Ads by Google X

رواية ابتليت بعشقك الفصل الثالث والعشرون 23

الصفحة الرئيسية

 رواية ابتليت بعشقك الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم بسنت علاء

رواية ابتليت بعشقك الفصل الثالث والعشرون 23

هزت رأسها موافقة ليقول بعد أن قبل باطن كفيها ثانية 
-: و أول الأسبوع القادم ، ستكون خطبتنا و عقد قراننا..
تجلت ملامح الصدمة على وجهها لتسحب كفيها من حصار كفيه متلجلجة
-: ماذا ؟ أي خطبة ... و أي عقد ... قران هل قررت هذا مع نفسك ؟ 
عبس ومازال جاثيًا ليسألها بقلق لم يزل
-: ماذا يا ملاك ! ألا تريدين أن نتزوج ؟ أن يكون بيننا شيء رسمي على الأقل دون إغضاب الله ! 
تلبكت ولم تعرف ماذا تقول ليسأل هو عابسًا برجفة خوف أحست بها
-: ألم تسامحيني بعد ؟ ألا تريدين الزواج مني ! أمازال الماضي يؤرقك إلى هذه الدرجة ؟؟
هزت رأسها نفيًا بقوة هاتفة 
-: ما تلك الحماقات التي تتفوه بها ! كل ما في الأمر أنك ... فاجئتني فقط و أن .... 
تلكأت الكلمات على لسانها وهي تشعر بغصة بكاء تخنقها ليحثها بهزة من رأسه
-: عـ...رج قدمي ، سيأخذ وقتًا حتى يزول وفي النهاية لن .. يزول كليًا ، سيظل موجودًا ، أرى أنك يجب أن تعيد النظر في هذا الموضوع ، أي أنني أصبحت ... معطـ...وبة! ، لا أريد الشـ..فقة أن ... تسيطر ... عليك!
تكبدت الكثير من العناء لتتفوه بهذا ! لكنها فعلتها رغم تمزقها الداخلي ! يجب أن يضعوا النقاط على الأحرف من الآن فهي لن تحتمل أن يعايرها أو يجرحها ولو بنظرة بعد سنوات ، بعد أن يخمد بركان الحب الثائر بقلبه ، بعد أن تزول فورة العواطف الشابة وتنقشع غمامة الحب الكامل ! ، أخذت نفسًا عميقًا ، تجاهد لكي لا تنتحب كالأطفال لتجده يصيح بجنون جعلها تنكمش على نفسها وهو يهب واقفًا بعد أن استوعب كلماتها
-: أتقصدين حقًا ما تفوهتي به !! يا الله هل أنتِ حمقاء إلى تلك الدرجة ! أطفلة أنت بعمر التاسعة لكي لا تستطيعي التفريق بين رجل يتصرف بدافع الشفقة اللعينة ورجل عاشق حتى النخاع ، عاشق صامت لسنوات حتى أضنى العشق قلبه ! 
ألهذه الدرجة لا تستطيعي رؤية مقدار حبي لكِ ؟ أم أنك تريدين التملص في نهاية المطاف فتتفوهين بتلك الترهات !! 
كان يدور في الغرفة غارزًا كفه بين خصلات شعره ، يلهث من فرط الانفعال شاعرًا بوجع لا يحتمل ينتشر في صدره جراء صياحه والجهد الذي بذله ، لكن ألم قلبه كان الغالب ! فها هي حياته تنهار ثانية أمام عينيه ! ها هي معشوقته ترفض عشقه ثانية ! 
التفت إليها وقبل أن يشرع في التكلم أخرسته دموعها التي تشق وجنتيها لتشق قلبه بسكين حاد ! 
منقادًا ، ذهب ليجثو أمامها ثانية صامتًا ، يعذب نفسه برؤيته لحرقة بكاءها ، يتحرق شوقًا لضمها بين ذراعيه وتهدئتها بطريقته! ، ليهمس بعد أن نفذت قدرته على الاحتمال 
-: كفى دموعًا أرجوكِ إنها تحرقني حيًا !! 
نظرت له والندم بادٍ على محياها مخالطًا للألم ليكمل بهمس
-: آسف لانفعالي ! لكنك ... آلمتني بكلامك يا ملاك ! أشعرتني أن حبي لك محض أوهام بالنسبة لك ! ، أنك لا تكترثين بمشاعري مثقال ذرة ! 
أخذ نفسًا عميقًا وهو يراها تشهق بتقطع ليقول وعيناه لم تبرح عينيها ناظرًا لعمقهما ، يود أن يحفر كلماته حفرًا بداخل قلبها قبل عقلها 
-:  إن كان أحدنا معطوب فهو أنا ، أنا معطوب القلب والروح الذي طيبتي جراحه أنت ! أن تنعتي نفسك بذلك يعني أنك لا ترين نفسك بعينيّ بعد كل هذا ! 
يا ملاك الروح كل عطب ترينه في ذاتك هو قمة الكمال بالنسبة لي ، إن فكرتِ جيدًا فأنا من يجب عليه الخوف من المستقبل ! أن تدركي يومًا كم أنت غالية وكم أنني لا استحقك وتطلبين الرحيل ! 
هزت رأسها نفيًا بقوة وهي ترجع للبكاء هاتفة بـ "لا" عدة مرات ليرفع يده بتردد ويكفكف دموعها ، أدارت وجهها للناحية الأخرى عابسة وهي تزيح يده لتقول بنبرة طفولية متبرمة ومازالت تبكي
-: لقد ... لقد نعتني بالحمقاء
قالتها وانفجرت بالبكاء وكأنها تتصيد الأسباب لتفرغ كل ما بداخلها من الشحنات السلبية فابتسم بحنان وهو يمسك بذقنها ، يدير وجهها إليه ليقول لعينيها بذات الابتسامة مراضيًا
-: أنا الأحمق
ظلت على عبوسها مانعة ابتسامة وليدة من الظهور ليضحك هو ضحكة صغيرة مكملًا 
-: أنا الأحمق صغير العقل ! أيرضيك هذا يا مالكة القلب؟
لم تستطع الافتعال أكثر من ذلك فضحكت بخفوت وسط دموعها لتتسع ابتسامته ليقبل كفيها هامسًا 
-: آسف ! 
أومأت برأسها لتهم بالتكلم لكنه قاطعها وملامح الجدية ترتسم على محياه ناظرًا لها عن كثب
-: لنتفق أولًا ! لا تتفوهي بتلك الأشياء ثانية حسنًا ! فأنت بعيني الكمال بذاته و .... و عقد القران أول الأسبوع أي بعد أربعة أيام حسنًا ؟ 
ترددت ليغرق كفيها تقبيلًا هاتفًا بين كل قبلة وأخرى
-: نعم ، نعم ، قولي نعم 
فابتسمت بفرح وهي تومئ برأسها ، وقد كانت ابتسامتها الصافية تلك كفيلة لانتقال عدوى الابتسام إلى وجهه فابتسم بهيام حتى ظهر صفىّ أسنانه مع تسرب الكلمات الهامسة من فمه تلقائيا دون أن يشعر 
-: ياما وياما قالوا عن الحب وياما وصفوا الثغر البسّام هباءً إذ لم يروا ابتسامة منك ياما فاح منك عبير خزاما حركت في روحي جمالا شوقا لأعواما...
احمرت وجنتاها وابتسامتها تتسع حتى شملت وجهها كله ليهمس بجوار أذنها وهو ينهض
-: موعدنا بعد أربعة أيام ، و أؤكد لك أنه سيكون موعدًا خاصًا ... جدًا ... جدًا 
قال تلك الأخيرة بعبث ليزداد احمرار وجنتاها وتضطرب دقات قلبها مصرحة برغبتها الفورية في الرحيل ليذعن لها مبتسمًا بمزاج رائق ليرحلا سويًا بعدها ولم يرَ أحدهما أمه الواقفة بعيدًا تغرق الدموع وجنتيها مناقضة لابتسامتها المشرقة وقد اطمئنت أخيرًا أن ابنها تخلص مما أثقل قلبه لسنوات وفي طريقه نحو الراحة... 
**
بعد أربعة أيام...... 
حديقة بيت القاضي..... 
حفل خطبة....
كانت ترتدي الوردي ثانية ! مصممة هي أن تعصف بقلبه .. 
كانت تجلس بجانبه عيناها منخفضتان بخجل غير قادرة على رفعهما لتقابلا عيناه العاشقتان اللتان لم تتوقفا عن تأملها منذ بداية الحفل ، غير مكترث بالحضور بل مبينًا لهم كم يحبها ، وكم تكبدا من العناء معًا حتى وصلا إلى هنا ! 
همس في أذنها بصوت غاضب مفتعل
-: أكان يجب أن ترتدي الوردي ؟
وجهت نظراتها له مقطبة 
-: و ما به الوردي ؟ ألا يعجبك ؟ 
-: يعجبني !! أتمزحين !!! 
قالها عابسًا وهو يتأملها بتدقيق جعلها تسبل أهدابها ، كان فستانًا رقيقًا مثلها من الدانتيل الوردي عاري الكتفين ، طويل حتى الكاحلين ليسندل شعرها العسلي خلف ظهرها دون أن تفعل به اي شيء سوى طوق من الورود الوردية أيضًا كلل رأسها ! 
-: يا سيدتي إن ارتدائك للوردي يزلزل كياني ويعصف بقلبي ، يبعثر روحي ويبعث لي بأفكار غير بريئة بالمرة !
ونحن أمام حشد من الناس والتحكم في النفس ، صعب ... صعـــب ، لا تعلمين كم صعوبته!
قال تلك الأخيرة بهمس يحترق مقربًا فمه من أذنها حتى دبت الرعشة في أوصالها لتضربه على كفه بقوة فتأوه ضاحكًا وهي تحدجه بنظرات غاضبة !
رفعت كأس ماء بجانبها لتشرب في حركة لتبديد توترها .....
أخذ ينظر لها بتدقيق وهي ترفع الكأس إلى فمها ترتشف منه برقه ليهمس بجانب أذنها اول ما خطر على باله يجسد حالته ومعاناته
-: و أحسد كاسات تقبلن ثغرها ... إذا وضعتها موضع اللثم في الفم 
غصت بالماء فراحت تسعل أمّا هو فأكمل غير مبالٍ وهو يقرب وجهه من أذنها أكثر 
 -: ألا تعتبرين حبيبك كتلك الكأس وتعطفي عليه برشفة ؟ قبلة صغيرة يروي بها ظمأه الذي طاااال والله طااال نظرت له بتعجب مستنكر ولم تكد تهم بتقريعه حتى قطع مشاكساتهما غيث الذي بات أمامها ليُنهِض ملاك محتضنًا إياها بقوة ، طال عناقهما حتى تنحنح زياد المتململ هاتفًا 
-: كفى يا صديق راعي مشاعري قليلًا أو عانقني أنا ! 
ضحك غيث وهو يشاكسه 
-: ما بك يا هذا !! سنبدأ الغيرة منذ الآن !! 
ليدخلا في عناق رجولي خشن ، ليهمس غيث في أذن زياد مربتًا على ظهره 
-: مبارك يا صديقي لقد حققت مرادك أخيرًا...
ابتسم زياد بتأثر قائلًا 
-: العقبة لك ! 
غمامة من الحزن غطت عيني غيث قبل أن يجبر نفسه على رسم ابتسامة ليربت  على كتفه قبل أن يقبل جبهة ملاك ويرحل بعدها ... دون كلمة أخرى..
**
-: يالوجعك يا قلب ! 
همس بها لنفسه ممسدًا موضع قلبه عندما حطت عيناه عليها ! بفستان بلون عينيها ليظهر سحرهما جليًا للأعين  ، عاري الكتفين مظهرًا بياض بشرتها ، قصير من الأمام حتى فوق ركبتها بقليل منسدلًا من الخلف حتى الكاحلين ، كان النوع الذي تفضله من الفساتين والذي وقع في غرامه هو ، لأنها تحبه ، أو بالأحرى وقع في غرام من ترتديه....
بينما كانت خصلاتها الشقراء منسدلة في تموجات جامحة خلف ظهرها مع اصطباغ شفتيها بأحمر شفاه قاني ...  
باختصار كانت مهلكة ، مهلكة لقلبه الضعيف العليل بحب مسلوب الأمل ، هو من سلب الأمل منه ، مهلكة لقدرته النافذة على الاحتمال....
وكأنها تعمدت أن تكون بكل هذا الجمال لتعذيبه و إضرام النار في قلبه الذي بات رمادًا ! 
ليس من العدل ما يحدث ! ليس من العدل ألَّا يكون له الحق في لمسها الآن ! أن تأكل العيون جمالها الذي له ! 
أو بالأحرى الذي كان له وهو بكل حماقة ضيعه من يده !
أخذ يراقبها من بعيد في بقعة مظلمة كاللصوص ، بملامح متألمة ليشعر بكف زياد على كتفه قائلًا بهدوء مشجع
-: يا صديقي اذهب واستعدها ! لا شيء يأتي بسهولة ولن تغير شيئًا بوقفتك هذه ! لقد كدت أموت لأجل ملاك لكن ... ها نحن هنا ! 
قالها مبتسمًا بفرح لم يستطع مواراته وهو يشير إلى ملاكه ليحاول غيث رسم ابتسامة فاشلة مربتًا على يده ليناظر بعدها معذبة قلبه بعجز ليدفعه زياد قليلًا غامزًا له بتشجيع ليذهب لها يقدم خطوة ويؤخر الأخرى ! 
وقف أمام طاولتها مبتسمًا بتردد 
-: كيف ... حالك يا شغف؟
هل كانت تأمل أن يمر اليوم دون ألم ؟ دون رؤيته لسماع اسطوانة جديدة لا تفيد بشيء سوى الوجع لكلاهما ! 
حسنًا ! لقد تحطمت أمالها وهي تراه يسحب كرسيًا ليجلس بجانبها ! 
-: بخير حال ، و أنت ؟ 
يالغبائها ! أتسأله عن حاله ليبدأ في ترنيمته المُعذبه ! لكنه صمت ، مما أثار دهشتها !
لم يرد وكأنه مل استعطافها ! أخذ يراقب أجواء الحفل الهادئ تاركًا الصمت يسدل ستاره عليهما ! 
صمت كان بمقدار كل الأجوبة ! 
صمت في أعماقه صرخاته المذبوحة
هاتفًا بها "أوتسألين حقًا ؟ أيكفي القول بأنني ميتٌ حي ؟ أن كل شيء بات مجردًا من معناه ؟ أنني بتُ شبح لرجل كنته يومًا معك !" 
كان يود قول كل هذا ! الصراخ به بالأحرى لكنه صمت .... لعل لغة الصمت تكون كافية لإفهامها كم معاناته ، صمت مستمتعًا بقربها ، برائحة عطرها المسكرة التي تتخل أنفه لتُجلي صدره كبلسم شافٍ ، كمخدر مؤقت لأوجاعه ! 
لم تستسغ صمته ! لتعيد سؤالها بجفاء مصمم ، بسادية ! رغبة مجنونة في تعذيب نفسها قبل تعذيبه!؟ 
-: سألت كيف حالك ؟ أم جئت لتسمعني صمتك!!
نظر لها متفاجئًا لثوان قبل أن يسدل الوجع ستاره على وجهه تزامنًا مع إسداله لأهدابه قائلًا بصوت خفيض أقرب للهمس
-: حالي ؟ أتريدين معرفة حالي حقًا يا ابنة خالي ؟ حسنًا ! أنا مريض ، مريض لن يتماثل للشفاء ، مسموم بالوجع ولم يزل مني السم الذي ينخر عظامي ، مريض أنا داءه ودواءة أنت ، مريض يحتضر جالسًا قرب الترياق لكن يده مكبلة عن أخذه ! 
ما الذي تريدين معرفته أكثر ؟ 
خفق قلبها بين الحنايا ، بل كان يركل صدرها لينتشر صدد الوجع في كلها..... 
شق عليها خروج الكلمات من فمها لتصمت هي الأخرى لاعنة لسانها الأحمق...
بعد دقائق قليلة يغلفها الصمت الخانق كادت أن تخبره بأن يرحل من جانبها ، كادت أن توجعه موضحة كرهها حديث العهد له ! لكنه قبلًا كان يقول بغتة  
-: أتذكرين خطبة زياد الماضية ؟ 
نظرت له باستغراب لتجد ابتسامة حنين عاشقة متربعة على شفتيه وبعينان شاردتان أكمل
-: أتتذكرين تلك الشجرة ؟ التي... !
سعل بارتباك شاب غر وهو يرمق بنظرة جانبية إحمرار وجنتيها لتذكره ليكمل متجاهلًا ذكر الموقف
-: تلك الشجرة محفور أول حرف من اسمك عليها ، يوم ما كنا أنا وزياد في الحديقة وتحدينا بعضنا أن نصرح بأول حرف من اسم من نحبها على اعتباره وعد صادق لأنفسنا بأن نتزوجها مهما طالت السنين ، و .. ها هو يحقق الوعد الذي كسرته أنا.. 
دمعت عيناها لنبرة الشجن المغلف بالألم في صوته ! تبًا !
لا يجب أن تشعر هكذا ! لكن لا ، لن تشرع في النحيب ولو بموتها !
كابحة رغبتها العارمة في البكاء ابتسمت بتهكم قائلة وهي تنظر ليداها المعقودتين
-: قلة من الرجال هم الذين ينفذون وعودهم ! قلة يابن عمتي
اختلطت تنهيداتهما ، تنهيدات مثقلة بالهم ، بالوجع وخيبة الأمل 
كان الصمت سيد الموقف تتخلله فقط فواصل كلامية تقطر وجعًا وخذلانًا 
-: أهواك أهواك ، لا تهواني يكفي جفاك 
غناها هامسًا بصوت مبحوح ليبتسم بعدها بتهكم لسخرية القدر ! ليوم مثل هذا كانت الأدوار متبادلة لكن...... 
بينما هي ظلت مثبتة نظراتها مكانها بعيدًا عنه ، تغتال الألم بين حنايا قلبها لتهمس بتشنج 
-: من فضلك أرحل ، لقد قبلت بجلوسك جانبي فقط لأجل ملاك وزياد ، لكن أنس يا غيث ، أخبرتك أنني لا أسامح ! 
لتهنض من جانبه مبتعدة عنه سريعًا مقوية قلبها ببضعة كلمات تذكره بما حدث ، تذكره لكي لا تنسى رغم الوجع ، لكي لا تغفر.... 
تاركة إياه يناظرها بعذاب ولسان حاله يردد "متى؟؟"
**
يسير في طريقه للرحيل بعد أن أدى الواجب مباركًا للسيد زياد وعروسه الجميلة ، إنه رجل صالح ويستحق تلك الفرحة البادية على ملامحه ، يستحق تلك الفتاة الطيبة أخت غيث الهاشمي والتي على النقيض منه تمامًا ، في خضم سيره الشارد ارتطم بأحدهم فتراجع بضع خطوات للخلف معتذرًا بخفوت قبل أن يتعرف على المرتطم به الذي لم يكن سوى ... غيث الهاشمي ! 
تمتم بتبرم "أتينا بذكر القط!!" 
ليتجهم وجهه بعبوس شديد ليرمقه بعدها بنظرة محتقرة ويهم بالرحيل إلَّا أن يد حطت على ساعده أثنته عما مقدم عليه ليلتفت لغيث القائل بهدوء
-: أيمكننا التحدث قليلًا ؟
كان سيرفض ، وكادت كلمة "لا" أن تخرج منه فمه إلَّا أن شيء في نظرات ذاك الـ "غيث" أرغمه على الموافقة ليجد نفسه يهز رأسه موافقًا وهو يتجه معه نحو بقعة معزولة......
**
-: آسف ! 
كانت أول كلمة نطق بها غيث المطرق أرضًا يتلاعب بالعشب بقدمه ، لم يتجشم سيف عناء الرد واكتفى بابتسامة ساخرة لا تنم عن شيء ليكمل غيث معربًا عن أسفه 
-: آسف على كل ما قلته ذلك اليوم ، لا أتذكر حقًا ما قلت لكنني متأكد أنه بشع ، كنت يومها ... مجنونًا ، مطعونًا ، لا أرى ولا أريد سوى سفك دمائك ! 
لكن اتضح أن هناك من كان يتلاعب بي ، أو بالأحرى أنني كنت غبيًا ! 
قالها بابتسامة مريرة وهو يرفع عينيه إليه مكملًا 
-: لذا أرجو أن تتقبل أسفي ، حقًا لم أكن في حالتي الطبيعية يومها
وجد سيف نفسه محدقًا به مقطبًا وعلى وجهه إمارات العته !
اللعنة ! لو كان لكمه لكان أفضل من اعتذاره السخيف ! هو لا يدرِ كيفية التعامل مع مثل هذه الأشياء والعواطف السخيفة ! لكنه في النهاية أجبر نفسه على رسم ابتسامة قائلًا بهدوء
-: لم يحدث شيء سيد غيث ! كل رجل يمر بوقت يحتاج فيه إلى لكم أحدهم ! ثم أنني رددتها إليك 
قال تلك الأخيرة ضاحكًا محاولًا إضفاء بعض من الفكاهة الفاشلة للموقف ليبتسم غيث وهو يومئ برأسه 
-: النساء ، إنهن يذهبن بعقل الرجل ، نتحجج أننا الأقوى والأكثر سيادة وفي الحقيقة هن من يمتلكن زمام الأمور ، فبفعل واحد يرفعوننا لسابع سماء وآخر ينزلوننا لجحيم أسود! 
نبرته المريرة المجروحة الصادقة حقًا أثرت في قلب سيف الحجري وهو يشعر كلماته تنطبق عليه حرفيًا ، فتلك التي تقبع في بيته تفعل كما قال غيث بالضبط ! 
ابتسم سيف وكان دوره ليطرق برأسه
-: هه ، محق أنت ، أتعلم ! كدت أقتل أحدهم منذ بضعة أيام لأنه نظر فقط لزوجتي ! لكن للأسف كان عرسًا فاضطررت إلى لكمه وتهديده فقط! 
كان جو من الهدوء الصريح يغلف الجو حولهما وقد نسي الرجلان كل عداوتهما حديثة العهد في ثوان وانخرطا في الحديث عن مُعذباتهم !!
عقد غيث حاجبيه ورغمًا عنه انطلقت ضحكة مستنكرة منه هاتفًا بتعجب 
-: عنيف جدًا !! 
ابتسم سيف بشيء من الفخر وكأن هناك من يمدحه ، ليتنهد بعد برهة قائلًا 
-: حسنًا أظن أن علي الرحيل 
أومأ غيث برأسه مكررًا أسفه ليضربه سيف بخفة على كتفه ، بخفة من وجهة نظر سيف الغمراوي !! 
منع غيث نفسه بصعوبة من تدليك كتفه مبتسمًا ليرحل سيف مبتسمًا مفكرًا أنه ربما ليس هذا الغيث بهذا السوء !!
**
بعد انتهاء الحفل..... 
جالسان بداخل السيارة أمام منزلها تناظره بابتسامة يائسة بينما هو يهتف للمرة التي نسيت عددها 
-: زوجتي ، زوجتي آآه قلبي لا يحتمل وقع الكلمة عليه ! 
ليهندم ملابسه قائلًا بجدية مفتعلة
-: ملاك القاضي ، حرم زياد القاضي 
عقدت حاجبيها ليكمل وهو يقترب منها 
-: حرم زياد القاضي ، قلب زياد القاضي ، روح ونبض زياد القاضي ، و أين زياد إن لم تكن هناك ملاكه 
كان قد اقترب بوجهه من وجهها حتى بات يفصلهما إنشات قليلة لتفتح باب مقعدها بغتة وتنزل مهرولة نحو المنزل تاركة إياه فريسة لخيبة الأما لكنه لم ييأس ليترجل ملتحقًا بها ليقول وهو يقتفي خطواتها
-: جاء وقت المافاجأة الكبرى ! 
نظرت له مقطبة ليبتسم مكملًا 
-: أحببت أن تكون هذه المفاجأة هنا ، لكن بداخل المنزل 
لتقول بخفوت وعلامات التردد ترتسم على ملامحها 
-: لا أحد بالمنزل يا زياد وغيث أخبرني أنه لن يأتي الآن، ربما غدًا 
افتعل الغضب وهو يكشر ليقول وهو ينقر بسبابته على رأسه 
-: كيف أقحمها في رأسك أكثر من ترديدها طوال الطريق لقد بتِ زوجتــــــــي ، أفهمتِ زوجتي أنا !! 
تنهدت بقلة حيلة وهي تقوده للداخل ليمسك بيدها فور دخولها ويقودها نحو غرفة معينة 
دخلا ليغلق هو الباب ليمسك بيدها ويقودها نحو إحدى الأرائك جالسًا بجانبها ، أخرج من جيب سترته علبة مخملية حمراء صغيرة ليفتحها وسط نظراتها المستفهمة ليقول بهدوء
-: تلك القلادة أعطتني إياها أمي صغيرًا لأهديها لزوجتي ، بعد ... ما حدث أو بعد موت أبي لم يكن لها قيمة عندي ، مجرد ذكرى من أمي ليقيني أنني لن اتزوج أبدًا ، لكنني فعلتها في نهاية المطاف ! 
نهض ليجثو أمامها ليلبسها إياها مقبلًا كفها بينما كانت هي  تتأملها دامعة العينين ، كانت ذهبية رقيقة تتدلى منها كلمة "أحبك للأبد".....
تساقطت دموعها فور قرائتها للجملة البسيطة ليكمل زياد بشيء من الألم
-: كان أبي قد أهداها لها قبل أن يصبح من كان عليه ، لذا اعتبريها وعد مني أنه مهما حصل ، ومهما مر الزمان لن أحب غيرك قط ، و سأظل أحبك حتى ألفظ آخر أنفاسي باسمك....
غطت فمها بكفها تكتم شهقة على وشك الخروج لينهض ويجلس بجانبها متأوهًا هاتفًا 
-: دموع ثانية ؟
احتضنها مكفكفًا دموعها ، محتضنًا وجهها بين كفيه ليهمس عند  نفاذ قدرته على الاحتمال 
-: ملاك ، أنا آسف 
وقبل أن تسأله وجدته ينقض على شفتيها في قبلة متعطشة ، مراعيًا لها قدر الأمكان وقد تخلل شذاها أنفه مالئًا رئتيه بعبقها الساحر ، كان في النعيم ، في أوج أحلامه بها لم يتخيل أن يكون مذاق شفتيها هكذا ! 
كانت لحظات لم يود إنهائها ، لكن لكي شيء نهاية ، وهكذا اللحظات المسكرة تختطف من الزمن ، فحرر شفتيهل على مضض حينما شعر بنفاذ قدرتهما على التنفس ، لينظر لها عن كثب عاقدًا حاجبيه من فرط ما يشعر به ، بينما هي كانت تلهث بقوة بوجنتين ستنفجران من الحمرة ، لم تستعب بعد ما حدث ! هل قبـ..... ، هل قبلها لتوه !! 
كاد أن يصرح لها بحبه ثانية قبل أن تشهق بفزع مستنكر لتحط يدها على وجنته في صفعة دوى صوتها في أرجاء الغرفة لتهب ناهضة مهرولة للخروج بخطوات واسعة أظهرت عرجها جليًا هاتفة "أخرج" أثناء صعودها جريًا لغرفتها تاركة إياها يحدق في أثرها مبهوتًا !!
لقد صفعته للتو ! لقد قبلها للتو ! ليتحول ذهوله شيئًا فشيئًا إلى ابتسامة سرعان من تحولت إلى ضحكة لتتحول إلى قهقهات أدمعت عينيه لينهض في طريقه للرحيل وهو يضحك حتى أدمعت عيناه هامسًا 
-: حبيبتي الشرسة!!....
**
حل منتصف الليل ، حان الوقت لأوجاعه ، لذكرياته ، لكل شيء يقضي مضجعه أن يجتمعوا بداخله مكسرين ومخربين ما هو مهشم من الأصل ! 
نظر من النافذة ، كان القمر يتوارى بخجل خلف قطع الغيم المتفرقة ، النجوم تنتثر في السماء كحبات الرمال على شاطئ صافٍ ، النجوم البعيدة ، البعيدة جدًا .... بعيدة بقدر بُعد حبيبته عنه ! 
ذلك البعاد القريب المُعذِب ! يراها ولا يستطيع لمسها ، صورها تملأ هاتفه يتأمل فيها حتى يغلبه النوم ولا يقدر على سماع صوتها ! 
"ليس من العدل أن نقضي الحاضر و أنت تحاسبني على أخطاء الماضي !" 
يكاد يسمع صوتها الحانق وهي تتلفظ بتلك الكلمات ! 
أوليس ظلمًا ما تفعله به ! 
والله لقد ندم ، ندم وتجرع مرارة الندم رشفة رشفة حتى أُضنيّ ! بكى وهو الذي لم يبك منذ موت والديه ، بل انتحب كطفل صغير فقد أمه ، فقد قلبه ! 
تدمرت حياته وباتت لا تدور إلَّا حولها فقط ، هي ، القريبة البعيدة ، الحبيبة الكارهة ، معذبة قلبه وطبيبته ، داءه ودواءه ! 
هه وكأنها كانا لا تدور حولها قبلًا !
-: آآآه يا شغف متى السماح ! لقد أضناني الشوق ونهش قلبي الفراق... 
فكر بابتسامة ساخرة متسائلًا  ، متى سينام نومًا هادئًا ! 
فهو إما لا يعرف النوم طريقه لجفونه ويقضي لياليه متقلبًا على فراشه توخزه أشواك الندم الوهمية ، مفكرًا ، مسترجعًا الحدث ، متمنيًا ، و لائمًا ... لا أحد سواه ! 
لقد نُصب له الفخ وهو بكل غباء وطيب خاطر وضع قدمه في الشبكة كأي فريسة سهلة !
أو ينام نومًا مزعجًا مليئًا بكوابيس غير محددة المعالم كلها تدور حولها ! أو حول ما سيكونه بدونها في المستقبل ! 
لم يكن يتصور أن يكون من آولئك الرجال الذين يحطمهم وحياتهم غياب امرأة ! 
ربما لأنه لم يضع يومًا احتمالًا حقيقيًا أن تضيع شغف منه ! حتى في أوّج شجاراتهما وفراقهما المتكرر كان جزء بداخله موقن أن العودة محتومة  ! 
بالطبع فهي جزء لا يتجزأ منه ! عضو أساسي بداخله وبانتزاعه ... ها هو يذوي ويحتضر في غرفته وحيدًا كل ليلة منتظرًا الهلاك المُخلص! 
تهالك جالسًا على الأرض ، متكئًا على الحائط خلفه يحدق غير مبصرًا بالهاتف الذي في يده ، هاتف ملاك ! 
استعاره منها ليكلمها ! ليقينه أنها لن ترد على مكالماته ولو انقلبت السماء على الأرض ! 
ضغط على رقمها وانتظر يستمع الرنين الرتيب ، جرس ، يلي الآخر وهو ينتظر حتى انتهى الاتصال دون رد ! 
أعاد الكرة ثانية ليصله بعد ثاني جرس صوتها القلق يحمل آثار النوم 
-: ملاك حبيبتي ماذا هناك؟
كانت نائمة بعد ليلة طويلة من التفكير ، كانت تبكي هاتفة بعقلها أن يتوقف ! تحاول كبح جماح أفكارها التي مازالت تدور في فلكه لكن عبثًا ! بكت وبكت حتى هدها التعب لتنام وتستيقظ الآن على صوت هاتفها المُلِح ، لكن من سمعته لم يكن صوت ملاك ! بل كان صوته هو مشحونًا بالعذاب كالعادة !
-: ملاك بخير نائمة ، لكن هناك من يجافيه النوم ، هناك من ينهشه الفراق بل يمزقه تمزيقًا ! 
نظرت لشاشة هاتفها لتتأكد من الرقم ! اسم ملاك يضيء شاشتها ! 
بعد برهة اتضحت الصورة في رأسها لتضحك بتهكم ، لتتحول ضحكاتها إلى قهقهات أدمعت عينيها هاتفة من وسط ضحكاتها 
-: هل أصبحت تسرق الهواتف لتتصل بابنة الجيران في عتمة الليل!! هل هي فورة مراهقة متأخرة ! 
سألت سؤالها ساخرة ، وقد جاءتها الفرصة على طبق من ذهب لترد له الصاع صاعين ، كل وجع أشعرها به اليوم سترده الآن....
لم يبال بتهكماتها ليقول بهدوء وهو يسند رأسه للخلف على الحائط
-: كان جمالك اليوم مهلكًا ، آه يا فيروزية العينين على ما تفعلينه بي ! 
صمتت بانتظاره أن يكمل وهي تتشبث بابتسامتها الساخرة على شفتيها حتى لا تنتحب ثانية 
-: أتذكرين يوم قلتِ لي "ليس من العدل أن نقضي الحاضر و أنت تحاسبني على أخطاء الماضي" ؟ 
أكرر كلماتك اليوم على مسامعك يا شغف ! أليس ظلمًا ؟ ألا تسامحيني على غلطة واحدة ! 
تعلمين أنني ندمت ، أنني أرجو غفرانك مقدرًا حجم ذنبي وحجم جرحك ، أعلم أنني جرحتك ، أنني كنت غبيًا ولم أنظر للحقيقة الواضحة ، أنني أهنتك ، صـ...فعتك ، لكنني ندمت ، والله ندمت وتغيرت ... فقط أريد فرصة لأثبت لكِ !
أنهى كلماته لاهثًا من فرط الانفعال ، وقد انكسر صوته ومالت عيناه ، رجولته تحتضر وبالمثل كرامته ! 
وكم موجوع هو  ، لكنه يستحق ، يستحق كل وجع أحمق يتخلل كيانه ممزقًا أحشاؤه !
أما هي فقد كانت شاردة في نقطة وهمية ، لم تذرف عيناها دمعة واحدة وكأن الدمع قد تحجر في مآقيهما ، أجلت صوتها بأن تنحنحت عدة مرات لترد بتبعثر
-: و أين الثقة ؟؟ لم تأت بذكرها في كلامك !
أين ... أين ثقتك بي كوني ابنة خالك أولًا قبل أن أكون حبيبتك ، خطيبتك ! 
أين ثقتك بنفسك لتصدق شيء كهذا ! ألست من تتغنى دائمًا بكونك من ربيتني و أنك لم تكن تفارقني أبدًا ! هل صدقت أن تربيتك المزعومة متدنية لهذه الدرجة ! لدرجة أنك أنشأت ساقطة عديمة الشرف ! 
أتعتقد أن هذا خطأ يمكنني التغاضي عنه ! أتعتقد أن ما فعلته يكفي وصفه بـ "خطأ" فقط ؟ 
كانت كلماتها ونبرتها من القسوة لدرجة آلمتها قبل أن تؤلمة ! 
أكمل حديثه ملتزمًا الصمت بين الفينة والأخرى 
-: و أنتِ ! ألم تقولي أنني لست رجلًا ؟ ألم تطعنيني في رجولتي ! ألم تصدقي محض صور بعضها مركب والآخر من ماضٍ كنتِ على علم به وتصالح معه !! وبالرغم من ذلك أهنتيني بكل صلف ! ، لتقلبي الأمر إلى صالحك بعدها لتجعليني أجري وراء غفرانك في نهاية المطاف ! 
ألم تتخلِ عني في أمس حاجتي إليك ؟ ألم تجرحيني كثيرًا ؟ كنت أسامحك دومًا ، دائمًا ما كنت أفضلك عن نفسي ، عن حقي ، أمام كل هذا ألا تغفرين حماقة ، غلطة غرقت في الندم حتى العنق جراء لها ! 
كلماته طعنات لقلبه قبل قلبها ! لم يعرف أنه عرى حقيقة كليهما ، أنه أوضح أن علاقتهما كانت الخطأ الأكبر ! 
ترجمت ما تشعر بكلمات تحمل مرارة العلقم و وخزات الأشواك 
-:لقد صدقت ، كان ارتباطنا خطأ منذ البداية ، لا يفعل أحدنا شيء سوى إيلام الآخر وجرحه ، أظن كل ما حصل كان دليلًا دامغًا على...... 
جن جنونه ليهب واقفًا يصيح بجنون 
-: ماذا ؟ هل جننتِ !! 
شغف ! لا تتفوهي بمثل هذه الترهات ! أنا ... أنا أموت بدونك ، أنا أعشقك ، قلبي يحتضر في بعدك ، أجننت!! ، كيــــــف !!!
كان يضرب الحائط براحته المفرودة صارخًا بها بحرقة ، حريق يبتلعه نشب في داخله جراء كلماتها اللعينة ! 
ظل يلهث بقوة وحبات العرق الباردة تجمعت على جبينه بينما هي كانت تكتم شهقاتها بفمها لتتكلم أخيرًا بصوت ظهر فيه بكائها جليًا 
-: أخبرتك أن الحب ليس كل شيء ، حبنا يفتقر إلى الثقة ، التفهم ، حبنا يفتقر إلى أشياء عدة و أنا ... لست مستعدة للتنازل ثانية ! 
-: اللعنة يا شغف ! تلك حماقة ما تتفوهين بها ، أخبرتك أنني مستعد للانتظار ، شهر ، شهرين ، عام ، عامين لكن أقسم أنني لن أتركك أبدًاااا
كان يصرخ بصوت مبحوح وهو يضرب كل ما تطاله يده ، لا يرى إلَّا حُمرة الغضب تُغشي عينيه ، أو ربما هو دمه الذي يغلي ! 
انهار على الأرض متهالكًا ثانية هاتفًا برجاء وعقال دموعه ينفلت 
-: شغف ، لن استطيع ، أفضل الموت 
-: آسفة حقًا يا غيث ، الحياة لا تتوقف على أحد 
قالتها بكل برود ، أو هكذا أحس هو لتغلق الخط بوجهه وتنخرط في بكاءها الغير محدد الأسباب فهذا هو هدفها منذ البداية ! إيلامه !! 
أغرقت دموعه وجنتيه ليعقبها بصرخة ألم محملة بكل حرقة العالم شقت دياجير الليل من حنجرته المذبوحة.....
**
رفضت ملاك مكالمة زياد التي لا تعرف عددها حينما سمعت صرخات غيث فرمت الهاتف على الفراش ، لتذهب إليه من فورها منصتة في طريقها إلى صرخته الأخيرة ، تلك التي خرجت أعماقه موجعة قلبها لأبعد حد ، فتحت الباب بقلق تزامنًا مع انتهاء صرخته لتجده متهالك أرضًا في حالة يرثى لها ، يلهثت بقوة واضعًا يده على صدره ، تغرق دموعه وجهه ، عيناه حمرواوتان كما بركتان من الدماء و الأسوأ كانت تلك النظرة فيهما ! 
نظرة خواء شديد ، نظرة رجل مقهور !
هرولت نحوه جاثية بجانبه لتحتضن رأسه إلى صدرها هاتفة بصوت مسموع 
-: حبيبي ، إهدأ ، ماذا حدث ؟
لف ذراعيه حولها يتمسك بها بكل قوته وهو يطبق عينيه بقوة دافنًا رأسه بين أحضانها ، ليبتسم بألم بعد عدة دقائق هامسًا 
-: أمي كانت تحتضني هكذا ! 
كانت تمسد فروة رأسه حينما تراءى لمسامعها صوته الهامس لتبتسم بحنان 
-: أعرف  
شدد من احتضانها تاركًا ذهنه ينجرف للماضي ، يهرب من واقعه بحبس عقله في الماضي وذكرياته الجميلة ، الهادئة
-: دائمًا ما كان أبي يقول أنك نسخة منها ، لكِ نفس لون شعرها وعيناها ، نفس قسمات الوجه ! ، لذلك دائمًا شعوري نحوك أنك أمي أكثر من أنك أختي الصغرى ، أورثتك حنانها الفياض ونظرة عينيها المُطمئِنة والتي تشعرني أن الدنيا مازالت بخير ! 
كانت ملاك تبكي في صمت كما هو الحال عند ذكر أحد والديها ولو عرضًا ، لكن كانت تشق دموعها ابتسامتة حنين 
-: اشتقت لهما جدًا ، لعل أبي لو كان موجودًا لكان منعني من ارتكاب الحماقات ، لكان أدبني ، ضربني أو قتلني حتى أهون مما أنا فيه ! 
شهقت ببكاء هاتفة 
-: لا تقل هذا يا غيث ، ليس لي سواك سند في الحياة ! 
خرج من أحضانها يكفكف دموعها متجاهلًا دموعه التي تتساقط دون وعيه
-: ليس لك سواي ؟ إن سمع زياد هذا الكلام سوف يقتل أحدهم ! 
ضحكت بقوة لتحمر وجنتيها فاحتضنها هو لينهض بها متجهًا إلى فراشه
-: آسف لو سأزعجك لكنني أريد النوم في أحضانك اليوم ، يا أمي 
ضحكت بخفوت مع ازدياد وتيرة بكائها لتحتضنه بحنان ، و ينام كلاهما محتميًا بالآخر ! 
**
اليوم التالي صباحًا..
دخل إلى المطبخ وهو يتثاءب فاركًا عينينه ليجدها تحضر الإفطار بعصبية مفرطة ! 
جلس على الطاولة مراقبًا حركاتها المنفعلة بابتسامة مشاكسة ، فهو يعلم سر غيظها فقد حدجته البارحة بنظرة نارية قبل ذهابه للحفل عندما ذكر لها عرضًا وجود جميع الموظفين !
و وجود جميع الموظفين أي وجود شغف!
لتطفو غيرتها التي تنعشه على السطح ، تحاول مواراتها عبثًا فهو عالم بكل ما يعتمل داخلها !
لا يعلم كم يشكر تلك الحمى التي سبرت أغوارها وكشفت سر تعنتها وكبريائها الفارغ ! 
استفاق من شروده على صوت الأطباق توضع أمامه على الطاولة بعنف أحدث ضجيجًا لتهم بالرحيل فور انتهائها ، أمسك بساعدها يمنعها من الرحيل قائلًا وهو يقطب حاجبيه
-: ألن تتناولي الإفطار معي؟ 
هزت رأسها علامة النفي لينهض ومازال محتفظًا بها في يده متجهًا للمقعد المجاور يجلسها عنوة قائلًا 
-:منذ اليوم ،لن يمر يوم إلَّا ونتناول الفطور معًا 
-: أهو أمر !! 
قالت متحدية بصياح ليبتسم مهاودًا
-: لا بل هو رجاء ، لعل بعض من الحياة تدب في جسدك الهزيل هذا ! 
نظرت إلى نفسها بنظرة تقييم لجسدها المتواري خلف منامتها المرسوم عليها شخصياتها الكرتونية المحببة ! 
هي نحيلة بالفعل ! لكنه جرحها ! 
همست بخفوت وهي تطأطئ رأسه ناظرة لطبقها الذي وضعه لها 
-: حسنًا ! 
تبًا ! تبًا لعواطفه اللعينة ! متى أصبح هكذا ! 
نظر لها بندم خفي ليجد نفسه يقول رغمًا عنه 
-: لقد كان الحفل جميل جدًا ، لكنني لم أرها ! حقيقة لم أر أي امرأة من الأساس 
-: وهل كان الحفل للرجال فقط ؟ 
قالتها بتهكم تدارى به وجع قلبها ليرد
-: لا ، لم تلفت نظري إحداهن ، كلهن سواء 
نظرت له مقطبة ليكمل مبتسمًا 
-: كلهن سواء أمامك ، حقيقة جمالك فريد لدرجة أن كل جميلات الحفل لم يؤثرن بي مثقال ذرة ! 
تعلقت عيناها بعينيه ، تنظر له مبهوتة غير مصدقة أنه يتفوه بمثل هذا الكلام !! كاد قلبها ينخلع من مكانه عندما نهض وهو يتنحنح بحرج قاطعًا التواصل البصري بينهما متمتمًا بوداع خافت تاركًا إياها تنظر في أثره بقنوط تشتم وتلعن في أناس وهميين!! 
google-playkhamsatmostaqltradent