رواية اغصان الزيتون الفصل السابع و العشرون 27 - بقلم ياسمين عادل

الصفحة الرئيسية

  رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية اغصان الزيتون الفصل السابع و العشرون 27

“وإن أحرقتني؛ ستصيرُ أنت رمادًا.”

____________________________________

سيكون يوم حافل للغاية، يوم مثالي، وسيتحقق له أكبر إنتصار له. بعد كل ما عايشهُ بسببها باتت هزيمتها أمرّ محتوم عليه، وإن كلّفهُ ذلك المُخاطرة. لم يفوتهُ الإستيقاظ منذُ البكور، ليضمن تحقيق كل شئ كما خطط له تمامًا، بدون السماح لأي خطأ مهما كان صغيرًا. خرج من غرفتهِ بعد ارتداء ملابسه، وببطءٍ متعمد كان يمرّ من أمام غرفتها، كان الباب مفتوح فـ استطاع رؤيتها وهي تحمله بين يديها وتتحرك به يمينًا ويسارًا تداعبهُ وتعطيهِ حصّة من وقتها واهتمامها بعد إهمالها له الفترة الماضية. راقب تعلقّها الشديد به، وكيف إنها متعلقة به لهذا الحدّ، فـ أيقن إنه يتبّع المسار الوحيد. عاد بخطواتهِ للخلف، والتفت كي يعود إدراجهِ، فـ لمح والدتهِ تنظر له بترقبٍ، فـ أشار لها كي تتبعه :

– تعالي ياماما.

دخل بها غرفتهِ، وأغلق الباب عليهما وهو يقول :

– محتاج منك حاجه.

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه ومازالت محافظة على موقفها الغاضب منه، فـ شحذها متوسلًا :

– مش وقته خالص الله يخليكي.. أسمعيني كويس.

– جانب آخر –

وقفت سيارة “راغب” ينتظر فتح البوابة، حينما كانت عينا “عِبيد” تتفقدهُ وتتطلع للسيارة بنظراتٍ دارسة، فـ تجهم وجه “راغب” وأصاب الحنق تعابيرهِ وهو يهتف بـ :

– أنت هتاخد مقاسات العربية ولا إيه؟!.. ما تفتشني بالمرة!.

أشار “عِبيد” لزميلهِ الواقف لدى البوابة، فـ انفتح الباب أمامه دون أن يُجادله، ومن خلفهِ سيارة أخرى بها رجلان، استوقفها “عِبيد” وسأل :

– جايبن ليه ولمين؟.

فـ آتاه صوت جهوري مجيب من خلفهِ :

– أنت مين عشان تسأل سؤال زي ده؟.

كان الصوت معروفًا بالنسبة إليه، فـ استدارت رأسه ينظر إليه ليجد “صلاح” قد اقترب منه بشدّة، ويرميهِ بنظراتٍ حازمة وهو يتابع حديثه :

– أنت هنا في بيتي، ملكش تحاسب الداخل والخارج بالشكل ده.

أشار “صلاح” لـ “سائق” سيارة “حسنين” كي يعبر و :

– أدخل يابني.

ثم التفت ينظر لـ “راغب” الواقف جانبًا و :

– أطلع لحمزة ياراغب، هو مستنيك.

أومأ “راغب” رأسهِ ودخل بعدما نظر لسيارتهِ المصفوفة، بينما كان “حسنين” يترجل عن السيارة ويتناول ذلك الصندوق الخشبي الكبير من خلفية السيارة، عاونه السائق في حمل بعض الأغراض للداخل، وكلاهما ولج للمنزل وسط أعين “عِبيد” المراقبة.

أنهت “سُلاف” ارتداء ثيابها، وتركت “زين” على الفراش ريثما تبحث عن حذائهِ الصغير، حينئذٍ كان “حمزة” يدخل الغرفة دون سابق إنذار، فـ اعتدلت “سُلاف” في وقفتها وهي ترنو إليه بنظرةٍ مستفهمة :

– يا أهلًا.

– بطاقتك فين؟؟.

كان سؤالًا مباغتًا؛ لكنها أجابت دون اكتراث :

– مش معايا، نسيتها في المكتب.

رأى حقيبتها على الفراش، فـ تقدمّ منها وسحبها بيده، وخرج من الغرفة وسط أنظارها العالقة به. ضحكت بإستخفاف وهي تتابع البحث عن حذاء الصغير حتى وجدت إحداهم أسفل الفراش، فـ سحبتهُ وقامت بتلبيسهِ إياه، وداعبت أنفهِ وهي تهمس بـ :

– هروح ألاعب بابي شوية وأرجعلك يازين.

وخرجت من الغرفة كي تنتقل لغرفتهِ، كان الباب مفتوح فـ دخلت مباشرة لتجد محتويات حقيبتها مفترشة على الطاولة، فـ كركرت بضحكة بدت هازئة، وسارت نحو حاجياتها وهي تهتف بـ :

– تقريبًا ملقتش اللي انت عايزهُ!.

لملمت حوائجها بالحقيبة من جديد، ثم تحركت نحو الباب كي تغادر؛ لكنها وجدته يغلق الباب ويسدّ طريقها، ثم حدجها بـ شئ من الإحتقار وهو يقول بلهجة آمره :

– انتي هتسيبي القضية دي وتنسيها نهائي.

تغضن جبينها بإستفهام فضولي، وسألته بتحيرٍ من تلك الثقة البالغة :

– جايب الثقة دي منين!.

حسم الأمر معها معترفًا بإنه ليس مجرد مطلب عادي منه :

– أنا مش بقولك رأيي، أنا بديكي الأمر اللي هتنفذيه.

اتسع ثغرها بإبتسامة واسعة، وانخفض صوتها قليلًا وهي تردف بـ :

– ومين قالك إني باخد أوامر من حد؟.

وضعت كفها على كتفهِ لتقول :

– خسارة يابيبي، كل ده ومش قادر تعرفني كويس.

ثم ربتت على ذراعهِ متابعة :

– بس معلش، كله هييجي بالوقت.

وتبسمت قبل أن تتجاوزهُ لتفتح الباب :

– باي باي.

خرجت من غرفتهِ متباهية إلى حدٍ ما؛ لكن ثمة أمر علق بذهنها، تلك المناقشة القصيرة لم تكن طبيعية أو بمحض الصدفة، وتلك النظرات التي شعّت من عيناه زرعت مشاعر الريبة داخلها، گمن يُعدّ شئ ما ويجاهد ليضمن بقاءها بعيدًا. تأففت وقد انتابها انزعاجًا شديدًا، ونفضت شعرها وهي تسير بإتجاه الغرفة، دخلت فوقع بصرها على فراغ الفراش، رضيعها غير موجود، يمينًا ويسارًا وهنا وهناك، ليس له أثر، تحركت بهيستيريا تبحث عنه وكأن عقلها توقف لوهله عن قدرتهِ على التفكير، وفجأة أنار عقلها بتلك الطريقة البدائية التي استخدمها “حمزة” لإخراجها من الغرفة، وبالفعل أتت بثمارها وانخدعت بها. صرخت “سُلاف” صرخةٍ مُدوية وهي تنادي بأسمه :

– حـــمـــزة!.

خرجت راكضة من الغرفة، وقد تملكها الفزع، تسارعت ضربات قلبها وتفشّى الرعب في أوصالها، اقتحمت غرفته وهي تصرخ بلا هوادة :

– إبنـي فـين؟.

كان يضع ساعتهِ حول معصمهِ، وهو يرنو إليها بنظراتٍ شامتة، ثم أردف بـ :

– ماله إبنك؟.

لم تقوَ على التحكم في أعصابها، فـ تهجمت عليه وأطبقت يداها على عنقهِ وهي تصيح :

– وديته فــين أنـطق؟.. إبنــي فـين؟!.

استخدم قوتهِ لينزع يداها عن عنقهِ، وأظلم وجهه وهو يزأر بـ إنفعالٍ كان يكبحهُ :

– إبني أنا كمان، ولا نسيتي؟.

انتزعت يداها منه بصعوبة، وأطلقت عيناها شُررًا وهي تهتف بـ :

– لو فاكر إن هي دي الطريقة اللي هتمنعني بيها أكمل في القضية يبقى نجوم السما أقرب لك.. وإبني هترجعه غصب عنك.

هزّ “حمزة” رأسهِ نافيًا إحتمال گهذا :

– قضية إيه!.. ولا تفرق معايا، أنا عايز حاجه تانية خالص.

اجتذبتها عنوة، وأوقفها أمام المرآة وهو يسأل :

– قوليلي مين دي وعايزة مني إيه، وأنا هرجعه ليكي في الحال.

دفعتهُ قبل أن تلتفت له بغتةً، وتعالى صراخها الهادر فيه، وهي تضرب صدرهِ مرة تليها الأخرى :

– إبني مش وسيلة تضغط بيها عليا، ومش هتوصل لأي حاجه من حركتك الدنيئة دي، قول إبني فين أحسن أوديك في ستين داهيه.

تلوت شفتيهِ بإستنكار وهو يقول :

– هتعملي إيه؟. هتبلغي عني مثلًا؟؟.. ولو بلغتي هتقولي إيه؟ جوزي خطف إبنه؟.

راحت أصابعه تداعب وجهها وشعرها وهو يتابع :

– إنتي محامية شاطرة وعارفه إن الوضع كله في صالحي.

دفعت يدهِ عنها و :

– ياريتها تيجي على بلاغ، أنت لسه متعرفنيش كويس.

دلفت “أسما” عليهم، وأمارات الشماتة على وجهها جليّة، وهي تتسائل بفتورٍ مثير للأعصاب :

– بتزعقوا كده ليه؟؟.. مالك ياحمزة؟.

رنى إليها بنظرةٍ مبتسمة، وهو يردف بـ :

– متشغليش بالك ياست الكل، حوار وهيخلص النهاردة بعون الله.. وإلا هيروح فيه ضحايا ملهمش ذنب.

مجرد فكرة التهديد فيما يخص إبنه جعلتها تنفجر غضبًا؛ لكن ليس بوسعها تغيير شئ طالما إنها واقفة بمحلها، عليها التحرك الآن، وبسرعة.

أسرعت بالخروج من غرفته، حينما جلجلت ضحكة “أسما” وهي تتذكر مشاركتها السعيدة بذلك الأمر الوضيع…

—عودة بالوقت للسابق—

خرجت “سُلاف” من الغرفة متجهة لغرفتهِ، حينئذٍ كانت “أسما” تتربص بها، ومع رؤيتها تخرج من هنا كانت فُرصتها لكي تختطف “زين” بنفسها وتضع بصمتها على الأمر. ولجت بعجالةٍ وحملت الصغير بين يديها، ثم أسرعت بالخروج لئلا يصدر الرضيع أي صوت مثير للأنتباه. هبطت به الدرج وسلّمتهُ إلى “راغب”، فـ وضعهُ راغب بالصندوق الخشبي وأغلق عليه إغلاقًا مُحكمًا، حينما سأله “صلاح” بشئ من القلق :

– كده مش هيتخنق ياراغب؟.

– الصندوق فيه فتحات تهوية وإحنا مأمنين الدنيا، متقلقش.

وغمز له وهو يضحك متابعًا :

– ده انت بقيت جدو فعلًا.


تحرك “راغب” حاملًا الصندوق، حتى سلّم الصندوق إلى “حسنين” الذي أخذهُ وخرج من جديد، وكأنه يقوم بنقل أشياء لخارج المنزل، واستمرت الحركة إلى ما يقرب دقيقة ونصف، قبل أن تغادر السيارة التي تحمل “زين” بعيدًا عن المنزل، وتكتمل العملية بنجــاح.

—عودة للوقت الحالي—

لم تكبح “سُلاف” جماح جنونها، بالفعل وصلت لمرحلة لم تكن لتصل إليها، وقد حمّلت “عِبيد” مسؤلية اختطاف طفلها، إذ تهاون في تفتيش تلك السيارة التي دخلت وخرجت بكل أريحية، لمجرد إنها تابعة لـ “صلاح القُرشي”. صرخت “سُلاف” في وجهه، وقد بدأت الدموع تتجمع في عيناها :

– أتــصـرف وهاتـلي إبنـي، أتـصرف ياعِبيد.

أشار لها “عِبيد” بكفيهِ كي تهدأ، ووعدها أن يستعيد الصغير “زين” مهما كلف الأمر :

– هرجعه ياهانم والله لأرجعه، بس أديني فرصة أتصرف.

مسحت “سُلاف” دموعها التي انسابت على وجنتيها، وقد بدأ ألم فُراق طفلها ينخر في صدرها گالسكين البارد :

– إزاي؟؟ إزاي تفوتني وتفوتك إزاي ياعِـــبيد.

تحرك “عِبيد” من أمامها و :

– أنا هتصرف.

أسرع بالخروج من غرفتها، وسط نظرات “حمزة” الفاترة، وهو يراقب تخبطاتها التي أيقن إنها ستنتهي بفوزهِ هذه المرة، طالما إنها شديدة التعلق بالصغير، إذًا هو يضغط على نقطة الضعف الصحيحة، ولن يستغرق الأمر سوى بعض الوقت من تألمها، لتدرك إنها أمام خيار واحد فقط ولا بديل عنه، وهو إخباره بكل شئ كما يـريـد.

***************************************

تلك العصا التي ينعتها بـ (ساقهِ) ، عوضًا عن ساقه المشلولة والأخرى المبتورة، أطاح بها المنفضة الزجاجية فوقعت على الأرض وتبعثرت بقايا السجائر التي كانت بها. قبض “مصطفى” على عصاه بقوةٍ حتى ارتعشت يدهِ، ونظر لساقهِ المشلولة شاعرًا بالعجز بالمميت يضرب أضعف جزء فيه، الآن هو عاجز حتى عن تقديم المساعدة لـ إبنة أخيهِ وطفلها المختطف، وبقى مجبرًا على المكوث في البيت مُقيدًا بسلاسل ذلك المقعد المتحرك اللعين. صرّ “مصطفى” على فكهِ وهو ينظر لساقيهِ، ثم أردف بـ نبرة حزينة مختنقة:

– صلاح اتسبب في إني حتى مقدرش أقف على رجلي، في عز ما بنت الغالي محتجاني مش عارف أكون جمبها!.

وضرب على ساقهِ المشلولة بالعصا، فـ انسكرت العصا ولم يشعر هو بأي شئ، بينما كتمت “أم علي” شهقة مفزوعة، وأسرعت تأخذ العصا من يده وهي تردف بـ :

– ليه كده بس يابيه، متقلقش الواد هيرجع سليم بعون الله.

مسح بأصابعه المرتعشة على فكهِ، وأردف بتخوفٍ :

– الواد هيرجع غصب عن عينه، لكن سُلاف؟؟.. سُلاف ممكن تضعف، زين ده نقطة ضعفها الوحيدة!.

ثم أشار لها متابعًا :

– هاتيلي تليفوني بسرعة، أتصلي على نضال وهاتيه.

لبّت “أم علي” رغبته، واتصلت عبر هاتفهِ بـ “نضال” ثم أعطته إياه :

– أيوة يانضال.. في جديد يابني طمني؟.

نفخ “مصطفى” بإمتعاض شديد، وهتف بـ صوتٍ جهوري منفعل :

– طب أسمعني ونفذ اللي هقولك عليه بالحرف.

**************************************

خرج “عِبيد” من الهيئة التابعة للمرور، متأففًا بإنزعاجٍ غاضب، وقد باءت أولى محاولاتهِ بالفشل، ليجدها تتصل به للمرة العشرين على التوالي، فأجابها بتوجسٍ :

– ألو!.. لسه خارج من المرور.. العربية دي مستأجرة من معرض تأجير عربيات، واللي أجرها رجعها للمعرض من شوية.

أبعد الهاتف عن آذانهِ قليلًا بعدما تأثرت بصراخها الهادر، وحاول أن يسيطر على غضبها الأهوج ذلك وهو يقول :

– حاضر، حاضر هعمل كل حاجه وأرجعه صدقيني.

—جانب آخر—

قذفت “سُلاف” هاتفها بعيدًا، وهي تضم قميص رضيعها لصدرها كي تشمّ رائحتهِ فيه، فـ تضاعف ألمها وهي تحمّل نفسها مسؤولية تقصيرها وتركهِ وحيدًا في منزل يحيا به كبار الثعابين. تجولت بتوترٍ مرتبك وهي تتوعدهُ بعقابٍ رادع جِراء فعلتهُ :

– والله لأندمك، وأعيشك أضعاف الخوف اللي انت معيشني فيه ياإبن القُرشي، إبني يرجع لحضني الأول وأنا هدوقك ألوان العذاب.

انفتح الباب ودخل منه “صلاح”، يرميها بنظراتٍ حملت معانٍ من التشفّي والشماتة، فـ اتقد صدرها المُسعّر أكثر وأكثر، وجفّت الدموع في عيناها وهي تراه هكذا أمامها، گمن أتى ليشاهد المباراة الحصرية من مكانٍ قريب. دنى منها، وشمل حالتها المثيرة للشفقة بنظراتٍ خاطفة، قبل أن يردف بـ :

– بأيدك تخلصي من كل العذاب ده.

لم تتفوه بكلمة واحدة، وظلت قذائف الكره والبغض تنطلق من نظراتها انطلاقًا، لو إنه أدرك معناها لـ خفق قلبهِ الجامد، حينها تابع “صلاح” محاولًا استدراجها :

– أنا هرجعلك إبنك، مش بس كده.. لو خايفة من حد أنا في ضهرك، ولو حد مهددك ومسلطك على إبني أنا هتصدرله، لو عايزة تسيبي البلد كلها هخلصلك كل حاجه، وفوق كل ده هديكي اللي انتي عايزاه، إن شالله يكون مال قارون نفسه.. بس تقوليلي، مين وراكي وعايزة مننا إيه؟.

بقى لها خطوة واحدة، وستفقد أعصابها نهائيًا، حتى إنها قد ترتكب جرمًا بأي لحظة، لذلك تماسكت بصعوبة شديدة، وتفوهت بكلمة واحدة :

– أطـلع بـرا.

ذمّ “صلاح” على شفتيهِ، ولم ييأس من تكرار عرضهِ مرة أخرى :

– الفرصة مش هتجيلك تاني، فكري كويس بدل ما تندمي.

فـ صرخت في وجهه صرخةٍ مدوية :

– بــــــرا.

كان متأكدًا إنها لن تصمد طويلًا، وعندما تفشل محاولاتها في إيجادهِ بنفسها ستخنع لهم لا محالة، هي فقط خسرت الفرصة التي عُرضت عليها، لذلك سحب نفسه وخرج گأنه متيقنًا من إنها سترضى في النهاية. تجمدت نظرات “سُلاف” على الباب الذي أغلقهُ من خلفهِ، وأضاء عقلها بفكرة لا مثيل لها، ستضرب عن طريقها جهتين بضربة واحدة. تشددت قبضتها على القميص الذي تمسكه، ثم أسرعت نحو هاتفها لتُجري مكالمة هاتفية عاجلة منه، لحظات وكان الرد يأتيها :

– أيوة ياعِبيد، أنا عرفت خلاص إحنا هنعمل إيه.. حاجه هتجيب حمزة لعند رجلي.

****************************************

اقترب “حمزة” من الوصول إلى مقرّ مكتبهِ، وحالته المزاجية في أفضل أحوالها منذ فترة طويلة. ارتفع صوت الأغاني لأعلى صوت، للحد الذي منعه من الإنتباه لهاتفهِ الذي رنّ لأكثر من مرّة، حتى إنه كان يدندن ويغني مع الأغنية الشهيرة للمطرب المعروف (عمرو دياب)، وقد ضجت السيارة بصوت الأغنية المرتفع. مع دخولهِ للشارع الرئيسي المؤدي للمكتب، لمح ذلك التجمهر القريب، فـ هدأ من سرعة قيادته وأخفض صوت الأغاني قليلًا، دقق بأنظاره جيدًا وقد أثار المشهد فضولهِ، خاصة حينما رأى سيارة الأطفاء تتوسط هذا التجمع المريب. صفّ سيارتهِ بعيدًا عن الزحام، وترجل منها وهو يسير بإتجاه العقار الذي فيه مكتبه الخاص، تجولت عيناه من حولهِ فلم يجد أيًا من الموجودين يعرفهم. رفع عيناه للأعلى فرأى ألسنة اللهيب التي تتصاعد من نافذة مكتبهِ، جحظت عيناه عن آخرها، وانقبض قلبهِ بشدة بعدما علم بأن مكتبه هو الذي احترق وهو الذي تسبب في هذا التجمهر، قادتهُ رغبتهُ لإقتحام العقار والصعود لأعلى، لكن رجال الأمن والإطفاء استوقفوه منعًا لمرور أي أحد، فصاح في أحدهم محاولًا الدخول بأي شكل :

– أوعى عديني، اللي بيتحرق ده مكـتبـي!.

عاد ينظر للمكتب وعيناه تتحسرّ بقهرٍ شديد، وكأن عمرًا ضاع من عمره في هذا المشهد القاسي، والنيران التي تتصاعد أبخرتها كأنها ناشبة في بواطنهِ المحمومة. أطبق جفونهِ بقوةٍ، يكاد يفقد وعيهِ أثر انخفاض ضغطهِ المفاجئ، وعاد يفتحهما مستسلمًا لشعور التعب الذي باغتهُ.

**************************************

فور تنفيذ المهمة – الصعبة – التي كلفتهُ بها “سُلاف” ، اتصل بها كي يبلغها بنجاحهِ الساحق وتحقيق تلك الخطوة الفاصلة التي ستعيد “زين” لأحضان أمهِ سالمًا، وحينما أجابتهُ أبلغها بـ :

– خلاص خلصنا.

التفتت رأس “عِبيد” ينظر لـ “ميان” النائمة بالخلف، ثم تابع :

– والأمانة معانا…

google-playkhamsatmostaqltradent