى اليخت، مررت عينيها عليه وقالت:
ماسة: الله! حلو أوي! بس ده بمناسبة إيه؟
عدل سليم من توقفه وهو ينظر لها حاط باحذ ذراعيه خصرها: هل لازم يكون في مناسبة؟ كل الحكاية إني عايزكِ بس تقضي وقت حلو معايا.
ماسة: بصراحة، فكرتك هنحتفل بعيد جوازنا وعيد ميلادي، لأن زي ما قلت لكِ هيكون في رمضان.
سليم: أنا قلت لك هنحتفل به في العمرة، أعتقد ما فيش احتفال أجمل من كده.
ماسة: إنت عندك حق.
سليم دقق النظر في ملامحها الساحرة قائلا: إنتي فاكره إن المفاجأة خلصت؟
نظرت له وهي تعقد حاجبيها تنظر اجابه: لا، لسه البداية
غمز لها، ثم ضرب سليم أصابعه معًا، لتشتعل الأنوار في أعلى اليخت، ليظهر مجموعة من العازفين وأحدهم كان المطرب مروان خوري.
قالت ماسة بصدمه باتساع عينيها: إيه ده؟
سليم مبتسمًا موضحاً: سمعتِ اغنيه ليه، عجبتني فحبيت ياغنيهالك بنفسه.
ابتسمت ماسة وقالت: أفهم من كده إننا هنتكمل الحفلة بالشال؟
تبسم سليم: لا هو هيغني الأغنية ويخلص؟و يمشى وتقعدى براحتك.
ماسة: ماشي.
وجه ماسة نظراتها نحو مروان ابتسمت برقه، وقامت بتحية مروان وأفراد الفرقة بابتسامة ناعمة.
بينما كان مروان والعازفون يعزفون الأغنية للاستعداد لغينائها، جلس سليم مع ماسة في أحضانه، حيث كانت رأسها على قلبه، واستمتعوا معًا بكلمات الأغنية.
أغنية مروان خوري:
“آه على قلب هواه محكم
فاض الجوى منه فظلما يكتم
ويحي أنا بحت لها بسره
أشكو لها قلباً بنارها مغرم
ولمحت من عينيها ناري وحرقتي
قالت على قلبي هواها محرم
كانت حياتي فلمـا بانت بنأيها
صار الردى آه علي أرحـم”
ومع تلك الكلمات، بدأت الموسيقى تصدح في المكان، وظهرت الأنوار الخافتة التي تزين اليخت، مما جعل الأجواء أكثر رومانسية. بدأ العازفون يعزفون ألحانًا هادئة، فيما كانت ماسة تشعر بسعادة غامرة..مد سليم يديه ليطلب من ماسة الرقص معه. ابتسمت ماسة ومدت يديها، فاحتضنها سليم وأحاط خصرها بذراعه، ووضعت يديها حول رقبته. وتمايلا مع كلمات الأغنية، كان شعرها يتطاير برقة مع كل حركة، بينما كان قلبها ينبض بسرعة، وكأن كل لحظة معه كانت أشبه بحلم يتحقق.
نظر سليم إلى عينيها وقال: الكوبليه ده لكِي أنتِي
تبسمت ماسة بسعادة تغمر عينها.
كلمات الكوبليه:
القَصائدِ مِن حَلا عَينيكِ
مِن دَفا إيديكِ كَتَبتُن وقُلتُن
هَيدي القَصائدُ مِش حَكي يا روحي
هو بُكي القَصائدُ هو لَكِ كُلُّن…
هَيدي الأغاني غَرامي سِنِين
هَيدي دُموعٌ ونَغَمٌ وحَنِين
هَيدي أيَّامي مَعَكِ قَلبي اللِّي بِيوجعَكِ
أنا لَو لَا الهَوى أنا مِين…
هَيدي الأغاني غَرامي سِنِين
هَيدي دُموعٌ ونَغَمٌ وحَنِين
هَيدي أيَّامي مَعَكِ قَلبي اللِّي بِيوجعَكِ
أنا لَو لَا الهَوى أنا مِين…
بينما كانا يرقصان سويا، همس سليم في أذنها: أنا فخور بكل لحظة معاكِي. بحبك أكثر من أي وقت فات.
ابتسمت ماسة، ثم نظرت في عينيه وقالت بعشق: وأنا كمان، يا سليم، بحبك وبموت فيك، أنت كل حياتي.
ضمته بعشق يفيض من قلبيهما هو الآخر شد عليها بين أحضانه
استمرا في الرقص على أنغام الأغنية، ثم قام سليم بدفعها بلطف قبل أن يسحبها نحوه ويضمها بين ذراعيه بابتسامة عريضة، استمتعا بكل لحظة وهما يسبحان في بحر من الأحاسيس العميقة. استمرت في الحركة بتناغم مع الموسيقى، وكأن الوقت توقف ليفسح المجال لهذه اللحظات الجميلة.
بعد انتهاء الأغنية، غادر مروان والعازفون، ليسود الهدوء الأجواء، ويبقى صوتهما فقط يعكس دفء اللحظة. جلس سليم وماسة على أحد المقاعد في اليخت، وراحا يتبادلان الحديث وهمسات الحب، يتشاركان ذكريات الماضي وأحلام المستقبل.
كانت الأضواء الخافتة والهواء العليل يضيفان سحرًا خاصًا على المكان. وبينما كانا ينظران إلى مياه النيل المتلألئة تحت ضوء القمر، شعرا بأن الوقت لا يعني شيئًا، وأن هذه اللحظات هي كل ما يحتاجان إليه. في تلك اللحظة، كان العالم كله قد اختفى حولهما، لتظل مشاعر الحب تتدفق بينهما بكل سلاسة وصدق. مع مرور الوقت، بدأ اليخت يبحر ببطء في مياه النيل، بينما كان سليم وماسة جالسين معًا، يسرقان من الزمن لحظات كأنها أغلى ما في حياتهما.
💕__________بقلمي_ليلةعادل
منزل سارة – الثامنة مساءً
تجلس سارة على الأريكة وهي تشاهد التلفاز بهدوء. فجأة، يدق الباب، تتوجه الخادمة لتفتحه، ويظهر عماد حاملاً باقة من الورود. رفعت سارة عينيها نحوه للحظة، ثم أعادت النظر إلى التلفاز، متجاهلة وجوده. يقترب عماد منها بخطوات مترددة.
عماد بشوق: حياتي وحشتيني.
سارة، بنبرة حادة: وحشتك؟ الحمد لله على السلامة. ها، إيه أخبار السفرية؟ انبسطت؟
عماد محاولاً التبرير: كنت هتصل بيكي وأشرح لك، لكن السفر حصل فجأة. وبعدين، أنتِ عارفة إننا كنا لازم نسافر صافيناز ما سابتنيش خمس دقائق على بعض حتى أخذت مني التليفون، وبعدين هم يومين بس واديني جيتلك، ما تزعليش بقى.
توقفت سارة فجأة بانفعال: بص يا عماد، أنا زهقت من الوضع ده. لما بدأنا اللعبة دي، قلت لي: هتتجوز صافيناز علشان توصل لكرسي الراوي علشان الملايين،و لحد إمتى بابا هيفضل تابع لعائلة الراوي؟ بيرموا له شوية فتافيت! لازم نبقى احنا الملوك.
عماد، محاولاً تهدئة الوضع: سارة لو سمحت بس.
لكنها قاطعته بحدة وواصلت دون انقطاع: لما وافقتك على خطتك، كان عشان أنتقم من صافيناز وأرد لها نفس القلم لما سرقت خطيبي، مش حبا فيه، تؤ لا.. عشان أنتقم، ولما عرفت إن عينيها عليك جات لحد عندي، صافيناز طول عمرها أنانية وطماعة، دايمًا بتحب تبص للي في إيد غيرها. كان لازم أكسرها، لأن سارة ما بتسيبش حقها، واللي بتعمله كان لازم يكون له تمن، بس هتشتغل من ورا ظهري لحد هنا صدقني هتندم.
عماد، محبطاً: هو إحنا هنفضل في النكد ده كتير؟
سارة بغضب أشارت على نفسها: أنا يا عماد اللي بقيت بنكد عليك؟
عماد بضجر: أيوه! قلتلك إنها فترة مؤقتة، وأنتِي وافقتي. خلاص بقى، هنفضل في النكد ده كتير؟
صاحت سارة في وجهه بغضب: طب اتفضل، روح للي معيشاك في السعادة والهنا. روح لواحدة عندها استعداد تحرقك وتحرق أي حد يقف قدام مصلحتها.
عماد بعصبية: تصدقي، خسارة فيكي الورد. أنا ماشي.
يخرج عماد غاضبًا ، تاركًا سارة تنظر نحوه بتحدٍ وصمت عميق، وكأنها تخوض حربًا داخلية بين كبريائها وغضبها.
تنظر نحوه وهي تهمس لنفسها بغل: كده أنت اللي ختمتها يا عماد.
منزل هبة
غرفة النوم العاشرة مساءً
كانت هبة جالسة على مكتبها، تذاكر تقوم بالمذاكز. بعد دقائق، سمعت صوت طرق على الباب، ودخلت والدتها.
سامية: مساء الخير يا حبيبتي
هبة تبسمت: مساء النور يا مامي.
جلست والدتها على المقعد الأمامي للمكتب: بتذاكري
هبة: اهاا.
سامية بجدية: كنت عايزة أتكلم معاكي شوية.
هزت هبة رأسها بإيجاب وهي تنظر لها بتركيز ممزوج يترقب.
بدأت سامية الحديث بجدية وبعقلانية. أنتي دلوقت بقالك فترة كبيرة جداً مع ياسين، والكلام بدأ يطلع. إحنا مالناش في الكلام ده، إحنا طول عمرنا ناس محترمة. وأنا مش هسمح إن اسمنا يكون على لسان كل واحد من أصحابنا أو من أهلنا أو أي حد من الناس، الصحف والإعلام بدأت تتكلم عنك، أنتي مش حد عادي ولا بنت حد عادي، أنتي هبة زيدان، واللي أنتي بتخرجي معاه ده ياسين الراوي، فالموضوع واخد مساحة كبيرة في الإعلام، أنا احترمتك لما جيتي وقلتي إن بينكم مشاعر متبادلة، وإن الولد قال لك إنه عايز ياخد خطوة، لكن أنتي رفضتي عشان تتأكدي من مشاعرك، لكن، أنا لحد إمتى هفضل محترمة مشاعرك وطريقة تفكيرك؟ أنا و والدك إدناكي الحرية لكن الحريّة دي ليها حدود وليها وقت. لو مش قادرة تقتنعي أو مش عارفة تاخدي قرار، يبقى ابعدي عنه، لكن مش هسمح بتجاوزات أكتر من كده ولا هسمح إن سيرتنا تبقى على كل لسان بالشكل ده مفهوم.
هبة بتوضيح: ماما، من غير كل الكلام ده، أنا خلاص أخدت قرار، كنت هفتح الموضوع مع ياسين، كل الحكاية بس إني خايفة.
سامية متعجبة: خايفة من إيه؟
هبة: خايفة بعد جوازنا علاقتنا تبوظ احنا دلوقتي أصحاب ومتفاهمين جداً بشكل يخوف ياسين حد عاقل كده وفي نفس الوقت دمه خفيف ومجنون بس بيقدر يستوعبني وبيحاورني وده شيء نادر.
سامية بعقلانية:الحب اللي بيبدأ على حاجة سليمة يا هبة، ما بيروحش. لازم تفهمي حاجة واحدة: العلاقة الزوجية مش كلها حب بس، في حاجة تانية، وهي المسؤوليات. وبعدين مش هتتجوزي دلوقتي، أنتِ هتاخدوا وقتكم، بس يبقى في حاجة رسمية.”
هبة: خلاص يا ماما، بلغّي بابا إن أنا هتفق بكرة مع ياسين في موضوعنا وأحدد معاه معاد عشان يجي هو وأهله.”
سامية: تمام وأنا كمان هاهدي بابا عشان هو منزعج جداً من الموضوع ده..
خلاص كملي مذكرتك يا حبيبتي
“ابتسمت وتوجهت للخارج، نظرت هبة لها بابتسامة وهي تمسح على شعرها، ثم أمسكت هاتفها وبدأت في التحدث مع ياسين.”
💕___________بقلمي_ليلةعادل ◉‿◉
في اليخت، الساعة الثانية عشر ظهراً
في غرفة النوم، تسلل ضوء الشمس عبر الستائر نصف المسدلة، مضفيًا وهجًا ناعمًا على المكان. كان سليم وماسة مستلقيين على السرير، جسديهما متقاربين تحت غطاء ناعم.
فتحت ماسة عينيها ببطء، لتجد سليم نائمًا بجوارها. ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها، عكست حبًا عميقًا وسكينة، أقتربت منه بهدوء، وعينيها تتأملان تفاصيل وجهه بعشق يفيض قلبها، مدت يدها بحذر، وبدأت تمرر أصابعها على ملامحه.
عارف يا سليم، أنا عمري ما كنت متخيلة إني ممكن أحب حد بالشكل ده. إنت مش مجرد جوزي… إنت روحي، سندي، كل حاجة في حياتي. مهما الدنيا قست علينا، ومهما الظروف وقفت في وشنا، أنا هفضل معاك، وهفضل أحبك.
وهتحمل أي حاجة عشانك، مش هسيبك أبدًا، وهفضل أديك قوتي لو حسيت إنك ضعفت.
“إنت بالنسبة لي مش بس حلم حققته، إنت الحلم نفسه. وطول ما أنا معاك، أنا مش محتاجة حاجة تانية. هكمل معاك المشوار لآخره، لأنك تستاهل كل تعب وكل تضحية.
انحنت برفق وطبعَت قبلة على وجنته، وكأنها توقظه بكلماتها لتذكره بأنها بجانبه دائمًا، مهما حدث.
تبسم سليم على كلماتها، التى كان يستمع إليها منذ البداية فتح عينًا واحدة وقال بابتسامة بنبرة ناعسه:
كلامك حلو أوي… كملي.
نظرت إليه ماسة بابتسامة خجولة: انت سامعني بقى؟
سليم وهو يغمض عينيه مجددًا: من أول ما حطيتي إيدك على وشي…فتح عينيه ومد يديه ومرارها على خدها، ثم قال بعشق: وأنا قد ثقتك، أوعدك بهذا يا أغلى من روحي…قبلها من يديها، ثم همس وقال: كنت بحلم بيكي، حلم حلو أوي، وكل لحظة فيه كانت أجمل من اللي قبلها.
تبسمت ماسة بخفه: طب تعرف؟ أنا كمان حلمت حلم غريب… كنا قاعدين في جنينة كبيرة ومعانا ولد وبنت. الولد كان شبهك، بس مش اوي، فيه منك. والبنت كانت نسخة مني تمامًا، ومعاهم بيبيهات صغيرين بيلعبوا حواليهم. وأنا وأنت قاعدين على مرجيحة، شعرنا أبيض وملامحنا مكرمشة شوية. والله يا سليم، كان حلم حلو قوي.
فتح سليم عينيه ببطء وقال بابتسامة: دول أولادنا، والصغيرين دول أحفادنا؟
أومأت ماسة برأسها وهي تبتسم: أمممم.
نظر إليها سليم بنبرة جادة مغلفة بالمرح: بس أنا قلت لك من الأول، أنا عايز أربعة، ومش هتنازل عن الأربعة.
ضحكت ماسة بخفة، ثم وضعت رأسها على صدره. احتضنها سليم بذراعيه برفق، وبدأ يمرر أنامله على شعرها وظهرها بحنان.
ماسة وهي تغمض عينيها مستمتعة باللحظة: عارف، السنين اللي بتعدي بسرعة، والعمر اللي بيجري… حاجة مش بيحبها الناس، ولا حتى أنا. بس لما أتصور اللحظة دي، إننا مع بعض، ومعانا أولادنا وأحفادنا… الخيال وحده يخلي القلب يتنطط من الفرحة. إن شاء الله الحلم ده هيتحقق.
نظر إليها سليم بابتسامة وقال: وأنا هفضل أحبك لحد ما اللحظة دي تيجي ولحد أخر لحظة يا أحلى من أحلى قطعة السكر.
رفعت ماسة رأسها لتنظر إليه وقالت مازحة: ويا ترى هتفضل تحبني بقى بنفس القوه؟ ولا الحب ده ليه مدة صلاحية؟
أمسك وجهها بيده وهز رأسه قائلاً: صلاحيه ايه ده، أنا هحبك أكتر من الحب نفسه، ولحد آخر نفسه، حبك في قلبي أبدي. يا عشقي الأبدي.
ثم طبع قبلة صغيرة على شفتيها، تلتها قبلة أعمق، تفيض بالمشاعر.
ضحكت ماسة بخجل وهي تحاول الهروب من ذراعيه وقالت: طب يلا، قوم بقى… أنا جعانة جدًا. عايزة فطار. اعمل لي البيض الإسباني اللي بتحب تعمله.
سليم بابتسامة:حاضر، بس اديّني الصباح بتاعي الأول، بس أنا صباحي مش بالكلام… صباحي بالأفعال.
حاولت ماسة الفرار وهي تضحك، لكنه أمسك بها ووضعها بين ذراعيه مرة أخرى. ضمها بحنان تحت الغطاء، وسط ضحكاتها ومحاولاتها المستميتة للإفلات.
اللحظة كانت مليئة بالحب، وكان الصباح شاهدًا على عمق علاقتهما التي لا تهزها الأيام.
أخيرًا، بعد يومين من السعادة والهدوء على اليخت، عاد سليم وماسة إلى القصر، حيث غمرهما شعور بالراحة والسكينة، وكأنهما تركا العالم خلفهما. كانت لحظات العيش في هذه الأجواء الرومانسية تشعرهما وكأنهما في عالم خاص بهما، بعيدين عن كل شيء آخر.
-قصر الراوي الثالثة مساءً
-دخلا القصر وهما ممسكين بأيديهما، ووجهاهما يملؤهما السعادة. توقف في الهول، حيث كانت فايزة تجلس هناك. فور أن وقعت عيناها عليهما، قالت بابتسامة.
فايزة: أخيرًا ظهرتوا، كنتم فين؟
سليم: في اليخت، عاملة إيه؟
فايزة: الحمد لله.
سليم تسأل هو ينظر من حوله: انتي لوحدك؟
فايزة: أممم، كلهم في المجموعة.
سليم:تمام، عن إذنك.
فايزة: بكرة تكون في مجموعة، محتاجة أتكلم معاك شويه.
سليم هز راسه بإيجاب: تمام، بعد إذنك.
تحركا سليم وهو ممسك بيد ماسة وصعد السلالم، بينما فايزة اكتفت بالنظر إليهم بص
مجموعة الراوي
مكتب ياسين – الساعة الثانية عشر ظهراً
نشاهد ياسين جالساً في مكتبه يركز في شاشة اللاب توب، وعيناه تتابعان كل ما يظهر على الشاشة. بعد قليل، سمِعَ صوت طرق على الباب، فدخلت السكرتيرة.
السكرتيرة: مستر ياسين، في واحدة عايزة حضرتك، بس مش حابة تقولي اسمها. بتقول إنها عاملهالك مفاجأة.
دخلت هبة قبل أن يرد ياسين، الذي كانت ملامح وجهه تعكس الإستغراب قالت هبة: أنا هبة.
أبتسم ياسين إبتسامة عريضة عندما رأى هبة، وتوقف لاستقبالها بشكل يليق بها.
ياسين: إيه المفاجأة الجامدة دي؟.. اتفضلي انتي يا نرمين.
هزت نرمين رأسها وأنصرفت
دخلت هبة وهي تنظر حولها: واو! مكتبك شكله جامد.
اقترب منها ياسين مبتسما وألقى عليها نظرة شوق : أنا عايزك تعملي كده على طول.
هبة: هتلاقيني عندك على طول من هنا ورايح.
جلست على المقعد الأمامي للمكتب، كاد ياسين يجلس أمامها، لكنها أوقفته بإشارة من يدها.
هبة: لا، أقعد على مكتبك، حابة أشوفك وانت على المكتب كده، وبيزنس مان قمر.
تبسم ياسين وجلس على مكتبه.
ياسين: أخبارك إيه يا قطة.
هبة: تمام.
ياسين: تشربي ايه؟
هبة:لا، مش عايزة حاجة.
ياسين مبتسماً:إزاي يعني؟ لا، هتشربي حاجة. هطلب قهوة.
وبالفعل، قام ياسين بطلب فنجان قهوة مُظبوط.
هبة: هقابل ماسة كمان شوية، قلت عادي أقعد معاك شوية وأقول لك الخبر الحلو ده.
ياسين: خبر إيه؟
هبه مبتسماً: أنا كلمت ماما امبارح وبابا في موضوعنا، وهم مستنينك يوم الخميس.
ياسين وهو يهز المقعد بإبتسامة متعجبة:
ده بجد؟
هبة: أيوه بجد.
ياسين بمزاح: ده احنا نطلب شربات بقى!
ضحكت هبة بخفة: أطلب.
ياسين: خلاص هكلم بابا وماما النهاردة عشان نحدد معاد بفكر نعمل الخطوبة ما بينا مش عايز أعزم ناس كتير ولا انت رأيك ايه.
هبة بتأييد: أنا كمان مش عايزة زحمة دي هنعملها ما بينا تقتصر على أصدقائنا المقربين وخلاص.
هز ياسين رأسه بإيجاب أكملت هبه بنبرة بها ضيق: في موقف حصل من يومين كده مع والدتك ضايقني، بس ما حبتش أدي الأمر أهمية كبيرة.
ياسين: إيه هو؟
هبة: يعني كلمتني بأسلوب، مش لطيف، عشان لسه بفكر وكده.
ياسين بعقلانية: ما تزعليش، هي ماما شوية طريقتها جافة، وبتحب دايماً كل حاجة تمشي على الأصول. يعني وجهة نظرها إنك تاخدي وقتك وتفكري وتعرفيني كويس في إطار رسمي، في حاجة ليها مسمى. لكن اللي إحنا كنا في ده، بالنسبالها ما تفهموش، خصوصاً لما الصحف بدأت تتكلم علينا. وده اللي أنا قلته لك، يمكن تعبيرها خانها، بس ما تزعليش.
هبة بتوضيح:أنا مش زعلانة يا ياسين بس حاسة إننا هنتصادم كثير أنا وهي.
ياسين بلطف: إن شاء الله، مش هيحصل حاجة. إيه رأيك نتقابل بالليل ونحتفل؟
هبة بابتسامة:موافقة.
♥️______بقلمي_ليلةعادل_______ ♥️
في أحد الكافيهات على النيل الساعة الثالثة مساءً
نرى سلوى تجلس على إحدى الطاولات وتشاهد النيل بهدوء. بعد قليل، اقترب منها مكي وهو يحمل حقيبة هدايا، وجلس على المقعد المقابل لها بابتسامة.
رفعت سلوى عينيها نحوه وابتسمت قائلة: اتأخرت!!
مكي معتذرًا: الطريق كان زحمة جدًا… عاملة إيه؟
سلوى: كويسة،( بمزاح ) خرجت من الحفرة.
ضحك مكي متعجبًا: حفرة؟
ابتسمت سلوى بخجل: أمم… أقصد بطلت تكلمني زي الأول، واختفيت كدة والا طنط بردو لسه بتاخد التليفون.
مكي بدهشة: أنا؟! ده أنا بقالي كام يوم بتحايل عليكي عشان أشوفك، حتى بطلتي تردي على تليفوناتي.
سلوى: والمفروض أول ما تقول لي يلا نتقابل، أوافق على طول؟
مكي زم شفتيه بأسف: عندك حق والله يا سلوى، تنهد بحيرة وهو يعود بظهره للخلف: أنا محتار مش عارف آخد قرار، عشان كدة بختفي، بس مابقدرش وبضعف.
سلوى وهى تضيق عينيها بعدم فهم: أنا مش فاهمة حاجة.
مكي تنهد: الأول، تشربي إيه؟
أجابت سلوى: نسكافيه باللبن.
هز مكي رأسه بالإيجاب، ثم نادى على الجرسون وطلب الطلبات. بعد أن غادر الجرسون، تبسم مكي وأخرج من الحقيبة وردة حمراء، وقال: اتفضلي.
أخذتها سلوى بإبتسامة عريضة وقالت: ميرسي.. وهي تتشمم عبيرها قالت: لسه بتتكسف تمسك وردة؟
رد مكي بخجل: أمم… بحس شكلي عيل نيّتي فرفور.
ضحكت سلوى بصوت عالي: حلوة “نيّتي” دي.
ابتسم مكي على ضحكتها الجميلة، ثم أخرج من الحقيبة بلورة وقدمها لها. ما إن رأتها سلوى حتى شعرت بسعادة كبيرة وقالت: الله! تجنن! كان نفسي فيها أوي… أوعى تقول لي “أخدت بالي” والكلام ده.
ضحك مكي: لا… يعني البنات عمومًا بحسهم بيحبوها. كل سنة وأنتي طيبة.
نظرت إليه سلوى بإستغراب وهي تميل برأسها، فأجابها: عيد ميلادك كان من كام يوم، بس أنا لسه عارف.
.سلوى بلطف: وأنت طيب.
مكي بإبتسامة: كده تميتي كام؟ ١٧؟
سلوى ضاحكة: ١٧ ايه تمّيت ١٦… ماسة هي اللي هتمّ ١٧.
مكي بصوت منخفض: أنتم صغيرين قوى، ودب المشكلة نظر لها متبسمًا قال: عموما كل سنة وانتي طيبة عيد ميلاد سعيد.
سلوى: وانت طيب.
بدأت بتشغيل البلورة، فخرجت منها موسيقى جميلة، وبدأت العرائس بداخلها ترقص. نظرت إليها بإبتسامة عريضة طفولية وقالت: شكلها حلو أوي. ميرسي بجد. تعرف إن عمري ما حد افتكر عيد ميلادي؟ ولا حد عمل لي عيد ميلاد أو جاب لي هدية.
مكي متعجبًا: إزاي يوم زي ده يعدي كده ومن غير حاجة؟
سلوى بتوضيح: إحنا مابنهتمش بالكلام ده بس ماسة قالت لي كل سنة وأنتِ طيبة وجابت لي هدية، هي ما كانتش موجودة يوم عيد ميلادي، ماسة كل يومين في حوار جديد… أنا تعبت لها والله.
مكي بتأييد: فعًلا سليم من وقت مرجع من السفر وهو مارتاحش.
سلوى تبسمت نظرت الى ذراعه: فكيت الشاش، الحمد لله بقيت أحسن.
هز مكي رأسه بإيجاب: اممم بقيت كويس من بدري، بس إحنا اللي ما شفناش بعض.
جاء الجرسون ليضع الطلبات، لكن أثناء وضعه القهوة اختل توازن يده، فكادت أن تسقط على سلوى. بسرعة وضع مكي يده ليحميها، فسقط جزء من القهوة على يده والباقي على الطاولة.
صرخت سلوى برقة: مكي!
الجرسون: أنا آسف جدًا.
سلوى بشدة: مش تاخد بالك شوية؟
الجرسون: آسف والله يافندم لحظه واحدة. تحرك الجرسون بحركات سريعه
أمسكت سلوى يد مكي: إنت كويس؟
مكي: الحمد لله، ما تقلقيش.
أحضرت كوب ماء وسكبته على يد مكي لتخفيف الحرارة.
مكي بتهوين: مافيش حاجة، ما وقعتش عليا كلها.
سلوى: ازاي يعني.
جاء الحرسون ومعه كيس ثلج : اتفضل، آسف يا فندم، معرفش إزاي حصل كده.
مكي: حصل خير، مفيش مشكلة.
مسح الجرسون الطاولة ورحل بعد أن ألقى نظرة اعتذار. جلست سلوى بجانب مكي ووضعت الثلج على يده باهتمام.
سلوى: ليه عملت كده؟
مكي وهو ينظر لها: كنتي عايزاني أسيبها تقع عليكي يعني؟
سلوى بتعجب: شفتها إزاي؟
مكي باهتمام: أنا مش مركز غير معاكي وبس.
نظرت له للحظة بصمت، تبادلا النظرات. ابتلعت ريقها وقالت: الثلج هيخليها كويسة. سلامتك.
قصر الراوي الخامسة مساءً
جناح سليم وماسة
نشاهد ماسة جالسة على مقعد التسريحة، تضع مستحضرات التجميل، ارتدت فستانًا بسيطًا وأنيقًا، وعندما اقترب منها سليم، نظر إليها وسأل
برفق: سليم: هتمشي دلوقتي؟
هزت راسها بإيجاب نهضت توقفت امامة مباشرة اخرج سليم مبلغ من المال، ثم وضعه في حقيبة يدها قائلاً بلطف:خليهم معاكِي لو احتجتِي حاجة.
ماسة: شكرًا يا حبيبي انت كمان هتروح ميعاد الدكتور.
سليم: اممم
ابتسم سليم بلطف، ثم قبّل جبهتها، سُمِيعَا طرق على الباب
ماسة: ادخلي يا سحر.
سحر: سلوى هانم تحت.
سليم تسال: كنتي عارفة إنها جايّة؟
ماسة: لا انا عرفتها بس أننا رجعت امبارح، وجه نظرها لسحر وقالت: طب يا سحر، أنا نازلة.
خرجت سحر بعد ان هزت راسها بإيجاب نظرت ماسة لسليم: هأخدها معايا.
سليم: طيب، لو روحتى في مكان غير الكوفي عرفينى
هزت راسها بإيجاب وهبطت ماسة إلى الأسفل، وعندما رأت سلوى، ابتسمت واحتضنتها بحرارة فهي اتت لها لكي تخبرها ما حدث مع مكي.
ماسة: حلوة المفاجأة!
سلوى: عاملة إيه؟
ماسة: تمام، بقولك تعالي معايا، أنا خارجة مع هبة حبيت ياسين.
سلوى: طب خلاص، هروح.
ماسة: بطلي عبط، تعالي معايا، ده حد عسل جدا. خلينا نتعرف على الناس جديده بدل الملل ده.
سلوى: ممكن تضايق.
ماسة: لا، تعالي نتكلم بالعربية.
توجّهوا إلى السيارة بسرعة، وعندما لمحهم مكي ابتسم ابتسامة عميقة حين علم ان سلوى ستاذهب معهم.
♥️______بقلمي_ليلةعادل_______ ♥️
في أحد الكافيهات عند الساعة الرابعة مساءً،
نشاهد ماسة وسلوى وهبة يجلسن معًا على إحدى الطاولات وسط أجواء لطيفة، بينما الحراس يجلسون بالقرب منهن ومعهم مكي.
سلوى بابتسامة خجل: معلش بقى، أنا جيت رخامة مع ماسة. كنت رايحة لها وما كنتش عارفة إنها خارجة، واتفاجئت.
ماسة، وهي تنظر لسلوى بتوضيح: الصراحة، أنا اللي قلت لها تيجي معايا. أوعي تكوني متضايقة.
هبة بتعجب: في إيه يا جماعة؟ اللي بتقولوه ده عادي! بس يا ترى مين فيكم أصغر؟
سلوى: إيه ده؟ هو مش باين؟
هبة بابتسامة: أنا عارفة إن ماسة عندها 17سنة، بس ملامحها أكبر من سنها شوية.
سلوى: أنا أصغر بعشر شهور بالضبط.
هبة: بس عارفين؟ برغم إنه مفيش شبه بينكم، بحس إن روحكم واحدة.
ماسة بابتسامة تنظر إلى سلوى بحب تمسك يدها: ده حقيقي. أنا بحس إن سلوى نصي الثاني.
هبة:ربنا يخليكم لبعض.
وأثناء حديثهن، اقترب الجرسون ووضع الطلبات على الطاولة ثم رحل.
هبة بنبرة قلق: تعرفي يا ماسة، أنا كنت قلقانة عليك جدًا بعد اللي حصل، سليم كان متعصب بشكل مخيف.
ماسة بخجل وبعينين زائغتين: أنا اللي بعتذر جدًا على اللي حصل.
هبة: تعتذري عن إيه يا بنتي؟ مفيش حاجة. أنا اكتشفت أن سليم صعب أوي.
ماسة بدهشة موضحة: ليه صعب؟ هو عنده حق في اللي حصل، يمكن وقتها وأنا واقفة بتفرّج عليه وهو بيضرب الراجل، كنت مستغربة ومش فاهمة، لكن بعدين فهمت، غصب عنه! الراجل قال له: أنا معجب بمراتك وعايز أكلمها. طبيعي يفقد سيطرته.
هبة: بس هو ما كانش يعرف إنك مراته.
ماسة: حتى لو ماكانش يعرف، مينفعش. طيب هقولك حاجة: لو واحدة ماتعرفش إنك حبيبة ياسين وقالتلك إنها معجبة بيه وعايزة اتعرف عليه، هتعملي إيه؟
هبة بابتسامة ساخرة: هجيبها من شعرها!
ماسة ضاحكة: بالضبط! هو ده اللي عمله سليم. بس كمان لأنه راجل وطبعه الغيرة. الموضوع فلت، غيرته بتخليه عصبي أوي، فطبيعي يغلط.
هبة: بصي، إنتي أقنعتيني، بس أنا برضه حاسة إنه زوّدها. المهم… لما رجعتم البيت عمل معاكي حاجة؟
عقدت ماسة بين حاجبيها متعجبة: عمل معايا حاجة؟ إزاي يعني؟
هبة: يعني، شخصية سليم بغضبه ده أكيد لما يروح البيت هيعمل حاجة؟
ماسة، تبسمت بثبات: لا خالص، ماعملش أي حاجة.
هبة أكملت بنبرة جادة: أصل، الضرب أصعب حاجة في الدنيا! الراجل اللي يضرب مراته دي حاجة ما ينفعش نستهين بيها.
سلوى مؤيدة: أيوه طبعاً، ماينفعش راجل يضرب مراته، ولو ضربها، ماينفعش تتصالح معاه على طول.
نظرت إلى ماسة وكأنها تُخبرها بأنها مُنزعجة لأنها سامحت سليم بسرعة رغم ما فعله.
هبة بتأييد: أيوه طبعاً. تخيلي جوزك، حبيبك، أمانك وسندك، اللي بتنامي في حضنه، يمد إيده عليكي؟ أمال الغريب هيعمل إيه؟.
أمسكت ماسة كوب العصير وتلاعبت بشاليمو بنوع من التفكير قبل أن تضيف قالت بدفاع: أحياناً الغضب بيخلي الإنسان يتصرف غلط، بس مادام الشخص بيندم وبيعترف بخطئه، ماينفعش نعلّق له حبل المشنقة، خصوصاً لو الفعل ده ما بيتكررش أو كان لأول مرة.
هبة مؤيدة: صح لازم ندي فرصة بس بشكل معين لان أحياناً الفرص الزايدة بتكون غلط، وبتضر أكتر مابتنفع.
ماسة: مظبوط.
هبة تبسمت: عندي خبر حلو، أنا وياسين هنتخطب.
ماسة بفرحة: أيوه كدة فرحيني بالأخبار الحلوة…ألف مبروك.
سلوى: بجد؟ مبروك!
هبة: الله يبارك فيكي. مش هقولك عقبالك.
سلوى قلبت وجهها بضيق: ليه كده؟
هبة: إيه ده؟ أنتي عايزة تتجوزي صغيرة كده؟
سلوى: لا، بس يعني نفسي أتخطب وأعيش قصة حب وكده.
هبة باعتراض: لا، استني شوية عشان تعرفي تختاري صح. بقولك إيه يا ماسة، عايزاكي تكلميني شوية عن فايزة هانم. حاسة إنها شديدة، أنا وهي مش هنعرف نتعامل مع بعض؟
سلوى بضحك: اخترتي الحد الصح عشان تسألي السؤال ده.
ضحكت ماسة: فعلًا.. بصي، هما ناس محترمين جدًا، ومافيش بيني وبينهم احتكاك كبير، بسبب إني دايمًا في الفيلا بتاعتنا أو عند ماما، وهما أصلًا معظم الوقت مشغولين في المجموعة. بس هي بجد فايزة هانم حد محترم.
هبة وهي تزم شفتيها: أنا بحس ان طبعها شديد. شافتني من كام يوم في النادي.. عدلت من جلساتها، ورفعت أحد حاجبيها. قامت بالتقليد بشكل ساخر: لسة بتفكري؟! يعني إيه لسة بتفكري؟ لازم تاخدي قرارك بسرعة، وتاخديه وإنتوا مخطوبين، إنتي هتتجوزي ياسين الراوي؟ عارفه يعني ايه ياسين الراوي، ولا إنتي بتحبي اللعب؟” استفزتني جدًا، وأقسم بالله، لو ما كنتش مامت ياسين كنت رديت عليها، بصراحة يومها. كنت هتصل بياسين وأقول له إن كل حاجة انتهت، لكن قعدت كده و هديت وقلت: هو ملوش ذنب. ومامته أصلًا معروف عنها في وسطنا إنها عايشة في العصور العثمانية! وصعبة.
ماسة بعقلانية: بالظبط كده. أنا من رأيي ما تديش أهمية لأي حد، ركزي مع ياسين. ياسين فعلًا حد محترم جدًا وبيحبك. بصي، إحنا مش بنتكلم كتير مع بعض، لكنه بيحبك جدًا. سليم قال لي إنه دايمًا بيحكي عنك كلام حلو.
سلوى: وبعدين إنتي هتتجوزيه هو، طنشي أمه لأن واضح إن مافيش حد بيشكر فيها.
هبة بعقلانية: لا يا ماسة إنتي وسلوى في أوقات ماينفعش، دول ناس هعيش معاهم في نفس المكان حتى لو لفترات مؤقتة. إحنا هنعيش مع بعض، وأولادي في المستقبل هيكونوا أحفادها وهي جدتهم، أعمامهم وعماتهم دول! فلازم يكون في ودّ، مش هقول حب، لكن على الأقل مافيش جفاء.
ماسة: أنا بردو مع رأيك، لكن مش عشان موقف واحد تضايقي منها، وبعدين هي ماقالتش حاجة غلط. هي شايفة ابنها فوق كل البشر، وده طبيعي. كل الأمهات كدة، موضوع تأخيرك في موضوع قرارك، في دي عندها حق فيه لازم تتخطبو بقى بقالكم كتير.
هبة: هو ده اللي أنا فكرت فيه، بس طريقتها كانت جافة أوي.
ماسة بود: متزعليش يا حبيبتي
هبة بحماس: بقول لكم إيه، ما تيجوا نروح مكان تاني؟ أنا زهقت من الجو ده. نروح سينما، أكلم صحابي ونخرج سوا، نغير جو.
ماسة باعتراض: لا، مش هينفع. سليم مش هيوافق نخرج مع حد تاني. خلينا لوحدنا النهاردة، ولازم أتصل بيه الأول.
هبة وهي تعقد بين حاجبيها متعجبة: مش هيوافق ليه؟!
ماسة بتوضيح: يعني لازم يبقى عارف أولاً مين الناس اللي أنا خارجة معاهم، وهنعمل إيه. لازم يكون عنده فكرة كاملة. أنا عايزة أقولك إنه عامل تحريات عنك!
ضحكت هبة بدهشة وقالت: يا نهار أبيض، ده سليم طلع حكايته حكاية! بقولك إيه، أنا عايزاكي تحكي لي عنه شوية. بدأت أحس إنه سايكو بجد.
ماسة بدفاع: والله العظيم، أنتم ظالمينه، وحياة ربنا، هو طيب جداً. صح يا سلوى؟
سلوى بابتسامة حانية قالت: هو فعلاً طيب وغلبان، ومش متعالي، وبيخاف على ماسة جداً.
هبة بتفكير قالت: طب تعالوا نروح مكان تاني، وتحكي لي شوية بقى عن سليم. عايزة أفهمه أكتر.
ماسة: استني، هكلمه الأول.
رفعت هاتفها واتصلت بسليم. طلبت الإذن وبالطبع وافق سليم على أن تذهب مع هبة إلى أحد المولات.ثم دخلا إحدى دور السينما، وتناولا الطعام معاً. قضيا وقتاً ممتعاً، وكان الحديث طوال الوقت يدور حول سليم، عن أسلوبه في التعامل واهتمامه الزائد بماسة..
أحد المراكز النفسية – الساعة السادسة مساءً
غرفة المعالج النفسي
كان سليم جالسًا على المقعد الأمامي للمكتب، بينما الدكتور مروان عزت (في الستين من عمره) جالسًا على المقعد خلف المكتب. ملامحه كانت هادئة وكأنها تعكس سنوات خبرته كانت عيناه تحمل نظرة ثاقبة بينما كان يتأمل سليم.
مروان بتهذب، مبتسمًا بلطف: أهلاً سليم بيه.
سليم باحترام، وهو ينظر إلى مروان بنظرة تقدير: أهلاً بحضرتك، ميرسي إنك قبلت تقابلني، عرفت إن حضرتك مش بتشتغل جلسات، واكتفيت إنك تحاضر في الجامعة.
مروان بتوضيح، وهو يرفع حاجبيه قليلًا: مش بالشكل اللي وصل لحضرتك، بس بقيت بأخد عدد أقل من الحالات (عقد حاجبيه متسائلا) بس حضرتك ليه أصريت إني أنا اللي أعمل معاك الجلسة؟ كل الدكاترة هنا والمعالجين ممتازين
سليم، وهو يبتسم بتواضع، وتوتر قليل: الموضوع بالنسبة لي حساس شوية.
لاحظ مروان توتر سليم أبتسم بصمت وإبتسامة مطمئنة، وهو يراقب تعبيرات وجهه بعناية،ثم دون ملاحظة.
سليم انتبه له، وهو يخفف من توتره: أنا معنديش وساوس، بس أنا بحترم حضرتك من زمان مش أكتر.
مروان ابتسم وقال، وهو يهز رأسه بتفهم: ماكتبتش إنك موسوس، لكن واضح إنك شديد الملاحظة، وفضلت إني أتعامل معاك عشان حساسيّة مكانتك بجانب طبعًا إنك بتحترمني.
هز سليم رأسه بإيجاب: مظبوط.
عدل مروان جلسته ليستمع له أكثر وقال بلطف، مع ميل طفيف إلى الأمام: اتفضل قول، أنا سامعك.
مسح سليم على وجهه، وقال مع قليل من التوتر: انا متجوز عن حب بحب مراتي أوي، وكمان شهر هنكمل سنتين، بس أنا عندي مشكلة، عارف إن المشكلة دي عندي من زمان، أعتقد من طفولتي، لكن بدأت تزيد مع تقدم العمر، ماكنتش بهتم بيها أو مركز معاها، لكن كنت عارف إن في حاجة غلط عندي، وفي نفس الوقت كنت حاسس إن دي مش مشكلة ولا مرض، وإن أنا طبيعي، أنا مش عارف أفهمك، يعني دايمًا كنت بشوف إن غيرتي طبيعية، لكن ردة فعلي هي اللي زيادة لكن أنا طبيعي أعمل كده وأغير كده، وأحب كده.
مروان متسائلا بتركيز: ممكن توضح أكتر؟
سليم وهو يحرك يديه قليلاً محاولًا توضيح الفكرة: يعني طبيعي أغير على مراتي أو البنت اللي أنا مرتبط بيها لو حد كلمها أو أبدى إعجابه بيها، مظبوط؟!
مروان هز رأسه بالإيجاب وأشار له أن يكمل، وعينيه تتابع حركة سليم عن كثب.
سليم، وهو يظهر علامات الحيرة على وجهه: غيرتي طبيعية، جنون طبيعي، لأنه نابع من حبي من عشقي، يعني بشوف لو واحد بص لمراتي أو قال كلمة غزل لازم أكسره، لكن مشكلتي إني كنت بانفعل عليها هي كمان، بانفعل بزيادة لدرجة ممكن أأذيها. بس مابقاش قاصد ده، ببقى مغيب مش واعي، ولما برجع لوعيي بكون مصدوم، كأن في حد تاني هو اللي كان بيعمل ده مش أنا.
سأل مروان بتركيز وهو يدون ملاحظاته: يا ترى بتكون فاكر ولا بتبقى ناسي لما ترجع لوعيك؟
سليم بحسرة، وهو ينظر إلى الأرض للحظة: بكون فاكر كل حاجة، كل تفصيلة صغيرة بكون فاكرها، والندم بيقتلني وبيعذبني، لكن الندم ما بيصلحش حاجة، خصوصًا لو الأفعال اتكررت والوعود اتبخرت. المشكلة كمان، كل ما تعلقي وحبي لحد بيزيد، عنفي بيزيد.
مروان، وهو يرفع حاجبيه: إيه اللي بيجي في دماغك وقتها يا أستاذ سليم؟
سليم بنبرة متوترة وقد ازدادت حركته العصبية: إن الشخص ده عايز يسرقها مني ويحرمني منها، وماتبقاش معايا وأبقى وحيد، وإن مينفعش حد يقرب منها، دي حاجة تخصني وملك سليم.
سأل مروان بعناية: وده خاص بالأشخاص يعني زوجتك وحبيبتك، ولا بشكل عام؟
سليم، وقد بدا على وجهه التفكير قال: زمان كانت حاجات مادية زي اللعب، حاجة زي كده، لكن دلوقتي بقت أشخاص.
سأل مروان ليفهم أكثر: وشعورك بالغيرة اللي ممكن يولد عنف؟ ده بيكون خاص بزوجتك، ولا كمان مع الناس المقربين ليك زي الأصدقاء وأفراد العائلة؟
صمت سليم لحظة، وبدت الحيرة واضحة عليه ثم قال: تحب أشرح لك أكتر؟
مروان: يا ريت.
عاد سليم بظهره للخلف وحاول أن يبدو مسترخيًا: أنا قبل ما أتجوز مراتي، كنت مرتبط وكنت بغير عليها نفس الغيرة، ونفس الجنون، لكن ماكنتش بحس إني خايف حد ياخدها مني، ولا كنت بحس في نفس الحب، كل اللي كان في دماغي إزاي حد يلمسها أو يبص ليها، هي ملكي أنا، حاجة بتاعتي، ماينفعش حد يقرب منها، ولا هي تسمح لحد يقرب منها. لكن مع ماسة..
قطع مروان متسائلًا: ماسة دي اللي هي مراتك؟
هز سليم رأسه بنعم: مظبوط، الموضوع معاها بقى مختلف بقيت بحس بخوف أكتر من اني متعصب أو متضايق.. بحس إن لو حد شافها أو كلمها بخاف انه ياخدها مني.
مروان، وهو يميل قليلاً إلى الأمام محاولًا فهم عمق المشكلة: وليه بتعنف زوجتك مش بتكتفي بالشخص اللي أبدى إعجابه؟
سليم بأسف: لأني في عز غضبي، عقلي بيترجم إن هي السبب لكن لما بهدى، ببقى عارف إنها ملهاش علاقة.
مروان، وهو ينظر إليه بعناية: مممم، طيب، وإيه اللي خلاك تيجي دلوقتي؟
سليم بضيق وحزن، وعينيه تغرق بالأسف: لأني ضربت مراتي، وهي ماعملتش حاجة، ومش أول مرة لا دي ثالث مرة، بس المرة دي العنف زيادة، وهي زعلت مني اوي لدرجة إنها كانت عايزه تسيبني، حقها انا خذلتها، أنا وعدتها إني هتغير عشان أحافظ عليها وأكون الإنسان إللي يستحقها، بس منفذتش كلامي، عشان كده جيت لك عشان تساعدني لأني مش قادر لوحدي.
تساءل مروان بلطف: طيب هو أنت بتمد إيدك لو مثلًا ماسمعتش كلامك أو عملت حاجة غلط؟
سليم، وهو يهز رأسه برفض: لا، مش أسلوبي خالص.
مروان، وهو يكتب بتركيز ثم ينظر إليه مباشرة: يعني الضرب مرتبط بغيرتك فقط؟
سليم، رفع كتفه بعدم معرفة: تقريبًا.
مروان: أنت عنيف في الغالب؟
سليم وهو يمد شفته السفلية: لا.. أنا ممكن أكون قاسي في كلامي أحيانًا، لكن معتقدش إني عنيف.
مروان: لو حد أغصّبك من أصحابك أو من عائلتك، ممكن تمد ايدك؟
سليم: لا، ما بمدش إيدي، بس ممكن نظراتي وطريقة كلامي تكون شديدة أو فيها نوع من العنف.
مروان، بنبرة حذرة: يعني تهديد؟
هز سليم رأسه بإيجاب بصمت.
مروان: بتنفذ تهديداتك؟
سليم: مش دايمًا، يعني لو حسيت إن الموقف يستاهل.
مروان: بتكون عنيف في العلاقة الزوجية؟ أو بتميل للعنف حتى لو مش مع مراتك؟ يعني لو كان لك علاقات زي دي قبل كده؟
سليم، وهو يحرك رأسه نفياً: لا، أبدًا، مابحبش الطريقة دي، وأصلاً مراتي كانت صغيرة لما اتجوزتها، كانت 15سنة، وكنت حريص جدًا في علاقتي معاها ومازالت.
مروان، مدهوشًا: مراتك كان عمرها 15سنة؟ وأنت كان عمرك كام؟
سليم، وهو يفسر: وقت ما تجوزتها كانت 15 سنة، دلوقتي هي 17 وأنا 27. بينا 10 سنين، وقبل ما تتكلم، أنا عارف إنه غلط، بس صدقني، ما كانش في خيار تاني. كنت مضطر، كانوا هيجوزوها في كل الأحوال لأنها مش من الطبقة بتاعتنا، هي من الأرياف، زي ما حضرتك فاهم هما بيجوزوا البنات في السن ده، يعني إللي خايف منه هيحصل. فيحصل معايا على الأقل أنا بحبها.
ركز مروان النظر في عينيه: يعني أنت كنت مضطر علشان مافيش اختيار تاني؟ مش لأنك بتحبها أو لأنك عايزها تبقى معاك وملكك؟!.
سليم هز رأسه نافيا: بالعكس، حاولت أهرب من مشاعري، أو يعني ما يصدرش مني أي ردود أفعال لأن سنها مش مناسب لأي خطوة ارتباط، بس لما حصل موضوع العريس ده، كنت مضطر، واللي شجعني أكتر إن شكلها أكبر من سنها وعقلها كمان.
مروان وهو ينظر له بعناية: بتغير عليها من أهلها أو صديقاتها البنات؟
سليم تبسم بإيجابية: بغير أكيد، بس بفرح لما تكون معاهم وسعيدة ومبسوطة، يعني أنا عارف إنها بتكون سعيدة مع اختها فبسيبها تخرج معها أي وقت.
مروان، وهو ينظر إليه بتفكير: طيب، هل ده يعني إنك بتسمح لها بحرية تامة؟ أو في حدود معينة بتحددها؟
سليم، وهو يرفع حاجبه قليلاً: أنا مش بحب أكون متسلط عليها، بحاول أكون معاها في كل المواقف، بس في نفس الوقت بحط بعض الحدود اللي مش لازم تتعداها، يعني مثلاً، لو خرجت مع أختها، بحب أعرف مكانها، مش علشان أراقبها، بس علشان اطمئن عليها أختار اصدقائها عشان ما حدش يئذيها.
مروان، وهو يراقب سليم بعناية، ثم يتابع بأسلوب هادئ: طيب لو خرجت وسابتك، بتضايق؟
سليم، وهو يجيب بتفكير، ثم يهز رأسه: لأ، بس بحب لما أكون معاها يكون كل اهتمامها ليا بس.
مروان، وهو يتنفس ببطء مع ابتسامة تطمين.. وضع القلم وعدل جلسته: تمام، بص يا أستاذ سليم، إحنا هنحتاج نعمل أكتر من جلسة لأن المشكلة شكلها ليها أسباب من زمان. مشكلتك مش كبيرة، لأن حضرتك معترف بيها وحاسس بيها، ودي أول سلمة للاستشفاء وغيرتك هي نوع من أنواع حب التملّك و..
قاطعه سليم باعتراض: لأ، أنا مش متملك، لو كنت متملك مش هخليها تبقى مع حد، وهسجنها. أنا بغير وبحبها طبيعي، لكن عندي ردة فعل عنيفة ومبالغ فيها بس.
مروان ابتسم وقال، وهو يرفع رأسه بتفهم: كمل.
سليم، وهو ينظر إلى مروان بحسم: مافيش حاجة تانية أكملها
مروان، وهو يتأمل سليم بتمعن: محتاج أسمع منك أكتر. إنت شايف مشكلتك إزاي؟
نظر لها سليم بتركيز يحاول توضيح أنه يغار ليس إلا: هو بس كده، قولي حضرتك إنت مش بتقول لمراتك إنتِي ملكي وحبيبتي، مينفعش حد يقربك منك ولا يشوفك غيري، تحب لما ترجع من شغلك تركز معاك، ولو هتقضوا وقت حلو مع بعض، تبقى معاك، ما حدش ياخدها منك، لكن لو حصل ظرف طارئ خلاص بتسبها، أنا ماعملتش حاجة أو ماطلبتش حاجة أكثر من كده، طول ما أنا مش موجود بسيبها تعمل كل اللي نفسها فيه، ماحبهاش تبات بعيد عن حضني، بس مابمنعهاش تروح لأهلها وتخرج وتتعلم، بس مش عايزها تتعرف على ناس مش شبها، هيئذوها ويلوثوها، بس لما بلاقي حد شبهها وحد كويس بالعكس بقى داعم ليها، هل الشخص المتملك بيعمل كده أعتقد لا؟
مروان، وهو يحرك يده برفق، ليشير إلى شيء أكبر من الكلمات: بص يا أستاذ سليم، أنا معاك إن الغيرة حاجة طبيعية، لكن الغيرة اللي حضرتك بتعاني منها هي المشكلة، ده نوع من أنواع حب التملك، نابع من الخوف من الفقدان. ضربك ليها مش لأن حد شافها جميلة أبداً، السبب الرئيسي هو خوفك من فقدانها، عشان كده حضرتك قافل عليها وحاطت حدود، وتأكد الحدود دي مع السنين هتزيد.
تنهد سليم وشعر بضيق شديد، وكان يشعر أن مروان بدأ يبتعد عن ما يريده. كل ما كان يشغل تفكيره في تلك اللحظة هو كيف يتجنب ضرب ماسة. فقال:
دكتور، أنا عايز أبطل أكون عنيف معاها وأكون هادي وبس. علاقتنا كويسة في كل حاجة تانية، مش فاهم حضرتك بتتكلم في إيه؟ يعني عايز تقنعني إني غلطان عشان بغير؟
مروان حاول التوضيح بلطف: قطعًا لا، الغيرة شيء طبيعي ومشروع، ودي حاجة مرتبطة بالحب. وكلما زاد الحب، زادت الغيرة. لكن زي ما حضرتك قلت، رد فعلك زايد وغير طبيعي، وده اللي إحنا هنشتغل عليه سوا.
ثم حاول مروان أن يشرح له الموضوع بشكل عقلاني، مع إظهار الحنان في كلامه: انا بفهمك مسمى مشكتك. اللي بتحس بيه ده نوع من أنواع حب التملك، مصحوب بالخوف والقلق. وده بيكون نتيجة إما لأنك فقدت شخص عزيز عليك قبل كده، أو لأنك ما جربتش حب حقيقي قبل كده، فلما لقيت الحب ده أخيرًا، حاولت تحافظ عليه بأي شكل. مشاعرك بتخونك، وده بيخليك تتصرف بتصرفات زي دي، عشان تحافظ على الشخص اللي بتحبه يكون معاك. ده بينتج عنه غيرة مفرطة وعنيفة عشان في خوف جواك إنك تخسر الشخص ده، وإن حد تاني ياخده منك. أنت خايف إن حياتك تتغير لو فُقدت ماسة، وده بيخليك تتصرف كده. في الحقيقة، ده ناتج عن نقص في العطف والحنان في عيلتك، خصوصًا في علاقتك بوالدتك، ماسة كانت الشخص الوحيد اللي قدم لك الحب ده، فإنت مرعوب من فكرة إنك تفقدها وده مش مقصود منه إنك ما بتحبش ماسة!؟ انت بتحبها جداً، وخايف تفقدها خايف ترجع وحيد تاني وتتحرم ثاني من الحب والحنان.
نظر سليم وقال بنبرة بها تأثر: طيب، وليه بقى بكون عنيف معاها؟ مادام أنا بحبها أوي كده، وخايف إنها تسيبني.
شرح مروان له بحرص: ده نوع من السلوك العدواني، بس أنا مقدرش أقول عليه كده لأن السلوك معروف إنه متكرر ومتقارب، يعني الفعل بيتكرر بشكل دايم حتى لو بأشكال مختلفة بس أيام متقاربة ليست متباعدة، ومن كلامك، واضح إنك مش شخص عنيف بشكل عام. ده سلوك مرتبط فقط بمشاعر الخوف والقلق، والعدوانية بتظهر لما تكون مش قادر تتحكم فيها، في مواقف محدده، وده يعني إنه مش سلوك متكرر بشكل مستمر، لأنك قلت إنك ضربتها ثلاث مرات على مدار سنتين، والفترات بين الحوادث كانت متباعدة. فمقدرش أقول عليك إنك شخص عنيف أو عدواني، لكن التصرفات دي ناتجة عن مشاعر داخلية دفينة، البيئة اللي نشأت فيها ممكن تكون ساهمت في تكوين رد الفعل ده، في بعض الأحيان، بنلجأ لأساليب عدوانية علشان نحمي اللي بنحبهم، زي الأم اللي بتحب أولادها لدرجة إنها ممكن تضربهم من غير قصد، لكنها بتشعر إنها بتحميهم، وزي المثل الشهير القطة اللي أكلت اولادها أكلتهم من كتر حبها وخوفها عليهم.
سليم سأل بقلق: طب وبعدين؟ الحل إيه؟ هفضل كده طول الوقت؟
مروان، وهو يتنهد ببطء ويبتسم بابتسامة هادئة مطمئنة، وهو يحاول تهدئة سليم: هنشتغل مع بعض خطوة خطوة. أهم حاجة إنك عايز تتغير وواعٍي لمشكلتك.
حاول سليم أن يبدو أكثر هدوء لكن تعبيراته لا تزال تحمل بعض التوتر: يعني في الجلسات الجاية هتساعدني أتعلم أسيطر على الغضب ده؟
مروان، وهو يبتسم بارتياح ويؤكد له: بالضبط. هنشتغل على تقنيات تساعدك تبني وعي أكبر بمشاعرك، وهنتعامل مع كل حالة على حدة. المرة الجاية هنتناول تقنيات الاسترخاء، وهنكتشف أكتر عن السبب الكامن وراء شعورك ده.
سليم، وهو يهز رأسه برضا، لكن ملامحه لا تزال تحمل بعض القلق: تمام، أنا مستعد أبدأ من الأول، طب إيه اللي ممكن أعمله خلال الفترة دي لحد معاد الجلسة الجاية؟ يعني أنا حاسس إني ما استفدتش حاجة لحد دلوقتي.
ابتسم مروان بلطف موضحا: النهاردة احنا دردشنا وفهمت سبب المشكلة، وزي ما اتفقنا، من الجلسات الجاية هنبدأ نشتغل على التقنيات اللي هتساعدك تتخلص من العنف وردود الأفعال المبالغ فيها. لازم تفهم إني مش هديك حلول جاهزة، لكن هساعدك تلاقي الحلول بنفسك. هديك اختيارات وأعرفك الطريق، لكن أنت اللي هتعمل كل حاجة وهتمشي فيه لوحدك.
عبس سليم قليلاً متأثراً بالحديث: طب، يعني مافيش تمرين أعمله لحد ما نكمل الجلسات الجاية؟ علشان لو حصل أي حاجة الفترة دي؟!
هز مروان رأسه بلطف محاولاً تهدئته: التمرين الوحيد اللي هتعمله هو إنك تحط قدام عينيك جملة واحدة: وهي لو حاولت تضربها تاني، هتخسرها، لازم تفهم يا أستاذ سليم إن دي الحاجة الوحيدة اللي هتخسر مدام ماسة بسببها، مش لأن حد تاني ممكن ياخدها منك، لأن مافيش حد هياخد ماسة منك طالما هي بتحبك ومتمسكة بيك. لكن لو استمريت في تصرفاتك دي، ثق إن في النهاية هي اللي هتمشي لوحدها من غير حتى ما حد يمد ايده.
نظر سليم إلى الأرض بحزن وهو يتنهد: صدقني أنا عارف كل ده وفاهمه، بس وقتها، لما بتعصب، كل الأفكار العقلانية اللي حضرتك بتتكلم فيها، حتى لو فهمها ومصدقها بتختفي.
نظر مروان له بعينين مشجعتين ومراعيا لمشاعره: هو ده اللي إحنا هنشتغل عليه يا أستاذ سليم، بس أنت اللي مش عايز تصبر.
ابتسم سليم بضعف وهو يعبر عن خوفه: أنا بس خايف أزعّلها تاني.
ابتسم مروان بهدوء وتطمين: مشكلتك مش صعبة صدقني، ومش هتاخد وقت كبير زي ما قلت لك. خلال الأسبوع ده، اعمل اللي أنا قلت لك عليه، كمان أنا عايز أشوف مدام ماسة.
سليم بقلق: في حاجة؟
مروان يبتسم ابتسامة خفيفة، ويحاول ألا يثير قلقه: لا، ما فيش حاجة، بس أنا حابب أتكلّم معاها شويّة.
سليم يعبس ثم يوافق: مافيش مشكلة، حاضر. هجيبها معايا. طب إمتى؟
مروان يبتسم برقة وهو يرفع يده: زي النهاردة، في نفس المعاد، لو حصل أي حاجة خلال الأسبوع ده عرفني.
سليم يبتسم شاعرا بالارتياح: تمام يا دكتور، ميرسي لحضرتك أنا واثق فيك إنك هتساعدني أتخلص من المشاكل اللي عندي.
مروان، وهو يمد يده في حركة مشجعة: وأنا واثق إنك هتقدر تحقق التغيير.
توقف سليم وصافح مروان وقال: عن إذنك
غادر سليم الغرفة بينما مروان يراقب خروجه بابتسامة هادئة على وجهه، وهو يشعر بالاطمئنان لتقديمه الدعم الأولي، مستعدًا لمواصلة الجلسات والعمل على تغيير حياة سليم.
♥️_______بقلمي_ليلة عادل_______ ♥️
منزل نانا الثامنة مساءً
في أجواء شاعريّة بسيطة، تُشغَّل أغاني هادئة في الخلفية، بينما نانا ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا. كانت تضع مساحيق تجميل برقة، ومظهرها جذّاب. بجانبها عزت يجلس على الأريكة في الريسبشن، مرتديًا بدلة أنيقة.
نظر عزت من حوله مستغربًا: إيه اللي إنتي عاملاه ده؟
ابتسمت نانا بدلال: باحتفل بطريقتي يا وزتي.
ضحك عزت: أحتفلي يا ستي!
ثم أمسك عزت مجموعة من الأوراق وقدم لها قلمًا: يلا، امضي هنا.
أبتسمت نانا ووقّعت على الأوراق، ثم وقع عزت أيضًا. قائلا: مبروك
ضحكت نانا وأطلقت زغرودة، مما جعله يبتسم.
عزت مازحًا: خلاص، كده بقيتي مرات عزت الراوي! أنا خليت المحامي يحضر الأوراق للتوقيع.
ابتسمت نانا: مبروك ياقلبي
عزت بتنبيه: بس زي ما قلتلك، الموضوع ده سر بينا لو خرج برانا، أنا هحسرك على باقي عمرك.
نظرت نانا له بحزن: كده يا عزت؟ بتهدد نانا حبيبتك؟
عزت بهدوء: لا أنا بس بنبهك.
نانا:قولتلك ماتقلقش. تعال بقى نحتفل!
نهضت نانا شغّلت أغاني شعبية، وبدأت في الرقص بحماس، لينضم إليها عزت وسط أجواء مفعمة بالبهجة.
نانا بنبرة بسعادة: عزت، مش عارفة ليه حاسة إن اليوم ده مش زي أي يوم. مع إننا احتفلنا بالكلام ده قبل كده، لكن النهاردة الموضوع ليه طعم تاني. أنا بقيت مرات عزت الراوي أخيرًا، حسيت أن حياتي وعلاقتنا ليها معنى. عارف، أنت أكدت لي إنك بجد بتحبني، وإن ليَّا قيمة عندك.
عزت بحب: أكيد، اللي بينا ليه قيمة، وأنتي غالية أوي عليا.
نظرت له نانا وهي تتلاعب بخفة في صدره وقالت: وياترى بتحبني أنا أكتر والا فايزة؟
ضحك عزت بصوت عالي: بتغيري من فايزة؟
نانا مبتسمة: أكيد طبعاً، هي برضو ست جميلة.
قاطعها عزت بعقلانية موضحا: الموضوع بيني وبين فايزة خالي من المشاعر والحب والكلام ده، جوازنا واستمراره مجرد شكل اجتماعي، هي كانت عايزة تبقى قدام الناس متجوزة راجل من عيلة كبيرة، وأنا كنت عايز أتجوز واحدة أكون فخور بيها قدام النااس..( تابع كلماته بيأس)
زمان لما اتجوزنا كان في حاجة بينا، كان ممكن تبقى حب، بس هي عندها قدره تقتل اي فكرة فيها مشاعر، هي كانت بنت جميلة، وكل الرجالة كانوا بيجروا وراها، لكن ما فيش حد قادر يثير إعجابها، لكن طبعًا، أنا مش أي حد. أنا عزت الراوي، عائلتى، طول عمرها كبيرة وبيتعمل لهم حساب، فطبعا أختارني، بس مع السنين، بدأ يحصل بينا مشاكل كتير، وكنا هنطلق، لكن اتفقنا بعد كده إننا هنكمل عشان الأولاد وعشان الشكل الاجتماعي، مش أكتر عشان الصورة الاجتماعية لعزت الراوي ما ينفعش تكون ما فيهاش فايزه هانم رستم اغا سلالة ال عثمان بس عمري ما هنسى ولا عمري هنكر إن هي ساعدتني كثير وربت الأولاد كويس بغض النظر عن رشدي.
تبسمت نانا: جواز مصلحة يعني؟
قال عزت مؤكدا: أكيد، جواز مصلحة متبادلة. لكن أنتي حاجة تانية. أنتي اللي عشت معاها كل حاجة افتقدتها، وماقدرتش أعيشها مع فايزة، فايزة ما بتعرفش تحب، ولا بتعرف تقول كلمة حلوة. بس للأسف الشكل الاجتماعي كان أكبر من إني أطلقها عشان اسم العيلة، صدقيني يا نانا انا ما بقتش مبسوط غير بعد ما عرفتك.
تبسمت نانا ووضعت يديها على رقبته، وقالت بنبرة دافئة:وأنا بقى هعوضك عن سنين عمرك اللي فاتت. هخلي كل لحظة معايا تكون مختلفة، هعوضك عن كل حاجة ما قدرتش تحس بيها قبل كده.
ثم وضعت قبلة صغيرة على شفتيه، نظرت في عينيه بحب وابتسامة، وكأنها تعده بشيء أكبر.
سحبت يده برفق، وقالت بنعومة مغرية: طب تعال معايا خلينا نحتفل .. ثم سحبته من يده إلى غرفة النوم.
قصر الراوي
-جناح ماسة وسليم التاسعة مساءً
كانت ماسة جالسة على الأريكة، تتابع التلفاز، وعينيها تلمعان. دخل سليم بابتسامة واسعة، ووجهه مليء بالحيوية.
سليم أبتسم لها، وعينيه مليئة بالحب: مساء الورد يا وردتي.
رفعت ماسة عينيها نحوه وقالت بابتسامة هادئة:
مساء الحب يا كل الحب.
جلس سليم بجانبها ووضع قبلة على كفها، وملامحه تدل على الاهتمام: متاخرتيش يعني؟!
ماسة: أممم، إحنا اتفقنا هنخرج تاني مع أصحاب هبة، هتعرفني عليهم.
سليم هز رأسه بالموافقة: مفيش مشكلة، بس عرفيني مين هما أولاً.
ماسة رفعت حاجبيها مستغربة، وابتسمت بخفة:
إشمعنا يعني؟
سليم بتوضيح: لازم أعرف. هتخرجي مع مين، وأشوف إذا كان حد كويس والا لأ.
ماسة: حاضر. المهم، عملت إيه عند الدكتور؟
سليم بتهوين الأمر: الحمد لله، قال لي مشكلتي مش كبيرة، عندي اضطراب اسمه التملك ناتج عن الخوف، هو إللي بيخلي تفكيري يتشل ويتحكم في انفعالاتي.
ماسة متعجبة: وأنت أصلاً خايف من إيه!!
سليم،بصوت خافت، وعيناه مليئتان بالتوتر: خايف من فقدانك.
ابتسمت له ماسة بحب وملامح وجهها تطمئنه أمسكت كفه: يا حبيب قلبي، مستحيل نبعد عن بعض أرتاح، طيب، ما قالكش هنعمل إيه؟
سليم: لا، هو كان بيرغي معايا النهاردة كتير وقال لي المرة الجاية هيقول لي، بس عايز يشوفك.
ماسة متعجبة: عايز يشوفني أنا !! إشمعنا؟
سليم هو يرفع حاجبيه ويمد وجهة: مش عارف، بس أكيد هيعرفك تتعاملي معايا ازاي وقت غضبي.
ماسة: تمام يا كراملتي، أنت أكلت؟
سليم: تؤ وجعان جدًا.
ماسة: وأنا كمان، خلاص هخليهم يحضروا لنا العشاء.
ابتسمت ووضعت قبلة على خده .. يلا قوم غير هدومك لحد ما العشا يجهز.
مجموعة الراوي العاشرة صباحاً
مكتب عماد
كان عماد جالسًا في مكتبه، منهمكًا في تصفح بعض الأوراق، لكن ذهنه كان مشغولًا بشيء آخر. فجأة، ظهرت له رسالة على هاتفه. اتسعت عيناه في دهشة، وامتلأ قلبه بشعور مفاجئ من القلق.
كأن شيئًا يوشك أن يحدث. لم يستطع السيطرة على نفسه، فنهض بسرعة وهبَّ إلى الخارج، يقود سيارته بسرعة جنونية، ويده تتحرك بتوتر على عجلة القيادة. حاول الاتصال بسارة طوال الطريق، لكنها ترد على أي من مكالماته ثم هاتفها اغلق….
وصل عماد إلى منزل سارة، وقلبه ينبض بسرعة وكأن شيئًا رهيبًا يلاحقه. فتح الباب بالمفتاح ودخل المنزل وهو ينادي باسمها بصوت مرتجف: “سارة! سارة!”
توجه مسرعًا إلى غرفة النوم، ليكتشف
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية