Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل الثامن 8 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الثامن بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الثامن

 جلست روضة على أحد المقاعد الممددة فى مواجهة البحر .. تحمل كتابا كعادتها تقرأ به .. و لكنها كانت تمنح نفسها فرصة للشرود المسبب.. ورائحة عطر مالك تنشط مع كل ورقة تحركها.. رفعت عيناها تطالع البحر وبها كل الرغبة في إلقاءه بالبحر كي يختفي و يختفي معه عطره..
مل عمرو من صمتهما الطويل فزفر بضيق وقال برجاء :
- رودى .. علشان خاطرى سيبى الكتاب ده و إتكلمى معايا زهقت .
أغلقت الكتاب على مضض وقالت بحدة :
- يا إبنى ما أنا قولتلك سيبنى لوحدى إنت اللى مصمم تقعد على قلبى .. بقولك إيه قوم إنزل البحر أو روح إقعد مع روان شوية يالا .
زم عمرو شفتيه بإمتعاض و سحب نفس طويل و نفثه من أنفه بغضب وقال بإستسلام :
- براحتك .. هرجع أقعد معاهم شوية وهرجعلك .. إوعى حد يعاكسك .
ضحكت روضة بخفوت وقالت ساخرة :
- وهو شايف منى إيه علشان يعاكسنى الحد ده .. قوم يا عمرو زهقتنى .
وقف و عدل من ملابسه وقال وهو ينصرف :
- شوية وهرجعلك .
تركها وإبتعد فتنفست روضة الصعداء وتركت لدموعها العنان .. ثم إمتدت يدها لتحت نقابها وتمسكت بسلسال مالك و زاد بكائها الذى تحول لنحيب مؤلم وهى تتذكر أن الإنسان الوحيد الذى عشقه قلبها أصبح قلبه لغيرها .. وغيرها هى وعد .. كيف ستستطيع رؤيتهما سويا بل كيف ستحتمل قسوة نظراتهما و همساتهما .. ظلت ترجوا الله بداخلها أن يلهمها الصبر و يسامحها على ذنبها الذى عوقبت بسببه بالبعد عن من أحبت .. هدأت قليلا ولازمت الإستغفار ليغفر لها ربها ذلتها و ضعفها و ناجته ليعوضها خيرا .........

.........................................................................................................
..............................
كانت تطوف بعينيها علي ملامحهم القوية و هيأتهم الممتعضة و الحزينة بقلق... لأول مرة تكتشف ذلك الجانب العصبي بهم...
إرتشفت وعد القليل من الماء لتهدأ ثم أعطت الكوب لجاسم وقالت بإمتنان وهى تطالعه بخجل :
- أنا آسفة بجد .. حاسة إنى بقيت عبء عليكم .
وضع جاسم الكوب على الطاولة و رمقها بطرف عينيه بضيق وقال لائما :
- بطلى تتأسفى كل شوية كده .. إحنا أنفعلنا زيادة عن اللزوم ونسينا إنك موجودة .
تطلعت وعد لسامر والذى مال ناحيته مالك يطهر جرحه ثم بدأ فى وضع الضمادة عليه لوقف نزيف الدماء .. فسألته بقلق :
- إنت كويس يا سامر .. إيدك بتوجعك .
إبتسم سامر إبتسامة ميتة وقال بوهن ظهر بقوة فى نبرته المنكسرة :
- أنا بقيت كويس .. وإيدى مش بتوجعنى ولا حاجة بس مالك مكبرها .
إعتدلت فى جلستها وقد أصبحت فى مواجهة جاسم تطلعت بعينيه بقوة وقالت بصيغة آمرة ومستغلة :
- إنت وعدتنى إنك هتقولى إيه اللى خلاكم إتعصبتم بالطريقة دى صح .
تحركت حدقتاه على ملامحها البريئة تنهل منها لعله يرتوى من عشقها ولكنه لم يعد يكتفى بمجرد النظر بوجهها .. ثم مال بجسده ناحيتها و إستند بمرفقيه على قدميه وتنفس مطولا و زفره بهدوء ثم قص عليها أفعال أمير المشينة و تجارته بالفتيات العذروات و عن رحاب التى تسهل له أموره .. و عالم الدعارة الغارق به و إكتشاف طارق لأعماله المنافية للآداب والدين فكان جزائه القتل .. و اليوم أيضا إستطاع أمير خداع الجميع و باع الفتاتان و قبض الثمن .

