Ads by Google X

نوفيلا الانسة ميم الحلقة الثالثة 3 بقلم منى الفولي

الصفحة الرئيسية

رواية الانسة ميم البارت الثالث بقلم منى الفولي

رواية الانسة ميم الفصل الثالث

تنفس الصعداء أخيرا، فالأمر هكذا أذن حماه العزيز قام بمحاولة لإفساد الأمر بينهما، عادت له ثقته وقد تيقن من عدم افتضاح أمره، ليصيح بثورة زائفة: والعياذ بالله، صحيح فيه، بس مش الكل طبعا كده، والأهم أن أكيد أنا مش كده، أولا لأني مكنتش فاضي للهبل ده، وكان كل اللي يهمني أني أقدر أوفر لأخواتي كل اللي محتاجينه، وثانيا لأني عندي أخت باخاف عليها من الهوا الطاير وباتقي الله فيها.
لتفاجأه بهجوم المباشر للمرة الثانية: يعني معندكش مانع تديني الجيميل بتاعك والباس ورد بتاع الأكونتس على كل مواقع التواصل والباس ورد بتاعها.تعرقت يده، وهي تتفحص هاتفه بسرعة تمسح كل ما يمكن أن يدينه، شاكرا حظره لمروة لإزعاجها المتكرر، وهو يراوغها لاكتساب وقت لإتمام مهمته: وليه الطلب الغريب ده.
لتزداد عصبية وهي تصيح: وهيفرق معاك في أيه لو معندكش حاجة تخبيها.
أسرعت يديه تنهي مهمتها وهو يتأكد أخيرا بعدم السماح باستقبال أي رسائل من غير الأصدقاء والأرقام المسجلة، ليتنفس الصعداء وهو يردف بهدوء: ومين قال أنه يفرق معايا: أنا كل اللي يهمني أنها تكون غيرة مش شك، لكن لو ده اللي يريحك، فمفيش أي مشكلة، هابعت لك حالا رسالة بكل الأكونتس والباس ورد، مرتاحة كده.
صاحت بسعادة وهي تستلم رسالته: مرتاحة، مرتاحة قوي، مش متخيل مرتاحة قد أيه.
ابتسم وعلى شفتيه ابتسامة هازئة لم تصل لنبرته المغلفة بحنان كاذب: وأنا ميهمنيش إلا راحتك.
صاحت فجأة بسعادة وحماس: المطبعة بعتت الايفنيت، شوف كده الديزاين عشان نديهم الأوردر.
تتطلع لتك الصورة التي أرسلتها والتي كانت من أرقى الدعوات التي رأها بحياته، ولكن هذا لم يكن يعنيه بشيئ، كل ما كان يهمه أن يقرأ تلك الصيغة التي تعلن اقتران أسمه باسم عائلتها، ليرفع صوته بالقراءة منتشيا وكأنما يحاول أن يقضي على أي توجس بضياع حلم العمر: يتشرف السيد صفوان الديب والسيد أكمل مصيلحي بدعوة سيادتكم، لحفل قران حفيدة الأول الآنسة {م} ، وابن أخ الثاني الأستاذ {فادي مصيلحي}، ليقطع قراءته فجأة وهو ينفجر بالضحك.
لتتسأل بدهشة: بتضحك ليه، أيه اللي يضحك في الايفنيت.
أجبها ومازالت الضحكات تتخلل كلماته: أصل لسه قريب قاري كوميك بيقول، في الدعوة مبيرضوش يكتبوا اسم العروسة ،عشان عيب لأنها من عيلة محافظة وبيكتبوا فرح الآنسة {س}، وتروح الفرح تلاقي الآنسة {س} مقضياها رقص وباست وحضنت كل المحافظة.
عاد إليها غضبها وهي تصيح: أنا يا فادي، أنا باعمل كده.
ساءه مزاجيتها وثورتها المتتالية، ولكنه حاول مضطرا لاحتواءها وهو يتظاهر بالمرح: لا طبعا دي سين لكن أنت ميم أحلى ميرو في الدنيا كلها، [محولا مجرى الحديث] أيه رأيك في الصور اللي بعتها لك.
اجابته بحماس وقد تبدل مزاجها فجأة: حلوين جدا، بس هي أيه الصورة اللي بالتوكسيدو وورد دي، دي في المطار صح. زفر براحة لهدوئها: أه ده كان فرح عملناه مفاجأة لصاحبنا اللي كان جاي بعروسته من مصر بفستان الفرح.
صاحت بحماس: شكلك كان يجنن كأن أنت العريس ممكن تبعت بقية الصور دي.
زم شفتيه بضيق متخيلا أنها تشك به، وتريد التأكد أنه كان عرس صديقه فعلا، ليزفر بضيق وهو يرسل لها الصور، فلامفر من مجاراتها واحتمالها حتى يضيع على والدها فرصة التفرقة بينهما
**********
أخيرا أتى اليوم الموعود، تطلع من خلال الشاشة، أفراد أسرته البسيطة تختلط بعلية القوم و منصة العرس من مقعد واحد وضعت بجانب موضع الشاشة، بينما بمواجهتها تلك الطاولة المزدانة بزهور نادرة لم يراها من قبل معدة لعقد القرآن، انطلقت موسيقى راقية من مكان ما بينما اتجهت كل الأنظار للجانب الأخر ليستطلع لما ينظرون ليرى عروسه تهبط درج القصر، بذلك الثوب المذهل ذو الوشاح الضحم الذي ينسال أحد طرفيه على وجهها بينما طرفه الأخر ينسدل خلفها لمسافة طويلة تحمل أطرافه بنات صغيرات يرتدين الزي الخاص براقصات الباليه، بينما أخريات يحملن سلال الورد يقذفن بها عروسه أثناء هبوطها حتى وصلت لأخر الدرج الذي كان باستقبالها عنده رجلان يعرف أحدهم وهو السيد زياد الديب بينما لا يعلم الأخر، لتتبطأ عروسه ذراع كلا الرجلين كلا من جهة ليصحبها حتى منصة العرس، بينما يسمع همهمات توضح بأن مصطحبي العروس هما والدها وخالها، لم يعنيه سوى تللك السعادة الجلية بملامح زياد فهل رضى أخيرا بتلك الزيجة، بمجرد جلوسها فوق المنصة تحرك زياد عائدا لوالده، دافعا كرسيه تجاه أحد أطراف الطاولة، بينما جلس أكمل على طرفها الأخر ندا له، وهو الذي ما كان يحلم برؤيته ولو من بعيد، شعر بنشوة غامرة فهو من منح عائلته ذلك الشرف وتلك المكانة.
حضر المأذون وأخذ يداعب الجميع لتناله دعابته بعدما عرف بشخصيته: عشنا وشفنا حتى العريس بقى أون لاين، [ليشاكسه ضاحكا] أنت عارف يابني أن المؤخر نص مليون، ولا عمك بيلبسك بالتوكيل اللي معاه.
ضحك الجميع بينما اجابه هو بمبالغة: عمري كله مايغلاش عليها.
ضحك المأذون وهو يعد أوراقه: بكرة تندم يا جميل بس ساعتها متدعيش على اللي اتجوز قبلك ومنبهكش اديني نبهتك وأنت اللي مصر، بس ممكن تدعي على اتجوز بعدك ولا سألكش عادي.
تعالت الضحكات ثانية لترتسم الجدية على ملامح المأذون وهو يردف بوقار: نبدأ على بركة الله.
بدأ بخطبة الزواج وتريدد فضله، وهو في حالة ترقب قصوى ينتظر انضمامه الي عالم المشاهير ولو بصفته زوج السيدة سليلة عائلة الديب، ولكن فجأة انقطع الاتصال ليهب منتفضا متفحصا أسلاك التوصيل ليرفع وجهها وهو يلمح خيالا ما فوقه لتعجله تلك الضربة خلف رأسه ليشعر بدوار مفاجأة وهو يرى تلك الصورة المهتزة لملثمين، لتفاجأه الضربة الثانية ليسقط مغشيا عليه فاقدا الأحساس بكل ما حوله.
**********
بدأ بخطبة الزواج وترديد فضله، لينقطع الاتصال فجأة وتختفي صورة العريس من فوق الشاشة، ليضحك المأذون مشاكسا: هو شكل العريس سمع كلامي وعقل، نخلص احنا على بركة الله.
ليشاكسه أحد شباب المدعوين: وهل ده يجوز يا مولانا مش لما نحمل العريس الأول.
ليستجيب لدعاباته ضاحكا: لو هنتجوز على سرعة النت في مصر هننقرض ياحبيبي، وبعدين عمه معه توكيل وأنا هصطب الجوازة دي يعني هصطبها.
ليرد الشاب مداعبا: ودي هتعملها أزاي دي.
ليجيبه المأذون ضاحكا: هاقفل الدفتر وافتحه تاني.
انطلق الجميع بالضحك وتبادل الدعابات، بينما اقتربت والدة فادي من مقعد صفوان، وهي تستأذنه بأدب: هو مينفعش يا باشا نستنى لما النت يرجع ويعرف يتصل تاني، [بنبرة أمومية حنونة] عايزه يحس أنه وسطنا وأشوف الفرحة في عينيه.
ابتسم لها صفوان بتقدير: أنا معنديش مانع يا حاجة، بس المشكلة أننا هنعطل المأذون، ده غير أن العروسة وراها طيارة عشان تسافرله، [ضاحكا] ومتهيألي أن دي هي الفرحة اللي هو مستنيها بجد.
انعقد حاجبيها وهي تغمغم بدهشة: تسافر له، هو مش النهاردة كتب كتاب والدخلة بعد سنة.
انعقد حاجبيه بدوره وهو يسألها مستنكرا: هو مقالكوش أنه صمم يبقى كتب كتاب وزفاف، وأنها تنزل كل سنة على الامتحانات.
سب أكمل ابن شقيقه بنفسه، لتهميشه على هذا النحو، ووضعه بهذا الوضع المحرج أمام أصهاره الذي يتمنى أن يناله منهم بعض الفضل، ليسرع بالرد بخيلاء كاذب: لا طبعا هو أستأذني أنا، أصل اللي ملوش كبير بيشتريله كبير، وأنا كبير العيلة كلها، ومحدش بيتحرك غير بشورتي، بس هو حب يعملهلهم مفاجأة.
توترت ملامح السيدة، وهي تطالعه بعدم تصديق، ليعلو بتلك اللحظة صوت المأذون: مش ينفع نستنى أكتر من كده يا جماعة، الله أعلم النت يرجع امتى وأنا ورايا مصالح تانية.
ليسرع أكمل بالرد بتعالي: لا هنخلص، عروستنا كمان وراها طيارة لازم تلحقها، وأنا كبير العريس ومعايا توكيل منه.
ليجيبه المأذون ممسكا بقلمه ودفتره: على بركة الله.
ليتتم الإجراءات وتتعالى الزغاريد، معلنة اتمام عقد القرآن، وبدأ فقرات حفل الزفاف بلا عريس.
**********
بغرفة صغيرة بسيطة ملحق بها حمام، كان فادي يدور بمحبسه بجنون، يخبط تارة، ويهدأ تارة ويصرخ أخرى مناديا على سجانه المجهول، فمنذ الهجوم عليه يوم عقد قرانه، أفاق ليجد نفسه بتلك الغرفة حبيس شخص مجهول لا يعرف عنه سوى صوته، الذي أخبره بأنه محتجز لديه لحين إشعار أخر، ويجب عليه الهدوء حتى لا يتعرض له بأذى، وهل هناك أذى أكثر من أن يحتجز لما يقترب من شهر دون ان يعلم من اختطفه ولما، هل هو الطامع بعروسه أم أسرة إحدى ضحاياه، أو من ظن بأن اقترانه بعائلة الديب تعلي من شأنه وتجعله جدير بالإفتداء بمبلغ ضخم من أصهاره، وهل صار صهرهم فعلا أم أفسد عقد القرآن عقب اختطافه، وهل علمت أمه باختطافه وكيف سيكون حالها لو علمت بالفعل، أفكار شتى تصيبه بالدوار، ليقطع أفكاره تلك صوت خاطفه وهو يدفع طبقا ورقي من أسفل الباب: الأكل أهو وأهمد شوية زهقتني، خلاص قربنا نخلص.
لم يرد عليه وهو يسحب الطعام بعنف، فهو يكاد يموت جوعا، فخاطفه لا يجلب سوى تلك الوجبة السيئة، التي أصبح يتناولها صامتا لسد جوعه وعدم إثارة غضبه، ورغم اعتياده على مذاقها المقزز، ألا أن بها اليوم شيئا مختلفا لا يعيه، لينتبه للأمر بعدما أصابه دوار حقيقي هذا المرة، ليدرك متأخرا بأن خاطفه قام بتخديره، وهو يسقط للمرة الثانية مغشيا عليه.
***********
أفاق من أغماءه، ليتطلع حوله بعدم تصديق، هل أطلق صراحه أخيرا، هل هو فعلا داخل سيارته بحديقة الفيلا التي يقطنها والتي سبق وخطف منها، وكيف لخاطفه ان يتحرك بمنزله بكل تلك الأريحية في كل مرة، نفض عنه أسئلته وهو يغادر السيارة متجها لباب منزله، فكل ما يحتاجه الأن الاتصال بأسرته لمعرفة ما حدث خلال غيابه، وحمام دافئ ووجبة ساخنة، ونوم عميق، ليفكر بعدها بتلك الأحداث الغريبة.
زفر براحة وهو يدلف لمنزله لتحتبس أنفاسه، وتتسع حدقة عينيه بذهول، وهو يرى تلك الشابة الجميلة جالسة أمامه بملامح جامدة وأعين منطفأة حزينة، ارتجفت شفتيه وهو يهمس باسمها في صدمة: مروة.
لم تتحرك أيا من خلجاتها وهي تنهض وتمد إليه يدها بجمود، حاملة هاتفه الذي دوى منه صوت صفوان الديب هادرا عبر مكبر الصوت: حمد الله على السلامة يا فادي، المرادي كانت قرصة ودن صغيرة عشان خاطر ميرو، ماهو برضو ميصحش أرمل بنت بنتي وأيتم ابنها وهي في شهر العسل، لكن لو قليت بأصلك تاني معها، فبافكرك بوعدي ليك أنك لو أذيتها تاني، ووصلتها للحالة اللي كانت فيها، هتتمنى أنك تكون مت قبل ما تتعرض لحد يخصني، [يلين صوته فجأة بحنانه المعتاد نحوها] خلي بالك من نفسك يا قلب جدك، ولو عوزتي أي حاجة كلميني، [لتتغير لهجته لصرامة موحية] ومتخافيش أنت تحت عيني طول الوقت.
فغر فاه بصدمة وهو يسقط على أقرب مقعد له، وهو يغمغم بعدم تصديق: جدك، جدك.
عادت لمقعدها بنفس الجمود، بينما دفن هو وجهه داخل كفيه يحاول استيعاب ما يدور حوله، ساد الصمت بينهما ليقطعه هو متسائلا بخفوت وقد تمالك رابطة جأشه: أزاي.
لتجيبه ببساطة وكأنما تخبره بأمر طبيعي: هو أيه اللي أزاي، ماهو قال قدامك، حفيدته بنت بنته.
لتتسع حدقتيه وهو يغمغم باستيعاب: أنت بنت نادين.
ابتسمت بتهكم وهي تغمغم بمرارة: تصدق أنه كان متأكد أنك عارف حكاية ماما، وعشان كده مالي أيدك أنه هيوافق ومش هيكرر نفس الغلطة.
سألها متعجبا: ليه مقولتليش أنك حفيدته أول ما اتعرفنا؟
تنهدت بحرقة متذكرة أول خطوات سقوطها: وأقولك أزاي وأنت كاتب اسم الشركة بالبايو، وزين مانعني أقول لأي حد علاقني بيهم، ده غير أني عاملة الاكونت من وراهم.
تذكر حديثها له عن تزمت أخيها معها وقسوته عليها ورفضه أن تمتلك حساب خاص على مواقع التواصل، وأنشأها لذلك الحساب الذي تحدثه منه خلسة بواسطة رقم هاتف ابنة خالها دون علمها أثناء اقامتها معهم بفترة الدراسة، فتحت الذكرى طاقة من نور امام عقله، ليعلم اجابة سؤال لطالما لح عليه، لما رشحها له التطبيق كصديقة محتملة رغم عدم وجود أصدقاء مشتركين، لاحت الإجابة واضحة بعد معرفته بشخصية ابنة الخال، التي استغلت مروة رقم تليفونها الذي كان مسجل لديه لكونه يعمل معها ويطمح للتقرب منها.
نطق لسانه بما وصل له عقله بشرود: مرام هي بنت خالك اللي عملتي فيسك برقمها من وراها، رقمها اللي أنا مسجله، عشان كده ظهرتي لي في اقتراحات الصداقة.
ثارت لأول مرة منذ معرفته بها: متنطقش اسمها على لسانك، هي انضف وأطهر من أن اتنين شياطين زينا يجيبوا سيرتها، ورغم أني طول عمري مابطقيهاش، لكن وقت ما أنت ضيعتني هي اللي انقذتني من أني أموت كافرة [رفع رأسه إليها يستكشف صدق كلامها عن الموت، لتؤكد له متهكمة] أمال أنت متخيل واحدة بعيدة عن ربها، لدرجة أنها عملت كبيرة من أكبر الكبائر، ممكن تعمل أيه غير أنها تزود جريمتها بجريمة جديدة، لولا لطف ربنا أنه بعتها ليا.
تسائل طالبا لمعرفة ما أوصلهما لوضعهما الحالي: أزاي فاهميني؟
التمعت الدموع بعينيها، لتمسح أحدهما بعدما جرؤت على الفرار من أسر جفنيها، فلا مجال للضعف أمامه ثانية: عادي عشت خاطية وجبانة وكنت هاموت كافرة، بعد ما كتبت كل اللي حصل واللي أنت عملته فيا، والمفروض أن الجواب كان يوصل لهم بعد ما أكون انتهيت، لكن النصيب أنها تلاقيه بعد دقايق بس من المصيبة اللي أنا عملتها، وربنا كتبلي عمر جديد بسببها ومش بس كده كتبلي ستر وتشريف أنا مستهلهومش.
ازدرد ريقه بصعوبة وهو يتخيل لو أنها ماتت فعلا، ورد فعل صفوان الديب بعد اكتشافه أنه وراء انتحارها، ليتسائل عن أكتر ما شغل باله: وبدل هي لحقتك وسترت عليكي زي ما بتقولي، صفوان باشا عرف منين.
رمقته بنظرة إشمئزاز، فهو كعهدها به لا يهتم سوى بنفسه تحدثه عن انتحارها فيتسائل عن معرفة جدها بفعلته: هي اللي بلغت جدي علشان يعرف يتصرف، [ضاغطة على حروف كلماتها متشفية برؤيته كأرنب مذعور] جدي للحظة كان هيعمل اتصالاته عشان يجبوك في شوال، لكن لما مرام قالت أنك فعلا شخص مش مريح وأنك كنت لازقلها وقت ما اتقابلتوا في الايفنت، وحاولت تراسلها على الفيس كمان، وهو غير رأيه وقبل صداقتك وكلمك على الفيس بوك.
شهق بصدمة: صفوان بيه هو اللي قبل صداقتي وراسلني.
شردت تفكر بما فعلاه مرام وجدها لها، وهي التي كانت دوما تظن بأن لا احد يكترث لها: تخيل، بس طبعا بعد كده كان لازم مرام هي اللي تكلمك، بس كان كله تحت عينيه وإشرافه، هو اللي كان بيقولها امتى تسكت وامتى تتكلم وتقول أيه كمان، حرك الخيوط كلها، لغاية ما وصل للي في دماغه، وأنك تتجوزني برضاك قدام العالم كله.
شعر بالإهانة لاستغفاله على هذا النحو، ليندفع صارخا دون تمييز لمكانة من يهدد: بس ده نصب، أنا ممكن أثبت اللي حصل وأفضحكم.
ضحكت هازئة، مذكرة له بحجمه الحقيقي: تفضح مين، أنت فاكر أنه لف اللفة دي كلها عشانك، باقولك كان ناوي يجبيك في شوال، هو كل اللي كان همه أنه يشرفني وأني أتجوز بشكل طبيعي قدام العيلة كلها، عشان كده فضل وراك لحد ماوصلك أنك تبعت أهلك لحد بيته يطلبوا أيدي، ويتمنوا موافقتي.
اعترض مستنكرا: بس هما طلبوا أيد مرام مش أيدك أنت.
ابتسمت مستخفة: هما طلبوا أيد ميرو، ومرام عمر مكان ليها اسم دلع، طول عمرها بتحب أسمها جدا وبتعتز بيه، أنا اللي أبويا سماني ميرو لأن جدتي صممت تسميني مروة على اسم عمتي، وماما كانت متفقة مع بابا من وهما بيحبوا بعض، أنهم لو خلفوا بنت يسموها أميرة، ولما مقدرش يكسر كلمة تيتا كتبني مروة ونادني ميرو لأنه ينفع دلع للأسمين سوا، وعشان كده كانت بتتعصب كل مرة تناديها فيها مرام لغاية ماعودتك تقول ميرو وبس، بس الغريب أن الخطة كان فيها غلطة كارثية، لكن طمعك عماك زي ما جدي اتوقع بالظبط .
انتابه فضوله عارم، وهو يسأل متلهفا: غلطة أيه؟
نظرت له كتلميذ فاشل مقارنة بعقلية جدها الجبارة : المفروض أنك عايز تتجوز بنت ابنه، ومع ذلك لما أهلك جم عرفوا أن العروسة بنت بنته معلقوش، وهو قال أنه كان واثق أنك مش هتقول لأهلك غير أنك هتتجوز حفيدة الديب، لأن ده بس اللي يهمك، واللي مخليك عايزها.
غمغم بدهشة: ولو كنت قايل لهم، والموضوع أنكشف.
أردفت ببساطة: قال ساعتها نرجع لموضوع الشوال، بس هو كان متأكد زي ما قولتلك، وخصوصا وهو زنقك في الوقت جدا، وأنك في خمس أيام بس المفروض تحاول تظبط شغلك وتخلص إجراءات التوكيل، وتخرج تتفسح عشان تجيب الصور اللي مرام طلبتها، وطبعا تفضل تكلمها طول الوقت عشان تضمن أن محدش يأثر عليها، فكنت هتجيب منين وقت ترغي مع أهلك بالتفاصيل.
شعر بغصة لخداعه على هذا النحو فصاح متشدقا: بس في غلطة أهم فاتت على الباشا، أنك حامل في حوالي تلات شهور ، واحنا متجوزين قدام الناس من شهر واحد، يعني لسه أقدر أفضحك وابين حقيقتك قدام العيلة اللي شرفك قدامها.
اتسعت ابتسامتها المستخفة: قدام الكل احنا بقالنا شهر بنقضي أجمل شهر عسل، وأي قلق هتعمله بعدها هيكون بسبب أن جدو أكتشف التلاعب في حسابات المكتب هنا، وعشان كده بتحاول تعمل شوشرة.
تسائل ببلاهه: تلاعب أيه، أنت مجنونة.
أجابته بثبات: طبعا أصل عقلك كان مشغول أزاي توقع مرام، ومختش بالك من كام ورقة كده وقعتهم، يعني أنت اللي هتتفضح مش أنا، لأني مش أول واحدة تولد في السابع، ومفيش أسهل من أني أعمل دي أن أيه، تفتكر كلام فينا وقتها اللي هيتصدق، أمال أنت اتخطفت ليه.
انتبه لأمر هام ليهتف بلهفة: أمي، أمي وأخواتي، أزاي مدوروش علي كل الفترة دي.
ابتسمت بمرارة وهي تقترب لتفتح هاتفه على محادثاته لأمه: وهو في حد برضو هيدور على عريس قال بنفسه أنه مش عايز حد يتصل بيه؟
لينظر لها بعدم فهم وهي تضغط تشغيل إحدى الرسائل الصوتية، لتتسع حدقتيه ويفغر فاهه وهو يستمع لصوته المرح يصدر عنه: أيه رأيك في المفاجأة دي.
ليرى أسفل الرسلة بأنه قد أرسلت عدة صور له، تلك الصور التي أرسلها لمرام من زفاف صديقه ولكن بعد تعديلها ببرنامج دمج الصور لتضاف صورة مروة بفستان زفافها، ليبدو الأمر كأنما كان في استقبالها بنفسه بالمطار كأي عريس محب.
لتتوالى بعدها عدة رسائل صوتية، اشتركت كلها بمرحه وسعادته الجلية بصوته.
ـ أنا أسعد مخلوق في الدنيا.
ـ ربنا راضي عني وحققلي أغلى حلم حلمته في حياتي.
ـ شهر عسل كامل، هنلف فيه الإمارات كلها.
ـ شهر كامل هنقفل فيه الموبايلات لانكلم حد ولا حد يكلمنا، ونعيشه لبعض وبس.
ـ هانبعت صور من كل مكان نروحه ونطمن...
انتهت الرسائل، لتتبعها عدة صور، هي صور نزهاته التي طلبتها مرام وقد أقحمت بها صورة مروة بنفس الطريقة ليبدوا كزوجان سعيدان بشهر عسلهما، ليجد بعدها إشعار لإجراء مكالمة صوتية استغرقت عشرة دقائق، ليغمغم بدهشة: أمال مين اللي رد على ماما.
أجابته بتلقائية: أنا طبعا وقلتلها أنك في الحمام وهي اتحرجت جدا وقفلت، بس بعدها أنا قفلت التليفون عشان مش كل مرة هاقولها في الحمام، ولما قلقت اتصلت بجدي وهو قالها أننا رحنا نعمل سفاري أسبوع في الجبل وأن هناك مفيش شبكة.
لم يعلق على كلامها بشيئ وعقله يجمع كل الخيوط ويتذكر كل خطوة كان يظن أنه يخطوها بإرادته بينما بالحقيقة أن جدها كان يحركه كما يريد ليحقق مأربه هو، وبينما هو يتأهب لتسديد هدف حياته، سحب منه الكرة ببساطة شديدة وسددها بمرماه هو بمنتهى القوة.
تحرك بآلية تجاه غرفة نومه، يجر قدمه جرا وهو يتهكم بانكسار: هجمة مرتدة.
**********
تمطأ بإرهاق وهو يفتح عينيه ليغلقهما بسرعة ويعاود فتحهما تدريجيا، متعجبا بأن الوقت مازال صباحا برغم إحساسه بأنه نام لفترة طويلة، نهض بسرعة وهو يشعر بوحوش الجوع تنهش أحشاءه، دخل للمطبخ فلم يجد سوى عدة علب خط عليها أسم أكبر مطاعم دبي، والذي لا يسمح لمن هم بمثل ظروفه من الدلوف عبر بابه من الأساس، بها بقايا طعام جاهز، لينهال على تلك البقايا يلتهمها بشراهة، لينظر بلامبالاة لتك التي دخلت تتهادى وهي تقول متعجبة: مكنتش أعرف أنك صحيت، جدي لسه كان بيسأل عليك قولته أنك لسه مصحيتش من ساعة ما نمت امبارح.
هكذا أذن، لقد نام يوما كاملا، وهذا طبيعي جدا بعد كل ما عناه، لذا أجابها مغتاظا بفم مملوء بالطعام: البركة في جدك ورجالته، طول الوقت تخبيط ورزع مكنتش بنام، ساعتين على بعض في اليوم.
غمغمت بغموض: شهر بشهر والبادي أظلم.
تمتم بعدم فهم: أيه.
أجابته بثبات: جدي من ساعة ما عرف أنك كنت السبب أني أفضل حوالي شهر لا عارفة أكل ولا أنام، لحد ما وصلت لمحاولة الانتحار، حلف أنه يدوقك اللي دوقته، وأنه يعيشك نفس القلق اللي أنا عيشته وأنا مش عارفة هتفضح ولا هاتستر عليا، بأنك متبقاش عارف مين خطفك وليه وناويلك على أيه، وزي ما أقالك في التليفون، ده كان عقاب صغير وقرصة ودن.
توقف عن الطعام وهو ينظر لها بكره، محاولا تقيم خصمه من جديد بعدما قدره بأقل من قدره بالمباراة السابقة، ولكنه الأن يعرف من يواجه، ولن يسمح لها بهزيمته ثانية، فأن فرض عليه زواجها، فسيفرض هو شخصيته ويكسر عنفوانها الجديد المستمد من جدها، ليردف متهكما: طيب أنا واتعاقبت، وأنت بقى هيعاقبك، ولا الموضوع عندكم عادي، متعودين على كده من أيام الوالدة الله يرحمها.
أصابت كلماته جرح غائر لم يندمل أبدا، فاحتقن وجهها وهي تفر من أمامه هاربة، بينما علت ابتسامة انتصار شفتيه وهو يعود للطعام بنهم، فهاهو قد أحرز أول أهدافه بشباك كبرياءها الوهمي، وسيواصل الهجوم حتى يتحطم تمام وتعود تلك الخاضعة المتذللة له، ويعود لفرض شروطه لاستمرار تلك الزيجة، التي قرر استمرارها، ففي كل الأحوال هي ابنة عائلة الديب، وسينالها من ثروتها وأن لم تنفرد بها كما كان يأمل، ولكن لا بأس، عليه الأن الرضا بالوضع الحالي، فأن خسر مباراة كأس العالم، فلا بأس بالدوري المحلي.
يتبع الفصل الرابع اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent