رواية وعد بلا رحمة الفصل الخامس 5 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الخامس بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الخامس

 ساد صمت طويل وهو يتطلع إليها بنظرات أسد يصارع الموت من كلماتها التى دبحته دون شفقة أو شعور .. ولكنه أغلق عينيه قليلا كأنه يحميها من تهوره الذى كاد أن يفتك بها وهى تخبره بكل وقاحة بعشقها لغيره وهو الذى بقى على حبها كل سنواته الماضية .. فتح عينيه وقد ظهر بهما شر العالم كله وهو يصرخ بغضب أعمى :
إزاى .. إنتى كذابة إنتى لسه بتحبينى .. رعشة إيدك قالتلى .. عنيكى قالتلى .. حتى شفايفك اللى كل شوية تبليهم بلسانك من توترك وضعفك قدامى قالولى .. دقات قلبك اللى صوتها واصل لودانى قالولى .
لم ترد عليه وهى تتابع مظاهر غضبه المجنون على وجهه وهو يتابع بنبرة ذبيحة :
واللى يحب مرة .. ما يقدرش يحب تانى .
إبتسمت علا إبتسامة خافتة على زاوية فمها وردت عليه ساخرة :
والكلام الأهبل ده بتقنع بيه نفسك مش كده .. علشان ما تحتقرهاش زى ما أنا إحتقرتك زمان .. طارق ده ضفره برقبتك .. سامع .. ضفره برقبتك هو إشترانى وعمل المستحيل علشان يسعدنى .. لكن إنت بعتنى وبعتنى بالرخيص كمان .. وجاى دلوقتى تدينى درس فى الحب .. ده إنت بجح يا أخى .
صك أسنانه بقوة و ما أن فتح فمه لينهال عليها به حتى إنتبها على طرقات بباب المكتب .. فنفضت علا ذراعها من بين قبضته التى سحقته .. ثم صاحت قائلة :
إدخل .
دخل العامل يحمل القهوة .. وضعها على الطاولة الصغيرة أمام مكتبها وإنصرف .. ما أن خرج حتى مال عليها سامر مرة أخرى وقال و قد تطاير الشرر من عينيه بقوة :
أنا بعتك بالرخيص .. كنتى عاوزانى أعمل إيه وأنا شايف صاحبى وأخويا بيتقدملك .. كنت هعمل إيه ما قدرتش أءذيه .. كنت هقوله إزاى إنى بحبك وإنك بتحبينى .. أجرحه إزاى بالشكل ده .
إبتسمت بسخرية وقالت بنبرة متألمة لدرجة لم يسمعها منها من قبل :
تخسره هو ﻷ .. تخسرنى أنا آه ..... تجرحه هو ﻷ .. تجرحنى أنا آه .. تأذيه هو لأ ..تأذينى أنا آه .. إنت إيه يا أخى .. إيه اللى رجعك لحياتى تانى .. إبعد عنى ومش عاوزة أشوفك .
زم سامر شفتيه للأمام وإستقام واقفا .. وتمشى قليلا ثم عاد بعينيه إليها وقال بهدوء مستفز :
أنا الشيطان اللى غدرت وبعت .. لكن إنتى ملاك .. تصدقى صعبتى عليا والله نفسى أصقفلك .
إقترب منها وعلى شفتيه إبتسامة شجن و إستند بظهره على مكتبها و سألها بحزن :
ليه ما قولتيش ﻷ .. ليه ما وفرتيش علينا تعب السنين اللى فاتت دى كلها وقولتى ﻷ .. ليه وافقتى كأنك كنتى بتنتقمى منى .. ليه دايما كنتى بتطلبى منه إنى أنا اللى أزفكم .. و أنا اللى أحجزلكم شهر العسل .. و أنا اللى أكون شاهد على كتب كتابكم .. ليه ما صعبتش عليكى .. بالله عليكى ردى عليا عملتى فيا كده ليه .. ليه .
لم تشعر بتلك الدموع التى إنسابت على وجنتيها تحرقهما .. لكنها كففتهم بقوة وقالت بحدة :
لو سمحت سبنى فى حالى وإبعد عنى .. حتى بنتى إبعد عنها مش عاوزاها تتعلق بيك وتسيبها فى الآخر .. إخرج من حياتنا أنا عمرى ما كنت ولا هكون ليك .
إكتسى وجهه بحمرة رجولية منفعلة .. و هدر بها بصوت عالى أربكها :
بصى بقى ومن الآخر كده .. إنتى بتاعتى سوء بإرادتك أو غصب عنك .. والغلطة اللى غلطتها زمان مش هغلطها تانى .. لازم تعرفى إنى بحبك وعمر قلبى ما دق لغيرك ولا عنيا شافت غيرك .. وهتبقى ليا صدقينى .. خليكى فاكرة كلامى ده كويس قوى .
ثم حدجها بقوة وغضب .. وإنصرف مسرعا صافعاً الباب خلفه بقوة .. لتنهار بعدها باكية .. تطلعت لصورة طارق بدموعها وقالت برجاء :
سبتنى ليه .. أنا محتجاك دلوقتى قوى .. محتاجة أترمى فى حضنك وحشتنى وحشتنى قوى .

..............................................................................................................
......................

خرجت وعد من مكتب الأستاذ عبد الصمد تستعد للرحيل .. ثم وقفت بتثاقل أمام المصعد و هي تطالعه برهاب شديد و إبتعدت بعيناها قليل و هي تتطلع للأسفل للدرج.... بينما كان هو الاخر ينتظرها لأنه خشى أن تتعرض لنوبة الرهاب مرة أخرى .. ما أن وقف المصعد حتى وقف خلفها لمحته بطرف عينها و فتحت الباب ودلفت وهى تخفى رعبها .. وقف جاسم بجوارها وقال بنبرة هادئة :
ما تقلقيش من حاجة أنا معاكى .. تمام .
أومأت وعد برأسها متفهمة .. فأغلق المصعد وضغط زر الهبوط .. لثوانى إختفت أنفاسها كالعادة لكنه سألها مسرعا :
عملتى إيه مع أستاذ عبد الصمد .
ردت عليه بصوت متحشرج :
فهمنى حاجات كتير .
تابع حديثه معها ليخرجها من حالة الذعر التى إنتابتها قائلا بهدوء :
على فكرة مرتبك هيبقى أربع ألاف جنيه .
أومأت برأسها ثانية وإبتسمت إبتسامة خافتة وقالت بإمتنان :
متشكرة يا فندم .. إن شاء الله أبقى عند حسن ظن حضرتك .
بادلها إبتسامتها وقال وهو يشعر برعبها يقتله :
هاتيجى بكرة الساعة تمانية بالظبط مفهوم .. أى تأخير مش هسمح بيه .
صكت أسنانها برعب و هي تقول مغمضة عيناها:
حاضر .
وقف المصعد .. فقالت براحة وإطمئنان وهى تتنفس الصعداء :
الحمد لله .
دفعت الباب بيدها وخرجت تتنفس مطولا .. ثم إلتفتت لجاسم وأهدته أجمل إبتسامة قد رآها بحياته وقالت :
بعد إذن حضرتك .
تنهد مطولا وهو يتابع تلك اللوحة التى أمامه ببهائها و رقتها .. ثم قال بخفوت :
مع السلامة .
سارت بإتجاه الدرج المؤدى للطريق .. حتى وجدها تشير بيدها لشخص ما .. إنتابه الذهول والضيق وهى تقترب منه وهو يقابلها بنظرات حب وشوق .. فقال جاسم بضيق :
مين ده كمان .. مش كفاية مالك .
وقفت وعد بفرحة أمام عمرو وهى تقص عليه ما مرت به خلال يومها الأول بعملها .. لاحظ عمرو وقفة جاسم المتفحصة لهما .. فطالت نظراتهم حتى إلتفتت وعد لترى ما شغل عمرو عنها لتجده يطالع جاسم بتعجب متبادل .. فقالت مسرعة :
ده مستر جاسم صاحب الشركة يا عمرو .
إقترب جاسم منهم بعدما وصلت لمسامعه أنها ذكرته .. فإبتسم إليه عمرو ومد يده ليصافحه قائلا بود :
أهلا وسهلا يافندم .
صافحه جاسم وهو مازال محتفظ بوجهه المتعجب من وقفتهم سويا بأريحية كبيرة .. ثم قال ببرود :
أهلا بيك .
لاحظ عمرو نظرات الحدة والتعجب ونظراته الموزعة بينه وبين وعد فقال معرفا بنفسه :
أنا عمرو القاضى أخو وعد .
إبتسم جاسم براحة وشدد قبضته على كف عمرو وقال براحة :
أهلا وسهلا يا أستاذ عمرو .. بسمع عنك من مالك وسامر حضرتك موظف فى المينا صح .
أومأ عمرو برأسه مؤيدا وقال :
أيوة يا فندم .. أنا بتعامل مع الأستاذ سامر أكتر فى الشغل بس مالك أكتر من أخويا .
تطلع عمرو بوعد ثم سأل جاسم بفضول :
يا ترى وعد إتقبلت فى الشغل .
تطلع جاسم لوعد مطولا ثم قال بسخرية :
يا ريت هى تقبلنا معاها فى الشركة .. دى هتبقى أهم فرد فى التيم بتاعى أنا متأكد .
إبتسمت وعد بفخر و عمرو يحتضن كفها بين كفه يبثها فرحته بها .. ثم قال بإبتسامته الهادئة :
إن شاء الله يا باشمهندس جاسم .. وفرصة سعيدة إنى قابلت حضرتك .
بادله جاسم إبتسامته و هو يرمقها مسرعاً:
أنا أسعد يا عمرو .. ويا ريت دى ما تكونش آخر مرة .. بعد إذنكم .
إرتدى جاسم نظارته الشمسية .. وإنطلق نحو سيارته الحمراء ذات السقف المفتوح .. وإنطلق بها مسرعا تطلعت وعد للسيارة ومصمصت شفتيها بإعجاب وقالت :
شوفت العربية يا عمرو تجنن .
فتح عمرو باب السيارة وقال وهو يصعدها :
لو جاسم رحال ما ركبش العربية دى مين اللى هيركبها .. إركبى يالا يا قمر .
صعدت السيارة و قالت وهى تطير من الفرحة :
مرتبى أربع ألاف يا عمرو .. أنا فرحانة قوى .
أدار عمرو سيارته وإنطلق بها وهو يقول بإبتسامته :
ما شاء الله .. ربنا يباركلك فيهم .. الواحد مش عارف يشكر مالك إزاى .
تنهدت وعد مطولا سببها إسم مالك و فكرت بفكرة سريعة .. ثم قالت برجاء :
عمورة ممكن أطلب منك طلب .
قرصها بوجنتها وقال مداعبا :
إنتى تؤمرى يا عمرى .
فقالت بخجل على إثره إحمرت وجنتيها بشدة وفركت أصابعها توترا :
كنت عاوزة أجيب لمالك هدية بسيطة أشكره بيها لو سمحت .
أومأ عمرو برأسه وقال مؤيدا :
عندك حق .. يالا بينا لمحل يجنن إختارى اللى إنتى عيزاه .
ردت بإمتنان وفرحة :
ربنا يخليك ليا يا حبيبى .
توجها سويا لمحل هدايا إبتاعت منه وعد ميدالية فضية بسيطة مكتوب عليها { الله خير حافظ } أعجب بها عمرو كثيرا و خرجا سويا متوجهين لمنزلهم .. صف عمرو سيارته و صعدا الدرج سويا .. ثم طرقا باب شقة سراج والد مالك .. فأتاهم صوت روان قائلة :
مين .
إبتسم عمرو بشدة وقال متنهدا بشوق :
أنا عمرو يا روان .
فتحت له الباب بإبتسامتها الرقيقة التى تفقده الصبر على تلك الأيام التى تفصلهما عن تحقيق حلمهما .. لم يشعر بنفسه وهو يتأملها بلهفة وهى تبادله نظراته المتلهفة بخجل يزيدها جمالا .. زمت وعد شفتيها بملل وقالت ساخرة :
جرى إيه يا جماعة هو أنا رجل كنبة واقفة .
تنحنحت روان بخحل وقالت وهى تشير بذراعها مبتعدة عن باب الشقة :
آسفة .. إتفضلوا إدخلوا .

دلفا إلى شقة سراج الذى إستقبلهم بفرحة وهو يداعب وعد كعادته .. فقالت آمال قاطعة حالة المزاح السائدة بأى مكان تكون به وعد :
نكمل هزارنا وكلامنا على السفرة لو سمحتم .
أخرج عمرو من حقيبته التى يحملها بعض دعوات لزفافهم .. وأعطاهم لروان قائلا بفرحة :
دى دعوات فرحنا يا روان .. إختارى واحدة منهم .
فقالت آمال بفرحة :
ما شاء الله .. إنت حجزت للفرح يا عمرو .
أومأ عمرو برأسه وقال :
أيوة يا طنط كمان شهر إن شاء الله .
خرج مالك من غرفته بعدما إغتسل وبدل ملابس عمله و قال بتعجب :
فى إيه يا جماعة .
أعطته روان الدعوات بفرحة وقالت بإبتسامتها التى تأخذ عقل عمرو معها :
شوف يا مالك عمرو حجز للفرح ودى الدعوات هختار منها واحدة .
قبل مالك مقدمة رأسها وقال بضيق :
خلاص يا رونى عمرو هياخدك منى .
وضعت رأسها على صدره وقالت :
ده اللى هيبعدنى عنك دور واحد بس .. يعنى هنشوف بعض كل يوم .
ضمها إليه وقال بفرحة :
مبروك يا حبيبة قلبى .. ربنا يهنيكم ويسعدكم .. إنتى هتتجوزى راجل بكل معنى الكلمة .
إبتسم عمرو بتقدير وقال شاكرا :
حبيبى يا مالوك .. عقبالك إن شاء الله .
إتجهت نظرات مالك لتلك التى إنهمرت دموعها بهدوء وهى تتابع حوارهم بتأثر .. وقد إعترف بحبها لنفسه دون تردد أو تفكير وقال :
إن شاء الله .

لاحظت وعد نظرات مالك إليها والتى تخبرها بشئ أصبحت تتمنى تصديقه .. حتى رأته يتقدم منها ببطئ فهد متريث يرمق فريسته بشغف .. لاحظت إنشغال الجميع بدعوات زفاف عمرو و روان .. فوقف مالك أمامها وقال وهو يتأملها بحب :
عقبالك يا وعد .
أطرقت رأسها بخجل و هزت رأسها قائلة :
شكرا .
ثم مدت يدها نحوه و قالت بخجل شديد :
إتفضل .
تطلع مالك للهدية التى تحملها بيدها و سألها بفضول :
دى ليا أنا .
أومأت وعد برأسها وقالت وهى ما زالت مطرقة رأسها بخجل :
أيوة .. دى حاجة بسيطة أقولك بيها شكرا على الشغل يا رب تعجبك .
أخذها منها بإبتسامته الساحرة وقال بفرحة :
- متشكر جدا .. بس ليه تعبتى نفسك .
- ما فيش تعب ولا حاجة .
فتحها مالك بشغف وفضول حتى رأى تلك الميدالية الجميلة فرفع رأسه لوعد وقال هامسا :
دى أغلى وأحلى هدية حد هداني بيها فى حياتى ....... لأنها منك إنتى يا وعد .
رفعت عينيها نحوه .. لترى نظرات العشق أصبحت واضحة وضوح الشمس بعينيه .. فقالت مسرعة وهى تبتلع ريقها بتوتر :
أنا هطلع بقى .. السلام عليكم .
ولم تعطى لأحد فرصة لإيقافها وخرجت مسرعة تهرب من نظراته التى أصبحت تشعرها بأنها لم تخلق سوى لتراها عينيه كما يراها الآن .. أغلقت ورائها الباب تحتمى به من شعورها اللذيذ الذى أصبح يمتلكها .. ثم صعدت الدرج مسرعة لشقتهم ........
تنهد مالك مطولا وهو يحمل بين يديه هديتها الجميلة مثلها .. ثم حمل مفاتيحه ووضعها بتلك الميدالية الجديدة لتصبح معه طول الوقت تذكره بها .. ولو أنه لا يحتاج لشئ يذكره لأنها دائما معه .. سأله عمرو بفضول :
عجبتك الميدالية يا مالك .
رد عليه بفرحة غريبة :
عجبتنى قوى .. بجد تجنن .

وإحتضنها بكفه و هو يمنى نفسه بالحصول على صاحبتها .. لابد أن يفكر جديدا بفكرة الإرتباط بوعد قبل أن يسبقه غيره إليها .. فهى أصبحت ملكه من اليوم وصاعدا .. متسائلا كيف تسللت لروحه بتلك السرعة .. هو موقن أنها كانت له منذ البداية ولكن كل تأخيرة وفيها خيرة .. فلينتظر للوقت المناسب للتأكد من مشاعرها ليعترف لها بحبه
جلست علا على فراشها تتذكر كلمات سامر المؤلمة والتى نبشت بجروح ظنت أنها طابت لكنها إكتشفت أنها مازالت تنزف وبقوة .. وقفت وتوجهت لخزانتها .. وأخرجت منها صندوق صغير .. حملته ووضعته على فراشها ثم فتحت قفله الصغير .. وأخرجت منه تلك الرسائل الخفية والتى تحتفظ بها لماضى لطالما أسعدها .. تذكرت كلماته الناعمة و المثيرة مثله وهو يعترف لها بحبه .. حتى زياراته الخاطفة لها بجامعتها .. و إتصالاتهم الهاتفية ليلا فى الخفاء خوفا من توتر علاقته بصديقه وأخوها جاسم .....
مررت أناملها على تلك الرسائل بشوق لأيام كانت دائما حائل بينها وبين زوجها .. فهى تعلم أن طارق قد بذل جهدا كبيرا لإستمالة مشاعرها نحوه بكل الطرق .. وكم كانت تقدر تلك الروح المثابرة بداخله .. بل وبادلته حبه بحب أكبر وهو التقدير والعشرة .. صحيح لم تحبه ذلك الحب الذى ملأ قلبها وإكتفى به لسامر .. إلا أنها إستسلمت لطارق فى كل شئ .. وإن عاد بها الزمن مرة أخرى لأعطته أكثر لأنه أكتر شخص منحها دفئا و سعادة .....
لم تفتح أى من تلك الرسائل .. بل أعادتها لذلك الصندوق تدفنها به كما دفنت مشاعرها من قبل .. أعادت الصندوق مكانه ولامت نفسها كيف لها نسيان طارق بتلك السرعة والعودة لمشاعر مجنونة لم تعطها سوى الألم .. مجرد نظرة داخل عينيه الخضراء لتنهار كل مقاومتها بتلك السهولة .. فقط الإستماع لصوته الرجولى الساحر لتتلذذ أذنها بهذا الشكل المنفر .. تريد الآن عقاب نفسها وبشدة .. ليعود قلبها ويسألها بسذاجة تقتلها هل ستراه مجددا .. إجتذبت شعراتها بقوة كادت أن تقتلعها من جذورها من قوتها .. كأنها تصرخ بداخلها لا تقوى على المواجهة .. مواجهة نفسها .. يا الله مجرد دقائق قلبت حياتها رأسا على عقب .. وتهديده لها بأنها ملكه ماذا كان يقصد ........

إنتبهت على طرقات ناعمة على باب غرفتها .. فإبتسمت شفتيها براحة وقالت :
إدخل .
فتحت ريتال باب غرفتها و ركضت نحوها و ضمتها بقوة قائلة :
وحستينى يا مامى .
ضمتها علا بقوة و غاصت بأنفها بشعراتها الطويلة تشتمها بحب .. ثم قالت بتنهيدة طويلة :
إنتى وحشتينى أكتر يا قلب مامى .. قوليلى عملتى إيه النهاردة فى الكى جى .
جلست ريتال بجوارها وقالت بإمتعاض :
كويسة .. بس أصحابى بيتريقوا عليا علسان مس بعرف أتكلم زيهم .
شهقت علا وهى تتصنع الغضب .. ثم قالت بحدة مداعبة :
يا نهار أبيض .. إزاى الولاد دول يتريقوا على حبيبة مامى .. لأ لأ بكرة هاجى الكى جى و أتكلم معاهم .
إبتسمت ريتال وقالت وهى تهز ساقيها بطفولة لذيذة :
بس ميس روضة كلمتهم وقالت لهم إن كده حرام .. وهما صالحونى وجابولى بونبون .
قبلتها علا بقوة فى وجنتها و قالت بإمتنان :
برافو عليها الميس روضة .. إنتى لازم بكرة تقوليلها شكرا .
أومأت ريتال برأسها وقالت بهدوء :
حاضر يا مامى .. هقوم أعمل الهوم وورك بتاعى .. سلام .

تركتها ريتال لتعود لأشجانها مرة أخرى .. لتعود لتلك العيون الزيتونية و تلك الذقن الذهبية التى زادته بهائا وسحرا .. لم تنتبه لجاسم الذى جلس بجوارها وهو يتأمل شرودها بتعجب .. ثم قال بخفوت هادئ ورغم ذلك أفزعها وهو يعيدها لأرض الواقع مرة أخرى :
مالك يا علا .. سرحانة فى إيه كده .
إبتسمت إليه بهدوء وقالت برقة :
مافيش بس بفكر فى الشغل شوية .. قولى بقى ليه ما جيتش الشركة تشوف التصميمات بنفسك .
تنهد جاسم مطولا و مال على فراشها متمددا .. ثم قال بصوت ضائع :
هموت يا علا .
عقدت حاجبيها بتعحب وقالت مسرعة :
بعد الشر عنك يا جاسم .. فى إيه مالك .
وضع يده تحت رأسه وقال وهو يتطلع لسقف الغرفة بشرود :
حتت بنت تقول للقمر قوم أقف وإنت بتكلمنى .
كورت قبضتها و ضربته فى صدره بضيق وقالت لائمة :
حرام عليك يا أخى .. والله خفت .
تأوه قائلا وهو يمسد صدره من قوة ضربتها :
آآآه .. حرام عليكى يا بنتى .. أصل إنتى مش فاهمة حاجة .. الموضوع معقد جدا .
مطت علا شفتيها بتبرم وقالت :
مش هتبطل جرى ورى البنات .. إتقى ربنا بقى يا أخى .
تجهم وجهه وهو يسمعها ثم قال بحدة :
إخرسى خالص وإسمعينى للآخر فاهمة .
أومأت علا برأسها وهى تتابع غضبه وتعلم أن السكوت الآن أفضل بكثير .. فتابع شروده وقال بهمس :
المشكلة إنى حلمت بالبنت دى من وصفها واللى وصفها ليا حبيبها .. وأنا اللى نبهته إنه بيحبها .. لأ وجابها تشتغل معانا كمان .. كان نفسى تطلع مش قد الشغل بس للأسف تستحق إنها تشتغل معانا .. بتجنن لما بشوفها ﻷ والنهاردة أول يوم أشوفها وعامل كده .. أمال لما يعدى فترة هتبقى حالتى إيه بس .
صمتت لبرهة تفكر مليا بما قاله .. ثم سألته بفضول قائلة :
مين ده اللى بيحبها .
فرك ثغره بحركة ثابتة و قال بضيق :
ما هى دى المصيبة يا علا .. تخيلى مين .. مالك .
شهقت علا بصوت عالى وقد عادت إليها ذكرياتها القديمة مع سامر وطارق وقالت بتشنج كبير :
إبعد عنها يا جاسم .. مالك ده أكتر من أخوك إوعى تخسره وتاخد حاجة مش حقك .. صدقنى إنت أكتر واحد هتندم .
أخذ نفسا طويلا وزفره مرة واحدة وهو يجيبها بصوت متعب ومتألم :
عارف إن عندك حق .. بس دى بنت عمرى ما شوفت زيها فى حياتى .. تخيلى ما سلمتش عليا وقالتلى إنه حرام .. ورفضت تقفل باب المكتب وإحنا لواحدنا .. ده غير لبسها المحترم .. وذكية و عندها كرامة وكبرياء ولسان أطول منها رغم إنها لما تشوفيها تقولى دى عيلة صغيرة .
صرخت به علا بغضب وقالت وهى تحذره بقوة :
بس ... إخرس خالص لازم توقف كلام وتفكير فى الموضوع ده إنت فاهم .. هى مش ليك ومش من حقك تفكر مجرد تفكير فيها .. إنت بتخون صاحب عمرك كده .

أغمض جاسم عينيه بإرهاق .. وتنهد مطولا ثم وقف وخرج بهدوء دون أن ينطق بأى حرف .. توجه لباب الشقة وخرج مسرعا .. علا معها حق إنه يخون أكثر صديق مقرب منه .. والأصعب أنها فعلا ليست من حقه فالواضح من عينيها أنها تكن مشاعر لمالك .. سأل نفسه بهدوء هل يقوى على التنازل وتركها إليه أم أنه يستحقها أكثر .. سيتركها للأيام ويرى ما ستأول إليه .

..................................................................................................................
.........................

إجتمع الجميع على سطح البناية كعادتهم .. تفاوت حديثهم مابين الإعداد لزفاف عمرو وروان و الذهاب للمصيف والتحضير لعيد ميلاد وعد .. لكن وعد نفسها تلكأت للصعود حتى تبتعد عن مالك ولو قليلا فمشاعرها نحوه تتطور بسرعة تقلقها .. بينما كانت روضة شاردة تفكر فى ذلك الذئب الكامن وسط أطفال هم أمانة برقبتها ..........

ربت سراج على قدم عمرو وسأله بقلق :
بس إنت مش شايف إن شهر قليل يا عمرو .. ده غير إسبوع المصيف .. هتلحق تخلص اللى وراك إمتى يا إبنى .
إبتسم عمرو بثقة وقال :
ما تقلقش يا عمى .. الموبليا هاتيجى الإسبوع اللى هنكون فيه فى المصيف .. ولما نرجع مش هيبقى قدامنا غير الفرش وده مش هياخد وقت كبير .
أردف سراج قائلا :
طب والمصاريف مش هتبقى كتير عليك يا عمرو .
إعتدل عمرو فى جلسته وقال بإبتسامة متزنة :
ﻷ الحمد لله كله تمام وأنا عامل حساب كل حاجة .. حتى فلوس الفستان والكوافير ولوازم روان عاملها جمعية كبيرة وهقبضها الإسبوع ده إن شاء الله .. و ينزلوا البنات يحجزوا كل حاجة .
مالت آمال على عمرو وقالت بحرج :
يا حبيبى إحنا أهل لو محتاج فلوس شبكتك موجودة تقدر ..... .
قاطعها عمرو قائلا بحدة ناهيا للحديث :
شبكة إيه بس يا طنط .. دى هديتى لروان وعمرى ما هحرمها منها إن شاء الله .. عاوزكم تطمنوا أنا عامل حساب كل حاجة .
فسأله سراج بخوف من إجابته :
عرفت باباك ومامتك يا عمرو .
تنهد عمرو بأسى وقال مستجمعا قوته :
أيوة كلمتهم وهينزلوا قريب .. وهيكلمونا كمان شوية .. بس ربنا يستر من وعد بقى .. نفسى ربنا يهديها من ناحيتهم .
إبتسمت جدته بسخرية وقالت بضيق :
كتر خيرهم إنهم هيحضروا الفرح .. إنما إنت عامل إيه ومحتاج إيه مش مهم .. تصدق بالله وعد معاها حق .
أنهى عمرو هذا الحديث المؤلم وهو يتصنع الإبتسام قائلا :
المهم إننا هنفرح كلنا .. مش عاوزين حاجة تخرجنا بره مود الفرح .
ربت مالك على ظهره وقال بود :
ربنا يهنيكم يا عمرو .. عاوزين ننزل نشترى بدلنا إحنا كمان مش البنات يتشيكوا وإحنا ﻷ .
إبتسمت روضة بشدة وقالت مداعبة :
أهه لبسنا كلنا كوم .. حتى فستان العروسة .. إنما فستان وعد ده هيبقى كوم لوحده دى هتلففنا محافظات مصر كلها أنا عارفاها .
ضحك الجميع فسأل مالك عليها قائلا بشوق مخفى :
صحيح هى فين .
ردت روضة وهى تقف وتتجه لسور السطح :
دلوقتى تطلع .
لاحظ مالك حالتها المتغيرة وشرودها المتكرر فإنتابه القلق حيالها .. إتجه إليها ووقف بجوارها ساندا بذراعيه على السور وقال متعجبا :
إنتى كويسة يا روضة .
أغلقت عينيها للحظات مستمتعة بإسمها من بين شفتيه .. وقلبها قد عصاها للمرة المليون وهو ينبض بعنف .. هو سؤال واحد ملح من عقلها لهذا القلب الضعيف .. متى سيراك متحجر القلب الذى تعشقه بكل كيانك .. إلا أن الجواب سأعشقه حتى لو لم يعشقنى هو ....
أردف مالك قائلا بتعجب أكبر مصاحب بفضول :
ياااااه ... للدرجة دى .. ده الموضوع باينه كبير قوى .
تنهدت روضة مطولا و هى تتأمل النجوم اللامعة بسمائها الصافية .. لطالما كانت تشبه مالك بنجمة بعيدة منيرة يكفى أن تستمتع برؤيتها من بعيد .. حتى تمنت أن تصبح لها وملك يديها تنير حياتها .. وطالما ناجت ربها وطلبت منه أن يجعله من نصيبها ...
فسألها مالك بقلق هذه المرة :
روضة إنتى إيه اللى مخليكى سرحانة كده .. لو حاجة خاصة أنا هفهم وهسكت ....... .
قاطعته روضة مسرعة وقالت :
ﻷ بالعكس أنا محتاجة أتكلم مع حد .
حثها على المتابعة وقال برقته التى تذيب عظامها قبل أعصابها :
طب إتكلمى وأنا هسمعك وهقولك رأيى بصراحة زى ما إتعودنا .
إيتسمت بهدوء و تنهدت مطولا ثم قصت عليه شكوكها بأمر زميلها مصطفى و تلك الحملة التى شنتها ضده بهدوء و توعية الأطفال لحمايتهم .. ومراقبتها له أغلب الوقت .. حتى قال مالك بضيق :
إزاى تسمحوا لحيوان زى ده يبقى قريب من الولاد أصلا .
وضعت روضة كفها أسفل وجنتها مستندة على السور وقالت بضيق :
مافيش فى إيدى غير اللى عملته .. وما أقدرش أحكى لحد على اللى بيعمله غير لما يكون معايا دليل .
حدجها مالك بنظرات غاضبة آثارت رعبها وهو يقول بحدة :
الواد ده إطاول عليكى قبل كده .
شهقت روضة شهقة خفيفة بداخلها وقالت بنفسها :
يسلملى اللى خايف عليا يا رب .
ثم إبتلعت ريقها بتوتر وعدلت من نقابها وهى تقول بجدية قاطعة :
ولا يقدر .
لكنه لم يتخلى عن نظراته الغاضبة وهو يقول عابسا وقد إحمر وجهه بشدة :
لو زودها عرفينى وأنا هعرف أتصرف مع الحيوان ده .. و ديني همسح تصنيف دكر من بطاقته.
أومأت روضة برأسها وهى تعود بعينيها للسماء .. ربما تلك النجوم ليست بعيدة كما نظن .. فخوفه عليها ربما تكون غيرة .. ربما ولما لا .
صعدت الزوبعة الصغيرة بشغبها المعتاد لتلفت جميع الأنظار إليها بصوتها الناعم الموسيقى مثلها و هى تقول بصوت عالى :
متجمعين عند النبى .
إلتفت إليها الجميع بإبتسامة شقية مثلها بينما تجاهلت هى تلك العينين التى تخترق جلدها من حدتها وقوتها وإقتربت من سراج وهى تقول بدلال :
جهزت كل حاجة للمصيف يا سروجتى .
إتسعت إبتسامة مالك على دلالها المثير والذى يمنى نفسه بتذوقه .. حتى رد عليها سراج وهو يداعب وجنتيها الوردية دائما و التى تدعوك لقضمها :
كله تمام يا قلب سرجوتك .
إمتعض وجه روان وزمت شفتيها بإشمئزاز وقالت بغضب :
يع ... بجد علاقة مقززة .
إشتعلت عينى وعد وقالت محذرة :
إتقى شرى يا خطافة الرجالة إنتى .
صكت روان أسنانها بغضب وقبضت كفها تكافح أن تطالها وتنزع شعرات رأسها شعرة شعرة بيديها وقالت بعصبية غير مبالية بمن حولهما :
فى مرة هقصلك لسانك ده حتت صغيرة وهرميه لكلاب السكك .
ضحكت وعد ضحكة عالية وقالت برقة لإستمالة مشاعر عمرو و إغاظة روان أكثر :
شايف يا عمورى الكيوت الرقيقة اللى إنت هتتجوزها .. أهى بانت على حقيقتها معلمة فى المدبح .
تأففت روان وغمغمت بكلمات رفضت الخروج من بين شفتيها لكى لا تخسر ما تبقى من تعقلها .. بينما قال عمرو مداعبا لتهدئة الوضع من حولهم بتعقل :
مالكيش دعوة بروان يا وعد .. مفهوم .
وقفت وعد وهى تبتسم بخبث ثم دنت من روان وقبلتها بوجنتها مطولا .. ثم قالت بصدق :
تعرفى يا خطافة الرجالة إنتى لو عمرو لف الدنيا مش هيلاقى واحدة زيك .. ربنا أكيد بيحبه إنه رزقه بيكى يا رونى .
جذبتها روان لحضنها وضمتها بقوة وقالت بإبتسامتها الرقيقة مثلها :
وأنا بحبك يا مجنونة هانم .. ربنا يخليكى ليا يا حبيبتى .
إبتسم الجميع على تلك الحالة الغريبة التى سيطرت على مشاحناتهم .. ولم العجب فوراء تلك الحالة وعد ويكفى .. قطع حالتهم الهادئة رنين هاتف عمرو الذى قال بتوجس وهو يتطلع لشاشة هاتفه :
ده بابا بيتصل .
تشنجت ملامح وعد .. وزفرت بضيق وإبتعدت بهدوء جالسة على أرجوحتها .. أغمضت عينيها و إنتقلت لعالم آخر بعقلها كأنه يرفض التفكير فيما يدور حولها .. فل يسموه جحود .. عقوق .. ولكن من يحاسب الوالدين على عقوقهم .. حين يحدث ذلك و يستقيم ميزان العدل .. حينها فقط تستطيع المسامحة ........
رد عمرو على هاتفه بهدوء :
السلام عليكم ...... أخبار حضرتك إيه يا بابا ....... وماما عاملة إيه ..... كلنا كويسين الحمد لله ..... حجزت خلاص طب كويس جدا ....... تيجوا بالسلامة ..... أيوة أنا جهزت كل حاجة ما تقلقش ...... الله يبارك فى حضرتك ....... أيوة روضة جنبى ثوانى وتكلم حضرتك .
مد عمرو بهاتفه ناحية روضة وقال وهو مازال متصنم الوجه لايبدو عليه الضيق أو الفرح .. فقط برود متناهى :
روضة كلمى بابا .
أخذت روضة الهاتف وقالت بنفس النبرة المتجمدة :
السلام عليكم ..... أنا كويسة يا بابا .... وعد ... هى كمان كويسة والنهاردة أول يوم تشتغل فيه ...... معلش يا بابا هى مش حابة تتكلم ..... لا مش هقدر أغصب عليها سيبها براحتها لو سمحت ........ معلش المهم هتنزلوا إمتى ........ معقول يا بابا قبل الفرح بأربع أيام بس ...... عمرو أكيد محتاجكم جنبه ........ مش مشكلة يا بابا تيجوا بالسلامة .... ﻷ مش محتاجين حاجة .... هى فين ماما ... آه حضرتك فى البيت التانى ... تمام إبقى سلملى عليها .... محمد رسول الله ... مع السلامة .

وأغلقت الهاتف وأعطته لعمرو وعادت لشرودها مرة أخرى ... بينما إقترب مالك من وعد و دفع أرجوحتها كما يحب أن يفعل دائما لتلتفت إليه بشكل يأسر لبه .. و بالفعل إلتفتت إليه .. ساحرة .. ساحرة دون شك .. نظرات الحزن بعينيها تجعله يشعر بتمزق يؤلمه .. فقرر أن يغير حالتها الحزينة و يجذبها لعالمه الجديد المليئ بالزهور و العصافير الملونة .. و رائحة البحر المهدئة للأعصاب .. كل هذا بداخل جنته التى يدلفها فور رؤيته لوعد .. إبتسم بهدوء وهو يتابع تأملها لوجهه كأنها تتمسك بشئ ينتشلها من حزنها فقال :
عملتى إيه مع أستاذ عبد الصمد .
لاحظ إنعقاد حاجبيها ثم إرتفاعهما بسرعة كأنها ترسم مشاعرها على ملامحها .. ثم قالت بهدوء :
جننته .. شوية وكان هيشيلنى هيلا بيلا ويرمينى بره مكتبه .
ضحك مالك ضحكة عالية متناقضة مع الجو العام المحيط به فجذب نظرات الجميع إليه .. فأصبح مدين بتوضيح عن تلك الضحكة العالية .. ولكن رؤيتهم لوعد بجواره كان كافيا .. حك أنفه بخجل ثم قال هامسا :
إحكيلى عملتى فى الراجل إيه .
إلتفتت بجسدها ومالك ما زال يؤرجحها .. وقالت ساخرة :
ولا حاجة .. عاوزنى أفهم شغلكم كله فى يوم واحد .. بس بعد كده أبهرته ده حتى قال للباشمهندس جاسم إنى ييجى منى .
عقد مالك ذراعيه أمام صدره وهو يغوص داخل عينيها مخلفا ورائه تورد زائد لوجنتيها و تمزق أصابعها من الفرك توترا وخجل .. ثم قال بفرحة :
أكتر حاجة مفرحانى بجد إن جاسم إقتنع بيكى بسهولة جدا .. ﻷ و خلاكى مديرة مكتبه مرة واحدة .. هموت وأعرف أقنعتيه إزاى .
ردت ببساطة و غرور مع نبرة صوتها الناعمة لتجذبه إليها أكثر وأكثر :
سألنى عن رأيى فى مشكلة بخصوص أرض هيعمل عليها مشروع سكنى .. لناس مش عاوزين يبيعوا بسهولة .. فأنا ببساطة حلتهاله .
رفع مالك حاجبيه متعجبا وقال بفضول :
حلتيها إزاى .. ده إحنا تعبنا معاهم بشكل .
إبتسمت وعد بمكر وقد لمعت عينيها بشدة .. ثم قالت بقوة :
ممكن أقولك بس بشرط .
هز رأسه غير مصدق لإبتزازها المتوقع .. ثم قال بقوة فارضا سيطرته عليها :
خشى فى الموضوع على طول .
فقالت مسرعة :
طب أخبط الأول .. ههههههههه .
صفع جبهته بضيق ثم قال بعصبية :
ﻷ .. كفاية عليا سامر .. قلش هنا كمان .. هاتى من الآخر شرطك إيه يا سنجوبة هانم .
تصنعت التفكير قليلا و عينيها تعبث حولها بنظرات ساخرة .. ثم قالت :
عرفنى هدية عيد ميلادى إيه وأنا هقولك .

تعالت ضحكات مالك مجددا .. ولكن هذه المرة لم يلتفت إليه أحد .. بينما سيطر هو على ضحكته عندما لمح بعينيها نظرات غضب قاتلة .. فقال مسرعا :
ده بعينك .. هديتك هتعرفيها يوم عيد ميلادك .. وإتكى على الصبر شوية علشان الهدية تستاهل .
رفعت حاجبها بحدة وقالت بغضب :
بقى كده .. طب من هنا ليومها ما تكلمنيش خالص وهخاصمك .
إعتدلت فى جلستها وأولته ظهرها .. فدنا منها قليلا وقال هامسا :
تقدرى .

شعرت برجفة غريبة إمتلكتها .. وقد دغدغت نبرته الهامسة أذنيها مرسلة إشارات كهربية لقلبها الذى إنتفض بقوة .. ولكنها هدأت عندما شعرت بإبتعاده عنها بهدوء .. تنفست مطولا و زفرته بهدوء و قد إبتسمت برضا .. مرة بعد مرة يؤكد لها أن ما تشعر به ناحيته أكيد .. وما تراه بعينيه أقوى وأكبر .. فقالت بنفسها هامسة :
قلبك هو هدية عيد ميلادى يا مالك .. وصدقنى لو جبتلى أغلى هدية فى الدنيا مش هتسعدنى أكتر من الهدية اللى بقيت مستنياها منك.

.............................................................................................................
...............................

فى الصباح توجه الجميع لعمله بينما خشيت وعد أن تطلب من عمرو أن يرافقها للأعلى بعدما أخرته على عمله مجددا ... فوقفت أمام المصعد ثانية تناجيه أن يرفق بحالتها .. حتى إمتدت نفس الذراع الطويلة لتضغط زر ﻹستدعاء المصعد .. إلتفتت لجاسم الذى إبتسم لها إبتسامته الجانبية الهادئة وقال :
صباح الخير يا وعد .
بادلته إبتسامته وهى تقول بغضب لذيذ :
صباح النور يا باشمهندسسسسس .
هذه المرة ضغطت أكتر على لقبه حتى ينتبه أكتر لعدم ذكر إسمها بدون ألقاب .. ولكنه تجاهلها تماما وهو يقول بقوة :
الأسانسير وصل .
زفرت بضيق .. ثم فتحت باب المصعد ودلفت بغضب .. بينما تبعها هو ووقف بجوارها .. ثم ضغط زر المصعد وهو ينتظر نوبة ذعرها .. لم تمضى لحظات حتى بدأت من جديد .. فقال لها مسرعا :
إهدى كده وصلى على النبى .
ردت بتلعثم من تقطع أنفاسها :
عليه .. الصلاة .. والسلام .
أخذ صدره يعلو ويصعد معها وهو يحاول أن يجعلها تتتفس بهدوء .. ثم قال :
بشويش .. إتنفسى بشويش تمام .
أومأت برأسها ثم قالت بخجل :
أنا متأسفة .. بتعبك معايا .
كان رده الهائم :
يا خلاصى يا ناس .. آه منك يا لوز مقشر إنتى .
هذه الكلمات لم تفارق شفتيه بينما قال بجدية :
مافيش تعب ولا حاجة .. خلاص وصلنا .
تنفست مطولا ودفعت باب المصعد و خرجت تتنفس بهدوء .. بينما وقف جاسم يتابعها وهو يسخر من حالته التى أجبرته أن ينتظرها بسيارته حتى رأها تدلف للمبنى .. فإنطلق ورائها يخشى أن تنتابها حالتها وهى بمفردها فيصيبها مكروه .....
بعدما هدأت إلتفتت إليه وقالت بتقدير :
متشكرة جدا يا باشمهندس .. بعد إذنك .
تركته وإبتعدت .. تطلع إليها بضيق وقال هامسا :
إيه الكروتة دى .
أوقفها قائلا بضيق :
وعد .. إستنى لو سمحتى .
إلتفتت إليه وقالت بوجه ممتعض :
نعم يا باشمهندس .
فقال مباغتا :
كل سنة وإنتى طيبة .
عقدت حاجبيها بطفولة وقالت بتعجب :
وحضرتك طيب .. بس إيه المناسبة .
وضع يديه بجيب بنطاله وقال بثقة :
بمناسبة عيد ميلادك اللى بعد كام يوم .. حبيت أكون أول واحد .
زاد إنعقاد حاجبيها وقالت مستفهمة :
وحضرتك عرفت منين ؟!!!
إبتسم بهدوء وقال وهو يلتهم كل حركة منها بعينيه و تدور وتقف عند ذلك الجرح الوردى الذى يشعله و بقوة :
أصلى كنت مع مالك وهو بيشتريلك هديتك وإحنا فى رومانيا .

لمعت عينيها بصورة شديدة أصابته بالتعجب ثم قالت بفرحة خبيثة :
إيه هى هديتى دى بقى .
شعر جاسم بإستغلالها الرخيص .. فقال بإبتسامته الجانبية الساخرة كالعادة :
مش هقولك .. مالك لو عايز كان قال .. بس أحب أبشرك إنها هدية غريبة وعجيبة وهو متأكد إنها هتعجبك جدا .
مسدت جبهتها من الدوار .. ثم قالت وهى تلتفت وتتركه بإحباط :
مالك عنده حق .. لازم أتك عالصبر شوية .. لأ شوية إيه .. لازم أتك كتيييييير .
إصطدمت وعد بمالك وهى تسير بشرود جراء شعورها بالدوار .. أوقفها مالك قائلا بقلق :
إنتى كويسة يا وعد .
إستنشقت عطره مطولا وقالت بإبتسامة منحته أحلى صباح :
كويسة الحمد لله .
إنتبه مالك لوقفة جاسم فقال مسرعا :
صباح الخير يا معلم .
صافحه جاسم مصافحتهم اليومية وقال :
صباحو عسل .
فقالت وعد وهى تعدل من حقيبتها مستعدة للإنصراف :
بعد إذنكم أنا .. مش عاوزة أتأخر على مستر عبد الصمد من أول يوم .
ليقول جاسر بنفسه هائما :
مستر .. عبد الصمد دوسيه بقى مستر .. حراااااااام .. اللى بيحصل فيا ده حرام .. بسكوتة والنبى .
أوقفها مالك مسرعا وهو يتأملها بشوق ولهفة :
وعد .. ممكن تيجى معايا شوية .. وأنا هكلم أستاذ عبد الصمد .
زم جاسم شفتيه بغضب وقال مندفعا :
عاوزها فى إيه إن شاء الله .
غمز له مالك بعينه وقال منبها بضيق :
عاوزها فى شغل طبعا .. إطلع إنت منها .
صك جاسم أسنانه وصاح بغضب :
يا أخى طلعت روحك يا بعيد .. عاوز تعلق البسكوتة قدامى ده إنت نهارك مهبب ومطين على دماغك .
وكالعادة لم تفارق تلك الكلمات شفتيه بينما قالت وعد بجدية :
معلش يا مالك هروح لمستر عبد الصمد الأول ولو فضيت هبقى أجيلك .. بعد إذنكم .

تركتهم وإتجهت لغرفة عبد الصمد مسرعة .. وعينيهم تتابعها بتنهيدة ساخنة .. إبتسم جاسم بخفوت على رفضها لطلب مالك .. فمبادئها إنتصرت بالنهاية .. بينما إلتفت إليه مالك بضيق وقال :
جرى إيه يا هندسة إنت هتقطع عليا ولا إيه .
عقد جاسم ذراعيه أمام صدره وقال بحدة :
مش فاهم .
أشاح مالك بذراعه وقال بسخط :
ولا حاجة .. لما تعوزنى إدينى خبر .

وتركه وإنصرف .. بينما أخذ جاسم يصفر بسعادة وهو يتجه لمكتبه بشرود عاشق .. وقفت راندا تتأمل حالته الغريبة .. لكنه تخطاها ودلف لمكتبه وأغلق ورائه الباب وهو يدندن بسعادة :
آه يا ناس أنا دبت فى دباديبه .. دباديبه .. دباديبه ... وأنا قلبى مشعلل بلهيبه .. بلهيبه .. بلهيبه .. أهه راح ولا جاش ولا كلمناش .. وأنا تنى وراه ما هسيبه .. ما هسيبه .. ما هسيبه .

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent