Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل التاسع 9 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل التاسع بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل التاسع

 هل اللذة بالرحلة أم بالوصول..
و هل يعد الوصول هو نهاية الرحلة أم بداية شغف جديد أو الم جديد..
أحياناً نحتاج لوعود صادقة كي نستمر و يستمر شغفنا و تبقي للوعود نوعاً قاسيا.. و هو الوعد بلا رحمة...
كانت أسعد لحظاته بل أسعد يوم بحياته هو ذاك.. لأنها لم تفارقه ثانية واحدة...
وصلت أخيرا السيارة الأجرة لوجهتها أمام شاليه وعد .. ترجلا منه و إنطلقت السيارة مغادرة.. تطلعت وعد بجاسم متعجبة و سألته بتلقائية :
- هو حضرتك مش هترجع معاه .
وضع جاسم كفيه فى جيبى بنطاله الجينزى و طالعها بإبتسامة مشاغبة وقال بلوم :
- ده إنتى بخيلة بشكل .. طب قوليلى إتفضل إشرب كوباية ماية أكيد ريقك نشف من الطريق .
عضت وعد شفتها السفلى بحرج وهى تبتسم بخفوت و طأطأت رأسها بخجل و قالت :
- آسفة والله .. طبعا إتفضل .. أهلا .
رد جاسم مسرعا :
- إن شاء الله هنبقى أهلا و قريب .
عادت لها ملامحها المتعجبة من كلماته المبهمة .. ثم تطلعت إليه بنظرات ثاقبة وهى تسأله بترقب :
- إحنا دلوقتى بره نطاق الشغل .. فا أقدر أتكلم مع حضرتك براحتى مش كده .
أومأ برأسه و هو يبادلها نظراتها الثاقبة ثم قال بثقة :
- قولى اللى إنتى عوزاه ما تقلقيش .
عقدت وعد ذراعيها أمام صدرها و قالت بقوة :
- ليه دايما فى كلام حضرتك و نظراتك حاجة مش قادرة أفهمها .. لو حابب تقولى على حاجة معينة قولى على طول لو سمحت .
إقترب منها فى خطوتين و هو يقول بمكر :
- أنا ماليش فى اللف والدوران و لما أحب أقول حاجة بقولها على طول .. وبرضه لو عاوز حاجة مافيش حد فى الدنيا يقدر يمنعنى عنها .
لم تحصل وعد على إجابة شافية لسؤالها ولكنها تغاضت عن تلميحاته التى بدأت تتضح إليها .. قطع نظراتهم المحتدة والمتأهبة ظهور عمرو و هو يرحب بجاسم بعدما صافحه قائلا بإمتنان :
- يا أهلا وسهلا .. نورت الدنيا يا جاسم .. مش عارف أشكرك إزاى إنك ما سبتش وعد لوحدها .
أجابه جاسم بنظرة معاتبة وهو يقول بإستياء :
- لو سمحت ما تعملش بينا فرق .. و أنا ما كنتش هطمن عليها لو رجعت لوحدها .
نظرت إليهم وعد بيأس وقالت بنبرة محتدة :
- هو إنتوا ليه دايما بتعاملونى على إنى طفلة صغيرة لازم حد يوصلنى وحد يرجعنى .. أنا دلوقتى مديرة مكتبك يا باشمهندس .. تعرف يعنى إيه .. يعنى أنا بساعدك فى إدارة شركة من أكبر الشركات فى دمياط .. ياريت تثقوا فيا زيادة شوية .
جذبها عمرو إليه بقوة و ضمها بكتفه و قبل مقدمة رأسها و قال ساخرا :
- قولى اللى إنتى عوزاه بس هتفضلى فى نظرى البنوتة الصغيرة بتاعتى .
إبتسمت وعد رغما عنها وقالت بعبوس مزيف :
- بس برضه يا أستاذ عمرو هتتعاقب .
صفع عمرو جبهته بقوة و قال برجاء :
- ﻷ .. عقاب ﻷ .. و بعدين جاسم هو اللى صمم يوصلك لهنا عاقبيه هو بلاش أنا... أنا عريس و غلبان والله .
عقد جاسم حاجبه متعحبا و سألهم بفضول :
- هى هتعاقبك إزاى يا عمرو .
أجابه عمرو وهو يرسم على وجهه ملامح المقهور قائلا :
- هتخلينى أجيبلها أيس كريم وشوكولاتة بكل الفلوس اللى معايا .
ضحك جاسم ضحكة عالية وهو يلتهمها بعينيه ثم دنا منها وهو يقول ساخرا :
- و زعلانة إننا بنوصلك و خايفين عليكى .. ﻷ و مأموصة قوى إننا بنعتبرك صغيرة و إنتى صغيرة فعلا .. لسه بتاكلى أيس كريم و شوكولاتة .
إزدادت حركة شفتيها إمتعاضا و هى تهز ساقها قائلة بغضب :
- فيها إيه يعنى لما آكل أيس كريم .. يعنى إنت مش بتاكله .
وقفت سيارة مالك بجوارهم .. فإلتفتوا إليه حتى صفها و ترجل منها قائلا بإبتسامته الهادئة :
- إنتوا سبقتونى .. ده أنا جاى بسرعة علشان ألحق جاسم قبل ما يمشى .
صافحه جاسم مصافحتهم المعتادة و قال بإبتسامة هادئة :
- أنا ما كنتش همشى غير لما هاخدك .. ورايا سبق و عاوزك معايا .
أشار إليه مالك للصعود معهم حتى يتناول غدائه و يبدل ملابسه و ينطلق معه .. صعدوا جميعا و جلسوا بالشرفة الواسعة .. فأشار مالك لوعد بحاجبيه أن تقف ليخاطبها .. و بالفعل وقفت مستندة على سور الشرفة و وقف مالك بجوارها متأملين البحر بهدوء .. حتى قال لها مالك بهمس مثير :
- وحشتينى .
إبتسمت شفتيها بهدوء ثم تطلعت إليه للحظات قليلة .. و تركته و إلتفتت لتجد جدتها أمامها .. فإحتضنتها قائلة بمداعبة :
- و حشتينى يا إمتثال .
كل هذا و جاسم يشتعل من غضبه بينما يبتسم لعمرو و يبادله حديثه .. حتى إنتبها على قدوم إمتثال ناحيتهم .. وقف جاسم مسرعا و مد يده إليها فصافحته و ربتت على كفه و قالت بإمتنان :
- شكرا يا إبنى إنك عطلت نفسك و جبتها لغاية هنا .
رد عليها جاسم و هو يتطلع بوعد :
- لا عطلة ولا حاجة .. بس واضح كده إنكم كلكم بتعتبروها طفلة صغيرة .
إشتعلت عينى وعد و قالت بغيظ :
- كده يا إمتثال حتى إنتى .
بحثت إمتثال فى الأرضية وهى تقول بتهديد :
- برضه هتقولى إمتثال .. مين اللى شال الشبشب من هنا .
وضعت وعد كفها على فمها و قالت وهى تضحك بشدة :
- بتدورى على إيه بس .. الشبشب فى رجلك يا إمتثال .
إنحنت الجدة قليلا و إلتقطت حذائها بسرعة عالية و صوبته بسرعة أكبر ناحية وعد التى ركضت و إحتمت بباب الشاليه الخاص بهم .. ثم أطلت برأسها و قالت ساخرة :
- ما جتش فيا .
صاحت بها الجدة بغضب وهى تقول :
- متستفزنيش هجيلك .
خرجت وعد و وقفت أمامها وهى منهارة من الضحك و تطلعت إليها ببرائة كجرو صغير يريد شيئا و قالت بنبرة دلال :
- أنا جعانة قوى يا تيتة .. تصدقى إنى ما أكلتش من الصبح .
شهقت الجدة بصوت عالى و سألتها بقلق :
- ما أكلتيش حاجة خالص .
زمت و عد شفتيها بطفولة وقالت :
- ما أكلتش حاجة خالص مالص .
كل هذا و مالك وجاسم يذوبان مع دلالها المثير كالمثلجات التى تعرضت لفرن ساخن فجأة .. حك جاسم ذقنه بإستثارة و قال بداخله :
- خالص مالص .. و حياة أمى لو ما شالوها من قدامى لهرتكب فعل فاضح فى الشاليه العام .
تطلعت وعد حولها وسألت بتعجب :
- هما البشر اللى هنا فين .
أجابتها الجدة مسرعة :
- طنطك آمال نايمة .. و روان بتساعدنى فى الغدا .. و عمك سراج وروضة بيتغدوا بره .
أومأت وعد برأسها و قالت بإرهاق :
- أنا هدخل أغير هدومى و هصلى و هاجى أساعدكم .
ثم إلتفتت برأسها لجاسم و قالت بلهجة حازمة لا تقبل النقاش :
- حضرتك هتتغدى معانا ومش عاوزة أى إعتراض علشان ما تقولش عليا بخيلة .. و أنا بنفسى اللى هحضره مع تيتة وروان .
ثم لم تعطه فرصه للرد و إنطلقت مختفية عنه داخل الشاليه .. بينما زفر مالك وجاسم بقوة نافثين تلك النيران التى تأججت بداخلهم من تلك الزوبعة المثيرة .. فسألهم عمرو بتعجب :
- إنتوا حرانين للدرجة دى .
لم يأته رد منهما بينما دلف مالك للإغتسال حتى تهدأ نيران قلبه المشتعلة و إرتدى ملابسه و خرج ليساعد الجميع فى وضع الطعام على الطاولة التى بالشرفة .. بينما أكلت السيدات بالداخل .
بعد تناولهم للغداء .. أعطت إمتثال العصير و الحلويات لوعد لإخراجهم .. فقالت وعد بتذمر :
- ما تخلى روان هى تخرجهم .
جففت روان يدها بمنشفة المطبخ و قالت بسعادة ساخرة :
- هاتيهم أنا هخرجهم و إنتى تعالى إغسلى الأطباق .
شهقت وعد بذعر و قالت مسرعة بإبتسامة صفراء :
- و تتعبى نفسك ليه أنا هخرجهم .. قال أغسل الأطباق قال .. و ضوافرى يا ماما .
ثم حملت الصينية و خرجت .. دنا مالك من جاسم و قال غامزا بعينه بمكر :
- سبق النهاردة وراه بنت جديدة صح .
وقفت وعد لثانية مكانها مصدومة وهى تستمع لكلمات مالك و إنتظرت رد جاسم الذى جاء سريعا وهو يقول بحزم :
- ﻷ طبعا .. إنت تعرف عنى كده .
ضحك مالك ضحكة عالية و قال مازحا :
- ده إنت أبو كده .. و أم كده .. و عيلة كده كلها .
فقال له عمرو ساخرا :
- كلنا كنا كده .. بس لما بنلاقى الحب اللى بجد بنمسك فيه بإدينا و أسنانا .. و نعمل المستحيل علشان نحافظ عليه .
هام كلا منهما بكلمات عمرو .. حتى ظهرت أمامهما وعد التى و ضعت الصينية أمامهم و قالت بإبتسامة خافتة :
- إتفضلوا .
قدم عمرو لكل منهم كوبه و قال لوعد :
- شكرا يا دودو .. تسلم إيدك .
أومأت برأسها و عادت للداخل .. إلتفت جاسم لمالك و قال بحسم :
- قوم إلبس بقا يا مالك خلينا نمشى بدرى .
إرتشف مالك من كوب العصير .. ووقف مسرعا و قال بحماس :
- خمس دقايق وتلاقينى قدامك .
و بالفعل إرتدى مالك ملابسه فى عجاله و خرج لجاسم الذى وقف ما أن رآه و إنطلقا سويا .. فى سيارة مالك .. كان الصمت حليفهم على غير العادة فقطع مالك تلك الحالة وقال بإبتسامة هادئة :
- جاسم .
أجابه جاسم بشرود وهو يتطلع للطريق بينما بقى عقله و قلبه عند جنيته الساحرة :
- ها .
إمتعض وجه مالك و قال بعصبية :
- ما تبصلى يا عم و أنا بكلمك .
إلتف جاسم بجسده ناحية مالك و قال بملل :
- أدينى بصيت .. قول يا قوال .
ولى مالك بنظراته متابعا الطريق ثم تنهد مطولا و قال :
- طلع عندك حق أنا بحب وعد .
أطبق جاسم عينيه بقوة و هو يكبت بداخله غضب ينهش بعظامه .. ثم فتح عينيه و سأله من بين أسنانه :
- و هى .
نظر إليه مالك وفى عينيه مزيج من الفرحة والعشق و قال :
- هى كمان بتحبنى .. و هنتخطب قريب إن شاء الله بس محتاج أجمع شوية فلوس علشان الشقة و الفرش و الشبكة و كده .
عاد جاسم بعينيه للطريق و فكر قليلا حتى لمعت عينيه بفكرة شيطانية ظلت تدور وتدور داخل عقله حتى إكتملت .. ثم إلتفت لمالك مجددا بلهفة و قال له ببرائة لعوب :
- طب واللى يحللك مشكلتك دى فى شهر .
قطب مالك جبينه بدهشة و سأله مستفهما :
- قصدك إيه ؟!!!
إبتسم جاسم إبتسامة شيطانية و هو يرى مالك يقع فى فخه بسهولة .. ثم قال بنبرة معللة :
- أنا محتاج حد يسافر رومانيا لمدة شهر تقريبا ..هيلف هناك على كل موردين الخشب لينا و يلاقيلى أنسب سعر و أفضل الأنواع .. لأنى زهقت من خافيير و بنته .. و مش هلاقى أحسن منك للسفرية دى و المبلغ اللى هتوفره لينا ليك منه نسبة ما تتخيلهاش و بكده تقدر تشترى الشقة و إنت حاطط رجل على رجل .
شرد مالك قليلا فيما قاله جاسم .. ثم لمعت عينيه بفرحة فهو على أول الطريق المؤدى لحبيبته و الذى يبدو أنه بإقتراح جاسم قد أصبح علي الطريق السريع .. لم يفكر أكثر و أجاب جاسم بحسم :
- موافق طبعا .. بس بعد فرح روان و عمرو .
أومأ جاسم برأسه وهو يبتسم إبتسامة شيطانية و قال بهدوء :
- ما عنديش مانع طبعا .. جهز إنت الباسبور و الفيزا و سيب الباقى عليا .. و هخلى معاك هناك مترجمة أنا أعرفها ليها أصول عربية هتساعدك كتير .
ربت مالك على ذراع جاسم و تطلع إليه بإمتنان وشكر و قال :
- ربنا يخليك ليا يا صاحبى .. عمرى ما هنسى معروفك ده .
لوهلة إنتفض ضمير جاسم يذكره بأن مالك أعز الناس لقلبه .. فها هو يخسره من أجل رغبة غبية .. ثم نفض تلك الأفكار المحبطة من داخله و قال بحدة :
- ما تسوق بسرعة شوية .. إيه الملل ده .

زاد مالك من سرعة سيارته وهو يبنى عشه السعيد مع حبيبته بخياله .. تطلع بالسماء يشكر ربه على خروجه من ذلك المأزق الذى أرهقه الفترة الماضية ...........
بينما لمعت عيني جاسم و إبتسم بخفوت على ما جال به خاطره .. فها هي تقترب منه و ما سيفعله سيقلب الموازين و تصبح جنيته .. له .......
.....................................................................................................................
.........................

فى المساء عاد مالك للشاليه فوجد الجميع قد غفوا .. وقف قليلا يستنشق هواء البحر و يستمتع بالهدوء المحيط .. حتى إنتبه عل عزف وعد على الجيتار .. إبتسم بشوق وهو يتذكر طلبه منها أن يستمع لعزفها قبل نومه .. تنهد مطولا وجلس على أحد الأرائك .. واضعاً يديه خلف رأسه و أغمض عينيه مستمتع بعزفها الهادئ .. حتى إنتهت .. أخرج هاتفه من بنطاله و أرسل إليها رسالة كتب بها :
《 يا من أسرتنى من نفسى ♥ يا من سحرتنى دون مقدمات ♥ هل من العدل أن أتحرى الدقة ♥ أن تعمل تروس عقلى ♥ أن أفكر فيما يصح و ما لا يصح ♥ أم أتبع تلك الفراشات الطائرة من حولك ♥ و أتوه داخل عينيك اللوزية الكحيلة ♥ و أنغرس بوجنتيك مع تلك الغمازتين ♥ أم أقاوم قطف ثمار وجنتيك الورديتين ♥ يالله .. إمنحنى القوة و الصبر ♥ لا حول ولا قوة لى أمامها ♥ أنت خلقتها بتلك الهيئة الساحرة ♥ فكيف لى القوة على مجابهتها 》

إنتهت وعد من عزفها و إندست بفراشها بهدوء ..تنهدت مطولا و هى تتخيله أمامها بإبتسامته الهادئة التى تنكمش معها عيناه .. تلك العينين التى تعشقهما بشدة .. إنتبهت على إهتزاز هاتفها فحملته و تطلعت إليه .. فوجدته قد إستقبل رسالة من مالك .. إعتدلت بجلستها مسرعة و فتحتها و قرأت ما كتبه إليها بوله .. لم تتمالك نفسها و سقطت من عينيها دمعة صغيرة .. هل يعشقها لهذا الحد .. ثم عادت لها إبتسامتها الشقية و هى تعيد قرائتها مرارا و تكرار .......

كانت روضة تتصنع النوم .. ومع عزف وعد كانت تتألم بشدة .. و كتمت بداخلها عبراتها الساخنة حتى إنتهت وعد و دلفت لفراشها .. ثم إنتبهت على إهتزاز هاتفها .. ففطنت أنه هو من يراسلها فى ذلك الوقت .. فبعد إنتظار وعد عودته .. و عزفها قرر أن يبثها فرحته و ربما شوقه فى كلمات تعلم أنها الأروع على الإطلاق .. لأنه كان كلما إستعار منها كتابا كان دائم الكتابة لها برأيه على ورقة و عشقت كتاباته الشعرية التى يستطيع ببراعة أن يصف بها مشاعره بسهولة ........

.............................................................................................................
......................

بعد مرور إسبوعين و بعدما عادوا لمنزلهم إستعدادا لتجهيز شقة روان وعمرو .. تفاوتت أيامهم بين وعد التى تذهب لعملها دائما بحماس .. و لقائها المتكرر بجاسم والذى ينذرها بألا تسمح له بالتمادى فى نظراته القوية و كلماته المبهمة .. و هروبها المستمر من مالك حتى لا تعطيه الفرصة للتجاوز معها ........

بينما حاول مالك دائما أن يختلس بعض الدقائق بمفردهما ليبثها عشقه و شوقه و لكنها دائما ما كانت تنجح فى هروبها .. و أكثر ما أزعجه هو تجاهل روضة له منذ إحتفالهم بعيد ميلاد وعد ... يلاحظ عزوفها عنه و عن الجلوس بأى مجلس يكون به .. بل ولا تعطيه الفرصة للحديث معه كعادتهما ......

إستمرت أيامهم على ذلك النحو و قد إنهمكوا فى تحضير شقة العروسين .. هاتف عمرو مالك الذى رد بتثاقل وهو يفتح جفنيه بصعوبة ليفيق من غفوته قائلا بتذمر :
- يا إبنى هو إنت تتجوز و تتعبنا معاك .. عاوز أنام ساعة على بعض يا ظالم .
زفر عمرو بضيق و قال بغضب هادر ظهر بنبرات صوته التى خرقت طبلة أذن مالك وهو يصيح بقوة :
- نامت عليك حيطة يا أخى .. إنت ما فيش عندك دم يا إبنى إنت .. قوم إنزل هتلاقى الأجهزة الكهربائية على العربية تحت .. تابع العمال وهما بيطلعوها أنا فى مشوار مهم .
حرك مالك أذنه بسرعة وهو يتألم من صياح عمرو به .. ثم أعاد الهاتف على أذنه و قال بهدوء :
- حاضر يا عمرو .. أى أوامر تانية .
- لأ شكرا .. بس ياريت تعرف البنات ألاول علشان يختفوا فى أوضة على ما العمال ينقلوا الحاجة .
تمطأ مالك بكسل وقال بملل :
- حاضر يا عريس .. إنت بس تؤمر يا كبير يالا سلام .
أغلق هاتفه و إرتدى ملابسه مسرعا و صعد درجات الدرج .. فرأى وعد وهى تخرج أكياس القمامة خارج شقة العروسين و قالت بضحك :
- دى أخرتها أشتغلكم زبالة كمان .. هو عمرو قال الأجهزة هاتيجى إمتى .
رد عليها مالك و هو يتأملها بإبتسامة عابثة فقد كانت ترتدى قميصا منزليا طويلا و واسع جدا .. تعثرت به أكثر من مرة .. بينما تغطى شعراتها بحجاب صغير عقدته خلف عنقها الذى ظهر بوضوح .. فقال بعبث :
- الأجهزة تحت .
شهقت وعد بذعر و ضربت صدرها بقوة و هى تلتفت إليه بخوف .. بينما تعثرت مجددا بقميصها الطويل .. فمالت بقوة على الدرج .. فإلتقفها مالك بذراعيه ليجذبها قليلا كى لا تسقط على الدرج .. ما أن إعتدلت فى وقفتها حتى إبتعدت عنه مسرعة وهى ترفع ذيل قميصها أو بالأحرى هو قميص جدتها .. و صفعت الباب بوجهه بقوة .. إبتسم مالك بدهشة وقال وهو يضرب كفيه ببعضهما :
- مجنونة رسمى فهمى نظمى .. بس بحبها بقا .
ثم ضرب جرس الباب .. ففتحت له روضة التى إمتعض وجهها فور رؤيته و قالت بجدية لم يعهدها منها :
- أيوة يا مالك عاوز حاجة .
تطلع داخل عينيها عله يستشف سبب نبذها له .. ثم قال بإبتسامة باهتة :
- أصل .. الأجهزة تحت فا ياريت تدخلوا أوضة وتقفلوها عليكم علشان العمال وكده .
أومأت روضة برأسها و قالت وهى تتحاشى النظر لعينيه :
- حاضر .. بعد إذنك .
وتركته و إختفت .. تنهد مطولا وهو مندهشا من طريقتها الجديدة فى التعامل .. ثم هبط الدرج و هو شارد فى أمرها .......

بعدما إنتهى العمال من نقل الأجهزة أخرجها مالك من صناديقها و وضعها بأماكنها حتى إنتهى .. قبلته روان بوجنته و قالت بإمتنان :
- شكرا يا مالوكى ربنا يخليك ليا .
وقف عمرو بجوارها وقد دلف للشقة دون أن يشعر به أحد .. ثم قال بتنهيدة حارة :
- يا باختك يا عم .. ماشية معاك .
ووضع الأكياس من يده على الأرضية و إفترش عليها قطعة قماش وقال لروان :
- رونى .. ساعدينى علشان ناكل لقمة قبل ما نكمل شغل .
جلست روان بجواره وهى تخرج علب الطعام و تضعها أرضا .. بينما صاح عمرو بصوت عالى :
- يا روضة .. يا وعد تعالوا نتعشى الأول و بعدين كملوا .
خرجت الفتاتان .. ولكن روضة قالت و هى تنصرف :
- معلش يا عمرو مش جعانة هنزل أنا أعملكم شاى .
إمتعض وجه مالك و تبعها مسرعا و أوقفها على الدرج وسألها بغضب :
- روضة .. إستنى .. فى إيه بالظبط أنا زعلتك فى حاجة .. ليه بتهربى من أى مكان بكون فيه .
إلتفتت إليه روضة ببرود و قالت بلا مبالاة :
- ما فيش حاجة طبعا .. وإيه بهرب منك دى .. أنا نازلة أعمل شاى .. بس .
قطب مالك جبينه بشك و قال :
- متأكدة إنه مافيش حاجة مضيقاكى منى .
أجابته وهى تهبط الدرج هاربة من نظراته التى ستكشفها فورا :
- ﻷ طبعا .. إطلع إتعشى معاهم .

و دلفت شقتهم مسرعة .. ضرب مالك الدرج بيده على حالها ثم صعد مجددا لشقة عمرو .. و جلس بجوارهم على الأرضية وهو تعود له إبتسامته الهادئة فور رؤيته لزوبعته الصغيرة وهى تأكل بطفولة لذيذة و قد بدلت ملابسها بإسدال صلاة .. فسأل عمرو ليخفى نظراته المشتاقة :
- هو عمو عيسى وطنط سلوى جايين إمتى .

رد عليه عمرو وهو يأكل بلا مبالاة :
- بكرة الفجر .. هروح أنا بعد صلاة العشا للقاهرة أستناهم فى المطار و هجيبهم .
بعد قليل دلفت إمتثال وهى تحمل صينية الشاى .. فوقف لها مالك مسرعا و قال بخجل :
- إنتى اللى مطلعة الشاى بنفسك يا تيتة .. أمال روضة فين .
زمت الجدة شفتيها بيأس وقالت بحسرة :
- أهى نزلت إتوضأت و دخلت أوضتها تصلى و مش هتخرج منها دلوقتى .. أموت و أعرف هى مالها أنا عارفاها لما بتزود فى الصلاة كده بتبقى متضايقة من حاجة .
زمت وعد شفتيها بغضب وقالت بحدة :
- أكيد علشان بابا و ماما راجعين بكرة .. أنا متأكدة إنها زيى مش مسمحاهم بس هى بتخاف إن ربنا يزعل منها .
تنهدت الجدة بشفقة و قالت بحنو :
- بس يا وعد مهما كان دول باباكى و مامتك و مع الوقت هتنسى كل حاجة صدقينى .
ملست وعد على كفها و قالت بهدوء :
- إنتى بتقولى كده علشان بنتك وحشتك .. عارفة إننا مش هنعوض ماما و لا هنعوض حبك ليها .. بس يا ريتها كانت زيك يا تيتة .. دى باعتنا و سابتنا نواجه الدنيا لوحدنا علشان هى خايفة على جوزها من مراته التانية لتاخده منها .. يبقى تعتبره جوزها و ولادها و تنسانا .

ثم نفضت يديها من الطعام و وقفت مسرعة تخفى دموعها التى تجمعت بضعف باتت تمقته على أم لا تستحق تلك الكلمة العذبة .. و خرجت لا تدرى أين لها بالهرب من مشاعرها المتعبة .. فصعدت لسطح البناية دون شعور و صعدت على أرجوحتها و أغمضت عينيها و أطلقت لدموعها العنان علها ترتاح و لو قليلا .. و بعد فترة شعرت بإهتزاز الأرجوحة .. فوجدت مالك خلفها .. يبتسم لها بهدوء ساحر و ورائه سراج ذلك الرجل التى وجدت به حنان و حب طالما بحثت عنه بوالدها .. فإبتسمت بوهن و كففت دموعها و إلتفتت إليهم متصنعه العبوس و قالت بلوم :
- هو ما فيش خصوصية فى البيت ده .. عاوزة أقعد لوحدى شوية .
فجلس سراج بجوارها و إحتضن كفها بين كفيه و قال بحنو :
- خفت عليكى مش أكتر .. عموما يا ستى حجزتى فستانك ولا لسه عارف إنك تعبتيهم الفترة اللى فاتت أكتر من العروسة نفسها .
تطلعت إليه مطولا وهى تعلم أنه يجتذبها بهدوء من منطقة الألم لحديث آخر علها تنسى وجعها .. و لكنها أجابته وهى تضع رأسها على كتفه بضعف :
- مش عاوزة أتكلم .. ممكن تسيبنى ساندة عليك و نبص للسما فى هدوء .
مال برأسه على رأسها و تطلع للسماء معها بهدوء .. بينما شعر مالك بكف حديدية تعتصر رقبته و هو يراها على تلك الحالة من الضعف و الحزن و وعدها بداخله أنه سينسيها تلك الأيام التى لم تكن حبيبته بها و سيغدق عليها بحنان وحب ليس لهما مثيل فى عالم العشق و الهوى .. ثم إنسحب و جلس عل كرسى روضة يتأملهم فى صمت .. بينما حرك قلبه رائحة كرائحة المشمش .. فإبتسمت شفتيه بهدوء فهو يعلم تلك الرائحة جيدا .. إنها رائحة روضة الخفية ربما إنه غسول شعراتها لأنها لم يسبق لها التعطر من قبل فربما علق عطر شعراتها مرة بعد مرة بكرسيها المداد .. شعر فجأة بإشتياق لحديثهم الطويل و جدالهم الدائم عن كتاب ما .. تنهد مطولا مستمتعا بتلك الرائحة وهو يفكر بما صدر منه لتعامله بذلك الجفاء .. و لكنه خرج من تفكيره القصير بروضة على همهمات بين وعد و والده فى حديث هامس .. ربما هناك أسرار خفية بينهما فإبتسم بهدوء و هو يستمتع بهمسها اللذيذ مثلها و زادت إبتسامته مع ضحكتها الخافتة التى أنعشت سرعة دقات قلبه وهو يرسم بمخيلته لحظات الحب والجنون التى ستجمعهم سويا ..........

..................................................................
فى صباح اليوم التالى .. إنهمكت روضة بعملها و هى تمر بين مكاتب الصغار المشغولين بتناول وجبة إفطارهم وما أن إنتهوا حتى صفقت بيديها و قالت بحنو :
- يالا يا حبايبى نعين اللانش بوكس و نستعد للحصة يالا .
وبالفعل إستعد الأطفال للدرس بإنصات .. لاحظت إهتمامهم و تركيزهم فسألتهم بإبتسامة هادئة :
- يالا يا حبايبى نسمع أركان الإسلام الخمسة .
فبدأ الأطفال فى سرد ما حفظوه و هم يقولون سويا :
- بنى الإسلام على خمس .. شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله .. إقام الصلاة .. إتاء الزكاه .. صوم رمضان .. و حج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا .
صفقت لهم روضة بفرحة و قالت :
- برافو عليكوا يا حبايبى .. النهاردة بقا هنشرح إتاء الزكاة .. حد عارف يعنى إيه .
وقف صغير بأدب و قال بثقة :
- يعنى ندى فلوس للناس اللى ماعندهمش فلوس .
أومأت روضة برأسها و قالت مؤكدة :
- شاطر يا حبيبى .. طيب مين يا حبايبى ساعد حد قبل كده .
وقفت طفلة أخرى وقالت بجدية :
- أنا يا ميس.. فى رمضان بابا خدنى معاه و روحنا بيت ست عندها أولاد و مافيش عندعم بابا و جبنالهم حاجات كتير و هما فرحوا قوى .
ربتت روضة على وجنتها وقالت بفخر :
- شطورة .. و بابا كمان شاطر علشان أخدك معاه و عملتوا الخير سوا .. فلما تكبرى هتعملى اللى بابا علمهولك و هتبقى طيبة و بتعملى الخير زيه .
سارت روضة قليلا تجاه مكتبها فوقفت طفلة أخرى و قالت بإبتسامة شقية :
- أنا قولت لماما يا ميس على الأغنية اللى حضرتك علمتيهالنا علشان محدش يلمسنا غير بابا و ماما و هى قالتلى إنى أشكر حضرتك كتير .
إلتفتت روضة للفتاة بسعادة و قالت بإبتسامتها العذبة :
- أنا مبسوطة إن ماما فرحت و إنتى فهمتى الأغنية و مش هتخلى حد غريب يلمسك و لا يبوسك .
وبدأ الأطفال واحدا تلو الآخر يشكر روضة ويبلغها إمتنان والديهم على تلك الأغنية .. و بعد فترة دخلت عليها الفصل زميلتها خلود التى قالت بتوجس :
- روضة ميس سميرة عوزانا ضرورى و ريهام معانا بس إنتى أكتر .
قطبت روضة حاجبيها بتعجب و قالت بفضول :
- يا ترى عوزانا فى إيه .. خلى رنا تيجى تقعد فى الفصل مكانى .
أومأت خلود برأسها و قالت وهى تنصرف :
- تمام .. ثوانى و هتجيلك .

وبالفعل إنطلقوا لمكتب سميرة فوجدوا عندها تجمع كبير من أولياء الأمور و مصطفى يقف مستندا على الحائط و يحدجها بتشفى .. تنفست روضة مطولا .. ثم دلفت بثقة ووقفت أمام مكتب سميرة وسألتها بخوف :
- تحت أمرك يا ميس سميرة .
أشارت لهم سميرة بالجلوس و جلسوا ثلاثتهم بتوجس شديد .. حتى أشارت إليهم سميرة وقالت :
- دول المعلمات اللى حضراتكوا طلبتوا تقابلوهم .
وقفت إحدى السيدات و قالت وهى تتطلع بروضة و التى ميزتها بنقابها :
- أكيد حضرتك ميس روضة صحيح .
أومأت روضة برأسها و قالت بتلعثم :
- أيوة يا فندم .. فى مشكلة حضرتك .
إبتسمت السيدة بهدوء و قالت برزانة :
- لا بالعكس .. إحنا جينا النهاردة علشان نشكركم على مجهودكم فى حملة ضد التحرش اللى وصلتوها للولاد بطريقة سهلة تحميهم من النفوس المريضة اللى حوالينا .. بجد شكرا ليكم .
تطلعت روضة لريهام وخلود السعديتان بما سمعاه .. بينما تطلعت روضة بمصطفى بإنتصار وهى تراه يصك أسنانه بغضب ثم ترك لهم الغرفة و إنصرف بغضب .. تلقت روضة الشكر و الإمتنان من الجميع وهى فخورة لخطوتها المجدية لحماية التلاميذ و توعيتهم .

.................................................................................................................
......................

إنهمكت وعد فى تسجيل بعض البيانات على حاسوبها .. فسألها سامر وهو يرفع سماعة هاتفه :
- أنا هشرب قهوة يا وعد .. تشربى معايا .
أومأت برأسها نافية و قالت بضيق :
- ﻷ مش عاوزة .. و خف إنت كمان ده تالت فنجان من الصبح .. شكلك واقع فى مشكلة .
وضع سماعة الهاتف و إتجه لمكتبها و جلس أمامها و قال بتوتر :
- بما إن دماغك سم .. ممكن تنصحينى أعمل إيه فى موضوع شاغلنى .
رفعت عينيها عن حاسوبها و تطلعت إليه مطولا و إبتسمت بمكر و قالت بنصف عين وعين :
- مشكلة عاطفية مش كده .
عقد ذراعيه أمام صدره .. و تطلع أمامه للا شئ و قال بتنهيدة حارة :
- أيوة .
إستندت وعد بمرفقيها على مكتبها وهى تتابع ملامحه الملتاعة و تنهيدته التى أشعلت الأجواء من حولهم و زادت إبتسامتها إتساعا وهى تقول بثقة :
- مدام علا .. صح .
إلتفت سامر إلبها مسرعا .. و إعتدل فى جلسته و طالعها بقوة و سألها بتعجب :
- إنتى عرفتى منين ؟!!
أجابته بتلقائية واثقة وهى تستند بظهرها على مقعدها و تحدجه بإتزان قائلة :
- كان باين عليكم جدا يوم عيد ميلادى .. وعلى فكرة بقا هى كمان بتحبك .. شوفت لما شرقت أول ما روضة قالتلك يا بخت اللى هتتجوزك .
عض سامر على شفته السفلى و هو يحدجها بلؤم و قال ساخرا :
- سوسة .. انتى مش سهلة برضه .. طب يا چينيس هى دلوقتى مش طايقة تشوف وشى ولا تسمعنى أعمل إيه علشان ترجعلى تانى .
إستوقفتها كلماته الأخيرة و سألته بتعجب :
- قصدك إيه بترجعلك تانى .. هو إنتوا كنتم مع بعض قبل كده .
أومأ برأسه بنعم و قص عليها كل ما يخص عشقه لعلا و زواجها من طارق إلا هذا اليوم .. إحتقن وجه وعد وهى تستمع إليه و صاحت به بغضب هادر :
- تصدق عندها حق .. أنا لو مكانها مش هبص فى وشك تانى .
زم شفتيه بضيق و قال ساخرا :
- هو أنا كنت بحكيلك علشان تبكتينى .. أنا عاوزك تساعدينى و أنا متأكد .. بل واثق إنك الوحيدة يا سوسة اللى هتخلصى الليلة دى فى دقيقة .
عادت وعد بعينيها لحاسوبها و قالت وهى تعمل ببرود :
- ولو إنك ما تستاهلش مساعدتى بس إدينى لبكرة أقلبها فى دماغى و أرد عليك .

فى تلك الأثناء دلف مالك للمكتب ليتفاجأ بوعد قد عادت لمكتبها من جديد بعدما إنتهى تدريبها الطويل جدا عليه .. فإبتسم بفرحة و إقترب منهم ثم دنا من سامر و قبله بوجنته و قال بلهفة و شوق بادى بنبرات صوته وهو يتطلع بوعد :
- وحشتنى قوى يا سامر .
تعجب سامر من قبلته وكلماته الساخنة .. ولكنه أجابه بهدوء :
- ماتشوفش وحش .. خلصت شغل مع الحاج فضل فى المعرض .
أومأ مالك برأسه بنعم و قال بهيام زائد :
- أيوة خلصت .. بس تعرف يا سامر أنا بحبك قوى .
توردت وجنتى وعد بخجل وهى تتصنع تجاهله .. بينما عبث سامر بهاتفه ورد بتلقائية :
- ربنا يديم بينا المحبة يا مالوك .. ده إنت أكتر من أخويا والله .
تنهد مالك بشدة وقال هامسا وهو يتأمل تلك الساحرة بملامحها الجذابة و بياضها الوردى و الذى زاد تورده مع خجلها المرهق :
- هموت و أدخل جوة قلبك يا سامر و أشوف بتحبنى زى ما بحبك و لا أنا اللى بحبك أكتر .
رفع سامر حاجبه الأيمن و طرف شفته اليمنى و قال بدهشة :
- فى إيه ياض .. ما تصطبح و تقول يا ضهر .. إنت حد خبطك فى دماغك قبل ما تيجى ولا إيه .
أجابه مالك هامسا برقة زائدة :
- هييييييح .. بقولك بحبك تقولى حد ضربنى على راسى .. بس كله بوقته بكرة تبقى ليا و ساعتها .. أووووف بقا .
عضت وعد على جوف فمها وهى تخفى توترها .. بينما وقف سامر مسرعا وهو يحدجه بغضب ثم صاح به بحدة قائلا :
- و حياة أمك .. هى وصلت لهييييح و أوووف بقا .. إنت بقيت شمال ولا إيه ياض .
شهقت وعد بصوت عالى .. ووقفت مسرعة و حملت حاسوبها و قالت بتلعثم و هى تنصرف :
- أنا .. أنا هروح للباشمهندس جاسم أصله .. هروحله بقا .
و إنصرفت مسرعة وهى تتوعد لمالك على تماديه .. بينما إلتفت مالك ناحية سامر و ضربه بكتفه و قال بغضب :
- إنت إدروشت فى دماغك .. إزاى تتكلم كده قدام وعد .
غمز له سامر بعينه و قال بمكر :
- وعد هه ..كنت بتقنطرنى يا مالك عاملنى كوبرى .. و عمال تحب فيها .. طب إيه رأيك بقا إن أيامك اللى جاية سواد معايا .
أشاح له مالك بيده و قال ساخرا :
- يا عم إجرى .. قولى صحيح عملت إيه مع علا .
جلس سامر على مكتبه و قال بتنهيدة متألمة :
- مش طايقة تشوف وشى .. ومش عارف أعمل إيه معاها .
ربت مالك على كتفه و قال مازحا :
- معلش يا صاحبى .. إتقل عالرز يستوى .
ضحك سامر بسخرية و قال :
- يا إبنى ده أنا الرز بتاعى شاط و الشوطة جت فى المدرجات .. إحكيلى بقا الرجالة بتوعك وصلوا لإيه فى موضوع البنتين إياهم .
جلس مالك أمامه على المكتب و قال بجدية :
- هقولك .

..................................................................................................................
....................

إنتصبت وعد واقفة و قالت وهى تتطلع لجاسم بتحفز لردة فعله :
- هاه .. إيه رأى حضرتك فى شغلى .
فتح عينيه وقال بتمهل و قال بتنهيدة حارة :
- مسك .
زمت وعد شفتيها بريبة فهى لم تتوقع تلك الإجابة على الإطلاق .. فسألته بتعجب :
- نعم !!! مسك إيه .
لف بمقعده ناحيتها و توغل بعينيه داخل عينيها اللوزية و قال بإبتسامته الجانبية العابثة :
- ريحتك مسك مش كده .
رفعت حاجبها بتذمر و أعادت سؤالها كأنها لم تستمع لمهاتراته المزعجة :
- بقول لحضرتك إيه رأيك فى شغلى .
إعتدل بمقعده مجددا و أشار لها أن تجلس أمامه قائلا :
- طب إتفضلى إقعدى .. و عموما يا ستى إنتى ذكية جدا .. و بتتعلمى بسرعة .

إلتفت حول مكتبه بفرحة و جلست أمامه و عينيها تشع سعادة تجذبه ناحيتها كالمغناطيس .. فهل تلام ذرات الحديد على إنجذابها رغما عنها للمغناطيس .. لاحظت شروده فطرقعت بأناملها أمام عينيه و قالت بتعجب :
- حضرتك روحت فين .
تأمل أناملها البيضاء الرفيعة و التى تزينت بأضافر بيضاء تنم عن يد لم تمس أدوات التنضيف قط .. ولم لا و هى مدللة أسرتها .. خرج من تأمله لأناملها الرقيقة و قال بجدية :
- ما فيش بفكر شوية .. أخبار بنات الدار إيه .. وصلتى لحاجة .
تنحنحت بتفاخر و وضعت قدم فوق الأخرى بإستعلاء و قالت بثقة :
- عرفت البنت اللى عليها الدور .. و بسهولة كمان .
حك جاسم أسفل ذقنه و قال بمكر :
- لمى مش كده .
أنزلت وعد ساقها و إلتفتت بجسدها نحوه بتعجب و سألته وهى ترفع حاجبيها بدهشة :
- إنت عرفت منين .
إستند هو على ظهر مقعده بغرور و وضع ساقا فوق الأخرى و قال مشدوها بنفسه :
- ما إحنا جامدين برضه .. و البنت يعنى حلوة شوية .. و أنا لو مكان الحرباية اللى إسمها رحاب .. هعمل المستحيل علشان أصطاد الغزالة دى .
ثم مال بجسده على مكتبه مقربا المسافات ببنه وبين وعد .. و غاص داخل عينيها و قال بقوة :
- أصل صيد الغزال .. أحلى من أكله .
زفرت بضيق فها هو يعود لتلك النظرات و تلك الكلمات المبهمة من جديد .. و لكن أخرجهم من حرب نظراتهم دلوف سامر و مالك .. فإبتسم إليهم جاسم بفتور و قال :
- هناء و شرين يا ربى .. يا نعم .
جلس سامر أمام وعد و قال لجاسم بفرحة :
- البنت اللى بعتها لشركة أمير إتعينت و الحمار بلع الطعم يا معلم .
أومأ جاسم برأسه و سأله بنفاذ صبر :
- طب وبالنسبة لجهاز التصنت .. وصلت لحل فى الموضوع ده .
إستند سامر بمرفقيه على المكتب و قال بإبتسامة مطمئنة :
- أنا بصراحة ما حبتش البنت تعرف بموضوع جهاز التصنت ده .. و قولت لو وقعت وكشفها ما تقرش على مكان الجهاز .. فاهبعت واحد من رجالتى هو نينجا و يقدر يدخل المكتب و يخرج من غير ما الكاميرات تلقطه و لا يسيب آثر وراه .
صفقت وعد بيديها و قالت ساخرة :
- إيه ده يا سامر طلعت زينا بتفهم و بتفكر أهه .. أمال كنت حساك مش معانا ليه .
ضحك جاسم و مالك على مزحتها .. بينما تطلع إليها سامر بنصف عين و قال مهددا :
- بقا كده .. طيب ما فيش شوكولاتة تانى و لا مصاصات .
عضت وعد على شفتها السفلى بحرج و قالت هامسة :
- إنت هتسيحلى قدام الباشمهندس .. يقول عليا إيه دلوقتى .
أجابها جاسم بإبتسامته المستفزة :
- عيلة طبعا .. هقول إيه يعنى .
شعر مالك بغضبها .. فإقترب منها و قال معتذرا بلطف :
- ما تزعليش يا وعد .. إحكيلى آخر أخبار الدار إيه .
طأطأت رأسها و قالت بفتور :
- مفيش .. عرفت البنت اللى عينهم عليها و كنت لسه بقول للباشمهندس .. بس المشكلة إن البنت مش بتثق فى حد غير رحاب .. و ده هيخلى مهمتى صعبة شوية .. خصوصا إنها قدامها شهر تقريبا و تخرج .
فسألها سامر بجدية :
- طب و إنتى ناوية على إيه يا سوسة .
هزت وعد رأسها بيأس من كلماته الجارحة و قالت بعقلانية :
- هخليها هى اللى تكتشف حقيقة اللى إسمها رحاب دى من غير ما أظهر إنى بخوفها منها و إلا هتقول لرحاب دى إنى ببعدها عنها .. و بكده هبقى فى موضع شك لأمير نفسه و هيعرف بسهولة علاقة الباشمهندس جاسم باللى بيحصل .
عقد جاسم حاجبيه بخوف و قال بصوت قاسى :
- ﻷ .. لو خايفة يبقى تبعدى عن الموضوع ده نهائى .. مش هسمح لأى حاجة تأذيكى .
أمن مالك على كلماته و هو يثني ركبتيه و يجلس القرفصاء أمام وعد و قال بذعر :
- جاسم عنده حق .. إنتى ما تعرفيش أمير ده ممكن يأذيكى إزاى .. لو فى شك إنك تتأذى بلاش منه الموضوع ده كله .
أغمضت وعد عينيها بضيق و فتحتهم بملل و قالت بحدة :
- بس ....... .
قاطعها سامر بعصبية وهو يقول :
- بصى يا بنت الناس .. من النهاردة دورك خلص خلاص .. وما فيش رجوع للدار دى .. إنتى فاهمة ولا ﻷ .
تأملت وعد قلقهم الصادق النابع من حبهم و إحترامهم إليها .. فإبتسمت بصفاء و قالت بإمتنان :
- أنا مبسوطة جدا إنكم خايفين عليا كده .. كان ليا أخ واحد دلوقتى بقا ليا أربعة .. و مش عوزاكم تقلقوا .. محدش هيقدر يمسنى و أنا ليا إخوات زيكم .. أنا عارفة بعمل إيه كويس و واخدة حذرى .
تبدلت معالم الضيق و الذعر من على وجوههم لإبتسامة هادئة .. دنا منها سامر و قال بهدوء :
- إحنا واثقين فيكى .. و ربنا يحميكى و يوفقك .
زادت إبتسامتها الساحرة .. فتغاضى جاسم عن تلك النيران التى تدفقت بأوردته وهو يطالع جمالها المهلك و قال لمالك بإتزان بركان خامد :
- و إنت يا مالك إيه اللى و صلت له فى موضوع البنتين .
جذب مالك الطاولة الصغيرة والتى تقع بين مقعدى وعد و سامر و جلس عليها و قال بتركيز :
- شوف يا سيدى .. الكاميرات اللى فى المحلات اللى حوالين البيت لقطت عربية جيب وقفت قدام البيت و بعد شوية إتحركت و كان فيها بنتين و راجلين .. بس ما قدرناش نحدد ملامحهم كويس و الواد الچنيس بتاع سامر شغال على موضوع إنه يوضح ملامحهم ده .
جذب جاسم الحديث بقوة و حثه على المتابعة قائلا بضيق :
- و بعدين .. أخدت رقم العربية و إتطقست على صاحبها .
أجابه مالك مسرعا بنبرة حاسمة :
- طبعا .. و عرفت إنها مسروقة وصاحبها من الزقازيق .. ومالوش أى علاقة بأمير و شغله المشبوه .. و اللى عرفته كمان من واحد حبيبى فى المرور النهاردة .. إن العربية إتسابت على الطريق الصحراوى .. واللى فيها ركبوا عربية تانية فى منطقة ما فيهاش ولا كاميرات و لا غيره .. يعنى هما أكيد فى القاهرة .
فسألته وعد بعدما لوت فمها بإمتعاض :
- طب هتكمل إزاى .. كده الخيط اللى كان بيربطك بيهم إتقطع .. ربى إنى لا أسألك رد القضاء .
إبتسم مالك على طيبتها و برائتها و قال موضحا لطمأنتها :
- ما تنسيش موضوع جهاز التصنت .. ده هيعرفنا هما فين بإذن الله .
تمتمت وعد مع نفسها بتعجب :
- أول مرة أبقى غبية كده .. شكلى وحش الصراحة .
فسألها سامر مازحا كعادته :
- إنتى مخاوية يا وعد .. بتكلمى نفسك يا ماما .. ده أنا كنت بقول عليكى راسية .. وعاقلة .. عليه العوض فى عقلك يا سوسة دى أكيد عينى .
ضحكت وعد بصوت عالى .. ثم إنتبهت على نفسها فوقفت بخجل و حملت حاسوبها و قالت لجاسم بعملية :
- أنا بكرة إن شاء الله هروح الدار الساعة عشرة الصبح .. بعد إذنك طبعا .. فمش هقدر أكمل كل الشغل اللى حضرتك طلبته منى .
و أخرجت من حاسوبها إسطوانة مدمجة و ناولته إياها و قالت بمكر و هى تتجنب التطلع لسامر :
- و الإسطوانة دى عليها ديكورات الشركة الجديدة .. إتفقت عليها مع مدام علا على الميل و إخترت الأفضل و يا رب ذوقى يعجب حضرتك .. و كمان فاصلتها لغاية ما إتفقنا على أفضل سعر .
عض سامر على أنامله بغيظ و هو يلمح على ثغرها و عينيها إبتسامة ماكرة .. بينما أخذ منها جاسم الإسطوانة و قال دون تردد :
- أنا واثق فى ذوقك و هقول لعلا تنفذ فورا اللى إختارتيه .. أما موضوع الدار فا ربنا يحميكى و تقدرى تنفذى مهمتك من غير ما حد يكشفك .
بينما لمعت عينى مالك متذكرا و قال بتعجب :
- بس إنتى هتيجى الشغل بكرة إزاى ده عمو عيسى و طنط سلوى هيوصلوا مصر الصبح .. هتسبيهم معقول .
همست وعد من بين أسنانها بشراسة :
- ما ييجوا أنا مالى .. أنا اللى قولت عليه هعمله .. بعد إذنكم .
و حملت حاسوبها و هاتفها و خرجت مسرعة و عيون الثلاثة تتبعها .. فسألهم سامر بدهشة :
- هى مش فرحانة إن باباها و مامتها راجعين من السفر .
جلس مالك مكانها و قال بشفقة على حالها :
- ده موضوع كبير أبقى أحكيهولك بعدين .

إمتعض وجه جاسم و هو يتذكر ملامحها المقهورة و المنكسرة .. و تأججت نيرانه بداخله فمن يجرؤ على كسو تلك العيون اللوزية بذاك الحزن المرهق حتى لو كان والديها .. فأقسم بداخله أن ينتزعها من وحدتها و أحزانها لعالمه الذى سيسخره كاملا لرسم الإبتسامة على وجهها البرئ .. ولكن بعدما يتخلص من تلك العقبة الجالسة أمامه .. مالك .........

.................................................................................................................
........................

فى المساء .. تطلعت الفتيات بشقة العروسين بعدما إكتمل فرشها كاملا بإنبهار .. إبتسمت روضة براحة و قالت :
- أخيرا خلصنا .. بس من كتر ما هى حلوة راح التعب خلاص .
قبلتها وعد بوجنتها و ضمتها إليها و قالت بحنو :
- عقبال ما نفرش شقتك يا روضة يا رب .
إبتسمت روضة إبتسامة باهتة و قالت :
- عقبالك إنتى الأول يا دودو .. أنا لسه بدرى عليا .
زمت روان شفتيها بضيق و قالت لائمة :
- ما هو طول ما إنتى مستخبية ورا النقاب ده محدش هيعرف قد إيه إنتى جميلة .
تطلعت إليها روضة بغضب و قالت مدافعة عن مبدأها :
- اللى هيتجوزنى لازم يتجوزنى علشان مقتنع بيا و بعقلى .. مش بشكلى لأن شكلى مسيره هيروح .
هزت وعد رأسها بيأس من أختها ومنطقها العجيب و قالت مغيرة دفة الحوار :
- قوليلى يا روان هنروح إمتى لبروفة فستانك و فستانى .
-بعد بكرة إن شاء الله .. علشان بكرة تيتة إمتثال عزمانا كلنا على الغدا علشان بابا عيسى و ماما سلوى هيكونوا رجعوا .
زفرت وعد بضيق و قالت بحدة :
- أنا مش عارفة هما تاعبين نفسهم و جايين ليه .. لا بس إزاى علشان المظاهر و الناس.. غير كده إحنا مش فى حساباتهم أصلا .
ملست روضة على كتفها و قالت بتعاطف مع حالتها :
- طب على الأقل ماما ما واحشتكيش يا دودو .
أجابتها وعد مسرعة بغضب :
- أهى دى بالذات عمرها ما هتوحشنى .. و هى أصلا ما تستاهلش كلمة ماما اللى إنتى بتقوليها دى .. فى أم ما تقفش جنب إبنها و هو بيجهز لجوازه .. خليها هناك مع جوزها و راضية بالذل وهى بتستنى فضلات مراته التانية .
شهقت روان من كلماتها اللاذعة و قالت بإبتسامة متوترة :
- يالا ننزل بقا علشان نساعد تيتة .. زمانها تعبت هى و ماما .. و أهه وعد تعزفلنا على الجيتار شوية و نهيص كمان .. أنا عروسة برضه ومحتاجة يتهيصلى و لا إيه .
أومأت وعد برأسها و قالت بخفوت :
- طب يالا بينا و أنا هرقصكم للصبح .. قدامى إنتى و هى .

فى المساء قبل النوم حملت وعد جيتارها كعادتها اليومية قبل النوم .. و لكنها اليوم عزفت لحن حزين طويل .. ليشعر الجميع بالأسى على حالتها و تخبطها .. بينما شعر مالك بثقل كبير على صدره و هو يتابع حزنها بنغماتها .. ورفع رأسه ناحية شرفة وعد و التى تنطلق منها نغماتها .. لم يقاوم شوقه و أرسل لها رسالة لتخرج لشرفتها كى يراها و يطمئن عليها .. وافقت و أرسلت له ردها .. فإنتظرها بلهفة حتى أطلت عليه من شرفتها بإبتسامة هادئة تطمئنه عليها .. فبادلها إبتسامتها وهو يتطلع إليها بحب .. ظلوا هكذا فى صمت .. حتى لوحت له وعد بيدها و دلفت لغرفتها و أغلقت النافذة .. بينما وقف مالك يتأمل القمر المكتمل و كأنه يراها أمامه .. و رغم جمال القمر إلا إن جمال وعد قد ملأ عينيه فلم يعد يرى شئ أجمل منها ...............

............................................................................................................
...................

فى الصباح شعرت وعد بقبلات خافتة على وجهها .. فعبست بضيق و قالت بعصبية :
- سبينى يا روضة لسه المنبه ما ضربش .

- وعد .. قومى يا حبيبتى وحشتينى .

تشنجت تعابير وعد وهى تفتح عينيها بدهشة حتى رأت والدتها أمامها تجلس بجوارها على الفراش و تمرر أناملها بشعرات وعد الطويلة بحنان .. ثم قبلتها مجددا بجبهتها و إبتسمت بشوق و قالت :
- وحشتنى ريحة المسك من شعرك يا وعد .
جلست وعد مسرعة .. ثم أزاحت يدها بهدوء و قالت بملامح مجمدة :
- حمد الله على السلامة .. تعبتوا نفسكوا ليه .. والله ما كانش ليكم لازمة .. عمرو خلص كل حاجة فا تشريفكم لينا عالفاضى .
طأطأت سلوى رأسها بإستحياء و هى تفكر فى كلمات وعد الجارحة .. و لكنها رسمت إبتسامة مصطنعة على شفتيها و سألتها بوهن :
- سمعت إنك إشتغلتى .. لحد دلوقتى مش مصدقة إنك كبرتى و بتعتمدى على نفسك كمان .
إبتسمت وعد بسخرية و وقفت و إبتعدت عن فراشها و قالت وهى تلملم شعراتها وتحمل منشفتها :
- ليكى حق ما تصدقيش أصلنا بنكبر بسرعة و بنعتمد على نفسنا فى كل حاجة و ناجحين الحمد لله .. بس برضه عاوزة أعرف سبب زيارتكم إيه .
ثم إلتفتت بجسدها ناحية والدتها و قالت ساخرة :
- آسفة بجد .. يعنى بسألك و أنا عارفة إنكم رجعتم علشان الناس هيقولوا عليكم إيه .. أب و أم راميين ولادهم و بيحضروا فرح إبنهم زى المعازيم .. برضه كلام الناس بيوجع .. ده إن كنتم لسه بتحسوا .
و نظرت لها بإزدراء و تركت لها الغرفة و خرجت .. لتدخل سلوى فى نوبة بكاء شديدة .. قابلت وعد والدها يخرج من المرحاض فإنطلق نحوها و ضمها بشوق و تنهد مطولا وهو يقول :
- حبيبة بابا .. وحشتينى يا وعد .
لم تبادله ضمته و إنتظرت ببرود حتى تركها و تطلع إليها بتعجب .. فقالت له بغلظة :
- خلصت الفيلم بتاعك .. ممكن أدخل الحمام بقا .
وقف الجميع يتابع كلمات وعد اللاذعة بدهشة .. بينما نهرها والدها بشدة قائلا بغضب :
- إنتى إتجننتى يا بنت .. إزاى تكلمينى كده .
رمت منشفتها على كتفها و عقصت ذراعيها أمام صدها و قالت بإستخفاف :
- أنا بكلمك كويس على فكرة .. لأنى لو إتجننت بجد هتسمع كلام يضايقك أكتر .
رفع والدها حاجبيه بدهشة بالغة من ردها الوقح .. بينما أردفت هى ببرود :
- فبلاش ترسم دور الأب علشان مش لايق عليك .. و هقولك زى ما قولت لمراتك زيارتكم دى ما كانش ليها ستين لازمة .. تعبتوا نفسكوا على الفاضى .. إحنا إتعودنا نبقى لوحدنا .. و مش محتاجين طلتكم علينا .. و يارب الزيارة دى ما تطولش .. لأن المعازيم بيمشوا بعد الفرح على طول .
لم يتمالك عيسى نفسه أكثر و رفع يده لصفعها .. فأوقفه عمر بأن تمسك بذراعه و قال بلوم :
- جرى إيه يا جماعة صلوا على النبى مش كده .
تطلعت وعد لوالدها بإحتقار و دلفت للمرحاض و صفعت ورائها الباب بقوة .. فصاح بها والدها بغضب :
- قليلة الأدب .. ما إتربتيش .
فتحت وعد الباب و ردت عليه بقسوة :
- مش غريبة أبقى قليلة الأدب على فكرة ما أنا تربيتكم .. ولو إنى أشك إنه حتى قلة الأدب علمتوهالى .
فصاح بها عمرو بعصبية أخرستها :
- وعد .. إدخلى جوة و خلصى اللى بتعمليه و تلبسى و تروحى شغلك من غير مشاكل مفهوم .
أومأت وعد برأسها و قالت بأدب :
- حاضر يا عمرو .. بس إهدى إنت و ما تزعلش منى .
شعر بالأسى على حالتها فتوجه ناحيتها و ضمها بشفقة و قبل مقدمة رأسها كعادته و تطلع داخل عينيها بإبتسامته الساحرة قائلا برقة :
- هنتكلم بعدين .. دلوقتى جهزى نفسك علشان تروحى الشغل و ما تتأخريش .. تمام .
ضمته إليها بقوة و قالت بوداعة :
- حاضر يا حبيبى .. بس إوعى تزعل منى .. ده أنا أموت .
ضمها لصدره بحنان أبوى و قال بحب :
- مقدرش أزعل منك يا عمرى .. ده إنتى بنوتى الصغيرة .. يالا بسرعة علشان ما تتأخريش .

تركته و إغتسلت و توضأت و خرجت لغرفتها مباشرة .. أدت فروضها و إرتدت ملابسها و خرجت دون أن تنطق بحرف واحد .. توجهت لموقف الحافلات و صعدته بشرود حتى إمتلأ و إنطلق لوجهتها .. و صلت أخيرا للشركة و ركبت المصعد و لأول مرة لم تشعر بالذعر و السبب شرودها .. خرجت منه و توجهت لمكتبها بهدوء .. ألقت السلام على مالك و سامر و جلست على مكتبها و فتحت حاسوبها و إنهمكت بعملها و عيون مالك و سامر تتابعانها بأسى على حالتها المتوقعة .........

خرج سامر من المكتب و ترك لوعد و مالك الغرفة ليستطيع مالك التحدث معها بحريته .. و لكنها رفضت الحديث بأدب .. فإحترم هو رغبتها وتركها و خرج .. فدلف سامر مجددا و جلس أمامها و سألها بمزاح عله يستطيع أن يخرجها من حالتها :
- وعد .. عملتيلى إيه فى موضوعى أنا وعلا .. إنتى وعدتينى هتردى عليا النهاردة و وعد الحر دين عليه .
إبتسمت وعد بخفوت و تطلعت نحوه و قالت وهى ما زالت تحتفظ بوجهها المتجهم :
- حل مشكلتك فى إيدك يا سامر .. لو كنت من الأول دخلت البيت من بابه .. كنت و فرت عليك و عليها تعب سنين فاتت .. و دلوقتى بتكرر نفس الغلط و بتدخل من الشباك من ورا أهلها .. الصح صح يا سامر و ده اللى عمله طارق الله يرحمه .
مرر سامر أنامله بذقنه و قال بنبرة هادئة عكس عادته :
- بس أنا خايف لو إتقدمتلها دلوقتى ترفض .
حدجته وعد بشفقة و قالت بقوة :
- ما هى هترفضك .. بس إنت لازم تحاول مرة و إتنين و عشرين و تتحدى العالم علشان حبك و تثبت لها إنك بتحبها و ترجع ثقتها فيك .. وده عمره ما هيكون سهل فلو هتتعب بلاش تحاول .
تنهد مطولا و هو يفكر بما قالته .. ثم قال بإبتسامة متحمسة :
- عندك حق يا وعد .. و أنا هعمل المستحيل علشان تبقى ليا .. و هدخل البيت من بابه .
- ربنا معاك .
قالت وعد كلماتها الأخيرة و هى تعود بعينيها لحاسوبها مرة أخرى ... و بعد ساعات من العمل أغلقت حاسوبها و حملت حقيبتها و لملمت أشيائها فسألها مالك بهدوء :
- هتروحى الدار مش كده .
أومأت وعد برأسها وهى تتحاشى النظر لعينيه و قالت بجدية :
- أيوة .. هدخل للباشمهندس شوية قبل ما أمشى و أول ما هخلص شغل معاه همشى .. سلام .
و تركته و إبتعدت وهو يشاهد حزنها و يديه مغلولة لا يستطيع مساعدتها أو التخفيف عنها ..

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent