Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل الرابع 4 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الرابع  بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الرابع 

 لعنة البدايات..
يشوبها دائما الترقب و الحذر من القادم.. تتمنى ان يمر كل شئ كما تريد و ترسم و لكن الغد دائما يحمل المفاجآت منها السعيد و منها المعاكس لمخيلتك..
فلتتركها لله فما عند الله خير و أبقي طالما ثقتك به لم و لن تهتز.. فما كتبه الله دائما الأفضل و علينا بالرضا..
يوم جديد.. بداية جديدة.. ترقب جديد و إنتظار لأن تمر لعنة البداية لتحديد مصير القادم.. الأجمل أن يكون بجوارك ببدايتك شخص تثق به و يمثل اهمية كبيرة لك.. كأنه ساعد تستند عليه و ربما تستمد منه القوة لمجابهة أشخاص جدد و مواقف جديدة ربما تثقلك و ربما تغير بك أكثر...



فى الصباح إستيقظت وعد بتثاقل على رنين المنبه .. جلست على فراشها تلملم تلك الأشعة التى فرت هاربة من عقدتها و هي مطأطأة رأسها بألم فهي إعتادت أن تستيقظ متأخراً .. دخلت روضة عليها وقالت بإبتسامتها العذبة :
- يا صباح الورد .
فركت وعد عينيها بكسل ثم طالعتها بنظرة ملائكية كنظرات الأطفال وقالت برجاء :
- ممكن أنام النهاردة وبكرة أروح الشغل فايقة ونشيطة وكده .

ضحكت روضة ضحكة عالية .. ثم جذبتها من ذراعها بالقوة .. لتقف بضيق وقد إنسابت شعراتها على ظهرها فغمرتها كليا من طولها الذى قارب من ركبتيها .. إلتفت روضة خلفها ولملمت لها شعراتها داخل ربطته التى تبدو كقفص تسجن بداخله تلك الشعرات البرتقالية الدافئة .. ثم دفعتها نحو المرحاض .. ووعد تمتم بكلمات مبهمة .....
أتمت وضوئها و إرتدت مأزر صلاتها و خمارها و وقفت بين يدي الله لكي تصلي علها تستمد منه القوة كما تفعل دائماً.. بعدما إنتهت وقفت أمام خزانتها تقلب في ملابسها بحيرة متغاضية عن أفكار رأسها التي تذكرها بأن ذلك اليوم اهم من تحتاجه معها هي أمها.. هزت رأسها بقوة لتخفي صورتها من أمامها و إلتقطت فستاناً جديداً و بادرت بإرتدائه...
بعد ساعة تقريبا إنتهت وعد من إرتداء ملابسها و إستعدادها للعمل .. وقف عمرو يطالع ساعته بضيق ثم قال بنبرة عالية فاقدا صبره :
- يالا بقى يا وعد إتأخرت على شغلى .. ولا انتى تشتغلى وأنا أترفد .
خرجت وعد من غرفتها عابسة تتمم على أوراقها الشخصية للمرة المليون بقلق .. ثم قالت بتذمر :
- ده إيه القر اللى على الصبح ده .. عموما يالا يا أستاذ عمرو قدامى .
أعطتها إمتثال علبة صغيرة وقالت وهى تشعر بالخوف بعدما أوقفتها مقابلاً لها متطلعة بعيناها :
- ده ساندوتش تاكليه لما تجوعى .. وخلى بالك من نفسك .. وإوعى تكلمى حد غريب .. ولو حد زعلك قولى لمالك .
ضرب عمرو جبهته وقال معترضا :
- خلاص بقا يا تيتة .. متأخر والله .
أومأت وعد برأسها و أخذت العلبة من جدتها و وضعتها بحقيبة يدها ثم وضعت اوراقها و رفعت رأسها لتسير مع عمرو .. فأوقفتها روضة قائلة :
- وعد .. خلى بالك من نفسك .. ولو خفتى من حاجة ولا حاجة ضايقتك كلمينى فورا .
أومأت وعد برأسها و هي تتثائب بكسل .. ليأتيهم صوت عمرو غاضبا بشدة وهو يقول ساخرا :
- هى راحة الكى جى .. إرحمونى بقا هترفد بسببكم .
إجتذب وعد من ذراعها وهو يجرها خلفه بسرعة يهبطا الدرج مسرعين حتى أوقفتهما آمال وهى تقول بفرحة :
- بسم الله ما شاء الله .. زى القمر يا وعد ربنا يحميكى من العين يا حبيبتى .. لو إحتاجتى أى حاجة قولى لمالك هو هيبقى معاكى فى المكتب .
و ناولتها بعض الشطائر الملفوفة بكيس بلاستيكى وقالت محذرة :
- الساندوتشات دى تتاكل كلها مفهوم .
أومأت وعد برأسها للمرة العشرون منذ إستيقاظها .. و إلتقطت الطعام من يدها و وضعته بجوار أخيه و أغلقت الحقيبة بنعاس فهى تكاد تكون مازالت نائمة وتأكل أرز مع الملائكة .. إقتربت منها روان وقالت ببساطة :
- دودو .. تعالى ناخد سلفى أول يوم شعل ليكى .
تصنع عمرو البكاء وقال ساخرا :
- هى وصلت للسيلفى .. هترفد من شغلى بسبب صورة سلفى .. يارب أشكو إليك .
زمت روان شفتيها وقالت بغضب :
- وهو يعنى الدقيقتين دول هيبقوا السبب فى رفدك .
تطلع عليها عمرو بهيام وهو يجول بعينيه على ملامحها البريئة والتى دائما ما يشبهها بالقطط .. حبيبته الصغيرة الناعمة .. و إنطلاقها بالحديث معه أثار به نشوة غريبة لأن يأخذها و يبعد بها عن الجميع... لاحظت وعد نظراتهما المشتاقة فعقدت ذراعيها امام صدرها و قالت بسخرية :
- دلوقتى مش هتترفد يا أستاذ إنت .
إتسعت عينى عمرو معتدلاً في وقفته وتنحنح قائلا بقلق :
- هاه .. آه طب يالا قدامى بقا لهمشى وأسيبك والله .
ثم ودع روان بإبتسامة خفيفة كل مرة تذهب أنفاسها وتزيد من دقات قلبها الملتاع بعشقه متمنية له التوفيق بداخلها .. بينما قالت إمتثال وروضة :
- لا إله إلا الله يا وعد .
ردت وعد بإبتسامة مشاغبة على حالهم :
- محمد رسول الله .. هجيبلكم ماء زمزم وأنا راجعة من العمرة .. سلام .
ليدخل الجميع فى حالة ضحك على مزحتها .

..........................................................................................
...............................

كعادة كل صباح يستيقظ جالساً على فراشه لاهثاً.. و قد إبتلت سترته من عرقه كأنه خرج من عدو طويل يهرب فيه من نفسه و عقله الذى يذكره بثأره لصديقه كل ثانية.. كلما تطلع بوجه الصغيرة ابنة اخته التى فقدت والدها وتيتمت واخته التى إنطفأت و أصبحت تعمل و تنجح بعملها و لكنها بالحقيقة جسد بلا روح....
دلف لمرحاضه و ترك المياة الباردة تقوم بعملها و هي تنساب على رأسه و جسده مطفأة نيران عقله كي يهدأ قليلاً... بعدما إنتهى إرتدى ملابسه و خرج من غرفته و جلس على طاولة الطعام بجوار والده وقال :
- صباح الخير يا حاج فضل .
وضع والد فنجان القهوة على الطاولة وقال بإبتسامة رضا :
- صباح النور يا إبنى ..أخبار الشركة إيه .
وضعت والدته كوب الشاى بالحليب أمامه .. ليبتسم جاسم إليها بإمتنان ثم قال وهو يرتشف من كوبه :
- كله كويس الحمد لله .. بس ليا طلب عندك يا بابا .
إعتدل فضل فى جلسته وقال بإهتمام وفضول :
- طلب إيه .. فى مشكلة عندك ولا حاجة .
أومأ جاسم برأسه نافيا ثم قال موضحا :
- لا يا حاج مافيش مشاكل ولا حاجة الحمد لله .. بس أنا ناوى أحقق حلمى بقا و أعمل شركة الهندسة اللى حلمت بيها سنين كليتى كلها .
زفر فضل بضيق ثم قال بنبرة ساخطة وهو يرمقه بلوم :
- ليه كده يا جاسم . . ده صاحب بالين كداب مابالك بقا بصاحب خمسة ستة بال .. ركز فى شغلنا أحسن .
عبس وجه جاسم وقال بقوة لا تقبل النقاش :
- معلش يا بابا سيبنى أعمل اللى أنا عايزه .. ما انت سمحت لعلا تفتح مكتبها وما إدخلتش .
رد فضل موضحا و هو يستند على الطاولة بمرفقيه ممرراً حبات سبحته :
- يا حبيبى ده مكتبها هى وجوزها الله يرحمه وبعدين مالوش علاقة بشغلنا .. إنما إنت ماسك كل شغلى وكبرته .. كمل طريقك وطريقى يا ابنى أنا تعبت وأنا ببنى نفسى .. وخايف كل اللى عملته يضيع بعد ما تنشغل عنه .
رد جاسم بنفس جديته وقال بدون تردد :
- ما تقلقش يا حاج ..أنا قدها وقدود و بعد إذنك هشترى الدور اللى فوق شركتنا الفاضى و هأسس فيه شركتى الجديدة علشان أبقى داير كل الشغل من نفس المكان .. كده تمام .
تطلع إليه فضل بضيق فهو يعلم ابنه جيدا حين يضع شيئا برأسه فلن يتوانى عن فعله مهما كلفه الأمر .. فرضخ أخيرا وقال بفتور :
- انت حر إعمل اللى عايزه .. بس ما ترجعش تندم .
إقتربت منهم علا و إبنتها ريتال التى ركضت صوب جدها وقبلته بوجنته بعدما إنحنى لمستواها ثم حملها قائلا بحب :
- حبيبة جدو .. صباح الفل والياسمين .
جلست علا مكانها وقالت بإبتسامة باهتة كعادتها :
- صباح الخير .
رد الجميع :
- صباح النور .
فقال لها جاسم وهو يتابع تتاول فطوره :
- لولو .. هجيلك النهاردة أتفق على الديكورات اللى عايزها لشركتى الجديدة .. بس إيه عايز شغل فاخر من الآخر .
أومأت علا برأسها وهى تعد شطائر لريتال كى تأخذها معها للروضة وقالت بثقة :
- شهر بالكتير و هتذهل من شغلى يا باش مهندس .
وقف جاسم وقال وهو يودعهم :
- همشى أنا بقى .. محتاجة حاجة يا دولت .
زمت دولت شفتيها وقالت معاتبة :
- إسمى ماما يا ولد .. خلى بالك من نفسك يا حبيبى .
حمل جاسم مفاتيحه وهاتفه وخرج مسرعاً يشعر بنشوة الإنتصار بعدما وافق والده على تحقيق حلمه .. فعمله بأشغال والده يعتبره واجباً بينما تحقيقه لذاته بعيداً عنه لهو النشوى الحقيقية.. بعيداً عن إسم والده الذى حفره بيده.. فها هو على أول طريق حفر إسمه بنفسه... هبط الدرج مسرعا ثم توجه لسيارته و صعدها وإنطلق بها وإبتسامته تزين ثغره .

.........................................................................................
..................................

كلما إقتربت من مكان عملها الجديد تزداد دقات قلبها و تضطرب.. و تدعوا بداخلها ان يلهمها الثبات و القوة.. فكرة أن تختلط بأناس جديدة تصيبها بالرهاب.. ربما لن يتقبلوها.. و ربما لن يقبلوها بتلك الوظيفة.. و هي تحتاجها و بشدة لتنخلع كلياً من أى شئ يربطها بوالديها و تستطيع حينها رفض أموالهم التي يتفضلون عليهم بها كل شهر...
وصلت سيارة عمرو أمام شركة رحال .. صفها و ترجل منها تبعته وعد المتعجبه منه قائلة بتذمر وهى تتابع إنطلاقه معها :
- إنت رايح فين إن شاء الله .
رد عمرو ببديهيه :
- هوصلك لفوق طبعاً .
إبتسمت وعد بسخرية وهى تقول بضيق معدلة من وضع حقيبة يدها على كتفها :
- أيوة صح تعالى وصلنى وقول للميس ما تسلمتيش بعد الحضانة غير لولى أمرى .. أنتوا ناويين تجننونى صح .
قهقه عمرو بخفوت وهو يتابع عبوسها و ضيقها ثم رفع يديه مستسلما وقال بجدية :
- خلاص آسف .. إتفضلى إدخلى أنتى وإسألى على مالك .. ولو إحتاجتى حاجة كلمينى فورا .
أومأت برأسها وقالت بإبتسامة راحة :
- حاضر .. سلام يا حبيبى .
لوح لها عمرو بيده .. وصعد سيارته وإنطلق بها .. تقدمت وعد من ذلك المبنى العالى وهى تتنفس بصعوبة من فرط توترها .. صعدت الدرجات الرخامية بهدوء .. حتى أوقفها حارس الأمن قائلا :
- حضرتك رايحة فين يا فندم .
وقفت وعد أمامه ضامة حقيبتها لصدرها محتمية بها وقالت بهدوء :
- لشركة رحال .
أومأ الحارس برأسه وأشار بيده قائلا :
- تمام .. حضرتك دى فى الدور السابع .
شهقت بصوت مسموع من فرط رعبها وقالت بضيق :
- السابع !!!!!
ثم إمتعض وجهها وهى تقول بحزن :
- هطلع إزاى أنا دلوقتى .
رد عليها الحارس مسرعا :
- بالأسانسير طبعاً .
إزدادت حركة شفتيها إمتعاضا وهى تهز ساقها بتوتر ثم قالت :
- أسانسير ...... طب شكراً .
تركته وتقدمت صوب المصعد وهى تزفر بضيق .. وقفت أمام المصعد ودقات قلبها قد تزايدت بشكل مؤلم نتيجة رعبها من صعوده فهى مصابة بما يقال عليه رهاب الأماكن الضيقة .. وخصوصا المصعد .. إبتلعت ريقها برعب ثم قالت بنفسها :
- يا ريتنى ما خليت عمرو يمشى .. هركب الزفت ده إزاى دلوقتى .
كانت تفرك اناملها بقلق و حيرة... وفجأة إمتدت ذراع طويلة بجوارها لتضغط زر المصعد .. إلتفت برأسها لهذا الشخص الواقف خلفها .. ثم حمدت ربها أنها لن تستقله بمفردها .. بعد دقائق قليلة .. وصل المصعد .. ساد الصمت للحظات حتى قال لها الشخص بخلفها :
- لو سمحتى إفتحى الباب .
تنهدت مطولا كأنها تستدعى كل قوتها .. ثم فتحت الباب وتطلعت للمصعد برعب .. خطت خطواتها ببطء .. حتى لامست أرضية المصعد بقدميها لتمتلكها رجفة عنيفة سرت بأوصالها .. إستدارت بجسدها حتى تقابلت نظراتها بنظرات ذلك الواقف أمامها .....

وقف جاسم يتأمل تلك الغريبة بعض الشئ بتصرفاتها المريبة .. حتى تحولت نظرات التعجب بعينيه لإعجاب .. أخذ يتأملها من حذائها ذو الكعب العالى .. فستانها الأبيض و المنقوش بوردات أرجوانية .. بينما تعلوه سترة بلون إرجوانى قصيرة .. وحجابها الأبيض والذى بياضه لايقارن ببياضها المشبع بالوردى .. توقف قليلا وهو يتأمل تلك العيون الكحيلة والتى تمتلأ برعب غريب زادها جاذبية وسحر بينما ملامحها الطفولية جعلته يفيق من تأمله لها بخجل حينما قالت هى بضيق :
- حضرتك مش هتدخل .
إبتسم جاسم بخفوت و تقدم للداخل ووقف خلفها بهدوء .. ثم ضغط زر المصعد وسألها قائلا :
- حضرتك طالعة الدور الكام .
فرفعت حاجبها وقالت بخفوت ممتعض :
- وإنت مالك .
زادت إبتسامته وقال بصوت خافت :
- علشان أضغط لحضرتك رقم الدور اللى هتطلعى ليه .
شعرت بالخجل من تسرعها .. ثم فكرت قليلا وقررت أن تكتفى بالدور الخامس وتصعد باقى الدورين على قدميها حتى لا تطول رحلتها فى ذلك المصعد البغيض .. فردت بإرتباك :
- الدور الخامس لو سمحت .
ضغط لها الزر ثم إعتدل فى وقفته وعيناه تطوف بكل ذرة بها .. بدأ المصعد فى التحرك .. فبدأت تنكمش فى وقفتها .. وأقسم هو أنه إستمع لشهقة خافتة خرجت منها .. ثم لاحظ قبضة كفها التى على إثرها إبيضت مفاصلها من شدتها .. ثم رفعت ذراعيها وضمت نفسها كأنها تخشى شيئا .. فلم يتمالك نفسه أكثر و سألها بقلق وهو يتابع إرتجافها :
- فى مشكلة يا آنسة .. حضرتك كويسة .
شعرت بأنفاسها تختفى .. وشئ ما يطبق على صدرها .. فإلتفتت إليه بوهن وقالت بهمس :
- مش عارفة .. أتنفس .. عندى فوبيا .
لاحظ شحوب وجهها .. و زرقة شفتيها .. وإتساع عينيها فرفع يديه أمام وجهها وقال مهدئا :
- إهدى يا آنسة .. إتنفسى كويس كل اللى مخوفك دى أوهام .. مافيش حاجة تخوف إهدى تمام .
أومأت برأسها وهى تتنفس بهدوء شهيقاً يليه زفيراً و جاسم يقلدها يأخذ شهيقاً و يخرجه زفيراً بطيئاً .. ثم قال متابعا بعدما شعر بتجاوبها معه :
- خلاص بقينا فى التالت ثوانى وهتخرجى .. بس ظبطى النفس .
تنفست بهدوء أكثر وهى متشبثة بعينيه .. وهو يحدثها كى تهدأ .. إمتلكه شعور غريب بأن يجذبها لصدره ليضمها إليه حتى تشعر بالأمان .. وبالفعل إمتدت يديه نحوها ليقف المصعد فجأة .. فصرخت قائلة :
- يا ماما .
تأمل حالتها المزرية .. ورعبها المرضى ثم قال لتنبيهها :
- الأسانسير وقف .. تقدرى تخرجى .
فتحت عينيها برعب ثم تمالكت أعصابها المنهارة .. وفتحت الباب و ترجلت من المصعد ما أن لامست قدميها الأرض حتى شعرت بدوار خفيف .. فمسدت جبهتها بتعب .. وقف جاسم بجوارها وقال بقلق :
- حضرتك بقيتى كويسة .
إبتسمت له وعد بإمتنان وشكر وقالت بوهن :
- الحمد لله .. متشكرة لحضرتك جدا .
غاص هو داخل وجنتيها مع تلك الغمازتين الساحرتين .. لم يرى بحياته غمزات بذلك العمق من قبل .. لكن إستوقفه شئ غريب .. شعور إنتابه كأنه رآها من قبل بحث داخل عقله عنها لكنه فشل .. هو على ثقة أنه رآها سابقا فذالك الوجه المستدير كالبدر فى إكتماله .. و بياضها الوردى وعيونها الكحيلة .. وتلك الشفاة المرسومة بدقة شهية .. و ذاك الأنف الصغير الذى يذكره بحبات النبق اللذيذة التى كان يتلذذ بأكلها فى صغره مميز و لا ينسي .. إبتلع ريقه وهو يشعر بالخجل حين قالت وعد وهى متعجبه من نظراته الوقحة :
- بعد إذن حضرتك .
وإستدارت منطلقة تضم حقيبتها مجدداً .. حتى أوقفها قائلا :
- إحنا إتقابلنا قبل كده يا آنسة .
إبتسمت وعد بسخرية و إلتفتت إليه بحدة قائلة بتسرع :
- أنا مش مرتحالك من الأول .. وجو شوفتك قبل كده والأفلام الأبيض والإسود دى وجو الإسطوانات ده ما ياكلش معايا .
رفع جاسم حاجبه متعجبا من هجومها العنيف عليه بدون سبب وقال ببرود :
- لسانك طويل قوى على فكرة .
ردت بغيظ وهى ترفع حاجبها أيضا بضيق :
- تحب أقصلك منه تلاتة متر تستر بيهم كرامتك اللى أنا همسح بيها الأرض دلوقتى .
إشتعلت عينيه بغضب ونظر إليها بنظرة مشتعلة لو لها تأثير لأردتها قتيلة فورا .. ثم إستند بمرفقه على الحائط بجواره وقال بسخرية وإستهانة بها :
- طب ما تفرجينى نفسك .. نفسى أشوف آخرك إيه .
ردت وعد بنفس الجدية ودون تردد :
- لأ ما تستهونش بيا ده أنا كنت بلعب كاراتيه زمان .
ضحك جاسم ضحكة عالية ثم هتف قائلا بمرح :
- وده بقى كنتى بتلعبيه ولا بتاكليه .
همت بالرد على وقاحته وصب نيران غضبها فوق رأسه .. حتى قال هو مسرعا وهو محتفظ بنظراته المقللة منها ونبرته المستهزئة :
- إنتى فى سنة كام يا شاطرة .
ردت وعد بإستياء من نظراته وسخريته وقد بدا على وجهها علامات النفور قائلة بسخرية:
- فى سنة حلوة يا جميل .
إنفجر ضاحكا مجدداً و هي باتت شعلات عيناها في الإشتعال أكثر و أكثر .. ثم قال وهو يتابع غضبها الذى زادها جمالا وأعطى عيونها الواسعة سحر خاص :
- والنبى قمر برضه .
زفرت وعد بضيق وقالت بحدة :
- اللهم طولك يا روح على هذا اللوح .
تابع جاسم بنفس النبرة الساخرة :
- لوح خشب ولا لوح أبلكاش .
صكت أسنانها و إلتفتت بإمتعاض .. كانت متوجهه للدرج فأوقفها قائلا:
- هى الحلوة وراها مشوار و لا ايه .. إنتى طالعة عند مين؟!!
إلتفتت إليه وقد وصل عبوسها لدرجة أن تلاقى حاجبها بشدة وقالت ساخرة :
- لأ الحلوة وراها حمار ... إرتحت !! ثم إنت مالك يا بارد انا طالعة عند مين دخلك إيه؟!
إنفجر ضاحكا مرة أخرى .. بينما إبتعدت هى وصعدت الدرج تتمتم بكلمات مبهمة ولكنه متيقن أنها تسبه بداخلها .. عاد للمصعد مرة أخرى وإبتسامته لا تنتهى .. حتى وقف المصعد مجددا أمام شركته فترجل مسرعا وتوجه لمكتبه وقال لراندا سكرتيرته دون أن ينظر إليها :
- خلى مالك وسامر يجونى .
ردت راندا مسرعة :
- حاضر يا فندم .

...................................................................................................
.......................

وصلت وعد أخيرا للدور السابع .. وقفت تأخذ نفسها قليلا وهى تطالع اللافتة الكبيرة المضائة والمكتوب عليها .. شركة رحال للإستيراد والتصدير و الإستثمار العقارى .. فدلفت إليها بحماس تتطلع حولها بإنبهار من الأرضيات اللامعة و الديكورات الفاخرة و الإضاءة المثالية.. سارت قليلاً ثم وقفت أمام موظفة الإستقبال وقالت بإبتسامة هادئة :
- السلام عليكم .
ردت الموظفة بود :
- وعليكم السلام .
فسألتها وعد وهى مازالت تتأمل المكان من حولها بتعجب من فخامته :
- هو مكتب الأستاذ مالك فين .
أشارت لها الموظفة على ردهة طويلة وقالت :
- رابع أوضة على إيدك اليمين .
إبتسمت إليها وعد وقالت شاكرة :
- متشكرة .

إنطلقت وعد وهى تتابع تأملها .. فصاحب هذا المكان من المؤكد شخصية فريدة من نوعها و راقي و عقلية نادرة ليكون ذوقه بهذه الفخامة.. زاد إرتباكها و هي تتخيل كيفية التعامل مع شخص مثله... حتى وقفت أمام غرفة مالك .. إبتسمت وهى تتابع شروده أمام حاسوبه وهو مرتدى تلك النظارة الطبية و التى تراه بها لأول مرة .. و شعراته قد زاد لونها البني مع أشعة الشمس و عطره الهادئ يغزو أنفاسها... اغمضت عيناها وقد شعرت بشئ غريب إهتز له قلبها فتنهدت مطولا وهى تبتسم دون أن تشعر فأتاها صوت من خلفها يقول :
- حضرتك عاوزة مين يا فندم .
إلتفتت إليه وعد بذعر بينما رفع مالك رأسه ورأى وعد تقف على باب مكتبه تنظر لسامر بخوف .. فوقف مسرعا وقال بإبتسامته الهادئة :
- وعد .. تعالى إتفضلى .
عادت وعد بعينيها لمالك .. ثم تقدمت نحوه وقالت براحة :
- الحمد لله .. أخيرا لقيتك يا مالك .
دار حول مكتبه وهو يشعر برهابها و شحوب وجهها .. فوقف أمامها وسألها بقلق :
- مالك يا وعد .. إيه اللى مخوفك كده .
سحبت نفساً طويلاً براحة و إبتسمت بهدوء وقالت :
- ما تقلقش .. بس الأسانسير تعبنى شوية .
طالعها بنظرة شمولية و أعاد سؤاله:
- يعنى إنتى دلوقتى كويسة .
أومأت برأسها بهدوء .. فقال لها سامر مرحبا :
- أهلا وسهلا زميلتنا العزيزة .. أنا سامر .
ردت وعد عليه بتحفظ :
- أهلا بحضرتك .
وقفت راندا على باب غرفتهم وقالت :
- مستر جاسم عاوزكم فى مكتبه .
رد عليها سامر مداعبا :
- حاضر .. بس صحيح يا راندا إنتى بتحلوى بسرعة كده إزاى .
إبتسمت راندا وقالت بمزاح :
- باكل عسلية كل يوم الصبح .

ضحك سامر عليها .. بينما لاحظ مالك نظرات وعد المتفحصة لراندا .. وعادت بعينيها لمالك كأنه تسأله هل تتعامل مع تلك الجميلة و التى ترتدى ملابس ملاصقة لجسدها دون إستحياء .. فإبتسم مالك بمكر كأنه يخبرها أن عينيه لا ترى غيرها ورمقها بنظرة جعلتها تشعر أنها أجمل نساء الكون .. فإشتعلت وجنتيها بخجل من هذا الحوار الصامت والذى يؤكد شعورها بأنها تنساق بقلبها ورائه دون أى مقاومة تذكر .....
لاحظ سامر شرارات عشق تتجول بمكتبهم فتنحنح و إبتسم بمكر قائلاً :
- مش يالا يا مالك نروح لجاسم .. وهات وعد معانا علشان جاسم يتعرف عليها ويعمل لها مقابلة الشغل .
إقتربت راندا من وعد وصافحتها قائلة بأسي:
_ أهلا حبيبتي نورتي و ربنا معاكي.
قطبت وعد حاجبيها بتعجب و هي تقول بإبتسامة هادئة:
_ نورك إنتي تسلمى.. بس ربنا معايا ليه.
قاطع مالك حديثهما و أشار لوعد بيده وقال خافياً إبتسامته فهى على أعتاب التعامل معهم و راندا هى الأدرى بتقلباتهم و تصرفاتهم :
- إتفضلى يا وعد أعرفك على جاسم إبن صاحب الشركة ومديرها زى ما حكيتلك .
تنفست مطولا وقالت بقلق :
- حاضر .

تقدمها مالك وسامر وهى تتبعهما .. ساروا لآخر الرواق حتى دلفوا لغرفة راندا و من خلالها فتح سامر باب غرفة جاسم و دلف يتبعه مالك وورائه وعد التى تصنمت فور رؤيتها لجاسم .. ها هو ذلك الوقح يجلس أمامها .. لكن مهلا هل هذا هو صاحب العمل كما قال مالك .. هل هو ذلك الراقي المذواق الذي تخيلته... هنا علمت أنها مطرودة من عملها قبل أن تبدأ ......
وقف جاسم عابسا وهو يرى تلك الساحرة الشريرة مرة أخرى .. ولكنه إبتسم وهو يتذكر فظاظتها .. ورغم ذلك شعر بسعادة غريبة إندفعت بداخله من بين نيران الغضب .. فقطع مالك تلك الحالة وهو يقدم وعد لجاسم قائلا :
- جاسم أنا قولتلك إنى عندى البديل لمدام وفاء .. أحب أقدملك وعد عيسى القاضى خريجة إدارة أعمال و معاها دبلومة و أخدت كورسات لغات وكمبيوتر تؤهلها إنها تشتغل فى التيم بتاعنا .
إبتلع جاسم ريقه بتوتر و تصلبت ملامحه وهو يهتف بداخله :
- وعد ...... عرفت أنا شوفتها فين .. فى حلمى .. حرام عليك يا مالك مش كفاية بتكلمنى عنها طول الوقت كمان جايبها تشتغل معايا .. بس يا نصاب أنا هوريك .. تخبى عليا غمزاتها اللى تجنن دى وعنيها البنى اللى تدوخ قبيلة .. أكيد محتفظ بيهم لنفسك .
لاحظ سامر نظراتهم المتحفزة فقال مسرعا :
- وحدوه .
رد الجميع :
- لا إله إلا الله .
لم يشعر جاسم بساقيه التى حملته ليقف مواجها لها وعيناهما فى حرب قوية .. مد يده ببساطة لمصافحتها وهو يقول وعلى ثغره إبتسامة تسلية :
- أهلا آنسة وعد .
تطلعت وعد داخل عينيه مطولا ثم رمقت يده بنظرة إستخفاف وقالت بحدة :
- مش بسلم .
رفع جاسم حاجبه بغضب .. و وضع يده بجيب بنطاله وهو يطالعها بقوة .. بينما تعجب سامر من ردها القوى .. لكن سعادة مالك كانت الطاغية .. فهى ترفض أن يمسها أحد .. غاليته تحافظ على نفسها من أجل مالكها وفقط ......

إقترب مالك من جاسم وقال معتذرا رغم حالة الرضى التى ملأته :
- معلش يا جاسم .. وعد متدينة شوية و مش بتسلم على رجالة .
إبتسم جاسم بإستهزاء .. ولم يلحظ تلك الإبتسامة أحد سوى وعد .. فهو لا يؤمن أن هناك فتاة لم يمسها شاب قبل أن ترتبط أخيرا بالحمار الذى ينخدع ببرائتها .. ولكنه رد ببرود قائلا :
- عادى .. المهم خد سامر وإخرج دلوقتى .. عاوز آنسة وعد لوحدها .

إلتفت وعد برأسها لمالك تنظر إليه برجاء ألا يتركها بمفردها .. ولكنه تطلع إليها بإبتسامة مطمئنة و تركهما وخرج يتبعه سامر الذى أغلق باب المكتب ورائه .. تنفست وعد مطولا و تحركت ناحية باب المكتب وفتحته و عادت تقف فى مواجهة جاسم المذهول ........
عندما وجدها تلتفت للتوجه لباب الغرفة ظن أنها تستسلم وستهرب قبل أن تواجهه .. فلما كانت تتحداه بنظراتها التى تحاول أن تفرض بها قوتها وثقتها بنفسها .. ولكنه وجدها تفتح باب الغرفة و تركته وعادت تقف بشموخ وإباء أمامه .. و رافعة ذقنها بكبرياء محاربة .........
ظل صامتا يتطلع إليها فهى تمتلك رزانة وثقة بالنفس تثير أعجابه .. ثم قال بإبتسامة متسلية تغيظها :
- أهلا .
ردت عليه بحرج بادى فى نبرتها :
- أعتقد إنى مرفودة من قبل ما أشتغل صح !
زادت إبتسامته وقال مناكشا :
- قصدك يعنى علشان لسانك التلاتة متر اللى مسح بكرامتى الأرض و قال عليا لوح و حمار .

عضت شفتيها وهى تدارى إبتسامتها المشاغبة .. بينما إنهارت أعصاب جاسم وهو يتابع حركتها العفوية التى أشعلت بداخله نيران لم يدرى مصدرها .. ولكن تلك الغمازتين جعلته يذوب بهما وكأنهما خطين من الثلج أطفأوا نار قلبه المشتعلة .. ثم تابع حديثه بهدوء يجمد الحمم :
- إيه مكسوفة .

رفعت حاجبها وقد إختفت الغمازتين و أصبحت تشبه القمر فى علوه و بعده و جماله .. لاحظ خط وردى بجوار حاجبها الأيمن .. يبدو أنه جرح ولكنه لم يرى آثر لجرح بحياته لونه وردى .. يا الله كم كان جميلا.. حتى فاق من شروده على كلماتها الغاضبة :
- بقول لحضرتك إيه .. أنا مش هخاف منك ولا على فرصة الشغل العالمية فى شركتك علشان كده أنا اللى مش موافقة أشتغل فى شركتك .

ثم ضمت حقيبتها لصدرها و إلتفتت رافعة ذقنها فى حركة تزيد من إعجابه بها أكثر .. ما أن إقتربت من الباب حتى أوقفها قائلا بحزم :
- إستنى .
وقفت مكانها بضيق .. ثم إلتفتت إليه وعقدت ذراعيها امام صدرها و قالت بفضول :
- نعم .
إقترب منها وهو يطوف بعينيه على وجهها ثم باغتها قائلا :
- ليه فتحتى باب المكتب بعد ما سامر قفله .
ردت عليه وعد بصوت مشتد ومنفعل :
- لأنه ما ينفعش يتقفل علينا باب .. من باب الأدب يعنى .
عقد ذراعيه أمام صدره هو أيضاً .. ثم قال بصوته الرجولى رغم نبرته الخافته :
- وإيه المشكلة لو إتكلمنا زى ما إحنا كده بس والباب مقفول .
إبتسمت بسخرية .. ثم قالت بجدية :
- ليه أسيب لأى حد قاعد بره فرصة إنه يشغل مخيلته على اللى بيحصل جوه المكتب .. وأنا واحدة بحترم نفسى كويس جدا .
إبتسم بهدوء و ها هو يعود لعينيها من جديد لا ينوى تركهما .. ثم بحركة مفاجئة مد يده نحوها .. فتطلعت إليه بدهشة وقالت بسخط :
- قولتلك إنى مش بسلم .
رد عليها مسرعا :
- هاتى الملف بتاعك لو سمحتى .
تفاجئت من طلبه العجيب .. ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها الملف الخاص بها و مدت يدها إليه فأخذه منها وعاد للجلوس أمام مكتبه .. ثم أشار إليها قائلا بجدية :
- إتفضلى إقعدى يا وعد .
ردت عليه بحزم :
- آنسة وعد لو سمحت .
مرر يده على وجهه بفقدان صبر ثم قال متحديا :
- أنا ما بحبش الألقاب .. إتفضلى إقعدى .

ضربت الأرض بقدميها وهى تتوجه ناحية مكتبه بعضب .. ثم جلست بهدوء لا تتطلع إليه .. أخفى إبتسامته على حالتها و حركاتها الطفولية متذكراً حديث مالك عنها و وصفها بالطفلة... دقق البحث بملفها ومع كل ورقة يزداد إعجابه بها .. أغلق الملف و وقف و إلتف حول مكتبه وجلس مقابلا لها .. ثم قال لها بعملية لم تعهدها منه :
- هسألك سؤال هشوف بيه مستوى ذكائك و إزاى إستفدتى من دراستك والدبلومة اللى عملتيها .
أومأت وعد برأسها بثقة وقالت :
- إتفضل يا فندم .
إستند جاسم بظهره على مقعده وقال وهو يطالعها بقوة :
- دلوقتى أنا عندى مشروع مدينة سكنية هيعمله مكتبى الهندسى بتاعى .. بس فى مشكلة إن فى وسط الأرض اللى هعمل عليها المشروع فى حتة أرض أصحابها مش موافقين بالبيع وعرضت عليهم تلت أضعاف سعر الأرض وبرضه مش موافقين طمعانين فى أكتر لأنهم واثقين إنى لازم هشتريها .
فقالت وعد ببساطة :
- حقهم .. والتجارة شطارة .
أومأ جاسم برأسه وقال متابعا :
- عارف .. بس طمعهم زاد و أنا محتاج الأرض جدا ومش هسيبها فأعمل إيه بقا علشان أخدها وفى نفس الوقت أدفع فيها مبلغ مناسب .
مررت وعد أناملها على ذقنها وهى تفكر بعمق .. ثم ظهرت غمازتيها وهى تبتسم بمكر ينبئ عن إشتعال إضائة عقلها بفكرة ذكية .. تطلعت داخل عينيه بثقة وقالت :
- لقيت فكرة جهنمية .. بس الأول إنت هتدى الناس دول حقهم صح .
رد جاسم ببديهية :
- طبعا .. شركة رحال عمرها ما كلت حق حد .
ردت بقوة وهى تتابع فضوله بعينيه :
- بص يا سيدى .. جواب صغير لهيئة الآثار .. يطلع بعده قرار بإن الأرض دى تحتها آثار وتحت البحث .. يعنى الأرض إتحرقت و العيار اللى ما يصيبش يدوش .. فأصحابها هيخافوا إنهم يخسروها فهما اللى هيجروا وراك علشان تلبسها إنت .. سورى فى اللفظ .. المهم تشتريها انت بالسعر المناسب ليك وبرضه هيئة الآثار هتتأكد إن ما فيش آثار و لا حاجة .. وتبقى ملكتها بسهولة جدا .

وقف جاسم بعدما أنهت حديثها .. ووقف أمام شرفته بشرود .. وهى تنتظر بهدوء .. حتى إلتفت إليها وبدون حديث رفع سماعة هاتفه و طلب راندا .. حتى أتاه صوتها فقال بقوة :
- لو سمحتى يا راندا عاوز أستاذ عبد الصمد من الحسابات .. و أستاذ صالح من مكتب المحاسبة .. ومالك وسامر .. ولما ييجوا تعالى معاهم .
ثم أغلق هاتفه وجلس على كرسيه وهو يطالع ملفها مرة أخرى بتركيز أكبر .. ثم قال بجدية :
- ما شاء الله كنتى متفوقة .
ردت بدهشة من إنفعلاته الغير مفهومة :
- شكرا يا فندم .

بعد قليل كان الجميع بمكتبه .. وقف وهو ينقل بصره بينهم ثم قال بنبرة صوت عالية بعض الشئ :
- حابب أعرفكم على الآنسة وعد .. هتبقى مديرة مكتبى .. فأنا عاوز منك يا أستاذ عبد الصمد إنك تدربها .. وحضرتك يا أستاذ صالح هتستلمها بعد أستاذ عبد الصمد .. لأنها هتبقى من التيم بتاعى زى مالك وسامر .
إبتسمت وعد بإنتصار .. وهى تتطلع بمالك الذى حدجها بفخر .. بينما إشتعلت عينى جاسم وهو يتابع حوارهما الصامت .. ثم قال بحدة :
- مالك .. آنسة وعد بقت مديرة مكتبى لو سمحت تاخد ملفها وتعمل اللازم .
أومأ مالك برأسه وقال :
- حاضر .. كله هيبقى تمام .
أشار جاسم بيديه وقال :
- تقدروا ترجعوا مكاتبكم .
إنصرف الجميع .. بينما بقى مالك ووعد وسامر .. حتى قال مالك بغمزة عين لجاسم :
- بس إيه رأيك فى الهدية بتاعتى .
تطلع جاسم لوعد المطرقة رأسها بخجل .. من المؤكد أن ورائه مالك فهى لم تخجل منه طوال حديثهما .. إبتلع ريقه بغصة مؤلمة ثم قال بإبتسامة باهتة :
- فعلا تستاهل .. دى يا إبنى دماغها متكلفة .
ردت وعد بإبتسامة إمتنان :
- متشكرة لحضرتك يا فندم .. ويا رب أكون قد ثقتكم فيا .
رد جاسم وهو يتابع ملامحها الرقيقة :
- إن شاء الله ..تقدروا تتفضلوا .
حمل مالك ملف وعد .. و أشار إليها سامر أن تتحرك أمامه وبالفعل إنطلقت أمامه .. ليجلس جاسم على مكتبه وهو يتطلع للمقعد التى كانت تحتله منذ قليل .. وواضح أنها لم تحتل مقعده فقط بل أصبحت تحتل شئ آخر بداخله يتعبه عند رؤية نظراتها المتبادلة مع مالك .. كما كانت تتعبه كلماته عنها سابقاً...
.........................................................................................................
...............................

كانت تسير والوجوم على وجهها .. تريد تكذيب حدثها بشدة .. فما تظنه قد يكون كارثة... حتى أتتها فكرة ربما تساعدها قليلا حتى تتأكد .. عادت لغرفة المدرسات وهى تحمل بداخلها من العزم ما يريحها قليلا .. إرتمت على مكتبها قائلة بإرهاق من كثرة التفكير :
- السلام عليكم يا بنات .
ردوا جميعا :
- وعليكم السلام .
إقتربت منها خلود وهى تلاحظ شرودها ووجومها الغريب على وجهها الصبوح بإبتسامته المشرقة دائما وقالت بفضول :
- مالك يا روضة بقالك كام يوم مش مظبطة .
وقفت روضة وقالت بصوت عالى للفت إنتباه الجميع إليها :
- بعد إذنكم يا بنات كنت محتاجة آخد رأيكم فى موضوع كده .
لاحظت إنتباه جميع معلمات الروضة إليها .. فقالت بثقة وعزم :
- كنت حابة نعمل حملة توعية للأطفال ..... عن التحرش .

لاحظت تحول نظرات الفضول لتعجب و إزدراء .. فأردفت قائلة وهى تستمع لهمهماتهم المعترضة :
- إسمعونى لو سمحتم .. إحنا هنعرف الولاد بطريقة بسيطة كأننا بنحكى ليهم قصة أو أغنية إنه مش مسموح لحد يلمسهم غير القريبين منهم و حتى القريبين لو لمسوهم بطريقة مش مناسبة يحكوا لأهلهم فورا .. إيه رأيكم يا رب تقتنعوا و تفهموا قصدى إيه .
ردت خلود بمكر متفهم فهى تعلم مقصدها فهى أيضا تشك بذلك الحيوان المؤتمن على عشرات الأطفال والذى تشعر أنه يتطاول عليهم باللمس و ما خفى كان أعظم :
- أنا فهماكى يا روضة وموافقة جدا .
فقالت ريهام مؤكدة :
- وأنا كمان موافقة .. نتكلم مع ميس سميرة وأنا واثقة إنها هتوافق وهتفهم قصدنا .

بدأت أغلب المدرسات فى التجاوب مع فكرة روضة .. و بعضهم متحفظ من أن ينبهوا الأطفال لأمور سابقة لأوانها .. ولكنهم إجتمعوا على أن موافقة مديرتهم الأستاذة سميرة هى الفيصل ..إنتبهوا جميعا على دخول مصطفى عليهم الغرفة .. ليمتعض وجه أكثرهم .. بينما قالت خلود بضيق :
- يا ريت يا مستر مصطفى تدى إشارة قبل ما تدخل علينا فجأة كده معانا منتقبات .
إبتسم مصطفى بسخرية .. ثم قال بحدة :
- إبقوا حطوا جرس جنب الباب علشان أضربه قبل ما أدخل .
وقفت روضة بقوة وقالت ونظراتها تتفحص ردة فعله :
- مستر مصطفى كنت عاوزة آخد رآيك فى موضوع كده كلنا قررناه .
عاد مصطفى بظهره للمقعد ليجلس بغرور واضعا ساق فوق الأخرى بوقاحة وقال ببرود :
- إتفضلى يا ميس روضة .
تحاملت روضة على نفسها وهى تطالع وقاحته .. ثم زفرت مطولا بضيق وقالت :
- كنا عاوزين نعمل حملة توعية للأطفال من التحرش .
إبتلع مصطفى ريقه بتوتر وتشنجت تعابير وجهه .. فقد فطن أنها إستطاعت كشف أمره .. تلك المتطفلة ستفسد متعته الخاصة والتى سعى ورائها كثيرا .. أجابها بضيق و قسوة :
- مش موافق طبعا .. إزاى تنبهوا الأطفال لحاجة زى كده .. أنا واثق إن ميس سميرة عمرها ما هتقبل بالكلام الفاضى ده .. و لا أولياء الأمور كمان .
إبتسمت روضة بنصر و هى تتابع توتره وغضبه .. ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها و قالت بتحدى :
- أنا متأكده إن ميس سميرة هتوافق .. إحنا دورنا نحمى الولاد و ننبهم بالحيوانات اللى حوالينا فى كل مكان .. واللى بيسمحوا لنفسهم يأذوهم و يطفوا برائتهم بلمسة .. أو بوسة أو توصل بعد كده لإغتصاب .

إشتعلت عينى مصطفى كأنها توجه إليه كلماتها .. هو على يقين الآن أنها تعلم أكثر مما يظن .. ربما قص لها طفلا أو طفلة تصرفاته البزيئة معهم .. فهو لم ينسى يوم سألته عن الطفلة التى قالت أنه قبلها بطريقة غريبة .. و رغم إنكاره إلا إن روضة لم تقتنع وهذا البادى على عينيها المتحدية له بقوة تقلقه .. فقال أخيرا بنبرة مستهزئة :
- برضه أنا مش موافق تفتحوا عنين الولاد على القرف ده .

ثم وقف وترك الغرفة وخرج .. وإنهمك الجميع فى أعمالهم وأحاديثهم الجانبية .. لتجلس خلود وريهام بجوار روضة التى تشتعل من غضبها ولا تملك أى دليل ملموس على ظنونها .. فقالت لها ريهام بضيق :
- الراجل ده أنا مش بطيقه .. مش عارفة ميس سميرة بلتنا بيه ليه .
ردت خلود بنبرة ساخطة :
- أنا قولت من الأول إن وجوده بينا ومع الولاد أكبر غلط .. ده واحد ما سابش واحدة إلا لما بص عليها .. وبيتمادى مع اللى بيتساهلوا معاه .
رفعت روضة نقابها وقالت بقوة وتصميم :
- لازم نقنع ميس سميرة .. بأى شكل .. الولاد دول أمانة برقبتنا و لازم نبقى قدها .

.........................................................................................................
...........................

كلما إنهمك بالعمل تعود له وعد بفظاظتها و كبريائها و ردودها القوية لتبتسم شفتيه فيرفع رأسه بشرود و هيأتها المتحدية و نظراتها الحادة تخترقه... حتى تذكر موعده مع علا للإتفاق على ديكورات شركته الجديدة .. فهاتف مالك وسامر .. وبعد قليل وقفوا أمامه .. فطلب من مالك قائلا بجدية :
- مالك عاوزك تتفق مع صاحب البرج ده علشان نتمم شراء الدور اللى فوق كامل .
أومأ مالك برأسه وقال :
- حاضر .. إن شاء الله أخلص الموضوع ده النهاردة .. ووعد مع الأستاذ عبد الصمد .
أومأ جاسم برأسه وهو يعبث بقلمه .. شاردا بها كلما إستمع لإسمها يشعر بشئ غريب أصبح يضايقه بشدة .. فقال مسرعا ليفيق من حالة الوجوم و الشرود المرهقة تلك :
- تمام .. بس بسعر مناسب إوعى تفتح منك .
إبتسم مالك بثقة وقال بغمزة من عينيه :
- عيب عليك .. هبهرك يا معلم .. يالا سلام .
خرج مالك تحت أنظار جاسم وسامر حتى قال جاسم لسامر وهو مطأطأ رأسه بضيق :
- عاوزك تروح شركة علا يا سامر تتفق معاها على ديكورات الشركة الجديدة .. أنا ماليش مزاج .
إشتعلت عينى سامر بفرحة خفية .. ثم مرر يده على ذقنه الذهبية بشوق .. قائلا بجدية تخفى ما بداخله من سعادة غامرة :
- حاضر .. فى حاجة معينة فى بالك .
هز جاسم رأسه نافيا .. وقال متنهدا :
- ﻷ .. اللى تشوفوه أنا موافق عليه .. وواثق فى ذوقكم .
لاحظ سامر تلك الحالة الغريبة المتملكة من جاسم فسأله بقلق :
- مالك يا جاسم .
إبتسم جاسم إبتسامة ميتة .. وقال بفتور :
- عادى يا سامر .. بفكر فى الشركة الجديدة مش أكتر .
أومأ سامر برأسه وهو يغالب شعوره بكذب جاسم .. لكن شوقه لرؤية علا طغى على تفكيره فقال :
- تمام .. هروح أنا واللى هنتفق عليه هجيبلك نسخة منه .
ترك جاسم قلمه وقال ببرود :
- إن شاء الله .. يالا قوم ما تتأخرش .
وقف سامر وتوجه لباب المكتب وهو يبتسم بفرحة .. بينما شعر جاسم أن رأسه ستنفجر من كثرة التفكير .. و بدون أن يشعر حملته قدماه لمكتب عبد الصمد .. فرآها تجلس بجواره وتضع يدها أسفل وجنتيها وهى تتابع شرح عبد الصمد بجدية كأنها تلتهم كل حرف يخرج منه .. لوهلة شعر بنيران تلتهمه وهى تتطلع لعبد الصمد هكذا رغم فارق السن الكبير بينهما .. ثم تبتسم فتنغرز غمازتيها بوجنتيها .. ثم تعود وتسأله وهو يجيب عليها .. يا الله ملامحها الطفولية وعفويتها تجذبه إليها بشدة .. رغم أنها ليست من الشخصيات التى يفضل التعامل معها ..طريقة لبسها المحتشمة جدا... و جميلة بنفس الوقت .. تحفظها الزائد عن الحد .. وتلك النظرات البغيضة بينها وبين أقرب أصدقائه .. بل أخيه وأكثر .....مالك .....
لاحظوا وقفته المتأملة فوقف عبد الصمد مسرعا وقال مرحبا بجاسم :
- أهلا وسهلا يا باش مهندس .. نورت مكتبى .. إتفضل .
وضع يديه بجيب بنطاله وعينيه لم تترك وعد ولو لثانية ثم سأله قائلا :
- هاه إيه الأخبار .. إيه رأيك فى وعد .
زمت وعد شفتيها وهى تستمع لإسمها مجردا دون ألقاب .. بينما رد عبد الصمد قائلا :
- ما شاء الله عليها بتستوعب بسرعة جدا .
ظلت وعد على جلستها و تطلعت للأوراق أمامها هربا من نظرات جاسم إليها .. حتى خاطبها قائلا :
- مبسوطة معانا يا وعد .
إستدارت برأسها إليه وقالت بحدة :
- الحمد لله يا باشمهندس .

شددت وعد على حروف باشمهندس لتخبره بأنه يتمادى بنطق إسمها مجردا دون ألقاب .. و رمقته بضيق وهى عابسة .. طاف بعينيه على ملامحها الجميلة و إبتسم بمشاغبة وقال :
- تمام .. خلى بالك من .. وعد .. يا أستاذ عبد الصمد .

هو الآخر شدد على نطق إسمها مجردا .. وعندما لاحظ بداية زوبعتها الغاضبة حتى إستدار وهو يبتسم بمكر قائلا :
- أسيبكم تشوفوا شغلكم .
وتركهم وإبتعد عائدا لغرفة مكتبه .. وقف فى نافذته يتأمل السماء بشرود وعلامات إستفهام كثيرة تدور برأسه .. وصورتها لا تفارقه .. يصاحبها صورة مالك .

...................................................................................................
..............................

كانت تجلس على مكتبها تتطلع لحاسوبها بدقة وهى تتابع عملها بشغف .. فما تبقى من زوجها هو ذلك المكتب و إبنتها.. لتتحول لإمرأة خاوية كانها إنسان آلي فاقد للحياة و لكن يتحرك بديناميكية... حتى دخلت عليها سكرتيرتها قائلة :
- أستاذ سامر العطار من شركة رحال بره يا باشمهندسة وحابب يقابل حضرتك .
رفعت علا عينيها عن حاسوبها .. وإبتلعت ريقها بصعوبة .. وقد زادت سرعة أنفاسها ودقات قلبها و هى تتسائل لما أتى إليها .. وماذا يريد ؟؟؟؟؟
تنفست نفسا طويلا وزفرته مرة واحدة وهى تستجمع كل قوتها وأكثر لتلك المقابلة الصعبة عليها .. ثم خرج صوتها متحشرجا بتوتر وهى تقول :
- خليه يتفضل .

عدلت من حجابها وسترتها وإعتدلت فى جلستها و تطلعت للباب الذى ما أن دلف منه بهيئته التى طالما سحرتها حتى إرتخت جميع عضلات جسدها كأنه يخذلها للمرة المليون أمام تلك العيون الخضراء .. والشعرات الذهبية .. وجماله المبالغ فيه .. وقف أمام مكتبها بكل هيبته و وسامته التى إحتلت كل المكان من حولها .. مد يده ناحيتها وقال وهو يلتهمها بعينيه :
- السلام عليكم .
مدت يدها التى ترتجف بشدة لتحتضن كفه فشعرت بتلك القشعريرة تسرى بجسدها مجددا .. مرت سنوات طويلة ولازالت ترتجف بهذا الضعف أمامه .. قالت وقد تعلقت عينيها بعينيه تأبى الإنصياع لأوامرها بالإبتعاد :
- وعليكم السلام .. إتفضل .
سحبت كفها مسرعة حتى لا يشعر بتأثيره عليها .. ثم أشارت له ليجلس .. وعادت لكرسيها كأنها تتحصن به من إشاراته القوية التى يلتقطها قلبها بسرعة أرهقته .....
عندما شعر برجفة كفها بين كفه .. شعر بنشوة غريبة ملأته فمازال تأثيره عليها واضح وبشدة رغم نظرات الفتور والبرود التى تتصنعها إلا أن شوقها قد غلبها بالنهاية .. و ملمس كفها الرقيق الناعم أثار بداخله مشاعر لم تهدأ لثانية رغم البعد و تفارق الطرق .. لم يقدر على إبعاد عينيه عن عينيها التى تسلبه آخر ذرات تعقله نحوها .. ولكنه دون أن يشعر وجد نفسه يجلس أمامها .. إبتسم بهدوء وهو يتابع فركها لأصابع يديها بتوتر فقال بصوته التى تعشقه وهو يعلم :
- أخبارك إيه يا علا .
تطلعت داخل عينيه بقوة وقالت بجدية مستعارة :
- الحمد لله كويسة .. الأستاذ جاسم اللى بعتك مش كده .
أومأ برأسه وقال بإبتسامته الساحرة :
- أيوة .. ده لحسن حظى طبعا .
ردت علا بصوت صادم وصارم بنفس الوقت لا يتناسب مع رقتها و نعومة ملامحها :
- المهم .. أنا جهزت كذا تصميم مبدأى .. على أساس إختياركم هكمل شغلى ولما أخلص هعرضه على جاسم وآخد رأيه .
إبتسم سامر بمداعبة .. ثم قال ببساطة :
- هنتكلم فى الشغل على طول .. ما كنتش أعرف إنك بخيلة مش تسألينى أشرب إيه الأول .
شعرت علا بخجل غريب .. وإرتباك غبى وهى تقول بتلعثم :
- آه .. آه طبعا تحب تشرب إيه .

طاف بعينيه على ملامحها التى إشتاق لكل تفصيلة بها .. عينيها السوداء الدافئة .. خمريتها المحببة لعينيه .. شفتيها المرسومة بدقة إستفزته وهو يشعر بأن يجذبها إليه بالقوة ليضرب رأسها بالمكتب التى تحتمى ورائه منه و يزيل ذلك اللون النحاسى الذى يشغل عينيه و أكيد عينى كل رجل رآها .. لكنه تنهد مطولا وقال ببرود :
- قهوة لو سمحتى .
رفعت سماعة هاتفها وقالت بحدة :
- إتنين قهوة مظبوطة لو سمحتى .
ثم أغلقت الهاتف .. لتزيد إبتسامته المشاغبة وقال مباغتا :
- لسه فاكرة إنى بشرب قهوتى مظبوط .
نزلت كلماته عليها كالسياط .. ولكنها لم تعطه فرصة التلذذ بضعفها بل قالت بعملية :
- أنا ورايا مشوار ضرورى بعد نص ساعة فلو سمحت إختار التصميم اللى هكمل عليه بسرعة لأنى مستعجلة .
مرر أنامله على ذقنه الذهبية وهو يحدجها بغضب تعلمه جيدا .. ثم وقف وإلتف حول مكتبها وسط ذهولها وتعجبها من تصرفه .. ثم مال ناحيتها بجذعه بحركة مفاجئة وقال وهو يغوص داخل عينيها :
- وأنا مش عاوز أعطلك .. يالا نبدأ شغل .

لم يخفى عليه حركة صدرها السريعة .. ولا دقات قلبها المرئية له دون أى تدقيق .. لكنها إعتدلت بجلستها مسرعة وأضائت حاسوبها .. لتظهر صورتها مع طارق وهو يحتضنها من الخلف ووجه ملاصق لوجهها وسعادتهما بادية بإبتسامتهما المشرقة .. شعر سامر بخنجر مسموم قد طعن بقلبه .. وقد إشتعلت عينيه بنيران تكاد تلتهمه حيا .. بدت ملامحه مخيفة بعض الشئ .. حتى أنها فتحت إحدى الملفات على الحاسب مسرعة لتخفى بها الصورة التى بدلت ملامحه بتلك السرعة .. فسألها ببرود غاضب شرس :
- حبتيه ؟؟؟؟
إرتفع حاجبيها بإستنكار من وقاحته وقالت مسرعة بإستياء :
- وإنت مالك .. دى حاجة ما تخصكش .
قبض على ذراعها بقوة غير مبالى بألمها وهدر بها بصوت أجش مرعب كنظراته التى ترعبها :
- ردى عليا كنتى بتحبيه .
حاولت تخليص يدها منه حتى فشلت .. فقالت له بعيون يملأها الحقد والغل :
- عاوز تعرف .. أيوة حبيته و أكتر حاجة ما ندمتش عليها فى حياتى هى إرتباطى بطارق .. وحبيته من قلبى ولسه بحبه أكتر .. حتى بعد ما سابنى لوحدى .

ساد صمت طويل وهو يتطلع إليها بنظرات أسد يصارع الموت من كلماتها التى ذبحته دون شفقة أو شعور .. ولكنه أغلق عينيه قليلا كأنه يحميها من تهوره الذى كاد أن يفتك بها وهى تخبره بكل وقاحة بعشقها لغيره وهو الذى بقى على حبها كل سنواته الماضية .. فتح عينيه وقد ظهر بهما شر العالم كله وهو يصرخ بغضب أعمى :
- إزاى .. إنتى

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent