Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل السابع 7 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل السابع بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل السابع

 ******************
الألم بكل صوره قد تجسد على ملامحها.. إنهيار بكل شئ قد أصابها.. تحطمت كل آمالها و أحلامها.. طعنت بخنجر مسموم في روحها...
هذا هو ما يسمى الفقد.. فهى الآن قد فقدت كل شئ بجملة واحدة.. إختفي عقلها و توقف قلبها و إندثرت أنفاسها فلم تشعر بشئ آخر سوى.. السقوط.
تابعت وعد ملامح روضة بتعجب .. و زاد تعجبها مع إنتفاضة روضة وفتحها للنافذة دون حجابها ثم رأتها تميل بهدوء حتى سكنت أمامها على الأرض دون حركة .. تأملتها قليلا بفزع قبل أن تخرج منها صيحة عالية جمعت الجميع حولها .......

حمل عمرو روضة ومددها على فراشها وهو يهزها بذعر .. ولا حياة لمن تنادى ... أعطته روان عطرها و نثره على يده و مررها أمام أنف روضة ولكن لم تستجب .. فخرج مسرعا وطلب من مالك أن يحضر طبيبا فورا .. هاتف مالك طبيب يعرفه وطلب منه الحضور بسرعة.. أغلق هاتفه و هو يشعر بإختناق رهيب قد أصابه و حالتهم المتوترة جعلت قلقه على روضة أضعاف.. مباح للجميع التواجد معها إلا هو.. كان يقطع الشرفة المزدوجة بينهما ذهاباً و إياباً بقلق
وبعد نصف ساعة جاء الطبيب و عاين روضة وبقى معها نصف ساعة أخرى حتى إستجابت إليه و فتحت عيناها .....

تطلعت حولها بتعجب .. حتى وقعت عينيها على ذاك الشخص الغريب .. فلامست وجهها لتجد نفسها بدون نقابها .. فغطت وجهها بيدها .. فهدأها عمرو قائلا :
- إهدى يا روضة ده دكتور .. إنتى بقيتى كويسة يا حبيبتى .
وضعت يدها على رأسها متألمة وقالت بألم :
- راسى بتوجعنى .. هو إيه اللى حصل .
ثم تذكرت كلمات وعد إليها .. ثم عادت تردد بداخلها .. مالك .. و وعد .. يحبها .. سيخطبها ... مالك .. و وعد .. أغمضت عيناها بألم وسقطت على وجنتها عبرة ساخنة .. وبدأت تنتحب فى صمت .. فسألها الطبيب بقلق :
- حاسة بحاجة يا آنسة .

كيف ستشرح له شعورها المؤلم حد الموت .. حبيبها وأختها .. أختها وحبيبها .. ترجمت الأن نظراتهما المتبادلة والتى ظنتها بريئة كنظراته إليها .. ذُبحت .. نعم ذبحت بسكين باردة بيد أغلى شخص على قلبها .. صغيرتها التى إعتنت بها .. أخذت تناجى ربها بنظراتها أن يلهمها الصبر .. فقط القليل من الصبر لتطفئ تلك النيران التى تنهش فى أحشائها دون رحمة ......

أعاد الطبيب سؤاله عليها بتوتر :
- يا آنسة إنتى سمعانى .
أومأت روضة برأسها وفتحت عينيها وقالت بخفوت :
- أنا كويسة .. الحمد لله .
إبتسم إليها الطبيب مجاملا وقال :
- حمد الله على سلامتك .
ثم لملم أدواته ووضعها بحقيبته وخرج من الغرفة يتبعه عمرو بقلق بينما وقف مالك وسراج أمامه بتلهف لسماع تشخيصه... فقال بعملية :
- هى عندها صدمة عصبية .. أكيد فى حاجة زعلتها .. يا ريت تبعدوها عن أى توتر الفترة اللى جاية .
قطب عمرو حاجبيه بتعجب و قال :
- صدمة عصبية !!!!!
أومأ الطبيب برأسه وقال مؤكدا :
- أيوة ..أنا إديتها حقنة مهدئة هتنام للصبح و إن شاء الله هتبقى كويسة بعد إذنكم .
تبعه مالك .. بينما إستند عمرو بكفيه على الطاولة مطأطأ رأسه وقد تهدل كتفيه وهو يشعر بألم قاسى فى صدره .. إقتربت منه روان و ربتت على ذراعه وقالت بحنان :
- إهدى يا عمرو .. كلنا محتاجينك دلوقتي .
تطلع إليها بقوة كأنه يبث إليها ألمه .. ودت وهى تتابع نظراته الحزينة أن تجذبه لصدرها وتضمه إلا أن تختفى تلك النظرات الحزينة من عينيه ......

جلست وعد بجوارها ودموعها لا تنضب .. قبلت كفها وهى تأبى تركها .. لم تفهم مقصد الطبيب من صدمة عصبية .. ظلت تسأل نفسها مطولا ماذا فعلت لتصيب روضة بما أصابها .. بقيت آمال معهم بغرفتهم .. بينما بقيت وعد مستيقظة بجوار روضة حتى صلاة الفجر .. صلت فرضها وعادت تجلس بجوارها حتى شعرت بثقل بعينيها فضمت روضة لصدرها بقوة وغفت بهدوء ....

تململت روضة بنومتها .. حتى شعرت بيدين تكبلها .. فتحت عينيها بتثاقل .. فوجدت نفسها بداخل حضن وعد .. لم تتمالك نفسها و ذرفت دموعها بهدوء .. ثم ضمت وعد إليها وقالت بنفسها بنبرة مريرة :
- ربنا يسعدك يا وعد .. ويقدرنى أستحمل اللى جاى .. أنا اللى غلطانة إنى علقت نفسى بوهم وفضلت أكبره جوايا .. إنتى مالكيش ذنب يا حبيبتى .. سامحينى .
ثم إبتعدت عن وعد ببطئ .. ووقفت متثاقلة .. فرأت آمال و جدتها نائمتان على فراش وعد ...فإتجهت للخارج فوجدت عمرو مستند برأسه على الطاولة ما أن شعر بها حتى وقف مسرعا وأجلسها على مقعد بجواره وسألها بقلق :
- إنتى بقيتى كويسة .. طب حاسة بإيه .. طب أكلم الدكتور تانى يجى يطمنا عليكى ولا .... .
قاطعته روضة بنبرة مرهقة وقالت بإبتسامتها العذبة .. والفاترة :
- إهدى يا حبيبى أنا كويسة الحمد لله .. ده أنا حتى كنت قايمة أصلى .
ضمها لصدره بقوة وسألها بفضول وعدم إقتناع :
- إيه اللى زعلك و وصلك للصدمة العصبية اللى إتعرضتيلها دى .
إبتلعت ريقها بتوتر و حاولت مقاومة تلك العبارات التى ملأت مقلتيها و قالت بسخرية :
- صدمة عصبية .. مين اللى قال كده .
- الدكتور .
ضحكت بخفوت وقالت بصوت رقيق :
- صدمة إيه .. أنا بس حسيت بإنى مش قادرة أتنفس و فجأة دخت شوية و أغمى عليا .. صدمة إيه بقا ده بيحلل القرشين اللى أخدهم بس .
تطلع عمرو داخل عينيها وسألها بجدية :
- يعنى ما فيش حاجة زعلتك إمبارح .
هزت رأسها نافية وقالت بلوم :
- هزعل من إيه .. ده حتى إمبارح ضحكت ضحك لما تعبت .. أنا هقوم أتوضا وأصلى .
تركته ودلفت للمرحاض تختبئ به .. ولم تترك لدموعها العنان بل حبستها بداخلها حتى لا يشك عمرو بأمرها .. وتوضأت وخرجت .. إرتدت إسدالها و أخذت تصلى وتصلى وهى تدعوا الله أن يغفر ذلتها و خطئها .. وأن يعينها على القادم ....... .

........................................................................................................
........................

عاد أمير إلى دمياط بعدما أنهى صفقته الغالية باﻷمس .. كانت سعادته لا توصف فما حصل عليه من بيع تلك الفتاتين تخطى أحلامه .. ولكن ما يسعده أكثر هى الحالة التى ستصيب جاسم ورفاقه حين علمهم بفشل مخططهم بالوقوع به .. ومن أراد أن يثبت أنه مدان فليثبت .. صف سيارته و ترجل منها وهو يخطو بثقة ناحية العقار التى تقطن به رحاب .. وصعد إليها مسرعا .. فتح باب الشقة ودخل ليجدها بإنتظاره .. فسألها بتعجب :
- إنتى لسه صاحية ما نمتيش .
ركضت رحاب ناحيته و الفضول يقتلها .. ثم وقفت أمامه وسألته بتلهف :
- إيه الأخبار .. ونصيبى كام ؟!
أخرج من جيب سترته ورقة و مد يده بها نحوها .. لتلتقطها مسرعة و فتحتها لتجحظ عيناها من المفاجآة .. ثم قالت بفرحة :
- معقول .. ده أكتر مما تخيلت .
غمز لها أمير بعينه وقال بنظرات وقحة :
- بس إنتى تستحقى يا مزتى .
تعلقت برقبته و عانقته بشدة وقالت وقد وقفت على أناملها لتطاله :
- حبيبى .. أنا بموت فيك .
فك عقدة يديها من حول رقبته وقال بقلق :
- عاوزك تلمى كل حاجة ليكى فى الشقة دى و نمشى من هنا فورا .. قبل ما نلاقى يا البوليس .. يا رجالة جاسم قدامنا .
أومأت برأسها وقالت بخوف :
- حاضر .. هلم كل حاجتى بسرعة .
وتوجهت لغرفتها مسرعة .. وضعت حقيبة سفر كبيرة على الفراش وفتحتها وبدأت فى ملأها بأشيائها .. دلف أمير لغرفتها وسألها بضيق :
- يعنى العصفورة اللى حكتيلى عنها كده طارت .. بح .
قطبت رحاب جبينها بضيق وقالت بحدة :
- ده وقته يا أمير .
جلس على مقعد بجوارها و قال بجدية :
- آه وقته .. أنا ما بحبش أضيع وقت .
توقفت عن عملها وقالت بثقة :
- تمام .. ما تقلقش يا سيدى صحيح أنا مضطرة أختفى وأبعد عن الدار .. بس ربنا يخلى لينا الواتس آب .
وضع ساق فوق ساق وسألها وجهه تعلوه الدهشة :
- يعنى إيه مش فاهم .
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بقوة وعلى ثغرها إبتسامة ماكرة :
- يعنى أنا إديت للعصفورة موبايل .. و عملتلها باقة نت ومكالمات .. و على تواصل يومى بيها .. و هى مش بتثق فى حد قدى .
إبتسم أمير إبتسامة جانبية ماكرة و سألها وقد لمعت عيناه :
- تستحق غموضك ده .
عادت لعملها مرة أخرى .. ثم قالت ببرود :
- طبعا تستحق .. دى أجمل من أجمل حاجة شوفتها فى حياتى .
رفع أمير حاجبيه بدهشة مما قالته .. ثم قال بعملية :
- معاكى صور ليها .
ردت ببديهية :
- أيوة طبعا .
- طب خلينى أعاين .
أخرجت هاتفها من جيب بنطالها و فتحته و بحثت بداخله قليلا ثم وضعته أمام عينيه .. أخذه منها و ما أن رآها حتى أنزل قدميه وإعتدل فى جلسته وقال بتعجب :
- دى مصرية .. أوبا .. دى صاروخ عابر للقارات .
إمتعض وجه رحاب وقالت بضيق :
- إنت هتعاكسها قدامى ولا إيه .. عارفة عنيك الزايغة دى علشان كده كنت مش عوزاك تشوفها .

زفر بقوة وهو يتنقل بين صورها بإعجاب شديد ... فهى فتاة يافعة تشع أنوثة وبهجة .. وإبتسامتها تشفى العليل .. شعراتها البنية الناعمة و المختلطة باللون الأصفر المنسدلة بتموجات ساحرة .. وعينيها الرمادية الآثرة .. وإبتسامتها الشقية على شفاه تسحر قديساً .. و بياضها اللؤلؤى .. آية للجمال .. وكل هذا فى كفة و جسدها الملفوف فى كفة أخرى .. فرغم نحولها إلا أنها مكتنزة من أماكن تأخذ مخيلة أى رجل لمنطقة السحر .. إبتلع أمير ريقه بتوتر وهو يلتهمها بعينيه .. وقد قرر أن يبيعها أولا على شرط أن تصبح له بعدها .. فهو لم يشتهى إمرأة كما يشتهيها الآن .....
فكر قليلا ثم قال بخبث :
- روحى هاتى الحاجات اللى فى الحمام .. وما تسبيش وراكى قشاية .
أومأت برأسها وقالت بإقتناع :
- عندك حق .. مش لازم أسيب حاجة ورايا .
وتركته وخرجت .. فأخرج هاتفه مسرعا و أرسل تلك الصور لهاتفه .. وبعد قليل فتحها على هاتفه مستمتعا بتلك الوردة الرقيقة المثيرة للغاية .. أغلق هاتفه و أعاده لجيبه .. ثم وضع هاتف رحاب على الفراش و شرد بتلك الآخذة لثوانى حتى عادت رحاب و حزمت حقيبتها و قالت مسرعة :
- أنا خلصت يا بيبى .
إبتسم أمير بمكر وقد لمعت عينيه بنظرات شيطانية وقال بنظرة تشفى :
- كلها ساعة وصوت جاسم هيجيب التايهين لما يعرف إن حواره فكس معايا .. هموت وأشوفه .
قبلته رحاب بوجنته وقالت بفخر :
- وإنت مين يقدر عليك يا بيبى .. ده لسه ما إتخلقش .
تتهد مطولا وجذبها بالقوة فسقطت جالسة على قدميه ..أخذ يقبلها وهو يقول بفرحة :
- بس أكتر حاجة مفرحانى هى حرقة سامر على مخططهم اللى فشل .
زمت رحاب شفتيه وهى مستمتعه بقبلاته و قالت بتعجب :
- إشمعنا سامر يعنى .
توقف فجأة .. وقد تحولت ملامحه لشيطان غاضب مستعد لهدم العالم على من فيه وقال بصوت أجوف غاضب :
- لأنه بيحلم بحاجة مش بتاعته .. ولو فكر يتمادى هحسره على نفسه .
نظرت بثبات فى عينيه وهى تقول بضيق :
- علا برضه مش كده .
أومأ برأسه وقال بغضب عارم :
- أنا علشان أوصلها عملت اللى محدش يعمله .. دى بتاعتى أنا و عمرى ما هسيبها لحد تانى مهما كان مين.
ربتت رحاب على كفه وقالت على مضض :
- طب قوم خلينى نمشى قبل ما يوصلوا بدرى و يحطوا علينا .
وقف هو الآخر و جذب حقيبتها ورائه وإنطلقوا إلى مكان آمن لتظل به رحاب .. بينما قرر أمير المواجهة ومن يحمل شئ يدينه فليخرجه .

......................................................................................................
...........................

إستيقظت وعد وبحثت عن روضة بجوارها ولم تجدها .. وقفت مسرعة و خرجت من غرفتها فوجدتها تجلس على أريكة وتقرأ فى المصحف بهدوء حزين .. دنت منها و إحتضنتها و قالت بأسف :
- سامحينى يا روضة لو كنت أنا اللى ضايقتك إمبارح .
أغلقت روضة مصحفها و وضعته بجوارها و ضمت وعد إليها و قالت بإبتسامة باهتة :
- ما حدش ضايقنى بالعكس .. بس مش عارفة إيه اللى حصلى .. يمكن ضغطى وطى .
تطلعت وعد بعينيها لتستشف صدقها من كذبها فلم تخمن شئ .. فعينى روضة قد إفتقدتا بريقهما الناعم الشفاف و الذى يعكس حالتها لأى شخص .. تنهدت بأسى و قالت :
- يعنى يا رودى إنت ما إضايقتيش إمبارح من الموضوع اللى كلمتك فيه .
إبتلعت روضة تلك الغصة وهى تشعر بألم يمزق قلبها وقالت بجدية :
- بالعكس بقا .. ده أنا دلوقتى مطمنة عليكى جدا .. مالك أنضف وأرق راجل قابلته فى حياتى وهو اللى هيقدر يسعدك .
إبتسمت وعد براحة وقالت بخجل :
- بجد يا روضة إنتى شايفة كده .
ملست روضة على شعراتها وقالت بخوف :
- إنتى بتحببه يا وعد .
تنهدت وعد مطولا .. ثم أومأت برأسها وقد توردت وجنتيها خجلا و قالت بخفوت :
- أيوة .
أغمضت روضة عينيها وقد أصبحت هشة وضعيفة وقد تزرف دموعها بدون أن تشعر ولكنها ذكرت الله بداخلها وتوسلته أن يلهمها القوة .. ثم إبتسمت بهدوء وقالت :
- ربنا يوفقكم يا حبيبتى .
دلف عمرو فوجدهما يتحاوران سويا فقال مداعبا :
- يا صباح الورد .. جبتلكم فطار يجنن .. فول وطعمية وبتنجان ... وجبنة إسطنبولى و ........ .
وضع الأكياس من يده و قال و هو يقترب منهما :
- عاوز الأكل ده يتمسح مفهوم .
ثم ضمهما لصدره و قد تشبستا به كأنهما قطتين صغيرتين .. و قبل كلا منهما بمقدمة رأسها و قال بجدية مازحة :
- يالا علشان نفطر .. ونوزع وعد هانم على شغلها .. و أستفرد أنا بروضة ونخرج نقعد على البحر .
فسألته وعد بتعجب قلق :
- طب وأنا هروح شغلى إزاى .
رد عليها عمرو ببديهية طبيعية :
- هتروحى مع مالك طبعا .
إتسعت عينى وعد بتعجب وقالت بشفتين ممطوطتين :
- نعم !!! ده اللى هو إزاى يعنى .. إنت عاوزنى أركب معاه لوحدى .
أومأ عمرو برأسه وقال مؤكدا بجدية :
- أيوة .. ما هو أنا مش هقدر أسيب روضة و مش هآمن تروحى شغلك لوحدك .
فقالت وعد وقد أغمضت عينيها بفارغ صبر و فتحتهما لتقول بقوة :
- ولما حد يشوفنى معاه لوحدى يقول إيه إن شاء الله .. ﻷ أنا هركب تاكسى أحسن .
زفر عمرو بضيق وقال بحدة :
- عوزانى أسيبك تركبى لوحدك مع واحد غريب من رأس البر لغاية دمياط الجديدة .. وكمان عارفة مشوار زى ده هيكلفك كام رايح جاى .. إستهدى بالله و إسمعى الكلام .
أظلمت عينى وعد و هى تنظر إليه بصمت رهيب .. بينما هو يتابع ردة فعلها بعينيها .. إلى أن قالت أخيرا بإستسلام حانق :
- تمام .. بس هركب ورا .
- إركبى فى المكان اللى يريحك إن شاء الله تركبى فى الصندوق ورا .. يالا جهزى نفسك علشان مالك ما يقعدش يستناكى زى ما أنا ما بستناكى كل مرة .
إستدارت بعيدا عنهما وهى تكتف ذراعيها ... ثم دلفت غرفتها و بدأت تحضر نفسها .. بينما دنا عمرو من روضة و قبلها وهو يقول بإهتمام :
- هاخدك دلوقتى وهفسحك حتة فسحة تجنن .
إرتفع حاجبها بتعجب وقالت بسخرية :
- يعنى يوم أجازتك .. وقاعد فاضى وحابب تتفسح .. تتفسح معايا ولا مع حبيبة القلب .. ده إنت فصيل .
عقد عمرو حاجبيه و هو يرد عليها بفظاظة :
- بطلى حركاتك دى .. علشان هخرج معاكى برضه يا عمرى .
رسمت خطاً شاحبا علي شفتيها متصنعة الإبتسام و هي تخفي ألما و جرحاً ينزف بقوة كلما إجتمع إسم وعد مع مالك بجملة واحدة....
.................................
إرتدت وعد تنورة طويلة بلون زيتى ذو حمالتين و إرتدت عليها كنزة بيج .. وحجاب مزيج من اللونين .. ثم إرتدت حذاء بيج بكعب عالى وإكتفت بوضع المسكارا و أحمر شفاة خفيف .. و لم تنسى صبغ حاجبيها بلون بنى غامق و دارت نقاط نمشها بكريمها الخاص ......

وقف مالك ينتظرها بضيق .. حتى أطلت عليه وهى تعدل حقيبتها التى إرتدتها على جانبها .. وقف يتأملها بإعجاب .. و ضيق بعض الشئ فقد كانت فاتنة .. ولام نفسه كثيرا كيف لم يرها بهذا الجمال من قبل ......

هبطت وعد درجات الدرج وهى تتأمله بحرج فقد كان وسيما جدا .. كان يرتدى بنطلون جنزى مهترئ .. وعليه تى شيرت بلون أصفر و سترة شبابية باللون الزيتى ......
وقفت بجواره وقالت بخفوت من حرجها :
- صباح الخير .
إرتفع حاجبه وهو يقول بنفس الخفوت :
- صباح النور .
ثم فتح لها الباب المجاور له .. فرمقته بغضب ثم سارت قليلا وفتحت الباب الخلفى وركبت بهدوء .. تطلع إليها مالك بتعجب و هو يدارى إبتسامته .. ثم لف حول سيارته وركب خلف المقود .. وعدل المرآة الأمامية ليستطيع متابعتها طوال الطريق .. إنتبهت لحركته فقالت بضيق :
- من أولها كده .. هتركز فى الطريق و بس تمام .
لا ينفى أنها أغضبته بكلماتها الجافة تلك .. ولكنه لن يسمح لغضبه أن يؤثر على تلك النشوى المشتعلة بداخله .. فهى ستظل معه طوال الطريق الطويل بمفردها .. و لن يضيع تلك الفرصة للتقرب منها .. ثم أجابها ببرود :
- تمام .. روضة أخبارها إيه دلوقتى .. و تعبت من إيه .
تنهدت مطولا و زفرته بحدة و قالت بضيق و حزن :
- حساها بتتوجع .. بس مش عارفة إيه اللى واجعها كده .
ساد الصمت تماما حتى قال مالك بصوته الرجولى الأجش .. و لكن بنبرة حانية :
- لما نرجع هقعد معاها ونتكلم .. هى بترتاح فى الكلام معايا .
شردت وعد بالطريق .. ثم عادت بعينيها للمرآة الأمامية فوجدته يتأملها بصمت .. فقد كان ينظر إليها نظرات غريبة .. شديدة العمق .. و العشق .. إلا إنه تحدث أخيرا وقال :
- على فكرة طقمك اللى إنتى لبساه شيك جدا .. وحلو قوى عليكى .
إبتسمت بخجل و قالت وهى تعدل من وضع جيبتها :
- ده هدية عمرو ليا .. ذوقه يجنن مش كده .
أومأ مالك برأسه وقال وهو يبتسم بهدوء :
- فعلا ذوقه حلو .. بس الأحلى إنك إنتى اللى لابساه .
هزت رأسها بيأس وقالت بقوة وهى تدارى إبتسامتها الخجلة :
- وبعدين بقا .. كنت عارفة إنك مش هتعديها على خير .
ضحك ضحكة عالية و فتح نافذة سيارته و صرخ بصوت عالى وقد تملكته لحظة جنون لن تتكرر :
- بحبببببببببك .
عضت وعد شفتها بشدة و وضعت كفيها على وجهها من خجلها وقالت بخفوت :
- يا نهار إسود .. إنت إتجننت .
أغلق النافذة .. وقال وهو يلتفت إليها بإبتسامة متسعة .. وقد ظهر بعينيه جموحه الخارج عن نطاق السيطرة :
- بحبك .. والله العظيم بحبك قوى .
رفعت سبابتها بوجهه وصرخت بغضب :
- لو ما إلتزمتش معايا هنزل و هركب تاكسى مفهوم .
حاول عض إصبعها .. فجذبته نحوها و تطلعت إليه بتحذير وقالت بحدة :
- زودتها قوى .. وهنزل وهسيبك بجد .
تطلع للطريق مجددا .. و قال وهو يبتسم براحة ورضا :
- مش مصدق إنى بحب بالشكل ده .. مش بفكر غير فيكى وبس .. كنتى فين قبل كده إزاى محستش إنى بحبك كده .
توردت وجنتيها بشدة وقالت وهى تخفى وجهها بيديها :
- هزعل منك .. كفاية بقا .
رد عليها بجدية مفتعلة وهو مازال يتأملها فى المرآة :
- حاضر .. نتكلم جد شوية .. قوليلى بقا عجبتك هديتى .
ردت بخفوت وهى تدارى خجلها و سعادتها بكلماته العاشقة و صياحه الذى زلزل كيانها بشدة فمالك الهادى العاقل .. غدى على يدها مجنونا :
- طبعا عجبتنى .. ده كان حلم عمرى .. متشكرة قوى .
تنهد مطولا وهو يستمع لكلماتها الطفولية وطريقة نطقها المثيرة .. ثم قال بمكر :
- طب ممكن أطلب منك طلب .
أومأت برأسها قائلة:
- أها .
إستعاذ بالله من الشيطان الذى يجلس بجواره و يوسوسه و بشدة تجاه تلك الكومة من غزل البنات الجالسة خلفه .. ثم قال بشغب :
- ممكن تعزفيلى كل يوم قبل ما أنام .. عاوز أغمض عنيا وأنا بسمع عزفك وأتخيلك جنبى .
بللت شفتيها بلسانها بتوتر و قالت وهى تفرك كفيها بخجل :
- حاضر بس بشرط .
هز رأسه نافيا بقوة وقال بحدة :
- مستحيل تتشرطى عليا تانى .. أنا وبس اللى هتشرط من هنا ورايح .. وكلمتى تتسمع من أول مرة مفهوم .
مصمصت وعد شفتيها بضيق و صاحت بغضب :
- إيه الكلام ده إن شاء الله .. ﻷ .. على فكرة أنا محبش حد يسيطر عليا .. حتى لو كان مين .. أنا عارفة حقوقى و واجباتى كويس جدا .
إمتثل لغضبها .. وقال مغيرا للموضوع :
- مش هجادلك دلوقتى بس لما تبقى ليا هعرف إزاى أخليكى تسمعى كلامى .
حدجته بضيق وقالت بقوة :
- طب بص قدامك بقا لنعمل حادثة .

.............................................................................................
.....................
كلما غزى صوتها أذنيه يغمض عينيه بتلذذ... و يبتسم بهدوء متنهداً و زافراً عشقاً.. قلبه تعلق بالكثيرات قبلها و لكن لم يصل لمرحلة الإدمان تلك من قبل مع إحداهن...
تطلع لهيأته بالمرآة و رش عطره و خرج مسرعاً ليسبقها قبل أن تأتي و تستقل المصعد بمفردها ربما تتأذى دون أن يشعر بها أحد...
خرج جاسم من غرفته فوجد علا بإنتظاره .. فهم من نظراتها إليه أنها تنوى محادثته بشأن وعد .. فحاول تجاهلها وقال وهو يعدل من وضع ساعته حول وعصمه وهو يبتعد بعينيه عنها :
- صباح الخير يا لولو .
وقفت أمامه وقالت وهى تحدجه بمكر فقد فطنت لما يدور بخلده :
- عاوز تهرب مش كده .
رفع حاجبه بإستنكار و قال بصوت رخيم يحمل الحزم :
- أهرب من إيه إن شاء الله .. عاوزة منى حاجة .
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بقوة :
- أيوة عاوزة نتكلم فى موضوع وعد .. نظراتك ليها إمبارح مخوفانى جدا .
إبتسم إبتسامة والهة وهو يتخيلها أمامه .. ثم سألها بفضول :
- بس إيه رأيك فيها .. بجد .
تنفست مطولا بيأس .. ثم قالت بهدوء :
- هى حلوة جدا ما أنكرش .. وطيبة وبريئة ولسه الدنيا ما لوثتهاش .
رفع سبابته بوجهها وقال مسرعا :
- أهو هو ده .. لسه الدنيا ما لوثتهاش .. برائتها هى اللى بتشدنى ليها .
ضغطت علا على شفتيها بضيق وقالت بصياح هادئ :
- بس كمان نظراتها لمالك كانت واضحة جدا .. شكلها بتحبه .. وهو كمان بيموت فيها .
أغمض عينيه بغضب ينهشه فهو لا يحتاج لها لتذكره بما يراه يوميا أمام عينيه .. بل هو ما نبه مالك لعشقه لها .. ثم قال بصوت لا حياة فيه :
- غصب عنى لقتنى بحبها .. من أول ما كلمنى عنها ووصفهالى و أنا بفكر فيها .. غصب عنى والله .
ربتت علا على ذراعه وقالت برأفة :
- حاول تنساها يا حبيبى .. هى مش ليك صدقنى .
تنهد بأسى .. ثم إبتسم بشجن قاتل وقال :
- همشى أنا بقى .. وهبقى أبعتلك سامر علشان تخلصوا موضوع ديكورات الشركة الجديدة .. وبلاش تختلفوا المرة دى كمان .
إتسعت عيناها بفزع وقالت برجاء :
- لأ .. سامر ﻷ .. تعالى إنت أو إبعتلى الأستاذ مالك.
إبتسم بضيق وقال مستفهما :
- هموت وأعرف مش طيقاه ليه .. ده حتى دمه سم ومش بيبطل هزار .
تأففت بطفولة وتعلقت بذراعه وقالت متوسلة :
- علشان خاطرى سامر ﻷ .. مش بطيقه يا جاسم .
أزاح يديها و إرتدى نظارته الشمسية وقال :
- هشوف لو مالك فاضى هيبقى يجيلك .. يالا سلام .

تركها وإنصرف وهى تغلى من غضبها وحنقها رغم تلك القطعة الصغيرة بداخلها والتى تتمنى رؤيته .. إلا أنها تقاومها وبشدة و تعلم أنها كما نجحت سابقاً ستنجح حالياً فمنذ ذلك اليوم الذى لفظته من حياتها قد وعدته حينها وعداً بلا رحمة لما قد سيصيبه منها و ستظل على وعدها ....

ركب جاسم سيارته وإنطلق مسرعا حتى ينتظر قدوم وعد ليستقل معها المصعد .. كلما تذكر حوارهما الصغير بالأمس يبتسم دون توقف .. فحبيبته البريئة إئتمنته على سرها الصغير .. تابع الطريق بشرود وهو يفكر بها و بمالك .. إلا أن قرر أن يطاوع شيطانه و يأخذها لنفسه مهما كلفه الأمر .. حتى ولو خسر أعز مالديه بالدنيا صداقته لمالك ....

................................................................................................................
..........................

كان مالك فى أسعد لحظات حياته وهى معه بنفس المكان بمفردهما .. لم تتركها عيناه طوال الطريق .. ولكته سأم من حالة الصمت التى طالت بينهم فقال بمشاغبة :
- منورة عربيتى المتواضعة يا سنجوبة .
أجابته و هى تتطلع بالطريق و تفرك أصابعها من التوتر :
- ميرسي.
ثم سألها بتلهف آمر :
- هو إنتى مش هتخلصى شغل مع عبد الصمد و تيجى مكتبنا بقا .
أجابته بهدوء رزين :
- وإنت عاوزنى معاكم ليه .. أنا شغلى غير شغلك .
إلتفت إليها نصف إلتفاته وقال هامسا :
- عاوزك قدامى طول الوقت .. لما بتبعدى عنى بتجنن .. بحبك قوى يا وعد .
زفرت وعد بضيق وقالت بنفاذ صبر :
- مالك .. ترضى إن عمرو كان يقعد يكلم روان زى ما إنت بتكلمنى دلوقتى قبل ما يكتب كتابه عليها .

عاد للطريق بعينيه وهو يشعر بخجل وخزى من كلماتها .. بينما تابعت هى بعد أن لاحظت تأثره بكلماتها .
- لحد دلوقتى وعمرو بيحافظ على أختك يا مالك لأنها أمانة رغم إنها مراته .. وعمرو ما يرضاش باللى بتعمله معايا دلوقتى .
تنهد مطولا وزفره على مهل و قال بصوت متوتر :
- عندك حق .. أنا آسف ومش هضايقك تانى .. سامحينى .
تنهدت براحة و قالت:
- شكرا إنك فهمتنى .

وعادوا لصمتهم مرة أخرى .. ولكن لصمتهم أيضا حكاية .. فهو يختلس النظرات إليها .. وهى تختلس النظرات إليه خلسة .. و ذلك لإقتناعهم التام أن الصمت يجدى أحيانا و أنه أبلغ من الكلمات .... .

وصلو أخيرا للشركة وكان جاسم فى إنتظارهم ..رأى مالك وهو يصف سيارته وما أزعجه ترجل وعد منها .. تشنجت تعابيره و بات يشع نارا من عينيه كلما تخيل أنه إختلى بها طوال الطريق الطويل من رأس البر إلى دمياط الجديدة .. ترجل من سيارته وتبعهم حتى وقف خلفهم أمام المصعد .. لم يلحظوه فى البداية فقال بضيق :
- صباح الخير .
إلتفتا إليه وقالا سويا :
- صباح النور .

صافحه مالك مصافحتهم اليومية .. ثم إنتبهوا لوصول المصعد ففتح مالك الباب و مد يده لوعد أن تتقدم .. فإستقلته أولا تبعها مالك و جاسم .. ما أن إنطلق المصعد حتى إرتجفت وعد بخوف ..شعر بها جاسم فإلتفت إليها مسرعا .. رأى زرقة شفتيها فرفع يديه أمام وجهها و تعلقت عيناها به فقال بهدوء :
- إهدى .. و إتنفسى كويس .. تمام .
أومأت برأسها دون حديث .. فقال لها مالك بقلق :
- وعد .. مالك يا حبيبتى .
إكفهر وجه جاسم وضغط على أسنانه بقوة بعدما إستمع لسخافة مالك بالنسبة إليه .. ولكن وعد لم تترك عينى جاسم كأنها إعتادت على كلمات الدعم منه .. فقال لها جاسم بفرحة مخفية :
- قربنا نوصل .. ظبطى نفسك و إهدى .
أومأت إليه برأسها وهى مازالت متعلقة بعينيه .. ومالك يشاهد ما يحدث كأنه يشاهد التلفاز .. لوهلة شعر بغيرة خفيفة .. ولكن لم تطول بعدما رآها تستجيب لكلمات جاسم و هدأت و أخذت نفسها بهدوء .. إنتبهوا لوقفة المصعد فترجلوا منه .. وقفت وعد قليلا لإلتقاط أنفاسها .. ثم قالت بخجل :
- أنا آسفة بجد .. قلقتكوا عليا .
فقال لها جاسم بتلقائية :
- ﻷ خلاص أنا إتعودت .. ده اليوم اللى مش بتخض فيه عليكى ما يتحسبش من عمرى .
ضحكت وعد بخفوت ومالك مازال يتابع حديثهما ونظراتهما بغضب .. إعتدلت وعد فى وقفتها وقالت :
- هروح لمستر عبد الصمد بعد إذنكم .
أوقفها جاسم بحزم وهو يقول بجدية وعملية :
- تعالى معايا يا وعد مكتبى عاوزك فى موضوع ضرورى .
أومأت برأسها وقالت :
- حاضر يا باشمهندس .
رفع مالك حاجبه بإستنكار وقال بهدوء ما قبل العاصفة :
- موضوع إيه اللى إنت عاوزها فيه .
تطلع إليه جاسم بتعجب وقال ببديهية :
- إنت ناسى إنها مديرة مكتبى .. و بعدين أنا عاوزها علشان موضوع الأرض اللى هى حلته بسهولة ولازم تحضر معايا وأنا بتفق مع صحاب الأرض .. فى مشكلة بقا .
شعر مالك بالحرج وقال متأسفا :
- ﻷ عادى ما أقصدش أنا بس كنت بفهم يعنى .. وأنا آسف إنى إدخلت بينكم .. يالا أشوفكم بعدين .
تركهما وإنصرف و جاسم أصبح يبغضه بشكل يؤلمه .. فمن أصبح عدو اليوم هو صديق وأخ الأمس .. لاحظت وعد شروده .. فطرقعت بإصبعيها أمام عينيه وقالت بتعجب :
- هاى .. مالك يا باشمهندس .
إنتبه إليها ثم إبتسم إبتسامة واسعة وقال وهو يشير إليها بذراعه :
- قدامى على المكتب يالا .
أدت التحية العسكرية وقالت بنبرة جادة وتحمل كل المزاح بها :
- تمام يا باشمهندس .
ثم سارت أمامه .. وهو يتطلع إليها بعشق يعشق جمالها الهادئ .. و برائتها اللذيذة .. و مشيتها المثيرة والتى أبرزها لبسها اليوم فقد كانت جذابة بشكل آخذ للعقول .. سار ورائها وهو يلتهمها بعينيه ........
دلفا لغرفته فإلتف جاسم وأغلق باب مكتبه بتلقائية .. فتطلعت إليه وعد بضيق .. فإنتبه أنه أغلق الباب فقال متأسفا :
- آسف والله نسيت .
ثم إلتفت وفتح الباب .. توجهت وعد لمكتبه وجلست على المقعد المقابل لمكتبه ووضعت حقيبتها على الطاولة أمامها .. بينما جلس جاسم لمكانه وقال بهدوء رزين :
- أنا الجماعة أصحاب الأرض كلمونى إمبارح بالليل وطلبوا يقابلونى ضرورى .. فا إديتهم ميعاد النهاردة علشان أعرف هما عايزين إيه .. بس طبعا بعد سؤال هيئة الآثار عن الأرض خافوا و صدقوا الكذبة دى .. فأكيد النهاردة هيخلصوا معايا .
أومأت وعد برأسها وقالت بمكر :
- أيوة يا عم هتوفر قد كده بسببى .. إدعيلى بقا .
إبتسم على عفويتها اللذيذة .. و تلقائيتها المحببة لقلبه .. ثم قال وهو يحدجها بقوة :
- إطلبى اللى إنتى عاوزاه فورا و أنا مستعد .
طأطأت رأسها بخجل وإبتسمت بهدوء وقالت وهى تعبث بأصابعها :
- متشكرة .. أنا أصلا مش عارفة أشكرك على هديتك ليا إمبارح إزاى .. بس سؤال بسيط .. هى الأحجار اللى بالمصحف أحجار حقيقية مش كده .
أومأ جاسم برأسه مؤكدا وقال وهو يحدج بعينيها هائما بهما .. و بلونهما اللوزى الهادئ :
- أيوة .. دى أحجار فيروز أصلية .. عجبتك .
- أيوة .. ومتشكرة كمان مرة .
دلفت راندا إليهم وقالت :
- فى إتنين برة بيقولوا إنهم على ميعاد سابق مع حضرتك .
أشار إليها جاسم بيده وقال بجدية :
- أيوة فعلا .. خليهم يتفضلوا .
خرجت راندا ودلفا رجلين فى عمر والده إلى مكتبه .. فنهض مسرعا وإلتف حول مكتبه و وقف فى إستقبالهم وقال بهدوء :
- أهلا وسهلا يا فندم .
وأشار لهم على وعد و قال معرفا :
- آنسة وعد القاضى مديرة مكتبى .
مد أحدهم يده إليها وقال بإبتسامة ودودة :
- أهلا آنسة وعد .
تطلعت وعد ليده بحرج بينما صافحه جاسم مرة أخرى وقال معتذرا بلباقة :
- معلش آنسة وعد مش بتسلم بالإيد .
تطلع بها الرجل بإعجاب و هو مازال محتفظ بإبتسامته و قال بفخر :
- ربنا يحميكى يا بنتى ويكتر من أمثالك .
جلسوا على الأرائك الجلدية و المقابلة لبعضها البعض .. فسألهم جاسم مدعيا عدم الفهم :
- بصراحة يا جماعة أنا محتار فى إنى أعرف سبب زيارتكم إيه .. إنتم رفضتم البيع و أنا هصرف نظر عن الأرض دى كلها .
إتسعت عينى أحدهما وقال مسرعا بتوتر :
- بس يا جاسم باشا .. إحنا خلاص موافقين نبيع .. وما هنش علينا حضرتك تزعل مننا ويتعطل شغلك بسببنا فا حبينا نفرح حضرتك بخبر البيع .
عقد جاسم ذراعيه أمام صدره وقال بنبرة ثابتة تحمل الحزم :
- متشكر لشعور حضرتك بس خيرها فى غيرها إن شاء الله .
فأعاد الرجل رجائه قائلا بنبرة إنكسار :
- ليه كده يا جاسم باشا ده إحنا مستعدين نتنازل شوية فى المبلغ اللى طلبناه علشان إنت تشوف مصالحك وإحنا ربنا يعوض علينا .
أجابه جاسم ببرود وهو بملامح وجه متجمدة :
- أكيد ربنا هيعوض عليكم بس صدقنى أنا خلاص قربت أشوف قطعة أرض بديلة وبسعر أحسن .
تطلعا الرجلين ببعضهما فقال الأخر بخوف :
- يا جاسم يا إبنى .. إحنا جينا بنفسنا و أنا قدرت أقنع شركاتى علشان نبيع الأرض ليك و ما أخبيش عليك إحنا محتاجين الفلوس جدا .
إلتفتت وعد لجاسم وقالت برجاء ماكر وهى تتطلع إليه بتلقائية ألهبت حواسه تجاهها وهو يتوه بمتاهات عينيها وذلك الخط الوردى بجانب عينها .. ولكنه عاد لواقعه وهى تقول بصوتها العذب :
- ممكن أتكلم أنا يا باشمهندس وترضى بحكمى .
تصنع جاسم الضيق وقال بحدة :
- إنتى عارفة يا آنسة وعد أنا مش بكسرلك كلمة وبحترم عقلك وقرارتك جدا .. بس أنا مش حابب أشترى الأرض دى خلاص .
هدأت من نبرتها و قالت و هى شبه تتوسله بنظرات كنظرات جرو صغير .. ولم تدرك أنه الأن يريد أن يجثوا أمامها على ركبتيه و يتوسلها لكى تعشقه نصف عشقه إليها .. بينما قالت هى :
- معلش يا باشمهندس علشان خاطرى ... هما كانوا طالبين كام و حضرتك مستعد تدفع كام .
تنهد جاسم مطولا متابع تمثيله الرائع .. ثم قال بصوته الرخيم :
- هما طلبوا ٨ مليون جنيه و أنا عرضت ٣ مليون .. وبصراحة أنا مستغليها جدا .. ومش هرمى فلوسى فى الأرض .
تصنعت وعد التفكير لدقائق وقالت بعملية :
- طيب أنا عندى حل يرضى الطرفين و نبقى مسكنا العصايا من النص .
فسألها أحدهم بإنتباه شديد وفضول :
- حل إيه يا بنتى .
إعتدلت وعد بجلستها وقالت بنظرات ثاقبة لملامح وجههم :
- ٥ مليون كويس قوى .. وبكده الباشمهندس ما يخسرش وإنتم تكسبوا ٢مليون زيادة .
تطلع الرجلين ببعضهما بضيق .. فقال جاسم بقوة و حدة بعدما لاحظ تراجعهم :
- معلش يا وعد بس أنا مش موافق .. إنتى معايا ولا معاهم إزاى عاوزانى أدفع ٢ مليون جنيه زيادة ﻷ مش موافق طبعا .
رفعت وعد كتفيها بإستسلام وقالت بدهاء :
- خلاص اللى تشوفوه .. أنا بس الحاج صعب عليا فقولت ماينفعش يمشى زعلان .
تملك القلق والخوف من الرجلين فقال كبيرهم مسرعا :
- خلاص يا بنتى و أنا مش هنزل كلمتك الأرض .. وإحنا مستعدين نبيع على ٥ مليون و ربنا يعوض علينا .
زفر جاسم بغضب و صاح فى وعد بغلظة :
- إيه اللى بتقوليه ده يا وعد .. بس كده كتير عليا .. إنتى تعرفيهم من قبل كده .
شهقت وعد بخوف وقالت بملامح حزينة مصطنعة :
- أنا يا فندم .. حضرتك عارف إنى بحترم شغلى و عمرى ما هبيعك و أنا والله أول مرة أشوفهم .
رد أحدهم مسرعا :
- يا جاسم باشا إحنا أول مرة نشوف الآنسة .. و خلاص إحنا رضينا بحكمها و يا ريت حضرتك زى ما قولت فى الأول ما تكسرلهاش كلمة .
مرر جاسم كفيه على وجهه بضيق وقال مستسلما :
- خلاص ما عنديش مانع .. هنخلص على ٥مليون و مبروك علينا .
ثم وقف ليقف الرجلين مسرعين وصافحوه بفرحة شديدة بعدما ظنوا أنهم رموا الأرض بمشاكلها على كاهله .. ربت جاسم على كف كبيرهم وقال :
- جهزوا حضارتكوا الأوراق اللازمة و باشمهندس مالك سراج هيتفق مع المحامى و هيخلص معاكم الموضوع .
أجابه الرجل برزانة وثقة :
- إن شاء الله ..مبروك عليك ويديك خيرها إن شاء الله .
- الله يبارك فيك .
إستعد الرجلان للرحيل وقال كبيرهم بود :
- بعد إذنك يا إبنى .. وفرصة سعيدة يا بنتى .
ردت وعد بإبتسامتها الساحرة :
- أنا أسعد يا فندم .. شرفتونا ونورتونا .
رحل الرجلان بهدوء .. لينفجر جاسم بفرح وهو يقبض كفه ويسحب ذراعه لأسفل وقال بإنتصار :
- Yes .
زادت إبتسامة وعد لتتحول لضحكة على حركته التلقائية .. بينما رفعت ذرعيها بغرور وقالت :
- ما يجيبها إلا بناتها .
غمز لها جاسم بعينه وقال بمداعبة :
- عاش يا وحش .. هصرفلك شهر مكافئة ومش عاوز إعتراض مفهوم .
أومأت وعد برأسها وقالت بخجل :
- اللى تشوفه يا فندم .
دلف عليهما مالك وسألهم بفضول :
- هاه .. عملتوا إيه ..طمنونى .
أجابه جاسم بفخر و إعجاب ملأ كل خلجات قلبه من تلك الملاك الواقفة بينهم بعينين تلمعان فور رؤيتها لمالك و هذا ما يصيب جاسم بغضب سيؤثر عليهم جميعا :
- وعد خلصتها ب٥ مليون بس .
تطلع مالك بوعد وسألها متعجبا :
- بجد يا وعد .
أومأت برأسها مؤكدة .. فتنهد مالك بقوة وقال بفرحة :
- برافو عليكى .. ربنا يحميكى ومن نجاح لنجاح .
إحمرت وجنتيها بخجل وقالت بصوت خافت :
- متشكرة .

تطلع إليهم جاسم بغضب والنيران بداخله تلتهمه دون رحمة .. كلما رأى تورد وجنتيها الآسر مع تواجد مالك حولها يشعر بنصل حاد يخترق صدره يجبره على الصراخ ألما ولكنه يكتمه بداخله كأنه يدفع بيده ذلك النصل لينغمس أكثر مسببا ألما مضاعف .. تنهد بحزن حتى رن هاتف مكتبه فتوجه ناحيته ورد بضيق :
- ألو .... أهلا يا سيادة الرائد ....... فى أخبار جديدة أرجوك طمنى ........... هاه ... إنت بتقول إيه ....... يعنى إيه البنات فص ملح وداب ........ إزاى ده حصل و رجالتك كانوا فين ...... يا نهار إسود ..... ليه كده .. يعنى خلاص راحوا ...... ما تقوليش إهدى ........ ﻷ خلاص كل واحد فينا يدور بطريقته بس أمير أنا مش هسيبه و البنات دى هقلب عليهم الدنيا ...... معلش يا سيادة الرائد إنت دور وأنا هدور بس من هنا ورايح هعتمد على نفسى وعلى رجالتى وبس ......... القانون على عينى وراسى بس برضه مش هسيبه سلام يا فندم .

وأغلق الهاتف و إستند على المكتب بذراعيه وقد تهدل كتفيه بكسرة و حسرة مؤلمة .. أغمض عينيه يقاوم غضبه الهادر حتى إنفجر صارخا ... و إنتفض كل عرق بجسده مع صراخه المدوى ثم بيده أزاح مل شئ على مكتبه مسببا دوى كبير .......

حالة من الهياج أصابته جعلت وعد ترجع خطوتين للخف و إحتمت بمالك ووقفت ورائه وهى تتابع تلك الحالة العصبية المنفلتة من جاسم بخوف وذعر بينما هدأه مالك بعدما فهم من كلماته أن أمير قد نجا بنفسه ودفع بفتاتين إلى نيران ستلتهمهما دون رحمة قائلا :
- إهدا يا جاسم لو سمحت .. وفهمنى إيه اللى حصل .
دلف سامر للمكتب و أغلق الباب وهو يتابع تجمع الموظفين بالشركة على آثر صرخة جاسم وتكسيره لمتعلقات مكتبه .. ثم إستدار إليهم وسألهم بقلق :
- فى إيه يا جماعة جاسم ماله .
مسك جاسم رأسه بيديه وصرخ مجددا بغضب هادر وحزن على فتاتين إغتالت برائتهم وشرفهم على يد حيوانات لا تعرف الرحمة فى مقابل شهواتهم .. ثم قال بتخبط :
- راحوا .. البنتين أمير باعهم خلاص .. أنا لازم أقتله بإديا و أرحم الناس من شره .

وقفت وعد تتابع الموقف بتعجب وعدم فهم .. و لكنها إنتفضت مذعورة مع تكسير الواجهة الزجاجية لخزانة الملفات الخاصة بجاسم بعدما هشمها سامر بيده من شدة غضبه وقال بصياح أشبه بثور قد ذبح لتوه و يخور بألم :
- ال****** ال ****** ورحمة طارق ما هسيبه يتهنى بقرش واحد أخده تمن للبنات دى .. هقتله وأشرب من دمه .
ركض مالك ناحيته وتطلع لكفه التى نزفت دون أن يشعر بها سامر .. وقال بصياح :
- إيه اللى عملته ده يا مجنون .. ورينى إيدك بسرعة .
تطلع لجرحه فوجده سطحى لا يحتاج لتقطيب ولكنه يحتاج لتعقيم و مداواة .. فإلتفت لوعد المذعورة وقال بصياح عالى :
- هاتى شنطة الإسعافات من الأجزخانة اللى فى حمام جاسم يا وعد بسرعة .
وقفت وعد تتابع صراخ جاسم و حركات سامر المتنافية لكل حدود العقل وأخيرا صياح مالك بها .. شعرت بنفسها تدور داخل هوة كبيرة تتسع و تحملها بداخلها .. فإرتفع ذراعيها نحو رأسها وقالت بصوت خافت :
- بس بقى .. وطوا صوتكم ده .
ولكنهم لم يستمعوا إليها وجاسم يتابع صراخه الغاضب .. وسامر مازال يضرب الخزانة بقدميه ومالك متمسك بكفه و صياحه بوعد يزداد .. حتى صرخت قائلة وهى تشعر بخوف شديد تملكها لتصرخ بصوت مبحوح من شدة ذعرها :
- ببببببببببببببببببببس .

إنتبه إليها ثلاثتهم ليجدوها جالسة على الأرضية وتضم رأسها لركبتيها برعب شديد .. ركضوا نحوها بقلق فسألها مالك بخوف :
- وعد .. ردى عليا .. ما تخافيش يا وعد أنا إزاى ما أخدتش بالى وخرجتك من هنا .. ردى عليا يا وعد ما تخافيش .
رفعت رأسها بخوف .. و تطلعت إليهم بعيون قد تحجرت بهم الدموع فإقترب منها جاسم وقال بإبتسامة مشجعة باتت هى اليد التى تمتد عليها لتسحبها من عالم الذعر والخوف لمنطقة الآمان و الراحة :
- إحنا آسفين لو كنا خوفناكى للدرجة دى .. بس علشان خاطرى إهدى علشان أحكيلك على المشكلة اللى إحنا فيها و ساعتها هتفهمى إحنا ليه إنهارنا كده .. تمام .
كانت عينيها تطوف بملامح وجهه الصارمة و الجميلة بنفس الوقت .. ولكن لعينيه قصة أخرى فقد تشبست بهما تستلهم القوة و الصدق منهما و بعد لحظات أجابته بخفوت :
- بجد هتحكيلى .
إتسعت إبتسامته المطمئنة و أومأ برأسه مؤكدا وقال هامسا :
- أقولك على سر .
ظهر شبح إبتسامة على شفتيها و هزت رأسها بهدوء موافقة .. فأردف قائلا بخفوت :
- إحنا قاعدين على الأرض زى العيال الصغيرين .. ولو حد دخل علينا دلوقتى هيطلب لنا السرايا الصفرا .
إتسعت إبتسامتها و هى ما زالت متعلقة بعينيه كأنه رمى شبكة صيده فى بحر عاتى الأمواج لتخرج شبكته بلوزتين بنيتين ملكه هو وحده دون غيره .. لم تحد بعينيها عن عينيه رغم سؤال مالك الخائف :
- قادرة تقفى يا وعد .
أومأت برأسها وهى ما زالت أسيرة تلك الشباك السوداء التى أسرتها بداخلها .. إطمأن مالك عليها بعد إيمائتها فهذا دليل على إستيعابها لما يدور حولها لأنه خشي أن تدخل بإحدى نوبات خوفها و حينها ستمر بما مرت به سابقاً .. كان جاسم فى أسعد أوقات حياته رغم الألم الذى أرهقه منذ قليل وصوته الذى قد بح بسبب صراخه الهادر إلا أنه قال مطمئنا :
- إنتى كويسة قومى يالا .. يالا .
وقفت بتثاقل و قرب مالك إليها مقعد لتجلس عليه .. إستندت عليه وجلست بوهن ...

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent