رواية و بالعشق اهتدي الفصل الرابع 4 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

 رواية و بالعشق اهتدي الفصل الرابع 4 - بقلم ندى محمود توفيق 

قراءة ممتعة مقدمًا ♥️🥰

ومتنسوش رأيكم بريڤيو وتحليل لطيف زيكم عن أحداث الفصل 😍💙


(( وبالعشق اهتدى ))

_ميثاق الحرب والغفران ج2_ 

_الفصل الرابع_ 


تجمدت بأرضها وتعابيرها الرقيقة احتلها الاضطراب الشديد من نظراتهم الغريبة لها، جميعهم كانت أعينهم مسلطة على ملابسها ومظهرها المنافي للعادات والتقاليد والدين، كانت ترتدي ثوب قصير يصل للركبة من اللون الأخضر وبحمالات عريضة بالكاد تغطي اكتفاها، وشعرها الأسود الناعم ينسدل بانسيابية على ظهرها وذراعيها، بشرتها بيضاء وناعمة وملامح وجهها كانت ملفتة للنظر من فرط رقتها وجمالها.

ظلت واقفة مكانها وهي تتنقل بنظرها بينهم والخجل تملكها من أعينهم التي تتفحصها بتدقيق، حتى أخيرًا رأت جدها والذي كان الوحيد الذي تعرفه شكلًا من بينهم يقف ويفتح لها ذراعيه مرحبًا بها بابتسامة وجه دافئة:

_حمدلله على السلامة تعالي تعالي يابت الغالية تعالي

تقدمت نحو جدها بخطوات بطيئة وفور وصولها له جذبها لصدره معانقًا إياها بحنو وهو يقبل شعرها، رغم أنه مثل الجميع كان ممتعض من ملابسها إلا أنه تريث ولن يرغب في تعكير صفوها فور وصولها، ابتعدت هي عن جدها وابتسمت له برقة فقال حمزة بعينان لامعة بالسعادة لرؤيته لها:

_عاملة إيه يابتي.. ماشاء الله عليكي

ردت عليه بصوت خافت ونبرة أنثوية ناعمة:

_أنا fine ياجدو الحمدلله

لفةحمزة ذراعه حول كتفها وهو يديرها للجميع متمتمًا بابتسامة:

_طبعًا انتي متعرفيش حد واصل من اللي قاعدين

تجولت بعيناها البنية على وجوههم في توتر وعندما استقر نظرها بمحض الصدفة على " علي " الجالس تحديدًا على يمينها ورأت عينيه التي تتفحصها بحدة وانزعاج شديد فاضطربت أكثر وردت على جدها بابتسامة باهتة:

_أه بس أنا مبسوطة إني شوفتهم

حثها حمزة على الجلوس، وكان أقرب مقعد لها هو المجاور لــ " علي" فتوقفت وراحت تنقل نظرها بين المقعد وبينه بارتباك واستسلمت في النهاية وجلست لكنها كانت الزحف بالمقعد بعيدًا عنه قدر الإمكان، وبيدها كانت تجذب ثوبها للأسفل لتغطي قدميها فنظراتهم لها أشعرتها وكأنها عارية، انتشلها من خوفها الشديد صوت جدها وهو يشير أولًا إلى جلال ليعرفها على العائلة:

_ده جلال ابن خالك خليل الله يرحمه

ابتسمت لجلال بتكلف، رغم أن تعابيره لم تكن مرعبة بقدر التي فوق وجه " علي " لكنها كانت مريبة واربكتها فاكتفت بهز رأسها له مع ابتسامتها، ثم انتقلت يد الجد على فريال وهو يعرفها على أنها زوجة جلال، ولم تندهش فقد توقعت منذ البداية أنها زوجته فهي تنظر لها بكره غريب وكأنها صائدة رجال جاءت لتأخذ زوجها منها ، وعندما أشار حمزة على آسيا قال بابتسامة محبة:

_ودي بتي الغالية التانية أخت چلال

الوحيدة آسيا التي لم ترى في نظراتها أي من الخنق أو الاشئمزاز ورغم أنها ترمقها بفضول وتعجب لكنها فورًا ابتسمت لها بود فبادلتها الابتسامة بسرعة وكأنها أخيرًا وجدت شخص طبيعي آخر غير جدها في هذه العائلة الغريبة وراحت تهتف برقة محدثة آسيا:

_nice to meet you آسيا 

لم تكن آسيا علاقتها بالانجليزي جيدة ووجدت صعوبة في فهمها لكنها توقعت أنها تقول شيئًا جيدًا فردت عليها ضاحكة:

_وأنا كمان مع أني مش فهماكي

تنهدت الصعداء براحة بعدما تحدثت لآسيا لكن سرعان ما اختفى ذلك الاطمئنان عندما تحول نظرها لجليلة التي كانت تنظر لها بأعين فاحصة ارعبتها وعرفت بالنهاية أنها زوجة خالها خليل ووالدة جلال وآسيا، لم تبتسم لها حتى من فرط خوفها منها وكانت تحاول تخطيها بأي شكل، وليتها لم تفعل فقد سقطت عينيها على امرأة مرعبة أكثر منها وهي إنصاف كانت تنظر لها بنفس النظرات الفاحصة لكنها كانت ممتلئة بالاستهجان رغم أنها كانت تبتسم لها لكن نظراتها كانت تقول كل ما بصدرها، وعلمت أنها أيضًا زوجة خالها الثاني منصور الذي يبدو أنه لا يشاركهم هذه الأمسية المرعبة، وأخيرًا هتف الجد وهو يشير لغريب الأطوار الجالس بجوارها:

_وده علي واد خالك منصور، هو وچلال رچالة البيت إهنه من بعدي

تعمدت تفادي النظر له خوفًا من نظراته لها وثبتت عينيها على جدها وهي تبتسم له برقة، بينما علي فكان يرمقها بخنق وبالأخص لأنها تجلس بجواره فكان يرى كل شيء بوضوح بداية من ذراعيها حتى قدميها العارية وراح يتأفف بصوت مسموع هامسًا بينه وبين نفسه:

_استغفر الله العظيم يارب

دام صمت للحظات بينهم ثم قال حمزة بدفء:

_مدي يدك وكُلي يابتي تلاقيكي متعشتيش

هزت رأسها له بالرفض المهذب وهي تقول بمعالم وجه مضطربة ونظرات زائغة:

_لا أنا tired ومحتاجة أخد rest ياجدو معلش 

رأت حمزة يرمقها بعدم فهم وعندما التفتت لهم رأت نفس علامات الاستفهام على محياهم فقالت بتوضيح أكثر وابتسامة مرتبكة:

_قصدي تعبانة ومحتاجة ارتاح شوية من السفر يعني مش جعانة ميرسي

هز رأسه بتفهم وأشار لآسيا بنظره وهو يقول:

_قومي يا آسيا خديها يابتي وريها أوضتها خليها ترتاح

اماءت آسيا لجدها بالموافقة واستقامت واقفة وفعلت كذلك هي الأخرى وتحركات بسرعة باتجاه الدرج وكأنها تهرب من نظراتهم وقبل أن تلحق آسيا بها سمعت صوت جدها وهو ينده عليها فاقتربت منه ومالت عليه عندما طلب منها أن تميل حتى لا يسمعه أحد وجدته يقول بجدية:

_شوفيلها حاچة زينة وحشمة تلبسها بدل الخلچات المخلعة اللي لابساها دي

كتمت آسيا ضحكتها وردت على جدها بابتسامة خفيفة:

_حاضر ياچدي

فور رحليهم هتفت جليلة محدثة حمزة بحزم:

_إيه اللي البت لبساه ده يابوي! 

رد حمزة بجدية ولهجة قوية:

_يعني هطلعها تغير خلچاتها من أول ما تدخل ياچليلة چرا إيه، البت اترعبت منكم ومن عيونكم دي ضيفة

هتف علي بغضب:

_هي كانت چاية قصاد الخلق بالهدوم دي؟ 

نظر حمزة لعلي وقال بنظرة صارمة:

_چات بعربية مخصوص

تابع علي منزعجًا:

_هو أبوها بيخليها تطلع إكده هناك كيف!!

بدأت الحنق يتملك حمزة الذي رد بحدة:

_احنا ملناش صالح بابوها ولا لما كانت هناك، هي رچعت لينا دلوك والوضع هيختلف، محدش له صالح بيها أنا عارف هتكلم معاها كيف

التزم الصمت على مضض وهو يهمس يصوت منخفض لكن وصل لأذن حمزة:

_ادي اللي ناقص كمان تطلع قصاد الخلق بالمنظر ده أصل احنا ناقصين فضايح

صاح به حمزة منفعلًا وبلهجة آمرة:

_" علي " اقفل خشمك ومتتكلمش ولا كلمة زيادة فاهم ولا لا، قولت محدش له صالح دي بت بتي وأنا هتصرف معاها بطريقتي والكلام للكل فاهمين

كان جلال يلتزم الصمت ليس لأن الأمر كان على هواه ولكنه فضل الصمت حتى لا يفتح على نفسه بابًا جديدًا للجدال والنكد بينه وبين زوجته.

                                      ***

داخل منزل ابراهيم الصاوي......

بعد رحيل داليا وابنتها، صعدت إخلاص لغرفتها فورًا فلحق بها عمران ليتحدث معها قليلًا، وقف أمام باب غرفتها وطرق عدة طرقات خفيفة حتى سمع صوتها من الداخل وهي تهتف بـ " ادخل" ففتح الباب ودخل وهو يبتسم لها بحنو بادلته الابتسامة الأمومية الدافئة، تقدم إليها وجلس بجواره على الفراش ثم التقط كفها وقبل ظاهره متمتمًا:

_عاملة إيه ياما؟ 

ردت عليه بملامح وجه عابسة:

_زينة ياولدي الحمدلله 

ابتسم لها بعطف وأردف برزانة:

_ياما معلش استحملي واتقبلي داليا عاد، اللي حُصل حُصل والبت الصغيرة ملهاش ذنب في حاچة هي محتاچة تحس بوجود عيلتها واخواتها حواليها وحقها

ظهر الخنق فوق معالم إخلاص وقالت بعصبية:

_أنا معنديش مشكلة مع البت الصغيرة بس مش عاوزة اشوف اللي ما تتسمي داليا دي واصل

عمران بنفاذ صبر :

_ولغاية ميتا يعني مهو ده بيت چوزها ياما وهي كانت عاوزة تقعد إهنه وأنا اللي رچعتها بيتها عشان المشاكل

صاحت إخلاص بقهر:

_وتقعد إهنه ليه وأبوك مشترليها شقة بحالها باسمها هي وبتها

مسح على وجهه متأففًا بقلة حيلة بينما هي فتابعت بعينان ممتلئة بالعبرات وصوت متحشرج:

_أنا لغاية دلوك بسأل روحي أنا قصرت مع أبوك في إيه عشان بتچوز عليا تلات مرات، ويخليني اعيش مع ضرتي في نفس البيت وفوق من ده كله اتچوز التالتة في السر من ورانا واشترالها شقة بحالها ليها وحديها

ارتخت تعابير وجه عمران وتحولت للحزن والشفقة واقترب من أمه يقبل جبينها بمحبة ودفء متمتمًا:

_أنتي ست الكل إهنه ومقصرتيش في حاچة كفاية إنك ربيتي عياله احسن تربية واستحملتي كل ده، وصدقيني ملوش لازمة الكلام ده دلوك ياما هو خلاص معدش وسطينا والحاجة الوحيدة اللي محتاچها وهتنفعه هي الرحمة والدعاء 

سالت دموعها رغمًا عنها حزنًا على حالها وشوقًا له رغم كل شيء، أما عمران فمد أنامله ومسح عبراتها بلطف وعاد يقبل جبينها ويدها مرة أخرى حتى سمعها تسأله باهتمام:

_آسيا هتقعد لغاية ميتا عند ناسها؟

رد بصوت رجولي صارم:

_بالكتير بكرا وترچع ياما

تجمعت العبرات في مقلتيها مجددًا وهي تقول له:

_اوعاك تكون مصدق اللي قالته ياولدي وأني زقتيها من فوق السلم صُح! 

أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه زفيرًا حارًا قبل أن يهتف بخنق ملحوظ:

_لا ياما مش مصدق بس بردك معرفش إيه اللي يخليها تكدب وتقول إكده وآسيا مش من عادتها تكدب في الحچات اللي زي دي

أشارت إخلاص لنفسها بدهشة وقد انهمرت دموعها فوق وجنتيها أخيرًا:

_يعني هكون أنا اللي زقتيها ياولدي وكنت قاصدة اموت ولدك اللي في بطنها

عمران بضيق مصححًا له مقصده:

_ياما مش قصدي أنا بقولك إيه اللي يخليها تقول إكده، يعني أنتوا كنتوا بتتكلموا مع بعض مثلا وقت ما وقعت؟ 

ارتبكت إخلاص وتلعثمت في الرد عليه لكنها استجمعت شجاعتها وردت عليه ببكاء تخفي به حقيقتها الشيطانية:

_ايوة كنا بنتكلم وهي بعد إكده سابتني وكانت نازلة السلم فوقعت، يمكن عشان إكده بتقول أن أنا اللي زقتيها وافتكرتني أنا اللي وقعتها ياعمران، وأنت عارف علاقتنا أنا وهي مش قد إكده فهي ما صدقت تلاقي حاچة تمسكها عليا بس أنا والله ما قربتلها ياولدي وعمري ما افكر أذي مرتك وولدك ده أنا فرحانة بيه ومستنياه كيف ما أنت فرحان بالظبط 

لأنت تعابير وجهه وراح يستغفر ربه بضيق عندما رأى بكائها الشديد ومد يده يربت فوق ذراعها بحنو متمتمًا:

_خلاص ياما، اللي حُصل حُصل الحمدلله أنها بخير وأنا هتصرف مع آسيا بزيادة بكا عاد

هزت رأسها له بالموافقة وهي ترفع أناملها وتجفف دموعها بيننا هو فاستقام واقفًا وقال بخشونة:

_أنا هروح أنام عاوزة حاچة مني

اجابتها بالرفض ونبرة محبة:

_لا ياحبيبي عاوزة سلامتك تصبح على خير 

_وانتي من أهله 

فتح الباب وغادر وتركها بمفردها تحدق في الفراغ بشرود تفكر في آسيا التي تحاول إفساد العلاقة بينها وبين ابنها وراحت تتوعد لها بنقم.

                                    ***

وقفت خلف آسيا التي كانت تفتح لها باب الغرفة ثم أشارت لها بالدخول وهي تبتسم، فدخلت وراحت تدور بنظرها في أرجاء الغرفة كانت صغيرة نسبيًا لكنها مناسبة لها استدارت على صوت آسيا وهي تقول لها بلطف:

_أنا هسيبك ترتاحي وتغيري هدومك ولو عاوزة تنامي

ردت برقة:

_ شكرًا يا آسيا

اقتربت منها أكثر وهمست لها مبتسمة لكن نبرتها كانت تحمل بعض الجدية:

_ حاولي تلبسي حاچة مقفولة وطويلة بدل ده أفضل يعني

اتسعت عينيها بدهشة وراحت تسألها بتوتر وضيق وهي تنظر لنفسها وملابسها:

_ آسيا هو أنا my clothes مش حلوة أو فيها حاچة غلط؟ 

رسمت آسيا ابتسامة متكلفة وردت عليها مازحة:

_هي وين clothes بتاعتك دي ياحبيبتي أنتي بنسبالنا إكده مش لابسة أصلًا 

شهقت بصدمة وراحت تضم ذراعيها على صدرها تخفي جسدها وهي تقول بخوف وخجل:

_oh my god 

عشان كدا الكل كان بيبصلي بطريقة wierd أوي تحت 

لم تفهم آسيا الكلمة التي قالتها بالانجليزي فغضنت حاجبيها وطالعتها ببلاهة وهي تسألها بجدية:

_ايه معناها دي لتكون شتيمة! 

هزت رأسها بالرفض بسرعة توضح لها تقصدها:

_لا لا أنا قصدي كانوا بيبصوا عليا بطريقة غريبة وأنا خوفت جدًا منهم وبذات boy اللي اسمه " علي " 

رمقتها آسيا بسخرية من وصفها لـ " علي " بولد صغير وقالت ضاحكة:

_لا ياحلوة احنا إهنه معندناش boys غير ولاد چلال الباقي رچالة فمتخليش " علي" عاد يسمعك بتقولي عليه إكده احسن ياكلك عشان هو أصلًا مش طايقك خلقة

ظهر الزعر على محياها أكثر وارتعدت فازداد ضحك آسيا وراحت تربت على ذراعها بلطف محاولة تهدأتها:

_متخافيش إكده احنا مش هناكلك صُح يعني، ده انتي هتتبسطي معانا قوي

تراجعت خطوة للخلف وقالت برهبة وحزن:

_no انا عايزة ارجع امريكا تاني عند dady انتو wierd أوي

ملت آسيا منها من ورقتها المفرطة فهي ليست معتادة على هذا النوع من الناس وقالت لها بلهجة قوية:

_لا انشفي إكده ياقطة ده احنا لسا بنقول ياهادي هو دخول الحمام كيف خروچه 

احتل العبوس وجهها وكانت على وشك البكاء فآسيا قالت بهدوء وهي تستدير وتهم بالرحيل:

_أنا همشي ولو عزوتي حاچة أنا اوضتي في الدور اللي تحت، اوضتي تحت اوضتك علطول، ومتنسيش تلبسي حاچة حشمة كيف ما قولتلك لمصلحتك 

التفت بجسدها كاملًا وكانت ستغادر لكنها توقفت عندما تذكرت شيئًا والتفتت برأسها لها تسألها في فضول وابتسامة جميلة:

_صحيح أنتي مقولتيش اسمك إيه؟ 

ردت عليها بخفوت شديد وصوت ناعم:

_غزل 

لوت آسيا فمها وهمست بينها وبين نفسها باستنكار: 

_حتى اسمك كيف لبسك

ثم رفعت نظرها لها ورمقتها بابتسامة لطيفة قبل أن تفتح الباب وتغادر وتتركها وهي تحدق على أثرها بتوتر وتردد كلمتها بعدم فهم:

_حشمة!!! 

                                     ***

داخل غرفة جلال كان يقف بالشرفة يتحدث في الهاتف بانزعاج شديد ونبرة مرتفعة قليلًا وهو يقول:

_ياعمي أنت خليك في البيت ومتطلعش منه ومتقلقش مفيش حد منهم هيعرف يوصلك

هتف منصور بغضب: 

_ولغاية ميتا ماهو مسير عمران والحكومة تعرف مكاني ياچلال 

جلال بلهجة رجولية حادة:

_أنا سبق وقولتلك سلم نفسك وده اسلم حل وقضي الكام سنة اللي هتاخدهم  وخلاص لكن أنت رافض

صاح منصور منفعلًا:

_مش هسلم نفسي وأنت اعمل كيف ما قولتلك أنا اتكلمت مع "علي " وأنت ظبط معاه طريقة عشان اطلع بيها من البلد إهنه واصل

مسح جلال على وجهه وهو يوفر بخنق محاولًا البقاء هادئًا:

_طيب ياعمي ربنا يستر

التفت مفزوعًا على صوت فريال التي كانت تقف خلفه وتسأله بنظرات دقيقة:

_بتكلم مين ياچلال ؟ 

انهي الاتصال مع عمه ثم رد عليها بإيجاز بوجه منزعج:

_شغل يافريال

دققت النظر فيه أكثر وقالت بريبة:

_ومالك متعصب إكده ليه.. في مشكلة ولا إيه؟! 

هتف جلال بعصبية بسيطة ونفاذ صبر:

_مش متعصب ولا حاچة 

تقدمت خطوة منه وهي تتمنعه بشك وجدية متمتمة في ضيق حقيقي:

_چلال أنت مخبي عليا حاچة؟ 

صاح بها منفعلًا من الحاحها واسألتها المثير و التي ازعجته أكثر:

_ما قولتلك مفيش حاچة يافريال هو تحقيق ولا إيه! 

فزعت من صيحته المرتفعة بها ولا إراديًا تقهقهرت خطوة للخلف وهي تحاول الثبات أمامه والتصرف وكأن الأمر بسيط، رغم من أن تعابير وجهها تحولت للعبوس والحزن الشديد ردت عليه بجمود غريب:

_طيب العيال عايزين يقولولك حاچة 

ولم تمهله اللحظة ليتدارك عباراتها ويسألها ماذا يريدون الأولاد حيث التفتت برأسها تجاه الباب وصاحت:

_معاذ.. عمار.. تعالوا 

انفتح الباب ودخلوا الأثتين وهم يسيرون بخطى متعثرة وبطيئة أمام والدهم، حتى وقفوا على بعد سنتي مترات منه وهم يعقدوا ذراعيهم خلف ظهرهم وانظارهم عالقة على الأرض، أما فريال فكانت تقف تراقبهم بابتسامة دافئة منتظرة منهم أن ينفذوا اتفاقهم، وماهي إلا لحظات حتى هتفوا معًا في صوت واحد:

_احنا آسفين يابوي.. آخر مرة ومش هنكررها تاني

لانت تعابير وجه جلال بعدما كانت متشنجة وهو يتأملهم بنظراته وهم يقفون أمامه لا يرفعون نظرهم في وجهه خجلًا وندمًا، أما معاذ فقد رفع نظره لأمه فوجدها تشير له بعيناه أن يكملوا ما اتفقا عليه، ففعل على الفور واقترب من والده ولحق به عمار وكل منهم امسك بيد من يدي أبوهم وقبلوا ظاهرها وهم يهتفوا:

_متزعلش منينا

ظهر شبح الابتسامة الأبوية على ثغر جلال لا أراديًا فقد استطاعوا بلحظة تبديل مزاجه، مسح بيده على شعر كل منهم وانحنى على رأسهم يقبلهم هاتفًا:

_انتوا إكده عيالي الرچالة، طالما عرفتوا غلطكم وندمتوا وبتعتذروا أنا مش زعلان منكم خلاص

رفعوا هما الاتنين نظرهم لوالدهم وشفت الابتسامة العريضة طريقها لوجههم ثم راحوا يتبادلوا النظرات من أمهم بسعادة التي كانت تتابعهم بابتسامة محبة، ارتموا على والدهم يعانقوه بحرارة وفرحة فضحك هو وضمهم إليه بدفء، وعندما التقت عينيه بعيني فريال رآها تشيح بنظرها عنه للجهة الأخرى في سخط فتنهد الصعداء مغلوبًا وابعد اولاده عنهم بلطف وهو يهتف لهم بجدية:

_يلا روحوا انتوا دلوك عشان عاوز اتكلم مع أمكم شوية

تبادلوا النظرات المتعجبة فيما بينهم لكنهم امتثلوا لوالدهم وهزوا رأسهم له بالموافقة ثم استداروا وغادروا الغرفة بأكملها.

استدارت فريال وولته ظهرها بدلال جميل وهي عاقدة ذراعيها أسفل صدرها وتزن شفتيها وترسم تعابير الامتعاض على وجهها باحترافية، فابتسم هو وتقدم إليها ثم لف ذراعيه حول من الخلف معانقًا إياها وهو يهمس بجانب أذنها في صوت رجولي ساحر وانفاسه الحارة تلفح بشرتها الناعمة فتقشعر بدنها:

_حقك عليا يافريالي مقصدش اتعصب عليكي

 رفعت رأسها قليلًا بغنج وتمنع لطيف ترفض النظر له فضحك بصمت وراح يضع يده فوق بطنها المرتفعة متمتمًا وهو يقبل كتفها بغرام:

_متزعليش مني يا أم وصال

ضيقت عينيها بتعجب عندما سمعت الاسم الذي وضعه لابنتهم فالتفتت برأسها له تحدقه بنظرات مستفهمة ليتابع هو بعيون تفيض عشقًا:

_وصال هو اكتر اسم لايق عليها، لولاها يمكن مكناش هنرچع لبعض تاني.. هي اللي چمعتنا تاني رغم كل المسافات والمشاكل اللي كانت بينا

لمعت عيني فريال بهيام وهي تتأمله وارتسم ثغرها الجميل بابتسامتها، فاستدرات له بجسدها كاملًا وهمست في صوت أنثوي ناعم:

_حلو قوي ياچلال

ثم انحنت عليه وقبلته من وجنته بكل رقة وهي تتطلعه بنظراتها الساحرة التي تأثره وتسلبه عقله، فانحنى عليها ببطء وكأنه مغيب وسط ابتسامة ثغره العاشقة والمشتاقة لكن فجأة انتفضوا على صوت طرق الباب وصوت عمار وهو يهتف بصوت مرتفع: 

_أبـوي

اشتعلت عيني جلال وراح يصيح بابنه منفعلًا:

_ولاد ال**** دول دايمًا كدا.. أنا مش قولت بتكلم مع أمكم

هتف عمار بخوف بسيط من غضب أبيه:

_چدي حمزة قالي اندهك يابوي، عايزك ومستنيك تحت

تأفف بخنق وهتف بخشونة:

_خلاص امشي 

ابتعدت فريال عنه وهي تضحك وتربت فوق كتفه بحنو متمتمة في غنج:

_أنا هروح اشوف آسيا وأنت روح شوف چدك عاوزك في إيه

تستفزه بتلك النظرات أكثر ولولا جده الذي طلبه لم يكن ليتركها أبدًا، راقبها بنظراته الجريئة وهي تتجه نحو الباب وتغادر وبين كل خطوة والأخرى تلتفت له وتضحك بدلع فتزيد من غيظه وتوعده لها عندما يعود.

                                      ***

داخل منزل ابراهيم الصاوي......

كان بلال يجلس بغرفة الجلوس اللتي بالطابق الثالث ويجري اتصال بحور التي لم تجيب عليه إلا بعد إلحاح وإصرار منه ورنين كثير، أصدر هو زفيرًا حارًا بسعادة فور توقف الرنين وفتح الاتصال، وصله صوتها الرقيق وهي تقول بجفاء متصنع:

_افندم خير

رد عليها بلوعة وابتسامة وجه واسعة:

_اتوحشتك ياحوريتي

تلونت وجنتيها بحمرة الخجل وهي تضحك بصمت في حب لكن حافظت على موقفها وردت عليه بحدة مزيف:

_أنت هتاكل بعقلي حلاوة وتثبتني يعني بالكلمتين دول مثلًا!

كبح ضحكته صعوبة وتابع وهو تغزله العاشق بها هاتفًا بولع:

_ده أنتي اللي واكلة عقلي وتفكيري كله والله 

ذابت تمامًا ولم تتمكن من الصمود أكثر أمام سيل مشاعره العاطفية التي يغمرها بها فأجابته مغلوبة:

_عايز إيه يا بلال؟ 

لمعت عينيه بوميض السعادة عندما تأكد من استسلامها وأنه نجح في نيل رضاها فقال ضاحكًا بمرح:

_كل خير ياچميل.. بطمن على مرتي المستقبلية

هزت رأسها بقلة حيلة منه وهي تضحك بصمت وتجيبه متهكمة:

_احنا لسا حتى مفيش فيه حاجة رسمي بتربطنا وخطوبتنها بكرا وتقولي مراتي.. ده أنت غريب أوي

تابع مرحه وهو يشرح لها وجهة نظره بكل ثقة:

_وهي الخطوبة دي إيه مش وعد بالزواچ.. يعني أنا معتبرك مرتي من زمان قوي ومچهز اسماء عيالنا كمان 

هزت رأسها وهي تمط شفتيها بسخرية من تفكيره وتضحك مجيبة إياه:

_امممم عيالنا ماشاء الله وإيه كمان

قخقه برجولية ساحرة ثم تابع بخبث وجرأة وقحة:

_وحچات كتير قوي عاد تاني.. بس مش هينفع اتكلم عشان الرقابة

اتسعت عيناها بصدمة على كلماته التي تحمل معاني منحرفة وصاحت به بغضب وخجل شديد:

_أنا غلطانة اني رديت عليك اصلا.. سلام يا بلال 

هتف بسرعة معتذرًا قبل أن تغلق الاتصال في وجهه:

_لا سلام إيه أنا آسف.. ده أنا بهزر والله ياحورية

هتفت حور بلهجة صارمة ومستاءة:

_مش هتقول حاچة تاني يعني وهتفضل محترم؟

بلال بإيجاب ونفس النبرة المرحة التي كان يتحدث بها منذ قليل:

_أه اوعدك هفضل محترم لغاية كتب الكتاب بس

قالت مغتاظة:

_تــاني!

صاح متعجبًا بصوت رجولي مميز:

_إيــه أنا قولت إيه!!!

كتمت بكفها ضحكتها التي كانت سنتطلق منها لا إراديًا على صيحته ونبرته الغريبة، بينما هو فتابع وراح يسألها بحماس ولهفة عن ماذا ستفعل في خطبتهم غدًا وماذا سترتدي وما التجهيزات التي فعلتها، فأخذت هي الأخرى تسرد عليه بحماس مماثل وتسأله هو أيضًا نفس الأسئلة.

                                    ***

داخل غرفة عمران، كان جالسًا على الأريكة وعيناه عالقة فوق الفراش بشرود، غيابها أحدث أثرًا في نفسه ورغم جدالاتهم واستيائه منها إلا أن فراقها له حتى لو ليوم واحد يزعجه أكثر من أفعالها، ولا يمكنه إنكار حقيقة أنه بدأ يشتاق لها.

مسح على وجهه نزولًا إلى لحيته متأففًا بقلة حيلة وسط همسه المحب:

_وبعدين معاكي ياغزال

مد يده على الهاتف والتقطته ينوي الاتصال بها والاطمئنان عليها، رفع الهاتف لأذنه واستمع لصوت الرنين منتظرًا الرد منها، بينما على الجانب الآخر فقد كانت آسيا تقف في شرفة غرفتها شاردة الذهن تفكر به أيضًا وعندما سمعت صوت رنين الهاتف دخلت واقتربت من فراشها لتلتقطه وتطلعت في شاشته فقرأت اسمه، للحظة ابتسمت بحب وسعادة لكن فورًا تذكرت أفعاله معها فاختفت بسمتها وتحولت لغضب وهي تلقي بالهاتف فوق الفراش مجددًا دون أن تجيب عليه، أخذت تشاهد الهاتف وهو يستمر في الرنين دون توقف متمتمة في وعيد مغتاظة:

_خليك إكده على نار يامعلم عشان تعرف أن مش كل طير لحمه يتاكل

ثم ابتعدت عن الفراش وسارت باتجاه الشرفة مجددًا تاركة الهاتف يرن وهي تهتف ساخرة تقلده بطريقة كوميدية من فرط كيدها:

_غزالي.. عيون الغزال، ادينا شوفنا بتعمل في غزالك إيه، اتفرچ أنت عاد على اللي هيعمله الغزال فيك وكيف هيخليك تدور حوالين نفسك يا.. مـ..علم

على الجهة الأخرى انزل عمران الهاتف من فوق أذنه وهو يستشيط غضبًا بعدما انتهت محاولته الثالثة في الاتصال بها وبكل مرة ينتهي الرنين دون ردًا فهتف بانفعال متوعدًا لها:

_ماشي يا آسيا.. من الصبح هترچعي وهتكوني في البيت إهنه عشان تبقي تتچاهليني زين ومترديش عليا

استقام واقفًا وسارت باتجاه الحمام لكنه توقف عندما سمع صوت رنين الهاتف، ظنها هي فعاد للهاتف ثانية والتقطه ينوي الرد عليها وتلقينها درسًا على تجاهلها لاتصالاته لكنه وجد المتصل رقم مجهول، فأجاب عليه بغلظة:

_الو 

وصله صوت رجولي صارم يقول:

_إيه الأخبار يامعلم عمران؟ 

ضيق عمران عينيه باستغراب وهتف هدوء:

_مين معايا؟ 

أجاب الآخر بابتسامة سمجة أحسها في نبرة صوته:

_ المعلم صابر 

احتقنت تعابير وجه عمران وأظلمت عينيه فور سماعه لذلك الأسم فهتف بصوت حاد وأجشَّ:

_خير يامعلم

تابع الآخر بنفس لهجته المستفزة:

_كل خير أن شاء الله.. إيه رأيك نتكلم بكرا على رواق واقولك الخير اللي محتاچك فيه

خرج صوت عمران غليظ وجاف رافضًا:

_كل الكلام خلص في آخر مرة معدش في حاچة تاني نتكلم فيها مش إكده ولا إيه 

_ لا كيف غلطان يامعلم ده لسا الكلام كتير قوي ومبيخلصش، نتقابل بكرا ونبقى نشوف الكلام خلص ولا لسا، سلام يامعلم 

لم يمهل عمران الفرصة ليجيب عليه حيث انهي عبارته الأخيرة وانهي الاتصال، فمسح عمران على وجهه وهو يتأفف بغضب شديد محاولًا تمالك انفعالاته والحفاظ على ثباته.

                                     ***

بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان.....

خرجت غزل من غرفتها وقد حرصت على شيء مناسب لتلك البيئة الجديدة التي انضمت لها، خوفًا من التعرض لنفس النظرات التي تلقتها أمس من العائلة وامتثالًا لتحذيرات آسيا لها حول ارتداء شيء أكثر احتشامًا، وقد ارتدت بنطال قماش فضفاض قليلًا من اللون الأبيض ويعلوه كنزة حمراء بحمالات عريضة تغطي أكتافها وبداية ذراعيها وتركت شعرت مناسبًا على ظهرها، تحركت بخطوات هادئة حتى وصلت الدرج ونزلت للطابق الثاني ثم وقفت وراحت تتلفت حولها بحثًا عن غرفة آسيا فقد كان هناك الكثير من الغرف وخشيت أن تطرق على أحد في هذا الصباح وتزعجه، ظلت تتجول بنظرها على الغرفة محاولة تذكر أي غرفة قالت لها آسيا بالأمس أنها غرفتها، وقع نظرها على غرفة بجوار الدرج وقد هيأ لها أنها قالت إن غرفتها بجوار الدرج مباشرة، فاقتربت من الغرفة ورفعت يدها بكل ثقة تطرق الباب وهي على ثغرها ابتسامة مشرقة تستقبل بها آسيا فور فتحها للباب، انتظرت بعد الطرق الاولى ثواني ولم تجد رد فعادت الطرق ثانية وثالثًا حتى أخيرًا وجدت الباب ينفتح ووجهها كله إشراقة من فرط حماسها ليومها الاول في منزل جدها، رغم أن ليلة أمس لم تسير بشكل لطيف لكنها متفائلة اليوم، لكن سرعان ما تبدد وتختفي ذلك الأمل وظهر الذهول والاضطراب على محياها عندما رأت " علي " هو من يفتح الباب وهو يفرك عينيه بخنق من ذلك الطارق المزعج الذي ايقظه من الصباح الباكر، اتسعت عينيها وتمنت أن الأرض تنشق وتبلعها قبل أن يقع نظره عليها، رفع علي نظره الطارق وفور رؤيته لتلك الدخيلة تجهم وجهه وراح يتفحصها بنظراته من أعلاها لأسفلها يرى تلك الملابس المختلفة كلية عن تلك الفاضحة التي كانت ترتديها بالأمس، بينما غزل فقالت بسرعة بتوتر معتذرة:

_l'm sorry أنا كنت فاكرة دي أوضة آسيا

ابتسم لها بتهكم متمتمًا بمضض:

_وهي آسيا مقالتلكيش ليه اوضتها فين؟!

اجابته بنفس الارتباك وحاولت التصرف بلباقة معه رغم أنها مدركة لنظراته المستهزئة وعدم رغبته بها:

_she told me بس أنا نسيت واختلطت عليا الأوض 

حافظ " علي " على ابتسامته السمجة وهو يرمقها وقال بلهجة فظة عكس لباقتها معه:

_طيب ابقى المرة الچاية متنسيش تاني عاد عشان متصحيش الخلق من النوم وتزعچيهم

اندهشت من رده الغير مهذب عليها فهي ضيفة، هل يعاملون ضيفوهم هكذا، انزعجت بشدة منه وقال بخفوت في جدية:

_آسفة 

ثم استدارت وقالت بغيظ وهي تهم بالانصراف:

_rude 

التقطت أذن " علي " ما قالته فاستشاطت نظراته وهتف لها بحدة:

_بتقولي إيه!! 

التفتت له بجسدها كاملًا وطالعته بنفس طريقته وهي تبتسم له ببرود وعادت ما قالته بكل ثقة ظنًا منها أنه لن يفمهما كما الجميع هنا:

_ بقول rude

تحول " علي " لجمرة من النيران المشتعلة بسبب ثقتها المفرطة في نفسها وهي تسبه أمامه دون خجل فقال بنظرة مرعبة وبهجة رجولية مهيبة:

_أنا وقح!!! 

فغرت عيناها وشفتيها بصدمة ورغم الرعب الذي تملكها من سخطه إلا أنها استجمعت شجاعته وردت عليه بغضب رقيق مثلها:

_yes لأن دي مش طريقة مهذبة أبدًا تتكلم بيها مع شخص المفروض ضيف عندك

تقدم منها خطوة وهو يصر على أسنانه بغيظ فتقهقهرت هي للخلف بخوف وراح قلبها يدق في صدرها بعنف، ظلت تتراجع  حتى وجدته أمامها مباشرة ويقول لها بغيظ محاولًا تمالك انفعالاته:

_ده اللي عندي إذا كان عاچبك

خرج صوت غزل متلثعمًا وهي ترفع سبابته في وجهه تأمره بحدة لا تلائم تعابيرها الناعمة:

_ارجع لورا من فضلك

نظر لأصبعها بتهكم ثم طالعها ثانية بنظرة قذفت الرعب في أوصالها محذرًا إياها:

_اسمعي يابت أنتي، أنا هعديلك اللي قولتيه بس عشان انتي ضيفة كيف ما قولتي واحمدي ربك أنك ضيفة، ومن إهنه ورايح نصيحة متحاوليش تخاطبيني تاني واصل وتجاهليني تمامًا لمصلحتك فاهمة ولا لا

تجمدت غزل في أرضها ولم تتمكن من فتح فمها بكلمة أخرى خوفًا وضيقًا بينما هو فاستدار وعاد لغرفته وصفع الباب خلفه بقوة جعل جسدها ينتفض فزعًا ولا إدرايًا وجدت الدموع تنهمر فوق وجنتيها غزيرة، لم تفق سوى على صوت إنصاف التي اقتربت منها بدهشة وسألتها:

_مالك بتبكي إكده ليه ياحبيبتي في حد ضايقك؟ 

هزت غزل رأسها له بالإيجاب وهي مستمرة في البكاء وتجيبها بصوت مبحوح:

_your son 

فغرت إنصاف شفتيها ببلاهة في عدم فهم وردت عليها:

_هي إيه دي اللي مصننة!! 

طالعتها غزل بتعجب وأردف باللغة العربية:

_ابنك ياطنط بيعاملني معاملة بشعة چدا وكان بيزعقلي كل ده عشان خبطت على اوضته بالغلط بدل اوضة آسيا 

ابتسمت إنصاف بأعجاب على تلك الفتاة الناعمة والرقيقة وقالت باستغراب وسعادة:

_طنط!!

ثم رتبت على ذراعها بحنو محاولة تهدأتها وهي تهتف لها بود:

_معلش ياحبيبتي متزعليش هو ولدي غشيم بس شوية، متقلقيش أنا هشدله ودنه وأخليه يعتذر منك متزعليش خلاص.. قوليلي عاد أنتي اسمك ايه احنا محدش لحق يتكلم معاكي امبارح

ردت غزل بصوت خافت وهي تجفف دموعها:

_اسمي غزل 

هتفت إنصاف ببسمة عريضة وهي تحثها على السير معها:

_اسمك حلو كيفك ياغزل.. تعالي يلا نكمل كلامنا في المطبخ تحت

                                   ***

داخل غرفة آسيا كانت جالسة مع فريال يتحدثون وكان أساس حديثهم بالتأكيد هو عمران ومحاولة فريال أن تلين عناد آسيا ولكن كل محاولاتها باتت بالفشل فتنهدت في النهاية بنفاذ صبر منها وبينما كانت على النهوض والذهاب وتركها، صدح صوت رنين هاتف آسيا ووجدته زوجها طالت النظر في الهاتف بتفكير تتساءل بينها وبين نفسها " أجيب أم لا " صاحت بها فريال مغتاظة:

_ماتردي أنتي عايزة توصلي خناقكم ده لإيه بعنادك 

لوت فمها بخنق وأجابت عليه أخيرًا وكأنها فتحت أنبوبة وانفجرت بها حيث وجدته يصيح بغضب:

_أخيرًا رديتي ياهانم.. چيتي على نفسك واتنازلتي ليه!

انتفضت فزعًا من صياحه ووجدت نفسها تلقائيًا تصيح به أيضًا:

_متزعقليش

خرج صوته متحشرج ومرعب وهو يأمرها بلهجة لا تقبل الجدال:

_من غير ولا كلمة تچهزي نفسك وهدومك عشان أنا چاي أخدك فاهمة

ربما لو كان تحدث معها بأسلوب لطيف واطمئن عليها حتى أولًا وأظهر اهتمامه به وخوفه عليها كانت ستتراجع عن قرارها وتوافق على العودة معه، لكن الآن أصرت على قرارها أكثر وقالت له بعناد شديد وغضب:

_أنا مش هرچع ياعمران

هدأت نبرته قليلًا وقال بهدوء ما قبل العاصفة يعيد عباراتها بتهكم:

_مش هترچعي كيف يعني؟!!

التزمت الصمت ولم تجيبه فباغتها بصرخة نفضتها مكانها:

_هو على مزاچك ولا إيه، ولا متچوزة فزاعة هتروحي وتاچي على هواكي كأنك ملكيش حد يحكمك

كان صوته مرتفع لدرجة أنه وصل لأذن فريال التي كانت تقف بالقرب من آسيا وتتابع الشجار المحتدم بينهم، ودون تردد جذبت الهاتف من يد فريال وتحدثت مع أخيها بهدوء وهي تبتعد عن مسامع آسيا:

_عمران اهدى الأمور مش بتتحل إكده 

سكت للحظة عندما أدرك صوت أخته ثم تابع منفعلًا ونبرة مرتفعة قليلًا:

_قوليلها يافريال تلبس أنا چاي وياويلها لو قالت مش راچعة تاني

تمتمت فريال برزانة محاولة تهدأته:

_ياحبيبي اهدى.. معلش ياعمران سيبها يومين كمان لغاية ما تهدي وأنت كمان تهدي متخلهاش ترچع وانتوا شايطين إكده المشاكل هتكبر بينكم، هي حتى ملحقتش ترتاح شوية من التعب 

صاح بعصبية أشد وإصرار تام:

_ولا لحظة كمان يافريال دلوك هترچع على بيتها وتبقى ترتاح فيه براحتها

تنهدت فريال الصعداء بقلة حيلة من عنادهم وحاولت معه لآخر مرة:

_ياعمران اسمع مني، أنت وآسيا مينفعش تقعدوا مع بعض وانتوا بالوضع ده، سبيها لغاية ما تهدي وهي بنفسها هترچع وابقى قول اختي قالت، هي زعلانة منك وواخدة على خاطرها عشان اللي عملته معاها وانك مهتمتش أنها تعبانة وراچعة من المستشفى وأغمى عليها، يعني كلها يومين وزعلها ده هيروح وهترچعلك

هدأ ثورانه قليلًا بعد كلمات شقيقته وقال بغيظ واستياء:

_هي حكتلك على ده بس ومقالتلكيش على اللي هي عملته

بدأ الأمل يعود لها مجددًا عندما شعرت بأنه هدأ قليلًا وقالت مأيدة رأيه بشدة حتى تنجح في امتصاص غضبه كله:

