رواية وعد بلا رحمة الفصل الرابع عشر بقلم ياسمين ابو حسين
رواية وعد بلا رحمة الفصل الرابع عشر
هدوء مريب يسيطر على الأجواء .. يعم الوجوم و الخمول و كأن الكل يتصنع الراحة و الهدوء .. قرار مصيري أُخذَ سريعاً بشكل لا يتقبله عقل .. و مع ذلك مصدر الهدوء الوحيد هو ثقتهم بجاسم و استقرار حالة وعد الكل يعلم ان بداخلها شئ انطفأ و لكن موافقتها و ثباتها يدفع الجميع للإستسلام .....
وضعت امتثال طبق البيض من يدها على طاولة الطعام و قالت بصوت عالى :
- يالا يا روضة هتتأخرى .. يا وعد خلصتى صلاة .
خرجت وعد من غرفتها مسرعة و قبلت امتثال بوجنتها و قالت بحماس :
- يا صباح الفل يا امتثال .
جحظت عينى امتثال و هى تتطلع بوعد ثم سألتها بدهشة غاضبة :
- إيه اللى إنتى لبساه ده .. انتي هترجعى شغلك النهاردة .
أومأت وعد برأسها و قالت بتأكيد حازم :
- أينعم .. الشغل واحشنى و أنا مش حابة نومة العيانين دى .
احتضنتها روضة من الخلف و قالت بإبتسامتها العذبة :
- سيبيها براحتها يا تيتة .. هى بقت كويسة الحمد لله .
امتعض وجه امتثال بضيق و قالت بنبرة شديدة تحذيرية :
- هكلمك كل شوية فى التليفون .. و دواكى هتاخديه فى ميعاده .. و ممنوع تتعبى نفسك .. و هو نص يوم بس وترجعى .. و تيجي فى تاكسى بلاش الميكروباص .. مفهوم .
كانت وعد تطالعها ببلاهة من كثرة أوامرها الحازمة .. فوخزتها جدتها بغضب و قالت :
- انتى نمتى و انتى واقفة .
هزت وعد رأسها بقوة .. ثم سحبت كرسيها و جلست قائلة بهدوء :
- حاضر يا تيتة طلباتك كلها أوامر .
خرجت روضة من غرفة وعد تحمل هاتفها و أدويتها و قالت وهى تضعهم بحقيبتها :
- أنا حطيتلك الدوا و ظبطتلك الموبايل على الميعاد .. بس يا ريت تاكلى أي حاجة قبل ما تاخديه .
أومأت وعد برأسها و هى تبتلع ما فى فمها و قالت بفتور :
- حاضر .
مد عيسى يده بمبلغ مالى و قال لها مؤكدا بحزم :
- خدى الفلوس دي علشان تركبي تاكسى و انتى راجعة .
تطلعت إليه بإبتسامة باهتة جاهدت كثيرا فى رسمها و قالت بإمتنان :
- شكرا يا .. يا بابا أنا معايا الحمد لله .
وضعهم أمامها و قال بنبرة آمرة :
- هتاخديهم .. و إبقى خلي حد يجيبلك فطار قبل الدوا .
أومأت برأسها و قالت بهدوء غاضب بعض الشئ :
- حاضر .
ربتت سلوى على كفها و قالت بقلق :
- لو حسيتي بأي حاجة كلمينا فورا و ما تتعبيش نفسك و أوعي تقفى فترة طويلة .
أنهت وعد طعامها و قالت وهى تقف بجمود :
- حاضر يا ماما .
شهقت سلوى بداخلها من سعادتها .. فوعد قالت " ماما " .. إذا فصفعه امتثال لها مفعول السحر على ما يبدو .. فقالت لها بفرحة طفولية :
- ربنا يحميكى يا حبيبة ماما .
حملت وعد حقيبتها و فتحت الباب لعمرو قبل أن يطرق و قالت بإبتسامتها المشاغبة :
- جهزت قبلك و لأول مرة .. محتاجة تعويض و فورا .
قبل مقدمة رأسها كعادته و أشار بأنامله على عينيه و قال بإبتسامة هادئة :
- من عنيا يا عمرى .
اشرأب برأسه قليلا و قال بصوت عالى :
- صباح الخير عليكم جميعا .
أجابه الجميع :
- صباح النور .
رفع عمرو يده مودعا و قال بمداعبة :
- يالا سلام .. خلى بالك منهم يا تيتة لنرجع نلاقيهم سافروا .
أجابته امتثال وهى تشيح بكفيها فى الهواء ضاحكة :
- يوه عليك يا عمرو .. و النبى وحشنى هزارك .
ضحك عمرو بخفوت و سأل روضة بحنو :
- رودى تيجى معانا أوصلك .
هزت رأسها نافية و هى تتناول فطورها و قالت شاكرة :
- ﻷ يا حبيبى شكرا .. أنا لسه قدامى وقت .. امشوا انتوا علشان متتأخروش .
أجابها بهدوء :
- حاضر .. السلام عليكم .
- و عليكم السلام .
استقل عمرو سيارته و ركبت وعد بجواره .. انطلق مسرعا فالتفتت وعد بجسدها ناحيته و قالت بخزى مؤلم كطفلة أخطأت و تنتظر العقاب :
- أنا آسفة يا عمورة علشان ضايقتك إمبارح و قولتلك كلام يزعلك منى .
تنهد مطولا و قال بنبرة حازمة و لكنها حانية و هو يتطلع بالطريق أمامه :
- صحيح انصدمت فيكى .. بس عمرى ما أزعل منك برضه .. و هفضل مستنى تقوليلى سبب اللى حصلك و غيرك و تعبك بالشكل ده .
فسألته وعد و هى زامة شفتيها كالأطفال لاستمالة عواطفه ناحيتها بطريقتها المشاغبة و التى لا تخطأ أبدا معه :
- يعنى مش زعلان منى خلاص .
ابتسم عمرو بهدوء و هو يعلم أنها تغير مجرى حديثهم بدهاء .. فسايرها قائلا بخفوت :
- ﻷ مش زعلان .. أنا بحبك زي بنتى مش أختى و هتفضلى الدلوعة بتاعتى لآخر يوم فى عمرى .
مصمصت وعد شفتيها و قالت بتنهيدة ساخرة :
- و لما أنا الدلوعة بتاعتك .. البت روان تبقى إيه يا عريس .
تعالت ضحكاته ثم ضربها بخفة على مؤخرة رأسها و قال بحنق :
- قليلة أدب .. انتى مالك و مال روان تبقى إيه .
أشاحت بذراعها و هى تقول بحدة :
- ابقي خليها تنفعك .. عروسة المولد دي .
تعالت ضحكات عمرو مجددا و هو يراها قد عادت لشرودها و حزنها و التى تحاول إخفائهم ببراعة .. و لكن على من .. فهو يفهمها من أقل تصرف و لو صغير .........
وصلت وعد لعملها .. فولجت لمكتبها و رسمت ملامح السخط و الغضب و هى تقول بنبرة لاذعة :
- إزيك يا سى سامر .. يا رب ما أكونش عطلتك .
وقف سامر مسرعا و ابتسم ابتسامة واسعة و قال بفرحة :
- أخيرا رجعتى يا سوسة .. طب و الله و حشتينى .
سارت نحو مكتبها وهى تخشى التطلع لمكتب مالك .. ثم رسمت تلك الابتسامة التى ملت منها من كثرة استخدامها لها من الصباح لتبدو أكثر هدوئا و حيوية عكس ما تشعر به .. ثم جلست على مكتبها و هى تقول بفتور :
- أنا مش زعلانة منك أصلا .. لأن الصديق بيظهر وقت الضيق .
جلس أمامها و قال رافعا ذراعيه بالهواء نافيا تذمرها :
- ﻷ ﻷ .. كله إلا كده انتى أختى و ربنا يعلم اني كنت زعلان عليكي ازاى و كنت بطمن من عمرو و جاسم عليكى كل شوية .. بس أنا كنت ملبوخ فى موضوع لمى .. و كان لازم تبعد بهدوء و نتأكد إن مفيش حد بيراقبنا .
أومأت وعد برأسها و هى تحدجه بغرور و تسلط و قالت رافعة ذقنها :
- عموما أقنعتنى .. لقد عفوت عنك .
ثم وقفت مسرعة و استأنفت بحماس و فضول :
- أكيد جاسم لايص من غيرى .. أنا هقوم أنقذ ما يمكن إنقاذه .
تركته و خرجت تمشى بالرواق و هى تحيى كل من يراها و يسأل على صحتها .. و ما أن وصلت إلى مكتب جاسم حتى رأت راندا تتحدث مع شاب و يبدو عليها الاندماج و .. و العشق ربما .. كانت وعد ستعود لمكتبها و لكن استوقفها سؤال ذلك الشخص و هو يقول ببساطة :
- هو الباشمهندس مالك فين .. بقالى فترة مش شايفه .
أجابته راندا بتلقائية :
- مستر مالك مسافر رومانيا فى شغل .
هز رأسه متفهما و سألها مجددا بهدوء :
- شغل إيه بقا .. هو مش الباشمهندس جاسم إتفق على شحنات الخشب و رجع من السفرية الأخيرة مخلص كل حاجة .. مالك بقا مسافر ليه .
رفعت راندا كتفيها بعدم معرفة و قالت و هى تعبث بقلمها بتوتر :
- مش عارفة .. محدش قال قدامى حاجة عن الموضوع ده .
إبتسمت وعد بمكر و هى تتابع حديثهم التى قررت أن تقطعه بدخولها .. فوقفت راندا بابتسامة متسعة و هى ترى وعد أمامها .. و استدارت حول مكتبها و احتضنت وعد بشوق و قالت مرحبة :
- حمد الله على السلامة يا وعد .. الشركة نورت ده مستر جاسم هيفرح قوى .
ربتت وعد على ظهرها و قالت برقة :
- وحشتينى يا راندا جدا .
- و إنتى وحشتينى أكتر .. تعالى أقعدى .
التفتت وعد برأسها ناحية هذا الشخص المتابع حديثهم بفضول و عادت بعينيها لراندا التى عرفتهم ببعضهم قائلة :
- ده يا وعد الأستاذ هيثم من الحسابات .. و دى يا هيثم الآنسة وعد مديرة مكتب مستر جاسم .
مد هيثم يده نحو وعد ليصافحها قائلا بابتسامة ودودة :
- طبعا آنسة وعد معروفة .. أهلا و سهلا يافندم .
تطلعت وعد بكفه الممدودة .. ثم رفعت عينيها نحوه و قالت بهدوء قاتل :
- مش بسلم .
أخفض ذراعه بخجل و قال و هو يلتفت ليغادر :
- عموما فرصة سعيدة يا فندم .
حدجته وعد بقوة و هى تبتسم بنصر .. ثم عادت بعينيها لراندا و سألتها بشك :
- بيقعد معاكى عادى اللى اسمه هيثم ده يا راندا .
نكست راندا رأسها و قالت على استحياء :
- أصل .. أصل هو يعنى لمحلى إنه عاوز يرتبط بيا و إننا محتاجين نتعرف على بعض الأول .
هزت وعد رأسها بتفهم و سألتها مجددا بجمود :
- فى حد مع جاسم .
- ﻷ .. إتفضلى أدخلى ده طول الوقت كان متنرفز و يقول لو كانت وعد موجودة .. لو كانت وعد موجودة .. ربنا يعينك على اللى مستنيكى .
فكرت راندا قليلا ثم إبتسمت قائلة وهى تجذب وعد من ذراعها لإخفائها :
- تعالى يا وعد أقفى هنا .. عاوزة أعمل مفاجأة لمستر جاسم و أشوف ردة فعله بنفسى .
هزت وعد رأسها بيأس و أشارت بيدها كى تفعل ما تريد .. و بالفعل طرقت راندا باب المكتب فأتاها صوته قائلا :
- ادخل .
فتحت الباب بإبتسامة خرقاء و هى تتطلع إليه .. لاحظ طول وقفتها و صمتها بغرابة ... فرفع رأسه عن الأوراق التى أمامه و تطلع إليها بريبة من تلك الإبتسامة الغبية .. طالت نظراتهم و التى حثها بها أن تنطق و تقول شيئا .. و عند نفاذ صبره قال أخيرا بصوته الأجش المتعجب :
- انتى هتطلعيلى البطاقة و هتاخدي ليا صورة صح .
هزت رأسها نافية .. ثم قالت بتلقائية :
- أكيد ﻷ يا فندم .
انتظر مجددا أن تفصح عما بداخلها .. أو عن سبب وقفتها الغريبة الأطوار مثلها اليوم ولكن لا حياة لمن تنادى .. فقرر أن يسألها مجددا بحزم قليل :
- ممكن أعرف سبب تشريفك ليا و لا هنقضيها نظرات .
وضعت وعد كفها على شفتيها حتى لا تصله ضحكاتها على تلك الخرقاء .. بينما عبست راندا و بشدة على تهكمه و عصبيته الجارحتين و قالت بتذمر :
- حضرتك عصبى جدا على فكرة .
حك مؤخرة رأسه مستلهما الصبر و هو يتمتم بكلمات من الأفضل لها ألا تصل لمسامعها .. ثم سحب نفسا طويل و زفره بهدوء و قال متحكما بغضبه :
- و على فكرة برضه من هنا لغاية ما وعد ترجع الشغل هفضل عصبى علشان يبقى عندك علم .. فيتقولى عاوزة إيه يا تقفلى الباب تانى و تسبينى بعصبيتى لوحدى .
أغمضت راندا عينيها و قالت بعدما زفرت براحة :
- الحمد لله .
رفع حاجبه متعجبا و قال بتهكم :
- على إيه بقى .. علشان هنزعل من بعض شكلنا .
- لا و على إيه ربنا ما يجيب زعل .
قالتها وعد و هى تدلف بهدوء لداخل مكتبه .. وقف جاسم بتمهل و هو يتأملها بصدمة يكاد لا يصدق عينيه .. حتى انتصب فى وقفته و كأن حضورها قد طغى على كل شئ حوله .. ظل يتأملها بشوق و هتف بداخله و هو يتأمل جمالها بفستانها الأرجوانى الواسع و الذى يراه يهفو من حولها بسعادة :
- " شهرزاد " .
كعادتها دائما عندما تقع أسيرة لنظراته الهائمة لا تقوى على الفكاك .. و تظل تتأمل تلك العيون السوداء صاحبة النظرة الثاقبة كالصقر .. كلما حاولت التحرر من شباكه تشعر أنها تغوص معها أكثر و اليوم باتت شباكه أكثر وقاحه .....
وزعت راندا أنظارها بينهم بتعجب من ذاك الصمت المتكلم .. و خرجت بهدوء تبتسم ابتسامة ماكرة .. و تركتهم لحديثهم الصامت .....
وأخيرا قررت قطع شباكه و الفرار منها و الجلوس أمامه على المكتب بثقة و قالت بنبرة تحمل كل اللوم :
- مفيش أهلا .. و لا سهلا حتى .
هز جاسم رأسه بابتسامة متسعة و قال بيأس :
- انتى إيه اللى جابك .
زمت وعد شفتيها بطفولة .. و شهقت بخفوت قائلة بنبرة محبطة :
- للدرجة دي .. و أنا اللى فاكرة هتفرشولى الأرض رمل و ورد .. تقوم تطردنى بالذوق .
التف حول مكتبه و جلس أمامها يتأملها بابتسامته الجانبية الخاصة بها و نظراته التى دوما تخبرها أنها ملكة قلبه و حياته دون منازع أو شريك .. قائلا بصوت حنون أصابها بالصدمة :
- على قد ما أنا أسعد إنسان دلوقتى .. على قد ما أنا خايف عليكى و عاوزك ترتاحى و متتعبيش نفسك .
لوت ثغرها بابتسامة مشاغبة و قالت و هى تنظر إليه بتهديد واضح و صريح :
- سيبك من الكلام ده هحاسبك عليه بعدين و قولى أخبار الشغل إيه .. سمعت إنك لايص من غيرى .
لوى ثغره و هو يقول بامتعاض :
- بتقولى فيها .. خمس سنين .. خمس سنين بشتغل و بنجح و بكبر شغل عيلتى و دلوقتى مش عارف أعمل أى حاجة من غيرك .. ده انتى سحرتيلى بقا .
وضعت حقيبتها على جانب و قالت بشك :
- انت بتصدق فى السحر و الكلام ده .
اقترب منها و هو يستند بمرفقه على ساقه هامسا بهيام :
- الوحيدة اللى سحرت شهريار و قدرت تحمى نفسها من سيفه هى شهرزاد .. سحرته بجمالها و حواديتها لغاية ما إستسلم و رفع راياته كلها رغم كل الستات اللى مرت عليه .. يا شهرزادى .
لأول مرة تحمر وجنتيها خجلا .. و نكست رأسها معتدلة فى جلستها بتوتر .. ثم قالت بجدية زائفة :
- يالا نسمى الله و نبدأ بالشغل الأقدم علشان نخلص بدرى و أروح بدرى .
رغم سعادته العارمة على خجلها و تورد وجنتيها فى حضرته و من كلماته الصادقة .. إلا أنه قرر مجاراتها و العودة لأمور العمل فلم يتبقى الكثير على امتلاكه الحصرى لها .. شهرزاده .........
استمروا فى العمل لساعات و لم ينتبهوا لذلك الغاضب و الذى اقتحم جلستهم بغضب هستيرى و هو يهتف بجنون منذرا بالشر :
- ابعدي عنى .. يا جااااسم .
حاولت راندا منعه بشتى الطرق و لكنها كانت وردة فى مواجهة الإعصار .. فصرخت قائلة :
- استني حضرتك ما ينفعش كده .
وقف جاسم متشفيا بحالته الغاضبة و وضع يديه بجيبى بنطاله قائلا بقوة :
- سبيه يا راندا و أتفضلى على شغلك .
رفعت راندا كتفيها بإستسلام و خرجت .. اقترب جاسم من أمير و هو يحدجه بإحتقار .. تلك النظرات الدونية المتعالية كانت كفيلة بإشعال نيران أمير أكثر و هدر قائلا بصوت مكظوم :
- فين لمى يا جاسم ؟!
هز جاسم رأسه بيأس قائلا بعفوية ساخرة بعض الشئ :
- لمى .. لمى مين .. أيوة قصدك البنت بتاعت الدار .. هتشوفها لما تشوف حلمة ودنك .
ضحكت وعد بخفوت .. و قالت بإيجاز :
- قصف جبهة .
ابتسم جاسم على مزحتها و هو يطالع أمير بتحدى .. بينما تحركت حدقتى أمير لتلك الجالسة تسخر منه بمنتهى السفاقة و الجرأة .. ليقطع جاسم تلك النظرات بجسده و هو يخفى وعد خلفه قائلا بتحذير :
- بص على قدك .
ابتسامة خبيثة ظهرت على محيا أمير .. ثم عقد ذراعيه أمام صدره قائلا بنبرة متسلية :
- وعد عيسى القاضى .. مش هى دى اللى مش مسموحلى أبص عليها برضه .
شعر جاسم بغضب يأكله حين لفظ اسمها ذلك الحيوان بتهديد مخفى و كأنه علم بأهميتها عنده فأومأ برأسه قائلا بصلابة مؤكدا :
- أيوة هى .. و يوم ما تبص ناحيتها بس .. يبقى تتشاهد على عمرك .
أشاح أمير بيده قائلا بقنوط :
- ما تهمنيش .. قولى فين لمى لأن دى بالذات هتطير فيها رقاب .
ضحك جاسم ضحكة عالية تبعتها ضحكات هستيرية .. ثم رفع كفه على صدره مهدئا لهاثه المؤلم ثم طالعه بقوة و هو يدنو منه كذئب يقترب من فريسته :
- ما هى هتطير فيها رقاب .. بس كفاية علينا رقبة سيادتك الكريمة .
اقترب منه أمير حتى باتا على مقربة من التصادم و رفع سبابته بوجه جاسم هادرا بصوت شرس :
- هرجعها يا جاسم و ساعتها هتدفع التمن غالى أكتر مما تتخيل .
و مال برأسه قليلا ناحية وعد التى تنظر إليه بإستهزاء و استطرد قائلا :
- و أظن إنه بقى عندك اللى تخاف عليه .
أمسكه جاسم من تلابيبه و قد اشتعلت عينيه بقوة و لم يدرى أمير تبعات تهديده الواهى عندما ضيق جاسم نظراته نحوه و اعتصر رقبته بياقة قميصه مهددا بثقة :
- ده أنا أدفنك مكانك بالحيا بعد ما أقطع من جتتك حتت و أرميها للكلاب تاكلها قدامك و بعدين أرحمك بموتك بعد ما تترجاه منى .
وقفت وعد قبالتهم و قالت بتهكم ساخر على غير عادتها :
- معلش يا باشمهندس انت الكبير برضه و بعدين الحل الوحيد للصراصير و عن تجربه هو الرش .
دفعه جاسم بقوة و شاركها تهكمها عليه قائلا بسخرية :
- حتى الصراصير الكبيرة اللى بتطير دي .
زمت شفتيها بتفكير ثم قالت بتقزز :
- ﻷ الصراصير الكبيرة دى الحل المصرى معاها هو الببش .. تلسعه على دماغه يموت فورا .
أخفى جاسم ضحكته بأعجوبة و هو يراها تتقدم ناحية أمير بثقة و قالت له بتشفى :
- ربنا لسه هيذلك و يكسرك و اللى انت بتقبض منهم و عاملهم أسيادك هما اللى هيدفعوك تمن كل قرش أخدته بس من عمرك .
ثم مدت ذراعها ناحية الباب و قالت بصوت أجش قليلا يحمل الحزم :
- ابقى سلملى على هيثم .. و أتفضل إطلع بره .
صك أمير أسنانه بقوة فتلك الجميلة القابعة أمامه تخبره أنها كشفت جاسوسه بينهم بثقة .. ثم تطلع بجاسم الهائم بتلك الجنية الساحرة .. و قال بغضب هادر :
- بحذركم لآخر مرة .. لمى هتطير فيها رقاب .
و تركهم و خرج يجر أذيال الحقد و الكره و الخيبة .. تمتمت وعد بكلمات غاضبة و جاسم يتابعها بهدوء حتى التفتت إليه بوجه محتقن بشراسة :
- بنى آدم حقير .. بس هانت و هيقع و نخلص منه .
اقترب منها جاسم قائلا بوداعة لا تتناسب مع همجيته قبل برهة :
- إيه رأيك نطلع للشركة فوق تشوفى العمال عملوا الديكورات اللى طلبتيها و لا ليكى تعديلات .
أومأت بحاجبيها و قالت بهدوء و قد عادت إليها ابتسامتها المشاغبة :
- يالا بينا .. بس الأول اطلب لنا فطار فاخر علشان محتاجة أخد الدوا بتاعى كمان نص ساعة .
أومأ جاسم برأسه بقوة و قال بجدية :
- انتي تؤمرى .. بس صحيح مين هيثم ده ؟!
ردت عليه بصوت محتد منفعل :
- ده الجاسوس بتاعه هنا فى الشركة .. ربنا وقعه فى طريقى النهاردة علشان أكشفه و إتأكدت من شكى لما إتغيرت ملامح اللى إسمه أمير ده لما سمع إسمه .
اتسعت عينيه قليلا و قد ارتسمت الدهشة على ملامحه ثم قال بجنون :
- هيثم ده اللى فى الحسابات مش كده .
أومأت وعد برأسها مؤكدة .. فخرج جاسم عن شعوره و سبه بألفاظ نابية .. ثم انتبه لوقفة وعد فاعتذر قائلا بتهذيب :
- سامحينى يا وعد غصب عنى .
أجابته بنبرة هادئة :
- مش مشكلة دلوقتى .. يالا بينا و لينا على الفطار .
خرجا سويا بعدما هاتف سامر و أخبره عن هيثم و طلب منه استضافته لبعض الوقت فى إحدى مخازنهم البعيدة .......
..................................
استقل أمير سيارته و هو يلعن جاسم بحقد .. ثم ضرب مقود سيارته هادرا بعنف :
- أنا هخليك تتمنى الموت يا جاسم يا إبن ال***** .
ثم أخرج هاتفه و أجرى اتصالا و انتظر قليلا حتى أتاه صوت الطرف الثانى فقال بنبرة آمرة ذات سطوة :
- عاوز كل معلومة و لو صغيرة عن اللى إسمها وعد القاضى دي و النهاردة .. وتبعتلى حد يراقبها مش عاوزها تغيب عن عنينا ثانية .. مفهوم .
أتاه الجواب بالموافقة و التأكيد .. فأغلق الهاتف دون كلمات أخرى .. ثم تطلع لمبنى شركة رحال و هو يزفر بضيق .. ثم عاد لعقله كلمات وعد عن هيثم و إخبارها له أنها كشفت مخططه .. إبتسم بخفوت عابس و قال و قد لمعت عينيه :
- يا إبن المحظوظة يا جاسم حتت بت نار قايدة .. لولا إن قلبى مش عاوز غير علا كنت خطفتها ليا لوحدى .. مدارية نفسها بلبسها الواسع بس على مين أنا جواهرجى و أقدر الفالصو من الأصلى من بصة واحدة .. و البت دى أصلى الأصلى .. أوووف .
ثم رفع هاتفه مجددا أمام عينيه و هاتف هيثم لتحذيره .. و انتظر حتى أتته تلك الرسالة المسجلة لتخبره أن هاتفه مغلق .. فأغمض عينيه هاتفا بنبرة محتقنة :
- ده وقت تقفل موبايلك فيه انت كمان .. عموما لو سبقونى ليك .. ربك معاك بقا .
و رمى هاتفه أمامه بإهمال أمامه و ارتدي نظارته الشمسية و هو يتوعد جاسم بإنتقام سيجعله يتمنى الموت و لن يناله ..........
....................................................................................................................
....................
عادت وعد مع جاسم لمكتبه بعد معاينة ديكورات مقر الشركة الجديد .. و بعدما اطمأنت أنهم نفذوا ما طلبته .. مرت على مكتبها فطلبت من سامر أن يأتى معهم ليتناولوا الإفطار سويا .. وافق على الفور و توجهوا لغرفة جاسم .. استقبلتهم راندا بإبتسامة ودودة و هى تقول بتهذيب :
- جهزتلكوا الفطار بنفسى .. بالهنا و الشفا .
شبكت وعد ذراعها بذراع راندا و جذبتها معها للداخل قائلة بصوت رائق كحالها :
- تعالى معانا انتى كمان و إوعى تقوليلى رجيم و دايت و الكلام الأهبل ده .
لم تجد راندا وقتا للإعتراض فقد أجلستها بجوارها بالقوة الجبرية .. طرق عبد الصمد الباب عليهم متنحنحا بإستحياء قائلا بهدوء :
- حمد الله على السلامة يا أستاذة وعد .
أشارت له وعد بذراعها و هى تقول ببشاشة :
- الله يسلمك يا مستر عبد الصمد .. تعالى لا كلام على طعام إتفضل .
فتح فمه ليعترض بتهذيب فباغتته قائلة بحزم :
- مفيش إعتراض .. إتفضل .
دلف هو الآخر و جلس معهم بينما توجه جاسم لمكتبه أجرى إتصالا مهما بصوت خفيض خافت .. ثم طلب من البوفيه إحضار الشاى إليهم .. و عاد لجلسته معهم فقط يتأمل وعد و ضحكاتها الساحرة و مداعبتها للجميع و بساطتها مع الكل .. و حديثها الذى لا ينقطع بمرح و لما لا وهى .. شهرزاده .........
لم تفت على سامر نظرات جاسم لوعد و الجديد نظرات وعد لجاسم .. تنفس مطولا و زفره ببطء و هو يوزع نظراته بينهم بشك ........
دلف الساعى بالشاى .. فشاركهم هو الآخر فطورهم بناء على رغبة وعد بالطبع .. و بعد قليل وصل أحد أفراد أمن البناية و معه علبة كبيرة .. أخذها منه جاسم و أشار لراندا لتتبعه .. و أخبرها أن توزع قطع الجاتو على الجميع إحتفالا بعودة وعد لعملها .......
بعد إنتهاء فطورهم المرح .. غادر الجميع و أخذت وعد دوائها فشعرت بثقل برأسها فقالت لجاسم بخجل :
- هو أنا لو طلبت أمشى دلوقتى أبقى بايخة .
هز جاسم رأسه بقوة قائلا بصوت مشتد منفعل :
- تعبتى طبعا مش كده .. أنا قولتلك من الأول روحى .. أطلبلك الدكتور .
ضحكت وعد و هى تتابع إنفعاله برضا .. فصلاة الإستخارة تؤتى بثمارها لتتأكد أنها على الطريق الصحيح .. فلهفة جاسم و خوفه عليها نابعين من قلبه دون شك .. دعت ربها بداخلها أن يزرع حبه بقلبها و تبادله مشاعره الصادقة و هى زوجته ......
منحته ردا قويا و سريعا وهى تقول برقة :
- متقلقش أنا كويسة .. بس شوية إرهاق .. ده غير أنهم فى البيت بيكلمونى كل خمس دقايق .
إبتسم لها إبتسامة حقيقية و هو يقول بصوت أجش خافت آسراً عينيها كعادته :
- خلاص روحى و طول الطريق هكلمك أطمن عليكى .
أدت له التحية العسكرية و قالت بطفولة :
- تمام يا باشمهندس .
التفتت برأسها ناحية سامر المتجمد مكانه يتابع حديثهم بتعجب .. قائلة بإيجاز :
- عاوز حاجة يا سامر .
هز رأسه نافيا .. قائلا بصوت قاتم كنظراته :
- ﻷ شكرا .
لوحت لهم بكفها قائلة بإيجاز و هى تنصرف :
- السلام عليكم .
تبعتها نظرات جاسم بشوق قائلا بخفوت :
- و عليكم السلام .
انتبه سامر لنظراته و ابتسامته الوالهة فوصل لأقصى مراحله من ضبط النفس فوقف مسرعا و أغلق باب المكتب ليعود معه جاسم لأرض الواقع .. ثم سأله بغضب :
- أخبار اللى اسمه هيثم ده إيه .
طالعه سامر مطولا ثم أجابه ببرود :
- بيتعمل معاه الصح دلوقتى .. و هيقر بكل حاجة .
- كويس .. بس عاوز أشوفه و يكون لسه فى حيل للى هعمله أنا معاه .
وتوجه لمكتبه و على وجهه ملامح غاضبة حادة .. لاحظ وقفة سامر المريبة فسأله بدهشة :
- مالك يا سامر واقف كده ليه .
ساد صمت طويل قبل أن يسأله ببطئ و جمود :
- إيه اللى بينك و بين وعد .
حك جاسم ذقنه قائلا بثقة دون أن تتردد ملامحه بحرج :
- هنتجوز .
رفع سامر حاجبيه بدهشة .. قبل أن يهتف بقوة و إستياء :
- انت قولت إيه ؟؟!!
هتف جاسم مكررا بصلابة و عزم :
- هنتجوز .. طلبتها من أهلها و هى وافقت و هنزورهم يوم الجمعة .. هنتفق على الخطوبة و كتب الكتاب و الفرح بعدها بمدة قصيرة علشان أهلها هيسافروا تانى .
ابتلع سامر ريقه بتوتر .. و لم تعد قدميه قادرة على حمله .. فجلس بإرهاق مما سمع فهناك عاصفة هوجاء ستجتاحهم جميعا .. أغمض عينيه و نكس رأسه قليلا ثم رفعها مسرعا قائلا بألم كلمة واحدة :
- و مالك .
سرت رجفة خفيفة بقلب جاسم مع سماعه لإسم صديقه أو أخيه بالمعنى الأدق .. تجاوزها مسرعا و هو يستند بمرفقيه على سطح مكتبه و هو يقول بلامبالاة هادئة :
- اشمعنا .
وقف سامر كمن لسعته حية و ضرب سطح المكتب بقوة و قال بغضب شرس و قد اشتعلت عينيه بقوة :
- انت هتستعبط .. ما انت عارف إنهم بيحبوا بعض .. و خليت مالك يسافر علشان يقدر يشترى شقته اللى هيتجوز فيها وعد .
وقف جاسم هو الآخر و رفع سبابته بوجه سامر محذرا بنبرة تكاد تخنقه من قوتها و صلابتها :
- مش هسمحلك تقول إنهم كانوا بيحبوا بعض .. وعد تعتبر خطيبتى دلوقتى و لو كانت بتحبه عمرها ما كانت هتوافق عليا .
مرر سامر أنامله فى شعرته زافرا بغل ثم قطع الغرفة ذهايا و إيابا .. قبل أن يستدير لجاسم مجددا و سأله بإنفعال شرس :
- انت مجنون .. هتدمر نفسك و هتدمر مالك معاك ..هو عمره ما أذاك و لا زعلك تقتله بإيدك يا جاسم حرام عليك .
ارتخت عضلات جاسم بوهن و قال بتنهيدة حزينة تحمل فى طياتها قلة الحيلة :
- حبتها يا سامر .. عندى استعداد أديها عمرى كله ..بس تبقى ليا و لو ساعة واحدة .. عاوزنى أسيبها لغيرى إزاى .
لم ينظر إليه سامر بسبب شعوره بالتقزز و النفور من مجرد رؤيته .. ثم قال بهيستيرية :
- تاخد حبيبة صاحبك يا جاسم .. مالك بيعشقها و مش هيستحمل غدرك بيه .
استنكر جاسم ما قاله و أعترض بشدة هادرا بتحذير :
- قولتلك دى فى حكم خطيبتى .. و إياك تجيب سيرتها مع مالك فى جملة واحدة .. هى إختارتنى لازم تفهم دي .. و هتبقى مراتى قريب جدا .. غصب عن أي حد .
هز سامر رأسه بيأس بينما إستطرد جاسم قائلا بقوة :
- مش انت برضه اللى قولتلى قبل كده لو رجع بيك الزمان عمرك ما كنت هتسيب علا لطارق حتى لو كنت هتخسره .. بتلومنى ليه دلوقتى .
إبتسم سامر بسخرية و قال بصوت هادئ ميت :
- صحيح أنا خسرت حب عمرى علشان قدرت صاحبى و أتوجعت فى بعدها أكتر مما تتخيل .. و كنت بموت فى كل ثانية بتخيلها معاه .
ثم رفع عينيه ناحية جاسم و إستطرد قائلا بنبرة ذبيحة مؤلمة :
- صدقنى كنت بموت .. بس فى آخر الليل كنت بنام ضميرى مرتاح .. وده اللى هتتحرم منه يا جاسم حتى و هى فى حضنك هتلاقيك ناقص حاجة .. وهتحس بوجع مش هيخليك تحس بثانية سعادة .
ثم ساد الصمت مجددا قبل أن يتركه و يلتف مغادرا بقسوة تاركا خلفه حطام رجل .. حطام صديق .. تحجرت الدموع بعينيه من كلماته التى لامست ذلك الجزء الذى يدعسه بقدميه بقوة كى يخمده بداخله ........
....................................................................................................................
...................
طوال طريقه بالسيارة و هو شارد بكلمات سامر المؤلمة .. ابتسمت شفتيه ابتسامة ميتة و هو يتذكر مواقفه مع مالك .......
صفر جاسم مطولا و هو يتابع بعينيه تلك الفرسة الجامحة المارة بجواره .. فجذبه مالك من سترته لينبهه أنها ابنة رجل مهم بهذا الحى .. ولكن جاسم لم يعير كلماته أي انتباه قائلا بسخط :
- يا ابنى سبنى مالك و مالى انت .. دي موزة من الآخر .
التفتت إليه الفتاة و قد اشتعلت عيناها بغضب مهلك و هى تصرخ بوالدها قائلة :
- ماشى يا حيوان أنا هوريك تعاكس بنات الناس إزاى .. يا بابا .. الحقني .
عض جاسم على شفته و قال بتنهيدة حارة :
- طب رقم تليفونك طيب .. و النبى عسل .
تنحنح مالك بخوف و هو يرى تلك الجدران البشرية تتقدم نحوهم .. ثم همس لجاسم قائلا بسخرية :
- أبو اليوم اللى عرفتك فيه يا أخى .. ده إحنا هناخد علقة .
وبالفعل وقف أحد الجدران أمام الفتاة و سألها بشراسة بصوت أجش مرعب :
- مين فيهم اللى إتعرضلك يا نوسة .
أشارت لجاسم بإبتسامة تشفى و قالت ساخرة :
- الحيوان ده .. عوزاكم تدبحوه .. و تسلخوه .. و تشفوه حتة حتة .
ضحك جاسم بسخرية و هو يشمر كم سترته قائلا بملل :
- و يا ترى هتبيعوا منى الكيلو بكام بقا .. إستعنا على الشقا بالله .
وبدأت المشاجرة الغير متكافأة فجاسم فى نهاية المرحلة الثانوية و تلك الجدران فى الثلاثينيات من عمرها و مالك يتابعهم بغضب .. ثم خلع سترته و رماها أرضا قائلا بحدة :
- على رأى المثل ما تصاحبش صاحب فى داهية يوديك .. و صاحب كلب فى الشدة يحميك .. معانا يا رب .
وهجم هو الآخر على أحدهم جاذبا إياه من رقبته .. و كال إليه اللكمات من الخلف .. قبل أن يستدير إليه الرجل و يحمله عاليا و يقذفه على الأرضية لتناله قدميه بقوة .. و جاسم يضارب إثنان أقوى منه يتلقى الضربات و يقابلهم بمثلها دون تراجع حتى إنتهوا برميهم على أحد الأرصفة كالقمامة .....
وقف مالك أولا و جذب جاسم ليقف على قدميه قائلا بنبرة ماجنة :
- قوم يا أخويا .. الله يحرق صحوبيتك الزفت دى .
وقف جاسم متثاقلا و يحمل ذراعه المكسورة قائلا بسخرية :
- بس شوفت انت الراجل البوابة ده .. فضلت أضرب فيه لغاية ما مت أنا من الضرب .
ضحك مالك و هو يتألم من ساقه التى يعرج بها ثم قال بتهكم :
- ليك نفس تضحك يا جبلة .. هموت و أعرف عجبك فى البت دي إيه .. دي صابغة شعرها لون فحلقى .
ضم جاسم ذراعه المكسورة لصدره و هو يتألم من الضحك ثم قال بحدة :
- هنخش بقا فى جو الهيافة و الجوافة و كده .. اتصل بحد يحصلنا على المستشفى .
أخرج مالك هاتف جاسم من جيب سترته بهدوء حتى لا يحرك ذراعه و هاتف والده الحاج فضل و أخبره بما حدث معهم .......
زادت إبتسامة جاسم و هو يتذكر هجوم مالك على الرجل ليبعده عنه غير مبالى بفارق القدرات و السرعات بينهم .. فقط ليحميه من بطشه ......
وقف بسيارته أمام إحدى مخازنه .. فاستقبله رجل من رجاله قائلا بترحاب :
- جاسم باشا .. نورت المخزن يا سيد الناس .
ترجل جاسم من السيارة و سأله بعينين تقدحان شررا :
- الدبيحة اللى جابوها الرجالة بتوع سامر فين .
أشار إليه الرجل بذراعه قائلا ببساطة :
- متعلقة و مستنية نشوفك هتقرر معاه إيه يا باشا .
دلف جاسم لمخزنه المهجور قليلا و تطلع بهيثم المقيد بعامود واقفا و قد انتشر بجسده كاملا سحجات و جروح .. منكسا رأسه بإرهاق .. جذبه من شعراته رافعا و جهه ناحيته و حدجه بنظرة شيطانية و هو يهدر شرزا بعصبية :
- بتبعنى يا إبن ال***** لل**** اللى إسمه أمير .. ده أنا هطلع ******* .
و مد ذراعه بالهواء فقذف إليه أحدهم بسلسلة حديدية .. التقفها ببراعة و لفها حول كفه ببطء شديد و هو يستدير حوله كالثعبان .. ثم سأله بصوت جهوري أجش يرعب أعتى الرجال :
- عاوزك تحكيلى بقا كل حاجة من الأول .. لغاية أسئلتك النهاردة لراندا السكرتيرة .
إتسعت عينى هيثم بفزع و هو يتابع السلسلة الحديدية الملتفة على كف جاسم ثم ابتلع ريقه قائلا بخوف :
- أنا معرفش مين أمير ده .. أنا مظلوم و الله .
رفع جاسم السلسلة عاليا و هوى بها على ساقيه .. فصرخ هيثم متألما .. فأحكم جاسم قبضته حول فكه كاد أن يخلعه من وجه و هو يصيح بشراسة :
- سيب ربنا بعيد عن كلامك لهخليك تقابله النهاردة .
هز هيثم رأسه بقوة قائلا بتلعثم :
- ﻷ .. خلاص هقول كل حاجة .. إرحمنى .
ابتسم جاسم بتشفى و جذب مقعد خشبى و جلس عليه عكسا و استند بمرفقيه على ظهره واضعا ذقنه عليهم .. ثم قال له بإنصات :
- قول يا قوال .
...................................................................................................................
.......................
مسحت وعد جبينها المتعرق و تنفست مطولا و قالت بإنهاك :
- حرام عيكى يا تيتة .. كل عضمة فى جسمى بتستغيث بوزير الصحة .
مصمصت الجدة شفتيها و لوت ثغرها بإمتعاض قائلة بحدة :
- ما هو انتى واخده عالراحة .. بس دلوقتى غير .. انتى هتتجوزى و هتشيلى مسئولية بيت و زوج .. اتعودى بقا أحسنلك .
وخزت روان روضة فى ذراعها قائلة بتشفى :
- تيتة وقعت فى وعد انتى مصدقة .. ﻷ و فحتتها شغل .
ابتسمت روضة بخفوت و قالت هامسة :
- بس بصراحة وعد معاها حق .. أنا جسمى إتفشفش .
هدرت بهم امتثال بعنف قائلة :
- بتودودوا على إيه يا بت انتى و هى .. إخلصوا بسرعة العصر قرب يأذن و أبوكم زمانه راجع للغدا و الضيوف هيوصلوا المغرب .. عاوزة البيت ده يلمع .
زمت روان شفتيها بإمتعاض و قالت بنبرة متوسلة و هى تطلع إليها بوهن :
- أنا لسه عروسه يا تيتة .. حرام اللى بيحصل فيا ده .
خرجت سلوى من المطبخ و هى تجفف كفيها فى المنشفة قائلة بإبتسامة مرحة :
- اطلعى يا روان يالا على شقتك و جهزى نفسك جوزك زمانه جاى يتغدى .. و مينفعش يشوفك بحالتك دي .. و الغدا هيطلعلك .
رفعت روان عينيها و قالت بفرحة :
- أحمدك يا رب .. تعيش ماما سلوى نصيرة الغلابة و المستضعفين .
رفعت وعد حاجبيها و حركت عينيها بملل و قالت ساخرة :
- انتى هتعملى مظاهرة فى الشقة .. غورى على شقتك يالا .
تغنجت روان بكتفيها و حركت خصرها بدلال و قالت بهمس لإغاظة وعد :
- أطلع أنا أجهز نفسى لعمورى علشان وحشنى موووت .
ضحكت وعد بسخرية و قالت بتهكم صريح :
- هههه .. وحشك قطر إن شاء الله و ياخدك بالحضن و يرزعك تحت عجلاته ما يعرفوش يلموكى يا بعيدة .
ضربت روضة كفيها ببعضهما و هى تتابع شجارهم المعتاد .. و لاحظت نظرات روان المنذرة بالهجوم الوشيك على وعد .. فقررت قطع تلك الحالة و هى تدفع روان قائلة بهدوء :
- يالا يا رونى على شقتك يا حبيبتى انتى تعبتى النهاردة .
أجابتها روان بتنهيدة مرهقة :
- عندك حق .. الواحد تعب علشان حتت بت ما تستاهلش .
انتصبت وعد فى وقفتها و صاحت بها بإنفعال :
- بتة لما تبتك يا خطافة الرجالة .. مسيرك هتقعى فى إيديا و هخلص منك القديم و الجديد .
حركت لها روان حاجبيها لإغاظتها و تركتها على نارها و صعدت شقتها .. وهى تفكر بحبيبها و قررت أن تتزين إليه رغم آلام جسدها .. فاليوم .. يوم العطلة .....
..............................................................................................................
....................
استند على سيارته يفكر بشرود .. و هو يتنهد بضيق .. حتى انتبه لطرقة خفيفة على كتفه فإعتدل فى وقفته والتفت برأسه و هو يطالع سامر بلوم ثم خرج صوته جافا و هو يقول بغضب :
- يومين ما أشوفكش يا سامر .. حتى الشغل مش بتيجى و قافل موبايلك .. للدرجة دي .
مرر سامر أنامله فى شعراته وقال بهدوء :
- طب تعالى نطلع البيت عندي مش هنتكلم فى الشارع .
هز جاسم رأسه نافيا و قال بابتسامة باهتة :
- مع إن الحجة وحشانى .. بس خلينا هنا أحسن .. توصل بينا إنى أندهلك من الشارع زي العيال يا سامر .
استند سامر بظهره على سيارته قائلا بشرود :
- انت صاحبى و هو صاحبى و مش هحط نفسى بينكم .. و محتاج وقت أفكر فيه مع نفسى خصوصا بعد ما علا رفضتنى .
ابتسم جاسم بسخرية و هو يعبث بقدمه على الأرضية بحزن :
- يعنى مش هتقف جنبى النهاردة .. أنا هروح مع عيلتى بيت وعد و كنت عاوز أحس بيك جنبى .
التفت سامر بجسده نحوه و قال بصلابة :
- اليوم اللى انت هتفرح فيه ..هيبقى اليوم اللى هيتكسر فيه خاطر مالك .. و أنا مش هقدر أباركلك و أفرح و صاحبى هيموت .
هز جاسم رأسه بإستياء قائلا ببرود قاسى :
- براحتك يا صاحبى .. كنت فاكر نفسى غالى عندك بس دلوقتى عرفت تمامى .
ملس سامر على ذراعه بشفقة و قال بصوت خفيض متألم :
- اللى بينا أكتر من الدم .. و خد بالك من كلمة اللى بينا .. إحنا كنا أربعة مفيش حاجة فرقتنا غير الموت لما حرمنا من طارق .. و انت دلوقتى هتكمل على اللى باقى .. و أنا هتحط فى كماشة بينكم و مش هختار حد فيكم و معنى كده إنى هخسركم انتم الإتنين
ارتدى جاسم نظارته الشمسية و التفت إليه قائلا بقوة :
- و انت جيت عليا أوي يا سامر .. و متشكر على وقفتك جنبى فى أهم يوم فى حياتى .. يا .. يا صاحبى .
و تركه و التف مستقلا سيارته و قادها مسرعا مخلفا و رائه عاصفة ترابية .. عقد سامر ذراعيه أمام صدره و هو يتابع بعينيه آثار سيارة جاسم بضيق و قال بنبرة قاتمة :
- السكينة سرقاك يا جاسم و الحب عمى عنيك .. بس التمن اللى هتدفعه لأنانيتك غالى قوى .
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية