رواية عشقت من الصعيد الفصل الثامن 8 - بقلم حنين عماد

الصفحة الرئيسية

رواية عشقت من الصعيد الفصل الثامن 8 بقلم حنين عماد

رواية عشقت من الصعيد الفصل الثامن 8

"ستعرف أنك قد وقعت في الحب اذا كنت لا تستطيع النوم لأن واقعك اخيراً أصبح أفضل من أحلامك" جملة قالها د. سوس ولكنه لو رأى كيف نام كل منهما بالأمس لفكر في جملته مرة أخرى .. وكيف لا ينامان وقد احتل كل منهما احلام الآخر .. لم يناما بل غرقا في النوم ، في الاحلام الوردية ، في الحياة التي يتمنوا ان يعيشوها يوماً ما .. يُعاد مشهد تمايلها على الموسيقى الراقصة في عقله مرة وراء الأخرى بينما في عقلها هي يتكرر مشهد رقصه بالعصا وتحطيبه بها مراراً وتكراراً إلا ان المشهدين قد اختلفوا قليلاً فبحلمه كان هو موجوداً معها يراها تتمايل مقتربة منه وهي تبتسم وعيونها تلمع ببريق الحب الذي يدق به قلبه وإن أنكر ذلك ، وبحلمها كانت هي محتجزة بين ذراعيه عن يمينها ويسارها والعصا الغليظة خلف ظهرها وصدره القوي من امامها لتصبح سجينة عينيه السوداء التي تعلقت بها منذ أول نظرة وباتت بها متيمة وإن أبت الإعتراف بذلك .. فهل سيستمر إنكاره و عنادها ام سيحدث ما يجعل الأفعال تعترف بما لم تفصح به الألسن مفشية اسرار القلوب
/////////////////////////
قالوا أن من هان عليه فراقك, هانت عليك ذكرياته ولو كان عزيزاً .. هل هذه الجملة صحيحة؟ إذاً لما لم تهن ذكرياته حتى الآن .. لماذا مازالت تحتفظ بكل ذكرى جمعتهم يوماً .. لماذا مازالت تلك الذكريات هي ما تُبقيها حية .. تتمنى لو تمتلك الجرأة يوماً لتمزق تلك الأوراق .. تتمنى لو تتمكن من نسفها, حرقها, تدميرها ولكنها اجبن من ان تفعل ذلك .. اجبن من ان تخرجه من قلبها .. اجبن من ان تنساه فكل ما تستطع فعله هو حبس نفسها بذلك المنزل حتى لا تعصف بها الذكريات .. حتى لا يزداد اشتياقها له .. حتى لا ترى مشاهد حبهم تتجسد في كل شبر بالبلدة .. تمسك بين يديها دفترها الحبيب الذي رافقها لمدة طويلة والذي اوشك ان ينضم لأخوته بدولابها مُكملاً قصة عذابها التي لاقته ببُعد ذلك القريب البعيد .. تشعر بحالها معه وكأنه حال الحادي والثلاثون من ديسمبر والأول من يناير قريبون للغاية ومع ذلك تفصل بينهما سنة .. ولكن هي لا يفصل بينها وبينه سنة بل سنوات وذكريات وجراح ودموع وقصة لا يعرف احد منهما جميع اركانها .. تنسدل دموعها على وجهها بقهر فها هي حضرت بالأمس زواج أخر .. زواج لفتاة ربما إن تزوجت هي في الماضي لأنجبت مثلها .. آآآآآآه حارقة سكنت صدرها وهي تتألم لتلك الأمنية التي لم ولن تتحقق .. لم تتزوج ولم تنجب .. لم تنعم بأن يكون لها ذرية من نسلها .. لن تسمع كلمة "ماما" التي تحلم كل أنثى بسماعها .. لن تحقق أي من أحلامها وهو السبب .. هو الذي بفراقه عنها هدم كل أحلامها .. هو الذي بفراقه عنها أخذ معه قلبها لتبقى جسد دون روح تنتظر موعد راحتها الأبدي فهل بالفعل تلك هي حياتها أم مازال هناك أمل في ظهور مَن سيرمم ما كُسر بالقلب
///////////////////
انتهت من تبديل ملابسها وفتحت باب غرفتها لتنزل بتهادي على السلم وقد دق الاستغراب بعقلها .. الساعة الآن أوشكت على التاسعة ولم يطرق أحد على باب غرفتها مُنبهاً إياها حتى تنضم للفطور الجماعي .. نعم تعرف ان ورد تزوجت بالأمس ولكن أين باقي أفراد البيت .. لماذا يعم الصمت البيت من كل حدب وصوب .. كادت بأن تنزل السلمة الأخيرة حين كُسر حاجز الصمت بصوته .. صوته الذي كرهته من قبل ان تسمعه .. ولكن مهلاً هذا ليس صوتاً بل أنيناً خافتاً .. أنين يشوبه الكثير من الألم والوجع .. حاولت تجاهله ولكن ازادت نبرة الألم بذلك الصوت الذي ينادي بنبرة تشبة الهمس .. يصرخ طالباً النجدة ولكن لا يخرج سوى همس ضعيف من صوته .. اغمضت عينيها بغضب لدقيقتين قبل ان تتحرك ناحية تلك الغرفة وهي تقدم رجل وتُأخر الأخرى .. عقلها يُعنفها آمراً إياها بتركه يُعاني بينما يصرخ قلبها مترجياً إياها ان تساعده .. وصلت امام باب الغرفة ليتضح أكثر صوت أنينه الذي وللمفاجأة أوجع قلبها .. أيتوجع قلبها عليه؟! أتتألم لألمه؟! .. لا هي لن تضعف .. لن تشفق عليه .. لن تسامحه .. كادت بالابتعاد عن الغرفة حين لاحظت ما جعل قدماها تتسمر بالأرض .. سمعت الأنين بدأ يشوبه البكاء .. أيبكي؟!! أيتألم لدرجة البكاء؟! .. وضعت يدها على مقبض الباب واخذت حفنة كبيرة من الهواء بصدرها قبل ان تدير ذلك المقبض ليظهر امامها جسده ووجهه الذي تراه لأول مرة .. كانت تتهرب دوماً من رؤية أي صورة له .. كانت تأمر عينيها أن تبتعد عن أي اطار قد تلمح وجهه به .. لم تكن تريد ان تراه ولكنها الان واقفة امامه .. ليس امام صورة بل جسد من لحم ودم .. جسد وإن كان اغلبه جلد يُغطي بعض العظام .. تراه لأول مرة وتلك هي الصورة التي رأته عليها .. نحيل وضعيف ولم يُوضح الكثير من ملامحه بسبب الشعر الأبيض والذقن التي تماثلها في اللون .. نظرت له قليلاً وهي تتعجب .. أهذا من فرق بين قلوب بالماضي؟! .. أهذا من ظلم أبيها مراراً وتكراراً؟! .. أهذا من وضع حجراً مكان قلبه ونسى أن له أبنه وحفيدة وبقى سنوات دون أن يراهم؟! .. أهو نفسه الذي يضع يده على صدره مغمضاً عينيه بألم .. تنحنحت وهي تقف على عتبة الباب ليعرف بوجودها غير راغبة بتوجيه اي كلمة له وبالفعل أحس بوجود أحد ليردف بنبرة متعبة
عبد الحميد(بنبرة متعبة وهو مغلق عيناه): الدوا .. الدوا
قالها وهو يرفع يده بضعف مشيراً لأحد الطاولات التي تبتعد عن السرير قليلاً .. حولت إيمان نظرها ناحية الطاولة لتُذهل من كم الأدوية الموجودة عليها .. أيأخذ هذا الكم من الأدوية؟ لماذا؟ منذ متى؟ هل أتت بمفعول؟ .. أجبرت نفسها على الخروج من تلك الأفكار مدعية اللامبالاة لتردف على مضض
إيمان(بجمود): أنهي دوا؟
عبد الحميد: الابيض .. الص.. صغير
قالها بأنفاس متقطعة لتتحرك هي بدورها ناحية الطاولة وتبحث عن ذلك الدواء الذي قال وصفه .. لم تمر دقيقة وكانت قد وجدته لتجد نفسها وبدون إرادة منها تنظر لإستخدام ذلك الدواء لتندهش حين وجدته دواء للقلب .. أهناك خطب بقلبه؟! قالتها في عقلها قبل ان يأتيها رد عقلها متهكماً أنه منذ زمن طويل يعاني من خطب في قلبه .. قلبه قاسي وظالم ومظلم , ربما لو وضعوا حجراً مكانه لكان ليناً أكثر .. نفضت تلك الافكار من عقلها لتتقدم منه وتمد يدها بالدواء دون ان تنطق بكلمة .. يده ترتعش .. لا يقدر حتى على رفعها ليُمسك الدواء لتقوم هي بإخراج الدواء وتضع حبة بيدها ثم تضعها بفمه دون ان تتطلع له .. لا تريد ان تراه بذلك الضعف حتى لا يحن قلبها .. لا تريد ان تراه مريضاً حتى لا تتعاطف معه .. تريده قوياً حتى تستطيع أخذ انتقامها منه فليس من عادتها استغلال ضعف خصمها .. خصمها؟!! .. لمعت الدموع بعيونها وتلك الكلمة ترن بعقلها .. جدها خصمها .. جدها الذي من المفترض ان يكون احن القلوب عليها خصمها .. جدها الوحيد الباقي لها خصمها .. عاشت حياتها بدون اجداد فوالدها كان يتيماً من قبل ان يُتمم العشرين من عمره, و قد عرفت من والدتها ان جدتها لأمها توفت هي الأخرى من سنوات طويلة ولم يتبقى سواه .. كان يعلم انه لم يتبقى من اجدادها سواه وبكل قسوة حرمها من عطفه وحنانه وحبه الذي مهما انكرت ظلت بحاجة لهم .. تريده ان يحتضنها .. تريده ان يدللها كما يُدلل الاجداد الاحفاد .. تريده ان يحبها .. انتبهت من شرودها على يده التي تمسك بيدها لتنتفض كمن لدغها عقرب .. نظرت له بعيون قد اغرورقت بالدموع لتجده يردف بنبرة هادئة
عبد الحميد(وهو ينظر لوجهها بعيون لامعة): تسلم يدك
ابتلعت ريقها لتلف وجهها وتبتعد عنه واضعة ذلك الدواء على الطاولة مرة اخرى حتى تغادر بسرعة من امامه لتتسمر بأرضها حين اردف
عبد الحميد: أتوحشتك يا إيمان
ظلت مولياه ظهرها لدقائق .. لا تريد ان تنظر له .. ليس وقلبها يدق بتلك القوة من جملة قالها وإن كان عقلها يتهكم منها
عبد الحميد: ايه .. ماعايزاش تردي عليا؟
عبأت بعض الهواء برئتيها قبل ان تلف وجهها له بقوة واهية سريعاً ما كادت ان تذوب حين اردف بنبرة حنونة
عبد الحميد(بنبرة واهنة وعيون لامعة): الشمش (الشمس) طلعت لما طليت في وشك .. خالتك ماكانش  معاها حج .. انتي أحلى بكتير
توترت نظراتها من كلامه .. تريد ان تخرج من الغرفة ولكن قدماها تعصينها .. رافضين الحركة .. رافضين الابتعاد
عبد الحميد: شعرك إكده أحلى .. ماتجصيهوش تاني
صُدمت من جملته .. كيف عرف انها اعتادت ان تقص شعرها قصيراً منذ سنوات .. كيف؟! .. وكأنه قرأ السؤال الذي يلمع بعينيها ليردف
عبد الحميد: اني كنت معاكي يا إيمان .. في كل خطوة كنت معاكي .. شوفتك اول ما اتولدتي .. شوفتك لما دخلتي المدرسة .. شوفتك لما نچحتي في الثانوية .. شوفتك لما دخلتي الچامعة .. شوفتك لما اتخرچتي .. شوفتك في اول جضية ليكي .. كنت معاكي خطوة بخطوة
هنا لم تستطع التحمل وانفجرت به مردفة بانفعال
إيمان: شوفتني في كل دول .. كتر خيرك والله .. كتر خيرك انك شوفتني في كل دول وولا مرة فكرت تاخدني في حضنك .. كتر خيرك انك شوفتني في كل دول وولا مرة فكرت تطبطب عليا وتقولي مبروك .. كتر خيرك انك شوفتني في كل دول وولا مرة فكرت تقرب مني وتقولي انا جدك .. انا بحبك .. انا عايزك في حياتي
قالت تلك الجمل بدموع تحتل وجهها مثلما يحتل صوتها الألم والوجع لتشهق بقوة وتنظر له بغضب مردفة
إيمان(بحدة): انت بتقولي الكلام دا دلوقتي ليه ها؟ علشان اعرف انك كنت موجود؟ ولا تكون فاكر ان بكلامك دا انا هنسى كل حاجة واترمي في حضنك ونعيط والجمهور يسقف وجملة النهاية السعيدة تنزل مش كدا؟ احب اقولك اطمن .. انا عمري ما هسامحك ولا عمري هنسى اللي انت عملته في ابويا
عبد الحميد(بنبرة يشوبها الألم): بلاش جسوة الجلب دي يا بتي
إيمان(بغضب وانفعال): انت اللي بتتكلم على قسوة القلب!! اتوجعت اوي من كلامي .. ماقولتش الكلام دا ليه لنفسك وانت بتبيت امي 27 سنة كل ليلة دمعتها على خدتها علشان انت حكمت عليها تعيش زي اليتيمة .. ماقولتش ليه الكلام دا لنفسك وانت بكل قسوة وجبروت بترمي شاب برئ في السجن وبتلفقله قضايا علشان تفرقه عن بنتك .. بتقول انك كنت بتشوفني ومعايا خطوة بخطوة, انت ماشوفتش الوجع اللي بيسكن قلبي في كل مناسبة لما كنت اقول يمكن يحن قلبه ويجي المرة دي وماتجيش .. ماشوفتش الغيرة اللي كنت بحس بيها غصب عني لما واحدة من صاحباتي وانا في المدرسة تقول انها هتقضي الاجازة مع جدها او جدتها وازاي كنت بتمنى اني اكون مكانهم علشان اعرف بس يعني ايه حضن من جد .. يعني ايه حبه وحنانه .. ماشوفتش كل ذرة كره اتكونت في قلبي بسببك .. ايوة , انا ماعرفتش الكره غير بيك وماكرهتش حد قدك
عبد الحميد(بدموع تغرق وجهه): سامحيني يا بتي .. اني غلوطت .. سامحيني
إيمان(بانفاس محتدة وعيون حمراء كالدماء): اسامحك! اسامحك على ايه ولا على ايه .. انا عمري ما هسامحك ولو كان مسامحتي ليك هي الحاجة اللي بينك وبين الجنة عمري ما هسامحك
قالتها وإلتفتت لتجد رحمة واقفة على الباب بدموع تنسدل على وجهها كالشلال .. كادت بالتحرك لتخطيها ولكن صرخة رحمة واندفاعها من جانبها صارخة بإسم جدها جعل قلبها ينتفض من مكانه ذعراً وجسدها يلتفت نحوه بلهفة تُكذب كل ما قالته منذ لحظات .. جحظت عينيها بصدمة حين وجدت ذلك المدعو جدها واقعاً ارضاً بجانب سريره ويده المضمومة إلى صدره تخبرها صراحة ان جدها يُعاني من شلل نصفي .. نبض قلبها بعُنف وخاصة حين احتضنت رحمة جسد ابيها وهي تبكي وتصرخ بينما كانت نظرات ذلك المُسن مثبتة على تلك الحفيدة التي فتحت الستار امامه لتكشف عن مدى بشاعة ما فعل بالماضي .. عينيه يملؤها الانكسار والحزن والرجاء والألم
زين: فيه ايه؟ چدي!!
قالها زين الذي اتى على صوت صراخ عمته ليُصعق حين وجد جده مرمياً على الارض بتلك الحالة وعمته تبكي غير قادرة على رفعه عن الأرض
زين(بلهفة وهو يحتضن جسد جده): ايه اللي حوصول إهنيه؟ .. جدي , انت مليح ماتخافش .. جوميه معايا يا عمتي
كل ذلك وهي تنظر ناحيته مصدومة .. لا تعرف اتساعدهم ام تغادر الغرفة حتى لا تشفق عليه اكثر .. حتى لا يتألم قلبها اكثر .. حتى لا تغفر له .. دب الرعب بقلبها حين رأته يغمض عينيه بضعف بعد ان ذرف دمعة تصف مدى ندمه وضعفه لتندفع نحوه دون إرادة منها وتعاون زين ورحمة على حمله ووضعه على السرير مرة اخرى .. بدأ زين توصيل الاجهزة بجسد جده كما اعتاد منذ سنوات وعاونته رحمة ليصدح صوت جهاز نبضات القلب بصوته المزعج معلناً توقف قلبه لتجحظ العيون وتصرخ رحمة صرخة ألم مُجلجلة هرع على صوتها من أتوا للتو من الخارج .. ما ان دخل سالم الغرفة حتى ارتجف بدنه من الصدمة وحُبست انفاسه بصدره وكأن رئتيه نست دورها في التنفس .. وقعت صفاء على ركبيتها بانهيار ونزلت دموعها الحارة على وجهها بينما لطمت صالحة على وجنتيها وهي تصرخ بوجع .. حدث كل ذلك بأقل من دقيقة وهي مغيبة عنهم .. لا ترى سوى جسده الراقد امامها ولا تسمع سوا صوت الجهاز الغير منقطع لتندفع فجأة ناحية جسده صارخة
إيمان(وهي تمسك تلابيبه وقد هربت الدموع من عينيها): لأ .. لأ مش هتموت دلوقتي
قالتها وصعدت فوق السرير بجانب صدره بالتحديد .. سحبت الوسادة الموضوعة تحت رأسه ورمتها بعيداً قبل ان تضم كفيها بشكل معين وتضعهم فوق صدره وتبدأ الضغط عليه بهدف إنعاش قلبه .. كل ذلك والدموع تحجب الرؤية عن عينيها ولكن لسانها يردد
إيمان(بتكرار وكأنها مغيبة): مش هسمحلك تموت دلوقتي .. لسة حسابي معاك ماخلصش .. مش هتموت دلوقتي
تقولها وتضغط بقوة على صدره راغبة في إعادة النبض لقلبه مرة اخرى .. تكرر الجمل بإنفعال وتكرر الضغط بقوة وتصميم أكثر ليندفع زين نحوها ويحاول إيقافها من ذلك الجنون الذي تفعله لتصرخ هي به
إيمان(بحدة يشوبها اللهفة): اوعى سيبني .. مش هسمحله يموت دلوقتي
كاد زين ان يجذبها عنوة حين تغير صوت جهاز القلب مُعلناً عودة النبض لقلب ذلك الجد من جديد وكأنه استمع لصوت حفيدته الذي يملؤه اللهفة الواضحة بدموعها التي تُغطي وجهها .. صُدم الجميع مما حدث .. أهي تهيؤات تلك التي يرونها .. عاد النبض! .. عاد بالفعل! .. لم يُمت!! .. نزلت إيمان من فوق ذلك السرير الصلب الذي ساعدها على إنعاش قلب جدها مرة اخرى وإعادة نبضه من جديد .. تحولت دموع الحزن لدموع فرح واندفع الجميع ناحية عبد الحميد بلهفة عداها هي بقت متسمرة بأرضها وعقلها يردد انها انقذته من الموت .. انقذت من كان السبب في كل ألم في حياتها .. بدأت تتراجع خطوة تليها الأخرى لتخرج من الغرفة وهي مازالت على حالتها من الشرود وعدم التصديق .. دموع لا نهاية لها تحتل وجهها تاركة اثرها على بشرتها .. لا تعرف لما فعلت ذلك .. أفعلاً لأنها لم تنتقم منه بعد ام انها لم تحتمل فكرة موته .. أيمكن ان يكون قلبها قد خانها وأحبه .. أحبه رغم كل ما فعله .. نعم , تلك هي الحقيقة التي لا تستطيع انكارها .. مهما فعل سيظل هناك مقداراً ضئيلاً من الحب بقلبها له .. مهما فعل لن تستطيع ان تفعل مثله .. لن تستطيع ان تنتقم منه

 
على الجانب الآخر وبمحافظة القاهرة وفي احد المخازن بالأماكن المُتطرفة نرى رجل كبير في السن مُقيد من يديه وقدمية وموضوع لاصق عريض على شفتيه وأمامه يقف هو بشره وعيونه الحمراء من شدة الغضب إلا انه نطق بنبرة باردة
امجد: ها .. هتفضل تاعبنا كدا
هز الرجل رأسه نافياً وقد بدا الإرهاق على وجهه ليقوم امجد بجذب اللاصق بقوة من على شفتيه قبل ان يقبض على عنقه بقوة
امجد: قووووول .. الورق فيييين؟
الرجل(باختناق): ب..م..وووووت
 امجد(بغضب جحيمي): هطلع روحك في ايدي لو ماقولتش الورق فين
بدأ لون الرجل يتحول للأزرق ليترك امجد عنقه ويردف وهو يجذبه من تلابيبه
امجد: طب هي أخدت الورق؟ .. رد عليا .. سكوتك دا مش هينفعك
الرجل(بأنفاس متقطعة): اااا.. انا ما.. ماعرفش حاجة
امجد(بتوعد ونظرات حارقة): ماشي .. هاتوها
قالها بصوت مرتفع ليأتي رجلين بفتاة في الخامسة والعشرون مُقيدة هي الأخرى من يديها ليردف امجد وهو يجذب شعرها بقوة
امجد: ها .. هتتكلم ولا نخلي الامورة تحصل امها الله يرحمها .. اتكلم وإلا هموتها قدام عينيك
الرجل(برجاء ولهفة): ابوس رجلك بنتي لأ .. انا هتكلم .. انا اخدت الورق .. واديته لأستاذة إيمان بس والله العظيم ماعرف هي راحت فين
امجد: ماشي .. وانا هصدقك .. خدوها
صرخت البنت ليردف ذلك الرجل برعب يشوبه الرجاء
الرجل: خلاص بقا سيب بنتي انا قولتلك كل حاجة
امجد(ببسمة شر): تؤ تؤ انا مش هسيب بنتك .. انا قولتلك تتكلم علشان ماموتهاش قدام عينيك واديني مش هموتها قدامك .. هموتها بعيد عنك بس بعد ما اخد مزاجي منها
الرجل(بصراخ وهو يحاول التحرك): لااااااا حرام عليك .. حسبنا الله ونعم الوكيل فيك
امجد(ببرود): ما انت اللي بدأت بالغدر وانت عارف ان الغدر اخرته وحشة .. فيه حد يخرج اسرار شغله برا .. ماتعرفش ان كدا غلط
نظر له الرجل بقوة حين علم انه ميت هو وابنته لا محالة ولكنه لن يُشعره بلذه انتصاره عليه
الرجل(بنبرة قوية): وأهي الاسرار دي هي اللي هتلف حبل المشنقة حوالين رقبتك انت والاوساخ اللي زيك
احمرت عينا امجد بغضب قبل ان يبتسم ابتسامة مختلة وقد لمعت فكرة شيطانية بعقله ستُؤتيه بتلك التي سعت لفضحه فقرر إنهاء حياتها حتى لا تهد ما بناه فهل سينجح ام سيذوق غضب من نوع خاص وسيلقى جزاء أفعاله

 
ما اصعب ان يكون الهرب هو سبيلك الوحيد للنجاة من احزانك .. ألا يكون بيدك شئ سوا ان تبتعد لأنك لن تتحمل البقاء .. تضع تلك الملابس التي اشترتها بحقيبة سفرها بعشوائية ومازالت كل دمعة تسابق الاخرى على وجهها مبللين تلك الملابس بقطرات الندى الساقطة من عيونها .. سترحل .. نعم سترحل .. ذلك هو الحل الوحيد .. لن تبقى هنا لحظة اخرى .. لن تسمح لقلبها بأن يغفر له فهو لا يستحق المغفرة .. صوت دق على الباب تبعه دخول خالتها التي توقعت ان ابنة اختها ستلجأ للهروب .. قرأته بكل ذرة بكيانها .. قرأته بعيونها التي ذرفت الدموع على ذلك الذي كانت تتوعده بألا تسامح لتكون اول من تحاول إنقاذ حياته .. تقدمت رحمة من إيمان لتردف
رحمة: كنت متوكدة انك هتعملي إكده
إيمان(بانفعال ودموع): عايزاني اعمل اييييه ها .. عايزاني اسامحه على كل الأذى اللي أذاه ليا ولأبويا ولأمي .. دا واحد مايعرفش غير انه يأذي وبس .. مايعرفش يحب
رحمة(بهدوء مقدرة انفعالها): بالعكس .. كل اللي عمله ديه لأنه حب
إيمان(وهي تنفي برأسها): لأ .. الحب مابيأذيش .. الحب مابيوجعش .. الحب مش كدا أبداً
رحمة: لإن حبك جدك غير .. جدك مش بس حب .. ديه عشج
ظهرت معالم عدم الفهم على وجه إيمان ولمع الفضول في عينيها ولكنها كابرت في الاعتراف برغبتها في معرفة ما حدث لتردف
إيمان(بكذب وهي تلف وجهها): انا مش عايزة اسمع حاجة ولا اعرف حاجة .. انا هرجع القاهرة دلوقتي حالاً
رحمة: طيب اسمعيني في الاول وبعد إكده إعملي اللي انتي عايزاه
صمتت إيمان قليلاً وعقلها يفكر أي حب ذلك الذي قد يدفع شخص لكل تلك الافعال .. أي حب قد يجعله يظلم ويقسو لذلك الحد .. رأت رحمة التردد يلمع بعيون إيمان لتربت على ذراعها مردفة
رحمة(بهدوء): اجعدي يا إيمان واسمعيني زين .. اني هجولك الحكاية كلها وهسيبك بعد إكده تعملي ما بدالك
بعد تفكير دام لدقائق جلست إيمان بفضول حاولت إخفاءه ولكنه لمع بعينيها وبقوة لتتنهد رحمة وتردف بهدوء
رحمة(وهي تجلس امامها): الحكاية ابتدت من 55 سنة لما چدك عبد الحميد اتخرچ من الچامعة وراح لأبوه اللي هو چدي عتمان المنياوي وجاله انه عايز يتچوز صافية بت خالته .. جدي عتمان في الاول ماكانش  موافج وكان عايزه يتچوز رحيل بت عمه بس چدك كان هيحب ستك صافية جوي جوي .. چدي عتمان ماكانش  عنده حاچة اسمها حب وكان شايف ان الحديت ديه مسخرة ورط مالوش لازمة بس چدك جال يا صافية يا مش هيتچوز واصل ولإن چدك الكبير عتمان عارف جد ايه ابنه راسه ناشفة وافج وچوزهاله .. عاشت ستك صافية مع جدك 4 سنين هنا وسعد .. ماكانش  فيه حاجة بتنغص عيشتهم غير كلام جدك الكبير عتمان عن انهم ماخلفوش واللي بسببه اضطروا يروحوا يكشفوا ويعملوا التحاليل اللي جالت ان ستك صافية صعب جوي جوي انها تخلف .. چدك عبد الحميد ماهموش بس چدي عتمان ماعداهاش واصل وجاله يتچوز بت عمه .. چدك رفض وجال انه ماعيزش عيال لو مش من صافية بس چدي هدده انه لو خالفه لا هيكون ابنه ولا يعرفه .. ستك صافية لما شافت الدنيا هتولع بسببها جالت لچدك يطلجها ويتچوز بت عمه بس هو مارضاش .. چدك ماكانش عايز غيرها لأنه كان بيحبها من وهما صغار .. چدك جاطع ابوه شهرين بس تحت اصرار ستك وكلامها كلمه من تاني وبلغه انه موافج انه يتچوز بت عمه رحيل بشرط انه مايطلجش ستك صافية
إيمان(بفضول): وبعدين؟
رحمة: وافج چدك الكبير عتمان على الشرط واتچوز چدك عبد الحميد من أمي رحيل
إيمان(بدهشة): مامتك؟!
رحمة: إيوة .. امي بعد ما اتچوزت ابوي مفيش سنة وربنا كان رازجهم بسالم اللي كان الكل طاير بيه طير واكترهم ستك صافية .. كانت هتحبه وكأنه ولدها ولإنها كانت طيبة وحنينة وصوح صافية كيف اسمها عرفت تكسب حب أمي وبجا اللي يشوفهم يجول اخوات مش ضراير .. حب امي لستك صافية خلى ابوي يحبها ويعيشوا في البيت في سعادة من غير مشاكل 
إيمان: وبعدين؟
رحمة: فاتت 5 سنين ويشاء ربنا سبحانه وتعالى ان ستك صافية تحبل وتچيب امك اللي چدك سماها صفاء علشان يكون اسمها فيه من اسم ستك .. چدك اتعلج بيها جوي جوي وفرح بيها يمكن اكتر من فرحته بسالم .. كانت ماتفارجهوش غير وجت النوم وبس
صمتت إيمان وهي تستمع لحديث خالتها عن جدها .. ذلك الحديث لا يُلائم ما عرفته عنه من قسوة وشدة .. اين ذهبت كل تلك الحنية واين ذهب كل ذلك الحب .. رأت رحمة التساؤلات تلمع بعيون إيمان لتكمل حديثها
رحمة: عاش ابوي مع امي وستك واخوي سالم وخيتي صفاء على الحال ديه 10 سنين .. چدي عتمان مات وچدك مسك العمودية وكان بيحكم بين الناس بالعدل والكل يشهدله بـ ديه .. كان ليل نهار بيحمد ربنا ويشكره على نعمته وإنه رزجه بالواد والبت .. لحد ما في يوم امي وجعت من طولها وطلبولها الداكتور اللي جال اني هشرفهم كمان 7 شهور
ابتسمت إيمان ابتسامة بسيطة لجملة عمتها التي اكملت
رحمة: وجتها سالم كان عنده 15 سنة وصفاء 10 .. وفعلاً چيت بس اني چيت من إهنيه وامي جاتلها حمة النفاس بس كانت شديدة شوية وراحت للي خالجها .. زي ما يكون كان ليها نصيب من اسمها .. رحيل وهي رحلت عن الكل وسابتني وأني بت يومين
صُدمت إيمان من جملتها .. لم تكن تعرف ذلك .. خالتها المسكينة لم تنعم بأحضان والدتها .. لم تراها ولم تقضي معها اوقات مثل التي قضتهم هي مع والدها .. ربتت إيمان على ذراع عمتها بهدوء مردفة
إيمان(بنبرة حنونة متعاطفة): ربنا يرحمها
رحمة: امين يا رب .. لما اني چيت البيت كانت فرحته مكسورة بس ستك صافية كانت شايفاني رحمة چيت عشان اهون عليهم فراج امي وعشان إكدة جالت لأبوي يسميني رحمة .. كنت بشوف في عينيها حب ليا أني وأخوي كأننا عيالها تمام .. عمرها ما فرجت بينا وبين صفاء بت بطنها .. كنت بشوفها كل شهر بتعمل خير وتوهبه لأمي وكنت اسمع كل اللي في البيت يجول انها وجت ما امي ماتت كانت اكتر واحدة حزنانة عليها .. كانت كل ما تجي سيرة امي ألاجيها تدعيلها بالرحمة .. كل الحاچات دي كانت كفيلة تخليني اني وسالم نحبها ونعتبرها امنا مش بس ام صفاء .. اتربينا احنا التلاتة في حچرها وكبرنا واحنا عارفين انها امنا .. اصل الام اللي تربي مش بس اللي تولد
إيمان: وبعدين؟
رحمة: چدك كل ما كان يشوف معاملتها لينا كان يحبها اكتر واكتر لحد ما بجت روحه متعلجة بيها .. والحج يتجال احنا كمان كنا متعلجين بيها .. هي كانت كيف الجفل اللي في السبحة اللي ماسك حبات السبحة عشان ماتنفرطش , هي اللي كانت مچمعانا ورابطانا ببعض .. فضلت حياتنا إكده لحد يوم ما يعلم بيه إلا ربنا لاجيناها وجعت من طولها في نص البيت .. اني وجتها كان عندي 9 سنين بس فاكرة مليح الخوف اللي سكن عيون الكل والرعب اللي بان على وش ابوي لما الداكتور خرج وجاله انهم لازمن يعملوا اشعة وتحاليل لأنه شاكك انها يكون جالها المرض الوحش وللأسف بعد الاشعة والتحاليل اتوكدنا من كلام الداكتور اللي جال انها في مرحلة متأخرة
لمعت عيون إيمان بالدموع وهي تستمع لنبرة رحمة التي اهتزت ولعيونها التي انبأوا بوشك هطول دموعها لتكمل وقد هربت اولى دمعاتها
رحمة(بنبرة متألمة وعيون شاردة): كنا شايفينها والمرض بينهش فيها وماحدش فينا جادر يعمل حاچة .. ابوي كان داير بيها عالدكاترة وكل واحد فيهم يجول انه مفيش امل .. مافاتش 6 شهور وصحينا الصبح على صرخة ابوي اللي رجت البت كله .. صرخة شجت جلب كل واحد فينا .. صرخة عرفتنا اننا خسرنا حربنا ضد المرض ديه وعرفتني اني اتيتمت للمرة التانية .. ابوي فضل مش مصدج اللي حوصول ديه وجفل على نفسه الأوضة معاها يوم بليلة رافض ان حد يدخل ولا انهم يغسلوها او يدفنوها .. كان بيصرخ كيف العيل الصغير ويجول انها ماماتتش .. سالم كان خايف على ابوي وبالذات لما صوت عياطه اختفى بالليل .. خفنا ل يكون عمل حاچة في نفسه بس كلنا اتفاچأنا انه تاني يوم الصبح فتح الباب وخرج ينادي عالغفر ينادوا المغسلة وراح بنفسه يجيب الكفن .. كلنا كنا بنبصله واحنا مش مصدجين كيف واجف إكده ولا دمعة نزلت منيه ولا بان حزنه , ماكناش نعرف انه روحه ماتت معاها وإنه دفن جلبه في الجبر اللي حط چسمها فيه .. لما خلص العزا دخل اوضته من غير ولا كلمة وجفل عليه لتاني يوم والصبح خرچ بس ماكانش  ابوي اللي اعرفه .. كان واحد ناشف وجوي .. ماكنتش عينيه هتلمع كيف الاول ولا الابتسامة ساكنة شفايفه .. كان مطفي .. چسم من غير روح
إيمان(وهي تحس بتألم قلبها): وبعدين؟
رحمة(بشرود): فضل الحال على إكده .. سنين تمر وأبوي على حاله ديه وكل مادا كان يتعلج اكتر بخيتي صفاء كأنه هيشوف ستك صافية فيها إكمنها كانت شبهها جوي جوي مش بس في الشكل وفي الروح كمان .. كان يخليها چنبه وملازماه كيف ضله ومنع خروچها من البيت علشان ماحدش يشوفها .. كأنه كان خايف تروح منيه كيف ما ستك راحت .. حتى انه رفض يدخلها الچامعة عشان ماتبعدش عن البيت .. سالم حاول كتير يكلمه بس چدك كان متعلج بيها بشكل كبير وأمك جلبها ماطاوعهاش تكسر كلامه ف رضيت وسكتت
إيمان: وبعدين؟
رحمة: خالك اتچوز وخلف زين .. كلنا جولنا يمكن زين يخليه يسيب خيتي تتنفس هبابة لكن ابداً .. فضل متبت فيها وكأنه عارف انها هيجي يوم وتتچوز هي كمان وتسيبه وديه اللي حوصول .. ابتدى يچيلها عرسان على السمع .. الكل كان عارف ان العمدة عنده بت في سن الچواز بس ابوي كان بيرفض كل عريس يتجدم ويطرده هو وأهله ويجول ماحدش هياخدها مني .. كالعادة خالك حاول يجنعه ويتكلم معاه على ان إكده حرام وماينفعش وإنه إكده بيظلم صفاء بس هو كان كل اللي چاي عليه انه مش هيسيبها تروح كيف ما ستك صافية راحت
إيمان(باستنكار وعدم تصديق لما تحكيه): بس دا مش حب .. دا مرض
رحمة: ومين جال ان الحب مش مرض يا بتي .. الحب هو المرض اللي مفيش منيه شفا ولو اتشفيتي منه تموتي .. چدك وصل في عشجه لستك لحالة واعرة خلته رافض يبعد امك عنه لمچرد انها بتها وشبهها
إيمان(بفضول): وبعدين؟
رحمة: فضل الحال إكدة وسنة تفوت ورا التانية لحد ما خيتي تعبت في يوم جوي جوي .. تعبها كان واعر وكان لازمن يشوفها داكتور
إيمان(بعيون لامعة): اللي هو بابا
رحمة(وهي تهز رأسها): إيوة .. ابوكي كان داكتور متعين جديد في الوحدة اللي في البلد إهنيه وچدك لما حس ان امك ممكن تروح منيه وافج ان حد غريب يشوفها وبعت چاب ابوكي اللي من اول ما عينيه نضرتها حبها
إيمان(بابتسامة حزينة): كان بيقولي (اول ما شوفتها وهي تعبانة حسيت اني انا اللي تعبان ومابقتش احسن غير لما شوفتها اتحسنت)
رحمة: ابوكي عالچها وخيتي بجت مليحة بس ابوكي كان جلبه طب فيها وهي كمان لما فتحت عينها بعد تعبها ولمحته جلبها دج ليه عشان إكده بعد ما امك ربنا شفاها ابوكي چه يطلب يدها
إيمان(بتلقائية): وجدي طبعاً ماعداش الموضوع
ابتسمت رحمة ونظرت لإيمان لتردف إيمان
إيمان: فيه ايه؟
رحمة: اصلك جولتي چدي
ارتبكت نظرات إيمان وهربت بعينيها مردفة 
إيمان: ايه اللي حصل بعد كدا؟
رحمة: كالعادة چدك رفض وطرد ابوكي بس اللي جوم البيت حريجة ان امك ولأول مرة تجف في وش چدك وتجوله كفاية
إيمان(بذهول وصدمة): ماما عملت كدا؟!
رحمة(وهي تهز رأسها): ايوة .. جالتله انها رايداه وانها عايزة تعيش حياتها كيف ما اخوي سالم عايش ومتچوز ومخلف .. هي كمان عايزة تتچوز وتكون ام
إيمان(بفضول شديد): وبعدين؟
رحمة: چدك لما سمع كلامها ديه العفاريت اتنططت جدامه .. مسكها من يدها وحبسها في اوضتها و..
صمتت رحمة بخجل مما فعل والدها لتكمل إيمان
إيمان(بعبوس يشوبه الغيظ): وخلى ناس تقدم محاضر في بابا بتقول فيها انه دكتور غير مؤهل وإنه وصفلهم ادوية زودت تعبهم وخلى ناس واصلين يحولوه للتحقيق ويشطبوا اسمه من النقابة
رحمة(بدفاع عن والدها): ابوي غلط بس غلطه ديه كان من حبه ماكانش  يجصد بيه اذيه
إيمان(بانفعال وهي تقف): يبقى عايز يحبسه ويضيع مستقبله ومايقصدش أذية؟!! دا لولا ان بابا لقى اللي يقف جنبه ويثبت ان البلاغات دي بلاغات كيدية كان فضل عمره كله في السجن وكان مستقبله اتدمر
رحمة(بهدوء مقدرة انفعالها): يا حبيبتي ابوي كان عايز يبعده بأي شكل عن خيتي وعجله وداه للحل ديه .. اني مابجولش انه ماغولوطش بس هو دلوكت ندمان على غلطه
إيمان(بتهكم وقد لمعت عيونها بالدموع): ندمان! بعد ايه؟! بعد ما اللي كان تعبه مات .. بعد ما ارتاح من اللي كان عايز يبعده عن ماما
رحمة: اسمعيني بس يا إيمان..
إيمان(مقاطعة بنبرة لا تقبل النقاش): انا سمعتك يا خالتو ولسة على قراري .. انا راجعة القاهرة
قالتها إيمان وهي تغلق حقيبتها وتحملها وتتجه لذلك السلم الطويل الذي وجدت تجمع كبير من افراد عائلتها بنهايته وبالتحديد امام غرفة جدها .. جذب صوت خطواتها انتباه الواقفين لتتحول انظارهم ناحيتها ويدق قلب زين بعنف حين لمح حقيبتها بيدها .. نزلت إيمان السلم ووقفت امامهم ليردف سالم وهو يحول ناظريه بينها وبين حقيبتها
سالم: رايحة فين يا إيمان؟
نظرت إيمان له لتردف بنبرة حاولت جعلها جامدة قدر المستطاع
إيمان: راجعة القاهرة
صالحة: ليه يا بتي هو حد زعلك؟
إيمان(بجمود): لأ بس انا عايزة ارجع
سالم: ليه يا إيمان .. احنا مش جولنا هتعتبري المدة اللي هتجعديها إهنه اچازة؟
إيمان: وبقالي اسبوع أهو بيتهيألي كفاية
صفاء: طب وانا يا إيمان؟
إيمان(بهدوء وهي تنظر لوالدتها): حضرتك تقدري تقعدي زي ما تحبي ..(ثم أكملت وهي تشيح بوجهها).. وارجعي بعد ما تطمني عليه
رحمة(وهي تقترب منها): وانتي يا حبيبتي هتجعدي لحالك في مصر؟
إيمان: ايوة
زين: كيف يعني؟!
إيمان(بحدة): زي الناس وياريت ماحدش يناقشني
كاد زين بالانفعال لردها عندما اشار له سالم بيده ان يتوقف واقترب من إيمان مردفاً بحنان مقدراً ما تشعر به .. نظر لها سالم قليلاً قبل ان يتنهد ويردف محاولاً إقناعها
سالم: إيمان..
إيمان(مقاطعة وهي تنظر له): عشان خاطري يا خالو ماتضغطش عليا .. حضرتك من 27 سنة ساعدت ماما انها تبعد عن البيت دا علشان كنت عارف انها مش هتكون سعيدة ولا مرتاحة فيه وانا النهاردة بقولك اعمل معايا نفس اللي عملته مع ماما .. ماتخلينيش اكون في مكان انا عارفة ان عمري ما هكون سعيدة فيه
سالم(بنبرة حنونة): إيمان يا بتي .. عشان خاطري فكري في جرارك ديه .. انتي إهنيه في بيتك ووسط أهلك وناسك وعيلتك
كادت بأن ترد معترضة حين فُتح باب غرفة جدها وخرج ذلك الطبيب التي لم تكن تعلم بوجوده .. حسناً هي رغبت في سؤال خالتها إن كانوا قد احضروا طبيباً ليرى حال جدها ولكن منعها عقلها من السؤال حتى لا يظنوا انها مهتمة به وبصحته .. اقترب الطبيب خطوتين ليردف بعملية
د. اسماعيل: الحمد لله الحالة استقرت ومفيش داعي يتنجل المستشفى والفضل بعد ربنا سبحانه وتعالى يرچع للي عمله الإسعافات الأولية بالسرعة والمهارة ديه .. لو كنتوا اتأخرتوا لحد ما چيبتوه المستشفى او استنيتوا لحد ما أچي چايز لا قدر الله ماكناش لحجناه
سُلطت الانظار عليها وهربت هي بعينيها حتى لا يرون بها فرحتها البسيطة التي لمعت بها رغماً عنها لأنها نجحت بإنقاذ حياته
سالم: يعني مفيش داعي اننا ننجلوه المستشفى يا اسماعيل؟
د. اسماعيل: لاه مفيش لزوم وبعدين انتم مچهزين الأوضة إهنيه أحسن من المستشفى بكتير .. اهم حاچة بس تبعدوه عن الانفعال وتواظبوا على الأدوية و ياريت تكلموه انه يعمل علاج طبيعي لأن ديه هيساعد جوي اننا نرجع الحركة للجزء اللي حصله شلل
سالم: ان شاء الله
حسناً يكفيها تلك المعلومات عنه .. بللت شفتيها بلسانها وأخذت نفساً عميقاً قبل ان ترفع رأسها وتُمسك حقيبتها مردفة
إيمان(بجمود ظاهري): عن اذنكم .. اشوف وشكم بخير
لم تكد تتحرك خطوة حين رن هاتفها مُعلناً عن وصول رسالة لها .. فتحت الرسالة وليتها لم تفتحها فقد جحظت عينيها بقوة مما رأته .. الصدمة ألجمتها .. أحست وكأنها فقدت القدرة على الحركة .. بدأت الرؤية تتشوش ببطئ ليترنح جسدها فجأة وبدون إنذار ويقع بين يدي ذلك الذي أحس بقبضة قوية تعتصر قلبه حين وقعت بين يديه ولمح وجهها يفتقر لكل معالم الحياة فترى ما الذي حدث وما الذي قد رأته وأدى لفُقدانها وعيها بذلك الشكل .. بل والأهم ماذا سيحدث وهل ستظل على قرارها بالرحيل ام ستبقى حين تشعر بقلبها ينبض مُخبراً إياها أنها عشقت من الصعيد
كاااااااااااااااااااااات .. كفاية لحد كدا النهاردة .. إلى اللقاء في الأحداث القادمة

google-playkhamsatmostaqltradent