رواية وعد بلا رحمة الفصل الثاني 2 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

رواية وعد بلا رحمة الفصل الثاني بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الثاني

 للحياة وجوه عدة تترك آثارها علي شخصياتنا.. و حين نتغير نسأل انفسنا كيف لنا ان نتحول بهذا الشكل من النقيض للنقيض أحيانا.. مشاعر تطفو فجأة و مشاعر تندثر أسرع..
دائما ما تكون مشاعرنا كشمعة تنتظر من يشعلها لتضئ نفوسنا و تتملك منا.. و هناك شموع لا تكتفي بالإنارة فقط بل قد تسبب الحروق احيانا و إشتعالها يترك ندبات لن يمحوها الزمن..
الزمن و الحياة...
قد يظنهما البعض وجهان لعملة واحدة و لكن هذا لضعيف البصيرة فالزمن مجرد وقت قد مضى و وقت قادم سيصبح ماضي بيوم ما.. أما الحياة فهي رحلة بزمنها و اشخاصها و أماكنها و تحولاتها.. شاملة كاملة.. إن أخطئنا بها خطأً واحداً سندفع ثمنه باقي الزمن بعمرنا....

لم يكن يعبأ بحمله الذي يزداد و يزداد و تلك الحقائب تكاد تلتهمه من كثرتها و عقله يخشى أن ينسى أحد و حينها ستقوم الحرب و لن تهدأ .... إستمر تسوق مالك وجاسم لوقت طويل ليقول جاسم بإرهاق :
- أنا بستسلم تعبت خلاص .
ضحك مالك ضحكة عالية و قال ساخرا مشيرا لتلك الحقائب الكثيرة التي يحملها :
- يا إبنى هو حد يجيب هدايا بالكم ده .. لأ وكلها حريمى .
إرتمى جاسم بجسده على أحد المقاعد و رص حقائبه بجواره قائلا بضحكة ساخرة :
- ده أنا لو نسيت واحدة منهم هيعلقونى .. أنا فى بيت كله حريم .. أنا وأبويا اللى فلتنا .. هو أخ على بنتين كل خلفتهم بنات .. وأنا أخ على بنت واحدة ومخلفة كمان بنت .. ده غير أمى .
قهقه مالك عاليا وقال بسخرية مازحة :
- ديك البرابر يعنى .
إمتعض وجه جاسم و طالعه من طرف عينيه قائلا بتذمر:
- برابر .. الملافظ سعد .
تنهد مالك بقوة فاقدا صبره وقال بجدية :
- بلا سعد بلا مسعد .. و قوم بقا .. لسه هدية روضة و وعد .. بس هدية روضة هجيبها من مصر .. يبقى لسه وعد و دى مهمتها صعبة قوى .
تطلع مالك حوله على واجهات المحلات مستلهما الصبر لانه يبحث عن شئ لا يعرفه .. حتى جحظت عينيه وإتسعت إبتسامته بفرحة فقد وجد ضالته .. وجد هدية لوعد تتمناها كثيراً .. فقال مسرعا :
- لقتها .
إلتفت جاسم برأسه ليرى ما شد إنتباه مالك لهذه الدرجة حتى علا التعجب ملامحه .. وقال بدهشة :
- بتهزر .. وده هتعمل بيه إيه إن شاء الله .
حمل مالك الحقائب الخاصة به وتوجه مسرعا لذاك المحل ووقف يتأمل هذه الهدية الثمينة و هو يتخيل ردة فعل وعد لرؤيتها .. وقف جاسم بجواره بعدما حمل حمله الثقيل و قال موضحا :
- بس ده أكيد غالى .. وإنت صرفت كتير .
غمز له مالك بعينيه وقال برجاء :
- ما إنت هتقف جنب صاحبك .. ولا إيه يا معلم .
ضيق جاسم عينيه وهو يدعى عدم الفهم وقال بمكر عابث :
- مش فاهم يا معلم .
رفع مالك عينيه بملل و هو يقول:
- لأ فاهم يا جاسم وما تستعبطش .
هز جاسم رأسه بإبتسامة متحيرة لحال صديقه وقال بإنصياع :
- حاضر يا سيدى يالا بينا ندخل نشتريه .
........................................................................................
........................................

خرجا من المحل وسعادة شديدة منتابه مالك و هو يتأمل هدية وعد بشغف متخيلاً ردة فعلها عندما تراها مؤكد ستقفز من الفرحة و ربما ستسقط مغشياً عليها .. ربت على ذراع جاسم وقال بإمتنان :
- مش عارف أشكرك إزاى .. أول ما نرجع مصر هحضرلك الفلوس اللى دفعتها .
إبتسم جاسم بمكر و هو يقول بنبرة خبيثة :
- مستعد ما أخدش منك مليم لو قولتلى ليه إخترت الهدية دى بالذات ؟.
لمعت عينى مالك وهو يقول بسحر :
- لأنها بتحب تغنى .. وصوتها سبحان الله يجنن .. لما بتغمض عنيها و تغنى.. إنت تنسى الدنيا من كتر ما صوتها حلو قوى .

- بتغنى !!!!
قالها جاسم وهو يزداد تعجبه .. و حيرته .. و شعور غريب من الفضول يمتلكه .. بينما تابع مالك بإبتسامته الهادئة قائلا :
- أيوة يا سيدى بتغنى .. وكانت دايما بتروح قصر الثقافة وتحضر حفلات .. لغاية ما دخلت الجامعة وقررت إنه مش هتغنى
قدام حد غريب تانى .. عرفت بقا أنا جبت الهدية دى ليه .
إبتسم جاسم بشغف وقال مغيراً للحوار ليخفي إهتمامه بها :
- عرفت .. يالا نرجع الأوتيل تعبت.. وبكرة إجتماعنا الأخير مع مستر خافيير علشان شحنة الخشب الجديدة .. المصيبة إنى هقابل القنبلة النووية بنته .. ربنا يثبتنى بقا .
ضربه مالك على صدره القوى بقوة وقال بصرامة :
- وراك رجالة .. ومش هسيبها تستفرد بيك ثانية .
عدل جاسم من وضع حقائبه و حملها على كتفه و هو يقول بتنهيدة ساخنة:
- يا ريت .. لأنى حاجة تانية منها وهتجوزها عرفى وقتى .
دفعه مالك أمامه و قال بحزم :
- عرفى ... قدامى يا أخويا يالا .
تعالت ضحكات جاسم و هو يسير امامه نافضا صورتها الجميلة من خياله و هو يتابع الواجهات بتركيز لربما نسي واحدة
من اسرته و هو لا يريد وجعاً لرأسه....
..........................................................................
..........................................

فى الصباح جلست روضة و عمرو و جدتهم على طاولة الافطار .. فسأل عمرو جدته على نواقص المنزل .. فأعطته ورقة ومبلغ مالى .. فسألها مستفسرا :
- هى حوالة الشهر ده وصلت من الكويت ؟
أومأت روضة برأسها وقالت مؤكدة :
- أيوة وصلت .. وأنا إستلمتها إمبارح .. إنت عارف هما مش بيتأخروا علينا بالفلوس.. دى حتى كانت زايدة الشهر ده .
تنهد عمرو بأسى وقال بحزن :
- وآخرتها إيه مش هيرجعوا بقا .. على الأقل علشان الغلبانة وعد .
خرجت وعد على ذكر إسمها من غرفتها وقالت بضيق :
- ومين قالك إنى عايزة أشوفهم أصلا .. إحنا مرتاحين من خناقهم وعايشين أحلى عيشه .
سحبت كرسيها وجلست بمكانها .. ومالت على عمرو وقبلته بوجنته وقالت بحب :
- ربنا ما يحرمنى منك يا حبيبى .. شكرا على الشوكولا والأيس كريم .
إحتضن عمرو رأسها بذراعه وقبل مقدمة رأسها وقال بحب :
- إنتى تؤمرى بس يا بنوتى يا حلوة .
فسألتها روضة بتعجب :
- إيه اللى صحاكى بدرى يا وعد .
لفت وعد ذراعيها حول خصر أخيها وقالت وهى تشدد من إحتضانها له :
- حلمت حلم مش حلو .. وما عرفتش أنام تانى .
فقالت لها الجدة بإشفاق :
- إستعيذى بالله يا حبيبتى وقومى صلى الضحى هترتاحى .
أومأت وعد برأسها وقالت بإبتسامتها الشقية :
- كنت هعمل كده .. بس محلوة إنتى النهاردة يا إمتثال .
ضحكت الجدة وأشاحت بيدها قائلة :
- يانى عليكى وعلى بكشك .
وقفت روضة و أنزلت نقابها على وجهها وقالت مسرعة :
- يالا يا عمرو علشان توصلنى للحضانة لأنى إتأخرت .
وقف عمرو وحمل هاتفه وقال بجدية وهو يبتلع آخر ما في فمه:
- يالا يا حبيبتى .. سلام يا دودو .
ودعتهم وعد قائلة:
- باي يا قلبى .. خلوا بالكم من نفسكم .
ردا الإثنان سويا :
- حاضر .. السلام عليكم .
ردت وعد والجدة :
- وعليكم السلام .
تنهدت وعد بأسي و هي تطالع صحنها بينما سألتها جدتها بقلق:
_ مالك يا وعد سرحانة بإيه يا حبيبتي؟!
رفعت عيناها ناحيتها و وضعت مرفقها على الطاولة و أسندت وجنتها على كفها و هي تقول بملل:
_ انا إتخرجت من الجامعة علشان أقعد بالبيت كده لا شغلة و لا مشغلة.
ربتت الجدة على كفها و قالت بحنو:
_ بكرة تشتغلى يا حبيبتي و تحققى كل اللى بتتمنيه بإذن الله.
إبتسمت وعد بخفوت و وقفت و عادت لغرفتها حملت منشفتها و هي تتذكر كلمات عمرو عن عودة والديها.. ثم تمتمت بخفوت و هل يعد مثلهما والدين فهما مثال للصلف و الجحود و خاصة تلك المسماة .... أمها.
..............................................................................
...........................................

إنهمكت روضة بعملها التى تعشقه رغم أنه ليس تخصص دراستها .. ولكن من يعمل بشهادته فى بلدنا مؤخرا .. مرت بين المقاعد وعلى ثغرها إبتسامة هادئة وهى تتابع رسومات الأطفال .. إقترب منها طفل صغير وأشار إليها قائلا :
- شوفى يا ميس أنا رسمت حضرتك .
تطلعت روضة للرسمة .. وقالت بفرحة :
- حلوة قوى يا حبيبى .
قبلته بوجنته وقالت بصوت عالى :
- يالا يا حبايبى كفاية رسم .. علشان نسمع سورة القدر اللى حفظناها .
لملم الأطفال ألوانهم ودفاترهم ..وبدأو فى تلاوة سورة القدر بإشارة من روضة .. وهى تبتسم لإتقانهم وتحمد ربها أن جعلها سببا لحفظهم آياته .
صفقت بيدها إليهم و هي تقول بزهو:
_ احسنتم.. كلكم شاطرين، طب مين هيقولنا ليلة القدر دى بشهر إيه؟!!
رفع الصغار أذرعهم بحماس بينما أشارت هي لطفل و الذى وقف مزهواً بنفسه لأنها إختارته هو عن البقية و أجاب:
_ شهر رمضان المبارك
صفقت له و أشارت لباقي زملائه بأن يصفقوا معها و هي تقول:
_ شاطر يا باسل.
و ظلت تطرح عليهم الأسئلة و تعطيهم الحلوى لتحمسهم أكثر.. حتى أنهت عملها وذهبت لغرفة المعلمات .. إرتمت بجسدها على مقعدها وقالت بتعب :
- بسبب غياب ريهام أنا شلت اليوم كله .
ردت زميلتها ومعلمة مثلها خلود قائلة بإبتسامة مشرقة :
- قدها يا رودى .. والعيال بيحبوكى جدا .
أنزلت روضة نقابها على وجهها عندما رأت تقدم أحد المدرسين نحو غرفتهم .. وقف الأستاذ مصطفى أمامهم وقال :
- أستاذة سميرة عوزاكم بعد الدراسة ضرورى .
ردت خلود بإمتعاض :
- حاضر يا مستر مصطفى .
تطلع مصطفى صوبهم مطولا .. ثم تركهم وإبتعد .. زفرت خلود بضيق و هى تقول بحنق :
- أعوذ بالله .. أنا مش بطيق الراجل ده خالص .
ردت روضة بعقلانية :
- دعى الخلق للخالق .. وما تجبيش سيرة حد وهو مش موجود .
أومأت خلود برأسها وقالت بإنصياع :
- حاضر .. بس تفتكرى ميس سميرة عاوزانا فى إيه .
مطت روضة شفتيها وقالت بحيرة :
- مش عارفة .. ربنا يستر .
- طب يالا نلم حاجتنا ونستعد الجرس قرب يضرب .. خلى دادة تسلم الولاد لأهلهم .
وقفت روضة بعدما لملمت أشيائها وحملت حقيبتها وقالت بهدوء رزين:
- هروح أقولها و أكد عليها لما تكونى خلصتى .

...........................................................................................
........................................

إجتمعت الأستاذة سميرة مديرة المدرسة بهيئة التدريس للمدرسة الإبتدائية و الروضة لمناقشة آخر التطورات الخاصة بخطتها الجديدة للدراسة و الوقوف عند آخر المستجدات .. بدأت المشاورات و إبداء الآراء بما تم تنفيذه بالفعل و ما لم يكن يصلح من البداية .. إستمع الجميع إلى الآراء الجديدة وتناقشوا حولها .. حتى جاء دور روضة الأطفال فإقترحت سميرة بعض الأفكار الجديدة و منها تكليف الأستاذ مصطفى بالإهتمام بحصص اللياقة البدنية للأطفال .. وقفت روضة بتبرم هادئ وقالت :
- بس يا ميس سميرة الأولاد فى المرحلة دى بيفضلوا التعامل مع سيدات أكتر من الرجالة .. أنا طبعا معنديش أى إعتراض على شخص الأستاذ مصطفى بس هيبقى صعب الولاد يتأقلموا على الوضع الجديد .
فكرت سميرة بكلمات روضة قليلا ثم قالت بهدوء :
- ممكن كلامك يبقى صح علشان كده التجربة خبر دليل .. إحنا هنجرب ونشوف الولاد هيتقبلوا ده و لا ﻷ .
إرتسمت إبتسامة شيطانية على ثغر مصطفى .. فقد وصل لمبتغاه بسهولة كبيرة و دون أى عناء ..
فمريض مثله لا يجب وضعه بين تلك الملائكة الصغار...
بينما وقفت خلود محتدة و قالت بإندفاع:
_ يا أستاذة سميرة دى روضة أطفال مش حقل تجارب و بالعقل الولاد هياخدوا وقت لغاية ما يتعودوا و يمكن لأ كمان... يبقى ليه نجرب أصلا.
إحتدت نظرات سميرة ناحيتها مما جعلها تجلس ثانية بإحراج بينما أجابتها الآخرى بإصرار:
_ يا أستاذة خلود.. إزاى واحدة بنت منكم هتقعد تتنطط مع الولاد بالتمارين الجسدية.. البديهي هنا إنه راجل اللي يعمل كده.
خرجت كلمات خلود دون رقابة ثانية و هي تقول بسخرية:
_ أى راجل تاني إلا ده.
وقف مصطفي و قال بغضب:
_ ليه بقا إن شاء الله؟!!
وخزت روضة خلود بذراعها بينما ضربت سميرة سطح مكتبها و هي تقول بنبرة قاطعة:
_ مش عاوزة كلام بالموضوع ده... ده قرار و هيتنفذ إتفضلوا الإجتماع خلص.
إنتهى الإجتماع و غادر الجميع .. سارت روضة و خلود قليلا لتنفجر الثانية قائلة بضيق :
- بصى بقا أنا عارفة إنك مش بتحبى تتكلمى عن حد .. بس أنا مش مرتاحة للى إسمه مصطفى ده و لا للقرار .. و قلبى مقبوض و إبقى إفتكرى كلامى ده .
فكرت روضة قليلا بكلمات خلود فمصطفي ذاك الجميع يعلم أن تصرفاته يشوبها بعض الشكوك و نظراته لزميلاته تتسم بالوقاحة و الجرأة... ولكنها إستغفرت ربها وقالت بداخلها :
- إن بعض الظن إثم .. أستغفرك ربى وأتوب إليك .
التزمت الإستغفار طوال الطريق .. حتى إستقلا سيارة أجرة .. ترجلت منها روضة عند الوصول لوجهتها و ودعت خلود و إتجهت لمنزلها .. صعدت الدرج بإرهاق .. و فتحت باب شقتها لتجد وعد أمامها بإبتسامتها الشقية .. نسيت روضة كل آلامها الجسدية والذهنية و بادلتها الإبتسام .. ثم رفعت نقابها و قبلت وعد بوجنتها و قالت بنبرة حنونة :
- وحشتينى يا قلبى .
إحتضنتها وعد بشوق و قالت بحب :
- إنتى وحشتينى أكتر .. إدخلى خدى شاور يفوقك على ما يكون عمرو رجع من الشغل و نتغدى سوا .
ربتت روضة على ظهرها و قالت و هى تبتعد عنها :
- حاضر يا حبيبتى .. هدخل أطمن أول على تيتة .
تطلعت إليها وعد بحب ثم عادت لجلستها أمام التلفاز و هى شاردة كعادتها .. و خواء نفسها و عقلها و أيامها بات كالصوت المزعج للصمت .. هو ذلك الصوت الاقرب للصفير و هو يدوى و يدور برأسنا عندما يصمت كل شئ حولنا .....

......................................................................................
........................................

وقف بسيارته الفارهة أمام تلك البناية العالية الحديثة الإنشاء والتى لم يسكن أغلب شققها .. صعد درجات الدرج الرخامية ثم إستقل المصعد .. ليتوجه به صوب شقته ..بعد قليل ترجل منه بهدوء ووقف أمام الباب وأخرج مفتاحه من جيبه وفتح الباب ودلف للشقة يبحث بعينيه عنها .. ثم صاح بنبرة حادة :
- رحاب .. يا رحاب .
خرجت من إحدى الغرف سيدة بمنتصف الثلاثينيات .. ترتدى فستانا قصيرا وضيق جدا يبرز مفاتنها بقوة .. إقتربت منه وعلى ثغرها إبتسامة شوق .. وقالت بدلال :
- أخيرا جيت .. وحشتنى قوى يا بيبى .
دنت منه و قبلته برقة على شفتيه .. فأبعدها عنه و قال بصرامة :
- بقالك إسبوعين بتلعبى عليا و أنا زهقت و مش عاوز أزعلك منى يا رحاب .
إرتجفت فرائصها و قالت مسرعة :
- ليه كده يا أمير .. أنا قولتلك إطمن البنتين هيخرجوا بعد بكرة من الدار .. لأنهم تموا الواحد و العشرين .. و أنا مطمناهم إنى هشوفلهم شقة و شغل و وثقوا فيا .. ده غير إنهم أيتام .. و مجهولين النسب و مالهومش حد يبقى فين المشكلة بقا .
أخرج من جيب سترته علبة سجائره و أشعل إحداها ونفث دخانها بوجه رحاب و قال محذرا :
- قدامك يومين .. يومين وساعة ما تلوميش إلا نفسك .
طوقت رقبته بذراعيها و قالت و هى تحدجه بنظرات إشتهاء :
- يا أمير ما قولتلك إطمن هى يعنى أول مرة .. بس المرة دى البنتين صواريخ .. و لسه بورقتهم .. يعنى عمولتى هتبقى الدوبل يا بيبى .
إبتسم أمير بمكر و قال و هو يفترسها بعينيه :
- و أنا موافق .. و تحت أمرك .. إنتي مش متخيلة هيتدفع فيهم كام دول كنز.
لمعت عيناها ببريق شيطاني و هى تقول بحماس:
_ احلى حاجة إنك هتبعهم مرتين و بالمرتين إوعى تنسي حصتي بالفلوس.
ألقى سيجارته على الأرض و دعسها بحذائه و هو يقول بإيماءة من رأسه:
_ أكيد طبعا مش هنساكي.
همست أمام شفتيه بقوة :
- وحشتنى قوى .. مش يالا بقا .
لم يعد يمتلك أمير صبرا على حركاتها المغوية .. فإعتقل خصرها و إنحنى بجذعه قليلا و حملها متوجها بها لغرفة من غرف الشقة .. و أغلق ورائه الباب بقوة .. لينغمسوا سويا بالمحرمات ...
كان يبادلها شغفها و هو لا يراها تقريباً فعقله دائما ما يصور له أى أنثي معه على أنها... علا..
التى رأها أول مرة بخطبتها على أخوه الوحيد لتسلب قلبه قبل عقله و سعى بكل جهده أن يمتلكها و لكن لم يجد حلاً للتخلص من أخوه سوى بإزاحته من طريقه......

...............................................................................
..........................................

فى اليوم التالى برومانيا .. إستعد جاسم ومالك للذهاب للإجتماع مع مورد الخشب إليهم خافيير .. توجهوا لمكتبه الخاص ودلفا إليه ومالك يحمل أوراق الإتفاقية .. تنفس جاسم مطولا بعدما رأى ديانا تقترب منه .. فإقترب من مالك وقال بتوجس :
- ورينا شطارتك يا معلم .
وقفت ديانا أمام جاسم و قالت بلوم :
- لماذا تركت الأوتيل جاسم .. لقد بحثت عنك كثيرا .
إلتفت جاسم لمالك وسأله بتعجب :
- بتقول إيه دى ؟!!
مال مالك ناحيته و قال بخفوت :
- بتقولك سبت الأوتيل ليه .. و إنها دورت عليك .. أستغفر الله العظيم البت دى فتنة .
ضحك جاسم ضحكة عالية و قال:
_ ماشي يا سيدى خلينا نشوف شغلنا أحسن.
ثم إنتبه لدلوف خافيير فإقترب منه مرحبا .. و لحق به مالك .. إستمرت مناقشاتهم حتى إتفقا و وقعوا العقود .. تنفس جاسم براحه .. و صافح خافيير مودعا .. و إقترب من ديانا و قال بتماسك :
- أراكى قريبا ديانا .. مع السلامة .
تنهدت ديانا بضيق و قالت :
- سوف أشتاق إليك كثيرا جاسم.
تنهد جاسم مطولا و هو يطالعها بهيام بينما دفعه مالك أمامه قبل ان يضعف وهو يقول ضاحكاً:
_ يالا قدامى مش عاوزين مشاكل أبوها هنا.
خرجا سويا و وضع مالك الأوراق بحقيبته الجلدية و قال براحة :
- الحمد لله خلصنا .. يالا بينا على الأوتيل علشان نجهز نفسنا للطيارة بالليل .
أومأ جاسم برأسه و قال مؤكدا :
- عندك حق .. يالا بينا نتغدى أول فى مطعم قريب من هنا أكله يجنن .

ركبا سيارتهما وتوجه بهما السائق للمطعم .. بينما لم تترك عقل مالك كلمات جاسم عن إحتمالية عشقه لوعد دون أن يشعر .. فتذكر شغبها وإبتسامتها الشقية لتبتسم شفتيه بشوق لم يشعر به من قبل .. إنتبه جاسم على شروده و إبتسامته الوالهه .. فإبتسم هو الآخر لتأكده من شكوكه بأن مالك غارق بعشق تلك الوعد دون أن يشعر .. لكن ما شغله هو ذاك الشعور بالضيق من فكرة عشق مالك لها .. فقال بداخله :
- أنا متضايق ليه ما يحبها .. وباعدين هو أنا أعرفها أصلا .. أنا مش هخلى مالك يحكى عنها قدامى تانى .. كفاية كده .

.................................................................................
......................................

فى المساء إجتمعت الفتيات فى غرفة روضة .. وقفت روضة بفخر تعلق تلك الرسمة التى رسمها لها أحد الأطفال على حائط الرسومات عندها .. فقالت روان بإبتسامتها الهادئة :
- دى رسمة جديدة يا روضة .
أومأت روضة برأسها وقالت بفخر :
- أيوة .. ببقى فرحانة قوى لما الولاد يقولوا إنهم بيحبونى .. ما بالكم بقا لما يحاول يرسمنى واحد منهم .
ما أن إنتهت من تعليقها حتى إنفجرت وعد ضاحكة ضحك هستيرى .. ثم تمالكت نفسها وقالت بصعوبة :
- يا نهار أبيض .. و إنتى إيه اللى حرقك كده يا روضة ... ههههه .
قطبت روضة جبينها بضيق وقالت بحدة :
- بطلى ضحك يا سخيفة .. ده هو بيشوفنى دايما بالنقاب .. فرسمنى زى ما بيشوفنى .
إعتذرت وعد و هى تخفى ضحكاتها و قالت بخفوت :
- آسفة .. مش هضحك تانى .. عموما زى القمر يارودى .
مصمصت روان شفتيها وقالت بمزاح :
- فعلا بقا روضة زى القمر .. دى أحلى واحدة فينا .
ردت روضة بإمتنان :
- لأ يا روان إنتى أحلى .
ردت وعد بغضب :
- لا والله .. بقا خطافة الرجالة دى أحلى منى .
حملت روان الوسادة وضربت بها وعد وهى تقول بغضب :
- بقا أنا خطافة رجالة يا قليلة الأدب .
ردت وعد وهى تحمى نفسها بذراعيها من هجمات روان قائلة بتأكيد :
- أيوة خطافة رجالة .. مش خطفتى عمورة منى .
جلست روضة تتابع مناكشاتهم بإبتسامة هادئة .. بينما دلف عمرو لغرفة روضة فجأة وهو يقول :
- روضة حضريلى طقم علشان خا..... .

قطع كلماته وهو يتطلع لحرب الوسائد بين وعد وروان التى خجلت من رؤية عمرو لها بتلك الوضعية .. فاحمرت وجنتيها بخجل وأطرقت رأسها وتركت الوسادة من يدها وتنحنحت بحرج قائلة :
- أنا هنزل أنا .. بعد إذنكم .
أوقفها عمرو قائلا وعيونه تبثها شوقه بشدة :
- ﻷ .. خليكى أنا هغير هدومى وهنزل على طول .
ثم تطلع لروضة وقال بجدية :
- تعالى معايا يا روضة لو سمحتى .
سارت روضة ناحيته و هى تقول:
- حاضر يا حبيبى .
طالت نظرات عمرو لروان .. فلوت وعد ثغرها وقالت بتنهيدة :
- يالا يا عمرو لتتأخر على ميعادك .
إنتبه عمرو على كلمات وعد فتنحنح قائلا بإحراج :
- هاه .. آه تمام .
تركهم وإنصرف .. لتضع روان يديهها على وجنتيها تتحسس حرارتهم الزائدة وقالت بخجل :
- كده يا وعد .. أهه عمرو شافنى وأنا بضربك يقول عليا إيه دلوقتى .
ضحكت وعد على حالتها وقالت ساخرة :
- هيقول هبلة طبعا .. بس خلاص هو إدبس واللى كان كان .
صكت روان أسنانها بغضب وهجمت عليها قائلة :
- بقا أنا هبلة .. طب أنا هوريكى الهبل على أصوله .

ركضت وعد من أمامها وهى منهارة من الضحك .. بينما إبتسم عمرو وهو يستمع إليهم .. كم يتمنى أن يحظى بمحادثة روان دون أى تكليف وخجل كما تتحدث مع أى أحد سواه .. ولكنه يمنى نفسه بها عندما تصبح زوجته فعليا .. لا يريد أن يستبق أى شئ سيصبح ملكه .. إلا عندما يمتلكها فى منزله .. تنهد مطولا فربتت روضة على ذراعه وقالت بحنانها اللانهائى :
- هانت يا حبيبى وهتبقى ليك .. شقتك قربت تخلص .. وساعتها بقا عوض كل كلمة نفسك تقولهالها ومحرمها على نفسك .
إحتضنها عمرو وإبتسم براحة قائلا :
- ربنا ما يحرمنى منك يا نصى التانى .. مش عارف بتقدرى تفهمينى إزاى .
ابتعدت روضة قليلا عنه متطلعة داخل عينيه و قالت :
- لأنك نقى زى المية .. فا كل اللى جواك بيان على طول .
قبلها بمقدمة رأسها و تركته و خرجت ... إرتدى عمرو ملابسه المكونة من بنطال جينزى أزرق وقميص أبيض وحذاء رياضى أبيض .. ووضع عطره .. وخرج مسرعا .. إستنشقت روان عطره وأغمضت عينها بشوق .. تأملتها وعد وقالت ساخرة :
- يا عينى على الحب .
رمقتها روان بنظرة تحذيرية وقالت بقوة :
- إحترمى نفسك أحسنلك يا سنجوبة إنتي .
ردت عليها وعد بضيق :
- يوووه بقا .. هو مالك يمشى وإنتى تستلمينى .
إعتدلت روان بجلستها و قالت بفرحة :
- صحيح مالك راجع بكرة الصبح .. وحشنى قوى .

لملمت روضة شعراتها التى تناثرت على جبهتها و وضعتهم خلف أذنها تخفى إرتباكها عندما علمت بعودة مالك .. فقد إشتاقت إليه كثيرا .. كم تفتقد حديثهما عندما تحتد بينهما المناقشة على كتاب معين تقرأه روضة ثم يأخذ منها الكتاب لقرائته لمناقشتها مرة أخرى .. فهى تحتفظ بكل الكتب التى لمستها أنامله .. و مرت عينيه البنية على أحرفها .. بل و علق عطره بهم .. إبتسمت رغما عنها بينما قفز قلبها بفرحة لأن فترة عذابه ستنتهى و يرى ساكنه .
بينما قالت وعد بإمتعاض :
- أهلا هو راجع .. طب و الله مرتاحة منه و من نقاره .. أخوكى ده أستغفر الله مستفز إستفزاز .
وخزتها روان بذراعها و قالت بغضب :
- إتلمى يا بت إنتى .. هو فى زى مالك .. وجمال مالك .. بزمتك عمرك شوفتى واحد أبيضانى و شعره بنى و عنيه بنى و قمر كده زيه .
ردت وعد بسخرية :
- لأ يا أختى .. ما فيش أحلى من الراجل الأسمرانى .. بعيونه السودا و شعره الإسود هااااه .. راجل راجل يعنى .
ضربتها روان على رأسها و قالت بضيق :
- قصدك إيه يا زفتة إنتى .
ردت وعد بضحكها المستفز :
- دى آررراء .. آرررراء .
زفرت روضة بضيق لأنهم أخرجوها من حالة الهيام والشوق التى أخذتها لمنطقة وردية .. ثم قالت بحدة :
- إطلعى برة إنتى و هى عاوزة أنام .
زمت وعد شفتيها بطريقة طفولية ووجهت حديثها لروان وقالت :
- عاجبك كده أهى طردتنا .. قومى يا أختى نسهر قدام الفيلم الجديد .

خرجت الفتاتان وتركتا روضة بمفردها .. فتوجهت لمكتبتها وحملت إحدى الكتب .. وقربته لأنفها وهى تشتم عطره ... ثم أغلقت عينيها وهى تدعوا الله أن ينتبه ذلك المتحجر القلب عليها .
منذ رأته اول مرة و قد تحرك بداخلها شعور ثمين تعلم أنه يستحقه.. و قد زاده ذلك الشعور بالتوافق بينهما كأنهما نصفين و كلا منهما يكمل الآخر.. مالك.. و الذى ملك قلبها بأدبه و شخصيته الرقيقة المحبة لأسرته و إجتهاده بعمله و ثقافته رغم صغر سنه...

..........................................................................................
............................................

فى صباح اليوم التالى هبطت الطائرة القادمة من رومانيا لأرض الوطن .. تجول مالك وجاسم داخل المطار حتى عثر مالك على وجهته .. فإلتفت لجاسم وقال بجدية :
- تعالى معايا يا معلم نجيب هدية روضة .
أشار إليه جاسم قائلا بضيق :
- إتفضل يا أستاذ لما نشوف آخرتها معاك مرة وعد و مرة روضة.
إبتسمت شفتى مالك بشرود و هو يقول:
_ روضة دى جوهرة.. تعرف البنت اللي بيحلم بيها اي شاب ، هي بقى روضة.
هز جاسم كتفيه بتسليم ودلفا لمحل يبيع المشغولات الفضية .. وإستمر مالك في بحثه عن شئ يرى به روضة والتى لم يرها بحياته .. ولكنه رسمها بمخيلته كلما تحدث معها .. أو على وصف والدته و روان .. إبتسمت شفتيه وهو يرى سلسال دائرى يحاوطه فصوص لامعة صغيرة .. ويتوسطه لفظ الجلالة [ الله ] .. وقف جاسم بجواره وقال مجاملا :
- ذوقك حلو على فكرة .
تأملها مالك كثيرا و سأله:
- عجبتك .
أومأ جاسر برأسه وقال مؤكدا :
- أيوة .. يالا إشتريها خلينا نمشى .. عربيتى فى جراج المطار .
إبتاع مالك السلسال .. ثم خرجا وركبا سيارة جاسم .. سيارة شبابية فارهة .. فتح سقفها وإنطلق فى إتجاه دمياط .. فى الطريق إلتفت مالك لجاسم و قال له برجاء :
- بقولك يا صاحبى .. ما تخلى هدية وعد عندك لما ييجى عيد ميلادها .
شعر جاسم بالضيق فور سماعه لإسم وعد .. فتغاضى عن شعوره وقال مطالعا الطريق امامه :
- تمام .
ضحك مالك ضحكة عالية .. وقال وعينيه تلمع بإشراق :
- أموت وأشوف وشها لما تشوف هديتها .. أكيد هتفرح جدا .
قاوم جاسم فضوله فى متابعة أسئلته عن وعد.. ولازم الصمت .. أو الحديث عن أشياء أخرى .. بعد ثلاث ساعات .. وصلا لوجهتهما .. صف جاسم السيارة أمام منزل مالك .. وساعده فى حمل حقائبه .. وودعه قائلا :
- خد بكرة أجازة وإرتاح ونتقابل فى الشركة بعد بكرة .. ده سامر أكيد هياكل دماغنا .
تعالت ضحكات مالك و هو يقول بمزاح:
_ ده سامر ده عسل شلتنا.
ثم رفع عينيه للسماء و قال:
_ سامحني يا رب عالكذب ده.
اغلق جاسم حقيبة سيارته و هو يضحك بسخرية هادرا بمزاح:
_ اساسا سامر ده من البداية لولا إنه معرفة طارق عمرى ما كنت هطيقه.
إختفت الإبتسامة التى علي وجه مالك حينما تذكر طارق رابعهما الذى إغتالته يد الغدر و الذى أصابهم موته بصاعقة غيرت بشخصياتهم جميعا.. خاصة جاسم.. فهو لم يكن صديقا و أخا له فقط، بل كان زوج أخته الصغيرة و التى أصبحت ارملة...
إبتلع جاسم تلك الغصة بحلقه و وقف مشدوهاً يتذكر لحظة موته و كلماته الأخيرة و دمه عالق بيديه.. لتشتعل عينيه بنظرات نارية و تعالا صدره مقاوماً تلك النيران التى تنهشه دون رحمة...
حمل مالك حقائبه و لوح له بيده و هو يقول مغادرا من امامه و من افكاره المؤلمة :
- سلام يا صاحبى .
عاد جاسم لباب سيارته و هو يقول بتنهيدة بائسة :
- سلام .
ما ان صعد لسيارته حتى تمسك بمقود سيارته و ضغط عليه بكل قوته كابحاً زمام صرخة مؤلمة حتي رفع رأسه لشقة وعد يطالعها بشغف .. لوهلة لم يفهم حركة عينيه ناحية شقتها هل هو أمر من عقله مثلا.. و هل هي بعقله من الأساس؟!!!
تنهد مطولا ثم أدار سيارته وإنطلق مرة أخرى فى إتجاه منزله .. بينما صعد مالك الدرج و هو مطأطأ رأسه بألم فهو لم يهرب من جاسم و نظراته.. بل هرب من طيف صديقه الذي إختفي من عالمهم فجاة دون سابق إنذار و ما يؤلمهم حقاً انه مات غدراً علي يد آخر شخص يتوقع منه الغدر زفر بقوة نافثاً ما يشعر به و هو يطالع شقتهم شوقا .. طرق الباب مطولا .. ففتحت له روان التى ما أن رأته إرتمت بحضنه وقالت بفرحة :
- مالوكى حبيبى .. وحشتنى وحشتنى قوى .
إحتضنها بقوة وقال بشوق :
- إنتى اللى وحشتينى يا حبيبتى .
خرجت آمال من غرفتها على صوت مالك .. فصاحت قائلة بفرحة :
- إبنى .. حمد الله على سلامتك يا مالك .
قبل كفها وإحتضنها قائلا :
- الله يسلمك يا أمولة .. وحشتينى قوى .
ربتت على وجنتيه و قالت بسعادة:
- وإنت أكتر يا حبيبى .
بحثت روان فى الحقائب وقالت بلهفة :
- جبتلى الحاجات اللى طلبتها منك يا مالك .
إبتسم بهدوء وفتح حقيبته وأخرج منها بعض الأكياس .. وحملها وأعطاها لروان وهو يقول :
- إتفضلى يا ستى .
صفقت بكفيها بفرحة وقالت بحب :
- ربنا يخليك ليا يا حبيبى .. وما يحرمنى منك .
أخرج مالك من حقيبته بعض الأكياس الأخرى .. وأعطاها لوالدته قائلا :
- دى ليكى ولبابا يا ست الكل .
اخذتهم منه آمال و هى تقول بإمتنان :
- شكرا يا إبنى تعيش وتجيب .
شبكت روان ذراعيها بذراعه و سألته بفضول :
_ احكيلي بقى عملت ايه المرة دى و بالتفصيل .
طالعتها آمال بحدة و هى تقول بلوم :
_ سبيه يرتاح يا روان مش كده .
أومأت روان برأسها و قالت بإنصياع :
_ معاكي حق يا ماما .
طالعهما مالك بشوق و سحب حقيبته و دلف لغرفته .. اغلق ورائه الباب و توجه ناحية شرفة غرفته فتحها و استنشق الهواء براحة ثم رفع رأسه دون ان يشعر ناحية شرفة وعد و هو يبتسم بخفوت و رغبة ملحة تنتابه فى رؤيتها ......
إستند على سور شرفته و اغلق عينيه مستمتعا بنسمات الهواء المنعشة ممنياً نفسه بالسيطرة على قلبه الذى يتصرف بغرابة فى الفترة الأخيرة كلما تذكر... وعد.
...................................................................................................
........................................

صف جاسم سيارته أسفل عقارهم .. ترجل منها وحمل حقائبه .. وأخذ نفس طويلا وزفره بهدوء وهو يطالع منزلهم بإمتعاض .. ثم سار نحوه وهو يقول بضيق :
- إستر يا رب من اللى مستنينى .
صعد بهدوءحتى لا تسمعه عمته نجوى والقاطنة بالدور الأول .. حتى وقف أمام شقتهم .. طرق الباب بهدوء حتى لايصدر صوتا ينتبه إليه من بالمنزل .. ثم تطلع صوب الشقة التى فوقهم و التى تقطنها عمته الثانية ألفت .. حمد الله أنه لم ينتبه إليه أحد .. حتى إنفتح الباب وإستقبلته أخته قائلة بفرحة :
- جاسم .. حمد الله على السلامة .
دلف مسرعا للشقة وأغلق الباب ورائه بهدوء .. ثم قال هامسا :
- وطى صوتك يا علا .. هتلمى علينا البعدا .
ضحكت علا على حالته و إحتضنته قائلة :
- والله وحشتنى قوى .
ضمها إليه بشوق و قبلها .. ثم تطلع داخل عيونها الحزينة دائما و قال بحزن :
- وحشتنى ضحكتك اللى من قلبك يا علا .
إبتسمت بهدوء و ملست على ذراعه وقالت وهى تدارى حزنها :
- ضحكتى اللى بجد ماتت مع طارق يا جاسم .. المهم عوزاك تحكيلى كل حاجة عملتها الإسبوعين اللى سافرت فيهم .. تمام .
إنتبها الإثنين على ركضة ريتال نحوهم و التى صرخت قائلة :
- خالووووووو .. وحستنى .
حملها جاسم وأخذ يقبلها بجنون وقال و هو يضمها ويشتم ريحها بشوق :
- قلب خالو .. وعقل خالو .. وحشتينى وحشتينى يا توتا .
- وإنت كمان وحستنى .
خرجت سيدة بالخمسين من عمرها من المطبخ راكضة فور إستماعها لإسمه .. وقفت أمامه تتأمله بعينيها التى ملأها الدموع .. ثم قالت بإختناق :
- جاسم .. إبنى .

ثم فجأة تعالت زغاريدها التى عبرت بها عن فرحتها بعودة وحيدها .. إتسعت عينى جاسم بفزع .. وإقترب من والدته ليضغط زر الزغاريد هذا والذى سيجمع من بالمنزل جميعا .. وقف قبالتها وقال لإيقافها :
- بس يا ماما أبوس إيدك .. البيت كله هيتلم علينا .. وباعدين بتزغردى ليه هو أنا راجع من عمرة .
مالت ريتال على أذنه و سألته بتعجب طفولى :
- هو إحنا عندنا فرح .
أنزلها جاسم بهدوء .. بينما إحتضنته والدته والتى يصل طولها لمنتصف صدره .. فبادلها حضنها و قال بشوق :
- وحشتينى يا دولت .. الدنيا من غيرك وحشة .
- وإنت كمان وحشتنى يا حبيبى .. ده أنا كنت هموت من غيرك .
قبل جبهتها وقال وهو يقبل كفها :
- بعد الشر عنك يا قمر .
فسألته علا بتعجب و هى تطالع هدية مالك لوعد :
- بتاع مين ده يا جاسم .
إلتفت إليها ثم قال مسرعا :
- ده بتاع مالك .. معلش يا علا دخليه أوضتى وعنيه بعيد عن إيد حد .
هزت كتفيها بعدم فهم و حملته قائلة بإستسلام:
- حاضر .
إنتبهوا على طرقات أو بالأحرى تكسير لباب شقتهم .. زم جاسم شفتيه ورفع عينيه بملل و هو يقول بضيق :
- التتار وصل .. كان لتزم تزغردى يا ماما .
فتحت علا الباب لتدلف منه عمته ألفت تتبعها إبنتيها نورا و سندس .. و التى إندفعت صوب جاسم و قالت بفرحة :
- نورت بيتك يا حبيبى .. حمد الله على سلامتك .
رد جاسم بإبتسامة مصطنعه :
- الله يسلمك يا عمتو .. أخبار عمو رضا إيه .
- كويس يا حبيبى و بيسلم عليك .
بينما إقتربت منه نورا و هى تلتهمه بعينيها و قالت بدلال ناعم :
- وحشتنى مووت يا جاسم .. إيه ما وحشتكش .
فقال جاسم و هو يتابع دلالها الزائد المنفر و قال بداخله :
- وحشك لورى يا بعيدة ويكون سواقه ضارب سجارتين إستروكس .
ثم قال ببرود و هو يعبث بهاتفه :
- أخبارك إيه يا نورا .
تنهدت مطولا و قالت بهيام :
- أنا بقيت كويسة علشان شوفتك .
تطلع جاسم بأخته علا التى تخفى ضحكتها .. بينما قالت سندس :
- حمد الله على سلامتك يا جاسم .. هاه جبتلنا هدايا إيه .

مرر أنامله بشعراته بغضب .. حتى إنتبهوا على طرقات أخرى على ذلك الباب المسكين .. لتدلف منه عمته الكبرى نجوى و إبنتها داليا .. إقتربت منه وإحتضنته بقوة وقالت :
- يا حبيبى .. نورت الدنيا يا جاسم .
رد عليها بضيق :
- الله يسلمك يا عمتو .
بينما وقفت أمامه داليا بثقة وقالت برقتها الزائدة عن الحد :
- هو السفر بيحلى كده يا جاسم .
حدجها بتعجب من جرأتها فى الحديث .. بينما ردت عليها نورا بضيق من نظراتها و حركاتها الفظة :
- جاسم طول الوقت زى القمر .. سواء سافر أو لأ .
إقتربت منه علا وقالت وهى تنقذه من بينهم :
- تعالا يا جاسم .. إدخل أوضتك إرتاح من السفر يا حبيبى .
توجه نحو غرفته لتوقفه سندس قائلة بضيق :
- فين الهدايا يا جاسم .. ولا طنشت المرة دى .
زفر بضيق ثم توجه لحقيبته و فتحها وأخرج حقيبة كبيرة وأعطاها لعمته ألفت وقال :
- دى حاجة بسيطة يا عمتو يا رب ذوقى يعجبكم .
أخذتها منه و هي تقول بإمتنان:
- يا حبيبى أى حاجة منك حلوة .
ثم أخرج من حقيبته حقيبة أخرى وأعطاها لعمته نجوى وقال :
- إتفضلى يا عمتو .
- ليه تعبت نفسك يا جاسم .. ده إنت هديتى والله .
فكر قليلا ثم قال مسرعا :
- أنا هروح للحاج المعرض .. سلام .
هرولت والدته خلفه وقالت بضيق :
- إستنى يا إبنى .. تعالى إرتاح من الطريق .
رد عليها جاسم وهو يهبط على الدرج هاربا :
- أنا هرتاح أكتر لما هخرج سلام .
وقال بنفسه :
- عيلة مجنونة رسمى .. آل أنا أهبل وبريالة و هتجوز واحدة منهم .. دى بقت حاجة تقرف

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية

google-playkhamsatmostaqltradent