Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل الاول 1 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

رواية وعد بلا رحمة الفصل الاول بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل الاول

 آه من تباريح الهوى ... و المباح بالحب .. إنه و لا ريب طابع الجاذبية على القوة .. لأن الحب يريد أن يثبت للجميع أنه الحب ...
ببساطة .. لم أرها من قبل .. و لم تتكحل عيناى برؤيتها .. و لكنها تجسدت من أوصاف حب بارعة .. خُصصتُ أنا بعلمها .. أنا وحدى .. و لا يمكن أن يُهتدى إلا فيها وحدى ..
ألم بى طيفها فى وحدتى و إقتحم بناء قلبى الذى رفعته لأحميها به .. و ألقيت شغفى فى أساسه حتى لاينهار و لا يتصدع .. و شددته بثقتى و رغبتى .. و بت غارقا فى نعيم الهوى .. كالمحب الذى يحطم قلبه على إمرأة .. لأنه وجد الحب .. بجنونه و جموحه .. ليسقط صريعا فى عالم معذب من الهواجس و الخيالات المعشوقة متسلب الإرادة ..
فلا نهاية لسعادة تتصل بها .. و لا نهاية للذة تخالطها .. و لا نهاية لعشق حبيبة لم أرها ...
و لكنها بخيالى كبعض الممكنات الخيالية التى لا تخرج أبدا من القلب .. و كيف تخرج منه و لا مكان لها بالواقع ...
و رغم ذلك ...
أنا أريدك فى حياتى و واقعى ... لا فى خيالاتى العاشقة .. أخبرينى .. هل تحيا قبلتى لك فى خيالاتى أم ستحيا على شفتيك .. يا من لم أرها ....


مقدمة

السعادة قرار ... و الإحتراس غير كافى للأمان الدائم والنجاة من
عاقبة الحب ... فمن يجمعه الله لا يفرقه بشر لأن الله غالب على
أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ... نختار ... فنفقد ... فنظن
أنها النهاية ... وذلك لجهلنا بفن الحياة والرضا بالواقع ... فلماذا
لا تأتى السعادة إلا بعد مكابدة العذاب ... لأن فطام الهوى إمتحان
لقوى النفس .

من أى شئ تهربين ..
من وحشة الأيام بعدى
أم من الذكرى
وأطياف الحنين ..
من لوعة الأشواق
والحلم المسافر ..
وإنطفاء الضوء فى القلب الحزين ..
لاشئ بعدى غير حزن صامت
ينساب فى عينيك حين تفكرين ..
لا شئ بعدى وإسألى العشاق
كيف يطول ليل العاشقين ..
فلتهربى ما شئت عن عينى
فإنك فى الضلوع تسافرين ..

فاروق جويدة

الفصل الأول :

فى رومانيا بالتحديد فى العاصمة بوخاريست .. داخل فندق متوسط المستوى ... كان مستلقياً براحة و خيالات سريعة كومضة عين تمر به و صور مبهمة تضرب عقله و دماء تغطي يده حتى باتت تقطر أرضاً و صراخ و عويل حوله و صورة واحدة هي ما تمر بباله بشروده ، بغفوته ، بنومه ، تركت آثارها و شوهت ذاته اكثر و أكثر .. و شئ ما يدغدغ أنفه .. أشاح بيده ليبعد ذاك الشئ عنه .. و خشي أنا يصطبغ وجهه بتلك الدماء التى بيده .. حتى شعر بذلك الشئ يمر على أنفه مرة أخرى .. و تلك الخيالات تختفى من أمام عينيه التى فتحها بنظرات ناعسة فرآها أمامه .. أغلق عينيه مستسلما لنومه ثم فتحهما مجددا بسرعة من ذعره و قد إتسعتا بجنون و إنتفض جالسا مستنداً بظهره على ظهر فراشه و قال بتعجب:
- يخرب بيتك .. إنتى بتهببى إيه فى أوضتى هو أنا مش هخلص بقا .
تطلعت إليه بحب وإشتهاء و إقتربت منه و قالت بنبرة ملتاعة و عيونها تٌقطر شوقاً :
- I .. want ... you ... gasem .
ضرب جاسم رأسه بيده وقال ساخرا :
- يا ... صلاة ... النبى .
ثم نهرها جاسم قائلا بغلظة و هو يقاوم نعاسه :
- إنتى إيه اللى دخلك أوضتى ودخلتيها إزاى .
عقدت حاجبيها غير مدركة ما يقوله بالعربية .. و لكنها لامست وجهه بأناملها الناعمة و تمتمت بكلمات لم يفهمها .. لكنه إستنتجها دون شك .. أزاح يدها عنه و إبتلع ريقه متوترا من لمستها .. ثم قال بصوت مضطرب من قربها به كل الرجاء :
- أبوس إيدك إبعدى عنى .. أنا حايش شيطانى عنك بالعافية .
عادت لتمتمتها مرة أخرى وهو لا يفسر شيئا مما تقول بلغتها و لكنها فاجأته ووقفت ثم فتحت معطفها وكانت شبه عارية.. جحظت عينيه وأزاحهم عنها ووقف مسرعاً و إتجه ناحيتها فى حركة واحدة كمن لسعه ثعبان وأغلق معطفها و هو يهدر بها قائلا بقوة :
- هى وصلت لكده .. إسترى نفسك يا مجنونة .
تعجبت من رد فعله .. و رفعت ذراعيها نحوه و لفتهما حول عنقه و زاد تمسكها به .. فدنت منه و قبلت شفتيه برقة .. ذابت معها أعصابه .. ولكنه تمالك نفسه و إبتلع ريقه بتوتر و جبينه صار يقطر عرقاً و دفعها بعيدا عنه فى حركة واحدة وعنفها قائلا بتلعثم :
- out .. أخرجى من هنا فورا .. يالا .
لم تتحرك من مكانها و ظلت ترجوه بعباراتها الناعمة ... فجذبها من ذراعها بالقوة وتوجه ناحية باب غرفته و هى تجذب يدها منه و تحاول التمسك بأرضية الغرفة .. بينما فتح هو باب غرفته ودفعها فإصطدمت بالحائط خلفها و وقفت تتابعه بنظرات لائمة .. رفع سبابته فى وجهها وقال محذرا بنبرة حازمة رغم ضعف روحه و جزء منه لا يصدق انه يرفض هذا الجمال :
- إبعدى عنى .. go من هنا ... مفهوم .
إقتربت منه وحاوطت رقبته مجدداً بيديها و قالت بحزن :
- I love you gasem .. l want you .. really .
أزاح ذراعيها عنه وهو يقاوم سحرها ورغبته بها .. ثم إبتعد عنها و هو يقول بقوة :
- go .. روحى ال home بتاعك .. يالا go .
وأغلق الباب بوجهها وصدره يعلو ويهبط بقوة من آثر لمساتها وقبلتها و رؤيتها عارية .. أغمض عينيه و هز رأسه بقوة كأنه يخرج صورتها منها و مرر أنامله بشعراته ثم إجتذبها كأنه سيقتلعهم من جذورهم .. حتى إنتبه على رنين هاتفه .. توجه صوب الفراش وحمل هاتفه و رد مسرعا بنبرة غاضبة :
- بقيت فين يا زفت إنت .
أتاه الرد بنبرة ساخطة :
- زفت فى عينك .. تصدق أنا غلطان اللى عبرتك و جيت .. أنا هرجع مصر على أول طيارة راجعة .
رد عليه جاسم بإستمالة و مكر و هو يرتمى على فراشه :
- أهون عليك يا مالوكى .. ده إنت صاحبى وأخويا وعشرة عمرى .
ضحك مالك ضحكة عالية وقال ساخرا :
- أيوة كده هات ورا .. صحيح إنت نازل فى نفس الأوتيل .
تمدد جاسم بجسده على الفراش ولوى ثغره وهو يقول بإمتعاض :
- أيوة للأسف .
جذب مالك حقيبته ورائه و تابع حديثه قائلا بهدوء :
- تمام .. أنا خارج من المطار أهو.. إنت بعتلى السواق .
أجابه جاسم بتأكيد :
- آيوة .... أول ما هتخرج هتلاقيه.. تعالا على الأوتيل على طول بلاش لف .. تمام .
رد عليه مالك بتعجب بادى بصوته و هو يقول :
- مش فاهمك الصراحة .. جايبنى على ملا وشى .. وبتستعجلنى هى إيه الحكاية بالظبط .
تذكر جاسم تلك المغوية و صورتها الجامحة التى لا تغادر عينيه و قال بتنهيدة طويلة ملتاعة :
- لما تيجى هحكيلك يالا سلام .
حرك مالك كتفيه بإستسلام وقال :
- سلام يا صاحبى .
وأغلق الهاتف .. وخرج من المطار ليجد السائق بإنتظاره .. حمل عنه الحقيبة ووضعها بالسيارة .. وفتح له الباب الخلفى للسيارة .. ولكن مالك فتح الباب المجاور له وركب بجواره .

........................................................................
...............................

فى محافظة من أجمل محافظات مصر .. محافظة دمياط تلك البلد المثابرة .. والتى ستظل شابة بأهلها الجاديين بعملهم .. منذ نعومة أظافرهم .. سواء بصناعة الاثاث أو الحلويات أو الصيد وصناعة السفن .. بشواطئها الفاتحة ذراعيها لأى مصيف سواء غنى أم فقير .. لا تحتاج لأى قوانين أو تعقيدات للإستمتاع بشواطئها ....

عادت روضة من عملها منهكة .. دلفت لشقتها و رفعت نقابها لتتنفس قليلا .. و أغلقت ورائها باب شقتهم و صاحت قائلة بإرهاق :
- يا تيتة .. إنتى فين .
خرجت من المطبخ سيدة فى العقد السادس من عمرها ولكنها مازالت تحتفظ ببعض من لياقتها .. تجفف يدها بمنشفة المطبخ .. إبتسمت براحة و قالت بتعب :
- كويس إنك جيتى يا روضة .. تعالى يا حبيبتى ساعدينى علشان نخلص الغدا قبل ما عمرو أخوكى يرجع .
وضعت روضة حقيبة يدها على طاولة بجوارها و تركت مفاتيحها و هى تبحث حولها متسائلة بضيق :
- هى وعد هانم لسه نايمة برضه .
هزت الجدة رأسها مؤكدة .. وقالت برجاء هامس :
- أيوة .. سبيها نايمة يا روضة دى كانت سهرانة طول الليل قدام التليفزيون .
ضربت روضة كفيها ببعضهما وقالت مستنكرة تدليل جدتها لشقيقتها الصغيرة :
- بتتعب برضه .. طول الليل سهرانة .. يا تيتة حضرتك مدلعاها جدا .
ضحكت الجدة بخفوت و ربتت على ذراع حفيدتها الحنونة وقالت بسخرية :
- أنا اللى مدلعاها برضه .. ده إنتى لو طولتى تديها عين من عنيكى مش هتتأخرى .
إرتمت روضة بحضن جدتها الحنونة وضحكت قائلة بحب و تقدير :
- ربنا يخليكى لينا يا حبيبة قلبى .
إبتعدت عنها قليلا ورفعت حاجبها بتوعد وقالت بنبرة شيطانية مازحة :
- أنا دلوقتى هدق طبول الحرب وهشن هجوم مفاجئ على الكونتيسة وعد .. وإدعيلى بقا أخرج سليمة من هذه المعركة ما أخدش فازة فى وشى .. أو الموبايل فى دماغى .
قهقهت الجدة .. و قالت من بين ضحكاتها :
- الله يروق بالك يا روضة .. سمى الله وإدخليلها .
تنفست روضة مطولا وتوجهت لغرفة شقيقتها .. فتحت الباب لتجد الغرفة مظلمة كليا و ساكنة .. فأضائتها .. و لكن الضوء لم يحرك ساكنا .. إقتربت روضة من الفراش ودنت من شقيقتها وقبلتها بوجنتها وهى تقول بنبرة حانية :
- وعد .. وعد قومى بقا يا حبيبتى .
تململت وعد فى غفوتها و وضعت الوسادة فوق رأسها تحجب عن عيناها نور الغرفة المضاء .. وقالت بضيق :
- إطلعى برة يا روضة وإطفى النور .. ولما ترجعى من الشغل صحينى .
ضحكت روضة ضحكة عالية و فالت بإتزان :
- يا دودو يا حبيبتى أنا روحت الشغل وخلصت ورجعت وإنتى لسه نايمة .
رفعت طرف وسادتها عن رأسها و فتحت عينيها بتثاقل و رمقت شقيقتها بنظرات شك وقالت محذرة :
- عارفة لو طلعتى بتشتغلينى هعمل إيه .
عقدت روضة ذراعيها أمام صدرها وقالت بإبتسامة ماكرة :
- شوفى ساعة موبايلك وإنتى تتأكدى .

أزاحت وعد تلك الوسادة و حملت هاتفها و تطلعت لشاشته فتأكدت من حديث روضة .. فجلست على فراشها بتثاقل وتمطأت بكسل وقالت وهى تلوى فمها على مضض :
- صباح الخير يا رودى .
قبلتها بوجنتها وقالت بحب :
- صباح الفل والياسمين عليكى يا قلب رودى .. قومى يالا صلى الضهر علشان العصر قرب يأذن .
أومأت وعد برأسها وقالت بإبتسامتها الرقيقة :
- حاضر .
تركتها روضة وخرجت .. وقفت وعد وحملت منشفتها .. وخرجت من غرفتها وسارت قليلا حتى وصلت للمرحاض .. إغتسلت وتوضأت وخرجت سارت لغرفتها مرة أخرى .. إرتدت إسدالها وصلت فى هدوء .

.....................................................................................
.................................

عودة لرومانيا .. إنتبه جاسم لطرقات على باب غرفته .. فوقف وراءه وقال متوجسا :
- who.
ضحك مالك ضحكة عالية وقال بتعجب من حال صديقه :
- أنا يا معلم .. ما تفتح على طول انت عليك تار يا إبني .
فتح جاسم الباب وجذب مالك للداخل عنوة .. وأغلق الباب مسرعا .. جذب مالك ذراعه و مسده قائلا بتألم :
- دراعى يا عم .. وباعدين مالك كده مش على بعضك .
ترك جاسم حقيبة مالك وزفر بضيق و هو يقول براحة و إطمئنان :
- كويس إنك جيت .. حمد الله على سلامتك .
لاحظ مالك إرتباكه و تخبطه فسأله بقلق :
- مالك يا جاسم قلقتنى يا صاحبى .
أشاح جاسم بيده و قال متأففا :
- مافيش دى البتاعة اللى إسمها ديانا بنت الراجل اللى متعاقدين معاه علشان يورد لنا الخشب .
إبتسم مالك ببرود و قال بضيق :
- مش فاهم حاجة برضه هى بتضايقك لسه .
أجابه جاسم وهو يحك ذقنه قائلا بسخرية :
- لا يا معلم دى جابت من الآخر و لاقتها فوق راسى و أنا نايم .. و فجأة عرضت نفسها عليا و فجأة برضه بقت من غير هدوم .
إبتلع مالك ريقه ورمش بعينيه عده مرات قبل أن يرد بتقزز :
- إيه اللى بتقوله ده .. أستغفر الله العظيم .. وطبعا سيادتك ما صدقت .
أسبل جاسم عينيه وقال بإستعطاف :
- على فكرة إنت ظالمنى .. إنت تعرف عنى كده .
أجابه مالك بإيجاز سريع :
- أيوة .
نظر له جاسم بعتاب وهو يقول بفتور :
- إخص عليك .. طب والله والله ما جيت جنبها وطردتها وإتصلت بسيادتك علشان تبقى معايا .. لأنى مش هقدر أمسك نفسى كتير .
جلس مالك بإرهاق على الفراش ثم تمدد و قال ساخرا :
- وأنا اللى كنت فاكرك جايبنى علشان أبقى مترجم لسيادتك يا أمى يا جاهل .
إبتسم جاسم بسخرية و قال بسخط :
- خفيف ياض .. ما أنا متخرج من نفس الكلية اللى سموك متخرج منها .
- بس جاهل لغات .. يا أمى .
حدجه جاسم بنظرة محذرة وقال بتحدى :
- قد كلامك ده يا دكر .
إبتلع مالك ريقه بإرتباك شديد فهو يعلم قوة صديقه جيدا .. و قال بنبرة متوترة :
- بهزر يا صاحبى .. صاحبك و غلط .. ما هو لو مافيش حد بيغلط ما كانوش حطوا فوق القلم أستيكة .
ضرب جاسم كفيه ببعضهما وقال مبتسما :
- ده أخرة قعادك مع الأراجوز الأستاذ سامر .
إنتبهوا لطرقات على باب الغرفة .. أشار جاسم لمالك و قال هامسا :
- إفتح إنت و لو البلوة اللى إسمها ديانا وزعها و قولها مش هنا .
و ركض و إختبئ بالمرحاض .. ضحك مالك على حال صديقه وتوجه للباب وفتحه فانفغر فاه من هول ما رأى .. كانت تقف أمامه فتاة أقل ما يقال عنها حورية من حوريات الجنة .. تطلع إليها مطولا ثم جاهد نفسه و خرج صوته متحشرجا قائلاً ببلاهة :
- من أنتى .
ردت عليه ديانا وعينيها تتجول بالغرفة ورائه باحثة عن جاسم :
- أنا ديانا .. جاسم هنا .
تنهد مالك مطولا وقال هامسا بلغتها التى تعلمها بسهولة :
- لا .. هو ليس هنا .. خرج .

علا الحزن ملامح وجهها الساحر و لوت ثغرها و إقتربت من مالك وهى تهمس بالقرب من وجهه :
- أرجوك .. أخبره أنى أريده و بشده .. و أنى أحبه جدا .
كان مالك هائما بها .. وجاسم يتابع حوارهم من وراء باب المرحاض .. كتم ضحكته و هو يتابع إنهيار أعصاب صديقه المتدين .. بينما إبتعد مالك وقد غزى عطرها وجدانه و فعل به الأفاعيل و قال متصنعا القوة :
- حسنا .. سوف أخبره .. إلى اللقاء ديانا .
و أغلق الباب مسرعا ليحتمى خلفه .. خرج جاسم من المرحاض و هو منهار من الضحك على حال صديقه .. إقترب منه و هو مازال يحتمى بباب الغرفة و فى حالة شرود و هيام .. مرر جاسم يده أمام وجه مالك و قال ساخرا :
- مالك يا صاحبى .. أمال أنا أعمل إيه يا شيخنا .
وضع مالك يده على قلبه و تنفس مطولا وزفره بهدوء و قال بإعجاب :
- إيه البت دى .. إنت قاومتها إزاى يا معلم .
مرر جاسم أنامله بشعراته البنية الناعمة و قال متنهدا :
- لا يا معلم كله إلا كده .. أنا أصاحب آه .. أكتر من كده ما أقدرش .. صحيح مقصر فى صلاتى بس هييجى يوم وهتوب .. لكن زنا لأ .
أومأ مالك رأسه بتفهم .. ثم قال فاقدا صبره :
- إحنا لازم نسيب الأوتيل ده فورا .. ونروح واحد تانى .. وأول ما تتفق مع أبوها على الشحنة الجديدة نسافر فورا .
صمت جاسم برهة يفكر بما قاله مالك .. ثم قال بجدية :
- عندك حق .. أنا هجهز شنطتى حالا .

.........................................................................
.........................................

خرجت وعد من غرفتها .. وتطلعت لجدتها التى ترص أطباق الطعام على المائدة .. إقتربت منها وقبلتها بوجنتها و قالت بإبتسامتها الشقية :
- صباح الخير يا إمتثال .
إبتسمت الجدة وقالت بضيق مفتعل :
- قدك أنا ولا بلعب معاكى فى الشارع يا وعد هانم .
قرصت وعد وجنتيها وقالت مداعبة :
- و هو أنا لسه بلعب فى الشارع يا إمتثال .. كبرنا على الحاجات دى .
أزاحت جدتها يديها عن وجهها وقالت متأففة :
- الجو حر يا بت إنتى إبعدى عنى .
خرجت روضة من المطبخ وهى تحمل أطباق الطعام بيديها .. و صوت ضحكاتها يسبقها على شغب شقيقتها .. ووضعتهم على الطاولة .. بينما لمعت عينى وعد و عضت شفتيها وقالت بفرحة :
- كفتة ومكرونة وبطاطس محمرة .. أحمدك يا رب .
جلست روضة بمقعدها وهى تقول بتذمر :
- أول مرة أشوف واحدة تفطر مكرونة وكفته .
زفرت وعد بملل وقالت بحدة و هى تسحب كرسيها :
- طب أعمل إيه مخلصة الكلية بقالى كام شهر .. وعاطلة عن العمل .. فا أنام براحتى وأسهر براحتى وأفطر كشرى عادى برضه .
إمتدت أنامل وعد لإلتقاط صباع كفته .. فصفعتها روضة على يدها وقالت بمرح :
- إيدك .. مش هتاكلى حاجة غير لما عمرو يرجع من شغله .
عقدت وعد ذراعيها أمام صدرها وقالت بضيق :
- يووه بقا .. هو هيتأخر .
فتح باب شقتهم ودلف منه شاب .. أغلق ورائه الباب .. وأغلق عينيه وهو يشتم رائحة الطعام الشهى .. ثم فتحهما بإبتسامة مشرقة و قال بتلذذ :
- الله الله .. كفته تيتة العالمية .
زفرت وعد بفقدان صبر و هى تضع كفها أسفل وجنتها قائلة بتذمر :
- إخلص يا عمرو وإغسل إيديك بسرعة وتعالى .. جعانين وبنستناك يا أخى .
إنتصب عمرو فى وقفته وأدى التحية العسكرية وقال بجدية :
- تمام يا فندم .
وإستدار مسرعا صوب المرحاض .. غسل يديه جيدا .. وعاد للمائدة جلس مكانه و قال بهدوء رزين :
- بسم الله الرحمن الرحيم .. يالا يا جماعة بالهنا والشفا .
بدأوا فى تناول طعامهم .. فقالت وعد بمكر :
- عمورة حبيبى وأخويا وكل حاجة ليا .
تطلع عمرو صوبها بطرف عينيه .. وقد فهم من دلالها أنها تنوى طلب شئ ليس بالهين .. إبتلع ما فى فمه وقال بفضول :
- هاتى اللى عندك يا وعد بلاش دخلة السهوكة دى .
وضعت معلقتها جانبا و قالت برجاء :
- عيد ميلادى كمان إسبوعين .. وإنت وعمو سراج وعدتونى إننا هنحتفل بيه لما هنصيف فى رأس البر .
نظر إليها عمرو بتركيز وقال بهدوء مستفز :
- مش عارف هينفع ولا ﻷ .. لأن مالك مسافر رومانيا فى شغل .
ردت بعصبية شديدة .. وهى تقف وأنفاسها تتلاحق .. و قد إحمرت عيناها غضبا وقالت :
- ماليش فيه .. إنتوا وعدتونى .. أما بقا مالك فا ليلته سوده لأنه عارف إنى هحتفل بعيد ميلادى السنة دى فى المصيف .
هدأتها روضة وهى تربت على كفها :
- إقعدى كملى أكلك يا وعد .. وأكيد مالك مش هيتأخر فى سفره وهاييجى قبل عيد ميلادك .
تركتهم وعد ودلفت لغرفتها .. إرتدت إسدالها وخرجت وقفت أمامهم وقالت بحزم :
- أنا هنزل لعمو سراج وهخليه يشوفلى حل فى الموضوع ده .. هو وعدنى وأنا ماليش دعوة .
ثم توجهت لباب شقتهم فتحته وهبطت الدرج مسرعة .. وطرقت باب شقة جارهم سراج .. فتحت لها فتاة الباب وقالت بإبتسامة رقيقة :
- دودو هانم بذات نفسها تكرمت وتعطفت وشرفتنا بالزيارة .
نظرت لها وعد وعلى وجهها وجوم حزين و قالت بنبرة خافتة :
- عمو سراج هنا يا روان .
لاحظت روان عبوسها فتسائلت بقلق :
- مالك يا وعد .. حد زعلك .
أتاهم صوت من خلفهم يقول بإبتسامة ماكرة :
- عارف زعلانة ليه .. تعالى يا وعد إدخلى .
دخلت وعد وهى محتفظة بملامحها الحزينة وقالت بلوم :
- مش إنت وعدتنى يا سروجتى إنك هتحتفل بعيد ميلادى وإحنا بنصيف فى رأس البر .
قهقه سراج عاليا وقال مازحا :
- سروجتك .. كلى بعقلى حلاوة .. آآآخ منك إنتى .
إقتربت منه وقالت وهى تتصنع البكاء :
- يعنى هتنفذ كلامك ولا هنتخاصم .
خرجت من المطبخ سيدة فى نهاية عقدها الرابع .. تخفى ضحكاتها .. وإقتربت من وعد وربتت على ذراعها وقالت بحنان :
- ما تقلقيش يا دودو .. إحنا مجهزين كل حاجة زى ما وعدناكى .
إتسعت عينى وعد من الفرحة وقالت بإشراق :
- بجد يا طنط آمال .
أومأت آمال برأسها وقالت بتأكيد :
- بجد يا روح طنط آمال .
مصمصت روان شفتيها بضيق وقالت :
- أنا بغير على فكرة .. وإنتوا مدلعين البت دى قوى .

أخرجت وعد لسانها لروان لتغيظها وقالت بلؤم :
- حقودة .. مش كفاية أخدتى منى عمورتى وخطبتيه .. يا شريرة .
إبتسمت روان رغما عنها وقالت بحدة :
- أنا اللى خطبته برضه .. ولا إنتى اللى فضلتى تزنى على ودانى علشان أوافق أتخطب ليه .
قالت وعد وهى تلوى فمها على مضض :
- إنتى كنتى تطولى .. هو فى زى عمورة .. طول بعرض .. وشغال فى المينا .. وعنده شقته .. وبيجهزها .. وأخلاق .. وقمر .. ده كفاية إنه شبهى .
إتسعت إبتسامة آمال وقالت بمداعبة :
- قوليلها يا وعد البت دى .
- ما أنا بقولها أهه يا طنط .. طب وهو الأستاذ مالك هيرجع إمتى .
جلس سراج على أريكته وقال مؤكدا :
- كام يوم بس وهيكون هنا بالسلامة .. أنا أجرت عشتين قصاد بعض .. على البحر على طول وإسبوع كامل يا ستى .. هاه مبسوطة .
دنت منه وعد وقبلته فى وجنته وقالت بفرحة :
- مبسوطة جدا يا حبيبى .. ربنا يخليك ليا يا كايدهم .
وتطلعت صوب روان التى تتصنع الغضب .. وما أن فتحت فمها لترد على سخافتها حتى علا رنين هاتفها .. فقطبت كلماتها وحملت هاتفها .. لتبتسم عينيها بفرحة وردت مسرعة :
- مالك حبيبى .. وصلت بالسلامة .
وقف مالك بشرفة غرفته الجديدة .. ورد عليها بشوق :
- وحشتينى الكام ساعة دول يا رونى .
تجمعت العبرات بعينيها وقالت بشوق :
- وإنت كمان وحشتنى .. يا رب ما تتأخرش المرة دى .
عاد لغرفته .. وجلس بجوار جاسم و هو يشاهد التلفاز ورد عليها بإبتسامته هادئة :
- مش هتأخر إن شاء الله .. كام يوم وتلاقونى عندكم .. إنتى ناسية عيد ميلاد وعد .. دى ممكن تهد الدنيا على دماغنا .
ضحكت روان ضحكة عالية وقالت ساخرة :
- ما هو ده اللى حصل لما عرفت إنك سافرت .. خد كلمها و طمنها .
أعطت روان الهاتف لوعد التى إنفجرت به بصياح وصل لمسامع جاسم ولفت إنتباهه :
- ماشى يا مالك .. والله لهخليك تصرف اللى وراك واللى قدامك على الأيس كريم والشوكولا علشان أتكرم وأتعطف وأصالحك .
ضحك مالك ضحكة عالية وهو يبعد الهاتف عن أذنيه .. ثم أعاده وقال مسرعا :
- إهدى يا سنجوبة.. يومين تلاتة بالكتير وهرجع مصر .. وأنا مجهز كل حاجة أصلا للمصيف ولعيد ميلادك .
هدأت نبرتها وهى تقول بحدة وتوعد :
- برضه مش هصالحك غير بأكبر كمية أيس كريم وشوكولا .
تنهد مطولا وقال بنبرة مداعبة :
- ده إنتى بتتلككى بقا .
لاحظ جاسم طريقته الهائمة فى الحديث .. فاعتدل فى جلسته وإلتفت إليه بوجهه يتابع حديثه الشيق .. بينما ردت وعد بنبرة حاسمة ومؤكده :
- أيوة بتلكك .. علشان تبطل تقولى سنجوبة تانى .
ضحك مالك ضحكة عالية وقال لإغاظتها :
- ليه بس .. ما إنتى سنجوبة بجد .
إشتعلت عينى وعد دليل على غضبها .. وصاحت به مجددا :
- أعوذ بالله منك .. فعلا مالك رخامة إستايل .
تابع حديثه المستفز وقال :
- إنتى بتتلفظى ألافيظ مش حلوة على فكرة .
صكت وعد أسنانها وقالت بضيق :
- ألافيظ .. تعرف لولا إن التليفون ده أخويا اللى شاريه لروان .. كنت دشدشته على دماغ أختك حبيبة قلبك يا رخم .
تعالت قهقه مالك .. بينما وضعت روان يدها على رأسها وقالت بخوف :
- وأنا مالى أنا .
تمالك مالك ضحكاته وقال بجدية :
- لا وعلى إيه المسامح كريم .. أو سليم .
رفعت وعد عينيها بملل و قالت بضيق :
- أنا غلطانة إنتى بتعامل مع أمثالك .. سلام يا برنس .
وأعطت وعد الهاتف لروان وقالت بضيق :
- أنا هطلع أنا أكمل غدايا .. زمان عمرو أكل كل الكفتة .. سلام يا جماعه .
تركتهم مسرعة وأغلقت ورائها الباب .. و الجميع يهز رأسه بيأس على شغبها المعتاد

............................................................................
........................................

أنهى مالك مكالمته مع والديه وطمأنهم عليه .. ووضع الهاتف بجواره وعقد ذراعيه خلف رأسه و شرد بالتلفاز .. بينما مازال جاسم يتأمل شروده الهائم .. فتنهد بقوة و قال ساخرا :
- الله الله .. ده الموضوع كبير بقى .
إلتفت إليه مالك بتعجب وقال مستفهما :
- موضوع إيه اللى كبير .
أضاف جاسم غامزا إياه :
- يا واد على بابا .. مين اللى إنت كنت بتكلمها دى .
رد مالك بتلقائية :
- ماما .. وبابا .. وروان .. وجارتى .
أومأ جاسم بخبث وقال بعبث :
- إمسك فى جارتك بقا وقولى عنيك كانت بتلمع ليه وإنت بتكلمها .
مط مالك شفتيه بتبرم وقال بهدوء :
- عنين مين اللى كانت بتلمع إنت هتعمل فيها شارلوك هولمز .
وخزه جاسم في ذراعه و قال:
- عليا .. ده أنا خبرة .. شكلك بتحبها .
ضحك مالك ضحكة عالية .. وقال بسخرية :
- أحب مين .. وعد .
قفزت نبضة من نبضات قلب جاسم بعدما إستمع لإسمها .. لم يدرى ما جذبه بذاك الإسم الغريب بعض الشئ .. ولكنه تغاضي عنها و قال مستفهما :
- ليه فى حاجة تمنع إنك تحبها .
زادت ضحكات مالك الساخرة و قال ببساطة :
- يا معلم دى عيلة صغيرة .
رفع جاسم حاجبيه وقال بفهم :
- والله !!!! إفتكرتها بنت كبيرة .
أجابه مالك مسرعا :
- طب ما هى بنت كبيرة وعندها ٢٢ سنة .
قطب جاسم جبينه وقال بضيق :
- إنت بتشتغلنى ياض .. ما ترسى على بر .
هدأه مالك وشرد قليلا وهو يقول بإبتسامة هادئة :
- أصلها ببساطة .. وعد .. بنت جميلة جدا وشها مدور قوى .. عمرى ما شفت بنت وشها مدور كده .. زى القمر .. وبياضها غريب لأنه على وردى .. ومناخيرها صغننة جدا ودايما حمرة .. وشفايفها مرسومين سبحان الله .. وعنيها بقا حكاية .. واسعين ومتكحلين ربانى .. ورغم كل ده .. هتفضل عيلة صغيرة عمرها ما هتكبر أبدا .

تنهد جاسم مطولا وقال بهيام :
- كل ده ومش بتحبها .. ده إنت ضايع يا إبنى .
نظر له مالك كأنه يستلهم الصبر قائلا بتثائب :
- ده إنت فايق وأنا بقالى يوم ما نمتش .. روح أوضتك يالا عاوز أنام .
وقف جاسم وهو يضحك ثم غمز له وقال بمكر :
- والله بتحبها .. بس بكرة تيجى لغاية عندى و تقر و تعترف .. سلام يا صاحبى .
تركه جاسم وعاد لغرفته بينما فكر مالك بكلمات جاسم وسأل نفسه بجدية :
- أنا بحب وعد ؟؟؟؟؟
هز رأسه نافيا وقال بسخرية :
- أكيد ﻷ دى عيلة لسه .. أنا أقوم أنام أحسن .
وقف وبدل ملابسه وتوضأ وصلى فرضه و قرأ ورده .. ثم إندس بفراشه و هو يسأل نفسه مجدداً .... وعد ؟!!!! ... هز رأسه نافياً و تدثر جيدا و نام على الفور .

....................................................................
......................................

إنتبهت الجدة إمتثال على طرقات على باب الشقة فقامت بتثاقل و سارت ناحيته لتعرف هوية الطارق .. فرأت أمامها روان بإبتسامتها الرقيقة مثلها .. و قالت بهدوء :
- مساء الخير يا تيتة .
أجابتها الجدة بإبتسامة هادئة :
- مساء النور يا حبيبتى تعالى إدخلى .
هزت روان رأسها نافية و قالت بخجل :
- مش هينفع عمرو موجود .. خلى البنات يطلعوا ورايا على السطح و ماما بتجهز شوية حاجات علشان نسهر فوق .
أومأت الجدة برأسها وقالت مؤكدة :
- حاضر يا حبيبتى .. إطلعى إنتى وإحنا هنحصلك .

إجتمع الجميع على سطح البناية التى يمتلكها والد وعد عيسى القاضى .. والذى يعمل بدولة الكويت منذ سنوات .. ولكن لظروف مادية إضطر لبيع شقة من الثلاث لصديقه سراج والذى إشتراها وقطنها مع أسرته و رعى أولاده بغيابه ليعوضهم عن حنان ودفء الأب الغائب منذ سنوات ....

جلست وعد على الأرجوحة والتى صنعها لها مالك و عمرو .. هزتها بقدميها وقالت بفرحة :
- شكرا يا عمورى بجد المرجيحة دى تجنن .
أجابها عمرو وهو يقف خلفها ويؤرجحها بحذر :
- هى فكرة مالك .. بس عموما العفو يا ستى .
وإلتفت برأسه صوب حبيبته الخجولة دائما رغم أنها تعد زوجته بعدما عقدا قرانهما .. إبتسمت روان بخجل .. وهى تستشعر نظراته تجاهها .. بينما جلست روضة منزوية تقرأ كتابا بشغف .. وإمتثال وآمال وسراج يتجاذبون أطراف الحديث .. إنتهت روضة من قرائتها فتطلعت بوعد وقالت برجاء :
- وعد .. علشان خاطرى غنى شوية .
إلتفتت إليها وعد وقالت بنبرة شريرة مستغلة :
- تدفعى كام .
تطلعت إليها روضة بضيق وقالت بحنق :
- ما فيش حاجة لله أبدا .. لما ننزل يا ستى هديكى عشرة جنيه .
إبتسمت وعد بشقاوة وأغلقت عينيها وخرج من بين شفتيها ذاك الصوت الساحر وهى تشدو :
- القلب يعشق كل جميل .. ويا ما شوفتى وياما شوفتى جمال يا عين .. واللى صدق فى الحب قليل .. قليل .. وإن دام يدوم .. يوم .. ولا يومين .. ولا يومين .. واللى هويته اليوم .. دايم وصاله دوم .. لا يعاتب اللى يتوب .. ولا بطبعه اللوم .. واحد مافيش غيره .. ملا الوجود نوره .. دعانى لبيته لحد باب بيته .. وأما تجلى لي .. بالدمع ناجيته .. بالدمع ناجيته .
كففت روضة دموعها الخاشعة .. وصفقت لها ليشاركها الجميع تصفيقها .. فتحت وعد عينيها وقالت بخجل :
- كفاية كسفتونى .. بس عجبتكم الأغنية .
ردت الجدة بتنهيدة :
- الله الأغنية حلوة قوى .. ربنا يكتبلنا زيارة بيته يا رب .
أكد سراج على رجائها وقال :
- آمين يا حاجة إمتثال .. ونكون صحبة يا رب .
- يا رب .
بينما قالت روان بإعجاب :
- ما شاء الله صوتك يجنن يا وعد .
ردت عليها وعد بثقة :
- عارفة طبعا .
صفعها عمرو على رأسها وقال مازحا :
- ده إيه التواضع ده يا فنانة .
زمت وعد شفتيها وقالت بغضب :
- بتضربنى يا عمرو .. طب مخصماك ومش هكلمك تانى .
تركتهم وهبطت الدرج مسرعة .. ضحك عمرو ضحكة عالية وقال ساخرا :
- واضح كده إن مخزون الشوكولاته والأيس كريم خلص معاها .. ربنا يعينى بقا .
دخل الجميع فى نوبة ضحك .. بينما قال عمرو و هو ينصرف :
- أنزل بقا أنا على الورشة عندى شغل متأخر .. سلامو عليكو .
رد الجميع :
- وعليكم السلام .
إلتفت سراج صوب إمتثال قائلا بفخر :
- عارفة يا حاجة .. أنا بحمد ربنا دايما إنه رزق بنتى براجل زى عمرو .. بالنهار فى وظيفته فى المينا .. وبالليل بيقف فى ورشته .. كل ده علشان يقدر يجهز شقته بكل اللى تتمناه روان .
إبتسمت روان وهى تحمد ربها على أنه رزقها زوج وحبيب مثل عمرو .. بينما عادت وعد وجلست معهم و هى تضحك .. سألتها روضة بفضول :
- ممكن نعرف سبب إنشكاحك ده إيه .
جلست وعد على أرجوحتها مجددا وقالت :
- طلبت من عمرو حاجات ييجى ب ١٠٠ جنيه .. أيس كريم بالمانجو .. ومشبك .. وشوكولا .
ضيقت روضة ما بين حاجبيها وقالت بضيق :
- حرام عليكى يا وعد .. عمرو بيتعب بالفلوس دى .
إلتفت إليها وعد برأسها وقالت بحدة :
- لا والله .. طب إيه رأيك إنك هتجيبى زى عمرو وأكتر .
إبتسمت روضة بحب و قالت بحنو :
- ده أنا أديكى عنيا يا حبيبة قلبى .
أرسلت إليها وعد قبلة بالهواء وأغلقت عينيها بشرود .. فروضة بالنسبة لها أمها وليست أختها رغم أن الفارق بينهما ثلاث سنوات فقط ... إلا أنها تدللها وترعاها وتشملها بحنانها .. أما عمرو فهو حبيبها وأخيها وأبيها و السند .. فالآمان هو عمرو .. والطمأنينة هى عمرو .. و الدفء هو عمرو .. ربما تشتاق لوالديها أحيانا .. لكن أغلب الوقت سخطها وغضبها هما المسيطران عليها .. حتى تحول قلبها لكتلة من الرماد .. والتى تهدد بالإشتعال بأى وقت .
......................................................................................
.........................................
فى اليوم التالى مل جاسم الجلوس بمفرده .. فإرتدى ملابسه وتوجه لغرفة مالك ..طرق الباب فلم يأته الرد بالبداية .. فطرقه مجددا بقوة .. حتى فتح له مالك و هو قد إستيقظ للتو .. دفعه جاسم بيده ودلف لغرفته قائلا بضيق :
- يا معلم هو أنا جايبك علشان تقضيها نوم .. عايزين نخرج شوية زهقت .
تثائب مالك و قال و هو يتمطأ بكسل :
- ما نمتش بقالى يوم يا ظالم .. مستكتر فيا كام ساعة .
جلس جاسم على الأريكة وقال ببرود :
- طب إخلص خد دش وإلبس علشان عازمك على الفطار .. وبعد كده نعمل شوبنج .. عاوز أجيب هدايا لعيلتى وخصوصا البت ريتال .
إبتسم مالك بعذوبة وقال متحمسا :
- ما دام فيها ريتال .. فأنا معاك يا معلم .. وأنا كمان عاوز أجيب هدايا .. خصوصا هدية عيد ميلاد الكونتيسة وعد .
شعر جاسم بالفضول .. فهو يريد أن يسمع عن تلك التى تسمى وعد أكثر .. فسأل مالك بتركيز :
- مهمة وعد دى عندك مش كده .
إبتسم مالك وهو يتخيلها أمامه وقال بتنهيدة خاطفة :
- هى بتجبر أى حد بيتعامل معاها إنه يحس إنها مسئولة منه .. كأنها طفلة ومحتاجة إيد حنينة تطبطب عليها .. غصب عنك تبدأ تهتم بيها وترعاها .
إبتلع جاسم ريقه متوترا من كلمات مالك المحيرة فسأله مجددا :
- وإيه السبب ورا شعورك ده .
تنهد مالك مطولا وجلس على فراشه وهو يثنى قدمه تحته ويضم يديه ببعضهما وقال بحزن :
- لأنك أول حاجة هتلاحظها عليها رغم شقاوتها وضحكها .. هى ملامحها الحزينة مهما خبت ودارت .. بس عنيها شفافة لدرجة تخليك نفسك تطبطب عليها .
أخرج مالك من تفكيره المتعمق صوت جاسم المتسائل بهدوء :
- وإيه سبب حزنها بقى .
لمعت عينى مالك وهو يتابع سرده بحزن :
- أبوها و أمها ..
وهى عندها ١٦ سنة سافرت والدتها لوالدها الكويت .. وبعد شهر رجعوا بس والدتها كانت حالتها النفسية زى الزفت .. و وعد كانت متعلقة بيها جدا .. أول مامتها ما شافتها .. دخلت فى نوبة عياط وإنهيار وفضلت ماسكة فى وعد لحد ما هديت .. جه عمو عيسى وحب يطبط على مراته ويهديها .. هوب إنفجرت فى وشه .
نظر له جاسم بتركيز وقال بشغف :
- إيه اللى حصل بعد كده .
أخذ مالك نفسا طويلا و زفره فى عجاله وأجابه قائلا :
- قعدت تصوت وتقوله تتجوز عليا يا عيسى بعد العمر ده كله .. هونت عليك وهانت عشرتنا .. طب كنت قولى .. مش ألبسك بدلة فرحك بإيدى وأنا معرفش .. حرام عليك .. وقفت وعد وهى مش مصدقة كلام مامتها وسألت باباها إنه بجد الكلام ده .. الصراحة الراجل ما كذبش وقال إنه محتاج زوجة معاه فى الكويت .. صدمة وعد كانت أكبر من عمرو أخوها وروضة أختها .. وطلبت من والدتها إنها تطلب الطلاق منه .. بس والدتها رفضت .. وإتحججت بيهم وبالبيت اللى هيتخرب .. بس هنا بقا ووعد إتحولت كرهت باباها .. وللأسف إحتقرت ضعف والدتها .. وبالذات لما والدتها سابتهم لجدتهم وسافرت علشان ما تسيبش جوزها لمراته الجديدة تستفرد بيه .. بقا جوة وعد كولكيعة كبيرة جدا .. إن أى راجل خاين .. مهما كان مين .. وإن الست لما تتجوز بتبقى لعبة فى إيد جوزها .
وطال الصمت .. إلا أن قال جاسم بتعحب :
- إنت قولت إن لها إخوات .. ليه ما إتأثروش زيها .
- ﻷنها يا سيدى دلوعة البيت .. وحبيبة أمها .. لما لقت أمها ضعيفة كده لأ وباعتهم وسافرت لجوزها .. نفسيتها تعبت لدرجة إنها مش بتكلمهم سواء فى التليفون أو لما بيجوا زيارة .
هتف جاسم بحيرة وقد تبدلت تعابير وجهه لتجهم :
- غريبة قوى القصة دى .. بس أكيد بنت زيها بدلعكم الزيادة ده .. هتبقى مستهترة ومعتمدة عليكم لأ وبتستغلكم كمان .
ضحك مالك ضحكة عالية وقال موضحا :
- بالعكس بقى.. دى قوية جدا .. ونجحت فى كليتها بتقدير جيد جدا .. هى خريجة إدارة أعمال وبتدور على شغل .. ده غير إنها متدينة وتعرف ربنا .
إبتلع جاسم ريقه وهو يقاوم فضوله أكثر عن تلك الشخصية الغريبة والتى يراها خيالية بعض الشئ .. ربما تعاطف مالك معها وربما عشقه ما دفعه لوصفها بتلك الطريقة المشوقة والحزينة .. لكنه نفض تللك الأفكار عن رأسه وقال مسرعا :
- طب قوم يالا علشان نلاقى هدية قيمة للكونتيسة بتاعتك .
وقف مالك بإبتسامته الهادئة وحمل منشفته ودلف للمرحاض تاركا جاسم شاردا بتلك الغريبة .. والتى تحيره رغم أنه لم يعتد أن ينجذب لشخصية كشخصيتها .. ثم وبخ نفسه لأنه متأكد من شعور صديقه ناحية تلك الوعد .. فمالك يعشقها دون أن يدرى

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent