Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل العاشر 10 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل العاشر بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل العاشر

 كانت تسير و الوجوم على وجهها.. تتقاذفها أفكارها تارة ما بين حنقها و غضبها و تارة مابين إحساسها بالذنب...
طرقت وعد باب غرفة جاسم فأتاها صوته قائلا بقوة :
- تعالى يا وعد .
دلفت وعد للمكتب فوجدت رجل كبير فى السن يجلس على مكتب جاسم بحرية .. بينما يجلس جاسم أمامه فقالت بخجل :
- أنا آسفة يا باشمهندس .. ماكنتش أعرف إن مع حضرتك حد .
أشار إليها جاسم بيده لتتقدم نحوهم و قال بجدية :
- تعالى إدخلى .. ده الحاج فضل والدى .
إقتربت وعد من المكتب و إبتسمت لفضل بود و قالت بتهذيب :
- أهلا و سهلا يا فندم .. نورت الشركة .
وقف فضل ومد يده لمصافحتها .. فقال له جاسم بتوجس :
- معلش يا حاج وعد مش بتسلم على رجالة .
بينما فاجأته وعد وهى تصافح والده و قالت بعتاب رقيق لجاسم :
- بس الحاج زى والدى يا باشمهندس .
تطلع إليها فضل بإنبهار من أخلاقها و ملابسها المحتشمة و ملامحها الرقيقة و قال بإعجاب :
- لسه فى بنات زيك يا بنتى .. إتفضلى إقعدى .
جلست وعد قبالته فسألها فضل بإقتضاب حاسم :
- إسمك إيه ؟!!
أجابته بقوة تعكس شخصيتها القوية و العملية بنفس الوقت :
- أنا إسمى وعد عيسى القاضى .
قطب فضل حاجبيه بإنفعال خفيف و هو يتذكر أين إستمع لذلك الإسم من قبل ثم رفع حاجبيه مجددا بعدما تذكر و سألها بشك :
- عيسى القاضى .... إنتوا من عيلة القاضى اللى عند الكوبرى .
أومأت وعد برأسها بنعم و أجابته برد سريع و قوى :
- أيوة يا فندم ... بس ده كان بيت جدى ..إحنا دلوقتى عايشين فى بيت بابا ورا المحافظة .
وضع فضل مسبحته على المكتب و قال بإبتسامة موجه حديثه لجاسم :
- أهه باباها يبقى قريب الحاجة دولت ماماتك من ناحية أمها .
رفع جاسم حاجبيه من تلك الصدفة الغريبة قبل أن يقول بدهشة :
- بجد يا حاج .
- أيوة .. جدتك تبقى بنت خالة جدة وعد الله يرحمهم .
إلتفت فضل لوعد و قال لها مؤكدا :
- سلميلى على والدك يا بنتى و قوليله يأنسنى و يشرفنى فى معرضى فى أى وقت .
أجابته وعد بإقتضاب و سألته بإستفسار :
- يوصل طبعا .. بس حضرتك تعرف بابا شخصيا .
اومأ فضل برأسه مؤكداً و قال:
- طبعا يا بنتى .. إحنا أهل .. على فكرة أنا بسمع عنك كتير من الشباب و بالذات جاسم .. طول الوقت يقولى وعد عملت .. وعد سوت .. بس شغلك كله كوم و حكاية إهتمامكم بالأيتام ده كوم تانى ربنا يعينكم على فعل الخير .
زادت إبتسامتها إتساعا و هى تجيبه بإمتنان :
- شكرا لحضرتك .. و بتمنى أكون قد الثقة اللى الباشمهندس حاططها فيا .
رد عليها جاسم و هو يتأملها بحب :
- ده إنتى قدها ونص وتلات تربع .. ربنا يباركلى فيكى .
لاحظت وعد نظراته و تلك الكلمات المبهمة مجددا فوقفت بتوتر و قالت بصوت مضطرب :
- فرصة سعيدة يا حاج .. معلش مضطرة أمشى ورايا شغل بعد إذنكم .
وقف فضل و صافحها مجددا و قال و هو يربت على كفها بحنو :
- أنا أسعد يا بنتى .. ربنا يكتر من أمثالك و يوفقك .
- متشكرة .. بعد إذنكم .
وتركتهم و إنصرفت و جاسم يتابعا بعينيه بتنهيدة حارة .. لاحظ والده هيامه بها و نظراته الملتاعة .. فجلس بهدوء و هو يخفى إبتسامته الماكرة .. ثم قال على مضض :
- هتفضل متنح كده كتير .
إلتفت إليه جاسم بإستحياء و قال معتذرا :
- آسف يا حاج معلش .
فباغته والده بسؤال جعله يرتبك بشدة حين قال بدهاء :
- بتحبها مش كده .
إتسعت عينى جاسم من المفاجأة .. و إبتلع ريقه مهدئا حالة الجفاف التى داهمت حلقه و ما أن فتح فمه ليرد حتى أردف والده بإبتسامة سعيدة قائلا :
- يا ريت يا إبنى تكون من نصيبك .. دى بنت لو لفيت الدنيا علشان تلاقى زيها مش هتلاقى .. أدب و أخلاق و تدين .. و فوق كل ده زى القمر .
جلس جاسم أمامه براحه و سأله بسعادة :
- إنت شايف كده يا حاج .
- أيوة شايف كده .. لو ضيعتها منك هتندم .. دى جوهرة و عايزة اللى يقدرها و أنا هبقى مرتاح و مطمن عليك لما تكون دى مراتك .. مش البنات الكسر اللى مصاحبهم .
أشار له جاسم بيديه قائلا بجدية قاطعة :
- ﻷ بنات إيه و بتاع إيه خلاص توبنا إلى الله .. بس إدعيلى يا حاج إن وعد تبقى ليا .. لأنى مش هستحمل أخسرها .. دى بقت حتة منى و ربنا يعلم .
و قف والده وهو يعدل من هندامه و حمل مسبحته و قال بقوة :
- ربنا مش محتاج وسيط بينه وبين عبده .. قوم صلى و إدعى ربنا يجعلها من نصيبك البت شكلها متدين و عمرها ما هترضى بيك و إنت بتصلى الجمعة بس .. يالا سلاموا عليكوا .
أجابه جاسم و هو يتنهد براحة .. و قد تبعه لباب المكتب :
- حاضر يا حاج .. هقرب من ربنا بجد لأنى محتاج أقربله مش علشان موضوع وعد .
إلتفت إليه فضل و مد يده إليه بمسبحته و قال بفرحة ملأت عينيه التى ترقرقت بالدموع :
- ده يوم المنى يا إبنى .. و ربنا يثبتك .. إمسك السبحة دى ورثتها عن جدك و هو اللى إدهالى قبل ما يموت و كان جايبها معاه من الحجاز .. خليها معاك دايما و سبح عليها .
أخذها منه جاسم وهو يبتسم بسعادة بالغة فتلك المسبحة غالية جدا على قلبه لأنها تذكره بجده الذى لم ينساه منذ وفاته حتى الآن .. ثم وضعها بين أنامله و قال بنظرات تقدير :
- ربنا يخليك ليا يا حاج و أقدر أخليك فخور بيا دايما .

ربت فضل على كتفه و تركه و إنصرف و جاسم يشعر براحة و سكينة لم يشعر بها من قبل .. أغلق خلف والده الباب و توجه للمرحاض الخاص به بمكتبه .. و خلع حذائه و جوربه و ثنى كمى قميصه و توضأ .. ثم إفترش سجادة صلاة و وقف فى إتجاه القبلة و كبر و صلى ..........

فتح سامر باب مكتب جاسم ليتسمر مكانه من تلك المفاجأة الغير متوقعة على الإطلاق .. فإبتسم بتعجب و هو يراقب سجود جاسم الخاشع .. ثم دلف للمكتب و أغلق ورائه الباب و جلس على إحدى الأرائك ريثما يفرغ جاسم من صلاته .. وما أن إنتهى جاسم حتى أخذ يسبح على سبحة والده لتزداد نظرات التعجب بعينى سامر حتى إلتفت إليه جاسم من وضعية جلوسه و قال له محذرا :
- هتزعل منى لو إتريقت فاهم .
رمقه سامر بضيق ثم قال بصوت متوهج من السعادة :
- بالعكس بقا .. أنا فرحان بيك جدا و عندى أمل إنك هتبقى أحسن منى أنا ومالك إن شاء الله .
رفع جاسم يديه للأعلى وهو ينظر للسقف بشرود :
- يا رب .. ثبتنى و إبعد عنى شيطانى و قربنى ليك و إهدينى لعبادتك يا أرحم الراحمين .
- آمييين .

..........................................................................................................
....................

إحتضنت إمتثال إبنتها بشفقة على حالتها المنهارة و قالت برفق :
- إهدى بقا يا سلوى مش كده .. إنتى عندك السكر و ممكن تتعبى يا بنتى .
كففت سلوى دموعها و قالت بألم و سط شهقاتها :
- بنتى بقت بتكرهنى خلاص .. مش طايقة تشوفنى .
ربتت روضة على كفها لتهدئتها و قالت ببرائة :
- إهدى يا ماما لو سمحتى .. هى هتاخد كام يوم بس و هتهدا و هتبقى كويسة .. بس محدش يضغط عليها إنتوا ما تعرفوش اللى إحنا شوفناه معاها لحد ما إتعودت على سفرك إنتى بالذات و خصوصا لما بابا ضربها و نقلناها للمستشفى .
شهقت سلوى من بين دموعها و قالت بضيق :
- و أنا ذنبى إيه .. أنا مش قدامك حاولت معاه علشان أبعده عنها .
سحبت روضة نفسا طويلا و زفرته بهدوء لتهدئة إنفعالاتها و قالت بلوم قاسى :
- هى وقفت قدامه علشانك إنتي رفضت الاهانة ليكي منه و كان جزائها إنه قفل عليهم الباب و ضربها بالحزام و جه على وشها و إتعورت و دمها غرق وشها و لولا عمرو كسر الباب كانت ماتت فى إيده .. ده حتى عمرو لغاية دلوقتى بيعالج كتفه من كسر الباب .. و لما رجعت من المستشفى لقتك سبتيها و مشيتى من غير حتى ما تطمنى عليها كأنها كلبة و لا تسوى .
تطلع الجميع بروضة متعجبا من ردة فعلها الجديدة عليهم فلم يسبق لها الإنفعال هكذا من قبل .. فأغمضت روضة عينيها للحظات و قالت بهدوء :
- إديها وقتها يا ماما .. مش سهل اللى حصلها و بسببه رفضت عرسان لا تحصى ولا تعد .. هى محتاجة ترجع ثقتها فيكم و ده مش هيبقى سهل .
جلست آمال بجوار سلوى و قالت بإبتسامة هادئة لتغير حالة الحزن التى عبأت الأجواء :
- بقولك إيه يا سلوى .. قومى بينا أوريكى شقة العرايس و أفرجك على الحاجات اللى جبتها لروان .
أومأت سلوى برأسها و قالت بصوت ضائع :
- طيب .. يالا يا حبيبتى .
صعدت السيدتان لشقة العروسين .. فجلست روان بجوار روضة و قالت بلوم :
- ليه كده يا روضة .. إنتى أعقل من كده يا حبيبتى .
مررت روضة أناملها بشعراتها و قالت بحزن :
- وعد تعبت كتير يا روان و على يدك .. مش هسمح لحد يرجعها لحالتها القديمة تانى .. و هما لازم يفهموا إنها مش بنتهم الصغيرة الدلوعة اللى سابوها بالسنين وما فكروش فيها .
مصمصت إمتثال شفتيها بإمتعاض و قالت بحدة :
- معاكى حق يا روضة .. دى كانت هتموت مننا .. عموما ربنا يهدى الحال .. قومى يا أختى إنتى و هى ساعدونى فى الغدا رجليا فقفقت .
وقفت روان بضيق و قالت بتذمر :
- حرام بقا .. أنا فرحى كمان كام يوم و المفروض أرتاح و أعمل مسكات و كريمات و حمام بخار .
دفعتها إمتثال أمامها بقوة و قالت ساخرة :
- طب روحى أقفى إنتى قدام البوتوجاز باشرى على الأكل علشان تعملى حمام بخار لسنتين قدام .. يالا للشبشب هيشتغل .
إبتسمت روضة و روان وهما يساقان أمام إمتثال بالقوة الشبشبية ......

..................................................................................................................
..................

أحيانا يكتب لنا القدر بدايات ربما حينها لم تكن الافضل .. و لكن مع الوقت و التعمق بما كتبه الله لنا نستدل على آياته و كرمه بنعمه التي تشملنا دائما ...
الفقد أكبر الفجائع بحياتنا القصيرة و لكن فقدان الاهل لهو الفجيعة الكبرى و الأكثر إيلاما .. و اتوقف قليلا عند مسمي الفقد .... هل هو الموت او التقصير فأى كان المسمي فالمعنى واحد ...
اليُتم هو فقدان للأهل ... و التقصير منهم أيضا فقدان و لكل مذاقه و آلامه ... و رغم ذلك فالنسيان نعمة قد أنعم الله علينا بها كي نأخد قسطا من الراحة و نبتعد عن الآلام .....

تعالت ضحكات الفتيات و وعد تكفف دموعها براحتها و قالت لاهثة :
- إرحمونى يا ظلمة قلبى هيقف من الضحك .. إنتوا إيه مش بتتعبوا .
فقالت لها إحدى فتيات الدار و هى تضحك بقوة :
- ﻷ بنتعب .. و بنرجع نضحك تانى .
هزت وعد رأسها بيأس و قالت مازحة :
- ده إنتوا قعدتكوا ميتشبعش منها .. أنا بقول بما إن البيت متكهرب عندنا .. أنا أروح أجيب هدومى و أجى أعيش معاكم لحد ما أبويا و أمى يسافروا تانى .
لمعت عينى إحدى الفتيات و قالت بفرحة :
- و الله فكرة .. إنتى بصراحة بقيتى صاحبتنا بجد و إتعودنا عليكى .. قوليلنا صحيح أخبار القمر اللى كان معاكى أول يوم إيه .
رفعت وعد حاجبها بإستنكار و هى تنهرها بشدة :
- إتلمى يا بت .. ده المدير بتاعى .
تنهدت إحدى الفتيات بهيام و قالت برقة :
- يا أختى عليه .. بقا الصارووخ ده مدير .. ده صغنون لسه .
زمت وعد شفتيها بتبرم و قالت بسخرية :
- بقا الباشمهندس صارووخ و قمور .. ده آخر طموحكم فى الرجالة .
تنهدت احدى الفتيات و قالت بهيام :
- يخرب بيت جماله ...هو كمان باشمهندس .. ما تجيبى تليفونه يا وعد .
تمسكت أخرى بذراع وعد قائلة برجاء :
- ﻷ يا وعد إوعى تديهولها .. إديهولى أنا هموت و أسمع صوته .
إمتعض وجه وعد على هيامهم المقزز و لاحظت إنزواء لمى .. فقالت وهى تتجه نحوها :
- أما أروح أشوف الأستاذة لمى مالها .
إقتربت منها وعد وهى تنوى إنجاح مخططها بشتى الطرق .. فجلست بجوارها و سألتها بفضول :
- إيه يا مزة مالك .. قاعدة لوحدك ليه .
إبتسمت إليها لمى برقة و قالت بجدية :
- خايفة من اللى مستنينى بره الدار .
عقدت وعد ذراعيها أمام صدرها و سألتها بمكر :
- مالك خايفة كده ليه هى مش رحاب صاحبتك دى إنتى بتثقى فيها .
أرجعت لمي شعراتها خلف أذنها و هى تقول بخوف مستتر :
- أيوة .. بثق فيها جدا بس حلمت إمبارح إنى فى مكان ضلمة و جت حية و قعدت تطاردنى لغاية ما دخلتنى غابة كبيرة و كلها و حوش عاوزة تاكلنى .. و قعدت أصرخ بس صوتى كان مخنوق مش بيطلع لغاية ما جيتى إنتى و شدتينى و جريت معاكى بسرعة و خرجنا من المكان ده و كان النهار طلع .
فسرت وعد رؤيتها المحذرة و قالت وهى تمسد شعراتها الناعمة :
- دى رؤية و ربنا بيحذرك إن فى واحدة عاوزة تأذيكى .. وإنى أنا اللى هخلصك منها إن شاء الله .. بس عاوزة أسألك سؤال فضولى شوية .
تطلعت إليها لمى بتركيز .. فأردفت وعد قائلة بتوجس :
- هو إنتى لسه بتتكلمى مع البنات اللى خرجوا من هنا مع رحاب .. يعنى بتطمنى عليهم و كده .
دققت وعد فى ملامحها لتستشف ردة فعلها من حديثها و التى تحاول جاهدة أن يبدو طبيعى .. نظرت إليها لمى بحيرة و أجابتها بتردد :
- ﻷ مش عارفة عنهم حاجة بقالى فترة .. و كل ما أسأل رحاب عنهم مش بتطمنى .. بس أنا مرتاحة علشان هما معاها .
إستنكرت وعد ثقتها اللامتناهية بتلك العقربة .. و برائتها التى لا تتناسب مع العالم المحيط بها و التى هى على أعتاب الخروج إليه .. كمن لا يعرف عن السباحة شئ و يطلب منه الغطس لمسافات بعيدة ...و لكنها قالت بهدوء متزن :
- هما معاها فين .. يعنى هى وفرت ليهم سكن .
أجابتها بتأكيد :
- أيوة هما قاعدين معاها فى شقتها .
فسألتها وعد بتعجب خببث :
- يعنى مع باباها و مامتها و إخواتها و كده .
أومأت لمى برأسها نافية و أجابتها بعفوية :
- ﻷ رحاب عندها شقة بتاعتها هى .. عايشة فيها لوحدها .
زادت نظرات وعد المتعجبة و قالت بنفور و قدرة عالية على التمثيل تؤهلها للإلتحاق بأكبر الأفلام التى تنتج حاليا :
- غريبة .. بس فى مجتمعنا بره مفيش حاجة إسمها واحدة ست تعيش لوحدها و إلا الشبهات دايما تحوم حواليها .
فكرت لمى بكلمات وعد قليلا و قد ساورها الشك و الريبة لأول مرة .. ثم نفضت تلك الأفكار السلبية من رأسها و قالت بهدوء :
- أصلك ما تعرفيش رحاب .. هى شخصيتها قوية و بتعتمد على نفسها فى كل حاجة .
فسألتها وعد بهدوء ماكر :
- طب رحاب إستقالت من الدار ليه و فجأة كده .
مطت لمى شفتيها بعدم معرفة و هى تنفض شعراتها لخلف عنقها بتوتر .. فأومأت وعد رأسها بتفهم و قالت بحنو :
- أكيد إنتى صح .. رغم إن قلبى مش مرتاح و خصوصا بعد الرؤية اللى شوفتيها إمبارح .. ممكن أطلب منك طلب .
عادت لها لمي بعيناها قائلة بتأكيد :
- طبعا .. ربنا يعلم أنا بحبك إزاى و نفسى أبقى زيك فى كل حاجة .
ربتت وعد على ذراعها و قالت بإبتسامة ودودة طامعة فى رجاحة عقلها :
- قبل ما تعملى حاجة مهمة .. خدى رأيى الأول .. ممكن .
أومأت لمى برأسها و قالت بتأكيد :
- حاضر .. إنتى هتيجى تانى إمتى .
فكرت وعد قليلا و هى زامة شفتيها بطفولة و قالت بإبتسامة متسعة :
- أنا هحرمكم من طالتى شوية .. أصل فرح عمرو أخويا بعد كام يوم .. و بعد الفرح هاجيلكم تانى .
و أخرجت هاتفها و عبثت به قليلا و وضعته أمام عينى لمى و سألتها بفضول :
- قوليلى إيه رأيك فى فستانى .
أشرق وجه لمي بإبتسامة شغوفة و هي تقول بإعجاب :
- واو .. ده جميل قوى .. و عليكى هيبقى أحلى لأن جسمك حلو .
قبلتها وعد بوجنتها وقالت بحب وهى تنصرف :
- تسلميلى يا لولو .. عقبال ما نفرح بيكى .. يالا سلام .
- سلام .

تطلعت لمى بأثر وعد بإبتسامة محبة .. و عادت لشرودها بتلك الرؤية المقلقة و أسئلة وعد التى فتحت عينيها على أمور لم تكن تعيها .. فربما رحاب لم تكن أهل للثقة .. و إختفاء أختيها أمر زاد من ريبتها كثيرا .. فياترى ماذا أصابهما و ما ينتظرها هى الأخرى .. تنهدت بيأس من أن تصل بتفكيرها لشئ فقالت بداخلها :
- لو رحاب مطمنتنيش على البنات يبقى فى حاجة غلط ولازم أعرفها .

..................................................................................................................
...................

جلس الجميع على طاولة الغداء التى إمتلأت بشتى الأطعمة التى حضرتها إمتثال .. تطلع مالك حوله و سأل بتعجب :
- هى وعد لسه ما رجعتش من الدار .
أجابه عمرو وهو يضع الطعام بصحن روان بإبتسامة شغوفة :
- لسه قافل معاها .. شوية و هتيجى و قالت ما نستنهاش و ناكل إحنا .
شعر مالك بالضيق على وعد من رأسها اليابس و عندها اللا محدوود .. تغاضت روضة عن نظرات الضيق بعينيه وهى تناجى ربها أن يمنحها القوة لمقاومة شعورها .. ثم ملأت طبقها و حملته و إنصرفت تحت أنظار مالك المتعجب من حالها فسألها مسرعا :
- مش هتتغدى معانا يا روضة .
مجرد سماع صوته يذكر إسمها يزلزل كيانها .. تود الآن لو تلتفت إليه و ترجوه ألا يفعلها مجددا فهى تنوى الإقلاع عن حبه و هو لا يساعدها مطلقا .. تنفست بهدوء لضبط إنفعالاتها و أجابته بقوة و هى تبتعد بعينيها عنه :
- هاكل جوة علشان أرفع النقاب .
و تركتهم و إبتعدت .. تنهد مالك بأسى و هو يشتاق لنظراتها و كلماتها المرحة التى كانت تخفف عنه أى شئ يزعجه .. يود الآن الغوص داخل مكنونها ليعرف ما يحجبها عنه بتلك الطريقة الشاقة و التى تؤلمه .. ففاجأه عيسى بسؤال مباغت :
- عامل إيه فى شغلك يا مالك .
إلتفت إليه برأسه و أجابه بجدية دون تردد :
- كويس الحمد لله .. و الفترة الجاية عندى مصلحة لو تمت هرجع أشترى شقتى على طول .. أصلى غيرت من عمرو و عاوز أحصله .
لمعت عينى آمال من الفرحة و قالت بتمنى :
- يا رب يا إبنى ده أنا أملى أفرح بيك و بعيالك .
دلفت وعد لشقتهم و هى تتابع جمعهم .. ثم و ضعت مفتاحها على الطاولة و قالت بعبوس :
- السلام عليكم .
رد عليها الجميع :
- و عليكم السلام .
وقفت إمتثال مسرعة و قالت لها بحنو :
- إدخلى إغسلى إديكى و بعدين إقعدى مع روضة جوة و أنا هعملك طبق زيها .
قبلتها وعد بوجنتها و قالت بتعب متحاشية النظر إليهم .. أو بالأحرى إليه فهى كانت قاسية معه اليوم رغم أنه أراد أن يخفف عنها ضيقها :
- حاضر يا تيتة .. ربنا يخليكى ليا يا حبيبتى .

و إنصرفت و عينى والدها تتابعها بغضب .. ثم قال بسخرية :
- فاكرة نفسها هتأدبنى .
فقال له عمرو بهدوء كى لا تتأثر جلستهم بتلك المشاحنات :
- قولى يا بابا .. إيه رأيك فى الشقة وفرشها .
- حلوة يا إبنى ربنا يباركلك فيها و يهنيك و يرزقك بالذرية الصالحة .
دنا سراج من عيسى و قال له بخفوت :
- عاوزين بعد الغدا نحبس فى القهوة بتاعتنا بإتنين شاى بنعناع من بتوع زمان .
إبتسم عيسى بهدوء و قال :
- أنا أصلا مش عايز أفضل هنا .. ما بقاليش غير يوم و إتخنقت .
حدجه مالك بضيق .. و وضع عينيه بصحنه متابع لطعامه و هو يكظم غيظه منه بداخله فلم يأن أوان المواجهة بعد .. فلينتظر إلا أن تصبح له و لن يسمح لأحد بتعكير صفوها مرة أخرى .........

..................................
بعد عدة أيام بحثت وعد حولها و هى تمسح المكان بعينيها فلم تجدهما .. فدلفت لغرفة روضة فوجدتهما تجلسان على الفراش و روان يبدو عليها الإرتباك و التوتر .. فأطلت وعد برأسها و قالت مازحة :
- بتتكلموا كلام كبار صح .
قذفتها روضة بالوسادة و قالت بغضب لذيذ :
- و لما إنتى عارفة إننا بنتكلم كلام كبار بتدخلى علينا ليه .
تفادت وعد الوسادة و قالت بضيق :
- طنط آمال هى اللى بعتتنى أدور عليكم .. و بتقولكم تعالوا بقا علشان الضيوف اللى بره عاوزين يهيصوا للعروسة .. و الست بتاعة الحنة هترسملنا .. يالا بقا .
زفرت روان بخوف .. فربتت روضة على كفها و فالت لها لتطمئنتها :
- متخافيش من حاجة يا رونى .. عمرو بيحبك و بيخاف عليكى و عمره ما هيخوفك منه بالعكس بقا .
أومأت روان برأسها فصاحت بهم وعد بفقدان صبر :
- يالا بقا إنتى وهى .. هى الضيوف دى جاية لأمى .. ده إنتوا كوزين نكد .
فقذفتها الإثنتان بالوسائد .. فركضت مسرعة وهى تضحك بطفولة .. و بدأت حفلة الحنة .. و تعالت الزغاريد و جذبت روضة وعد من ذراعها و دفعتها لترقص .. و لفت خصرها بوشاح و غمزت لها بعينها .. وبدأت وعد رقصتها بخجل حتى إعتادت و رقصت بأريحية .. و عيون النساء تتابع تمايلها الجذاب و حركة خصرها اللولبية .. و تمايل كتفيها بدلال ناعم .. و تلك الأشعة الطويلة تشاركها رقصتها بفرحة .. لم تكن تشعر بتلك العيون المتفحصة لها بإعجاب شديد .. بينما إبتسمت سلوى وهى تتابع تمايل إبنتها الإحترافى .. فجلست بجوارها إحدى قريباتهم و قالت لها بإبتسامة شغوفة :
- وعد بقت عروسة زى القمر يا سلوى ربنا يباركلك فيها .
أجابتها سلوى بإمتنان وهى تصفق بهدوء و عينيها تتابع صغيرتها بشوق :
- شكرا يا حبيبتى .
مالت عليها السيدة و قالت بجدية :
- بصراحة يا سلوى أنا كنت عاوزة أخطبها لأحمد إبنى و إنتى عرفاه عنده ورشة كبيرة و عنده شقته و متعلم و جاهز من كله .
حدجتها سلوى بإهتمام و قالت بفرحة :
- إنتى هتقوليلى على أحمد .. ربنا يباركلك فيه و يحميه .. خليه يبقى يفاتح أبو عمرو و اللى فيه الخير يقدمه ربنا .
- إن شاء الله خير .
بعد قليل جلست إحدى الجارات بجوار سلوى و قالت لها برجاء :
- كان ليا طلب عندك يا أم عمرو و مش عوزاكى تكسفينى .
أجابتها سلوى بفضول و قالت بإبتسامة ودودة :
- إنتى تؤمرى يا حبيبتى هو إحنا عشرة يوم .
- تسميلى يا حبيبتى .. بصراحة أنا إبنى وليد كلمنى علشان أفاتحكم فى موضوع إنه عايز يتقدم لوعد .
إرتفع حاجبى سلوى للأعلى و قالت بتعجب :
- وماله يا حبيبتى .. وليد متربى مع عمرو و عارفة أخلاقه .. خليه يبقى يكلم أبو عمرو و اللى فيه الخير يقدمه ربنا .
بعد فترة جلست آمال بجوار سلوى التى تصفع كفا بكف من دهشتها فسألتها بفضول :
- مالك يا سلوى .. فيكى حاجة .
لوت سلوى شفتيها بتعجب و قالت على مضض :
- يا أختى النهاردة إتقدم لوعد تلت عرسان أحلى من بعض .. و أمهاتهم كلمونى .. الواحد محتار والله .
ربتت آمال على كف سلوى و قالت لها بفرحة :
- يا ماشاء الله .. هى وعد النهاردة كانت زى القمر و رقصت رقص يهبل .. ربنا يحميها .. عقبال ما تفرحى بروضة كمان .
وضعت سلوى يدها أسفل خدها و قالت بحسرة :
- روضة .. ومين اللى هيشوفها وهى مخبية وشها كأنها متشوهة ولا حاجة .. حتى النهاردة لبسالى عباية واسعة و عليها النقاب حتى لما بترفعه مش مبينة من وشها حاجة .. البت دى هتجننى .
- بكرة ربنا يرزقها بإبن الحلال اللى يستاهلها و يقدرها .. دى روضة دى ما فيش زيها .
تنهدت سلوى مطولا بحزن و قالت برجاء :
- يا رب يا آمال يا أختى .
إنتهت حفلة الحنة .. و عادت آمال و إبنتها لشقتهم .. فجهزت آمال العشاء و هى تبتسم بفرحة فسألها سراج بتعجب :
- مالك يا آمال .. إيه اللى مفرحك كده .
وضعت الأطباق من يدها .. بينما جلس مالك و روان بأماكنهم .. فأجابت زوجها بتلقائية :
- يا أخويا النهاردة إتقدم لوعد تلت عرسان زى الفل و أمها محتارة .
شهق مالك بداخله .. بينما تابعت آمال بإبتسامتها الفرحة :
- هى الصراحة النهاردة كانت زى القمر .. و رقصت رقص خلت الستات هتتهبل عليها .. و الله قرأتلها المعوذتين فى سرى البت دى نجمها خفيف .
صك مالك أسنانه بقوة و وقف مسرعا و ترك طاولة الطعام فسألته آمال بتعجب :
- رايح فين يا مالك مش هتتعشى يا حبيبى .
أجابها وهو يحمل هاتفه و يتوجه للشرفة منزعجا :
- ثوانى بس يا ماما .. إفتكرت حاجة هقولها لجاسم و هاجى على طول .
ثم توجه للشرفه و هاتف جاسم الذى رد عليه قائلا :
- مالوك .. ناقصك حاجة يا معلم .
أجابه مالك مندفعا من شدة غضبه :
- جاسم أنا هحجز على طيارة بعد بكرة .. أطمن على روان بكرة و أسافر بعدها .
فسأله جاسم متعجبا من تسرعه قائلا بفضول :
- إشمعنا يعنى .. إيه اللى جد مسربعك كده .
زفر مالك بضيق و قال هامسا :
- لازم أتسربع .. النهاردة بس إتقدم لوعد تلت عرسان .. أمال بكرة فى الفرح هيبقوا كام .. لا يا عم أنا لازم أسافر بسرعة لتطير منى .. أنا عارف إنها هترفضهم بس برضه مش هقف أتفرج .
شعر جاسم بنيران حارقة تتدفق بعروقه و عبس بقوة و أجابه بصوته الأجش :
- عندك حق .. الموضوع ده لازم يخلص بسرعة لأن أى بطئ فيه مش كويس .
لم يدرك مالك مقصد جاسم بأنه يريدها لنفسه و لكنه أجابه بإمتنان :
- عندك حق .. أنا هحجز التذكرة بالنت و عليك إنت الباقى تمام يا صاحبى .
أومأ جاسم برأسه قائلا بحدة :
- تمام .. روح نام إنت علشان تبقى جاهز لبكرة و ما تشغلش بالك بحاجة .. يالا تصبح على خير يا أخو العروسة .
إبتسم مالك براحة و قال :
- و إنت من أهله يا صاحبى .

و أغلقوا الخط .. و عاد مالك للجلوس مع أسرته لتناول عشائه و أخبرهم بأمر سفره .. بينما و قف جاسم ينظر لشرفة غرفة وعد من أسفل عقارهم بغضب .. و قد نوى المضى قدما فى خطته حتى تصبح له مهما كلفه الأمر فلن يفوز بتلك الجوهرة غيره .. هى ملكه وفقط ..........

..................................................................................................................
..........................

خرجت روان من مركز التجميل تجر فستانها الأبيض المنفوش .. و إبتسمت بخجل وهى تتطلع لعمرو بهيأته البهية .. بعدما حلق ذقنه و أظهر بياض بشرته .. و صفف شعراته ليصبح جذاب بكل معنى الكلمة .. أما هو فوقف يتأمل حبيبته البريئة بفستانها الرقيق مثلها .. و هيأتها الملائكية بسعادة بالغة فها هى قد أصبحت عروسه و بعد ساعات ستصبح زوجته .. نصفه الثانى .. وقفت أمامه بخجل فرفع كفها و لثمه برقة أذابت حواسها .. ثم رفع عينيه إليها و قال بفرحة :
- بسم الله ما شاء الله .. زى القمر يا رونى .. ربنا يحميكى يا حبيبتى .
ضغط جاسم بوق سيارته و قال بإبتسامة مشاغبة :
- يالا يا عريس متأخرين على الزفة يا إبنى .
أفسح عمرو المجال لروان و فتح لها باب سيارة جاسم الفارهة و قد فتح سقفها .. ثم جلست بهدوء و جلس عمرو بجوارها .. و إطمأنت روضة من وضع فستان روان و قالت لعمرو :
- أنا هروح أركب فى عربية خالتو .. و وعد هتركب معاك .
تهللت أسارير جاسم بفرحة مخفية .. بينما سألها عمرو بحيرة :
- وهى وعد فين أصلا .
أشارت له قائلة :
- هتخرج أهى .. هروح أحط الشنط دى فى عربية مالك و أركب مع خالتو .
أومأ لها عمرو برأسه و هو شارد بعروسته .. بينما بحثت روضة بعينيها عن سيارة مالك .. إلا أن رأته ببذلته الرمادية و قميصه الأبيض و رابطة عنقه الرمادية .. إبتلعت ريقها بتوتر من جماله الصارخ .. و سارت نحوه وهى تخفى إعجابها و تخبطها.... وقفت أمامه و قالت بجمود :
- لو سمحت خلى الشنط دى معاك فى شنطة العربية و لما هنروح هاخدها منك .
تطلع مالك لهيأتها الجميلة بعبائتها الفضفاضة باللون البيج و المطرزة بالفضى .. و خمارها المتوسط الطول بلونه البيج أيضا و نقاب من نفس اللون و على رأسها تاج رقيق ليكمل أناقتها المريحة للنظر .. حمل مالك منها الحقائب و قال بإعجاب :
- عقبالك يا روضة .. بس أول مرة أعرف إن النقاب بيبقى حلو كده .
شهقت بداخلها و رفعت عينيها نحوه لتذوب مع نظراته التى ملأها الإعجاب .. أما هو فجذبه عينيها و التى كحلتها لأول مرة فأظهرت لونها الإسود الدافئ .. إمتدت نظراتهم للحظات فإنسحبت روضة بهدوء بينما إستمرت إبتسامة مالك حتى تلاشت فجأة وحل محلها عبوس ونظرات نارية غاضبة وهو يتطلع بوعد التى خرجت للتو من مركز التجميل ........

تصنمت تعابيره وهو يتطلع لجمالها الزائد عن الحد بفستانها الضيق حتى خصرها و المنفوش حتى كاحليها بلونه البنفسجى .. و مكياجها الرقيق .. حك ذقنه وهو يتأملها بإعجاب .. فقد كانت كأميرات الحكايات .. بل هى أميرة الحكايات .. شهرزاد .. زادت دقات قلبه خفقانا مع إقترابها و قالت له بإبتسامتها المهلكة :
- إزاى حضرتك يا باشمهندس .
بادلها جاسم إبتسامتها وهو يقول برقة تماشت مع حركته الناعمة وهو يفتح لها باب السيارة بجواره :
- أنا كويس الحمد لله .. و لو إنى إفتقدتك فى الشغل اليومين اللى فاتوا .
ركبت وعد وهى تلملم فستانها و أغلق جاسم الباب بجوارها و إلتف ليركب أمام المقود .. و توجهت السيارات لمكان حفل الزفاف .. و فى الزفة الدمياطى إندمج الجميع بفرحة وحاول مالك لأكثر من مرة أن يتحدث مع وعد ولكن بائت كل محاولاته بالفشل .. و بعد دلوف العروسين للقاعة .. إستغل مالك إنشغال الجميع و والده يسلم روان لعمرو أمام الضيوف و يوصيه عليها .. و طلب من وعد أن تخرج لتحادثه قليلا .. و بالفعل خرجت وهى متعجبة من طلبه الآمر .. و ما أن رأته حتى سألته بضيق :
- عاوز إيه يا مالك .. دلوقتى لو حد شافنا يبقى كويس .
زفر بضيق و هو يحاول السيطرة على إنفعلاته و قال بنبرة متشنجة :
- إيه اللى حضرتك عاملاه فى نفسك ده .
رفعت وعد حاجبها بدهشة .. فهى لم تتوقع نظرات الضيق و الإزدراء فى عينيه .. بل إنتظرت نظرات إعجاب و إثناء على جمالها .. فتغاضت عن غضبها و قالت ببرود :
- عادى يعنى .. مش أخت العريس .
تصنع الابتسام و هو يقول بغضب :
- لا والله .. و إمبارح كمان سمعت إنك خربتيها رقص و جالك تلت عرسان .. أمال النهاردة هيبقوا كام .
أخفت وعد إبتسامتها الشقية وهى تتابع غيرته اللذيذة و قالت بجمود :
- وإنت عرفت منين أنا عملت إيه إمبارح .. أكيد طنط آمال قالتلك أنا هقولها إنى زعلت منها بجد .
صك مالك أسنانه بقوة وكور قبضته أمام و جهها بغيظ .. فرمشت بعينيها أكتر من مرة وهى تشعر بخوف لذيذ من كبته لغضبه وهو يهدر بها بعصبية :
- لا والله نسيب الحمار و نمسك فى البردعة .. إنتى عاوزة تجننينى .
عقدت وعد ذراعيها أمامها بتحدى و قالت و عيونها تقدح شرارا من غضبها :
- مش فاهمة برضة إنت عاوز منى إيه .
رفع مالك حاجبيه متعجبا من طريقتها المستفزة .. و إقترب منها قليلا و هو يغوص داخل عينيها .. ثم قال هامسا :
- بقا مش فاهمة .. طيب .. حضرتك مش هتتحركى من جنبى هنا و إلا ترجعى تقعدى جنب مامتك زى روضة .. و لو إتحركتى ما تلوميش إلا نفسك .

تأففت وعد بشدة من تسلطه الآمر عليها و شددت من عقدة ذراعيها أمام صدرها و تحاشت التطلع إليه .. رغم ضيقها التى تظهره إلا إنها كانت مستمتعة بإهتمامه و غيرته عليها .. فهى لا تقل حالا عنه و تخشى أن تلفت أنظاره إحدى الفتيات المحيطة بهم .. فوقفت تتابع الحفل من شاشات العرض .. حتى وقف جاسم بجوارهم و سألهم متعجبا من وقفتهم الشاذة :
- إنتوا واقفين كده ليه .. هو ده مش فرح إخواتكم يا إبنى إنت و هى .
إستغلت وعد و قوف جاسم و هربت مسرعة وهى تقول بذعر :
- بعد إذنكم .
زفر مالك بضيق وهو يتابع هروبها و تلك العيون الوقحة تلاحقها أينما تحركت .. وخزه جاسم بذراعه و قال بغضب مخفى وراء ضحكة صفراء :
- روح أقف جنب أختك عيب .. الناس هيقولوا إيه عليك .
أشار إليه مالك وهو يمد ذراعه وقال بنزق :
- طب قدامى يا أخويا .
وقفت وعد تصور رقصة عمرو و روان الهادئة بهاتفها .. فوقف مالك بجوارها متصنع التصوير أيضا و قال لها بصوت عالى لتسمعه :
- أنا مسافر رومانيا بكرة و هقعد فترة طويلة .
شهقت وعد بضيق .. و إلتفتت إليه برأسها و قالت وهى متجهمة الوجه :
- لسه فاكر تقولى .. ماشى يا مالك .
تعمق بعيناها و هو يقول موضحا :
- أنا مسافر علشان أقدر أوفر مبلغ أشترى بيه شقتنا .. كام إسبوع وهرجع على طول أخطبك و أبدأ أجهز شقتنا و أتجوزك فورا .
إحمرت و جنتيها بخجل رقيق و هى تطرق رأسها بشرود .. فدنا منها مقربا المسافات بينهم و قال هامسا ليشعل بداخلها شوق له من الآن :
- كل اللى هيتقدمولك دول يترفضوا مفهوم .. و من البيت للشغل و من الشغل للبيت .. عمرو مش هيوصلك و هتبقى لوحدك فخلى بالك من نفسك تمام .
أومأت برأسها إيجابيا بهدوء .. و هى تملأ عينيها بملامحه التى ستشتاق إليها .. و بادلها هو نظراتها بنظرات أكتر سخونة و لوعة .. بينما إعتصر الألم رأس روضة وهى تتابع حديثهم و نظراتهم .. ففركت جبهتها بألم .. فدنت منها والدتها و سألتها بقلق :
- مالك يا روضة .. قومى يا حبيبتى إتحركى هتفضلى قاعدة جنبى كده زى عواجيز الفرح .
تطلعت روضة بسلوى بيأس و قالت برجاء :
- سبينى براحتى يا ماما .. و أرجوكى ركزى مع عمرو .
بعد قليل لاحظ جاسم وقوف وعد بمفردها فإقترب منها و وقف بجوارها و هو يتأملها بحب .. ثم قال بإبتسامته الجانبية المشاغبة :
- على فكرة إنتى النهاردة زى القمر .. بصراحة أحلى بنت فى الفرح كله .
إبتسمت وعد بخجل و هى تشعر بحزن فقد كانت تتمنى أن تستمع لتلك الكلمات الناعمة من مالك .. رفعت عينيها نحوه و أجابته بإمتنان ممزوج بالخجل :
- متشكرة يا فندم .
قطب جاسم جبينه بضيق و سألها بلوم :
- وعد هو إنتى ليه دايما بتقوليلى يا فندم .. أو يا باشمهندس مع إنك بتتعاملى مع سامر و مالك عادى يعنى و مش عاملة بينكم فوارق و ألقاب .
- حضرتك المدير بتاعنا .. و صاحب الشركة فأكيد لازم أحترمك .
رد عليها بهدوء متزن وهو يلتهمها بعينيه قائلا :
- بس الفترة اللى فاتت إنتى المديرة بتاعتى و إنتى اللى بتوجهينا كلنا .. يعنى زيك زينا و أكتر .. فياريت تبطلى تتعاملى معايا رسمى قوى كده .
كانت تتابع كلماته و نظراته بتعحب .. شفرات .. دائما ما يبعث إليها بشفرات لا تستطيع ترجمتها .. و لكنها لا تشعر بالأمان مع أحد سواه .. حتى مالك .. و تلك العيون السوداء الحازمة و التى أصبحت طوق النجاة لها دائما .. هناك بداخلها شئ يرتجف بمجرد النظر إليه ولا تعلم له سببا .. و لكنها إبتسمت إليه بود و قالت بقوة :
- تعالى معايا أعرفك على والدى و والدتى ممكن .
عاد لإبتسامته المشاغبة و هو يراها تتهرب من طلبه بذكاء .. فأومأ برأسه موافقا و قال مؤكدا :
- يا ريت طبعا .
تقدمته ببعض خطوات وهى تقف أمام طاولة والديها و قد شعرت بالضيق من قربها منهم و لامت نفسها لما طلبت منه ذلك الطلب الثقيل على قلبها و لكنها هتفت بوالدها قائلة ببرود :
- بابا .. الباشمهندس جاسم رحال حابب يسلم على حضرتك .
وقف عيسى مسرعا و صافحه بقوة و قال مرحبا :
- يا أهلا و سهلا يا باشمهندس .. منور الدنيا و الله .. أخبار الحاج فضل إيه .
اجابه جاسم بإبتسامة ودودة :
- كويس الحمد لله .. هو مستنى زيارة حضرتك و طلب من وعد تقولك .

أومأ عيسى برأسه موافقا و قال بفرحة :
- طبعا هزوره ده أبوك ده عشرة عمر ده غير قرابتى بالحاجة والدتك .
ثم ترك كفه و أشار لزوجته و قال بهدوء :
- قومى يا أم عمرو سلمى على الباشمهندس جاسم .
وقف سلوى وهى تتطلع لجاسم بشغف من هيئته المهيبة و بنيانه الجسدى القوى و فخامة ملابسه .. ثم صافحته بإبتسامة فبادرها قائلا :
- مبروك لعمرو يا فندم .
أجابته بإبتسامة متسعة :
- الله يبارك فيك يا حبيبى .. عقبالك و بلغ سلامى للحاجة دولت والدتك .
- يوصل إن شاء الله .
ثم هز رأسه لروضة و قال بإحترام :
- أخبارك إيه يا أستاذة روضة .
أجابته روضة مسرعة :
- الحمد لله .. شرفتنا يا فندم .
- الشرف ليا .
ثم دنا من إمتثال و قبل كفها و سألها بحب لتلك السيدة الطيبة و التى يشبهها بوعد قليلا :
- أخبارك إيه يا تيتة .. وحشاني و الله .
ربتت إمتثال على كفه بحنو و قالت بمكر عابث :
- كويسة يا حبيبى .. بص بقا بشياكتك دى لازم تلاقى عروستك النهاردة و الفرح مليان ببنات زى الفل .. وإلا هشغلك الشبشب .. فاهم .
تعالت ضحكة جاسم و هو يتطلع إليها بخوف مصطنع و رفع ذراعه بالهواء و قال :
- ﻷ الشبشب ﻷ .. و أوعدك إنى هخرج من الفرح ده و أنا لاقى شريكة عمرى .
أنهى كلماته وهو يتطلع بوعد .. فلاحظت سلوى نظراته فإبتسمت بفرحة .. فعريس كجاسم رحال لوعد هو أقصى ما تتمناه .......

...................................................................................................................
........................

بعد إنتهاء حفلة الزفاف .. جلست وعد فى سيارة جاسم و دموعها لا تنضب .. و تعالت شهقاتها .. فربت عمرو على كتفها بحنان و قال بضيق على حالتها :
- خلاص بقا يا وعد ده أنا فى الشقة اللى فوقك يا عمرى .
مد جاسم يده بعلبة المحارم .. فإلتقطت وعد إحداهم بأناملها و قالت من وسط بكائها :
- بقا يا ربى أكبر و أعلم و أربى و تيجى خطافة الرجالة دى تاخده منى على الجاهز .. صحيح ربى يا خايبة للغايبة .
تعالت الضحكات من حولها فصرخت بهم بعضب :
- محدش يضحك أنا بقولكم أهه .. آه يا ميلة بختى يانى ...هعمل إيه من بعدك يا عمورة .
أخفى جاسم ضحكاته وهو يناولها علبة المحارم مجددا و قال بتحذير :
- كفاية عياط بقا .. مكياجك هيبوظ و هتبقى شبه الباندا .
شهقت وعد و لفت مرآة السيارة الجانبية لتتأكد من أنه لم تنتزع زينتها و بعدما إطمأنت قالت لجاسم من بين دموعها :
- أقولك سر .
إتسعت إبتسامة جاسم وهو يتابع طفولتها التى بات يعشقها و أومأ لها برأسه موافقا فقالت بخفوت :
- أصل أنا المدير بتاعى صرفلى شهر مكافأة و .... .
إلتفتت للخلف فجأة فوجدت عمرو يحتضن كف روان فصرخت بهم بقوة قائلة :
- سيب إيدها .. إنت سامع ولا ﻷ .
ترك عمرو كف روان على مضض .. بينما عادت وعد برأسها لجاسم و تابعت حديثها قائلة :
- فأنا بقا بالفلوس دى إشتريت مكياج من النضيف و خليتهم يحطولى منه فى الكوافير .. فأكيد مش هبقى بندا ولا حاجة لأنه ووتر بروف .
و إلتفتت برأسها مجددا للوراء و قالت محذرة :
-شيفاكم .. لو قربتوا لبعض هدخل فيكم السجن سامعين .
زفرت روان بغضب و قالت بحدة :
- بت إنتى هو محدش قادر عليكى .. ما تشيلينا من دماغك لهجيبك من شعرك والله .
ردت عليها وعد بنبرة لازعة و هى تحاول أن تشتبك معها بالأيدى بعدما إلتفت بجسدها للخلف :
- تجيبى مين من شعرها يا خطافة الرجالة إنتى .. ده إنتى ليلتك هباب .
حاول عمرو التفرقة بينهم و جاسم منهار من كثرة الضحك .. بينما قالت وعد بعبوس :
- بقا كده يا روان .. طب إيه رأيك إنك هتباتى فى حضنى النهاردة إيه رأيك بقا .
إتسعت عينى جاسم وهو يتطلع لملامح عمرو بالمرآة فقد إرتفع حاجبيه و تنفس مطولا و هتف بخوف :
- ﻷ .. كله إلا كده .. خلاص يا وعد يا حبيبتى مش هاجى جنبها خالص .
ثم إلتفت لروان و أشار إليها برأسه قائلا بحزم :
- لمى فستانك ده و إلزقى فى باب العربية بعيد عنى .. يالا .
تأففت روان بغضب و هى تبتعد عنه .. بينما إبتسمت وعد براحة و إعتدلت فى جلستها و قد جفت دموعها .. فسألها جاسم بهدوء :
- هتيجى بكرة للشركة و لا مش هتقدرى .
تنهدت وعد مطولا و قالت بحزن قد علا ملامحها الرقيقة :
- مش هقدر أصل مالك مسافر بكرة .. و لازم أسلم عليه .
تطلع جاسم للطريق بألم يمزق قلبه وهو يتابع حزنها و شوقها بنبرتها .. ولكن ما ينتويه من تلك السفرة هو ما يصبره على جرحه النازف .. فقط إسبوع و ستصبح له و بعدها سينسيها مالك و نفسها لو تطلب الأمر .. فلتنتظر قليلا يا قلبى .. فقط بضعة أيام أخرى و ترتاح للأبد .........

..............................................................................................................
......................

أغلق عمرو باب شقته و إستند إليه بظهره وهو يزفر براحة .. ثم قال بإرهاق :
- أخيرا سابونا نطلع .. ده أنا مكنتش مصدق إننا هنوصل للمرحلة دى .
جلست روان بصعوبة على إحدى الأرائك من فستانها .. و حاولت الوصول لحذائها و لكن كان الأمر من رابع المستحيلات .. إقترب عمرو منها وسألها بتعجب :
- بتعملى إيه يا رونى .
- بحاول أوصل للشوز مش عارفة .. رجلى بتوجعنى منه .
جثى عمرو أمامها و قال وهو يرفع طبقات فستانها الكبير :
- إيه ده يا بنتى ساعة علشان أوصل لرجلك .. أمال هاخد وقت قد إيه في الباقى .
رفعت روان حاجبيها و قالت بخوف :
- باقي إيه إن شاء الله .
أجابها بغمزة من عينيه قائلا بمكر :
- الحجاب طبعا .. إنتى دماغك راحت فين .
ثم أعاد عملية التنقيب عن حذائها مجددا .. قائلا بتلقائية :
- إرفعى رجلك يا رونى .
شهقت روان بخجل و هدرت به قائلة بعصبية :
- إحترم نفسك .
- يووه .. برضه دماغك راحت شمال .
إشتعلت عينى روان بغضب و قالت وهى تدفعه بقوة متذمرة :
- طب إوعى بقا يا ظريف .
أثناء حركتها الزائدة إرتفع ساقها .. فتمسك به عمرو قائلا بسخرية :
- أوبا .. أفشتك .. إثبتى بقا قبل ما رجلك تهرب تانى .
ضحكت روان ضحكة عالية .. فصفر لها عمرو بمشاغبة و قال بتنهيدة حارة :
- أيوة بقا .. ده إحنا ليلتنا عنب بالصلاة على النبى .
وقفت روان بتثاقل وهى تجر فستانها حافية القدمين .. وفجأة شعرت بقدميها تترنح بالهواء و جسدها إستقر على ذراعى عمرو .. ففطنت أنه حملها فقالت بذعر :
- نزلنى يا مجنون .. أنا خايفة .
- ﻷ أزعل .. إنتى مش عارفة قدراتى ولا إيه .. ده إنتى هتحتفظى بهذا اليوم فى ذاكرتك للأبد يا عمرى .
تغنجت روان بكتفها و قالت بدلال :
- كده يا عمرو .. طب مخمصاك .
عض على شفته السفلى بإستثارة .. و قال بعبث و هو يلتهمها بعينيه :
- أموت أنا فى جو المتخاصمين ده .. ده بيطلع من وراه أحلى شغل و هصالحك براحتى خالص .
عادت روان لضحكاتها العالية .. فصاح بها عمرو بضيق :
- الرحمة يا مفترية

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent