Ads by Google X

رواية اغصان الزيتون الفصل الرابع 4 - بقلم ياسمين عادل

الصفحة الرئيسية

  رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية اغصان الزيتون الفصل الرابع 4

“انتظرتك طويلًا، أما حان وقت اللقاء؟!.”


______________________________________

لم يكفّ هاتفهِ عن إثارة الضجيج من حولهِ، لكنه كان غارقًا في النوم العميق بدون أن يشعر بأدنى شئ من حوله، استغرق استعادتهِ لإدراكهِ كثير من الوقت وكثير من المكالمات الفائتة، حتى فتح عينيهِ الثقيلتين وبدأ يسمع رنين هاتفهِ. زفر زفيرًا منزعجًا وهو يتحرك أسفل الغطاء، ثم اعتدل من نومته وهو يتناول الهاتف. نظر جوارهِ فلم يجد تلك الفتاة التي شاركتهُ مضجعهِ أمس، أي زوجتهِ الغير شرعية كمان يدّعي، فـ أجاب على هاتفهِ بأريحية، وما زالت آثار النعاس تغطي على نبرته الغير واضحة :

– ألـو…

فـ آتاه صوت “راغب” :

– في إيــه ياجدع انت!! هو انا بصحي قتيل ولا إيه؟؟.. كل ده نوم ياعريس!؟.

تنفس “حمزة” وهو يسند ظهرهِ للخلف :

– مش عارف راحت عليا نومه إزاي !.

– هو انت في الشقة إياها ولا إيه؟.

– آه.

ضحك “راغب” بأعلى صوته، وهتف ممازحًا إياه :

– يابني فرحك بكرة!!.. مش كفاية عك بقى ، بنت شاكر لو عرفت بلاويك دي مش هتعديها.

قطب “حمزة” جبينه مستنكرًا، وبكل تبجحٍ كان يهتف بـ :

– وهي مالها؟؟ هي حاجه وهما حاجه.. كفاية إنها هتكون مراتي الرسمية.. وبعدين إمرأة واحدة لا تكفي ياراغب ياخويا.. وأنا راجل ذوّاق، أحب آكل من كل الأصناف.

نزع الغطاء عنه، وأنزل ساقيه على الأرض لينهض :

– المهم، هاخد شاور وأكلمك عشان أشوفك.. سلام.

وانتقل نحو المشجب كي يسحب منشفته، متوجهًا صوب دورة المياة، وما زالت تلك الأغنية الأجنبية الشهيرة تتردد على لسانه، يُدندنها مستمتعًا.

**************************************

تأكدت من أن حرارة الحليب الدافئ تناسب رضيعها، ثم أغلقت الرضاعة البلاستيكية وخرجت من المطبخ، كي تلحق به وتُطعمه، كانت أسعد لحظاتها، تلك التي تقضيها مع الصغير “زين”، كأنها عادت طفلة، لتعيش معه كل ما حُرمت منه، فـ فاقد الشئ هو أفضل من يُعطيه، لأنه أفضل من يعلم كيف كان شعور الحرمان منه. كان “زين” يمتص الحليب وعيناه عالقة بها، هو يستطيع تمييزها بين آلاف الناس، هي فقط من يجد ذلك الدفء بين ذراعيها. لمست نعومة بشرتهِ البيضاء ، ثم مسحت على شعرهِ الأسود وهي تهمس بـ :

– نظرتك ليا دي بالدنيا كلها، أنت الوحيد اللي بنسى معاه أنا مين!.

استمعت لـ صوت عمها ينادي، فـ نهضت عن جلستها وخرجت تبحث عن الخادمة :

– أم علي!.

جاءتها السيدة الأربعينية مسرعة :

– أيوة يابنتي، أنا هنا أهو.

ناولتها الرضيع وهي تؤكد عليها :

– خلي بالك من زين وأنا داخله لعمي.

– من عنيا.

وأخذتهُ في أحضانها. ذهبت “سُلاف” بإتجاه غرفة عمها، دخلت وأغلقت الباب عليهم، لترى تلك التعابير – المفهومة بالنسبة إليها – مُتشكلة على وجهه، فـ جلست قبالته لتقول :

– صباح الخير ياعمي، أفتكرتك لسه نايم.

كان صوتهِ حازمًا يلمع فيه الحزن وهو يقول :

– نوم إيه ياسُلاف!!.. ده هفضل صاحي من هنا لحد ما نوصل للي عايزينه، مش مصدق نفسي.. خلاص اللحظة حانت!.

أومأت “سُلاف” برأسها، وعيناها تشعّ بالغضب المكتوم، الذي بقى سجين صدرها لسنواتٍ مديدة، ثم هتفت بإصرارٍ مستميت :

– خلاص ياعمي، كل اللي صبرت عليه هتحصده، حق عيلة زيـِّان كلها هيرجع.. بس اصبر عليا.

تحمست حواسهِ، وبقى گالقدر المغلي الذي لا يُطيق النيران لأكثر من ذلك :

– هتعملي إيه!!.. طمنيني.

– كل حاجه جاهزة.. النهاردة هقدم على أجازة قصيرة من مكتب عناني، عشان هحتاج كل طاقتي ومجهودي الفترة الجاية، اللي داخلين عليه مش سهل أبدًا.

نهضت من مكانها، انحنت لتكون – قرفصاء – أمام عمها، ثم أردفت بصوتٍ راجي :

– بس لازم تحميني، دخول عش الدبابير مش بالساهل ياعمي.

وضع يدهِ على كتفها، شدد عليه، وبرز الصدق في صوتهِ وهو يقول :

– أنا في ضهرك ياسُلاف، ومحدش هيمس شعرة منك طول ماانا على وش الدنيـا.

*************************************

كان نهارًا مشمسًا لطيفًا للغاية، إلى أن وردتهُ تلك الأخبار التي عكرت صفو يومهِ، وأفسدت سعادتهِ بـ اقتراب زفافهِ، حتى إنه خرج عن طورهِ. قذف “حمزة” الملف الورقي، فـ تطايرت كافة الأوراق وتناثرت من حولهِ، وهو يصيح مزمجرًا بعصبية مفرطة :

– هو إيــه، الراجل ده بروح أمه هيفضل عامل زي خيال المآتـه كده!! مفيش قضية غير لما ألاقيه لازق في قفايا!!.

حاول “نضال” محاولة بائسة أن يمتص ذلك الإنفعال عنه، لكن مجهوداتهِ ذهبت سدى :

– خلينا نتكلم بهدوء ياحمزة، إحنا يعتبر منافسين أقويا جدًا قدام أي حد.. وإصراره على مواجهتنا ده دليل إننا أقوى منه.

لم يكن كلامه بلسم لإنفعاله، كأنما زاد الحريق سعيرًا ولم ينطفئ بتاتًا :

– ياعم ما ينافس حد غيري!! ولا انا مكتوب على ضهري أفضل شايل همه هو كمان بدل ما أركز في شغلي!!.

ثم صاح مناديـًا :

– رضـــوى.

هرعت “رضوى” من الخارج تلبية لنداءهِ :

– أيوة يامستر حمزة.

– عايز عنوان مكتب الزفت عناني.

– حالًا.

اضطرب “نضال” على الفور، وتجلى التوتر عليه وهو يسأله :

– أنت هتعمل إيه بالظبط!.

جمع “حمزة” أشياءه عن سطح المكتب، وهتف بـ :

– هروح أشوف آخره إيه.. قبل ما آخد خطوة ضده هتزعله أوي أوي مني.

اندفع “حمزة” خارجًا من مكتبهِ، بينما كان “نضال” قد وصل لذروة قلقهِ واضطرابهِ، أخرج هاتفه سريعًا وبدأ يقوم بإتصال تليفوني، علهُ يُنقذ من الموقف ما يمكن إنقاذهِ :

– ألو، أيوة ياصلاح باشا، في حاجه كده حصلت.

************************************

تناولت “أسما” حقيبتها، مستعدة بذلك للذهاب إلى مركز التجميل المتخصص الذي تزورهُ أسبوعيًا، لكن استوقفها ذلك الحديث الدائر، بين زوجها وبين “نضال”. انتظرت حتى أنهى “صلاح” المكالمة، ثم سألته بفضول :

– في إيه ياصلاح؟.

وقف “صلاح” أمام المرآة ليرتدي رابطة العنق وهو يفسر لها :

– إبنك مصمم يدخلني في مشكلة مع عناني الحكيم، وأنا بصراحة مش فايق خالص!.. يعني هو ده وقته!.

تلوت شفتي “أسما” بعدم اكتراث، وبثقة بالغة كانت تردف بـ :

– إبني يقدر يتخطى أي حاجه، متقلقش عليه.. سيبه يتصرف.

التفت يرمقها بإستهجان، وهو يرى ذلك الفتور الذي يخنقهُ منها :

– لأ هقلق، حمزة ساعات دماغه بتفلت منه ياأسما، ومحدش كان عامل لتصرفاته فرامل غيري.. لكن من ساعة ما سابني وفتح مكتب لوحده وأنا قلقان على طول من تهوره.. مش كل مرة هتسلم الجرّة.

ابتسمت “أسما” بشئ من الإستخفاف، وذكرتهُ بشئ من الماضي :

– من شبه أباه فما ظلم ياصلاح، ولا نسيت أنت كنت إيه!.

تغضن جبينه بتبرمٍ :

– في إيه مالك النهاردة!!.. كلامك كله سمّ ليه؟.

نفخت “أسما” في الهواء، وأصرفت عيناها عنه وهي تبرر :

– مفيش، مضايقة شوية، إبني بكرة هيتجوز ويعيش بعيد عني وأنا مش متعودة على كده.

فـ اعترض على تفكيرها قائلًا :

– أهو ابتدينا شغل الحموات من بدري!

تحركت “أسما” كي تغادر المكان كله :

– أنا خارجه.

تركت الباب مفتوحًا، فـ عاد “صلاح” ينظر للمرآة وهو يغمغم بخفوتٍ :

– مع ستين… سـلامة.

*************************************

جلست على مكتبها وقد غمر العبوس وجهها، ونظرت حولها منزعجة وهي تردد :

– بس انا كنت عايزاه في حاجه مهمة جدًا!.

تناولت “حنان” – زميلتها في المكتب – قلم حبري، وبدأت تكتب وهي تقول :

– كنتي اتصلتي بيا قبل ما تيجي وكنت هقولك إن مستر عناني نزل بنفسه يقضي مشوار وممكن ميرجعش المكتب.

طرقت “سُلاف” على سطح المكتب بأظافرها، وفكرت مليًا في وسيلة للتواصل معه، عوضًا عن مقابلته الليلة :

– خلاص ممكن أشوفه برا.. مفيش حل تاني.

تعجبت “حنان” من إصرار “سُلاف” على لقاء السيد “عناني” الآن وبهذا التعنت، وسألتها بفضول عن تلك الحالة المُريبة التي بدت عليها :

 – مالك ياسُلاف، أنتي بخير؟.

نهضت “سُلاف” عن مكانها وهي تجيب بإختصار مقصود :

– ولا حاجه، هبقى اكلمك بعدين.. باي.

وخرجت من المكتب إلى ساحة الإستقبال بالمكتب، فـ سمعت صوتًا مألوفًا على مسامعها، خفق قلبها، تفشّى التوتر في معالم وجهها وحواسها، فـ أشرأبت برأسها تنظر بإتجاه الصوت، ليصدق حدسها، إنه هو، “حمزة صلاح القُرشي” يقف بنفسه بالخارج، ويتحدث إلى عامل البوفيه الخاص بمكتب “عناني الحكيم”. انتفض قلبها بذعرٍ، وتملكت الرهبة حواسها أجمع، الآن ليس وقت اللقاء، لم تحن اللحظة الحاسمة لتواجهه بعد، لقاءهم الآن سَيُفسد كل ما خططت له ، بل إن كل مجهودها المُضني سيكون قد ذهب مع الريح. تراجعت خطوات للخلف، والتفتت لتسير بتؤدة، متعمدة ألا يُحدث حذائها ذا الكعب العالي صوتًا مثيرًا للإنتباه؛ لكن صوته القريب منها للغاية جمدها في مكانها، تصلبت گقطعة من الثلج، وهي تسمع صوته بحديثٍ مُصوّب إليها :

– لو سمحتي ياأسـتاذة…….

google-playkhamsatmostaqltradent