رواية الحب لا يكفي الفصل الواحد و الثلاثون و الاخير 31 - بقلم قسمة الشبيني

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب لا يكفي كاملة بقلم قسمة الشبيني


رواية الحب لا يكفي الفصل الواحد و الثلاثون و الاخير 31


نظر لها بدهشة لا يفهم سبب البكاء فى هذه اللحظة ، يفترض بها أن تكون سعيدة كرد فعل طبيعى لأي امرأة تترقب ميلاد طفلها الأول.
هل هذا سبب الحزن الذى خيم عليها مؤخراً ؟
إلتقى حاجبيه معبراً عن تعجبه وعدم فهمه ما يحدث ، أخيرا تمسك ببعض الأحرف ليصيغها لسانه تساؤلا
_ سهى انت زعلانة أنك حامل؟
_ لا طبعا يا عثمان انت مجنون؟
زادت الدهشة الظاهرة فوق قسماته سطوعا مع الحدة التى تنكر بها حزنها فما الداعي لكل هذا البكاء والحزن إذا ؟
_ طيب بالراحة يا حبيبتي قولى لى حاسة بإيه؟ ما هو مش طبيعي العياط ده كله 
_ علشان انت مش فرحان أنى حامل 
_ انااا !! مين قالك الكلام ده؟
أشارت إلى ملامح وجهه التى لم تنسحب عنها علامات الصدمة وهى تتعذر بها سببا للبكاء 
_ اهو انت مكشر ومن يوم ما عرفت أنى حامل وانت مش فرحان
_ وانت عرفتى من كام يوم؟
_ خمسة 
_ وانا هفرح ازاى من خمس ايام وانا مااعرفش؟ المفروض ازعل منك علشان خبيتى عليا
_ اهو شوفت انت زعلان 
وعادت للبكاء بشكل غريب لكنه تضاحك وسحبها لصدره 
_ خلاص انا فهمت دى اللى بيقولوا عليها هرمونات، اكيد هتجيبى لنا بنت كئيبة 
_ ماتقولش على بنتى كده 
احاطها بذراعيه وقد بدأ قلبه يعلن عن النفير العام للاحتفال بهذا الخبر السعيد ، استقرت فوق ساقيه يحاول تهدئة هذا البكاء الذى لا يليق بالاحتفال
_ كده تخبى عليا خمس ايام؟
_ ماكنتش عارفة اقولك ازاى
_ مجنونة رسمى عارفة لو ماكنتيش بنت عمى؟
_ كنت عملت ايه؟ 
_ ولا حاجة كنت هحبك بردو 
تلصصت ابتسامتها فى وجل من خلف سحابات البكاء التى لا تعلم هى نفسها سبب تخيمها على مشاعرها بهذا الإلحاح فيسرع قلبه ملتقطا تلك الإبتسامة قبل أن يستقر رأسها مرة أخرى فوق صدره لينهض حاملا لها 
_ نروح للدكتورة ونحتفل بالخبر السعيد ده باقى اليوم 
_ استنى يا عثمان انا جعانة 
_ انت مش كنت بتعيطى دلوقتى؟
_ يعنى اعيط واجوع علشان ترتاح ؟
عاد بها للأريكة ووضعها برفق ثم استقام ونظر نحوها وهو يقرب منها علبة المناديل
_ الأكل قدامك اهو كلى لما تشبعى، والمناديل جمبك اهيه عيطى براحتك وانا هاخد دش لحد ما جنان هرموناتك يخلص 
_ يعنى مش هتاكل معايا ؟
سمع الاختناق الذى ينذر بنوبة أخرى من البكاء ليقسم قلبه أن هذه الفتاة ستصيبه بأزمة قلبية حادة لهذا الجنون الذى يحياه معها ، اسرع يجلس قبل أن تنخرط فى نوبة بكاءها 
_ هاكل يا سهى كفاية غم الله يرضى عنك ، مش انا جايب لك شيكولاتة
فتح الكيس الذى كان يحمله وقد قطع الطريق على سيل البكاء الذى كاد أن ينزل بها مجددا فيبدو له أن الأيام المقبلة ستحمل الكثير من تضارب المشاعر ، ربما تكون طبيعتها الرقيقة سببا في ذلك وربما تكون هناك أسباب أخرى ترفض إعلانها حاليا .
حين وصلا لمنزل أبيه لزف تلك البشرى لأمه وخالته رأى سببا آخر يدعوها للبكاء فقد هللت قلوب الجميع سعادة واضحة بينما انصبت سعادة هنية عليه هو ، هل توقعت سهى رد فعلها مسبقاً؟
جلست هنية بجواره هو بينما أسرعت أمه إلى المطبخ لتعود بكوب كبير من الحليب متجهة نحو سهى بمحبة
_ لازم تاخدى بالك من أكلك يا سهى ، بلاش اكل جاهز يا عثمان، تعالوا اتغدوا عندى كل يوم او انا ابعت لكم اكل ، هتروحوا للدكتورة امته؟ عثمان اوعا تزعلها وهى حامل 
كانت محبة هالة التى تتدفق من بين الكلمات تربت فوق قلب سهى التى تلتقط نظرات لأمها المتشاغلة عنها بينما عثمان يضحك ويحاول جذبها معه إلى محيط أمه المزهر بالمحبة ليتدخل صبرى منهيا ألم سهى وهو يقترب ليسحبها إلى صدره مخفيا رأسها بين اضلعه فتؤكد له نهدة الألم التى فرت من صدرها أنه احسن التوقيت ليربت فوق رأسها بدفء
_ أكيد روح خيرى ارتاحت دلوقتى، ماتفكريش فى أي حاجة تزعلك ولا تشوفى أي حاجة تضايقك انت عندنا أهم.
ظلت دقائق تتشرب من قرب عمها الذى يعوضها عن غياب أبيها قبل أن تبتعد قليلا 
_ عثمان انا عاوزة اروح 
_ ليه خلى عثمان قاعد معانا شوية 
كان هذا ما نطقت به هنية لتتجه نحوها الأعين بدهشة بينما حاولت هالة تدارك الأمر كالعادة 
_ زهقتى مننا ولا إيه يا سهى؟
_ معلش يا خالتى عاوزة انام 
ابتسمت هالة بمودة فهى تعلم أن الفتاة تهرب بعيدا عن تلك القسوة التى تغلف قلب هنية وهى تعذرها فى ذلك لذا حاولت التمسك بأطياف المرح وهى تتابع
_ نامى يا حبيبتي وارتاحى، وانت يا عثمان لما تلاقيها عاوزة تنام خليها تنام ما أنا عارفاك غلس
_ انا يا ماما غلس؟ 
_ ما تعملش مستغرب اوى ده انا امك يا عثمان محدش فى الدنيا يعرفك قدى انا ومراتك 
ضحك الجميع بينما نظر صبرى إلى زوجته راضياً عن تلك الكلمات الحكيمة التى وجهتها إلى هنية علها تواجه نفسها قبل فوات الأوان.
...........
انتهى الحفل منذ ساعة كاملة ولازال يجلس أمامها يتطلع إليها بشغف وكأنه غير مصدق وجودها معه بنفس الحيز، مرت أشهر منذ قبلت به أمها لكنها رفضت بشكل قاطع عقد القران قبل الزفاف وكأنها تمنح وفاء الفرصة للتراجع عن هذا الزواج بأي وقت وسبب هذا له هاجسا بالفعل خيل إليه أنها ستتراجع حتما فى آخر لحظة وستنهار أحلامه وتردمه للأبد.
لكن هذا لم يحدث، لقد تابعت وفاء التقدم نحوه حتى صارت بهذا القرب وها هو يجلس أمامها يحيطها بهذا الشغف .
كانت تنظر أرضاً وتعقد ساعديها بحدة رافضة التعبير عما تعانيه من توتر بدأت حدته تخبو لطول صمته ، شعرت بحركته لتنظر نحوه فتجده يتقدم حتى جلس بجانبها وعينيها تحاول أن تهرب من تلك السطوة التى تفرضها عينيه، بمجرد أن تلتقى نظراتها بنظراته يأسرها رافضاً تحريرها من هذه السطوة .
رفع كفه يتلمس وجهها بتردد ينبع من شغفه 
_ وفاء انت هنا بجد ؟ إحنا اتجوزنا خلاص؟
هزت رأسها فقط لتخبت نبرة صوته راجية 
_ اتكلمى علشان خاطرى 
_ ايوه يا عمار اتجوزنا ، مالك؟
_ مش مصدق نفسي؟ 
حررت ذراعيها لتمسك كفه فيضغط على كفها بقوة متحمسة غير مفرطة مع اقترابه مباغتة لينال اللمسة الأولى التى رفعت معدل الحماس بدماءه لكنه كان بالتعقل الكافى الذى يسمح له بالتحكم في حماسه وقيادة شغفه لتنبع من قلبه هالة من الدفء والعناية أحاطت بها حتى النهاية.
تعلقت وفاء به رغم أنها استسلمت للنوم منذ فترة طويلة وهو لا يستوعب صدره كل تلك السعادة التى حصل عليها بقربها، تحتاجه بشدة؛ يتراقص قلبه طربا لهذه الفكرة فهو أيضاً بحاجة لتعلقها به بهذا الإلتصاق، لا يتمنى أن تحرمه هذا الدفء أبدا.
بدأت دقات قلبه التى أصيبت بالخلل منذ رؤيتها تعود لوتيرة طبيعية فهى له الآن بكل هذا الشغف الذى تتطلبه والذى هو قادر تماماً عن رى ظمأه فهو يملك فيض من حنان تابع طيلة عمره الحفاظ على تدفقه حتى اشرقت بدنياه ليعلم أنها مصب سريانه.
.......
تشعر سميحة بوحدة شديدة منذ تزوجت وفاء ، لقد مر اسبوعين ولم تنته رحلة شهر العسل التى صحبها فيها عمار ، ورغم أن سعادة وفاء تظهر في صوتها أثناء محادثتها لها يومياً إلا أنها لا زالت تتخوف تبعات هذا الزواج .
تناولت طعامها الذى أصبحت نفسها تعفه كثيراً وحدها ككل يوم، نظرت بين أركان المنزل وهى ترى صورا من حياتها والفتيات بين هذه الجدران منذ انفصلت عن زوجها، لقد كانت هذه الشقة لوالدتها أيضاً وأجرت عليها بعض التعديلات لتتخذها مسكنا لها بعد أن لفظها شقيقها الأكبر لمجرد طلبها الطلاق، عانت كثيراً وتشعر أنها ستعانى المزيد مع الوحدة مستقبلاً.
ضربات جنونية لجرس الباب دعتها لسرعة الحركة وما إن فتحت الباب حتى وجدت وفاء بين ذراعيها
_ وحشتينى اوى يا ماما
احاطتها سميحة بكل الشوق الذى اضنى قلبها فهى تفترق عنها للمرة الأولى بحياتها بينما تقدم عمار بنفس الابتسامة
_ عاملة إيه يا ست الكل؟
_ الحمدلله اتفضلوا، تعالى يا وفاء 
لم تبتعد وفاء عن أمها بينما ترى سميحة تراقص السعادة والتأثير العظيم الذى ظهر على وفاء من مرح وسكينة لتبدأ مخاوفها تجاه عمار تتراجع خاصة مع تلك النظرة التى تطل من عينيه تخبرها أن وفاء بمأمن فى قربه .
......
ما أسرع مرور الأيام التى تطوى سنوات من العمر دون أن ندرك كيف مرت بهذه السرعة .
أنهت سهى رسالة الماجستير رغم أن اهتمامها بابنتها أخرها قليلا لكنها تمكنت من الموازنة والنجاح أما وفاء فقد أنجبت فتى وساهمت بالكثير من الجهد في تطوير الشركة التى اتخذت مقرا مستقلا وأصبح لها كيان فى سوق العقارات لا يستهان به.
كان عثمان فى الورشة التى حولها لمركز صيانة ويجتهد ليحصل على توكيل إحدى شركات السيارات الكبرى وقد أصبح أيمن شريكا له .
لا يمكنه أبدا الجلوس خلف مكتبه ومراقبة العمل لذا وقف أمام المركز ليرى شقيقته وابنة عمه تعودان للحى ليترك العمل جانبا ويتجه نحوهما بقلق 
_ اتأخرتوا كده ليه؟
_ يا دوب يا أبيه الامتحان والطريق 
_ وايه الأخبار طمنونى؟
_ انا تمام 
_ وانت يا سارة 
_ مش عارفة يا أبيه حاسة انى مش مطمنة 
تنهدت عالية وهى تربت فوق كتف سارة
_ يبقى هتجيب امتياز زى كل سنة 
صفع عثمان مؤخرة رأس عالية التى لا تتوقف عن المزاح 
_ بدل ما تتريقى عليها اعملى زيها 
فركت رأسها بمبالغة وكأنه صفعها فعلياً
_ يا أبيه البنت ملهاش غير بيتها وجوزها 
_ اما نشوف يا لمضة، روحوا طمنوا ماما الأول وبعدين عدوا على سهى 
فركت عالية كفيها بحماس شديد
_ أخيراً الامتحانات خلصت وهاخد هالة الصغيرة تبات معايا 
_ بت انت عارفة لو سمعتيها القرف اللي بتسمعيه مش هخليها تبات معاكى تانى وما تتصعبيش وتعملى عليا الشويتين بتوعك بنتى وانا حر فيها .
نظرت له عالية بغيظ وتقدمت لتبتسم سارة وتنظر نحوه
_ ماتقلقش يا أبيه مش هخليها تشغل موسيقى الهبد دى 
ابتسم لها عثمان ولم يعلق بل راقب مغادرتهما بصمت لقد أثرت وفاة عمه على سارة بشكل كبير فرغم أن الجميع حاول تعويضها عن خسارتها خاصة أبيه إلا أن أحدهم لم يتمكن من ملء الفراغ الذي تركه عمه ورغم ذلك لم تترك نفسها للانهزام بل تابعت بقوة لتتفوق فى دراستها الثانوية ثم الجامعية بينما شقيقته عالية ترفض تحمل المسئولية فتتراجع عنها قليلا . يقدر كل مجهودات سارة التى لولا روحها المقاتلة ما تمكنت من النجاة وحدها مع خالته التى ترفض أي تغير في طباعها التى أصبحت منفرة للجميع حتى ابنته الصغيرة التى لم تحظ بحب هنية الذى حظى به هو فهو لم يكن يوماً محبوبا لخالته سوى لكونه ذكرا وهذا يسوءه بشدة وإن أظهر عكس ذلك.
.......
دخلت وفاء لمكتب عمار الذى لم ينه عمله بعد لتلومه فور رؤيته خلف مكتبه
_ عمار انت لسه بتشتغل؟
_ دقايق بس يا وفاء ابعت الايميل ده 
_ ايميل إيه ورينى كده؟ عمار انا مش هخاطر بيك ضغطك كان عالى امبارح وانا رضيت تيجى الشركة بس علشان ماتملش فى البيت لكن قولنا شغل وتوتر لا .
ابتسم عمار فمجرد ارتفاع طفيف في ضغط دمه أفزع وفاء بشدة ، لقد مرت السنوات لتزيد من عشقه لها ومن تعلقها به، لا يذكر خلافاً بينهما أدى لبعد أي منهما عن الآخر ولو لليلة واحدة ، لا يمكنه أن يهجع دون أن تستقر بين ذراعيه ، لازال يتذكر يوم ميلاد ابنهما الوحيد حين أصرت الطبيبة على مبيت وفاء بالمشفى لتكن قصة الرجل الذى وجدوه نائما فى فراش زوجته التى وضعت طفلها للتو هى حديث المشفى فى اليوم التالى .
انهت وفاء إرسال البريد الذى شغله لتنظر له بحدة 
_ خلاص يا سيدى اتبعت يلا بقا نروح الموظفين كلهم روحوا 
_ حاضر انا جاهز ، هى سهى مش المفروض تستلم شغلها ؟ 
_ ايوه بكرة هتستلم ، هنروح بالليل حفلة ختام مؤتمر التطوير العقاري ، انا عارفة انك مابتحبش الدوشة بس الحفلة دى مهمة جدا للشركة 
_ عارف يا وفاء هنروح حاضر .
تعلقت بذراعه كما تفعل دوما وكأنها تخشى أن يتلاشى فجأة لقد أكدت لها الأيام مع مرورها أن عمار لم يكن مجرد رجل أحبته بل هو رجل احتاجته بشدة، لم تعد تشعر بمرارة الحرمان التى عانت منها طيلة عمرها، أصبحت مكتملة مع عمار وهذا ما تبحث عنه كل فتاة في الرجل الذى تشاركه حياتها 
الإكتمال نعمة عليها أن تحافظ عليها كما عليها أن تحافظ على عمار نفسه .
...........
عاد عثمان لتناول الغداء ليجد أن المنزل يعمه الهدوء على غير العادة ، غياب ابنته هالة عن المنزل يضايقه كثيراً لكن حزن أخته يضايقه أيضاً.
تقدم تجاه المطبخ حيث من المتوقع وجود زوجته ليجدها أمام الموقد ودون أن يتحدث بادرته بينما يتجه صوب الحوض
_ ثوانى هغرف الأكل وماتغسلش ايدك بصابون المواعين 
_ اوف يا سهى انت شوفتينى ازاى ؟
_ حفظاك يا حبيبي
غادر المطبخ بحدة لكنها ابتسمت وتابعت عملها، جلست أمامه تنظر لملامح وجهه المتجهمة 
_ فكها يا عثمان هالة فى بيت جدها مع عمتها وخالتها 
_ البيت من غيرها مالوش حس 
_ بكرة هروح استلم شغلى في الشركة وانا راجعة هعدى اجيبها 
ابتلع ما دسه بفمه بنفس الهيئة وكأنه يفكر في أمر جلل ثم قال
_ عندى فكرة هايلة
_ خير يا رب لمعة عينك دى مش مريحانى
_ مش هم شبطانين فى هالة؟ خلاص نجيب غيرها
ظلت لحظات تنظر له وكأنها لم تفهم ما قاله ثم نهضت بهدوء 
_ نجيب غيرها! هى لعبة! وانت هيفرق معاك إيه!
_ استنى بس هفهمك 
لحق بها مهرولا لتركض هربا منه ورغم حماقة أفكاره إلا أنها تشعر بالراحة لتخليه عن الكآبة التى تلازمه في غياب الصغيرة.
………
تعلقت وفاء بذراع عمار الذى تقدم بجانبها إلى الحفل الذى بدأت فعالياته للتو، مرت ساعة تقريباً في خطابات لبعض أصحاب كبرى الشركات قبل أن يندمج الحضور فى تعاملات جانبية تدور حول فعاليات المؤتمر فهى فرصة مثالية لبدء المشاريع.
انضمت وفاء إلى الجمع الذى يصحب زوجها بعد أن أجرت اتصالاً هاتفياً لتفقد ابنها ليرفع عمار ذراعه بتلقائية ويحيط كتفها وهو يقربها منه وقد لمعت عينيه بنظرة الفخر التى تذيب قلبها 
_ المهندسة وفاء زوجتى والمسئولة عن قسم التصميم والتنفيذ عندنا 
_ حضرتك اللى عاملة تصميم سهل حشيش؟
_ طبعا أي تصميم مميز عندنا وفاء اللى عملته
ابتسمت وفاء فهى ليست فى حاجة إلى مجرد الحديث بوجود عمار ، أحاطت ملامحه بنظراتها الشغوفة ليقاطع تسلسل أفكارها صوت غريب
_ وفاء مش معقول!
اتجهت الأعين إلى المتحدث ليتساءل أحدهم 
_ محسن باشا انت تعرف البشمهندسة؟
_ طبعا 
_ اشتغلنا سوا أول ما اتخرجت وكنا زمايل كمان 
تقدم محسن من جمعهم بثقة ليضيق صدر عمار لتلك النظرة التى يحيط بها زوجته التى تحدثت بهدوء
_ بس ماارتحتش وقدمت استقالتى ، بعدها اشتغلت مع عمار واتغيرت حياتى كلها
نظر لها عمار ليهدأ غضبه قليلا وهو يرى نفسه بين عينيها ليهز رأسه مرحباً
_ أهلا يا بشمهندس 
ابتسم له محسن بينما تقدم شخص آخر من جمعهم منقذا للموقف دون تخطيط من ايهم 
_ بشمهندس عمار اتفضل معايا دقيقة 
تعلقت وفاء بذراعه فوراً معلنة عن رفضها الإبتعاد عنه وهى تهز رأسها للجميع قبل أن تسير بجواره بينما يقيم محسن السعادة التى تطفو فوق ملامحها ويقارن بين ما يراه من مودة دافئة محاطة بالعناية وبين ما يحياه من برود يقتصر على كونه ممولا لرفاهية زوجته ليتأكد أنه اختار خسارته بنفسه لا ينكر أن زوجته تمكنت من اقتحام قلبه ومشاعره لكنه لم يعد يظن أن الحب يكفى وحده لقيام حياة كاملة.
.......
استلقى عمار فوق الفراش منتظرا عودة وفاء من غرفة ابنهما ولم يطل غيابها لتدخل الغرفة شاعرة بالاجهاد الشديد بعد اليوم الطويل ، خلعت مئزرها واتجهت للفراش فورا لتجذب ذراعه وتتوسده بخمول 
_ شوفت يا عمار الحفلة كانت مهمة ازاى؟
_ وفاء عاوزين ناخد إجازة ونسافر يومين انا حاسس انى تعبان
انتفضت جالسة رغم ما تشعر به من إجهاد
_ تعبان مالك يا عمار ؟ تحب اجيب لك دكتور !
ابتسم عمار وهو يرفع كفه يضم وجنتها بحب يحتوى هذا الحب الذى تكنه له 
_ لا يا حبيبتي ماتقلقيش ، انا بس مجهد من ضغوط الشغل والبعد عنك وعن ابننا انت عارفة انا اتجوزتك كبير وخلفت كبير وقلبى متعلق بيكم اوى
عادت تستلقى تضم نفسها إليه لائمة
_ طيب ما أنا اتجوزت صغيرة ومع كده قلبى متعلق بيك عادى 
_ بتحبينى يا وفاء
_ اكتر من الحب يا عمار 
كانت همستها هى اخر ما ربط كل منهما بالواقع ليطوى الدفء وعيهما بعيدا لتظل الأجساد متعانقة والأرواح متجانسة .
......
هرولت سهى هنا وهناك تحاول إنهاء كل أعباء الصباح قبل المغادرة، رفع عثمان رأسه عن الوسادة يشعر بالتعاطف معها 
_ حبيبتي روحى وانا هعرف اتصرف 
_عثمان انت متأكد مش زعلان انى هشتغل ؟
جلس بتكاسل وأشار لها لتقترب نحوه حتى جلست أمامه 
_ سهى انا ماكنتش معترض على شغلك من الأول ولا معترض على أي خطوة جديدة تفيد مستقبلك ، انا كنت خايف عليك
_ وبطلت تخاف عليا دلوقتى؟
ابتسم  رغم الحدة التى سيطرت على صوتها 
_ دلوقتى حبيبتي عقلت وانا جوه قلبها وعقلها لو راحت اخر الدنيا قلبها هيرجعها لى وعقلها هيحكم ويجمعنا اللى بنا مش حب وبس يا سهى اللى بنا حياة مفيش حد فينا يقدر يخسرها.
نظن فى فترات عديدة من حياتنا أننا بحاجة شديدة للحب لكن لا نعترف دائما أن هذا الحب قد لا يكون كافياً لدعم احتياجات أرواحنا الملحة والتى تتزايد مع الأيام حتى يعترف القلب مرغما أن
الحب لا يكفي 
تمت بحمد الله 

    google-playkhamsatmostaqltradent