Ads by Google X

رواية غرورها جن جنوني الفصل السابع عشر 17 - بقلم ابتسام محمود

الصفحة الرئيسية

  رواية غرورها جن جنوني كاملة بقلم ابتسام محمود عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية غرورها جن جنوني الفصل السابع عشر 17

 

قلق “وجود” على أخته فقال بخوف وتوتر:

– توتا حصلها حاجة؟

– والله ما اعرفش ما قالش غير اللي قولته ليك، انجز بقى.

تحرك الجميع وصعدوا العربة، وعندما قامت “زينة” بحزم شعرها للخلف، فقد حينها “وجود” الوعي أمام تعريجات شعرها؛ مشلول الحركة فاقد النطق، فكان طوله كالثعبان الذي تخطى سمه قلبه ليتحول عقله بلا وعي.

★★★★★

حدث منذ قليل..

في أثناء اعتذار “مستقبل” لحبيبته، دخلت “توتا” بغضب الصالة، ترى “حازم” يقف يتبادل الحديث مع بعض الفتيات ويمسك بيده دفترًا يسجل به بيانات كل لاعبة ويتأكد أن كل أدواتهم بحالة جيدة، فتقدمت إليه:

– هنبدأ إمتى؟

أجابها بإهمال مقصود:

– لسه بدري.

– أمال جايبني من الظهر ليه؟

رمت حقيبتها بإهمال وعصبية وهي تقولها، فرد عليها بعد أن أخذها بعيدًا عن الحاضرين داخل مكتبه الخاص:

– والله أنا ما جيبتش حد أنتي اللي جيتي، وعلى ما أظن شنطة أدواتك لازم تتجهز وتتراجع كويس، اتفضلي جهزي شنطتك علشان أراجعها.

– ما تشغلش بالك بيا، بابا هو اللي هيراجع حاجتي ويتأكد إنها سليمة.

عندما سمع اسم والدها أخبرها بهدوء حاد:

– مش محتاج أفكرك إن أي تعامل معاه بحذر.

كزَّت على أسنانها بغيظ وأغمضت عينها، فهو يتعمد أن يذكرها بأصعب شيء هي تود نسيانه فأبلغته وهي تحتفظ بدموعها:

– بقولك إيه احنا بالشكل دا هنتعب مع بعض، فالأريح ليك وليا إنك تطلقني.

أردف بصدمة:

– نعم.

– زي ما سمعت طلقني، مش كنا متجوزين تبادل مصالح، فأنا خلاص مش عايزة مصلحتي وبالتالي مش عايزة أستمر في مصلحتك.

نظر إليها لثوانٍ، ثم حك مقدمة أنفه وتفوه وهو يدعي البرود:

– مش خايفة من الناس تتكلم عليكي ومن الفضيحة اللي هتحصل؟

وضعت يدها على خصرها قائلة بصوت جهوري:

– ليه إن شاء الله؟!

يجلس على المقعد، ويضع قدمه فوق مكتبه ويخبرها:

– في صباحيتك.. واتطلقتي.

فهمت ما يلمح إليه فجلست بجلسته نفسها أمامه، وأجابته ببروده نفسه:

– مع إن المفروض جنابك اللي تخاف من الفضيحة، ليلة الصباحية يا مؤمن وعروستك العذراء البكر الرشيد تطلب منك الطلاق، أما صحيح وكسة وفضيحة بجلاجل يا معدوم الرو…

وقف بصدمة وذهول من جرأتها وأردف بقوة وهو يقاطعها:

– توتا.

فعلت مثل ما فعل مرددة:

– حازم.

شعر أن المجادلة لا فائدة منها، وبدأ يشعر بأنظار جميع اللاعبين تتجه إليهما من الحاجز الزجاجي، فانسحب من أمامها يتصل بـ”مهيمن”، وأبلغه بعد أن رد:

– كوتش تعالى شوف توتا المجنونة مش عايزه تروح البطولة.

اقتربت منه تقول بتوضيح ما كانت تقصده:

– اسمها عايزة اتطلق.

– كوتش اقفل وتعالى علشان الأستاذة جننتني خلاص.

انكمشت ملامحها بغضب لتقول بعنف:

– مش دا اللي بتقولي ما اكلمهوش، بتشتكيله مني ليه؟!

أغلق “مهيمن” الهاتف بدون أن يعطي ردًّا، يمسح وجهه بعصبية واتصل على أخويها، ثم نادى زوجته متوجهًا إليها.

★★★★★

وصل “مستقبل” أمام الصالة وخرج الجميع من العربة، قابله “مهيمن” المشتعل و”نايا” التي تدعي الله أن تمر الأمور على خير، لكن فور رؤيتها “زينة” و”وجود” يسيرون جنبًا إلى جنب ابتسمت ووقفت تنتظرهم يقتربون منها بفرحة، وعندما اقتربوا تبادلوا السلام، ثم قالت “نايا”:

– حبيبي ما شاء الله عليكم.

ثم أخذت “زينة” في عناق بحنان، شعرت بارتباكها ورجفتها، فهمست بجوار أذنها:

– فرحيني وقولي إنه حصل.

أومأت برأسها بكسوف، فضمتها أكثر قائلة:

– يا روح قلبي أنا.

فحدثهم “مهيمن” بجدية:

– إيه مش ندخل نشوف بنتك اللي هتاكل الراجل جوه.

– طبعًا طبعًا يلا.

قالتها “نايا” وهي تمسك” كارما” بيد و”زينة” بيدها الأخرى، فنظر “وجود” و”مستقبل” لبعضهما قائلين:

– يا حلاوووة.

وزاد مستقبل:

– أمك هتخطف البنات مننا.

حينما وصلوا لـ”حازم” سمعوا ” توتا” تقول:

– بقولك إيه أنت ملكش كلام عليا.

– حاضر.

قالها “حازم” وهو يهز رأسه، أكملت بتريقة:

– حاضر ودا من إمتى يا غراب؟

رفع رأسه ناظرًا إلى” مهيمن” باحترام، فتقول:

– شوفت بابا عملت فيها محترم.. ما ترد. شكل القطة كلت لسانك.

– خلصتي ولا لسه، الراجل عمل ليا احترام وسكت، وأنتي إذاعة الشرق الأوسط مش هتخلص.

نهرها “مهيمن” بحدة وامتعاض، فأجابته بنبرة سريعة:

– دا كان مبهدلني وقالي ما اكلمكش، عايزني اسكتله.

– لا ما قولتش كده يا توتا، وياريت ما تقوّلنيش حاجة ما قولتهاش.

قالها “حازم” بعصبية، فتقول بعصبية أكثر منه:

– قولت.

– ما قولتش.

– قولت.

– اللي قولته ما تقربيش منه أوي؛ لأني مش هسمحلك.

– أهو قولت.

– ما قولتش، اللي بتقوليه.

– بما فيه معناه يعني.

– المعنى الحقيقي اللي طلعته من شفايفي، ما تجوديش من عندك.

– بااااااااااااااااااس.

قالها “مهيمن” قبل أن يصلا إلى مرحلة التشابك بالأيدي وفي وجوده، وأكمل بهدوء مصطنع:

– ممكن تهدي هو عنده حق، تمام يا حازم مش هقرب لبنتي.

كان يتفوه وهو قلبه يتمزق محاولًا قدر الإمكان خروج صوته المتحشرج، فحاول أن يوضح له وجهة نظره:

– يا كوتش عايزك تفهمني.

– أنا لو مش فاهمك ومقدر اللي أنت فيه كان تصرفي معاك هيبقى غير كده، ها فيه حاجة تاني؟

صمت الجميع مندهشًا إلا “مستقبل” تقدم بأخذ أخته داخل حضنه ولم يبالي لحديثه اللاذع، لكن “حازم” لم ينطق فهو يظن أنهما أخواها من والدتهم، فيصاب بصدمة تامة بقول “وجود”:

– أنت بارد يالا بيقولها أبوكي ما يلمسكيش تروح أنت تحضنها.

رد عليه “حازم” بتفهم:

– وإيه المشكلة يا وجود أنا مش قفل، أكيد مش همنعها تحضن أخوها.

– أخوها! شكلك لسه مختلط عليك الأمر.

– هي مش توتا بنت نايا فأكيد هي أختكم من الأم؟

ضحك “مستقبل” حتى يشعل رماد غضبه؛ لأن رد فعل “مهيمن” أذهله، وكان دائمًا ما يخبرهم بعدم التخلي عنها مهما يحدث، فهو عندما ولد وجدها أمام عينه، تربى على الحفاظ عليها من الهواء؛ والآن لا يقبل بهذه الخرافات:

– مساء الخير الصبح، أمال عامل فيها مركز. هي بنت البوب بالتبني، أوضحلك بالمرة أكتر.. وفي الشهادة مش أختي، لكن أختنا الكبيرة اللي مش هنتخلى عنها.

صمت “حازم” بضع ثوانٍ يعيد تفكيره محدثًا نفسه:

– وأنا اللي كنت بفتكرها بنت نايا من حد تاني بس.. بس إيه أنا بغلط في أمهم وبتهمها إنها غلطت مع حد.

وضع يده على عينه من الإحراج الذي وضع نفسه فيه قبل الجميع، فتجمد وجهه وأخبره بوجوم:

– مستقبل توتا دلوقتي على ذمتي، ولو سمحت ما بحبش أشوف مراتي في حضن راجل مش من دمها.

اندفع “مستقبل” وفاض به الكيل وانقض عليه:

– وربي يا حازم زي ما جوزتهالك أطلقها منك، دم مين يا أبو دم، لو هتتكلم عن الدم كتير مستعد حالًا أشق بطنك وأوريلك الدم على أصوله.

أمسكه “مهيمن” من مقدمة “تيشرته” وسحبه، قائلًا باعتذار:

– حقك عليا يا حازم ما تزعلش منه.

فقدت “نايا” توازنها مما يفعلوه جميعهم، لكنها أمسكت في يد “مهيمن” قبل أن تقع، فأمسكها من خصرها وأجلسها على مقعد، فهرولوا عليها إلا “حازم” الذي شعر بالاختناق من كلام صديقه الذي كان من المفترض أن يقدر حالته، فقبل أن ينسحب قال:

– بعتذر ليكم كلكم وليكي مطلق الحرية يا توتا، بعد إذنكم.

نادت عليه “نايا” بصوت باكٍ:

– حازم خد مراتك معاك.

رمقتها “توتا” و”مستقبل” بضيق، لكنها نظرت لابنتها بترجٍ متفوهة:

– امشي مع جوزك يا توتا، واحنا أهلك مهما يحصل.

– يا ما…

– اتفضلي يا توتا وبلاش توجعي قلبي أكتر من كده.

فقال “مستقبل” بضيق “لحازم”:

– طب ما هو أنيس مش أخو كارما وأنا ما بتكلمش، وكمان بتحبه أكتر من سليم.

رد عليه” مهيمن” بهدوء حتى ينهي الموضوع:

– أنيس أخو كارما في الرضاعة، وخلص الكلام في الموضوع دا، اتفضلي يا توتا مع جوزك.

رمقت “حازم” بغل وغيظ وأردفت:

– مسموح ليا أحضنها هي كمان ولا ممنوع.

حدقها بنظرات حارقة وانصرف من أمامهم، عانقت أمها وهي تبكي، ربتت عليها بحنان:

– يا حبيبتي، أنا دلوقتي مطمنة عليكي مع حازم أكتر من أي وقت، حازم بيحبك ومستحيل يستغنى عنك، واحنا كذلك أهلك اللي ما يتمنوش ليكي الأذى ونفسنا نشوفك سعيدة، وأنا متأكدة إن سعادتك مع حازم، بس أدي نفسك فرصة.. فرصة واحدة بس يا توتا وقرري بعد كده.

وضع “مهيمن” يده على كتفها مأكدًا كلام والدتها:

– أنا دايمًا في ضهرك وعمري ما هبعد عنك يا قلبي، اسمعي بقى كلام أمك؛ لأن كل كلامها صح.

فاقترب منها أخواها يقول “وجود”:

– ما تضيعيش حازم من أيدك، لو لفيتي العالم كله مش هتلاقي حد بيحبك قده.

وقال “مستقبل” وهو يغلي من داخله:

– أي نعم أنا مخنوق منه بس من بعد حازم مش هتلاقي حب، اتفضلي روحي لجوزك وما تتأخريش علينا؛ لأن غيابك عنا يوم بيساوي سنة، واوعي تفتكري كلامه هيمنعني أرخم عليكي كل يوم.

كانت دموعها تتساقط، لم تتحرك “توتا” خطوة، أمسكت يدها “كارما” وهي تتقدم نحو “حازم” الذي يتماسك ويكمل عمله:

– يا هبلة البت مش ليها غير حضن جوزها، انجري يا اختي وشوفي جوزك عايز إيه.

– يا بت هضربك بطلي زق فيا.

قالتها “توتا” التي تحاول أن تقف، لكن “كارما” تمسك يدها بقوة وتزج بها من ظهرها بيدها الثانية:

– مش هسيبك برضو.

– يا كارما ما تعصبنش.

فرفع “حازم” رأسه يقول بأمر عندما اقتربت منه:

– اتفضلي يا آنسة تممي على أدواتك كلها وحصلينى أرض السباحة.

شهقت “توتا” وهي ترفع حاجبها بضيق:

– آنسة!!! ودا من إيه إن شاء الله.

ابتسم بتهكم ومكر برغم كل ما يحمله داخل قلبه:

– اسألي نفسك.

ثم تركها وذهب خلف الفريق حتى يبدل ثيابه.

★★★★★

في اليوم التالي تدخل “كاميليا” مكتب “وجود” قائلة بدلع وهي تجلس على مقدمة المكتب:

– بيبي يلا علشان نروح.

لم يحرك عينه من على الحاسوب وأبلغها بانشغال:

– ورايا شغل روحي أنتي.

رمقته بضيق، ثم تركته وانصرفت غاضبة.

★★★★★

وفي المساء من داخل فيلا “مهيمن” تنهض “كارما” بضيق قائلة:

– تعالى يا وجود، قولي مين الشقيط اللي فيكم.

يجذبها “مستقبل” نحوه من ذراعها وهو يقول بلامبالاة:

– سيبك منها يا شق.

ثم بصرها وهو يغمز لها:

-تعالى وأنا أقولك.

– شوف إزاي.

– أصل أنا اتكلم على نفسي، أحسن ما حد يقولك حاجة غلط.

– لا شاطر قول.

– والله بقيت أسيطر على عيوني علشان خاطر عيونك، ما تجيبي بوسة بقى.

بحلقت بعينها وهي تضع يدها بالقرب من شفتيها حتى لا يمسح أحمر شفاهها وتقول:

– مستحيل.

– لا اوعي تفهميني صح، دا منور بقى ضلمة ومحتاج نور حتى تعالي اكشفي عليه.

– امشي بعيد عني.

قالتها وهي تركض، هرول خلفها:

– يا بت خدي هنا، أنتي من ساعة ما حطيتي الروچ دا وقلبتي بوزك شبه البطة الواحد مش عارف يطول منك حاجة.

★★★★★★

بعد يومين

فتح “حازم” باب المنزل ودلف بخطوات خرساء، وهو يأخد أنفاسه استعدادًا لمشاجرات مغرورته البلهاء، وعنادها الذي لم يجد له حدودًا، حين رآها صدمه ما تفعله فنطق باستفهام:

– ممكن افهم بتعملي إيه؟

رفعت رأسها المسترخية وأخذت من فوق عينيها قطعة خيار ورمقته بوجهها الموضوع عليه ماسك أسود اللون، وتمسك بيدها مبرد أظافر لامعًا، أجابته ببرود:

– بلعب تيجي تلعب.. حاجة غريبة شايفني يعني بعمل إيه؟

قالت آخر جملة بعد أن أطال النظر إليها بصمت، قامت بضيق ووضعت المبرد على رقبته، فنطق أخيرًا وهو يرجع للوراء، ويبتلع ريقه:

– حد كلمك براحتك خالص، بس اللي جعان يعمل إيه؟!

تبعد عنه وتبلغه بلامبالاة وهي تنظف أظافرها:

– ما ياكل.

اقترب من الثلاجة متلاشيها، فلم يجد بها أي طعام من الذي كان يضعه بها، فقال بصوت جهوري:

– وهي التلاجة فيها أكل أصلًا؟

– كفاية فيها دمك.

قالتها بغيظ وهي تتأفف، فرد عليها بتساؤل:

– ويا ترى فين الأكل اللي هاكله؟ مش ناوية حضرتك تطلعي دمك اللي اتجمد من الفريزر وتعملي أكل.

– ما تاكل أي حاجة وبطل صداع.

نظر لليمين، ثم يرفع يده يرجع شعره للخلف، ويزفر أنفاسه المتوهجة يسأل في هدوء مزيف:

– معلش هتعب حضرتك بسؤال صغير ممكن؟

– مش ممكن.

صحك على أسنانه وأردف بصوت مزمجر:

– اللي عايز ياكل هيطفح إزاي بقى؟

تنهض وهي تغرز أسنانها بشفاها السفلية بغيظ، ثم تضع يدها على خصرها وتبلغه من بين أسنانها:

– أكيد هياكل ببقه.

مسح وجهه المشتعل حتى يهدئ من نفسه:

– جواب منطقي..

أكمل وهو يشير إلى فمه:

– بُقي وموجود، فين بقى الأكل اللى هيدخل هنا فيه؟

أجابته وهي تهز كتفيها:

– أنا دخلي إيه بالموضوع الشيق دا.

– بصي أهو سؤال أبسط من اللي قبله حضرتك عملتي إيه يتاكل النهاردا؟

لوت شفتيها، وردت وهي تلوح بيدها كالبلهاء:

– ولا حاجة.

يجلس على الأريكة يضم يده على بعضهما يحركهما بعصبية وهو يضم حاجبيه:

– مش كنتي عاملة امبارح ولا حاجة.

– آها ما أنا عملته على يومين.

قالتها وهي تمط شفتيها وتربع يداها، قبل أن تنحني تلم أشياءها من على المنضدة، وقالت وهي تنصرف:

– أنا دلوقتي عرفت ليه الراجل بيروح يطلب إيد البنت بس.

– ليه بقى؟

– علشان إيدها دي هي اللى بتعمل كل حاجة وبتتمرمط.

رد بعد أن عجز عن كبت ابتسامته:

– عليكي كلام.

تنصرف من أمامه بتجاهل، نهض بسرعة يمسك يدها وتطلع بها بمكر:

– أحب أقولك لو ما لقيتش أكل بعد كده هدور على أي حاجة آكلها.

حاولت التملص من قبضة يده، لكنه زاد وهو يجذبها إليه، ويضع يده حول خصرها الصغير يمنعها من الانسحاب، ثم غمز لها بعد أن همس بصوت خافض أجش بالقرب من أذنها:

– وساعتها مش هلاقي غيرك قدامي.

تدفقت الدماء وصبغت وجنتيها واقشعر جسدها من نظرته الجريئة تسببت برعشة في أوصالها، فتحولت نظراته إلى عشق وشوق، تمالكت أنفاسها الهاربة وخفضت بصرها من عينه، ثم دفعته عنها وصعدت وهي تركض بوجه شاحب وقلب ينتفض بذعر، عندما وصلت أمام الغرفة دخلت وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح، ظلت تأخذ أنفاسها اللاهثة بتوتر وتحاول نفض الشعور الذي اقتحم حصونها بلا استئذان.

فأردف “حازم” بقلة صبر وضرب كف على كف:

– لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ربي لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه، يا رب الصبر من عندك.

★********★

– ممكن نتكلم؟

قالتها صاحبة الجمال المخادع من كثرة المبالغة في زينتها في صباح يوم جديد، فرد عليها “وجود” وهو يدعي الانشغال بالأوراق المفترشة أمامه على مكتبه:

– اتفضلي اتكلمي.

– إيه البرود اللي بقيت فيه دا، أكيد وراثة من أهلك.

انكمشت ملامحه بغضب لفظاظة كلماتها، لكنه رد بعكس ما بداخله:

– أنا لحد دلوقتي محتفظ بأخلاقي.

– يعني هتشتمني ولا هتضربني؟

– والله كل اللي أقدر أقوله إني ورثت كمان من أهلي اللسان الزفر.

كفت عن ثرثرتها ثم حدثت ذاتها:

– حلو أوي ما خليتش قدامي غير حل واحد وواجب التنفيذ، يلا نبدأ الجيم على نضيف.

ثم تفوهت وهي تبكي بكاء مخادع:

– وجود عايزة اتكلم معاك، ليه بقيت حاسة إنك بعيد.

– مش بعيد، كل الحكاية مطلوب برامج وشغل كتير وكله قدامك وعلى يدك، وعلى العموم استني أوصلك ونتكلم واحنا في العربية.

– كلامي مش هينفع في العربية لازم نقعد.

– مفيش مشكلة تعالي الفيلا.

– لا عايزه نكون على راحتنا.

– طب أجيلك بيتك؟

– لا.

– طب عايزة إيه؟

– عايزة أتكلم معاك على راحتي.

– تمام احجزي بكرة في أي مطعم نتغدى فيه.

قالها وهو يعاود النظر إلى أوراقه، فقالت بامتعاض:

– وليه ما يكونش النهاردا؟

ترك كل شيء بيده وحدقها بحدة وهو يجيبها باستشاطة:

– عندي شغل، ولا كمان مش واخدة بالك؟

ابتسمت ابتسامة صفراء تشبه كل ما تحمله داخلها، ثم أومأت برأسها بالموافقة:

– تمام.

بادلها الابتسامة نفسها ثم رجع لما يفعله، وعندما انصرفت أخرج أنفاسه بقوة وهو يرفع يده من على الأوراق، ثم أخذ هاتفه يبحث عن رقم “زينة”، رمقه لثوانٍ وداخل عينه ينبوع من الشغف، ثم ضغط على سهم الاتصال، ومن أول رنة أجابته بلهفة، فقال لها بعد السلام:

– جاهزة.

– آه.

★★★★★

بعد أن أغلقت الخط حدقتها “كارما” باستياء ثم تفوهت:

– مش قولتلك ما ترديش من أول مرة.

ردت عليها وهي تعانق الهاتف بعينين مغلقتين منسجمة بالذي تتخيله:

– مش بحب التقل يا كاري.

– طول ما أنتي مطيعة هتدلقي اسمعي مني أنا.

أخبرها بها “مستقبل”، فنظرت له “كارما” شزرًا توبخه:

– طبعًا ما الأستاذ خبرة.

– عيب يا كاري مش قدام البنت تقول علينا إيه وهي في أول خطوات الحب.

أخذت أنفاسها وهي تتمنى سحقه ثم نظرت إلى التي ما زالت تحلق فوق السحاب:

– وأنتي ركزي معايا يا أختي مش ناقصة محن.

فتحت عينها وأصبح وجهها الرقيق ناعسًا، فأكملت “كارما”:

– لما ييجي وجود عايزاكي جد وتبطلي نوم على نفسك، وجيبي آخرة اللي بينه وبين المسهوكة.

أومأت برأسها ثم رجعت بظهرها تتخيل طلته عليها، أردف “مستقبل” وهو يحرك السبابة يسارًا ويمينًا:

– يا عينى عليك يا أخويا واحدة مسهوكة والتانية نايمة على نفسها، يا زينة ركزي ولا أقولك حطي الإير بودز دا في ودنك وأنا هقولك تعملي إيه، أشطا.

– أشطا.

قالتها بعد أن أطلقت تنهيدة، فتقول “كارما”:

– لازم هو اللي يبدأ بكلام الحب علشان لو بدأتي هتفضلي عمرك كله اللي تبدأي.

– حاضر حاضر، والله حفظت وممكن أسمع.. ممكن أمشي بقى.

– اتفضلي.

وقبل أن تنصرف وضعت “كارما” سماعة صغيرة داخل أذنها، وتحدثت بعد وقت:

– ألو ألو سمعاني

والله سمعاكي واسكتي داخلة عليه.

صمت الجميع، وجلست وهي تبتسم، فقالت “كارما” لها بعد التصافح، والحديث العابر:

– قوليله آخرة اللي بينا إيه؟

– جواز طبعًا.

فتكمل “كارما”:

– وآخرتها مع المسهوكة؟

بدون تفكير نطقت الجملة نفسها، ثم بعد أن ركزت أخفضت جفنها بحرج، استرعي انتباهه ما يوضع بداخل أذنها، ثم نهض مقربًا يده على أذنها سحب السماعة الصغير، ويرجع سريعًا لمكانه بابتسامة، ثم وضع السماعة داخل أذنه، امتقع وجهها باللون الأحمر، فكانت تقول “كارما”:

– يا بت هجيلك وربنا، شكلك نمتي.. اخلصي فوقي وقوليله آخرتها إيه مع الملزقة، ولا هو شكله هيقضيها على الونجين، آه ما هو أخو مين. بت قومي سبيه وأمشي.

– طيب ما تبلعي ريقك ليطق ليكي عرق وأنتي خُسَارة.

نطق بها “وجود” بصوته الأجش الهادئ:

ازدردت ريقها ثم ألقت الهاتف على “مستقبل” الذي زاد بقوله:

– قوليله جيب من الآخر واتصل بيها اقطع علاقتكم مع بعض وقتي.

رد “وجود” بتهكم:

– وماله، ما أنا شكلي هقطع علاقتي بيك أنت أول واحد ياللي ما عندكش نقطة دم.

عندما سمع صوته أغلق الهاتف، فتقول” كارما”:

– عماله أشاورلك تخرس وأنت ماسورة وانفجرت.

google-playkhamsatmostaqltradent