كانت وعد مع كلماته تتغير ملامحها وتعبيراتها ما بين الإندهاش .. والإحتقار .. والإشمئزاز .. ورغبة ملحة بالغثيان .. حتى وضعت كفيها على فمها و قالت بحسرة :
- يعنى دلوقتى البنات اليتامى دول إتباعوا و هيتعرضوا لهتك العرض والإغتصاب وبعد كده يتحولوا لبنات ليل .. يا الله .. أنا مش مصدقة .. ﻷ و يقتل أخوه كمان علشان كشفه .. فى ناس كده .
أومأ جاسم برأسه و قال وهو مطأطأ رأسه بضيق :
- دلوقتى بقا فهمتى سبب إنفعالنا .. إوعى تخافى تانى و إحنا معاكى .
أومأت برأسها و قالت بإنصياع:
- حاضر .
خرج سامر من صمته وقال وهو ممسك برأسه من الألم :
- أنا سامع صوت صريخ البنات دى فى ودانى .. دماغى هتنفجر .
تنهد مالك بحرقة و قال و هو يتطلع بوعد :
- عارفة يا وعد إحنا بقالنا قد إيه بنجرى ورا اللى إسمه أمير ده .. وفى الآخر ضحك علينا كلنا .. هنعمل إيه دلوقتى .
ضرب سامر الخزانة مجددا بقدمه وقال بحدة :
- هقتله بإيدى .. مش هسيبه يعيش و يأذى بنات تانى .
وقفت وعد و خطت بشرود ثم قطعت الغرفة ذهاباً وإياباً .. وهى تفكر وعيون ثلاثتهم تتبعها بتعجب .. حتى إبتسمت بنصر وإلتفتت إليهم تتطلع لنظرات التعجب بعيونهم ثم إستقامت فى وقفتها و إستجمعت قواها لتستطيع مواجهة هؤلاء الأشداء بأفكارها الجامحة .. تنتحنحت بتردد وقالت بقوة :
- لو سمحتوا ممكن تقعدوا إنتوا التلاتة جنب بعض على الكنبة الكبيرة دى .
رفع جاسم حاجبه بتعجب وهو يتطلع لقوتها الزائفة التى تتصنعها لتستطيع إخبارهم برأيها .. ثم قال بحيرة مندهشا :
- إشمعنا يعنى .
عقدت وعد ذراعيها وصاحت بهم بقوة لفرض سيطرتها عليهم :
- اللى أقوله يتسمع .. ويالا زى الشاطرين كده تسمعوا الكلام و تقعدوا على الكنبة يالا .
تطلع ثلاثتهم لبعضهم ثم دخلوا فى نوبة ضحك عالية على كلماتها .. تطلعت إليهم بغضب من ضحكاتهم التى فسرتها هى على أنها إستحقار وإستهزاء .. فرفعت ذقنها بإيباء وقالت بحدة :
- أنا منسحبة من الشغل معاكم طالما دى أخلاقكم .. بعد إذنكم .
وحملت حقيبتها و همت منصرفة .. فوقف أمامها جاسم معترضا طريقها بجسده العريض وقال بنبرة متأسفة ومؤدبة لم تعهدها منه :
- إستنى بس إنتى فهمتى إيه .. أولا إحنا آسفين .. ثانيا إنتى حمقية كده ليه .
إبتسمت له متسائلة بعتاب رقيق مثلها :
- أنا حمقية برضه .. ولا إنتم اللى بتستقلونى .
بادلها جاسم إبتسامتها بإبتسامة جانبية وهو يغوص مع غمازتيها الورديتين .. ثم قال بمداعبة :
- إحنا بنستقلك .. ده لا عشنا ولا كنا لو فكرنا بس مجرد تفكير إننا نزعلك .. هو الحقيقة إننا ما إتعودناش إن بنت تقولنا نعمل إيه وما نعملش إيه .
زادت إبتسامتها اتساعاً و غمازتيها إنغماساً و إلتفتت لمالك وسامر وقالت بنبرة جادة :
- ده رأيكم إنتم كمان .
إقترب منها مالك وهو يلتهمها بعينيه و قال بإبتسامته الساحرة :
- ده إحنا التلاتة تحت أمرك و هنعمل اللى إنتى عوزاه .. أؤمرى بس .
تلاشت إبتسامتها وهى تحدجه بوله من تلك الإبتسامة التى تجذبها نحوه أكثر .. وعلت وجنتيها حمرة لذيذة خاصة بمالك وفقط .. بينما جلس سامر يتابع لعبة القط والفأر أو بالأحرى لعبة القطين والفأر التى تحدث أمامه .. ثم هتف فجأة بذهول غاضب :
- جرى إيه يا رجالة .. ده إحنا تحت إيد كل واحد منا رجالة الصقر يقف على شنباتها .. دى أخرتها بنت تزنبنا زى العيال فى المدرسة .. الله يرحمك يا رجولة .
رد عليه مالك وهو ينهره بسبب غلظته و حدته الزائدة من عصبيته قائلا :
- سامر .. إنت إتهبلت فى عقلك ولا إيه .
تجاوزته وعد وهى تقول بدهاء خارق :
- معلش يا مالك أصل سامر قرر خلاص إنه يبيع القضية و يسيب البنتين دول واللى هاييجوا بعدهم علشان هو حد ضعيف وقرر إنى أنا اللى يخرج فيها عصبيته .
وقف سامر منتصبا وهو يحدجها بنظرات غاضبة وصاح بها بصوت رجولى أجش يرعب أعتى الرجال :
- تعرفى عنى إيه إنتى علشان تحكمى عليا بإنى ضعيف هاه .
رغم شعورها بالخوف .. إلا أنها أخفت إرتجافه جسدها بأن عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت وهى تتطلع داخل عينيه الزيتونية بقوة :
- والله أنا مش محتاجة أعرفك علشان أترجم نظرات الكسرة و الضعف اللى فى عنيك .. ولو عاوز تلحق البنات دول وتلحق اللى عليهم الدور يبقى تقعد وتسمعنى .. يا سيدى يجعل سره فى أضعف خلقه .
ساد صمت طويل قبل أن يجلس جاسم ويقول ببطئ وتصميم :
- إقعدوا إسمعوها أنا واثق فى اللى هتقوله .
جلس مالك أيضا على الأريكة .. ووقف سامر يحدجها بقوة وهى لا تحيد بعينيها عنه فى تحدى تعلم أنها الفائزة به مقدما .. حتى زفر بضيق و جلس بين مالك وجاسم بهدوء .. تطلعت وعد إليهم بثقة و إتجهت لباب الغرفة فتحته و خرجت وقفت أمام راندا سكرتيرة جاسم التى سألتها بقلق :
- خلاص هديوا .
عقدت وعد حاجبيها بتعجب وسألتها بسخرية :
- واضح إنك متعودة على عصبيتهم و زعيقهم .. مش كده .
هزت راندا رأسها بيأس وقالت هامسة :
- يووووه .. ده المكتب ده إتكسر يجى عشرين مرة قبل كده .. ده لولا وجودك كانوا هيأذوا نفسهم .
هزت وعد رأسها بتفهم وقالت لها بجدية :
- طب عاوزة أطلب منك طلب .
إتسعت عينى راندا بإهتمام وقالت :
- طبعا إتفضلى .
مالت وعد عليها قليلا كأنها تخبرها سراً .. وكأنها تعطيها إهتماماً زائداً وقالت برجاء :
- عوزاكى تقعدى بالكرسى بتاعك على أول الكوريدور ما تخليش دبانة طايرة تعدى .. علشان فى كلام مهم هنقوله و أنا شاكه إنه فى حد بيتجسس عليهم و خايفة يسمع كلامنا .. ومش هلاقى أءمن منك علشان المهمة دى .
إبتسمت راندا بفرحة وهى تشعر بالفخر من ثقة وعد بها ثم قالت بموافقة :
- حاضر يا فندم .. إعتمدى عليا .
ربتت وعد على ذراعها وقالت :
- قدها و قدود .
ثم تركتها و عادت لغرفة المكتب مرة أخرى .. وقفت أمامهم وقالت بصوت خافت :
- بصوا بقا .. إنكم دايما تبقوا سابقين اللى إسمه أمير ده بخطوة و بعد كده هو اللى يكسب يبقى أكيد زارع حد بينكم ينقله أخباركم .
تطلعوا ثلاثتهم لبعضهم بتعجب بينما قال جاسم وهو يمرر أنامله بشعراته بصدمة :
- إحنا إزاى ما فكرناش فى الموضوع ده قبل كده .
ردت وعد ببديهية وهى تقول بهدوء ساخر :
- علشان عصبيتكم هى اللى بتتحكم فيكم .. دلوقتى بقا نتكلم بالعقل .. إنتوا رافضين تستسلموا وهتكملوا فى طريقكم علشان تقضوا على اللى إسمه أمير ده و تحموا بناتنا من القرف اللى هو عاوز يزرعهم فيه .. صح .
إستند مالك برأسه على ذراعه الموضوع على حافة الأريكة و قال بجدية :
- طبعا عاوزين نقضى عليه و يتمسك ويدفع تمن اللى عمله كله .. بس إحنا ما سبناش طريقة اللى وعملناها وهو اللى بينجح فى الآخر .
إجتذبت وعد مقعد و جلست أمامهم وقالت بثبات :
- يبقى إسمعونى ومش هتخسروا حاجة يمكن أفيدكم .
تمتم سامر بكلمات مبهمة سخرية على حديثها فقالت له وعد بضيق :
- بتقول حاجة يا سامر .
تصنع الإبتسام و قال بسخرية :
- هو أنا أقدر يا ميس .. بس يا ريت تدخلى فى الحصة بسرعة لجرس الفسحة هيضرب .
وخزه جاسم فى ذراعه و أشار لوعد أن تكمل حديثها وقال بأسف :
- معلش يا وعد كملى كلامك وإحنا هنسمعك للآخر .
أومأت وعد برأسها وقالت بقوة :
- فى أربع محاور هنشتغل عليهم .. الأول هو رحاب البنت اللى بتخلص لأمير موضوع البنات ودى أهم محور هنشتغل عليه .
رد عليها سامر بنبرة مقللة من شأنها :
- ما إحنا عارفين وهى دلوقتى هربانة و مستحيل نلاقيها تانى .
ردت عليه وعد و هى تحدجه بإستخفاف :
- المستحيل بتاعك ده أنا ما أعرفوش .. و أمير عمره ما هيستغنى عنها يعنى بشوية جهد ومراقبة لأمير هنوصل لرحاب و لو فضلت تحت عنينا هتغلط و ساعتها هنبقى إحنا اللى سابقينهم بخطوة .
فكر جاسم قليلا وقال بإهتمام :
- معنى ده إن أمير لازم يبقى تحت عنينا الأربعة والعشرين ساعة .
أومأت وعد برأسها وقالت مؤيدة :
- أيوة .. وده بقا المحور التانى .. إحنا بس مش هنراقب أمير إحنا هنزرع فى شغله عين لينا والأفضل لو كانت بنت .. هو صحيح بيشتغل إيه .
رد عليها مالك وهو منجذب لحديثها المتعقل :
- عنده شركة سياحة و بيقضى فيها أغلب وقته كستارة لشغله ال**** .
تغاضت وعد عن كلماته النابية وأردفت قائلة :
- تمام .. يبقى نبعت واحدة تشتغل هناك وتحاول تشده ناحيتها وتخليه يثق فيها و ساعتها نبقى فتحنا بطنه و بقت كل تحركاته معانا .. ويا سلام لو جهاز تصنت بسيط يتزرع فى مكتبه .
إنجذبوا لحديثها العاقل الواقعى ولاحظت هى الجدية التى علت ملامحهم فأردفت قائلة براحة :
- جينا بقا للمحور التالت .. إنتوا كنتوا تعرفوا كل تحركاتهم الفترة الأخيرة وبشوية تعب و مجهود هنقدر نتتبع إزاى البنات خرجوا من دمياط و ساعتها هيبقى الوصول للبنتين موضوع سهل و يمكن نلحقهم قبل ما يضيعوا للآخر .. صح .
هز مالك رأسه وقال بقوة وتصميم :
- أنا رجالتى كانوا ورا الموضوع ده .. هخليهم يكملوا فيه و إن شاء الله نلاقى خيط يوصلنا ليهم .
بينما قال سامر متابعا لحديث مالك :
- وأنا عندى البنت اللى ممكن أزرعها فى مكتب الحيوان ده .. وأعرف كمان متخصص فى الإليكترونات علشان موضوع جهاز التصنت اللى هنحطهوله فى مكتبه .
أومأ جاسم برأسه وقال بعيون تلمع من الغضب :
- أنا بقى هخلى رجالتى يراقبوا ال**** ده و هخليه ما يغيبش عن عنيهم ثانية واحدة وكل مكان هيروحه هنعرف قصته إيه .
إبتسمت وعد وهى تستشف إهتمامهم و وثوقهم فى حديثها .. ثم قالت بحماس وجدية أكبر :
- دلوقتى دور المحور الرابع و ده أهم محور .
مرر جاسم يده بشعرات ذقنه و هو يسألها بتركيز كبير :
- إيه هو بقا .
تنهدت بعمق وقالت بصوت صارم لا يتناسب مع رقتها :
- الملجأ .. يعنى أكيد اللى إسمها رحاب دى عاملة حسابها على البنات اللى عليها الدور و مظبطة كل حاجة حتى لو بعدت دلوقتى فهى أكيد بتتواصل معاهم علشان تضمن إنهم هيفضلوا تحت عينها للوقت المناسب .
فسألها مالك مستفهما :
- طب وإنتى رأيك إيه فى الموضوع ده .
وقفت ولفت حول مقعدها و تمسكت بظهره وقالت وهى تتأمل لهفتهم :
- جه بقا دورى أنا .. بعد إذنك طبعا يا باشمهندس جاسم أنا هروح الملجأ على إنى مديرة مكتبك و إن شركة رحال متمثلة ف حضرتك هتقدم تبرع بمبلغ مالى لمساعدة البنات الأيتام .. و كمان هنعرض عليهم إننا هنوفر فرص عمل للبنات اللى بقت بعمر الواحد والعشرين وهتخرج .. مش كده وبس إحنا هنوفر ليهم أسر بديلة يعنى ست كبيرة ملهاش حد محتاجة حد يرعاها ..أو نوفر ليهم مساكن علشان ما يخرجوش من الدار للنار .
إبتسم ثلاثتهم على فكرتها الذكية حتى قال مالك بفخر :
- برافوا عليكى يا وعد .. أنا فخور بيكى بشكل .. إنتى إزاى جه فى بالك الكلام ده كله .
طأطأت رأسها بخجل وقالت بإبتسامة هادئة :
- متشكرة .. فى حاجة أخيرة ناقصة فى دورى ودى اللى هتجيب لكم راس أمير تحت رجليكم .
حثها سامر على المتابعة قائلا بتذمر :
- ما تكملى يا وعد لازم جو الساسبنس ده .. إنجزى .
ردت بنفس الجدية ودون تردد :
- أنا بما إنى هوفر كل اللى قولته ده للبنات اللى قربت تخرج .. فأنا هيكون ليا الحق إنى أتعرف على البنات .. وساعتها هقدر أعرف عن علاقتهم برحاب ومين أكتر البنات اللى هى مثبتاهم و أقرب واحدة هتخرج هقرب منها و هحولها من صيد مستنياه رحاب وأمير لطعم هصطادهم بيه و بسهولة جدا .
ساد الصمت لدقائق و وعد تتابع حالتهم المندهشة ما بين جاسم الذى يتطلع إليها بنظرات متعجبة وتحمل شئ آخر لا تستطيع تفسيره .. بينما كان مالك يحدجها بفرحة و يبثها عشقه بكل ذرة به .. وسامر يطالعها ببلاهة فاغرا فمه .. فهتفت به بحدة :
- إقفل بؤك يا سامر .
أغلق فمه وهو يضغط على شفتيه بقوة و أشار إليها بذراعه قائلا بنبرة متسلطة :
- إرجعى لورا شوية عاوز أقولهم حاجة ومش عاوزك تسمعى .
مصمصت شفتيها بحيرة وقالت بإستسلام :
- حاضر .
سارت قليلا وجلست على مقعد بعيد تعبث بملابسها بضيق .. بينما جذب سامر مالك وجاسم بذراعيه وقال هامسا :
- أنا مش هشمتها فيا وأقولها إنها بتفهم عننا و إنها حلتها فى قاعدة .. بقا حتت بت تقعدنا قدامها زى التلامذة و تعلم علينا كده .
إمتعض وجه جاسم وهو يقول بخفوت :
- لا بالعكس بقا من حقها إننا نشكرها .. دى حلت كل مشكلة قابلتنا بالعقل .
أكمل مالك حديثه وقال مؤيدا :
- عندك حق يا جاسم وعد تستحق نشكرها ونقدرها أكتر من كده .
هز سامر رأسه بإستسلام وقال بضيق :
- خلاص اللى تشوفوه .
وقفوا وتوجهوا ناحية وعد المنتظرة بلهفة نتيجة إجتماعهم المصغر ليقول جاسم بإبتسامة تقدير :
- بصراحة أى كلام مش هيكفيكى .. إحنا مش عارفين نشكرك إزاى .. بجد شكرا يا وعد .
وقفت و إبتسامة منتشية تعتلى ملامحها الجذابة ثم قالت بخجل :
- إحنا تيم واحد .. و أنا حابة أساعدكم فى الموضوع ده بجد .
وقف سامر قبالتها و قال بتردد و إرتباك :
- بصى بقا .. بصراحة يعنى إنتى دماغك سم .. يعنى بجد إن كيدكم لعظيم .. و .. و .. أهلا بيكى معانا يا سوسة .
تطلعت إليه بلوم و ضيق و قالت ببرود :
- أنا سوسة .. ودماغى سم .. لسانك بينقط أسفلت .
أشار سامر على رأسه وقال ممتنا :
- على راسى كلامك .. يا لورد .
صفق مالك بكفيه وقال بنبرة متحمسة وتحمل كل العزم :
- بما إننا خلصنا موضوع الأرض و خلاص هنشتريها .. و موضوع الزفت أمير عرفنا هنعمل فيه إيه .. فا كل واحد يبدأ من دلوقتى يكلم رجالته و نشتغل بسرعة قبل ما أمير يحس إننا فوقنا من صدمتنا .. و عاوزين ناخد بالنا من الجاسوس اللى هو حاططهولنا .
أومأ الجميع برأسهم و قالت وعد بعزم :
- تمام .. و أنا لو سمحتولى طبعا هروح للملجأ النهاردة .. فا هحتاج الشيك دلوقتى .
وضع جاسم يديه بجيب بنطاله وقال موافقا :
- حاضر .. بس أنا هاجى معاكى .
رفعت كتفيها بإستسلام وقالت بهدوء :
- اللى حضرتك تشوفه .
إلتفت جاسم لمالك وقال بعملية :
- بكرة الصبح يا مالك تتصل بأصحاب الأرض و تمضى معاهم العقود إنت و المحامى و تسلمهم الفلوس .. أما النهاردة فتنفذ اللى قالته وعد .
ربت مالك على ذراعه وقال بإبتسامة متحمسة :
- حاضر .. سيبها على الله و عليا يا صاحبى .
ثم طالع وعد بإبتسامة جعلتها تبتلع ريقها بتوتر مبتعدة بعينيها عنه و هي تهز رأسها بيأس على افعاله...
...........................................................................................................
.....................

وقف عمرو فى شرفة الشالية يتابع روضة بعينيه وهو يشعر بالضيق على حالها المتغير .. إنه موقن رغم تحفظها الشديد وإنكارها أنه هناك خطب ما أحزنها لتلك الدرجة .. أصعب ما يؤرقه أنه لا يستطيع إخراجها من حالتها تلك .. فمنذ سفر والديهم و هو يعتبر روضة ووعد إبنتيه .....

ربتت روان على ذراعه مواسية وقالت و هى تحدجه بإبتسامتها الرقيقة والتى تنسيه آلامه وهمومه :
- روضة بقت كويسة يا عمرو ؟!!
إحتضن كفها بين كفيه و أطال نظراته إليها ثم رفع كفها نحو فمه و قبله بهدوء .. ثم قال بإبتسامة هادئة :
- مش عارف هى كويسة و لا ﻷ .. ومش فاهم أى حاجة .
سحبت كفها منه بخجل و تطلعت أمامها تتأمل البحر و المصطافين .. بينما وقف عمرو يتأملها بحب حتى خرج سراج من غرفته و وقف بجوارهم وسأل عمرو قائلا بتعجب :
- إنت سبت روضة ليه يا عمرو .
إلتفت عمرو ناحية سراج و قال له بتنهيدة يائسة :
- مصممة تقعد لوحدها و مش عارف أخرجها من حالتها .. و المصيبة مش عارف مالها .
هز سراج رأسه متفهما و قال بحنو :
- أنا هروح أتكلم معاها يمكن أقدر أعرف مالها .
و تركهم وإتجه ناحية المظلة الجالسة أسفلها و جلس بجوارها فلاحظ أنها لم تشعر به .. ربت على ذراعها و سألها برأفة :
- الجميل بيعيط ليه .
إلتفتت إليه روضة برأسها و إبتسمت بهدوء و قالت بسخرية :
- أنا مش بعيط ولا حاجة يا سروجتى .
ضحك سراج ضحكة خافتة و قال مداعبا :
- أول مرة تدلعينى يا روضة .. بس بصراحة أحلى من السنجوبة وعد .
تطلعت روضة أمامها بشرود و قالت بأسى :
- أى حاجة من وعد ليها طعم تانى .. ربنا يهنيها و يسعدها .
ضغط سراج على شفتيه بقوة و تنهد بقوة و قال بنبرة متمهلة :
- عارف إنك بتتمنيلها ده من قلبك .. زى ما أنا عارف سبب تعبك و وجعك .
إبتلعت روضة ريقها بصعوبة وإعتدلت فى جلستها بفزع وقالت بهدوء متمرس :
- قصدك إيه يا عمو ..؟!
إبتسم بمكر بعدما جذب إنتباهها و شعر بصدق نواياه .. ثم قال بإقتضاب قاتل :
- مالك إبنى .
كتمت شهقة ثقيلة أرهقت صدرها وهى تتنقل بين عينيه تستشف منهما مقصده بما قاله .. ثم خرج صوتها متحشرجا من آثر صدمتها المؤلمة وهى تسأله بخوف :
- ماله .
ساد الصمت للحظات و سراج يتطلع للبحر بشرود ثم قال بألم :
- كنت طول الوقت مستنى إنه هياخد باله من نفسه و يعرف إنه بيحبك .. كان دايما بيتكلم عنك وبس .. روضة قالت .. روضة عملت .. روضة جابت .. روضة قرأت .. حتى روان كان دايما يقارن كل تصرفاتها بيكى .. ما رضيتش أنبهه و قولت هياخد باله لواحده خصوصا لما لاحظت نظراتك ليه فإتأكدت إنك إنتى كمان بتحبيه .
هزت روضة رأسها بقوة وقالت نافية :
- ﻷ ﻷ .. حضرتك فاهم غلط .. مافيش حاجة من الكلام ده صح و ....... .
قاطعها سراج بقوة وهو يقول بثقة :
- أنا مش صغير و عارف أنا بقول إيه كويس .. إنتى بتحبيه بس المصيبة إنه لما رجع من سفره الأخير لقيته مهتم بوعد .. و نظراته ليها كانت جديدة عليا و عليها .. لغاية ما سمعته و هو بيقولها إنه بيحبها و عاوز يخطبها .. و فى نفس اليوم إنتى تعبتى فعرفت إن وعد أكيد قالتلك .
حركت روضة نقابها قليلا لتتنفس ثم قالت بجدية :
- يا عمو حضرتك فاهم الموضوع غلط .. صحيح وعد قالتلى على مالك بس أنا مفيش حاجة جوايا ليه .
هز سراج رأسه متفهما وقال بإبتسامة خفيفة :
- خلاص يا حبيبتى براحتك .. بس برضه أنا عارف إنك مؤمنة و قوية و عارفة إن النصيب و إرادة ربنا فوق كل شئ .. و مفيش حد عارف الأيام هتمشى إزاى .
تطلعت إليه روضة برجاء وقالت بتوسل :
- علشان خاطرى يا عمو ما حدش يعرف الكلام اللى حضرتك قولته ده .. مش هسمح لنفسى إن وعد تتأذى بسببى.. هى و مالك بيحبوا بعض .. و مش لازم حاجة تبعدهم عن بعض .
ربت سراج على كفها بحنان أبوى هى فى أشد الحاجة إليه و سألها بمداعبة قاطعا لتلك الحالة :
- تضربى معايا حمص الشام .
إبتسمت روضة بخفوت و هزت رأسها بالإيجاب وقالت :
- يا ريت أصلى ما فطرتش كويس .. و يا سلام لو توافق إنى أعزمك على الغدا لوحدنا يا سروجتى .
ضحك سراج ضحكة عالية و قال بقوة :
- موافق بس أنا اللى عازمك .. ده أنا هأكلك جمبرى وسمك هتحلفى بيهم .
تعالت ضحكات روضة التى وصلت لقلب عمرو لا لأذنيه .. فشعر بسعادة غمرته وراحة ليقول بغضب مفتعل :
- الله .. هو الضحك لعمو سراج والتكشيرة والبوز ليا .
وقفت روضة ولملمت أشياءها و قالت بسخرية :
- خليك فى خطيبتك لو سمحت .. وعلى فكرة عمو سراج عازمنى على الغدا .. لوحدى .. إتعلم منه شوية و إبقى خد روان و إعزمها يا بخيل .
وتركتهما وإبتعدت عائدة لتبدل ملابسها و قد شعرت براحة غريبة و رضا قد ملأها من فكرة أن مالك قد إهتم لأمرها ولو لفترة قصيرة فهذا يكفيها وأكثر .......
جلس عمرو بجوار سراج وسأله بفضول وهو يتطلع إليه بتعجب :
- حضرتك عملتلها إيه يا عمى .. ده أنا تعبت معاها .
إبتسم سراج لعمرو وقال ليطمأنه :
- هى كويسة ما فيهاش حاجة .. بس إرهاق من الشغل مش أكتر .. قولى صحيح الموبليا خلاص هاتيجى بكرة .
إعتلت الفرحة ملامح عمرو وتنهد مطولا و قال بحماس :
- أيوة إن شاء الله .. و هاخد الموبليا بتاعت حضرتك كمان من عند المدهباتى علشان الحاجة تطلع مرة واحدة .. و هننصبهم و لما البنات يرجعوا يفرشوا براحتهم بقا .
زم سراج شفتيه بضيق وقال بعدم فهم :
- أنا مش فاهم أبوك وأمك دول إيه علشان يسيبوك لوحدك فى الفترة دى و إنت أكيد محتاجهم .
طأطأ عمرو رأسه بكسرة و عبث فى الرمال بأنامل قدمه وقال بخفوت :
- ربنا معايا أحسن من الكل .
ملس سراج على ظهره وقال بحنو :
- ربنا يكملك بعقلك يا إبنى .. روان حطها جوة عنيك يا عمرو وخلى بالك منها .
ضحك عمرو بخفوت وقال ساخرا :
- وصيها هى عليا دى مطلعة عنيا .. بس بجد تسلم تربيتك يا عمى لو لفيت الدنيا مش هلاقى ضوفرها .
- أنا بحترم فيك يا عمرو إنك بتحافظ و بتخاف عليها حتى من نفسك .. ربنا يهنيكم و يسعد أيامكم يا إبنى .
وقف سراج مسرعا وقال بتوتر :
- إتأخرت على روضة عاوزها تزعل منى .. ده إنت رغاى رغى .
رفع عمرو حاجبيه بتعجب وتابع إنصرافه بعينيه وقال هامسا :
- ربنا عوضنا بيك يا عمو سراج .. الواحد مش عارف لما ييجى بابا وماما هتعامل معاهم إزاى .. أوقات بحس إن وعد معاها حق .
ثم إستند برأسه على طرف الكرسى المداد و أغمض جفنيه مستمتعا بتلك النسمات التى تداعب وجهه و خيال حبيبته الرقيقة يداعبه محفزا له ليعود إليها ليكحل عينيه برؤيتها و التمتع بلحظات قليلة معها تشعره بالراحة و الجنون .........

..................................
خرجت وعد و جاسم من الشركة و وعد تتمالك بعد خروجها من المصعد كعادتها .. بينما تطلع إليها جاسم بإبتسامته الجانبية متأملا برائتها و عفويتها التى تسلبه تعقله معها .. إنتظر حتى هدأت و دنا منها قائلا برقة هامسة :
- خليكى هنا هروح أجيب العربية من الجراج وهاجى بسرعة .
زمت وعد شفتيها بضيق و رفعت حاجبها مستنكرة ما قاله بتلقائية واثقة ثم قالت بحدة :
- مش هركب معاك فى عربيتك طبعا .
رفع حاجبه أيضا بتعجب و سألها بضيق :
- و ليه مش هتركبى معايا .. طبعا .
زفرت بضيق وقالت موضحة بقوة :
- علشان ما يصحش أركب معاك لوحدنا لو حد شافنى معاك هيقول عليا إيه .
عقد ذراعيه أمام صدره متابعا لحركاتها الغاضبة .. ثم قال بضيق :
- عادى اللى يقول يقول .. و بعدين إنتى مديرة مكتبى .
تطلعت إليه مطولا وهو يهوى قلبه مع نظراتها الغاضبة والتى أبرزت بنية عينيها اللوزية .. و تلك النقاط الجذابة على أنفها و بداية وجنتيها و التى ظهرت بعدما إختفى الكريم عن وجهها .. حتى أخرجته من تأمله لها وهى تقول بسخرية :
- و أنا يعنى هحط يافطة على صدرى أكتب عليها والله أنا مديرة مكتبه .. بص .. حضرتك إنت هتركب عربيتك و أنا هركب تاكسى وهنتقابل فى الملجأ .
تطلع إليها بغضب متملك وقال بصوته الرجولى الأجش ساخرا :
- ما إنتى الصبح كنتى راكبة مع مالك لوحدكم .. فعادى بقا إركبى معايا .
نزلت كلماته عليها كالصاعقة .. رغم حدتها إلا إنه على حق .. أغلقت عينيها مطولا وسحبت نفسا طويلا زفرته مرة واحدة و أخرجت هاتفها من حقيبتها و عبثت به قليلا ووضعته على أذنها و إنتظرت الإجابة .. كل هذا و جاسم يتابعها بندم على كلماته اللاذعة و التى جرحتها دون وعى منه .. تابع حديثها الهاتفى بتعجب من كلماتها و هتافها الذى أحرجه وبشدة وهى تقول :
- أيوة يا عمرو .... أنا كويسة بس عمرى ما هسامحك على الموقف اللى حطتنى فيه النهاردة لما ركبت مع مالك لوحدنا علشان إنت صممت و أنا سمعت كلامك ....... متقوليش إهدى أنا غلطانة و ندمانة ومش هكرر غلطى ده تانى ...... لأ هبقى أحكيلك لما هرجع بس بعد إذنك أنا هروح دار الأيتام اللى فى شارع ***** مع الباشمهندس جاسم ..... لأ ما تقلقش فى شغل ..... هركب تاكسى طبعا أنا بتعلم من أخطائى كويس .... لما أجى هبقى أعرفك كل حاجة بس إنت حطتنى فى موقف محرج قوى ..... مش مشكلة بقا يالا سلام ... باى .
وأغلقت الهاتف و وضعته بحقيبتها بعصبية .. فقال لها جاسم متأسفاً على تسرعه :
- أنا آسف بجد يا وعد .. أنا مش عارف قولت كده إزاى .
تطلعت إليه برسمية و قالت بجدية هى أكتر ما يكرهه بها :
- أنا هسبق حضرتك فى تاكسى .. بعد إذنك يا باشمهندس .
وتركته وإنصرفت و هى تسب نفسها على فعلتها الحمقاء .. ثم أشارت لسيارة أجرة فوقفت لها على الفور .. فتحت الباب الخلفى وركبت لتتفاجأ بجاسم يصعد السيارة بجوار السائق وقال :
- إطلع على شارع **** يا ريس لو سمحت .
أومأ له السائق برأسه موافقا و قال :
- تحت أمرك يا باشا .
إنطلقت السيارة و وعد تشعر بالغضب .. بينما جاسم يتابعها بعينيه فى المرآة الجانبية للسيارة .. كان الصمت هو رفيقهم طوال الطريق حتى قالت وعد بتلهف :
- على جنب يا أسطى لو سمحت .

انتفض جاسم بجلسته و التفت اليها .. بينما هدأ السائق من سرعة السيارة حتى وقف بها فقالت له بإمتنان :
- متشكرة جدا .. بس خمس دقايق و هرجع تانى .

ثم فتحت الباب و ترجلت مسرعة .. عبرت الطريق و جاسم يتابعها بعينيه متعجبا حتى رآها تقترب من محل للبقالة .. إبتاعت زجاجة ماء و بعض المأكولات الخفيفة و عبرت الطريق مجددا و لكنها تابعت سيرها حتى وقفت أمام رجل مسن يعمل عامل نظافة للطرق .. إبتسمت له بمداعبة و تحدثت معه قليلا و جاسم يقتله الفضول لمعرفة حديثهما الذى جعل الرجل يبتسم بهدوء .. حتى أعطته وعد الماء و الطعام .. فكانت سعادة الرجل لا توصف وقد إتسعت إبتسامته وهو يأخذ منها الأشياء ولم تكتفى بذلك بل و ضعت يدها بحقيبتها و أخرجت شئ و أعطته له بيده .. و ربتت على كفه بحنو .. فسر جاسم ما أعطته له على أنها مساعدة مالية لتنفرج شفتيه عن إبتسامة عاشقة لتلك الملاك التى تسير نحوه وهى ترمقه ببرود قاسى حتى صعدت السيارة مجددا بهدوء .. ليصعد هو الآخر و قال للسائق :
- إطلع يا أسطى .

لم يتخلى عن إبتسامته و هو يتذكر موقفها الإنسانى الذى لم يخطر على باله من قبل .. تنفس مطولا وزفره على مهل وقال بنفسه :
- إيه البت دى.. ملاك .. ﻷ دى جنية ناوية تسحرنى و تخلينى أدوب فى كل تفاصيلها .. عمرى ما قابلت واحدة زيها فى حياتى .. ملكت قلبى و بقا ليها لوحدها .. و لازم قلبها يبقى ليا لوحدى حتى لو هجرحها وأذيها بس مش هسيبها تبقى لحد غيرى .. إن شاالله أقتلها وأقتل نفسى بس تكون ليا وبس .. هى ملكى أنا .. بتاعتى أنا غصب عن أى حد .

خرج من شروده على تباطئ حركة السيارة و السائق يصفها بجوار دار الأيتام .. مدت وعد يدها بالأجرة للسائق .. فرمقها جاسم بنظرة جعلتها ترتجف و تعود بيدها لجوارها .. بينما أعطى جاسم السائق أجرته وترجلا بهدوء .. وقف جاسم أمامها وقال بإستعطاف لا يتناسب مع رجولته الظاهرة للعيان بجسده الضخم و صوته الأجش :
- أنا آسف يا وعد .. صدقينى أنا عمرى ما إعتذرت من حد قبل كده .. وعارف إنى زودتها معاكى .
أومأت له برأسها وقالت بهدوء رزين :
- حضرتك عندك حق فى اللى قولته .. أنا اللى حطيت نفسى فى موقف محرج .. و دلوقتى خلينا فى اللى إحنا جايين علشانه .
هز كتفيه فى حركة طفولية و عقد ذراعيه أمام صدره وقال :
- ﻷ .. مش هندخل غير لما تقوليلى إنك سامحتينى ومش زعلانة منى .
إبتسمت بتلقائية على حركاته الطفولية و قالت وهى ترمقه بتعجب :
- أنا مش زعلانة منك .. يالا بينا .
مد لها ذراعه لتتقدمه .. فزادت إبتسامتها فشرد بغمازتيها و فمها الذى يشعل بداخله نيران لم يشعر بها من قبل مع أى أنثى عرفها .. دخلا للدار وإصطحبهما عامل الأمن لمكتب المديرة التى رحبت بهما بحفاوة بعد علمها بهوية جاسم و أنه إبن فضل رحال أكبر رجال الأعمال بدمياط و أغناهم .. وبالفعل تحققت نبوئتها بعما قدم لها جاسم شيك بمبلغ مالى كبير تخطى أحلامها .. بينما عرضت وعد عليها فكرتها فى توفير فرص عمل للفتيات بعد خروجهم من الدار .. و توفير المسكن والأسر البديلة لهم .. فقالت لها المديرة بفرحة :
- مش عارفة أشكركم إزاى .. يا ريت كل الناس زيكم و يبقى فى عدالة إجتماعية للكل .
إستندت وعد بمرفقها على مكتبها وقالت بقوة و ثقة :
- أنا بعد إذنك طبعا حابة أتعرف عل البنات اللى قربوا يخرجوا علشان أقدر أحدد إهتمامتهم و ميولهم و أوفر لكل بنت شغل تحبه و سكن آمن .
أومأت المديرة رأسها بتفهم وقالت بموافقة :
- طبعا يا فندم من حقك .. و قرب السن بينكم هيخليكى تقدرى تقربى منهم بسهولة .. أنا دلوقتى هعرفك على خمس بنات قدامهم أسابيع بسيطة و يتموا السن القانونى و يخرجوا من الدار لو حابين .
رفعت سماعة هاتفها و طلبت من سكرتيرتها أن تحضر إليها الخمس فتيات .. بعد قليل إنتبهوا على طرقات على باب الغرفة فقالت المديرة بصوت عالى :
- إدخل .
دلفت الخمس فتيات للغرفة .. فقالت المديرة بإبتسامة هادئة :
- هما دول يا آنسة وعد البنات .. تقدرى تتعرفى عليهم .
مررت وعد عينيها على الفتيات لتجدهم فى عالم آخر و قد تعلقت عيونهم بذلك الوسيم الجالس أمامها .. أخفت إبتسامتها وقالت بنفسها :
- البنات عينهم هتطلع على جاسم .. الحمد لله إن مالك مجاش معايا كان زمانى دلوقتى هادة الدار على دماغتهم .
ثم توقفت عينيها على تلك الساحرة .. و التى لم ترى بجمالها من قبل .. قطة .. قطة منزلية مرفهة بتلك العيون الفضية و بياضها الناصع و شعراتها البنية المنسدلة على ظهرها بتموجات ساحرة .. إلتفتت وعد لجاسم فوجدته يتطلع بتلك القطة السيامى .. فأردفت قائلة بنفسها مجددا :
- لتانى مرة بحمد ربنا إن مالك مش معايا .. أنا متأكدة إنه كان هيعجب بيها زى الباشمهندس .
إرتسمت إبتسامة جانبية على ثغره وهو يحول مقلتيه لوعد فوجدها تحدجه .. بينما علمت هى أن تلك الإبتسامة خاصة بها وتأكدت عندما وجدته يتطلع إليها بقوة نافذا لروحها .. لا تعلم سر تلك النظرات التى تسلبها إرادتها وتجعلها لا تحيد بعينيها عنه ...
ربما لم تهتم لنظراته لتلك القطة الجميلة و لكنها قارنتها بنظراته إليها فكانت الرابحة بلا أدنى شك فتلك اللمعة بعينيه تجاهها جعلتها توقن أنها أجمل من تلك القطة وهى تعلم أن ما تخفيه تحت حجابها و ملابسها الفضفاضة أكثر بكثير مما تظهره تلك القطة ......
شعور غريب بالإنتشاء ملأها .. ربما غذى جاسم بنظراته غرورها و أنوثتها فأصبحت ممتنة لتلك الشباك السوداء التى كلما تطلعت بها أسرتها بقوة و أصبح الفكاك منها أمر صعب ومرهق .. و لكنها قاومت و وقفت و إقتربت من الفتيات و صافحتهم بود لكسب صداقتهم و تعرفت عليهم واحدة تلو الآخرى .. حتى وقفت أمام تلك القطة السيامى كما أطلقت عليها بداخلها و صافحتها بإبتسامة إعجاب متأملة عينيها الرمادية عن كثب و سألتها برقة :
- إسمك إيه يا قمر .
أجابتها الفتاة وهى تبادلها إبتسامتها :
- إسمى لمى .
رفعت وعد حاجبيها بإعجاب شديد على الإسم و صاحبته و قالت بمداعبة :
- يعنى قمر و جميلة و كمان إسمك لمى .

زادت إبتسامة الفتاة و شكرتها قائلة :
- شكرا .. عنيكى اللى حلوة .
تراجعت وعد بعض خطوات للخلف وقالت للفتيات بحماس :
- أنا هاجى أزوركم دايما و أتمنى نكون صحاب .. و إحنا هنوفر ليكم بعد ما تخرحوا من الدار حياة مستقلة و قوية هنوفر لكم وظائف محترمة و سكن آمن و مش هنخليكم محتاجين حاجة لغاية ما تتجوزا وتبنوا حياتكم .
شكرتها الفتيات و قالت إحداهن بتقدير :
- متشكرين جدا يا آنسة وعد .. و إحنا اللى نتمنى نبقى صحابك .
إبتسمت وعد براحة وقالت بطيبتها المعتادة :
- إن شاء الله .
أشارت لهن المديرة بالإنصراف .. فتركوهم وخرجوا بينما عادت وعد لمقعدها و هى تبتعد بعينيها عن ذلك المحاصر لها بنظراته والتى باتت تخشى تفسيرها .. وجهت حديثها للمديرة وطلبت بهدوء متزن :
- إن شاء الله لو سمحتيلى حضرتك حابة أجى أتعرف عليهم كويس .
أومأت المديرة رأسها بقوة وقالت موافقة :
- طبعا يا فندم تقدرى تيجى فى أى وقت و إحنا تحت أمرك .
خرج جاسم عن صمته و قال بوعد :
- و أنا بوعد حضرتك إن كل شهر هيوصل لحضرتك شيك بمبلغ مالى مساهمة من شركة رحال للدار .. بس بتمنى من حضرتك محدش يعرف علاقة شركة رحال بالدار .. دى حاجة بينا و بين ربنا .
أجابته للمديرة وهى ترتدى نظارتها الطبية :
- طبعا يا فندم .. متفهمة حضرتك .
وقف جاسم و صافحها قائلا بإمتنان :
- فرصة سعيدة يا فندم .. و حابب أشكر حضرتك على مجهودك فى الدار بجد حاجة تشرف .
- أنا اللى ليا الشرف يا باشمهندس .
صافحتها وعد أيضا و خرجوا من مكتبها .. أثناء سيرهم إستمعت وعد لهمهمات النساء حولها على جاسم .. فسألت نفسها بتعجب :
- شوفى البنات هيموتوا على جاسم إزاى .. على إيه يعنى ده عادى جدا .. هو صحيح أسمرانى و طول بعرض و شوية عضلات و ملامحه حادة بس وسيم شوية برضه .. عموما أنا مالى .
خرجوا من الدار فسألها جاسم بفضول :
- هترجعى معايا الشركة ولا هتروحى رأس البر .
تطلعت لساعة يدها و طالعته و هى تقول بإرهاق :
- ﻷ هروح بقا أساسا ميعاد الشغل عدى من فترة و أنا تعبت النهاردة .. هركب مواصلات و أرجع أنا .
عقد حاجبيه نافيا ما قالته وقال بحدة :
- مواصلات إيه .. أنا هوقفلك تاكسى طبعا .
وبدون أخذ رأيها أشار لسيارة أجرة .. فوقفت أمامهم فدنا من السائق و سأله ثم إعتدل فى وقفته و فتح لها الباب الخلفى و قال بصوته الرخيم لفرض سيطرته عليها :
- إركبى يالا .
وما أن فتحت فمها لتعترض سبقها هو و قال بنظرات محذرة باتت تخيفها :
- إركبى بهدوء لو سمحتى .
أغلقت عينيها بنفاذ صبر من تحكماته و زفرت بضيق و قالت بعبوس :
- حاضر أى أوامر تانية .
إبتسم وهو يتابع غضبها اللذيذ و قلد نبرتها الغاضبة ساخرا و قال :
- ﻷ مافيش أوامر تانية .
صكت أسنانها بقوة و صعدت السيارة بصمت و أغلقت ورائها الباب فوجدته يصعد السيارة بجوار السائق .. و أمره بالتحرك فرفعت حاجبيها بتعجب وسألته :
- هو حضرتك رايح فين .
أجابها ببرود مستفز وهو يتطلع بالطريق أمامه مستمتعا بنغمة صوتها الناعمة مثلها :
- هوصلك و هرجع .

- نعم ؟!!!!!

قالتها بدهشة غاضبة و هى لا تملك أى تفسير عن تصرفاته الغامضة معها .. و لكنه قال بنفس النبرة الباردة :
- زى ما سمعتى هوصلك وهرجع .
و أخرج هاتفه وعبس به قليلا متجاهلا تزمرها و ضيقها .. ولكنه كان يتابعها فى المرآة الجانبية للسيارة فبعث لها رسالة على هاتفها فحواها :
- عوزانى أسيبك مع سواق التاكسى لوحدك .. هو إحنا آه شباب بنلبس بناطيل مقطعة و رافعين شعرنا زى لاعيبة الكورة بس ولاد بلد و نفهم فى الأصول .

و أرسلها .. إنتبهت على رنين هاتفها بوصول رسالة فتطلعت به فوجدتها منه .. رفعت رأسها نحوه بتعجب .. ثم عادت برأسها للهاتف و فتحت رسالته و قرأتها .. فإبتسمت بخفوت و ردت عليه :
- ما إحنا كمان بنات رجالة قوى ولو حسينا بغلط بنطرطش زلط .
و أرسلتها له .. إهتز هاتفه بيده فوجدها رسالة منها ففتحها و قرأها ليدخل فى نوبة ضحك عالية .. تطلع إليه السائق بتوجس .. بينما أخفت وعد إبتسامتها و عاد هو ليرد عليه برسالة جديدة :
- شوف إزاى .

و أرسلها و إنتظر عاصفة غضبها .. فتحت هى الرسالة و قرأتها لتشتعل عينيها بضيق ثم ردت بقوة ساخرة :
- شوفت بقا .. قول إنت يا باسط هتلاقيها هاصت .
وأرسلتها فقرأها ليعود لضحكه مجددا و كتب :
- يا باسط يا رب .
و أرسلها و لكنها إكتفت ولم ترد عليه .. و إستمر صمتهم طوال طريقهم الطويل و لكن إبتسامتهم العابثة ظلت مكانها و جههم ......

.....................................................................................................
.....................

وصل سامر بسيارته أسفل شركة علا .. و وقف فى المرآب فى إنتظارها .. ترجل من سيارته و جلس على مقدمة سيارتها حتى رآها تتقدم نحوه وهى تحمل بعض الملفات الثقيلة التى تلهيها عن رؤيته .. ولكنها إعتدلت فى سيرها فرأته أمامها .. رمقته بنظرة غاضبة و قالت بعبوس :
- إنت .. إنت بتعمل إيه هنا .
تطلع إليها بشوق وهو يطوف بعينيه على وجهها ثم قال بهدوء :
-بستناكى .
فتحت السيارة ووضعت بها الملفات و أغلقت بابها بقوة و إلتفتت إليه بحدة و قالت ساخرة :
- و بتستناتى ليه إن شاء الله .. لعل السبب خير .
قفز من على سيارتها و وقف أمامها و قال بغمزة من عينيه :
- وحشتينى .
إبتلعت ريقها بتوتر .. وهى تذوب داخل عينيه الزيتونية التى تعشق لونهم .. ثم تمالكت و قالت بضيق :
- صدقنى آخر ما هزهق هعرف جاسم إنك بتضايقنى و ساعتها هتخسروا بعض .
إبتسم بسخرية و إقترب منها و هو مازال يتطلع داخل عينيها ثم قال هامسا :
- هتقوليله إيه .. كنا بنحب بعض و أنا إتجوزت و سبتوا .. ودلوقتى هو بيطاردنى .
أشاحت بوجهها عنه و زفرت بضيق ثم عادت بعينيها تطالعه بنظرات نارية من شدة غضبها .. لتقابلها نظراته العابثة الواثقة .. فرفعت سبابتها أمام وجهه و قالت بتحذير :
- إوعى تفتكر إنك بكلامك ده هتخوفنى .. ﻷ .. أنا أقدر أقوله كل اللى إنت قولته ده ولا يهمنى .. حتى لو هتبقى النتيجة إنى آخد بنتى و أرجع شقتى تانى لوحدى .
تخلت عينى سامر عن الهزل و طالعها بشفقة ثم قال بندم :
- آسف لو قولت حاجة زعلتك منى .. بس أنا هموت عليكى يا علا ما سبتش حد السنين اللى فاتت غير و سألته عنك .. كنت بستنى سيرتك تيجى فى كلام جاسم علشان أطمن عليكى .. ريحى قلبى بقا .. زعقيلى و إضربينى لو عاوزة بس إرجعيلى أنا تعبت .

كانت علا تذوب مع صوته و نظرات العشق بعينيه .. و لكنها قالت ببرود :
- خلصت كلامك .. مع السلامة .
و فتحت باب السيارة لتصعدها ولكنه أغلقه وقال بغضب :
- إنتى إيه .. لوح تلج مش حاسة بالنار اللى جوايا .. بقولك هموت عليكى و نفسى تبقى ليا .
تعلم جيدا أنها لو إستمرت فى وقفتها معه ستنهار بسهولة أمامه وتعلن إستسلامها له ..و تعترف له بأنها تريده أكثر منه .. و تشتاق إليه كل ثانية تقضيها بدونه و لكن كبريائها و عزة نفسها تمنعها من الضعف أمامه بعدما تركها فى الماضى لصديقه بمنتهى اليسر لمجرد أنه لا ينوى خسارته .. ومع تدفق الذكريات المؤلمة أمامها عادت لقوتها و قالت بسخرية قاتلة :
- كلامك بقى مستفز بشكل .. أنا مش عاوزاك إفهم ده كويس .. بعد طارق مش هحب حد لأنى معاه عرفت الحب اللى بجد .. كان حبيبى و أبو بنتى و جوزى .. فاهم يعنى إيه جوزى .. و بعده مفيش حد هيدخل حياتى .
إبتسم بسخرية فهو يعلمها أكثر من نفسها ويرى تأثيره عليها بسهولة رغم تلك القشرة الصلبة التى تظهرها له .. فدنا منها و قال بثقة :
- ولا يفرق معايا بنص جنيه من قرطاس كلامك الفارغ ده .. إنتى متأكده إن قلبك ما دقش غير ليا و بس ممكن تكونى إديتى لطارق كل حاجة .. بس قلبك ليا أنا و أنا متأكد من اللى بقوله .
ضحكت ضحكة عالية ساخرة تدارى بها أنه صادق بكل حرف قاله .. بعد لحظات تمالكت وقالت من بين ضحكاتها :
- تصدق بالله أوقات بتصعب عليا .
تنهد سامر مطولا و قال و هو يتطلع إليها بهيام و ألم :
- إحساسى معاكى مخلينى متأكد إنى جوة فى قلبك و عنيكى ما بتقدرش تكدب عليا .. ورغم كده أنا هعملك اللى إنتى عاوزاه و هبعد عنك و هسمع كلام أمى و هلاقى بنت الحلال اللى تبقى مراتى و تدينى اللى محتاجه منك .. بس رغم كده قلبى هيفضل معاكى إنتى .
إرتفع حاجبيها بذعر وهى تستمع لكلماته المؤلمة .. حتى أردف قائلا :
- حبك هو الهوا اللى بتنفسه .. حبك بيطمنى و بيخلينى حاسس إنى عايش و بتنفس .. بس برضه مش هذل نفسى ليكى أكتر من كده .

ثم رفع كفه و مرر أنامله بالهواء على صفحة وجهها كأنه يرسم ملامحها داخل قلبه فى حركة قديمة بينهما ليشعر كأنه يتلمسها .. زادت دقات قلبها وهى تراقب حركته القديمة .. فهوى قلبها تحت قدميها .. وعينيها تتبعه حتى إنطلق بسيارته بهدوء تاركا خلفه علا فى أضعف حالتها .. صعدت سيارتها و قادتها مسرعة و هى لا تشعر بشئ حولها .......

ظلت كلماته تدور برأسها .. سيتزوج .. سيصبح ملك إمرأة غيرها .. ستعيش كل ما مر به أثناء زواجها .. هل جاء الوقت لتذوق ولو قليلا مما أذاقته له بسبب عندها و تكبرها .. و لأول مرة تسأل نفسها لماذا وافقت على الزواج من طارق .. لم تجد إجابة سوى للإنتقام من سامر و التشفى بعذابه .......

عليها منذ الآن التحلى بالصبر و القوة .. لأنه ببساطة سيتزوج .. قلبها يلومها على إستمرارها بعندها و إنتقامها الواهى الذى آذاها و عذبها أكثر من عذابه هو .. فهى من رميت نفسها فى نار زواج من شخص لا تحبه .. بل و يجب عليها أن تبادله حبه و تعطيه من مشاعرها و حياتها و جسدها أيضا .. رغم بقاء قلبها على عهده القديم لحبيبه الوحيد .. كانت تنمزق كلما ذكره طارق أمامها .. و كلما قص عليها أنه على بداية علاقة مع فتاة جديدة .. ثم يخبرها أنه تركها لتعود لفرحتها أنه لن يكون لغيرها .. و ها هو الآن يستسلم مثلها و يقرر أن يرمى نفسه بالنار مثلما فعلت هى .....

كففت دموعها التى إنسابت على وجنتيها و هى تصف سيارتها أمام روضة إبنتها ريتال .. و ترجلت منها و دلفت للداخل لتجد ريتال جالسة بمفردها تضع يدها أسفل وجنتها بملل .. فإقتربت منها و قالت بحنان :
- حبيبة ماما زعلانة منها علشان إتأخرت عليها صح .
رفعت ريتال وجهها ناحية علا بغضب و قالت بعصبية :
- الولاد كلهم روحوا و أنا ﻷ .. حتى ميس روضة مس موجودة و أنا زهقت .
حملتها علا و ضمتها لصدرها و قالت بأسف :
- أنا آسفة وهحاول بعد كده أجى بدرى أخدك .. خلاص متصالحين .
ضمتها ريتال إليها و قبلتها و قالت بمشاغبة :
- خلاص متصالحين .. بس هنتغدى عند ماك .. ok .
أومأت علا برأسها وقالت بموافقة على طلبها :
- تحت أمرك يا أميرتى و كمان هنشترى لعبة جديدة .
صفقت ريتال بيديها وقالت بفرحة :
- حبيبتى يا مامتى .. أنا بحبك قوى .
قبلتها علا مجددا و هى تتأمل ملامحها التى تذكرها بطارق دائما .. فقد ترك لها قطعة مصغرة منه لتظل تتذكره و تتذكر حنانه وحبه لها .. و لكنها نفضت تلك الأفكار من رأسها و وضعت ريتال بالمقعد المجاور لها بالسيارة و وضعت لها حزام الآمان .. و أغلقت الباب و إلتفت حول السيارة و ركبت خلف المقود وهى تبتسم بوجه صغيرتها المبتسمة إليها ببرائه .. فلتنسى سامر و طارق و نفسها لو قضى الأمر من أجل تلك الصغيرة والتى هى أغلى ما تملك بالحياة .

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent