Ads by Google X

رواية نبع الغرام الفصل الثاني 2 - بقلم رحمة سيد

الصفحة الرئيسية

  رواية نبع الغرام كاملة بقلم رحمة سيد عبر مدونة دليل الرويات 

 رواية نبع الغرام الفصل الثاني 2

كانت “غرام” جالسة في منزلها الصغير، تحديدًا على الأريكة محتضنة جسدها الذي يرتجف بذراعيها تحاول بث نفسها السكينة التي فرت منها كالسراب، و لا زال الهلع يطفو فوق قسماتها، نعم هي لم تفعل شيء ولكنها للمرة الأولى تتعرض لشيء بشع كهذا، دقائق معدودة هي مَن فصلت بين حديثها مع “هويدا” وبين حتفها !

لأول مرة تشاهد ما كانت تراه في الأفلام فقط، فالمصائب حين تتشابك خيوطها بأرض الواقع تصبح درب من الجحيم يجعل الأبدان تنصهر رعبًا.

والآن عليها أن تواجه كارثة أنها مُشتبه في القضية، وربما تأتي الشرطة لتأخذها للتحقيق معها ؟!


انتفضت كمَن لدغها عقرب حين سمعت طرقات عنيفة على الباب، بهذه السرعة تجسدت أفكارها في الواقع؟!

تحركت بأقدامٍ مرتعشة كالهلام، وفتحت الباب لتجد أن الطارق “كامل” والذي إندفع نحوها بمجرد أن فتحت له ليهدر في وجهها:

-عملتي فيها إيه! عملتي فيها إيه يا مجرمة؟!

أجفلت ملامحها من هجومه غير المتوقع على الإطلاق، وتراجعت عدة خطوات للخلف، فتابع هو مستغلًا صدمتها التي أفسحت الطريق لأداؤه الزائف ليؤديه على أكمل وجه:

-حرام عليكي دا أنتي كنتي بتاكلي عيش من وراها.

ثم صرخ فيها باستنكار وغضب رسمهما بإتقان:

-جتلتيها ليه؟!

حين ترجم عقلها أخيرًا الهجوم وحرر رد فعلها المُقيد بالصدمة لتهز رأسها نافية عدة مرات بهلع وهي تردد:

-لأ ماجتلتهاش، والله ما جتلتها.

زمجر في وجهها متشبثًا بقناع الغضب وببجاحة لا تُصدق:

-كدابة، أنتي أخر واحدة كنتي معاها، أنتي اللي جتلتيها.

جملته أنعشت ذاكرتها التي تعطلت قليلًا كما كل شيء فيها، فقالت بنبرة واهية وادراك متأخر:

-أنت! أنت اللي كنت معاها لما كنتوا بتتخانجوا.

ثم تراجعت أكثر وكأن الادراك زادها خوفًا منه، وتابعت بذهول:

-أيوه أنت اللي جتلتها، بعد خناجتكم دخلت لجيتها ميتة، أنا هجول للبوليس إنك أنت.

إلتوت شفتاه بابتسامة سوداء ساخرة كانت من أبشع ما رأت عيناها، وأضاف بإصرار وكأنه يحاول زج كلماته زجًا في عقلها لتُصدقها عنوة:

-ومين هيصدجك يا بت أنتي؟ أنتي مين أصلًا عشان حد يصدجك؟ أنا مفيش أي دليل عليا، وعندي بدل الشاهد عشرة يجولوا إني كنت معاهم على الجهوة، لكن أنتي كنتي أخر واحدة معاها، ومش هتجدري تفلتي منها.

الصخب شمل خلاياها كلها، وتعالى هدير قلبها المرتعد، أ حقًا ما يقول؟ لن يجدوا متهم غيرها لتُعاقب على جريمة لم ترتكبها ؟!

هزت رأسها نافية والدموع تتجمع في عينيها شاعرة بمرارة الظلم في حلقها:

-حرام عليك إيه عملتلك عشان تدمر مستجبلي وأنت اللي جاتلها أصلاً ؟! حرام عليك خاف ربنا يا شيخ.

عنفها بشراسة وقسوة وهو يندفع خطوة نحوها وكأنه سيضربها:

-اخرسي يا بت ال**** أنتي هتكدبي الكدبة وتصدجيها؟ بت جليلة الرباية، بس السجن هيربيكي كويس.

ثم خرج من المنزل بعدما نفذ ما أراد بنفس دنيئة راضية، فقد شتت أفكارها وستفكر مرتين قبل أن تجرؤ على إتهامه بأي شيء أمام الشرطة، وذكرى ما فعل تحوم عقله في تلك اللحظات…

بمجرد أن حدث ما حدث كان اتجاهه الأول “مأمور القسم”، الذي ما أن سمع ما قصه عليه “كامل” حتى انتفض واقفًا يقول بصدمة:

-جريمة جتل ! أنت چاي عايزني أساعدك واتستر على جريمة جتل ؟

تنفس كامل بصوتٍ مسموع قبل أن يردف بصوت شبه آمر:

-اجعد مكانك يا رضوان، أيوه هتساعدني زي ما أنا ساعدتك زمان واتسترت على جريمتك.

لم ينبت “رضوان” ببنت شفة واشتدت شفتيه بكمدٍ مكتوم حين ذكر كامل تستره السابق على جريمة سرقة آثار سابقة له يندم عليها الآن أشد الندم فهي يده أسفل فك “كامل” الذي لن يتوانَ عن الفتك به إن فعل أي شيء ضده!

ثم انتبه لكامل حين تابع بكلماتٍ تحمل تهديد مبطن:

-كان ممكن وجتها أروح أبلغ البوليس واديهم الڤيديوهات اللي عندي ليك، وتتفصل من شغلك وتتحبس كمان، لكن أنا جولت لا وعملت بأصلي، ودلوجتي چه دورك تردلي معروفي.

هز الآخر كتفيه بقلة حيلة:

-وأنا هاعمل إيه يعني؟

قال كامل آمرًا بنبرة سليطة:

-تشيلي من البيت أي بصمات او أثر ليا، مش عايز أي حاچة تثبت إني كنت موچود.

وبالفعل كان له ما أراد، فهذا العمل لم يكن بالمجهول او الصعب على المأمور.

****

على الطرف الآخر كانت “غرام” تعاني الأمرين، لا تدري ماذا ستفعل، كيف ستنجو من هذا الأمر، ولمَن تذهب ؟!

هل تذهب لظافر العبادي؟ هو من كبار البلدة وأهمهم، وحتمًا يستطيع مساعدتها، ولكن كيف ستجعله يصدقها ؟

نهضت وهي تمسح دموعها عازمة على الذهاب له، فليس أمامها خيار آخر، ستقنعه بكل الطرق ببراءتها، بل وستتوسل له إن اُضطرت!

وبالفعل غادرت منزلها بسرعة في طريقها لمنزل “ظافر العبادي”، واثناء سيرها وقعت عيناها على المتجر الخاص بـ “أيوب العماري” فتلكأت أقدامها وأفكارها تتبلور في سؤال واحد، هل تذهب لأيوب بدلًا من ظافر ؟

فالجميع يعلم علاقته المُدمرة بوالده وكما يبدو أنه أول مَن ذاق مرارة ظلمه، فربما يكون تصديقه لها أسهل من تصديق ظافر لها، فهو قد كان مكانها يومًا ما !

تحركت فعليًا نحو المتجر ودخلت لتجد أيوب يجلس على مكتبه بمفرده، ويبدو أنه يُنهي بعض أعماله، رفع عيناه عن الورق أمامه ليُدقق النظر لها للحظاتٍ معدودة قبل أن يُنزل بصره من جديد وهو يهتف بلا مبالاة:

-خلاص جفلنا.

ابتلعت ريقها قبل أن تخبره بصوتٍ مبحوح:

-أنا مش عايزة أشتري.

رفع عيناه لها من جديد وهو يسألها بتلقائية كانت غليظة على قلبها المسكين:

-إيه عايزة؟ عايزة فلوس؟

شعرت وكأنه صفعها للتو، وكأنه بسبب والده صار اقتراب أحدهم منه يُترجمه عقله المرجوم بغدر والده الدنيء “كرغبة في الأموال ” فقط!


اشتدت يدا غرام على ردائها الأسود بقوة، قبل أن تستجمع جرأتها وتقطع المسافة بينهما قائلة بنبرة مهترئة متوسلة في باطنها، على وشك الانهيار:

-أنا محتاجة مساعدتك، أبوك هيوجعني في مصيبة.

من جديد كانت تلقائيته القاسية كالسكين البارد الذي ذبح وريدها ببطء:

-إيه اتچوزك عرفي؟

هزت رأسها نافية بسرعة مصعوقة من انحدار أفكاره:

-لا طبعًا.

فهز رأسه وهو ينظر لها بتركيز كعلامة على إنصاته، أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تبدأ بقص كل ما حدث على مسامعه.

كان صامتًا في الدقائق الأولى بعد استماعه لها وكأنه يقيس كل ما سمعه منها بمقياسه الخاص الذي تدلت كفته نحو التصديق دون دليل ملموس من “غرام”.

ربما لأن ماضيه كله مع والده دليل حي على جحود وقسوة هذا الرجل الذي يُدعى والده بينما هو لا يعرف عن الابوة شيء، فلم يُصدم كثيرًا بما أخبرته به، خاصةً أنه يعرف “غرام” بحكم أنهم في قرية صغيرة يعرف الجميع فيها بعضهم، وهذه الفتاة لا تشوب سُمعتها شائبة.

رفع عيناه السوداء العميقة نحوها، وتلكأت نظراته عليها من أعلاها لأسفلها بطريقة أربكتها وجعلت قلبها يختض بين ضلوعها، لمعت عيناه متفحصة جمالها الناعم المغوي، وتوهج الإعجاب فيهما، لا يُنكر أنها تُعجبه كرجل منذ رآها سابقًا، ولكنه لم يُعطِ هذا الإعجاب أهمية..

فأخر شيء قد يهتم به أيوب العماري هي مشاعر حمقاء لا تجدي نفعًا لصاحبها في دنيا كثر بها الإهتمام بالمنافع فضلًا عن أي شيء آخر، هذا درسه الذي تعلمه بأشد الطرق قساوة على يد والده.

نهض من كرسيه وتحرك نحوها ببطء جعل التوتر يزداد فتكًا بها وتتراجع للخلف بتلقائية، حتى صار أيوب أمامها مباشرةً يفصلهما سنتيمرات قليلة، ثم همس اسمها بنبرته الخشنة وعيناه تغوص في بُندقيتيها الشهيتين:

-غرام، أسمك غرام مش كدا ؟

اومأت برأسها دون كلام كمَن فقدت النطق، ليتابع هو بصوته الرجولي الواثق:

-اتچوزيني يا غرام ومحدش هيجدر يمس شعرة منك.

تراجعت مذهولة لا تستوعب ما قاله، مُرددة كالبلهاء باستنكار:

-أتچوزك !!

استنكارها لم يعجبه، هو من الأساس يراها ليست مناسبة له، ولكن أي شيء يؤذي كامل سيفعله، وإن كان زواجه منها وحمايته لها ستضع كامل في ورطة فسيفعل..

لوى شفتيه باستهزاءٍ قاسٍ:

-امال چايالي أساعدك ازاي؟ أجول للناس دي صاحبتي؟! لا معلش مليش في الحرام.

أغمضت غرام عينيها بقوة وكلماته تطعنها في الصميم، لِمَ عليه أن يكون بهذه القسوة ؟

-دي الطريجة الوحيدة، لو مش موافجة روحي شوفي هتتصرفي ازاي لحالك.

فتحت عينيها على جملته الجافة اللا مُبالية، فبللت شفتيها الجافتين لتتعلق عيناه بحركتها بتلقائية نبعت من غريزته الذكورية، ثم سألته بصوت مبحوح يكاد يُسمع:

-طب لو وافجت أنت ازاي هتطلعني منها ؟

لم يتردد وهو يستطرد بسيطرة مُحكمة وثقة:

-دي حاچة بتاعتي أنا، لكن كفاية إنك تكوني شايلة اسم أيوب العماري عشان أي حد يفكر ألف مرة قبل ما يئذيكي، وأولهم كامل.

أخذت نفسًا بصعوبة ثم غمغمت بحروف تائهة كحالها:

-طيب، آآ… اديني فرصة أفكر.

هز رأسه مؤكدًا بلا مبالاة، ثم حذرها بصرامة:

-كمان ساعتين لو ردك ماكنش عندي هعتبر إني ماشوفتكيش، ولو وافجتي تچهزي حالك عشان هنكتب الكتاب على طول، ماتنسيش إن زمانه رايح يبلغ البوليس.

اومأت برأسها قبل أن تسحب نفسها مغادرة المتجر كالشريدة، تحت أنظاره الساكنة الجوفاء من شتى المشاعر سوى القسوة واللا مبالاة.

****

في بيت “سالم العبادي”..

نظرت “ليلى” كالقط المذعور لظافر الذي بدا كمَن قبض على مُجرم قبل أن يفر هاربًا من قضبان العدالة !

ابتلعت ريقها بصعوبة ثم هتفت بنغمة متحشرجة:

-أنا ماكنتش بهرب من حاچة، ميعاد شغلي خلص فكنت ماشية عادي.

رفع كلا حاجبيه متهكمًا:

-لا والله؟ حد جالك إني ساذج هصدج الحجة الساذجة دي ؟!

رغم القلق الذي افترش بين ضلوعها، إلا أنها أبت التسليم له فحاولت استجماع شجاعتها المتناثرة لتخبره بقشرة ركيكة من الجدية والتماسك:

-تصدج او ماتصدجش أنت ملكش حكم عليا عشان تحبسني هنا، أنا كنت بساعد چدك عشان دا شغلي وطول الشهرين ماشافش مني حاچة، لكن مش هجدر أكمل في مكان أنا حاسه فيه بخطر عليا.

هذه المرة قهقه بصوتٍ عالٍ وكأنها قالت مزحة، ثم شملها بنظرةٍ مزدردة وهو يتشدق:

-أنا خطر ؟ دا أنتي اللي خطر علينا كلنا.

أردفت بكرامة مجروحة:

-لو سمحت أنا مش هقبل بإهانات، ومصيرك تعرف إنك ظالمني.

توسعت عيناه بعدم تصديق، وضرب كفًا على كفٍ متفوهًا باستنكار جلي:

-أنتي چايبة البجاحة دي منين دا أنا شوفتك بعنيا؟!

سألته باندفاع علها تستطع سبر أغواره المُظلمة المُخيفة:

-أنت إيه عايز مني؟

اقترب منها خطوة، عيناه القويتين المُظلمتين في وصالٍ مع عينيها المهتزتين في قلق، ثم صدح صوته الأجش مضيفًا بصلابة رجولية:

-ظافر العبادي مابيعوزش حاچة من حد، ويوم ما أعوز هعوز منك أنتي ؟ من نصابة؟

كادت تغادر ولكنه أوقفها حين وقف أمامها حاجبًا عنها الطريق بجسده الصلب العريض، فقال من بين أسنانه:

-أنتي عايزاني أسيبك تمشي عادي كدا وأنا ماعرفش أنتي كنتي بتعملي إيه هنا وبتخططي لإيه؟ يمكن خليتي چدي يبصم على حاچة من غير ما يحس.

سألته متنهدة بقلة حيلة وعجز:

-هاثبتلك ازاي إني ما عملتش كدا ؟

-تمضي على وصل أمانة، عشان لو اكتشفت إنك عملتي حاچة، ساعتها أحاسبك كويس، ولو ماعملتيش مش هتخافي من حاچة وهتمضي.

أخبرها ببرود حاشرًا إياها في الزاوية، وعجزت حينها عن الرد عليه وشعرت أنها في مصيدة يصعب الفكاك منها، فمن جهة تريد اثبات براءتها له، ومن جهة ما يريده هو ضرب من الجنون، فكما هو لا يثق بها هي لا تثق أنه لن يؤذيها حتى ولو عقابًا على الماضي !

ولكن في لحظة نجدة الهية كان مفتاح تلك المصيدة يتمثل في ظهور “سالم” أسفل ظافر، فلم تفكر مرتين لتركض مسرعة نحوه ليلحق بها ظافر، وما أن وقفت أمامه حتى سألها سالم باندهاش:

-مالك يا ليلى ؟

هزت رأسها نافية ببساطة فشلت في اصطناعها:

-مفيش، كنت عايزة أجول لحضرتك حاچة.

استفسر بهدوء:

-حاچة إيه؟

لمحت نظرات ظافر الغاضبة المُحذرة ولكن المخاطرة الان كانت الحل الوحيد أمامها، لذا قالت حاسمة الأمر:

-يرضيك يا چدي استاذ ظافر عايز يمضيني على وصل أمانة عشان مش واثق فيا.

تعالت رايات الذهول والمفاجأة في عيني “سالم” الذي نظر نحو ظافر الذي كان كالقنبلة الموقوتة، ليسأله في استهجان:

-أنت عملت كدا فعلًا يا ظافر ؟ من امتى وأحنا بنعامل ضيوفنا بالطريجة دي؟

إلتزم ظافر الرد، وللمرة الاولى ظافر العبادي يُوضع في موضع قليل الحيلة العاجز عن الرد، وبسبب تلك الحرباء !

كز على أسنانه بغلٍ اشتعل في عينيه الناريتين اللتين كادتا تحرقانها حرقًا، وضم قبضة يده بعنفٍ وصول ليلى التي شحب وجهها وشعرت أنها ستفقد الوعي من فرط الضغط النفسي الذي يُمارس عليها هذه اللحظات!

فيما واصل سالم بنبرة مهذبة:

-حجك عليا يا بتي، ظافر بس من خوفه عليا بيحاول يطمن.

هزت ليلى رأسها بشبح ابتسامة متوترة بينما نظرات ظافر النارية مترامية عليها كالجمر تكاد تُذيبها:

-ولا يهمك يا چدي، ممكن أمشي عشان اتأخرت؟

اومأ سالم مؤكدًا:

-اه طبعًا ربنا معاكي، هستناكي بكره بإذن الله.

هزت رأسها مؤكدة وهي تفر مغادرة، لا تصدق أن حظها أسعفها ولو مرة ونجحت بالفرار من بين براثنه، وهو يعلم جيدًا أنها لن تأتي مرة اخرى، ولكنه حتمًا لن يدعها تظفر!

****

ما أن وصلت ليلى منزلها، ورأت والدتها التي تفاجأت من توترها البادي على حركاتها المتعثرة وهي تتجه صوب غرفتها مباشرةً وتبدأ في اعداد حقيبتها، حتى هتفت مسرعة:

-يلا يا أمي أحنا لازم نمشي.

عقدت الاخرى ما بين حاجبيها دون استيعاب:

-نمشي نروح فين يا ليلى ؟ في إيه مالك؟

ارتمت بجسدها على الفراش وهي تخبرها بلهجة متشققة على وشك الإنهيار:

-لو مامشيناش هو غالبًا مش هيسيبني في حالي غير لما أروح في ستين داهية.

ساورها القلق فسألتها متمنية أن تخيب ظنها:

-هو مين ؟ ما تفهميني يا ليلى حصل إيه؟

زفرت ليلى بصوتٍ مسموع، ثم قالت بنبرة تبلور فيها اليأس والشجن:

-حظي الاسود وجعني مع ظافر العبادي اللي چوزك السبب إنه يفكرني نصابة، ومفكرني اشتغلت في بيتهم ممرضة لچده عشان أنصب عليهم، وحاسس إني استهيفته لما سابني في المرة الاولى.

فركت رأسها المشحونة بأفكارٍ متنافر متباينة، فعلى ما يبدو ليلى تمتلك الرأي الأصوب وهو المغادرة، ولكن كيف ستدبران أمورهما وإلى أين ستذهبان؟

ترجمت أفكارها المشوشة بقولها المتردد:

-طب ماشي هنمشي، بس هنروح فين وهنعمل إيه؟

-هنرچع مكان ما كنا عايشين، زمان الناس هناك نسيت المصيبة اللي عملهالي اللي ما يتسمى چوزك.

سردت لها ليلى ما تفكر به، ولم ترحمها نظراتها المعاتبة على زواجها من ذلك الرجل الحقير اللص الذي تعتبره الخطأ الأكبر في حياتها كلها.

فلم تملك سوى أن تهز رأسها موافقة على مضض بعد أن أشاحت وجهها عن نظرات ابنتها اللائمة التي لم تعد تحتملها حقًا، ثم نهضت لتعد حقيبتها هي الاخرى استعدادًا للمغادرة.

****

جلس ظافر في غرفته، يهز قدميه بعصبية مكتومة ولا زال ما حدث يدور ويدور بعقله كتعويذة تستحضر شياطين الغضب داخله.

يكره أن يستهين به أحدهم، وهي لم تستهن به فقط بل تحدته متعمدة وضعه في مأزق أمام جده فقط بسبب خوفها من كشف مكرها وما تخبئه!

ضغط قليلًا على السيجارة بين أصابعه، ثم أبعدها عن شفتيه لينفخ بقوة، قبل أن يخرج هاتفه من جيب جلبابه، واتصل بأحدهم منتظرًا الرد..

فأتاه الرد بالفعل بعد ثوانٍ:

-اهلًا اهلًا ازيك يا ظافر، عاش من سمع صوتك يا راچل.

رد بصوته الرخيم:

-الحمدلله بخير، حجك عليا أنت عارف الضغط اللي كان عليا الفترة اللي فاتت.

-ولا يهمك يا ظافر.

قال وعيناه الفارغتان مُسلطتان على الفراغ أمامه:

-كنت عايز منك خدمة، في واحدة عايز أعرف عنها كل حاجة عشان شكلها محتاجة قرصة ودن.

google-playkhamsatmostaqltradent