Ads by Google X

رواية اغصان الزيتون الفصل السابع و الثمانون 87 - بقلم ياسمين عادل

الصفحة الرئيسية

  رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية اغصان الزيتون الفصل السابع و الثمانون 87

كانت قد وصلت أمام باب وكيل النيابة، قبيل وصول “راغب” بدقائق قليلة، فوقفت تنتظر حضورهِ وهي على أهبة الإستعداد لإنقاذه من بين براثن الفخ الذي أُحيك له. نظرت من حولها بترقبٍ وكأنها تبحث عن شئ بعينه، حتى باغتها “عِبيد” بالمجئ من خلفها وهو يسأل بتلهفٍ :

– كنتي فين من امبارح؟.

كتمت شهقة متفاجئة وهي تضع قبضتها المتكورة على صدرها، والتفتت إليه وهي تجيب :

– حمزة أخدنا البيت اللي في الزمالك.

منع “عِبيد” نفسه من أن يُظهر ردة فعل عدائية تنمّ عن تفاقم غضبهِ من الوضع المتأزم الذي حُشرت فيه “سُلاف”، فهوّنت عليه هي قدر استطاعتها :

– هانت يا عِبيد.. مش فاضل كتير.

كان صارمًا وهو يُطلعها على قرارهِ :

– ولا كتير ولا قليل، أنا هاخدك من هنا على البيت وانتي مبقاش ليكي دخل بالواد ده.

هزّت “سُلاف” رأسها بالنفي، مُعللة سبب اعتراضها :

– مش هينفع، حمزة ماسك في زين ومصمم يكون معاه.. وانا مستحيل أسيبله ابني.

زجرها “ِعبيد” بقسوةٍ بعدما اكفهر وجهه بإمتعاض شديد، ولم يرفق بها أبدًا وهو يقول :

– فوقي يا سُلاف، ده ابنه هو مش ابنك.. كلنا كنا عارفين إن زين بنسبة كبيرة مش هيفضل معاكي وأهو جه الوقت اللي لازم تتخلي فيه.

لم يكن ردّ فعلها المتشدد مفاجئة بالنسبة له، فهو أكثر من يعلم بحقيقة الترابط الشديد الذي بينها وبين الصغير :

– مش هيحصل، ياخد روحي قبل ما ياخده مني.. حمزة ملهوش أي حق في الولد ده.

– طب تعالي معايا وأنا أضمنلك نرجع زين في الوقت المناسب.

قطعت عليه كل سُبل الوصول لحل عن طريق التخلي عن “زين”، بل وأظهرت تماسكًا به أكثر من أي وقتٍ مضى :

– أسمع يا عِبيد، أنا اللي هكمل حكايتي مع ابن القرشي وهحط نهايتها في الوقت المناسب.. ولحد ما ييجي الوقت ده أنا مجبرة أفضل في المكان اللي هيكون فيه ابني.. سمعتني ياعِبيد.

لمحت طيف “راغب” من خلفه آتيًا، فـ تركته لينقطع حديثهم هنا، وأسرعت بخطواتها تلحق به حتى أصبحت قبالتهِ، فـ تجلّت معالم القلق على وجهه وهو يسألها :

– انتي كويسة؟؟.. عمل معاكي حاجه؟.

أومأت رأسها بالسلب لتجيبه في إيجاز :

– لأ، متقلقش عليا أنا كويسة المهم انت.. أنا هخرجك من هنا يا راغب متخافش.

قالتها وهي تربت على ذراعهِ، فرأت في عيناه ثقتهِ البالغة فيها، رغم صعوبة موقفه بعدما تم القبض عليه متلبسًا؛ لكنه آمن إنها ستجد سبيلًا لإنقاذه. مسح “راغب” عن تعابيره تلك الإيماءات القلقة، وتجاوز ربكتهِ مع أن اطمئن من تواجدها معه الآن، ليقول بعدها :

– أنا واثق فيكي يا سُلاف.. مش قلقان أبدًا غير عليكي.

أفسحت الطريق أمامهم كي يمرّ لغرفة وكيل النيابة، وهي تسير من جوارهِ قائلة :

– متقلقش، كل ده هيعدي.

**************************************

قصقص بنفسهِ سلك الشاحن القديم الخاص به والذي وجده بغرفتها، بعدما تعرّف عليه وتيقن من استخدامها له لشحن هاتفها وبالتالي وصلتها المعلومات الأخيرة عن “راغب”. قذف “حمزة” بالمقص بعيدًا وجلس على طرف الفراش موليًا ظهرهِ لـ “زين”، طفلهِ الذي اكتشف مؤخرًا إنه يجهل من هي والدتهِ الحقيقية، وإنه عاش طوال أشهرٍ في وهم كاذب. يكاد يُجنّ كلما أطال التفكير في الأمر، كيف لها أن تكذب كذبة گهذه؟.. كيف احتضنت طفله وراعته وتكفّلت به بينما هو قيد الحياة؟ وكيف حصلت عليه وأين وجدته!.. هو متأكد من أبوتهِ للطفل؛ لكن هي؟؟.. من تكون وكيف خططت حتى حصلت على طفل من صلبهِ إن لم تكن هي من أنجبتهُ؟؟.

طوّق “حمزة” رأسه بكلتا يديهِ يضغط عليهما بقوةٍ مفرطة، يحاول إسكات ذلك الصوت المُدوي في آذانه گصوت طلقات أعيرة نارية، وقد أصيب بآلام موجعة في مؤخرة رأسهِ نتيجة ذلك التوتر الشديد الذي يعيشه مؤخرًا. التفت ينظر للصغير النائم، فـ تضاعف شدوههِ، كون “زين” يشبهها بشكلٍ كبير، وكأنها بالفعل من أنجبته. مال على الفراش ورفعه بين يديهِ، ثم قربّه إليه وهو وهو يسأل بخفوتٍ لم يزعج “زين” أو يشعر به :

– مين هي أمك الحقيقية؟؟.. وإزاي سُلاف وصلتلك؟.

ضغط على أعصابه كثيرًا لئلا يفقدها، وتحامل على نفسه وهو يتابع ثرثرتهِ الفارغة :

– أنا هتجنن؟ كل ما أقول خلاص خرجت من المتاهه دي ألاقي نفسي بكتشف حاجات أسوأ وأسوأ!.

أبعده قليلًا عن صدرهِ ونظر للفراغ، ثم تمتم قائلًا :

– مبقاش ينفع السكوت ده!.. لازم أوقف أمك عند حدّها.

ثم ضحك ساخرًا وهو يهزأ من وضعهِ المثير للشفقة :

– قصدي اللي عملت نفسها أمك.

وضع الصغير على الفراش، ونهض كي يخرج من هنا، فرأى “زيدان” بالخارج وقد بدأ تناول طعامهِ بشراهةٍ، فتأفف “حمزة” وهو يسأله بتهكمٍ :

– انت على طول بتاكل كده؟!.

ابتلع “زيدان” لقيمة كانت تقف في حلقهِ، ثم نظر نحوه مستهجنًا ليقول :

– انت هتعد عليا الأكل يا باشا!.. مش شغال طول اليوم وبحرق في مجهودي!.. لازم أرمّ عضمي بحتتين بروتين.

نظر “حمزة” للطاولة التي امتلأت بالأطعمة المختلفة، وتلوت شفتيهِ مستنكرًا تعبيرهِ المستخف (حتتين) على مائدة حملت أكثر من خمسة أصناف من الطعام :

– حتتين إيه؟؟.. أنا شايف كيلوات على الترابيزة!.. أنجز وراك مشوار مهم جدًا.

جفف “زيدان” يدهِ الملوثة الدهون، ووقف عن جلستهِ بعدما امتقع وجهه وتوقفت شهيتهِ عن طلب المزيد :

– أديني قومت خالص، قولي عايز تعمل إيه دلوقتي!.

– في واحدة صاحبة مكتب تشغيل Babysitter أنا كلمتها وهتبعتلي بنت مُربية عشان تهتم بالولد، انت هتروح تجيبها على هنا.

أخرج “حمزة” هاتفه وبدأ في الإتصال بها :

– هكملها أشوف إيه الدنيا ووصلت لأيه، وانت اتحرك عقبال ما ابعتلك المكان اللي تروحلها فيه.

أشاح “زيدان” بوجهه للجانب الآخر وهو يتمتم :

– كمان هشتغل سواق!.. دي الشغلانة بهوقت أوي.

ضاقت عينا “حمزة” وهو ينظر لحركة شفاهه التي لم يسمع منها شيئًا، وسأله بشكل صريح :

– في حاجه ولا إيه يا أبو زيد؟؟

اتسعت ابتسامة “زيدان” البلهاء وهو يجيب :

– لأ يا أبو البشوات سلامتك.. بس عايز شويه فكة كده عشان البنزين والذي منه.

نفخ “حمزة” بإنزعاج وهو يخرج حافظة نقودهِ، ثم سحب منها خمسة ورقات فئة المئتي جنيه وناوله إياها وهو يقول :

– خد بنزينك أهو.

نظر “زيدان” في يده، فصعدت تعابير الحنق على وجهه وهو يهتف :

– إيه دول يا باشا؟.. أجيب بيهم لبان ولا إيه!.

ربت “حمزة” على ذراعهِ بقوةٍ خشنة وهو يهتف بـ :

– ده بنزين العربية مش بنزينك انت.. بلاش تقطع برزقك الحلو معايا يا ابو زيد.. انت لسه مشوفتش خيري.

فـ ابتسم “زيدان” بعدما هضم كلماتهِ المستنكرة تلك، وعاد يُقدم فروض الولاء والطاعة من جديد، لئلا يخسر رجلًا مثله :

– وماله يا باشا ده عنيا الأتنين ليك.

ثم التفت نحو المائدة وبدأ يُلملم في الطعام وهو يردف :

– آخد بس باقي الأكل عشان أتسلى في السكة بدل ما الواحد حاسس نفسه هفتان كده.

جمع الطعام في الحقائب البلاستيكية ثم شقّ خطواته المتعجلة نحو الباب وهو يقول :

– ابعتلي بقى الرقم على الواطس (واتساب) اوعى تنسى.

وخرج.. خرج بعدما تشكلت تعابير الإستغراب على وجه “حمزة” :

– واطس ؟؟.

**************************************

أسند وكيل النيابة ظهرهِ للخلف مسترخيًا على مقعده الجلدي الوثير، ثم نظر لـ “سُلاف” مدققًا وهو يسألها :

– يعني حضرتك اتكلمتي مع الشاهد وكمان أقنعتيه ييجي يشهد!.. إيه اللي يضمن إن كل دي مش تمثيلية عشان تخرجي موكلك من القضية؟.

كانت واثقة تمامًا، گعادتها.. جريئة، شجاعة، وجسورة؛ لا تمسك أمرًا إلا وأنهتهُ. تحدثت بلباقةٍ وثقة وهي تجيبه سؤاله المتشكك فيهم :

– الشاهد يافندم صوّر كل اللي شافه ومعاه ما يثبت صدق اللي قولته.. الشاهد أول ما شاف حد مُقنّع وغريب بيلعب في إحدى عربيات السكان وبيدّس فيها شنطة بدأ على طول بالتصوير عشان يوثق صدق كلامه، وأنا بعد أذن سيادتك خدت نسخة من الڤيديو ده عشان أضيفه گإثبات على براءة موكلي وإنه بالفعل وقع ضحية المؤامرة الدنيئة من ناس مجهولين الهوية.

وضعت “سُلاف” أمامه ذاكرة محمولة (فلاشة) وهي تقول :

– سيادتك تقدر تتأكد بنفسك إن المشاهد دي حقيقية ولم يتم العبث فيها أو تزويرها.

منع “راغب” نفسه من أن يُظهر سعادتهِ وتفاؤلهِ، وبقى ذلك الجمود مصاحبًـا تعابير وجهه حتى ينتهي ذلك الكابوس كله؛ أما في أغواره يتآكل شغفًا وفضولًا لرؤية وجه “حمزة”، بعدما يعلم بتخطيهِ لتلك المؤامرة التي حاكها ضدهِ، مؤكد ستكون ضربة قاسمة له، لا سيما إنه نجى بفضل “سُلاف” التي أعدّت ودبرت مُسبقًا لخطة إنقاذه، بعد أن تيقنت إنه يحفر له حفرة عميقة.

***************************************

نهض كل من على طاولة الإجتماعات، من فريق المحامين الشباب بمكتبهِ، بينما بقى “شافعي” للنهاية حتى يختلي به، وما أن سنحت الفرصة له أخبره بالخبر القنبلة :

– راغب اتقبض عليه امبارح.

فكانت المفاجأة هو فتور “صلاح” أثناء الرد عليه :

– عارف.. كنت متأكد ان حمزة مش هيعدي اللي حصل بالساهل كده.

ترك “صلاح” طاولة الإجتماعات واتجه نحو مكتبه زهو يقول :

– أنا عايزك تتولى القضية بتاعت مدام سمر عشان مش هكون فاضي اليومين دول.. وأي حاجه تبلغني بيها على طول خصوصًا لو انا مش موجود.

– حاضر، بس حضرتك يعني آ….

قاطعه “صلاح” وهو يمسك بهاتفه قائلًا :

– سيبني دلوقتي محتاج أرد على التليفون ده ضروري.

وأشار له نحو الباب، حينئذٍ كان يجيب على المكالمة الخاصة جدًا، وكلهُ تشّوق لسماع أخبارٍ تسرّه :

– ها؟.. لقيته؟.

أشرق وجهه ببسمةٍ متحفزة، وسرت الدماء في عروقهِ بسرعةٍ گجريان النهر الثائر في مسارهِ :

– برافوا عليك.. أنا هكافئك مكافأة مكنتش تحلم بيها.. مفهوم مفهوم، قولي مكانك وانا جاي على طول.

سحب “صلاح” مفاتيح سيارتهِ وحقيبته ذات الجلد الأسود وغادر مكتبه، و هو يستمع للعنوان التفصيلي الذي أملاه عليه “عباس”، بعدما آتاه بالخبر اليقين عن ذلك القاتل المُستأجر، فلم يتأخر “صلاح” دقيقة واحدة، قد حان الوقت ليثأر، حان الوقت ليرد حق ابنته القتيلة، ويجتث جذور من فعل بها فعلتهِ المرعبة بلا شفقةٍ أو رحمة.

***************************************

كان اليوم متعبًا لها، بذلت فيه الكثير من المجهود الذهني والحركي أيضًا، وسرعان ما عادت للمنزل الذي احتجزهم فيه، لكي تقر عينيها برؤية الصغير من جديد. دلفت “سُلاف” وصفقت الباب من خلفها، وبخطواتٍ هرعه كانت تركض نحو الغرفة وهي تنادي بصوتٍ رقيق :

– زيـن.. مامي جت خلـ…..

فتحت باب الغرفة فلم تجده بأي مكان فيها، لا يمينًا ولا يسارًا، فـ انتفض قلبها الساكن بين أضلعها، وتراجعت للخلف بخطوات متعثرة وهي تصيح منادية :

– حــمـزة ؟.

دخلت مباشرة على غرفته، فوجدته واقفًا أمام النافذة المُطلة على الشارع الرئيسي، وطفلها ليس في تلك الغرفة أيضًا. جنّ جنونها، فهدرت بصوتها الصارخ وهي تدنو منه بإندفاعٍ ملحوظ :

– زين فين؟؟.. وديـت ابني فـين؟!.

أخرج “حمزة” ورقة مطوية من جيب بنطالهِ، وناولها إياها بصمتٍ دون أن ينبث كلمةٍ واحدة، فقط كان يشاهد شحوب وجهها ورعشة أنفاسها التي أثرت على أعصابها كافة. خطفت الورقة من يده، وفتحتها لتفحص محتواها، بينما أصابعها المرتجفة قد فضلت في السيطرة عليها تمامًا. اصطبغ وجهها بصُفرةٍ فاقعة، وجف حلقها جفافًا شديدًا وهي تعيد قراءة نتيجة التحليل لمراتٍ عديدة، ثم رفعت بصرها نحوهِ، وسألت بنبرةٍ مرتعبة :

– إيه ده؟؟.

لم تنحرف عيناه عن النظر إليها، وهو يجيبها بثباتٍ حازم :

– زين مش ابنك يا سُلاف.. بأي حق جاية تسألي عنه.

قذفت بالورقة من يدها وأطبقت بكفيها على ياقته وهي تجأر من بين أسنانها :

– زين ابني غـصب عـنك.. مفيش حد يقدر ينفي حقيقة زي دي ولا حـتى انتَ.

أمسك برسغيها يبعدهم عن عنقهِ بقوةٍ تفوقت عليها، وسألتها مباشرة دون مماطلة :

– مين هي أم ابني يا سُلاف؟؟.. زين ابن مين وإزاي قدرتي توصليله وتاخديه؟.

بين المطرقة والسندان، حُشرت في زاويةٍ لن تستطيع أبدًا الخروج منها، حتى وإن صارحته بالحقيقة، كيف تضمن لنفسها إنها ستستعيد “زين” مرة أخرى؟. سيسحقها ويحرمها حتى رؤيته للأبد، متلذذًا برؤية عذابها أمام عينيهِ، وستكون تلك هي فرصته التي ولدت من رحِم الصدفة، ولن يتركها تضيع هباءًا. لم تستطع “سُلاف” التحكم أكثر في ضعفها الذي انتابها، ما أن أحست مسّ الأمر نقطة ضعفها الوحيدة. لمعت عيناها بعدما امتلأت بالدموع، واهتاجت هياجًا يُصعب السيطرة عليه، فـ ركضت في الغرفة گالمجنونة تكسر وتفسد كل شئ، وهي تصرخ بصياحٍ هادر :

– ابنـي فــين ؟.. لو ابني مرجعش دلوقتي هجيب عليها واطيها.

قذفت المزهرية بإتجاه المرآة، حتى وقع الأثنين منكسرين على الأرض :

– أنا مش لوحدي يا حمزة.. انت عارف كويس إني أقدر اوصله لوحدي، بس ساعتها ورحمة أبويا ما هتشوفه تاني طـول حيـاتك.. فــين ابنــي.

لم يراها على تلك الحالة من قبل، تمسكها الشديد بالصغير وانهيارها بذلك الشكل لا يوحي بأن الموقف عابرًا، وحتى تعلقها به لهذه الدرجة غير طبيعي بالمرة. شاهد كل ذلك بنظراتٍ مشدوهة، حتى خرج الأمر عن كونهِ مجرد تنفيس عن غضبها، أفسدت الفراش، كسرت المزهريات وزجاج المرآة وزجاج الخزانة العريض والأباجورات. وبين انهيارها وحالتها المتعصبة تلك، وجدته يقتحم جنونها وفرط حركتها الذي قلب الوسط رأسًا على عقب، وأطبق بكل قوة على ذراعيها وهو يصيح في وجهها :

– بــس أهــــدي يا سُـــلاف.. بــس.

تشبثت بقميصهِ وهي تصرخ بإنفعالٍ غير مسبوق :

– زيــن فـــين رد عــليـا.. هاتـلي ابنــي دلـوقـتي.

تبادل كلاهما الصراخ والصياح في وجوه بعضهم البعض، حتى أتى دوره ليهدر هو الآخر :

– أمــه مــين.. قوليلي أمـه مين وأنا هرجعهولك، بس أعـرف هـي فين ومين.

بدأت أعصاب ساقيها ترتخي رخاءًا مريبًا، حتى باتت عاجزة عن الوقوف على قدميها، فـ أمسكت بذراعيه تلقائيًا دون أن تشعر، ومن بين دموعها التي هطلت بغزارة قالت بصوتٍ واهن :

أمسك بها جيدًا حتى لا تنهار على الأرض، بينما اختنق صدره بعدما وصلت لتلك الحالة، وأحس بنخزاتٍ توجع قلبه، حتى ضميرهِ بات يؤنبه بحرارةٍ مؤثرة طغت على قرارهِ القطعي بإبعاد الطفل عنها، ليقول في هدوءٍ متضايق :

– هجيبهولك، والله العظيم هجيبه ليكي بس قوليلي فين الحقيقة.

أجلسها على الفراش وجلس أمام ركبتيها، فأحرقتهُ دموعها المنسابة على وجنتيها. مدّ أبهامهِ يمسح على وجهها بلطفٍ غير معهود منه، وأعاد سؤاله من جديد :

– هي مين؟ قولي وريحيني.

أسبلت “سُلاف” جفونها بإستسلام، بعدما سرى الخِدر في بدنها كله وهي تقول :

– أماني.

تغضن جبين “حمزة” مدهوشًا، وقد استغرق عقلهِ لحظات عديدة حتى تذكر هوية الفتاة المقصودة :

– أماني مين.!؟.. أماني عبد العظيم!

أطبقت “سُلاف” جفونها بقوةٍ وهي تنطق آخر كلمة في اعترافها :

– سكرتيرة أبوك…

************************************

google-playkhamsatmostaqltradent