_عندك حق هي غلطانة واحنا عارفين إكده، بس معلش اعذرها هي حامل ونفسيتها تعبانة اصبر عليها شوية كمان واوعدك أني هتكلم معاها واعقلها

مسح عمران على وجهه وهو يصدر زفيرًا ملتهبًا وقد اقتنع بكلام شقيقته وهدأ تمامًا فقال باستسلام وحدة:

_ماشي يافريال عشان خاطرك بس هسيبها يومين كمان بس اقسم بالله لو بعد اليومين عملت نفس الحركات دي لتشوف انيل من اللي شافته مني، يعني قوليلها ترچع برضاها احسن ما يبقى غصب عنها 

بتلك اللحظة قد اقتربت آسيا من فريال ووقفت بجوارها تحاول سماع ما يقوله في الهاتف لكنه لم تسمع وعندما قالت فريال بالنهاية:

_ماشي باخويا.. بقولك هي معاها معاد مع الدكتور النهاردة هتروح دلوك وأنا هروح معاها تمام؟ 

هتف عمران بصوت رجولي غليظ رافضًا:

_لا متروحيش أنتي يافريال أنا هاچي اوديها واروح معاها

سمعت آسيا عبارته هذه فردت عليه بصوت مرتفع حتى يسمعها:

_أنا هروح مع فريال! 

هتف يسأل فريال بغيظ:

_بتقول إيه دي؟! 

رمقتها آسيا بحدة وغضب لكي تسكت ثم ردت على أخيها بلطف:

_بتقولك ماشي ياعمران هتلبس وتچهز وتستناك

هدأ وسكت ثم انهى الاتصال مع شقيقته وفورًا صاحت آسيا باعتراض:

_أنا مش هروح معاه يافريال

صاحت بها فريال مغتاظة من عنادها:

_آسيا بزيادة عناد أنا هديته بالعافية واقنعته إنك تقعدي يومين كمان، البسي دلوك وروحي معاه للدكتور متخلهوش يتچنن عليكي تاني

هتفت آسيا بقهر وحزن:

_اروح معاه ليه يافريال.. ده انا اول ما فتحت هب فيا زي البابور ومهنش عليه حتى يسألني عاملة إيه ولا يطمن عليا وأنا كنت تعبانة وراچعة من المستشفى وأغمى عليا بسببه

قالت فريال بحزم وهي ترمقها بقوة:

_طب ما أنتي اللي عصبتيه لما فضل يرن عليكي امبارح ومردتيش عليه، ما يمكن كان بيتصل بيكي عايز يطمن عليكي وانتي معبرتهوش عشان إكده اتعصب

هزت رأسها رافضة الاقتناع بأنه كان في نيته حقًا الاطمئنان عليها بينما فريال فقالت لها بجدية:

_البسي يلا يا آسيا واچهزي وبلاش عند لغاية ما يچيلك

راقبت فريال وهي تستدير وتنصرف وعيناها ممتلئة بالدموع الحارقة وبداخلها تتوعد له أنها لن تسامحه على أفعاله الهمجية معها...

                                    ***

كان بشار جالسًا في الوكالة ينهي بعض الأعمال مع والده عندما لمح رحاب وهي تسير من أمام الوكالة في خطوات سريعة وتجفف دموعها من على وجهها بعدما انزلت الهاتف من فوق وجنتيها، فاستقام واقفًا بسرعة وقال لوالده بلهفة:

_ خمسة وراچعلك يابوي

ولم يمهل عبد العزيز الوقت ليسأله حتى إلى أين ذاهب حيث لحق برحاب شبه ركضًا وجدها تتجه نحو أحد الشوارع الجانبية الخالية من الناس، فأسرع في خطاه خلفها وقبض على ذراعها ليوقفها وهو يهتف لها بقلق: 

_رحاب رايحة وين وليه بتبكي! 

انتفضت فزعًا على أثر لمسته لها وتلعثمت في الأجابة عليه وهي تقول:

_مفيش حاچة يابشار أنا كويسة

دقق النظر في وجهها بحدة وسألها ثانية:

_رايحة وين إكده؟ 

اضطربت واجابته بتوتر ملحوظ استطاع أن يميزه جيدًا:

_مش رايحة مكان.. رايحة البيت وقولت اعدي من الشارع المختصر ده اسرع

هز رأسه لها بإيجاب رغم نظرات الشك التي في عينيه لها وتركها ترحل تكمل طريقها واستدار وهو يعود بخطواته باتجاه الوكالة ليوهمها أنه صدقها وسيتركها بينما هي فأسرعت في خطواتها وهي تتلفت حولها كل لحظة والأخرى لتتأكد من أنه لا يتبعها.

                                 ***

بمكان آخر تحديدًا بمنزل سمير، استغلت خلود فرصة غيابه عن المنزل وأنه نسي اغلاق الباب بالمفتاح بعد رحيله، وجهزت ملابسها وتجهزت هي وغادرت المنزل تنوي الهروب من ذلك السجن الذي فُرض عليها، كان كل شيء في البداية يسير بشكل رائع حتى أنها كانت لا تصدق نفسها أنها ستستطيع اخيرًا الفرار من بين براثين ذلك الذئب المفترس، وصلت للطابق الأرض بحقيبة ملابسها وهي سعيدة فكان لم يتبقى بينها وبين بوابة البناية سوى خطوات صغيرة، لكن حدث ما كانت تخشاه حيث وجدته يدخل من البناية وهو يتجه للمنزل بالاعلى فتسمرت بأرضها بصدمة ورعب فقد أدركت أنها منتهية لا محال هذه المرة...

                               ***

عودة لمنزل خليل صفوان......

نزلت فريال الدرج متجهة لغرفة الجلوس الكبيرة حيث يجلس زوجها وهي على ثغرها ابتسامة عريضة وعاشقة، تحركت بخطوات واثقة حتى وصلت للغرفة وفتحت الباب ودخلت بثقة تامة غير متوقعة ما ستراه بالداخل أبدًا، الذي جعلها تتصلب بأرضها في ذهول وسرعان ما تحول وجهها وعيناها للون الاحمر من فرط الغيظ عندما رأت تلك المشؤومة المدعوة منيرة تجلس مع جليلة وتتحدث معها، كيف تجرأت ودخلت منزلها مرة أخرى تلك الافعى!! .....


......... نهاية الفصل ...........

  •تابع الفصل التالي "رواية و بالعشق اهتدي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent