Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الواحد والعشرون بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الواحد والعشرون

لم تنضب دموعها ثانية .. لمتى ستعطى الآمان ليقابلها الغدر و الخيانة .....
الخيانة .. خيانة الثقة .. تلك الثقة التى إكتسبتها بعد عناء كبير تجاهه .. كيف يكون القدر بتلك القسوة ففى اليوم التى رغبت فيه بالإعتراف بحبها و عشقها إليه .. تصدمها حقيقته ......
ورغم ألمها و وجعها إلا إنها إرتاحت قليلا بعدما إستمعت لغلق باب شقتهم يعلن حضوره .. كففت دموعها بقوة رافضة ضعفها و إنكسارها .. و ما هى إلا ثوانى و إستمعت لدقات على باب غرفتها .. لم تجبه فى البداية حتى هتف قائلا بنبرة خفيضة ثابتة :
- وعد لو سمحتى .. عاوز أتكلم معاكى ضرورى .
خرج صوتها متألما و هى تجيبه بنبرة ماجنة :
- قولتلك مش عاوزة أشوفك و لا أسمع صوتك .. و يا ريت تطلقنى بسرعة عاوزة أرجع بيتنا .
أطبق عينيه بضيق و قد تشنجت تعابيره و صمت قليلا قبل أن يقول بصوت أجش حازم :
- هعملك اللى إنتى عوزاه بس تعالى نتكلم أول .
وقفت بملامح صارمة و توجهت ناحية باب غرفتها بخطوات واثقة منفعلة .. تخاطب نفسها بقوة ألا تضعف و لا تظهر أى تهاون معه .. تخشى إستسلام قلبها البائس أمام نظراته الدافئة التى تضمها قبل ذراعيه اللذان باتا حصنها الآمن .. و بداخل ضمتهم وطنها و ملجأها التى باتت تنتمى إليهم .. عبست قليلا و هى تفتح الباب بغضب .....
وقف مستندا على الحائط بجوار الباب منتظرا طلتها البهية و التى يخشى من تحولها و غضبها .. إنتبه لفتح الباب و ولوجها لخارج غرفتها ......
ساحرة .. يريد أن يعرف سرها .. فى إشراقتها ساحرة .. و فى حزنها أكثر سحرا .. قاوم بكل قوته ضمها لصدره و إحتوائها ليقضى على حزنها المؤلم و الموجع لقلبه .. حدجته وعد بقوة و حزم و قالت بنبرة فاترة باردة :
- إتفضل قول اللى عندك .
لم يجفل عن إحمرار عينيها و تورم أسفلهم من كثرة بكائها .. و تورد وجنتيها الزائد .. فتنهد بأسى و أشار على أريكتهم المفضلة و قال بنبرة ثابتة و هادئة :
- تعالى نقعد شوية لأنى عاوز أكلمك فى موضوع مهم .
سارت بعصبية تضرب الأرض بقدميها و ذيل حصانها الطويييييل يتهادل بنعومة حول ساقيها بشكل متناغم مع تهادى جسدها المثير .. حك جاسم مؤخره رأسه زافرا نارا من أنفه و هو يتابع جمالها المرهق .. ثم تبعها و جلس بجوارها .. فإنتفضت و إبتعدت عنه لآخر الأريكة و إلتفت بجسدها ناحيته تطالعه بغضب عابسة ما بين عيناها .....
مسح جاسم ساقه فاقدا صبره و هو يتابع جذبها لشعراتها ليميلوا على كتفها قبل أن تجلس عليهم .. نفض تلك الأفكار الجامحة برأسه قبل أن ينقض عليها و يلتهمها ببطء .. شديد ......
خرج من صمته قائلا بتريث حذر :
- وعد .. عاوزك تسمعينى يا حبيبتى قبل ما تحكمى عليا بالإعدام .. لأن بعدك عنى هو موتى .. و حبى ليكى هو اللى خلانى عملت كده .. و عمرى ما كنت هضيعك منى و أعيش عمرى كله بندم .
تشبست بطرف الأريكة بقبضتها قبل أن تنهار قوتها الزائفة و ترتمى بحضنه تعلن سماحها و عفوها .. قاومت ضعفها و قالت بصوت هازئ بسيط :
- و أنا دلوقتى اللى بندم إنى إتجوزتك .. مش هقدر أثق فيك تانى .. ياريتك كنت قولتلى إنك بتحبنى و سبتلى قرار الإختيار بينكم .. مش .. مش يمكن كنت إخترتك إنت .
ضغط شفتيه بقوة و هو يتأملها مترأفا بحالها .. ثم قال بصوت خفيض يائس :
- و ممكن كنتى تختاريه هو .. و أنا مقدرتش أسيب أى فرصة للظروف .. أنا قلت لنفسى إنك ملكى و كنت مستعد أعمل المستحيل بس تبقى ليا .. لواحدى .
برقت عيناها بإنفعال و تمهلت قبل أن تجيبه .. ذلك التمهل الذى يحرق من يقف أمامه مترقبا .. كانت بنظرتها ألم أشعره بالضألة و الصغر .. إبتعد بعينيه عنها و إنتظر ردها الذى وصله قاتم بلا حياة بلا رحمة لشعوره المخزى قائلة بضيق :
- لواحدك .. طول الوقت بتتكلم بالأنا .. مفكرتش غير فى نفسك و بس .. قد كده إنت أنانى أنا دلوقتى مصممة أكتر إنى أطلق منك و قرارى نهائى و مش هرجع فيه .
و وقفت مسرعة .. رغم قساوة كلماتها إلا أنه جذبها من رسغها و أجلسها عنوة قائلا بصوت أجش عميق :
- لسه كلامنا ما خلصش .
جذبت رسغها منه بالقوة و وقفت ثم قالت بقوة و كأن الغضب قد إنحصر بداخلها وترك مكانه للبغض :
- ماتلمسنيش تانى .. اللى بينا خلاص إنتهى .. إفهمها بسرعة لأنى ما بحبش أعيد كلامى كتير.
رغم شعوره بالذنب .. لكنه لم يستسلم و وقف أمامها و قد إستعد بكل أسلحته لمعركته القادمة مع شهرزاده العنيدة مستغلا حبها له دون رحمة .. لم تحيد عينيه عن عينيها و هو يحدجها بتحدى و قال بنبرة هادئة لا تماثل شعوره المستعر و المقتد بنيران تلتهمه حيا :
- حاضر يا وعد .. هعملك اللى إنتى عايزاه .
شهقت بداخلها بذعر بعدما تدفقت دمائها بسرعة كبيرة لقلبها الذى أخذ ينبض بقوة مؤلمة وئدت عشرات الكلمات التى كانت تتزاحم فوق لسانها فى إنتظار أخذها لحريتها و الإنطلاق بوجهه و لكنه حزم أمره و قرر إنصياعه لطلبها الكاذب .. إبتلعت ريقها بتوتر و سألته بنبرة مرتعدة :
- هتطلقنى .
أبى أن تخرج فرحته بصدمتها على ملامحه المتجمدة .. فقط إكتفى بإيمائة خفيفة من رأسه و قال غير مكترث :
- أيوة هعملك اللى إنتى عيزاه بس بشرط .
الآن أصبحت دقات قلبها تقصف بجنون هادر .. لم تحد بعيناها عنه و لم تتخلى عن نظرات التحدى بهما و لكنها قالت بجمود مصاحب بإبتسامة ساخرة :
- طالما هتطلقنى .. فا هسمع شرطك .
خرجت فرحته بإبتسامته الجانبية التى أصبحت تبغضها بشدة لأنها تشتت تركيزها و عزمها على إذاقته الويلات .. إقترب منها ببطء كفهد يستعد للإنقضاض على فريسته .. ثم وقف قبالتها و قال بثقة :
- لازم نمشى من هنا بأسرع وقت و محدش يعرف مكان لينا و علشان كده ما ينفعش أطلق و إلا هتفضلى معايا بصفتك إيه .
عقدت حاجبيها و قالت بتعجب قلق :
- مش فاهمة قصدك إيه .
زفر بقوة مداعبا وجهها بأنفاسه المشتعلة التى أشعلتها و أشعلت الأجواء من حولها و هى تغوص فى بحور عينيه مجددا سابرا لأغوارها .. و لكنه قال ببساطة متجاهلا إنهيارها أمامه :
- القوة اللى مكلفة بحمايتنا قبضت على واحد كان واقف بسلاح .. و مستنينى علشان يطخنى و يريحك منى .
إتسعت عيناها بقوة و هى تتلمسه دون وعى منها و طافت عيناها عليه كليا بذعر ثم قالت بتوتر :
- عمل فيك حاجة الحيوان ده .. إتكلم بسرعة ساكت ليه .
إبتسم بسعادة و إحتضن وجهها بين كفيه و قال لطمأنتها :
- إهدى يا حبيبتى أنا كويس .. بس لازم نمشى الصبح على طول .. تمام .
أومأت برأسها و هى تحتضن كفيه المحيطة لوجهها براحتيها و قالت بخوف :
- تمام .
لاحظت تماديها و إنصياعها الضعيف لمشاعرها .. فإبتعدت عنه و عادت لغرفتها بهدوء و أغلقت ورائها الباب بالمفتاح .. إرتمى جاسم بجسده على الأريكة مستندا برأسه عليها متطلعا بسقف شقته شاردا .. يعلم جيدا أنه أخطأ و لكن حبها ما دفعه لإرتكاب حماقته التى سيدفع ثمنها غالى .....
فمجرد أن تحرمه منها هذا أقسى عذاب .. إلتفت برأسه ناحية غرفتها متنهدا بضيق .. بداخله نيران تدفعه لكسر الباب و تكسير رأسها لو إنقضى الأمر حتى يحتضنها و تعود لصدره الرحب .....

جفاها النوم و هى تتقلب بفراشها يمينا و يسارا .. كأنها متمددة على جمر مقتد .. كيف لها النوم بعيدا عن ملجأها و موطنها .. صدره الواسع الدافئ .. جلست بفراشها تشعر بالضيق .. ثم أنزلت ساقيها حتى لامست قدماها الأرضية .. سارت على أناملها بهدوء و قربت أذنها من الباب تتصنت عليه .. لم يأتها صوتا ولا حركة ......
فتحت الباب بهدوء و أطلت برأسها تبحث عنه فوجدته مستلقى على أريكتهم بملابسه و يغط فى نوم عميق .. سارت نحوه ببطء و تطلعت إليه بشوق .. لم تمل من وقفتها و هى تتابع غفوته بإبتسامة حنونة حزينة .......

...................................................................................................................
..................
إخترقت أشعة الشمس عينيه .. فتململ فى نومته شاعرا بألم برأسه .. حاول رفع ذراعه ناحية رأسه ليمسدها و لكن ثقل ما منعها .. إبتسمت شفتيه بهدوء و هو لم يفتح عينيه بعد فعبق شعراتها و رائحة المسك أخبروه أنها مستلقية بملجأها .....
فتح عينيه بهدوء فصدق حدسه و هو يراها متشبسة بصدره كطفلة صغيرة رأت كابوسا مزعجا و تمسكت بوالدها .. قبل شعراتها بهدوء حتى لا يوقظها مستمتعا بقربها .. شعر بحركتها فأغلق عينيه مسرعا مدعيا النوم ..
تحركت قليلا ثم مسحت وجهها بصدره كقطة منزلية تداعب صاحبها .. ثم فتحت عيناها بتثاقل فوجدت نفسها قابعة فى أحضانه .. تذكرت ضعفها بالأمس و إستسلامها لألم جسدها الذى رغب فى النوم فإضطرت للتمدد بجواره واضعة رأسها على صدره كما إعتادت ....
شعرت بالحرج فإبتعدت عنه بهدوء و وقفت مترنحة .. ثم بحركات سريعة كانت داخل غرفتها و أغلقت ورائها الباب .. إبتسم جاسم إبتسامة مشرقة و هو يقرب ذراعه لأنفه مستنشقا رائحتها الذكية بشغف .....
أجاب رنين هاتفه قائلا بثبات :
- أيوة يا سامر .. كله تمام .
- أيوة .. حجزتلك فى مكان يجنن و هادى و برايفت .. علشان وعد تبقى على حريتها .
إعتدل جاسم فى جلسته و سأله بتوجس :
- القوة اللى بتأمن جاهزة و لا هنروح فى أبو نكلة .. ﻷننا هنروح بيت أهل وعد علشان تودع أهلها لأنهم مسافرين بعد بكرة .
- ما تقلقش مأمنين و كله تمام و أنا و مالك هنساعدهم بس بطريقتنا .. قولى صحيح وعد عاملة معاك إيه .
إبتسم جاسم بسخرية مقربا ذراعه من أنفه مجددا .. و أجابه بتنهيدة يأسه :
- مطلعاهم عليا يا معلم .. و مش ناوية تجيبها لبر .
- بالراحة عليها يا جاسم دى بتحبك بس صدمتها فيك أكيد صعبة .. إنت عارف إحنا اللى مدلعينهم و خليناهم يتنمردوا علينا .. و هما مايستاهلوش غير ضرب القبقاب .
رفع جاسم طرف شفتيه بتذمر و قال بضيق :
- قبقاب .. تعرف ياض يا أصفر إنت يوم ما تفكر تبص لعلا بطرف عنيك بس .. هخرج مصارينك من بطنك و ألفها حولين رقبتك أخنقك بيها .
وصلته ضحكات سامر العالية و الذى أجابه بصدق قائلا :
- أنا اللى هعمل فى نفسى كده لو زعلتها فى يوم .. دى الحب كله يا معلم .
صك جاسم أسنانه بغضب و هدر به قائلا بإمتعاض :
- بتعاكس أختى قدامى يا بارد .. ده أنا هنفخك بس أشوفك .
- خلاص يا عم ما بتصدق .. عموما جهزوا نفسكوا يالا اليوم لسه طويل و الحمد لله .. الحمد لله .. كله أحداث .
أغلق جاسم هاتفه و وقف بكسل متجها لغرفته .. طرق بابها فأتاه صوت وعد من خلفه قائلا بضيق :
- يا نعم .
لاحت إبتسامة خفيفة على ثغره و قال بهدوء :
- لو سمحتى جهزى الشنط علشان لازم نمشى و إفتحى الباب ده علشان أغير هدومى و آخد دش .
فتحت الباب و إتجهت لخزانتها دون أن تعره أى إهتمام .. هز رأسه بيأس و ولج لداخل غرفته فتح خزانته و أخرج منها ملابسا نظيفة .. ثم إبتسم بمكر و هو يقترب بكتفه منها ببطء حتى لامسها .. إبتعدت وعد عنه بعدما حدجته بطرف عينيها بحدة .... .
إبتسم بهدوء و تركها و ولج للمرحاض ثم أطل برأسه قليلا وطلب منها قائلا بجدية :
- لو سمحتى حضرى الفطار علشان تاكلى قبل ما نمشى .
فتحت حقيبتها الكبيرة و قالت بعبوس :
- مش عاوزة أتسمم .
حك أسفل أنفه كاتما ضحكاته ثم قال بسخرية :
- أنا يا ستى عاوز أتسمم .. مش عاوز أطخلى رصاصة و أنا على لحم بطنى .
- بعد الشر .
خرجت كلماتها عفوية سريعة ...رد فعل طبيعى على خوفها عليه .. إقترب منها قائلا بإستفهام رزين :
- و لما إنتى بتحبينى كده لزمته إيه الخصام و البعد .. ده أنا يوم واحد بعدتيه عنى و هموت عليكى .
عادت لحقيبتها بتوتر و هى تضع ملابسها بها قائلة بحدة :
- عمرى ما هسامحك يا جاسم .. إفهم بقا علشان تسهل علينا البعد .
زفر جاسم بقوة ثم تركها و عاد للمرحاض صافعا الباب خلفه بقوة لترتعد فرائصها فجأة .. جلست بجوار حقيبتها بنظرات خاوية شاردة بالا شئ .. أسئلة كثيرة تدور برأسها و تنتظر إجابته عليها .. أسئلة ستزيدها حنقا و غضبا و نفورا منه .. فلتنتظر الوقت المناسب للإستماع لإجاباتها ......... .

.....................................................................................................................
..................

قاد سيارته بتوتر و هو يرتب أفكاره لذلك اليوم .. حتى إبتسمت شفتيه متذكرا عشقه الأول و الأخير ......
إرتدى سماعة هاتفه و هاتفها منتظر صوتها بلهفة حتى أجابته قائلة بصوت رخيم :
- عاوز إيه يا سامر عالصبح .
ضرب ساقه بضيق و هو يهز رأسه مستنكرا ردها البارد مثلها .. ثم أجابها بحدة :
- هى دى صباح الخير يا حبيبى .. يا خطيبى .. ياللى هتبقى جوزى قريب .
- آآه .. ده إنت فايق و رايق بقا .. شيلنى من دماغك يا سامر أنا اللى فيا مكفينى و زيادة كمان .
تنهد مطولا بضيق ثم قال بصوته العميق الهادئ :
- إرتاحتى إمبارح لما علقتى لأخوكى المشنقة .. أهى وعد سمعتكم و طالبة الطلاق و جاسم نفسيته زى الزفت .
- يالهووووى .. طلاق .. هى وصلت لكده و الله ما كنتش أقصد .
شعر بالضيق من سماع نبرة الحزن منها فقال مسرعا بنبرة مداعبة :
- ربنا يعينه عليها هما مسافريين هانى موون صغير كده .. يمكن يقدر ينسيها و ترجع عن اللى فى دماغها .. المهم عاملة إيه يا روح سامر .
- ده وقتك إنت كمان .. سبنى باللى أنا فيه .
زم شفتيه بإمتعاض و قال بسخرية :
- ليه معاملة أسير الحرب دى .. ده أنا سامر اللى قولتيله إمبارح إنك بتحبيه بجنون و هتتجننى لو بعد عنك .. طلع النهار ساح الكلام .. يا متناقضة .
- آه أنا بحبك ..بس لسه ما سامحتكش على اللى عملته فيا و أوعدك هطلعه على جتتك تالت و متلت .. يا حبيبى .
وعد جديد بلا رحمة ..
ألا يكفيها ما عاناه من بعدها و زواجها لغيره .. حتى تنوى له الأبشع .. يكفيه قربها منه و هو يعلم جيدا أنه سيضرب بوعدها عرض الحائط و عن قريب .. تنهد مطولا و أجابها بهمس ناعم :
- إتجوزينى و إعملى فيا اللى إنتى عايزاه .. قربى منى و عاقبينى براحتك .. بس ما تبعديش عن قلبى تانى .. و حشتينى يا أحلى طفلة متفجرة الأنوثة فى الدنيا كلها .
وصلته ضحكاتها الرنانة المثيرة و هى تقول بمكر أنثوى واثق :
- هيحصل و هتجوزك إن شاء الله و ساعتها هبقى بين إيديك و بعيدة عنك و ده أكبر عقاب ليك على اللى شوفته من قلبك الواطى .
إبتسم بخفوت و تابع كلماته الناعمة محتفظا بهمسه الرقيق :
- أنا كمان بحاول أسامحك بعد جرحك ليا .. بس الأصعب عليا إنى أعيش بعيد عنك .. هنداوى جروحنا بإيدنا و النتيجة هنبقى أسعد إتنين فى الدنيا مع بنتنا .
- يمكن .. بس إنت عمرك ما بعدت عنى كنت دايما جوايا غصب عنى .. قلبى اللى إتوجع و إتألم فى بعدك .. هو اللى بيوعدك بإنه هياخد حقه منك و بعد كده هيوريك اللى عمرك ما كنت تتخيله .
إتسعت إبتسامته المشرقة و هو يتابع الطريق بفرحة .. ثم قال بحب :
- بعشقك .. إنتى ليا غصب عنى و عنك .. إنتى متفصلة ليا و بس .. بحب هزارك و تكشيرتك و عصبيتك و حركة نفضتك لشعرك بعيد عن وشك .. و شفايفك اللى هتموتنى فى مرة .
وصلته أنفاسها المتوترة و المتأثرة بكلماته الصادقة .. لم تجيبه فقط أغلقت الهاتف بهدوء .. سحب نفس طويل و زفره على مهل مرددا بغناء :
- أنا لك على طول خليك ليا .. خد عين منى و طل عليا .. و خد الإتنين و إسأل فيا .. من أول يوم راح منى النوم .

.................................................................................................................
...............

صعد درجات السلم المهترئ بنفس متقطع .. حتى وصل لسطح البناية القديمة .. وقف قليلا لإلتقاط أنفاسه ثم توجه ناحية الشقة القابعة فى آخره .. طرق الباب و إنتظر الرد .....
بعد قليل إنفتح الباب بحرص فقال مسرعا بخوف :
- أنا ياسر يا أمير باشا .
فتح له أمير الباب على مصرعيه و قال بحدة و هو يلج للداخل مجددا :
- إقفل الباب وراك و تعالى ورايا .
أغلق الباب و إتبعه حتى جلس أمامه على طاولة طعام صغيرة تتوسط تلك الشقة الصغيرة .. فسأله أمير بفضول يقتله :
- إيه الأخبار .. لسه الواد ما نفذش .
طأطأ ياسر رأسه بخزى و قال بقلق من ردة فعله :
- مش عارف أقول لحضرتك إيه .
مرر أمير كفه على صفحة وجهه بقوة نافثا نارا من أنفه و قال بتخوف :
- ﻷ قول ما تتكسفش .. ما هو أنا مشغل معايا شوية ***** .
زم الرجل شفتيه بإمتعاض على سبابه اللاذع و قال بضيق :
- الواد إتمسك و قال على كل حاجة .
ضرب أمير الطاولة أمامه بكلتا يديه بقوة كبيرة مسببا دوى هائل ثم وقف منتصبا و قال بشراسة :
- إتمسك إزاى ده كمان .. هى خلاص بقت صعبة أقتل حتت بت لا راحت و لا جت هى و ال**** اللى هى متجوزاه .
إبتلع ياسر ريقه بصعوبة من فرط توتره و خوفه من هيأة ذلك الوحش الكاسر أمامه .. أردف أمير قائلا بضياع
- يعنى أجيب قاتل محترف .. و أجيبله شقة جنب بيتهم .. لأ و يبقى معاه واحدة زى مراته علشان محدش يشك فيه .. و فى الآخر يتقبض عليه برضه .. طب عرفوا بوجوده إزاى .
شبك ياسر أنامله ببعضهما على الطاولة و قال بصعوبة :
- رجالة جاسم هما اللى مسكوه قبل الحكومة و هما اللى خلوه يعترف و بعد كده سلموه للقوة اللى بتحميهم .. أصلهم شكوا فى الشقة و إن فيها حد أغلب الوقت واقف ورا الشباك .. فمسكوه بسلاحه .
كانت نظرات أمير المشتعلة تنذر بالأسوء .. نظرات شيطانية مشتعلة بحقد إسود دفين .. فقال له ياسر بأدب :
- يا باشا حضرتك لازم نهرب برة البلد .. و الفرصة اللى قدامنا ممكن ما تتعوضش تانى .. إسمع كلامى أرجوك .
هز أمير رأسه بقوة نافيا و قال بصوت رخيم قاسى :
- مش قبل ما أطمن إن جاسم و سامر و اللى إسمها وعد دى ماتوا و إنتهوا و آخد علا و ساعتها أهرب و أنا مرتاح .. غير كده مش هتحرك من هنا .
هز ياسر رأسه بيأس و قال ببساطة :
- اللى حضرتك تشوفه يا باشا .. و إحنا هنفضل متابعينهم من بعيد لحد ما نلاقى فرصة وصدقنى يا باشا مش هنضيعها .
وضع أمير ساقا فوق الأخرى بترفع و سأله بلهفة :
- لسه ما لقيتوش لمى .
هز ياسر رأسه نافيا و قال بضيق :
- كأنها فص ملح و داب .. إحنا شكينا إنها المنقبة اللى بتمشى مع سامر .. بس كل ما نراقبهم رجالته يعطلونا بعربياتهم علشان ما نقدرش نتابع هو بيروح فين .
إبتسم أمير بسخرية و قال متهكما :
- مش مكسوف و إنت قاعد تقولى رجالة جاسم عملوا .. رجالة سامر ساووا .. و أنا رجالتى ورق .. شوية نسوان مش عارفين يعملوا حاجة من اللى طلبتها .. طب ورجالة مالك أخبارهم إيه كويسين .
حك ياسر مؤخرة رأسه و قال بتوجس و هو يطالع ملامحه الغاضبة :
- رجالة مالك خلاص وصلوا لبنت من البنتين اللى إحنا بعناهم .. الأغبيا شغلوها على النت فكان سهل يلاقوها .
ضغط أمير عينيه بقوة فاقدا صبره و قال من بين أسنانه :
- أغبيا .. مش قادرين يستنوا عالبت شوية .. شغلوها نت بسرعة أديها إتعرفت .
أنزل ساقه و مال بجذعه ناحية ياسر متعمقا فى نظراته و قال بحزم قاطع :
-أنا عارف إنهم مش هيسبونى غير ميت .. وده مش هيحصل بس لو حصل .. كل الورق اللى معاك يتقدم للحكومة و الفيديوهات كمان تتسلم علشان ما أبقاش روحت لواحدى .
أومأ ياسر برأسه موافقا و قال بخنوع :
- تحت أمرك يا باشا .

...................................................................................................................
.................

ودع جاسم و وعد أهله و لم يعر لعلا أى إهتمام تجاهلها تماما فشعرت بالضيق و الذنب بعدما لاحظت حزن وعد .. صعدا سيارته و إنطلق بها مسرعا .. كانت تتابع الطريق بشرود حتى إنتبهت أنهم متوجهون لمنزل أسرتها .. فإلتفتت إليه مضيقة ما بين عيناها بتعجب و سألته بشك :
- إحنا رايحين بيت بابا ليه ؟!
لم يلتفت إليها و أجابها بجفاء واضح بنبرته الخشنة :
- علشان نسلم على باباكى و مامتك قبل ما يسافروا .
رفعت حاجبها بضيق و قالت بصوت مكظوم :
- و أنا مش عاوزة أسلم على حد .. خلينا نمشى من هنا لو سمحت .
هز رأسه بيأس و تنهد مطولا ثم قال بصلابة :
- أنا بقى عاوز أسلم عليهم .. و إنتى حرة .
عادت لشرودها الحزين و هى تطالع الطريق .. و هو يرمقها بطرف عينيه بين الحين و الآخر مستمتعا بجمالها الهادئ .. و عيناه على السيارات المتابعة لهم منذ خروجهم من منزل والده .....
وصل أخيرا فصف سيارته أمام باب منزل عيسى و سألها مرة أخرى :
- هتنزلى معايا و لا هتنشفى مخك .
لم تجيبه و كتفت ذراعيها أمام صدرها بهدوء .. فترجل هو من السيارة و أشار لأحد فإقترب منه و همس له بشئ و تركه و صعد ....
إنتبه عيسى على طرق بباب شقته فوقف و إتجه نحوه .. فتحه ففوجئ بجاسم يقف أمامه .. رحب به بود قائلا بإبتسامة هادئة :
- أهلا يا إبنى إتفضل .
صافحه جاسم بقوة و قال بثبات بإبتسامة مرحة :
- حبيت أسلم على حضرتك و ماما سلوى قبل ما تسافروا .. و الله هتوحشونا .
مد عيسى رقبته قليلا متطلعا خلفه باحثا عن صغيرته فلم يجد أحد .. تنهد بضيق و أشار لجاسم بالدخول .......
كانت تصارع رغبة و قنوت ....
قلبها يتوسل إليها أن تصعد و تودعهم و إلا ستندم .....
و عقلها يتمرد كعادته لا يرغب فى الضعف مرة أخرى فليرحلوا و يتركوهم مجددا ......
خرجت من السيارة و أغلقت ورائها الباب و إستندت عليه .. فإقترب منها شخص ما و قال بعملية :
- لو سمحتى يا هانم إدخلى جوة العربية أو إتفضلى إدخلى جوة البيت .. بس بلاش الوقفة دى .
إمتعض وجه وعد و هى تتابع حديثه المستفز الجاف .. ثم سألته بتهكم :
- و إنت مين إن شاء الله علشان تقولى أعمل إيه و ما أعملش إيه .
- أنا المسئول عن حمايتكم .. يا ريت حضرتك تسمعى الكلام .
حدجته وعد بغضب و هى تنتصب فى تحفز ثم ضربت الأرض بقدمها و قالت بتذمر :
- أنا هقف براحتى و ورينى هتعملى إيه إن شاء الله .

ربتت إمتثال على ذراع جاسم و قالت بحنو :
- منور الدنيا يا حبيبى .. و سلملى على وعد و قولها إنى زعلانة منها .
إبتسم بخفوت خجل و قال بتلقائية :
- معلش يا تيتة هى يومين و هتروق و هتجيلك .
طأطأت سلوى رأسها بحزن و قالت بصوت ضائع :
- لما هنسافر هتيجى .. هى مش عاوزة تشوفنا .
شعر جاسم بالحرج و تمنى لو لم يأتى من الأساس .. ثم إبتسم بهدوء و هو يستمع لدقاتها الناعمة مثلها على باب الشقة و التى يحفظها عن ظهر قلب .. فتح عيسى الباب ليتفاجأ بوعد أمامه .. طالت نظراتهم فتنحى قليلا تاركا لها المجال للدخول .......
ولجت بهدوء حتى رأت جدتها فصرخت قائلة بطفولة :
- وحشتينى يا إمتثال .. أكيد البيت كئيب من غيرى صح .
إستقبلتها إمتثال بحضنها و ربتت على ظهرها بحنو قائلة :
- و إنتى وحشتنى و وحشنى صوتك فى البيت .. بس لو قولتى إمتثال تانى هشبشبلك .
ضحكت وعد ضحكة عالية و قالت بمداعبة و هى تبتعد عن أحضانها قليلا :
- ليه كده يا إمتثال بس .
أشارت الجدة لجاسم و قالت بتوعد :
- لا مؤاخذة يا جاسم يا حبيبى ناولنى الشبشب من جنبك .. أنا هخليها تحرم تقولى كده تانى .
تعالت ضحكات الجميع على مداعبتهم التلقائية بسعادة .. أما جاسم فإرتاحت ملامحه و هو يتابع ضحكتها الساحرة التى إفتقدها منذ الأمس ....
عادت روضة من عملها ففتحت باب الشقة و ولجت رافعة نقابها قائلة دون إنتباه لمن بالداخل :
- تيتة .. يا الله الجو النهاردة حر جدا يا ريت تكونى طابخة آيس كريم على الغدا .
تفرس جاسم فى ملامحها التى فاجأته .. فأخفض بصره بإبتسامة ماكرة قائلا بداخله :
- يا مالك يا إبن المحظوظة دى قمراية .. ده لو شافها مخه هيلسع .
إتسعت عينى روضة و هى ترى وعد أمامها ففتحت لها ذراعيها و قالت بفرحة :
- دودو .. إيه المفاجأة الحلوة دى .
ضمتها وعد بحب و قالت بشوق :
- رغم إنك كنتى معايا إمبارح .. بس وحشتينى قوى يا حبيبة قلب وعد .
قبلتها روضة قبلة طويلة على وجنتها و قالت بحب :
- يسلملى القمر و الشمس مع بعض .. إنتى جيتى هنا إزاى .
أشارت وعد على جاسم و قالت ببساطة :
- أصل أنا و جاسم مسافرين فى مكان هادى كام يوم فاجينا نسلم على ماما و بابا قبل ما يسافروا .
فوجئت روضة بجاسم .. فأنزلت نقابها و هى تتمتم بالإستغفار .. و لعنت نفسها على خطأها ثم إقتربت منهم و قالت بخجل :
- السلام عليكم .. إزيك يا جاسم .
أجابها بإبتسامة هادئة مقدرا خجلها :
- و عليكم السلام .. إزيك إنتى يا روضة .
لفت ذراعها حول كتفى وعد و قالت :
- كويسة الحمد لله .. مالقيتوش غير النهاردة علشان تسافروا .
لفت وعد رأسها ناحية وجهها و قطبت حاجبيها بتعجب و سألتها بفضول :
- فى إيه النهاردة ؟!
- عمار هييجى و هنقعد مع بعض علشان الرؤية و نتكلم شوية أشوف مناسب ليا و لا ﻷ .
جذبتها وعد من ذراعها بالقوة و إبتعدت عن جمعهم قليلا و سألتها هامسة بنبرة غاضبة :
- إتجننتى يا روضة .. عمار مين .. طب و مالك ده تقريبا قالى إنه معجب بيكى .
زفرت روضة بضيق و قالت و هى مطأطأة رأسها بحزن :
- هو ما أخدش خطوة و عمار دخل البيت من بابه و قدرنى .. بس مالك واقف مكانه بيتفرج و أنا قررت هقدر اللى يقدرنى .
ملست وعد على ذراعيها و قالت بحنو :
- بس إنتى بتحبى مالك و هو بيحبك ليه بقا تكتبى عليكم الوجع .. ده صعب قوى يا رودى .
إبتسمت روضة إبتسامة مصطنعة و غمزت لها بعينها و قالت بمداعبة لتغيير الحوار :
- رايحين شهر عسل مش كده .. أيوة يا عم .
- أهه النبر ده اللى جايبنا ورا .. صحيح أخبار عمورة و البت مراته إيه ؟!
هزت روضة رأسها بهدوء و أجابتها قائلة :
- كويسين الحمد لله .. شاكين إن روان حامل عملت تحليل و النهاردة بالليل هتبان نتيجته .
شهقت وعد بفرحة و قالت بإبتسامة متسعة :
- واو يعنى أنا هبقى عمتو .
- إن شاء الله تبقى عمتو و تبقى أحلى ماما فى الدنيا كمان .
قطع جاسم حديثهم و هو يقول مستأذنا :
- هنمشى إحنا بقا .. تروحوا و ترجعوا بالسلامة .
إقتربت وعد و روضة منهم و وقفت قبالة والدها الذى إحتضنها بحنو و قال بحب :
- هتوحشينى يا وعد .. خلى بالك من نفسك و من جوزك يا حبيبتى .
لم تبادله ضمته و قالت بجفاء :
- حاضر .
إحتضنتها سلوى بقوة و سقطت دموعها و هى تقول بحشرجة هامسة :
- بكرة تفهمى و تقدرى اللى عملته .. إحساس صعب لما تلاقى جوزك و حبيب عمرك بيروح لغيرك .. نار الغيرة كانت بتنهش فيا يا بنتى .. ربنا ما يدوقك النار دى .
إبتسمت وعد بسخرية مستهزئة و قالت هامسة أيضا بنبرة جافة :
- ليه مصرة إنى أكرهك أكتر .. أنا لو ربنا كرمنى بطفل هضحى علشانه بعمرى و عمرى ما هسيبه ثانية علشان أنا أنانية مبفكرش غير فى نفسى .. تروحى و ترجعى بالسلامة لو لينا نصيب نقابل بعض تانى .
أبعدتها سلوى عنها و حملقت بوجهها و قالت بقلق :
- قولتى ليه كده .. هو لسه فى خطر على حياتك .
أزاحت وعد ذراعيها و قالت بقوة :
- الأعمار بإيد ربنا .. يمكن عمرى يخلص قبل ما أشوفك تانى .. و ساعتها هتعرفى طعم النار اللى بجد على كل يوم كان ممكن تقضيه معانا و سبتينا فيه .
و تركتهم و إنصرفت مسرعة .. لحقها جاسم مسرعا و هرول ورائها على الدرج و جذبها و ضمها لصدره .. فإنهارت باكية متشبسه بصدره .. ثم صرخت قائلة بضياع :
- أنا بكرهكم كلكم .. مش هسامحكم أبدا .. كلكم أنانيين .
حاوطها بذراعيه و ضمها بقوة لصدره متنفسا بصعوبة .. ثم همس بجوار أذنها :
- إهدى يا حبيبتى .. كل حاجة هتبقى زى ما إنتى عايزة .. و الله بحبك و لو هتلومينى على حبك فأنا فى حبك أنانى .
إبتعدت عنه و كففت دموعها و هبطت الدرج مسرعة .. تبعها و هو يشعر بالضيق على حالتها .. صعدت السيارة و أغلقت ورائها الباب و هى تفكر بألم ......
إنطلقا بالسيارة لوجهتهم و وعد فى حالة شرود و وجوم يرهقه بشدة .. وعدها بالسعادة و الحب اللا نهائى .. فأعطاها الحزن و الخزى .....

....................................................................
طوال طريقهم الطويل لم تنطق بشئ .. فقط صمت مقيت .. فإستسلمت لسلطان نومها و غفت بهدوء .. لمحها جاسم بطرف عينيه فصف السيارة بجانب الطريق .....
تأملها بشوق .. و لامس وجهها بأنامله مستمتعا بنعومتها .. مال عليها قليلا و قبل وجنتها بتلهف .. إنتبهت وعد ففتحت عيناها بتثاقل .. وجدته يحملق بها بقوة .. فإعتدلت فى جلستها و عدلت ملابسها و قالت بضيق :
- إنت وقفت ليه .. أنا تعبت مش هنوصل بقا .
إبتسم بشغف و هو يتابع ملامحها الغاضبة و التى تزيدها جاذبية و سحرا يقاومهم بكل قوته .. تمناها و هى بعيدة عنه .. و يتمناها الآن و هى قريبة منه ..
طفلة .. أجمل طفلة رآها بحياته .. أجابها بهدوء متزن و هو يستند بمرفقه على نافذة سيارته و قد قرر العبث معها قليلا .. فتلك القطة تحتاج لتهذيب :
- ما تجيبى بوسة .
رفعت حاجبها بحدة و قالت و هى تحدجه بسخط و غيظ :
- نعم .. إنت إتجننت .. إحنا خلاص خلصنا و هطلق منك بعد ما يقبضوا على أمير .. نقطة و من أول السطر .
مال ناحيتها بقوة حتى لامس صدره صدرها محاوطها بتملك و همس أمام شفتيها برقة :
- إيه رأيك إنى هخليكى تبوسينى بمزاجك .
إبتلعت ريقها بتوتر و قالت متلعثمة من قربه الشديد منها :
- لا و الله .. طب إخلص و إمشى بقا لو سمحت .
إبتسم إبتسامته الجانبية و طالعها بقوة نافذا لروحها متعمقا فى عينيها اللوزية الدافئة و أجابها بهمس مغوى :
- طب هنشوف هتبوسينى بمزاجك و لا ﻷ .
ثم إعتدل فى جلسته و إرتدى حزام الأمان و إنطلق بالسيارة و التى بدأت سرعتها تعلو و تعلو .. إتسعت عينى وعد و هى تتابع الطريق و قد بدأ فى الإختفاء من شدة سرعة إنطلاق السيارة ......
إبتلعت ريقها بتوتر و إنكمشت فى نفسها بخوف و قالت بصوت مرتعش :
_ جاسم .. بلاش هزار هنموت .
ضحك ضحكة عالية و قال و هو يتابع الطريق :
_ أنا هوايتى الوحيدة هى سباق العربيات .. و بفضل ربنا محدش قدر يسبقنى لحد دلوقتى .. و متعود على السرعة دى .. لو إنتى متضايقة .. هاتى بوسة و أنا هخف السرعة .
إرتجفت بشدة و قالت بتلعثم :
_ أنا خايفة قوى .. هدى السرعة لو سمحت.
هز رأسه نافيا و قرب وجهه منها و أشار على وجنته و قال ببساطة :
_ هاتى بوسة أول .
إقتربت منه و قبلته بوجنته قبلة طويلة عميقة و تشبست بعنقه .. فهدأ السرعة ببطء حتى صف السيارة ووهى ما زالت متمسكة به .. ضمها لصدره بقوة و قال بتنهيدة حارة :
_ ما تخافيش يا عمرى .. إهدى أنا آسف إنى خوفتك .
إبتعدت عنه بخجل و هى تعدل من حجابها بتوتر .. ثم قالت بعبوس و صدرها يعلو و يهبط بذعر :
_ أنا ما خفتش على فكرة .. عادى يعنى .
تعالت ضحكاته الساخرة و قال بصعوبة لاهثا. :
_ بقا ماخفتيش .. أمال بوستينى ليه .
تنحنحت بخجل و قد إحمرت وجنتاها بشدة و قالت بتلعثم :
_ يعنى .. علشان .. علشان ضربتك بالقلم إمبارح و المفروض .. يعنى ما كنتش عملت كده .
ضيق عينيه و رمقها بمكر بطرف عينيه قائلا بهدوء :
_ لا و الله .. طيب هصدقك بمزاجى .
وقاد سيارته مجددا .. بعد ساعات من الهدوء التام بينهما فقط صوت المذياع يصدح بأغانى و جاسم مندمج معه يشاركه الغناء .. إقتربا من الوصول لوجهتهم فهدأ جاسم السرعة و صف السيارة و هو يتطلع لسيارة بالجانب الآخر من الطريق واقفة و تبدو معطلة .....
إرتدى نظارته الشمسية و ترجل من السيارة متوجها ناحية السيارة الآخرى .. إستوقفه فتاة منحنية على موتور سيارتها تتفحصه و ترتدى ملابس تتصدق من خلالها بجسدها على المارة ..كانت ترتدى فستان قصير .. جدا .. يصل لمنتصف ساقيها و مع إنحنائتها أظهر المزيد .. ناهيك عن صدرها العارى و أكتافها التى تزينت برسومات من الوشم مطلقة شعراتها المصبوغة بالأشقر العنان حول وجهها المختفى تحت كمية لا بأس بها من مستحضرات التجميل .......

رفعت الفتاة رأسها تتابع إقتراب هذا الشخص منها .. ما أن رأته بوضوح حتى تأملته بجرأة من قدميه حتى شعراته .. إرتسمت على ثغرها المصبوغ بلون أحمر قانى جرئ مثلها إبتسامة عابثة و هى تطالع وسامته و رجولته بإعجاب .....

إقترب منها جاسم متغاضيا عن عرضها السخى لجسدها و قال بتلقائية :
_ فى مشكلة يا فندم .. تحبى أساعدك .
لعقت شفتيها ببطء و هى تلتهمه بعيناها ثم أجابته برقة :
_ العربية عطلت فجأة و مش عارفة السبب .
هز جاسم رأسه متفهما و أشار لها بذراعه أن تبتعد و قال بتوتر من وقفتها المثيرة :
_ طب بعد إذنك هبص عليها .
إعتدلت فى وقفتها و إستندت بظهرها على مقدمة السيارة و هى تتابعه .....
زفرت وعد بضيق .. بعدما شعرت بالملل .. تطلعت ناحية السيارة المعطلة فوجدت جاسم إختفى وراء غطاء مقدمة السيارة المفتوح .. أخذها الفضول فترجلت من سيارتهم و سارت نحوه ....
وصلت لأذنيها ضحكة رقيعة .. بل خليعة .. جعلت عيناها تتسع حد الجحوظ .. فأسرعت فى خطاها حتى رأت جاسم منحنى يستكشف الموتور بينما تقف جواره .. مهلا .. ماذا ترتدى تلك ال... عفوا .. لماذا لا ترتدى ملابسها أهذه غفوة منها أم أنها تقصد .. ضغطت وعد على شفتيها و قالت و هى تقترب بهدوء مشتعل :
_ فى مشكلة فى العربية يا حبيبى .
إلتفت جاسم برأسه ناحيتها و ما أن رآها ورأى غيرتها بعينيها المشتعلة حتى إبتسم برضا و هو يجيبها قائلا بمداعبة :
_ الظاهر فى مشكلة كبيرة فى العربية .. إيه اللى نزلك فى الشمس دى يا عمرى .
صكت وعد أسنانها بقوة و هى تنقل أنظارها ما بينه و بين تلك ال.. لا تجد لها إسما غير المتفضلة من جسدها .. ثم قالت من بين أسنانها بغيظ :
_ زهقت و وحشتنى فا قولت أطمن عليك .. و بما إن العربية خلصانة فا إنت مش هتقدر تساعدها .. فانمشى إحنا بقا .
أغلق جاسم باب موتور السيارة و تطلع بالفتاة و خلع نظارته و سألها بأدب :
_ هو حضرتك كنتى رايحة فين .
مررت أناملها بشعراتها الشقراء و التى لا تلائمها مطلقا و قالت ببطء مثير :
_ كنت طالعة السخنة .. و إنت كنت رايح فين .
إعتصرت وعد قبضتها و هى تطالع دلالها المنفر .. المقزز .. و ما زادها إشتعالا عندما سألته بوقاحة أين يذهب .. ألم تلحظها بعد .. فهما إثنان و هو ليس بمفرده .. و ما أن فتح فمه ليرد حتى إستندت وعد بكفها على كتفه مقتربة منه بشدة و هى تطالعها بنظرات لو كانت ملموسة لخنقتها فورا و قالت مقلدة نبرتها اللزجة :
_ إحنا كمان طالعين عالسخنة .. هانى موون .
كتم جاسم ضحكته و قرر إستغلال الموقف بدهاء .. فلف ذراعه حول خصرها مقربها إليه أكثر و قال بجدية ماكرة :
_ إتفضلى حضرتك و إحنا نوصلك فى طريقنا و لما توصلى الأوتيل تقدرى تخلى حد يشوفلك العربية و يجيبهالك هناك .. هو حضرتك نازلة فى أوتيل إيه ؟
حدجتهم بإمتعاض من قربهم المستفز و قالت ببرود :
_ أوتيل .............. .
رفع جاسم حاجبيه متعجبا و قال ببساطة :
_ إيه الصدفة دى .. إحنا كمان نازلين فى نفس الأوتيل .. حيث كده إتفضلى معانا .
هزت كتفيها بتسليم و فتحت باب سيارتها الخلفى و أخرجت حقيبتها .. فأسرع جاسم و حملها عنها بشياكة و أشار لسيارته .. فصفرت الفتاة بإعجاب و قالت بحماس بعدما لمعت عيناها :
_ واو .. عربيتك تجنن .. دى موديل السنة دى .. مافيش فى مصر منها غير كام واحدة بس .
إبتسم جاسم بخفوت و هو يجذب وعد المتصنمة مكانها بغضب ينهشها بقوة .. وضع الحقيبة على المقاعد الخلفية للسيارة .. فوجد الفتاة تلتفت ناحية وعد التى تشع نارا من كل مكان بها و قالت بدلال طفولى :
_ بليز ممكن تركبى إنتى ورا و أنا هركب قدام علشان الكعب عالى و مش هعرف أركب ورا .
ضيقت وعد عيناها و قالت بنبرة فاترة هازئة :
_ إقلعى الشوز بتاعك عادى .. إشمعن ده يعنى اللى إفتكرتى تلبسيه .. ما إنتى نسيتى تلبسى هدومك وخرجتى بقميص النوم .
وضع جاسم أنامله على فمه كاتما ضحكاته بصعوبة و هو يرى الفتاة تنفث بغضب و إنحنت لتخلع حذائها فإرتفع فستانها أكثر .. فوقفت وعد أمامها تحجب الرؤية عن جاسم و هى تحدجه بتوعد و نظرات قاتمة تنذره بالأسوء ....
إنتهت الفتاة من خلع حذائها و صعدت للسيارة بهدوء و إنتشاء رغم كلمات وعد الجارحة .. صعدا الإثنان أيضا بأماكنهم .. أدار جاسم سيارته و إنطلق .. فقالت له الفتاة بفرحة هيستيرية :
_ ممكن تفتح سقف العربية يا ... هو إنت إسمك إيه ؟!
أجابها و هو يمتثل لأمرها و فتح سقف سيارته بهدوء :
_ جاسم .. جاسم رحال .
لوت ثغرها بإعجاب و قالت بنبرة هامسة متسلية :
_ على رأى إخواتنا اللبنانيين .. بيلبقلك إكتير .
ثم قالت بهدوء بطئ كأنها تتذوق الإسم :
_ جاسم .. واو إسم يجنن و لايق عليك جدا .
نظر جاسم بطرف عينيه على الجمرة المشتعلة القابعة بجواره و عاد بعينيه للطريق و أجابها بإمتنان :
_ شكرا يا فندم .
إقتربت منهم و هى تستند بذراعيها على مقعدى جاسم و وعد قابعة بينهما و قالت بإبتسامة شغوفة :
_ قولى يا ساندى .. بلاش يا فندم دى .
هز جاسم رأسه بتوجس من ردة فعل وعد التى إقتربت منه قائلة بدلال مثير :
_ لسه بدرى على الأوتيل يا حبيبى .. زهقت و الجو بقا خنيق بشكل هيخلينى أخنقه أنا بإديا لو ملمش نفسه .
إلتفت إليها و إقترب منها هائما بعينيها اللوزية الدافئة و قال هامسا بنظرات نهمة :
_ قربنا يا قلبى .. أنا عارف إنك تعبتى من المشوار .. بس أوعدك إنى هنسيكى التعب ده أول ما نوصل .
ذابت مع نظراته و كلماته المحفزة لمشاعرها الجديدة عليها و لكنها تمالكت و إبتعدت بهدوء متذكرة تلك المتفضلة بجسدها و تتابع حوارهم الخاص دون خجل .......
وصلوا أخيرا للفندق .. فترجل جاسم أولا فإستقبلهم موظف الفندق و حمل حقائبهم على عربة مخصصة لحمل الحقائب .. ودع جاسم ساندى قائلا بود :
_ فرصة سعيدة يا ساندى .
غمزت له بعينها و قالت بإغواء و هى تنصرف حاملة حذائها بيدها خلف كتفها :
_ أكيد هنتقابل تانى .. باااى .

همت وعد بالإنقضاض عليها و جذبها من شعراتها و تنظيف أرضية الفندق اللامعة بها و لكن جاسم كبلها بذراعيه و هو يهمس بجوار أذنها :
_ إهدى كده و صلى على النبى .. مش عاوزين فضايح من أولها .
نفضت ذراعيه بغضب و إلتفتت إليه بترفع و ثقة لا حدود لها و قالت بإتزان متناقض مع حالتها السابقة :
_ إنت فاكر إنى هغير من طائر البغبغان دى .. لا يا بابا .. أنا لو ألبس فستان زى اللى هى لبساه ده و أسيب شعرى .. هوقف شعب مصر كله على رجل .
إقترب منها و هو يعض شفته بإستثارة قائلا بهيام :
_ طب إلبسيهولى أنا أول و أنا أحكم .. و لو إنى عارف الحكم مسبقا يا موزة الموزز كلهم .
إبتسمت بغرور و نفضت كتفها بدلال و إنطلقت داخل الفندق .. تبعها بعينين تلتهما بشوق .. بعد قليل صعدا لغرفتهم .. إنبهرت وعد بفخامتها و بتلك الورود و الشموع المنتشرة بكل مكان بجناحهم .. فإبتلعت ريقها بتوتر.. و توجهت ناحية الشرفة تتابع البحر بنظرات سعيدة .. وقف جاسم ورائها و سألها بهدوء :
_ عجبك الأوتيل .

إلتفتت برأسها نصف إلتفافة و قالت ببرود :
_ أكتر حاجة عاجبانى فيه إنه فيه كنبة كبيرة علشان أعرف أنام عليها .
زفر جاسم بملل و تركها و خرج فتح حقيبته و أخرج منها ملابس نظيفة و توجه للمرحاض عله يهدأ نيرانه المشتعلة من تلك الحمقاء الساحرة ......

...................................................................................................................
..................

وقفت روضة أمام مرآتها بشرود متألم .. ولجت عليها سلوى و قالت بفرحة شديدة :
_ جاهزة يا روضة .. العريس بره .
تنهدت روضة بأسى و قالت بنبرة ميتة لا حياة بها .. متأملة نفسها بفستانها الأخضر الواسع و الضيق عند الخصر و قد تخلت عن نقابها و أظهرت وجهها و التى إكتفت بأن كحلت عيناها السوداء الواسعة برسمة عربية ساحرة تليق بعيناها بشدة .. و إرتدت حجاب أبيض هادئ :
_ جاهزة يا ماما .
تبعت والدتها للخارج و حملت صينية الجاتو و دلفت لصالونهم بخجل حتى جحظت عيناها و كادا أن يتركا محجريهما و ينطلقان للخارج و هى تطالع مالك جالسا بمنتصف الغرفة بأريحية .. تطلعت حولها متأملة وجوه الجميع بتعجب إرتسم على ملامحها بقوة .....

شهق مالك بداخله و هو يتابع تقدمها نحوه .. لقد رسمها بخياله كثيرا .. لكن الواقع أجمل بكثير .. بكثير جدا ..
تأمل جمالها الهادئ برسمة عينيها الآسرة و حجابها الأبيض الذى ضاع بياضه هباءا بالمقارنة مع بياضها .. وجنتيها مرتفعتان للأعلى بشكل يغريك أن تقتطفهما دون خجل .. أما شفتيها فتلك قصة أخرى .. لم تصبغهما .. ولم قد تحتاج لملونات و هما بلون الفراولة و ممتلأتين قليلا .....
وكل هذا فى كفة و طابع الحسن بذقنها فى كفة أخرى ..توقفت عينيه عنده كأنه نسى الدنيا و ما عليها .. رأى طابع الحسن كثيرا بكل أشكاله و لكن بتلك الجاذبية و الجمال .. لم يرى .. و لن يرى .......
وضعت روضة الصينية بحدة و قالت بغضب مشتعل :
_ هو إيه اللى بيحصل هنا بالظبط ..و فين عمار .
وقف مالك غاضبا بشدة و قال بحدة :
_ عمار مين و الناس نايمين .. هو أنا أهبل علشان أخلى حد غيرى يشوفك .
أغمضت عيناها و هزت رأسها بعدم فهم ثم فتحتهم و رفعت ذراعيها فى مستوى صدرها و تسائلت بفضول :
_ حد يفهمنى اللى بيحصل علشان أنا خلاص برج من دماغى هيطير .
جذبها عمرو من رسغها و أجلسها بجواره و إحتضن كفيها بين راحتيه و قال لها بهدوء :
_ أنا هفهمك .. يوم ما ماما قالت إنك وافقتى تقابلى عمار .. وقف مالك و طلب منى نطلع شقتنا و طلعنا
**** فلاش باك ****

جلس عمرو على الأريكة و هو يرى حركة مالك كبندول الساعة و هو يقطع الردهة ذهابا و إيابا بغضب .. ثم توقف و إلتفت لعمرو و قال بقوة كأنه يخلص نفسه من حمل ثقيل أرهقه :
_ بص يا عمرو بصراحة بقا .. أنا بحب روضة و مش هسمح تضيع منى هى كمان .. المرة اللى فاتت زعلت منى علشان لفيت من وراك .. المرة دى أنا جاى وش و دوغرى .
وضع عمرو ساقا فوق الأخرى و هو يتابعه بملامح جامدة لا تحمل أى تعبير .. بينما تابع مالك حديثه قائلا دون توقف :
_ روضة مش هتكون لغيرى إن شاء الله .. أنا بحبها و متأكد إنها بتحبنى و مش هسمح لحد مهما كان مين يفرقنا .. فساعدنى أرجوك و حياة روان عندك .
إبتسم عمرو بخفوت زافرا براحة و قال بحدة :
_ أخيرا نطقت يا أخى .. كفارة يا معلم .
جلس مالك بجواره مسرعا متلهفا و سأله بعيون تلمع من الفرحة :
_ يعنى هتساعدنى يا أبو نسب .. شكلك موافق و هتساعدنى صح .
ساد الصمت قليلا .. ذلك الصمت البغيض .. و مالك يطوف بعينيه على ملامح عمرو المبهمة .. حتى قطع عمرو تلك الحالة قائلا بتفضل :
_ أنا هفكر و أسألها و أبقى أرد عليك .
وقف مالك مسرعا و قال برجاء :
_ بس أنا مش عاوزها تعرف .. عاوز أفاجأها و أشوف ردة فعلها .
إبتسم عمرو إبتسامة عريضة و قال موافقا :
_ تمام .. ده بس علشان أنا متأكد من حبك ليها يا أعمى القلب و النظر .
إبتسم مالك بهيستيرية و قال رافعا عينيه للسماء :
_ ألف حمد و شكر ليك يا رب .
وقف عمرو قبالته و قال بجدية :
_ طب بابا و ماما هتعمل معاهم إيه ؟!
حك مالك ذقنه و ضيق عينيه مفكرا .. ثم قال بفرحة :
_ لقتها .. بعد عيد ميلاد ريتال .. هخليهم يركبوا معايا العربية و هفاتحهم و ربنا المستعان و يوافقوا بيا .
ملس عمرو على ذراعه و قال بحميمية :
_ إن شاء الله هيقتنعوا و هيوافقوا عليك .. مافيش حد يقدر يسعد روضة و يستاهلها غيرك يا صنم .
إحتضنه مالك بقوة قائلا بفرحة :
_ حبيبى يا عمورة .. ربنا يطمن قلبك و يرزقك بالذرية الصالحة .

**** عودة للوقت الحالى *****

و عمرو ما زال محتضن كفيها قائلا بحنو :
_ و أنا مش هلاقى أءمن من مالك عليكى يا ست البنات .
بينما جلست سلوى بجوارها و قالت بإبتسامة متسعة :
_ لو تعرفى هو عمل إيه علشان يقنع باباكى .. ده طلع مجنون رسمى .. و إحنا اللى كنا فاكرينه عاقل .. المهم دلوقتى .. كلنا موافقين على مالك يا حبيبتى .. بس رأيك إنتى اللى هيمشى فى الآخر .
إبتسمت روضة بخجل فإزداد تعمق طابع الحسن بذقنها فأشاح مالك ببصره عنها مستغفرا ربه .. و إنتظر .. إنتظر .. إنتظر ......
حتى وصله صوتها قائلا بخجل هادئ :
_ موافقة .
وقف منتفضا قائلا بفرحة طفولية مشاغبة :
_ أيوة بقا .. أخيرا .. يا ما إنت كريم و عظيم يا رب .
إبتسم عيسى ساخرا و قال بتمهل عاقل :
_ إهدا يا إبنى مش كده لأغير رأيى .
جلس مالك مسرعا و قال بنبرة عاقلة هادئة رزينة :
_ متأسف .. الفرحة لسعتنى شوية .. المهم دلوقتى أجيب المأذون .
إتسعت عينى روضة بدهشة و قد إرتفعا حاجبيها بتعجب و فغرت فمها .. فأجابه عيسى بهدوء ثابت :
_ و الله لو روضة موافقة ما عنديش مانع .. أهه أطمن عليها قبل ما نسافر .

إلتفت الجميع ناحية روضة فى إنتظار ردها .. مررت عينيها على وجوههم جميعا بتعجب .. حتى غمز لها سراج بمداعبة .. فإبتسمت بخجل .. فوقف مالك منتفضا مجددا و أخرج هاتفه و أجرى إتصالا و قال مسرعا بتلهف آمر :
_ إطلع بالمأذون حالا يا سامر .. كلنا بنستناك .
أجابه سامر ضاحكا بشدة :
_ حالا يا عريس .. مبروك يا مالوك .
أغلق مالك الهاتف و قال بسعادة ترجمت على ملامحه البراقة بوميض عاشق :
_ قومى يا روضة إلبسى نقابك و جهزى بطاقتك .. و الله لسه مش مصدق .. حاسس إنى بحلم .
تعالت الزغاريد من حولهم .. فخرجت روضة مسرعة لغرفتها تذرف دموع الفرحة.. و ما أن ولجت حتى سجدت لله شكرا .. و دموعها لا تتوقف على سعادة كانت تتمناها و ظنتها بعيدة .. صعبة المنال .. و لكن كما وعدنا الله وفى .. فقد قال تعالى :
( إدعونى أستجب لكم )

و قد إستجاب دعوتها و عوضها عن أيام الألم و الوجع بفرحة لم تتخيلها .. لم تقنط من رحمة ربها و قد غدق عليها بكل الفرحة التى دائما ما طلبتها و نالتها .

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent