Ads by Google X

رواية وعد بلا رحمة الفصل التاسع عشر 19 بقلم ياسمين ابو حسين

الصفحة الرئيسية

 رواية وعد بلا رحمة الفصل التاسع عشر بقلم ياسمين ابو حسين

 رواية وعد بلا رحمة الفصل التاسع عشر

 إنتبه جاسم لطرقات تأتى من مكان ما .. ففتح عينيه بتثاقل لتخترقهما أشعة الشمس فأغلقهما مجددا .. إستمع لطرقات على باب شقته .. فوقف مسرعا يطأطأ عظامه المتشنجة من نومة الأريكة .. و فتح الباب لتتقابل نظراته مع نظرات سلوى و عمرو المندهشين من هيئته المزرية ....

حاول عمرو كبح زمام ضحكاته و هو يرى جاسم مازال بملابس زفافه .. بينما حركت سلوى شفتيها بإمتعاض .. هز جاسم رأسه بقوة و رسم ضحكة خافتة على ثغره و هو يقول مرحبا :
- أهلا وسهلا .. إتفضلى يا ماما .. إتفضل يا عمرو .
مصمصت سلوى شفتيها بضيق و قالت :
- أهلا بيك يا حبيبى .
دلفا لشقتهم و أشار لهم جاسم بالجلوس .. فإلتفتت إليه سلوى و قالت بتردد :
- هى وعد فين يا إبنى .
أشار لها جاسم على غرفتهم و قال بإبتسامة باهتة :
- فى الأوضة جوة .. إتفضلى إدخلى لها يا ست الكل .
إتجهت سلوى لغرفة وعد و طرقت الباب أكثر من مرة فأتاها صوت وعد وهى تقول بغضب :
- إنت ما بتتعبش .. سيبنى أنام بقا يا قليل الأدب .
لم يتمالك عمرو نفسه و إنفجر ضاحكا .. بينما حك جاسم مؤخرة رأسه بخجل .. فطرقت سلوى الباب بقوة و قالت بحدة :
- إفتحى الباب يا وعد .
بعد لحظات فتحت وعد الباب فولجت سلوى للداخل و أغلقت الباب .. بينما قذف جاسم عمرو بوسادة الأريكة قائلا بضيق :
- بطل ضحك بقا إيه بتتفرج على الأراجوز .
إستمرت ضحكات عمرو الساخرة و قال له بنبرة مواسية :
- تغيش وتاخد غيرها .. و أنا اللى إفتكرتك مسيطر .. بس ربنا يعينك عليها .
أجابه جاسم و هو يطقطق عظام رقبته بألم :
- إنت بتقول فيها .. ده أنا لسه بسخن لبستنى فى الحيطة و دماغى ورمت .. دى مفترية يا معلم .
لم يتوقف عمرو عن الضحك و جاسم يتابعه بضيق .. ثم إنتبه لعلب حلويات كثيرة أحضرها عمرو معه .. فسأله بتعجب :
- إيه كل العلب دى .
- دى حلويات الصباحية يا معلم .. قال صباحية قال .
حدجه جاسم بتحذير .. و هو لم يتوقف ضحكه عليه .....
إجتذبت سلوى وعد من ذراعها بالقوة و أجلستها على فراشها و جلست بجوارها و قالت بغضب :
- بت يا وعد هو جاسم ما دخلش عليكى .
مسدت وعد مرفقها متألمة و قالت بسخرية :
- ما دخلش عليا إيه بس .. هو ما دخلش الأوضة أصلا .. ده إنسان قليل الأدب .
ضربت سلوى ساقها و هدرت بها بخفوت :
- يا لهوووى .. إنتى عاوزة تفضحينا يا بت إنتى .. ده جوزك .. جوزك .
- إيه يعنى جوزى .. المفروض يكون محترم .
قبضت سلوى كفها أمام وجه وعد التى رمشت بسرعة من خوفها بينما قالت سلوى بعصبية :
- إنتى هبلة يا بنتى .. أمال لو مش متعلمة كنتى قولتى إيه .. ده حقه و إنتى مراته و ربنا دلوقتى زعلان منك و الملايكة كمان .
زمت وعد شفتيها بضيق بينما تابعت سلوى بحدة :
- إعقلى يا وعد و ما تخسريش جوزك .. و إتفضلى غيرى بيجامتك دى و إلبسى قميص نوم حلو و سرحى شعرك و إبقى زى القمر كده علشان جاسم يرضى عنك و ربنا يرضى عنك .
أومأت وعد برأسها و قالت بخنوع :
- حاضر يا ماما .. المهم إنتم كويسين و روضة عاملة إيه من غيرى .
إبتسمت سلوى و هى تربت على رأسها بحنو و قالت :
- روضة عاملة مناحة و مش بتبطل عييط .. و كلنا مفتقدينك .. بس قومى يالا إعملى اللى قولتلك عليه تمام .
- حاضر .

إنصرفت سلوى و عمرو و أغلقت وعد باب الغرفة عليها مجددا .. فإستند جاسم بظهره على الباب و قال بإبتسامة مازحة :
- صباح الخير يا دودى .
إبتسمت وعد و هى تستند بظهرها على الباب و أجابته بهدوء :
- صباح النور .
طرق بأنامله علي الباب متسائلا بهدوء:
- مش هتفتحى الباب بقا .
فكرت وعد قليلا و اجابته ببرود:
- شوية كده و هبقى أفتح .
عقد ذراعيه امام صدره وقال بضيق:
- طب ماما و عمتو ألفت و عمتو نجوى طالعين كمان شوية يرضيكى يشوفونى ببدلة الفرح .
فكرت وعد قليلا ثم قالت بمكر :
- جاسم .. ممكن تجيبلى ماية ساقعة أشرب .
أجابها بهدوء :
- حاضر يا حبيبتى .
إتجهت لخزانته و أخرجت منامة له و فتحت الباب بهدوء و وضعتها على مقعد بجوار باب الغرفة و أغلقت الباب مجددا .. أثناء عودته عثر على منامته فإبتسم إبتسامة متسعة و قال برضا :
- ماشى يا ستى .. شكرا .. بس لما ماما تيجى ممكن تبقى تخرجى تقعدى معاها .. علشان خاطرى ما تحرجنيش .
أجابته وعد بخفوت :
- حاضر .
و إتجهت لخزانتها لتنتقى شيئا ترتديه لمقابلة والدته و خصوصا عمتيه .. هنا قررت الإنتقام منهما على معاملتهم الجافة لها .. فإختارت فستان مناسبا و إبتسمت بمكر و قالت :
- أنا هوريكم يا حيزبونتين إنتم .. هعرفكم مين هى وعد .
بعد نصف ساعة صعدت دولت و نجوى و ألفت و إستقبلهم جاسم بإبتسامة مرحبة .. إحتضنته والدته و ربتت على ظهره و قالت بفرحة :
- صباحية مباركة يا حبيبى .
زم جاسم شفتيه بسخط و أجابها بهدوء :
- الله يبارك فيكى يا ماما .
فسألته نجوى بإمتعاض :
- أمال فين العروسة .. إيه هى مكسوفة .
أجابها جاسم و هو يطالع إمتعاضها بيأس :
- هتيجى حالا يا عمتو .
ثم صاح بها قائلا برجاء مخفى :
- يا وعد .. تعالى يا حبيبتى ماما هنا .
إلتفت جاسم بجسده لوالدته و قال لها بهمس خافت :
- ماما مش عاوز حد يضايق وعد .. دى بقت مراتى و مش هسمح لحد يزعلها .
لم تجبه دولت و هى تتطلع خلفه بإنبهار .. لم تكن هى الوحيدة المصابة بتلك الحالة من التجمد بل طالع دهشة عمتيه و هما تنظران خلفه أيضا .. فإلتفت ليرى سبب تلك الحالة من الدهشة حتى وصلت حواجبه للأعلى و قاربت على ملامسة السقف ......
تقدمت وعد ناحيتهم مرتدية فستنان إسود ضيق جدا حدد منحنيات جسدها بقوة يصل طوله لمنتصف ساقيها و من الأعلى عارى الكتفين بفتحة صدر مربعة أظهرت طول رقبتها المثالى و بياضها المشبع بالوردى .....
تأملها جاسم من قدميها الموضوعة بخف إسود بكعب صغير و صعد قليلا متأمل ساقيها الملفوفتين بدقة .. و فستانها الأسود .. و كل هذا فى كفة من الميزان و شعرها و الذى تعدى طول فستانها و أوشك على ملامسة ركبتيها فى كفة أخرى .. مال جاسم برأسه ليصل لآخر طول شعرها الرائع فى طوله و لونه البرتقالى الممزوج بالأحمر فقال مسحورا :
- شهرزاد .
إستمع لشهقت عمتيه بصدمة فقال بداخله :
- قل أعوذ برب الفلق .. و من شر حاسد إذا حسد .. و من شر حاسد إذا حسد .
وقفت وعد أمام دولت و قالت لها بإبتسامة هادئة :
- أخبار حضرتك إيه يا طنط .
ردت عليها دولت مسرعة بإبتسامة عريضة و هى تتأملها بقوة :
- مافيش طنط .. قوليلى ماما بس .. إيه الحلاوة دى كلها يا وعد كنتى مخبية كل ده فين .
إحمرت وجنتى وعد المنقوشتين بنقاط نمش لذيذة زادتها برائة و خجل و قالت بخفوت :
- متشكرة يا ماما .. عنيكى اللى حلوة .
وقفت ألفت و نجوى فإقتربت منهم وعد و هى تسير بخيلاء و ترفع، وترى الإعجاب بعينيهم .. مدت ذراعها لنجوى لتصافحها فإجتذبتها نجوى لصدرها و ضمتها بقوة و مررت يدها على ظهرها ثم تطاولت يدها و أمسكت صدرها بقلة حياء .. فشهقت وعد بخجل بينما صفع جاسم رأسه .. فقالت نجوى بتنهيدة طويلة :
- ﻷ حلوة .. مبروك يا عروسة .
رمقتها وعد بإزدراء .. بينما جذبتها ألفت لحضنها و ربتت على ظهرها بقوة آلمتها .. فتأوهت وعد بألم و إبتعدت عنها فجذبتها من شعراتها و قالت بشك :
- ده شعرك ده و لا باروكة .
تأوهت وعد و جذبت شعراتها من يدها و قالت بضيق :
- إيه باروكة !!! .. ﻷ طبعا ده شعرى و أظن إنك إتأكدتى .
مال جاسم بجسده ناحية والدته و همس لها قائلا برجاء :
- ماما علشان خاطرى نزليهم بقا و مش عاوز أشوف حد قبل السبوع عالأقل .. علشان خاطرى .
ثم وقف مسرعا وهتف قائلا بقوة :
- وعد .. تعالى يا حبيبتى .
وقفت أمامه و قالت بعبوس :
- أيوة .
- إدخلى المطبخ و حضرى حاجة نشربها لو سمحتى .
ثم إقترب منها و همس بخفوت :
- إياكى تخرجى من المطبخ قبل ما يمشوا مفهوم .
أومأت وعد برأسها متفهمة و قالت برقة :
- حاضر يا حبيبى .
ذاب مع نبرة صوتها و جمالها و عض على شفته بقوة و هو يتابع سيرها المثير بجسدها الساحر ...فضربته والدته على ذراعه و قالت ساخرة :
- مالك يا حبيبى .. إنشف شوية مش كده .. هى صحيح حلوة .. قوى .. بس إتقل كده قدامها .
إلتفت برأسه ناحيتها و قال بإبتسامة زائفة :
- منورانا يا ست الكل .
بعد إنصرافهم .. ركض جاسم مسرعا و إنتزع المفتاح من باب غرفتهم و أخفاه بعيدا و هتف قائلا بلهفة :
- وعد .. تعالى يا حبيبتى مشيوا خلاص .
خرجت وعد من المطبخ تحمل صينية كبيرة عليها طعام الإفطار و قالت ببساطة :
- أنا واقعة من الجوع .. تعالى نفطر .
طاف على جمالها بعينيه و قال بتنهيدة حارة :
- أووووف .. نفطر .. و ماله .. بس إنتى مش سهلة برضه فضلتى مخبية عليا موضوع شعرك بس فعلا .. فجأة .
ضحكت ضحكة عالية و قالت و هى تجلس على طاولة الطعام :
- شوفت الليفة بقا .. يعنى طلعت قارعة و لا حمرا .
إستند بذراعه على الطاولة و ذراعه الأخرى على ظهر مقعدها و همس بقوة أمام وجهها :
- ده إنتى طلعتى من الآخر .. صاروووووووخ .
تنحنحت وعد بخجل و قالت برقة :
- طب إقعد بقا علشان نفطر أنا ما أكلتش من إمبارح .
إنصاع لطلبها و جلس بجوارها و تناولوا إفطارهم و جاسم يلتهمها بعينيه .. أنهم إفطارهم و لملمت وعد الأطباق و دلفت للمطبخ و جاسم خلفها مسحورا ..
أنهت مهامها و التفتت ورائها اليه قائلة بضيق:
_ وباعدين بقا روح شوف حاجة اعملها.
طالعها بحب واقترب منها قائلا بتنهيدة ملتاعة:
_ هو إنتى حلوة قوى كده إزاى .
ابتسمت بخجل ودارت وجهها منه فحملها وقال بإبتسامة شغوفة:
_ يا احلي يوم في عمررررى.
و ولج بها لغرفتهم و أنزلها ببطء شديد مدغدغا أعصابها .. ثم مرر أنفه على رقبتها قائلا بهمس :
- كنت مستعد أدفع عمرى بس تبقى ليا .
لأول مرة تشعر بتلك الرجفة التى إجتاحت مشاعرها و جسدها .. لمساته كانت كشرارات أشعلت بداخلها نيران لذيذة جعلتها تنساق وراء طوفانه الذى إكتسحها و بقوة .....
شعرت بشفتيه تقتحم عذرية شفتيها بعمق .. فلم تشعر بنفسها و هى تبادله قبلاته و رفعت ذراعيها و أحاطت بهم عنقه كأنها تتمسك به قبل السقوط فى أمواجه العاتية .. لم يغفل عن وهنها فحملها و مددها على فراشهم مقتحما كل حصونها و أبوابها و قلاعها .. فإستسلمت و سلمت بطيب خاطر ......

.....................................................................................................................
...................

- إهئ إهئ .. أنا عاوزة أروح لماما .
جذبها جاسم إليه قائلا بضحكة خفيضة حتى لا يثير حنقها أكثر :
- تعالى يا حبيبتى .. بتعيطى ليه دلوقتى .
إبتعدت عنه و جذبت الملائة عليها و قالت بغضب عاصف :
- لو لمستنى تانى يا قليل الأدب هضربك و الله .
زادت ضحكاته و جلس مستندا بظهره على الفراش .. ثم حدجها بجرأة و قال هامسا :
- طب تعالى جنبى و أجيبلك أيس كريم و شوكولاته .
ضيقت وعد عينيها بضيق و حملت الوسادة و إنهالت بها عليه و هى تهدر بعصبية :
- بتساومنى يا سافل .. ده أنا هموتك النهاردة .
حاول صد هجامتها و هو منهار من الضحك ثم قبض على معصميها و جذبها بالقوة فسقطت على الفراش فإعتلاها بسرعة و كبل ذراعيها بذراعيه و جسدها بجسده و قال بمداعبة :
- مش أنا سافل بقا .. هوريكى السفالة على حق ربنا .
إبتلعت وعد ريقها بتوتر و قالت بإستسلام :
- أنا آسفة .
غمز لها بعينه و قال بغموض :
- آسفة دى ما تأكلش عيش .. لازم تعتذرى بشكل تانى و بطريقتى .
هزت رأسها نافية و قالت بقوة زائفة :
- ﻷ أنا و طريقتك عمرنا ما هنجتمع فى جملة واحدة .. لأنى متربية .
كانت نظراته تتحداها دون أن يرف له جفن .. على الرغم من أنها ترتجف داخليا بسبب قربه الشديد منها لكنها كانت تعاند و تكابر .. فإقترب منها أكثر حتى باتت أنفاسه تداعب وجهها بنعومة و قال برقة :
- يعنى أنا مش متربى .. و سافل .. وقليل الأدب .. غلطاتك زادت و لازم تتعاقبى حالا .
لمحت وعد إلتواء شفتيه فى شبه إبتسامة ماكرة .. فعادت لها تلك الرجفة و هو يداعب بشرة وجهها و رقبتها بشفتيه و يديه تغزو جسدها بنعومة سلبتها قوتها و تعقلها .. حتى صوتها خرج منها مستسلما و هى تقول إسمه بصوت خفيض مثير .. و لكنه إلتقط إسمه بشفتيه ليتذوق معها عشقا من نوع آخر أصبحا به عاشقين بجسد واحد .......

.................................................................................................................
................

بعد مرور عدة أيام توجهت علا لمتابعة سير العمل بشركة جاسم الجديدة .. و الأهم هو شوقها لسامر الذى إمتنع عن محاصرتها كعادته .. بعدما إطمأنت عن إنتهاء عمالها من تنفيذ ما خططته .. شكرتهم على مجهودهم و تفانيهم .. و وقفت تتطلع حولها بسعادة بعدما أصبح المكان جاهز للعمل ....
هبطت لمكتب جاسم بالأسفل و سألت موظفة الإستقبال بتحفظ :
- لو سمحتى هو الباش مهندس سامر العطار موجود .
هزت الموظفة رأسها بالنفى و قالت بضيق :
- ﻷ هو مش موجود و بقاله فترة طويلة مش بيجى ﻻ هو و لا مستر مالك .
إبتسمت لها علا بعملية و شكرتها و إنصرفت .. وقفت أمام سيارتها فى المرآب بشرود ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها و هاتفت سامر دون تردد .. ربما السبب تعجبها من حالة البعد بينه و بين جاسم هذه الفترة الطويلة .. و الأصدق أنها تشتاق و بألم ببعده عنها ....
إنتظرت قليلا حتى أتاها صوته الملتاع قائلا بهدوء مصطنع :
- مدام علا .. تليفونى نور و الله .
سيطرت على رجفة جسدها بعدما إخترقتها ذبذبات صوته التى طالما أسرتها و قالت بحزم قاطع :
- لازم أقابلك يا سامر .. ضرورى .
ساد الصمت للحظات إنتظرت بهم رده حتى أجابها قائلا بجمود :
- حاضر .. نص ساعة و هستناكى فى المكان بتاعنا .
إبتسمت براحة بعد كلمة ◀ بتاعنا ▶ فكل ما كانوا يتشاركوه هو سلواها الوحيدة على بعدهم .. فأجابته مسرعة بفرحة كانت واضحة كضى الشمس :
- تمام .. سلام .
و أغلقت الهاتف و إستقلت سيارتها بسعادة .. أخرجت من حقيبتها بعض أدوات التجميل و إطمأنت على شكلها .. و عدلت من حجابها و إنطلقت لمقابلة حبيبها كما كانت تذهب لرؤيته قديما بلهفة فتاة كان هو كل شئ بحياتها ....
وقفت بمكانهم القديم تطالعه بنظرات مشتاقة .. ثم إقتربت منه و هى تتمنى أن يلتفت و يبتسم لها كعادتهم القديمة .. فطالما شعر بها قبل أن تقترب منه .. و بالفعل وجدته يلتفت إليها و لكن بوجه جامد لا يحمل أى تعبير .. و رغم ذلك عينيه تمردت و هى تطالعها بشوق .....
مدت يدها ناحيته و صافحته قائلة بهدوء :
- أخبارك إيه يا سامر .
صافحها و أجابها ببرود قاسى :
- كويس الحمد لله .. قلقتينى .. فى مشكلة .
حاولت الثبات و الصمود أمام حدته المؤلمة و سألته بضيق :
- مرجعتش شغلك ليه .. مش خلاص موضوع جاسم و مالك إنتهى .
تطلع سامر ناحيتها بتعجب .. ثم وضع يديه بجيبى بنطاله و قال بصوته العميق :
- و إنتى مالك و مال الموضوع ده .
بلعت حدته و تهكمه بغصة مؤلمة و قالت بقوة :
- إنتوا صحاب و مالكمش غير بعض .. و خلاص جاسم إتجوز وعد و هى بتحبه على فكرة .. يبقى ليه تكبروا الموضوع .. طب مالك و له حق يزعل .. إنما إنت بتعاقب جاسم على إيه .
أولاها ظهره حتى لا تفضحه عينيه أكثر و هى لا تفارق شفتيها و قال بجمود :
- إنتى مش فاهمة حاجة .. و لو فكرانى واقف فى صف مالك تبقى غلطانة لأن مالك نفسه مش بيكلمنى خلاص .
قطبت حاجبيها بعدم فهم و سألته بريبة :
- و مالك مخاصمك ليه .. طب و جاسم ذنبه إيه فى لعب العيال بتاعكم ده .
إلتفت إليها بجسده مسرعا و أجابها بغضب :
- لعب عيال .. لعب العيال اللى بجد هو اللى عمله أخوكى علشان يبقى مع وعد دلوقتى على حساب حياة أعز أصحابه .
إتسعت عينى علا و سألته بتوجس قلق :
- قصدك إيه ؟؟
زفر بضيق و قال بشرود متألم :
- مش عاوز أتكلم فى الموضوع ده .. لأنى تعبت و أنا ماليش ذنب .
وقفت علا أمامه و سألته هذه المرة بصرامة قاطعة :
- ﻷ هتتكلم و هتقولى فى إيه بالظبط .. يا إما إنت بتتبلى على جاسم و صدقنى هحتقرك بجد .
صك سامر أسنانه بغضب و هدر بها قائلا بنبرة ساخطة :
- إحتقرى أخوكى أقرب بعد ما خلى بنت تصور مالك معاها فى أوضاع تبان شمال و مالك برئ علشان وعد تشوفها و تكرهه و حضرته ياخدها لنفسه و يحرق قلب مالك عليها .. زى ما أنا إتحرق قلبى عليكى قبل كده .
إنهارت قواها و هى تستمع إليه .. تاهت بين كلماته القاسية عن حقيقة أخيها المخزية .. فخرج صوتها خفيضا و هى مطأطأة رأسها بخجل :
- إنت كذاب .

..................................................................................................................
......................

جلست ريتال على أحد المقاعد تتابع باب روضتها فى إنتظار قدوم والدتها بغضب على تأخرها .. فإقتربت منها إحدى العاملات و ربتت على ظهرها و قالت لها بإبتسامة ودودة لطمأنتها :
- متخافيش يا حبيبتى ماما زمانها جاية و هتاخدك .
وقف مصطفى أمامهم و تطلع لريتال بقوة ثم قال للعاملة بمكر :
- قومى إنتى إمشى يا أم حسن علشان عيالك و أنا هقعد مع البنت قدامى وقت .
إبتسمت العاملة براحة و قالت بإمتنان :
- ربنا يكرمك يا مستر مصطفى للعيال هيروحوا و لسه هأكلهم .. يالا سلامو عليكو .
تركتهم العاملة و إنصرفت .. فجلس مصطفى بجوار ريتال و هو يتفحصها بجرأة .. ثم مرر أنامله على وجهها و سألها بإبتسامة شيطانية :
- إسمك إيه يا حلوة .
إلتفتت إليه برأسها و قالت بعبوس :
- إسمى ريتال يا مستر .
- إسمك حلو قوى .. إنتى زعلانة علشان ماما إتأخرت .
أومأت ريتال برأسها و قالت بضيق :
- أنا مخصماها .. كل مرة الولاد يروحوا و أنا ﻷ .
حملها مصطفى على قدميه و و ربت على ساقيها و قال بمداعبة :
- ما تزعليش يا حبيبتى .. تعرفى أنا حبيتك قوى .. هاتى بوسة .
هزت ريتال رأسها نافية و قالت ببرائة :
- ﻷ عيب .. مس روضة قالت محدس يبوسنا غير بابا و ماما .
سب مصطفى روضة فى سره .. ثم قال بإبتسامة مصطنعة :
- بس هو مش بابا بيبوسك و أنا زى بابا .
تنهدت ربتال بحزن و قالت بخفوت :
- أنا ماعنديس بابا .. هو فى الجنة عند ربنا .
لمعت عينى مصطفى بوميض شيطانى حقير بعدما إعتقدها لقمة سائغة و قال بهمس :
- بس بابا عادى بيبوسك كده .
وقبلها من شفتيها .. ثم مرر أنامله على أعلى فخذها ...فتمسكت بيده و قالت بقلق :
- عيب تلمس توتا من هنا .
تطلع حوله و خشى أن يراه أحد .. فحملها و دلف بها غرف المعلمات الفارغة بعد إنصراف الجميع و أغلق ورائه الباب قليلا لتنفيذ مخططه القذر ......
عادت روضة مسرعة للمدرسة بعدما نسيت دفتر النشاط خاصتها داخل درج مكتبها .. فسارت مسرعة و هى تشعر بخوف من خلو المدرسة .. و عندما إقتربت من غرفتها .. إستمعت لبكاء طفلة و صوت رجولى معها .. فشعرت بالقلق و دفعت باب الغرفة ببطء .. فإتسعت عينيها بذعر و هى تتابع تعدى هذا الحيوان على ريتال التى أخذت تصرخ و تقول من بين دموعها :
- عيب .. كده عيب .. توتا مس بتحبك .
صرخت روضة بصوت عالى و قد جحظت عينيها و تسارعت أنفاسها :
- إبعد عنها يا قذر .
حاول مصطفى ستر نفسه مسرعا .. فإستغلت ريتال إنشغاله بإرتداء ملابسه و ركضت ناحية روضة و هى تبكى و ترتجف بخوف .. فجذبتها روضة مسرعة و أغلقت باب الغرفة و أكدت غلقه بالمفتاح .. ثم حملتها و ضمتها لصدرها و ربتت على ظهرها و قالت بحنو :
- متخافيش يا توتا .. أنا معاكى .

ضرب مصطفى الباب بقدميه صارخا بقوة .. فتمسكت ريتال بروضة و أخذت تصرخ بخوف .. فجلست بها روضة و أخرجت هاتفها من حقيبتها و هاتفت جاسم فوجدت هاتفه مغلق .. ثم هاتفت وعد فوجدت هاتفها مغلق .. لم تجد أمامها سوى مالك فهاتفته و إنتظرت رده .. فأجابها مسرعا :
- السلام عليكم .. أخبارك إيه يا روضة .
لم يخرج صوتها كأنه تجمد بحلقها من هول ما رأت و بعد فترة قالت برجفة مرتعدة :
- إلحقنى يا مالك .

.................................
وقفت وعد أمام المجلاة تجلى صحون الطعام ثم إبتسمت بخفوت و إلتفت لذلك المتابع لكل حركاتها دون كلل مستندا بكتفه على المبرد يتأمل حافية القدمين التى تقف أمامه بشعراتها التى تبتلعها و قميصها الأسود الشفاف و الذى يصفه بالكريم لأنه لا يحجب عن عينيه شئ من جسدها الغص .....
هزت رأسها بملل و قالت بضيق مفتعل :
- هو إنت هتفضل ماشى ورايا زى ضلى كده .. سيبنى براحتى بقا يا جاسم .
إنتصب فى وقفته و إقترب منها بعينين مسحورتان بجمالها و كبل خصرها بذراعيه و قربها منه ثم قبل أنفها برقة و قال هامسا :
- قلب جاسم .. و عقل جاسم .. و روح جاسم .. لسه مش مصدق إنك بقيتى بتاعتى يا عمرى .
داعبت وعد صدره بأناملها و قالت برقة ناعمة :
- هتفضل تحبنى بالطريقة دى على طول .. و لا بعد شهر العسل خلاص هنبقى زى أى إتنين متجوزين .
خلل أنامله بشعراتها الناعمة الطويلة و قال بصدق قاطع :
- أنا كل يوم بحبك أكتر من اللى قبله .. و أفتكر إنك قولتيلى يوم ما إشترينا الشبكة إن اللى بينا الأفلام لسه ما عرفتوش .. لأنك كنتى واثقة إنى بعشقك بجنون .
عضت وعد على شفتها السفلى و هى تغوص مع شباك عينيه السوداء كعادتها .. بينما إقترب هو من شفتيها بعطش عاشق ولهان .. فرن هاتف المنزل الداخلى .. فرفع جاسم عينيه بملل و قال بضيق :
- مش طريقة دى .. الموبايلات و قفلتها أهرب منهم إزاى بس .
دفعته وعد برفق و قالت بحزم :
- رد على الفون لما أخلص اللى ورايا .
خطف منها قبلة سريعة و تركها و خرج لردهة شقتهم و أجاب الهاتف على مضض :
- أيوة يا ماما .
أجابته دولت بضيق :
- قافل تليفونك ليه يا جاسم .. ده حتى مالك كلمنى و قالى أخليك تكلمه ضرورى .
قطب جاسم جبينه بتعجب و قال بنبرة مشدوهة :
- مالك ؟!!
ثم تنفس مطولا و زفره على مهل و قال لوالدته ببساطة :
- حاضر يا ماما هكلمه .. سلام دلوقتى .
و أغلق الهاتف و توجه لغرفته .. حمل هاتفه و فتحه و هاتف مالك بتوجس من القادم .. أجابه مالك بعاصفة هوجاء صارخا به بعصبية :
- إنت قافل الزفت ده ليه .. قدامك خمس دقايق و تيجى على مدرسة ريتال فى مدرس حيوان هناك كان هيعتدى عليها بس روضة لحقتها و حبسته و أنا مش هرحم أمه .. ما تتأخرش بقا يا .. يا عريس .
و أغلق الخط بوجهه .. تجهمت ملامح جاسم و صك أسنانه بغضب و فتح خزانته مسرعا و أخرج منها ملابسه و بدلها على الفور .. و هو يتوعد من تجرأ و لامس صغيرته .. أمانة طارق برقبته ......
أنهت وعد أعمالها و خرجت من المطبخ فوجدت جاسم يخرج من غرفتهم مهرولا .. فسألته بريبة من هيأته :
- فى إيه يا حبيبى رايح فين .
قبل جبينها و قال بملامح وجه مجمدة و تنذر بالشر :
- ما فيش يا حبيبتى مشكلة فى مدرسة ريتال هحلها و هرجع على طول .. خلى بالك من نفسك .
وتركها و خرج مسرعا .. فى سيارته هاتف علا و هو ينوى خنقها ما أن يراها .. فهذه ليست أول مرة تتركها بمفردها بالروضة لوقت متأخر ......

إبتسم سامر بسخرية و قال بحدة :
- أنا مش كداب و عمرى ما كدبت و إنتى عارفة .. بس دى الحقيقة أخوكى غلط و أنا و مالك دفعنا التمن .. يعنى مافيش حاجة هترجع زى زمان تانى .
وقفت مصدومة .. تعلم جيدا أنه قال الحقيقة و لكنها تتمنى و لأول مرة ألا يكون على حق .. تطلعت بشاشة هاتفها المضيئة بإسم جاسم بضيق .. و بعد فترة أجابته ببرود :
- أيوة .
خرج منه صوت غليظ كوحش كاسر جاهز للإنقضاض على أحدهم و قد قرر أن تكون هى فريسة غضبه و هو يهدر بوحشية :
- حضرتك فين يا باش مهندسة .. و ياريت يكون فى سبب مقنع لتأخيرك على بنتك و إلا هتشوفى منى أيام أسود من شعرك يا علا .
شعرت بإضطراب فى مشاعرها .. و لكن قلب الأم أخبرها بالأسوء .. فسألته بتخوف و كأنه إقرار واقع و ليس سؤال :
- بنتى جرالها حاجة .
إلتفت سامر برأسه ناحيتها بريبة .. بينما تابع جاسم كلماته التى كانت تصل لمسامعها كسياط من نار يجلد جسدها و قبله روحها قائلا بصوت مكظوم :
- لا أبدا .. بس واحد حاول يعتدى عليها و سيادتك بتتسرمحى و لولا روضة كان مستقبل البنت ضاع .. قسما عظما يا علا لو جرالها حاجة لهحرمك منها و أحرق قلبك عليها لأنك أم مهملة مش بتفكر غير فى نفسها و بس .
و أغلق الهاتف بوجهها و كأنما أغلق أمامها باب الرحمة و الغفران .. إتسعت عيناها حتى إرتسم الخوف على ملامحها بأقصى صوره .. و ركضت مسرعة ناحية سيارتها .. فأوقفها سامر بجسده و سألها بقلق :
- ريتال مالها يا علا .
رفعت عيناها نحوه بحدة و قالت بغلظة منفعلة :
- بنتى كانت هتروح منى .. علشان أنا أم ما أستحقهاش .. فكرت فى نفسى و بس زى ما جاسم قالى .. لكن خلاص كفاية لغاية كده .. دى آخر مرة هنشوف بعض فيها تانى .. روح إتجوز بأقصى سرعة يا سامر و إدفنى و إدفن نفسك معايا لو هو ده الحل الوحيد علشان نبعد عن بعض .
وتركته و إبتعدت مسرعة .. وقف للحظة يتابعها بعينيه ثم إستفاق من صدمته وركض مسرعا و إستقل سيارته و إتبعها .......

وصل مالك أخيرا للروضة .. فوقف بسيارته أمامها دون أن يصفها أو يغلقها .. كل ما فكر به هما ريتال و ..... و روضة التى وصله صوتها مذعورا بشكل لامس قلبه مباشرة .. ولج داخل المدرسة راكضا حتى وقعت عينيه على روضة و هى تحتضن ريتال لا يعلم لحمايتها أم لتستمد منها القوة و الآمان ....
رفعت روضة عينيها ناحيته فإطمئن قلبها أخيرا .. و لكنه باغتها قائلا بجنون :
- هو فين .
أشارت له روضة بعينيها على باب غرفة المعلمات .. فإنطلق مالك نحوه كوحش كاسر لا يردعه أحد .. فتح الباب و سحب المفتاح و ولج للداخل .. ما أن رأى ذلك الحيوان البشرى حتى سبه بأفظع الشتائم و أحقرها و توعده بجحيم على الأرض .. و ما زاد الطين بلة .. هو ما قاله مصطفى برهبة مما هو قادم :
- حضرتك محصلش حاجة .. روضة دى كذابة و بتكرهنى و عاوزة تأذينى و خلاص .
إنقض عليه مالك بعد كلامته و أخذ يكيل له اللكمات و الضربات دون وعى و هو يقول بشراسة :
- ما تجيبش سيرتها على لسانك ال*** ده لأنى هقطعهولك بس بعد ما أخليك ما تنفعش ببصلة .
وصل صراخ مصطفى المتألم لروضة و ريتال التى إرتخت قبضتها من حول رقبة روضة قليلا كأنها إرتاحت لصوت تعذيبه .. ما هى إلا دقائق و وصلهم صوت فرملة سيارة تنذر عن قدوم زلزال عاصف .. و بالفعل ركض جاسم داخل الروضة حتى وقعت عينيه عليهما فإقترب منهم مسرعا و سأل روضة بإيجاز :
- عملها حاجة .
هزت روضة رأسها نافية .. و قالت براحة لا ترتسم على ملامحها :
- ملحقش .. ربنا ستر و أنا رجعت علشان آخد كشكول النشاط فشوفته و هو ..... .
لم تستطع متابعة حديثها و كان هذا كفيلا بإشعاله بغضب و إتجه ناحية الصراخ .. فوجد مالك يضربه بقوة .. إقترب منهم جاسم و سحب مالك من كتفه و هو يتطلع بمصطفى بغضب قائلا بغل :
- عنك إنت يا صاحبى الدبيحة دى بتاعتى .
و خلع حزام بنطاله أمام ما تبقى من أنظار مصطفى و لفه حول معصمه و إنهال عليه به و قد تعالى صراخه المتألم مستغيثا بأحدا يرحمه من ذلك العذاب .. كان جاسم كالمغيب بينما قال له مالك و هو يتابع تعذيبه بتشفى :
- كل حزام بينزل على جسمك تمن كل ولد أو بنت إديك طولت و لمستهم يا و*** .. و حياة مامتك لنخليك خرقة .
وصلت علا أمام الروضة و رأت سيارة جاسم فترجلت مسرعة من سيارتها .. فوجدت ريتال بأحضان روضة .. فركضت نحوها .. و هى تصرخ بخوف :
- بنتى .. بنتى جرالها حاجة يا روضة .. الكلب ده إغتصبها و لا ملحقش .
أجابتها روضة بنبرة هادئة بعض الشئ :
- ﻷ ربنا حماها .
كانت تلك الكلمات التى وصلت لمسامع سامر كفيلة بهد المدرسة على من بها .. فإتجه ناحية الصراخ و وقف يتابع حفل تعذيب جاسم لذلك الحيوان .. فسحبه من كتفه و قال بنبرة مشتعلة :
- عنك إنت يا صاحبى .. سيبهولى أنا بقا .. أنا هخليه يتمنى الموت بس بعد ما يبقى سوسن .
وقف جاسم بجوار مالك بعدما فك حزامه من يده و إرتداه مجددا .. ثم تطلع بمالك و قال له بصوت قاتم :
- كلم البوليس يا مالك ييجوا يلحقوه من إيد سامر .. ده إن لحقوه .
أومأ مالك برأسه و أخرج هاتفه و أجرى إتصالا بالشرطة ....

حاولت علا بكل الطرق حمل ريتال و إجبارها على ترك روضة و لكن ريتال دفنت رأسها بصدر روضة و أبت تركها .. لعنت علا نفسها، كيف تركتها بمفردها و تأخرت عليها كعادتها .. فأى عذاب قد وضعت به تلك الصغيرة لتصبح على تلك الحالة من الذعر و لكن ذراع جاسم إنتزعتها من أفكارها و هو يبعدها بعنف و جثى أمام ريتال و قال بنبرة حانية :
- توتا .. أنا جاسم .. مش هتكلمى خالو يا حبيبتى .
فتحت عيناها و تطلعت إليه بخوف .. فتابع حديثه المطمأن لها قائلا ببساطة :
- إحنا ضربنا الراجل الوحش ده .. و مش هيلمس توتا تانى .. خلاص مش هتخافى من أى حاجة .
تطلعت داخل عينيه تبحث عن صدقه .. ثم قالت بصوت مرتجف :
- إنتوا ضربتوه و عملتوا فيه واوا .
أومأ لها جاسم برأسه و قال مؤكدا :
- أيوة .. و كمان الظابط هايخده و يحطه فى السجن علشان يضربه كمان .
فكت ذراعيها من حول رقبة روضة و رفعتهما تجاهه فإلتقطها مسرعا و ضمها لصدره بقوة و مسح على شعراتها بحنان .. ثم قال بداخله بحزن :
- سامحنى يا طارق .. ما كنتش قد أمانتك .. بس أوعدك من النهاردة هحطها جوة عنيا .
..................................................................................................................
................

قطع مالك الممرر ذهابا و إيابا فى إنتظار خروج ريتال و سامر من مكتب النائب العام .. ثم أخرج من جيب بنطاله علبة سجائر و أشعل واحدة وسط نظرات التعجب من الجميع .. لم يتمالك جاسم نفسه و إقترب منه و نزع السيجارة من فمه و دعسها بقوة و هدر به بعصبية :
- إيه اللى إنت بتهببه ده .. من إمتى و إنت بتدخن .
إبتسم مالك بسخرية و تطلع للطريق من النافذة و قال ببرود :
- إيه .. خايف عليا .
ضغط جاسم عينيه بقوة زافرا بضيق .. ثم فتحهما و حدجه بقوة و رفع سبابته أمام عينيه قائلا بتحذير :
- لو شوفتك بتدخن تانى .. و حياة خالتك ما هرحمك .
رن هاتف جاسم فتطلع لشاشته و إبتسم بخفوت .. لم يبتعد و أجاب هاتفه بتلقائية :
- ألو .. أيوة يا حبيبتى .
إمتعض وجه مالك و أخرج علبة سجائره .. فإنتزعها جاسم منه و قذفها من النافذة و قال بغلظة :
- إنت ما بتفهمش .. أنا مش حذرتك و لا عاوزنى أتغابى عليك .
أشاح له مالك بذراعه و تركه و إبتعد .. فعاد جاسم بهاتفه على أذنه و قال بهدوء :
- أيوة يا وعد .
- خلصتوا يا حبيبى .
حك مقدمة رأسه و قال بهدوء:
- هانت .. لما يخلصوا كلام مع توتا هجيبها و نيجى على طول .
- الحمد لله ربنا حماها .. ده أنا لو كنت معاكم كنت قطعت الحيوان ده .
ضحك جاسم بخفوت و قال ساخرا :
- شايلينك للتقيلة يا عم إبراهيم .
- كده يا جاسم .. زعلت منك .
- طب أنا أقدر .. أجى بس و أطمن على توتا و أنا هصالحك فى إسبوع على الأقل .
لم تجبه و لكنه تخيل إبتسامتها الخجلة و إحمرار وجنتيها .. فأردف قائلا بخبث :
ضحك ضحكته الجانبية و قال بنبرة حانية و هو يتخيلها امامه:
- بموت فى إبتسامتك دى .. لو معاكى دلوقتى كنت .... .
قاطعته وعد قائلة بتعجب :
- وعرفت منين إنى ببتسم .
تنهد مطولا وقال:
- حفظت كل ردود أفعالك .. و تعرفى كمان إنتى دلوقتى بتلعبى بصوابعك فى قميصك صح .
تطلعت وعد بأناملها التى تداعب قميصها القصير من خجلها و قالت لتغير دفة حوارهم :
- ممكن أنزل أستناك عند ماما دولت لغاية ما تيجى .
- موافق بس بشرط .. تلبسى الإسدال و محدش يشوف شعرك مفهوم .
أجابته بتنهيدة حارة و قالت برقة :
- حاضر يا حبيبى .. تيجوا بالسلامة .. باى .
- باى يا قلبى .

أغلق هاتفه و بحث عن مالك فوجده يجلس بجوار روضة .. فإبتسم بمكر قائلا بداخله :
- يا رب يا حمار تحس باللى بتحبك بجد .. علشان ضميرى بقا يرتاح .
فى البداية ساد الصمت .. حتى بادر مالك و تحدث بأعجوبة .. فقال بتلعثم و ... و شئ آخر لا يعلمه هو :
- إنتى .. إنتى كويسة يا روضة .
أومأت برأسها و قالت بخفوت :
- أيوة .. بس مصدومة شوية .. كل ما أفتكر إنى لو ما كنتش رجعت كانت ريتال جرالها حاجة بعد الشر ....بحس بتأنيب ضمير .
قاطعها قائلا بحزم :
- بس هى كويسة .. فكرى فى الشئ الإيجابى و بس .. و إحمدى ربنا اللى حماها و حماكى كمان لأنه الحيوان ده كان ممكن يأذيكى علشان ما حدش يعرف عنه حاجة .
اومات برأسها و قالت:
- عندك حق .
إبتسم مالك بخفوت و قال بنبرة صوته الحانية :
- تصدقى إنه وحشتنى قعدتى معاكى و كلامنا و خناقتنا على الكتب .. أنا من آخر كتاب إديتيهولى ما قرأتش و إنشغلت بحاجات تانية .
أجابته بهدوئها الرزين كعادتها قائلة :
- لأنك إكتشفت إن الحاجات التانية دى أهم .
تطلع أمامه بشرود و قال بتنهيدة حارة تحمل فى طياتها ألمه :
- يمكن .. بس تعرفى دى ما كانتش أول مرة ليا أتصدم فيها .. واضح إنى منحوس و مش مكتوب ليا الراحة و الحب .
قطبت روضة جبينها بضيق و بداخلها غضب لو طاله لخلعت حذائها و إنهالت به على رأسه حتى يشعر بها و بعدها ستسلم نفسها للشرطة كى ترتاح و تستريح .. بينما لاحظ هو صراعها الداخلى ففطن لما يدور برأسها فقال بمكر :
- واضح إن فى حد مزعلك و لو طولتيه فى حالتك دى .. مش بعيد يتنقل المستشفى بعدها .
إبتسمت روضة بيأس .. لا تدرى على حالها و لا على ذكائه الحاد فقط فى تلك النقطة .. لاحظت إقترابه منها و شعرت بأنفاسه الساحرة و هو يهمس لها بنبرة لم تعهدها منه :
- تعرفى إيه أكتر حاجة نفسى فيها دلوقتى و بشدة .
سألته بريبة من طريقته المثيرة فى الحديث :
- إيه ؟!!
حتى نظراته لعينيها لا تبشر بخير أبدا .. واضح أن الجلمود سيتزحزح من مكانه أخيرا أو ربما تتوهم .. و لكنه حملها بجملته لمكان آخر كعادته عندما قال بصدق تام :
- نفسى أشوف إبتسامتك دى و أشوف معاها وشك و بعد كده ما حدش يشوفك تانى غيرى .
إنتظر ردة فعلها .. ففوجئ بتحولها لتمثال حجرى عتيق مسمى بالصدمة .. و فجأة دبت الحياة بجسد هذا التمثال و تشنجت تعابير وجهه و إستمع لشهقة خفيفة .. لم ينكر أنها كانت لذيذة .. جدا .. و وقفت فجأة و قالت بقلق :
- عمرو جه .

لم تكف عن ذرف دموعها رغم محاولات والدها المستميتة فى أن يجعلها تهدأ .. ثم تنفس مطولا باحثا عن كلمات تدعمه و قال برزانة :
- كفاية بقا يا علا البنت كويسة و الحمد لله .. كل ما بشوفك بتعيطى بتعب يا حبيبتى .
مسحت أنفها بإحدى محارمها الورقية و قالت بألم :
- هنتعامل مع ريتال إزاى يا بابا .. أكيد هتفضل خايفة و عمرها ما هتنسى اللى حصلها ده .. هتكبر متعقدة و خايفة لأنى أم مهملة .
جذب كفها و ضمه بين راحتيه و قال بحنو لتهدئتها :
- هنوديها لدكتور نفسى و مش هنقصر معاها و هتبقى كويسة إن شاء الله .. هى صغيرة و هتنسى بسرعة .
ثم رفع عينيه و هتف بجاسم و مالك و قال بصرامة :
- جاسم .. تعالى لو سمحت إنت و الأستاذ المقموص مش عارف من إيه ده و هو عارف نفسه .
إقترب منه جاسم بينما ترك مالك روضة و عمرو و توجه ناحيته .. أجاباه الإثنان معا :
- تحت أمرك يا حاج .
إلتف الجميع حوله فسألهم بمبدأ الأخذ بالشورى قائلا :
- عاوزكم كده تلاقوا حل ننسى بيه ريتال اللى حصل .
بدأت روضة الحديث و قالت بهدوء :
- نفضل كلنا حواليها علشان تحس بالآمان .. بس برضه بمجرد ما تخرج من باب و كيل النيابة ما حدش يتكلم قدامها عن الحادثة أبدا و كأنها ما حصلتش .
أمن عمرو على كلماتها و قال متابعا بإهتمام :
- مش كده و بس .. هى خلاص بلاش تروح الكى جى الكام يوم اللى لسه وتروح مصيف و تتفسح و نحاول ننسيها بس بفرحة .
أضاف جاسم قائلا بحماس :
- و بعد يومين عيد ميلادها .. لازم نكون كلنا حواليها و نخليها تشارك فى التحضيرات و تعمل كل اللى هى عوزاه .. و نبقى كلنا حواليها خصوصا إنت يا مالك .
تحولت أنظار الجميع لمالك بترقب فى إنتظار رده .. فكر قليلا و قال بإستسلام :
- ريتال دى حتة من طارق و عمرى ما هتخلى عنها لآخر يوم فى عمرى .. و هبقى جنبها فى عيد ميلادها و هعمل المستحيل علشان تنسى اللى حصلها .
حدجه فضل بغضب و قال بإستنكار :
- طب و أنا يا أخويا .. هفضل شايل الشغل كله على دماغى و حشتنى القعدة معاك يا مالك و المعرض مالوش طعم من غيرك و شغل كتير متعطل .. هاااه هترجع و لا هتدلعلك يومين كمان .
إبتسم مالك بخفوت و أجابه بهدوء :
- هرد على حضرتك بعد بكرة فى عيد ميلاد توتا .

إنفتح باب النائب العام و خرج مصطفى مكبلا و يدفعه أحد الجنود .. وقفت علا و أخذت تصرخ به و تضربه .. فجذبها جاسم من خصرها و أجلسها عنوة .. فهدأها والدها قائلا :
- إهدى يا علا مش كده .
إلتفت إليهم عمرو مشدوها و سألهم بتخوف :
- إنتم اللى لونتوه كده .. ده بقا و لا بلتة الرسام من كتر الألوان .
وضع مالك يديه بجيبى بنطاله و قال ببساطة :
- ده أنا مسيت عليه بشوية لوكميات و بوانى و شلاليط .. بتاع ربع ساعة بس .
رفع عمرو حاجبيه و قال بسخرية :
- بس !!!
عقد جاسم ذراعيه أمام صدره و قال ببساطة أكبر :
- و أنا قلعت حزامى و نفضته و فين يوجعك بس .. بتاع ربع ساعة كمان .
إتسعت عينى عمرو بتعجب و قال بسخرية :
- بس !!!!!
إبتسم مالك ساخرا و وضع يده على زراع جاسم و قال بتلقائية أصدقاء لم تشوب صداقتهم شائبة :
- بس اللى إحنا عملناه كوم و اللى عمله سامر كوم تانى .. ده نفضه و لا المرتبة وبعد ما تعب عمل معاه الدنيئة .
أجابه جاسم بتلقائية أكبر و هو منهار من الضحك :
- شوفته لما قطع سلك الكهربا من الراديو .. أنا قولت هيضربه بيه لقيته بيعرى السلك و وصله بالكهربا و عمل عليه حفلة شاى و حوله لسوسن زى ما قال .. ده كهربه فى أماكن تخليه يتحسر على شبابه .
- ما إنت عارف سامر لما بيتعصب ما بيشوفش قدامه .
- عندك حق .. أنا لو كنت أعرف إنه جاى كنت رحمت الواد شوية .. بس هو عرف إزاى إنت قولتله .
- ﻷ .. أنا قولتلك إنت بس .. و إتفاجأت بيه معانا .. مش مهم المهم ظبطنا الواد يا صاحبى .

إنتبه مالك لإسترساله فى الحديث ببساطة مع جاسم .. و نعته ب ◀ صاحبى ▶ دون أن يشعر .. و لاحظ الإبتسامة التى علت وجوه الجميع من عودتهم لطبيعتهم .. فإبتلع مالك ريقه بتوتر و إلتفت خلفه و قال بمكر :
- هما إتأخروا جوة ليه .. ريتال زمانها جاعت .
بعد لحظات خرج سامر يحمل ريتال و تبتسم ببرائة .. و ما أن رأت فضل فإتسعت إبتسامتها و قالت :
- جدو حبيبى .. إنت جيت .
إلتقطها فضل من على ذراع سامر و حملها و قبلها قائلا بمداعبة :
- جيت أخدك علشان نشترى حلويات و عاوزك معايا .
- yes.. يالا يا جدو .. بس إستنى هقول لمالك حاجة .
إقترب منها مالك و قال بإبتسامة واسعة مملسا على شعراتها السوداء الناعمة :
- إطلبى يا أميرتى و أنا هنفذ فورا .
قبلته فى و جنته و قالت بتلقائية :
- أنا بحبك قوى يا ملوكى ربنا يخليك ليا و بحب سامر كمان .. بس بحب سامر أكتر حاجة .
قرصها سامر بوجنتيها و قال بمداعبة :
- يا سنوفة .. ده أنا أجيب الشبكة بقا و أخطبك .. موافقة .
- أيوة موافقة بس إصبر سوية لما أبقى كبيرة وقد ماما و هبقى أتجوزك .
إلتفتت ناحية جدها و قالت بحماس :
- يالا يا جدو هنجيب تورتة ليا أنا و سندس و هجيب بقلاوة لجاسم و مسبك لماما .
خرجوا سويا و علا تتابعهم براحة .. فإقترب منها جاسم و سألها بعبوس :
- هتعرفى تسوقى و لا تروحى معايا .
أجابته بفتور :
- ﻷ هروح لوحدى .
و إنطلقت مسرعة .. جلس مالك بجوار روضة و قال بمداعبة :
- مكملناش كلامنا .. قولتى إيه فى إنى هموت و أشوف إبتسامتك .
رفعت روضة حاجبها بإستنكار و قالت بحدة :
- مالك .. فى حدود بينا و عمرك ما عدتها .. ما تزعلنيش منك .
هز كتفيه بثقة و قال هامسا :
- بكرة تشوفى و إنتى اللى هتورينى و شك بنفسك .
هزت روضة رأسها بيأس و لم تجادله و هى تقاوم عقلها و أجبرته على عدم إلتقاط إشارته إليه .. بينما غمز سامر لجاسم عليهما و قال :
- على فكرة الواد ده حمار .
أجابه جاسم بتأكيد موجز :
- عندك حق .
إلتفت إليه سامر و قال ببساطة :
- و إنت كمان حمار .
هز جاسم كتفيه بتسليم و قال:
- عندك حق .
إنحنى سامر بجسده و حمل حقيبة علا التى نسيتها و لامسها بشوق و قال بتنهيدة ملتاعة :
- و أنا كمان حمار .
هز جاسم راسه و قال مؤكدا:
- عندك حق .
وزع عمرو نظراته بينهما بتعجب .. ثم سألهم بريبة :
- فى إيه مالكم .
حدجه سامر مطولا ثم قال بمنطق عملى :
- تصدق ياض يا عمرو إنك الوحيد العاقل اللى فينا .. برافو عليك .
زم عمرو شفتيه بعدم فهم و قال مؤمنا عليه :
- فعلا عندك حق .. مع إنى مش فاهم حاجة .
جائهم صوت من خلفهم قائلا بترحاب :
- جاسم رحال و رجالته .. ده الدنيا نورت .
إلتفتوا إليه فبادر جاسم و صافحه بإهتمام قائلا :
- سيادة الرائد .. أهلا و سهلا .
- أهلا بيك .. إنت بتعمل إيه هنا يا عريس .
إبتسم جاسم بخفوت متذكرا حبيبته الساحرة و شعر بشوق جارف يجتاحه و يجبره على الركض نحوها .. ورغم صراعه الداخلى أجابه بهدوء :
- مشكلة كده و خلصت .. قولى صحيح أخبار الزفت أمير إيه .. لسه ما فيش أخبار عنه .
وقف الجميع منتظرا رده بترقب .. فأجابه قائلا بضيق :
- لسه مش لاقينه .. بس نصيحة منى خد عروستك و إختفى لأنه مش هيسيبكم .
إكفهر وجه عمرو و سأله بقلق و ذعر :
- هو ممكن يأذى وعد تانى ؟!
أجابهم أحمد بتلقائية :
- أكيد طبعا .. هو عاوز يحرق قلب جاسم زى ما إعترفلى الراجل بتاعه و مش هيرجع غير لما يأذيه .. ده غير إن اللى بيشتغل معاهم حسوه بقا كارت محروق و طالبين رقبته .
زفر جاسم بقلق و قال بحدة :
- و أنا هفضل قلقان عليها كده لحد ما إنتوا تلاقوه .. دى هترجع معايا الشغل .
قالت روضة بذعر و هى ترتجف :
- إوعى تخليها ترجع الشغل مهما حصل .
خلل جاسم أنامله بشعراته و قال بإستياء :
- أنا وعدتها إننا هنرجع الشغل سوا .. و لو رجعت أنا و سبتها هى .. هتعمل معايا الصح و إنتم مش عارفينها بقا الصراحة .
ضحك الجميع عليه .. بينما قال له سامر :
- خلاص خدها و روحوا شهر عسل فى أى حتة بعيد .
تطلع إليهم جاسم بتوجس و قال نافذا لعقولهم :
- طب و الشركة .. هترجعوا و لا إيه .
غمز سامر لمالك يسأله رأيه .. فأومأ مالك برأسه و قال ممتعضا :
- علشان خاطر الحاج فضل بس .. أنا هرجع .
ربت سامر على ذراعه و قال بحماس :
- و أنا كمان هرجع .. الشغل وحشنى أصلا .
زفر جاسم براحة و قال بسعادة :
- حلو جدا .. يالا نمشى بقا و نتقابل فى عيد ميلاد ريتال .
..................................................................................................................
....................

جلست فى مكانها المعتاد تطالع غروب الشمس بتأمل .. أحيانا يحملها عقلها لأيام كانت بها أسعد طفلة بالعالم مع والديها .. قبل أن تنطفئ سعادتها و يموتا و يتركاها بمفردها تواجه الصعاب .. فيتركها عمها فى دار رعاية كأنها لا تعنى له شئ ......
أكثر أحلامها سيطرة على عقلها الباطن هو تكوين أسرة سعيدة .. أن يرزقها الله بزوج صالح و أولاد باريين فى بيت يحتضنهم بسعادة و دفء .. أن يعوضها الله ما حرمت منه لتعطيه لزوجها و أولادها .......
بينما هى شاردة .. كان هو يجدف بقاربه الصغير مستمتعا بالغروب .. فوقعت عينيه عليها فتأملها مصعوقا من جمالها البرئ .. فإنفرجت شفتيه بإبتسامة شغوفة و قال :
- هى دى حقيقة و لا دى النداهة إلى بيحكوا عنها و هتندهنى و أروح فى الرجليين .
لم يقاوم شغفه و إنطلق بقاربه نحوها و قارب الشط .. ثم قفز من القارب ملامسا الأرض و سار نحوها .. أخرجها من شرودها صوت بسبسة .. فتطلعت لمى بجوارها فرأت شابا ضخم البنية .. عريض المنكبين .. أسمر ذو ملامح شرقية حادة .. و شعراته تكاد تلامس كتفيه و تهفو مع نسائم الغروب .. أخذت تتأمله بإعجاب فبطل روياتها ها هو يقف أمامها .. فارس أحلامها بشحمه و لحمه و عضلاته و و شعراته و كل ما تمنته يوما بحبيب المستقبل .. سألت نفسها بقلق :
- ده حقيقى و لا أنا بحلم .
وصلته كلماتها فإبتسم بترفع غريب و سألها بلهفة :
- إنتى اللى حقيقى و لا إنتى النداهة زى ما بيقولوا و لا حكايتك إيه ؟!
يا الله حتى صوته الرجولى الأجش و الناعم بنفس الوقت .. لا لابد أنها نائمة الآن و تحلم هذا تفسيرها الوحيد .. بل هو التفسير العلمى الأدق لحالتها .. و لكنها قررت متابعة اللعبة و أجابته ببرود :
- أنا مندهتش على حد .. إنت اللى بسبستلى على فكرة .. و باعدين إنت طلعتلى منين .
أشار بعينيه على مياه النيل و قال بغرور لذيذ .. مثله :
- من الماية .. كنت بجدف بمركبى شوية فشوفتك إفتكرتك النداهة اللى حكولنا عنها زمان علشان ما ننزلش الماية بالليل .. بس طلعتى إنسية زينا .

رفعت حاجبها بترفع و قالت ساخرة :
- و ليه ما بقاش إنسية يعنى .. عنيا حمرا و طالعلى قرنين .
إتسعت إبتسامته ليزداد سحره و تظهر أسنانه البيضاء و التى تناقض مظهره البربرى و شعراته مازالت تداعبها نسائم الغروب .. أجابها بهدوء متعقل .. للغاية :
- أصل بصراحة أنا سافرت بلاد كتير و شوفت بنات و ستات كتير .. بس بسحرك ده .. عمرى ما شوفت .
إبتلعت ريقها بصعوبة و هى تستمع لكلماته اللذيذة .. مثله .. فقد وصفها ذلك .. اللذيذ .. بالساحرة .. و لكنها أجابته بقوة زائفة :
- و أديك شوفت .. مين حضرتك بقا و عاوز إيه .
أزاح شعراته التى دفعها الهواء على عينيه لخلف رأسه و قال بثقة و كبرياء لا تلائم غيره من الرجال :
- أنا إسمى يحيى .. و عمرى ٢٧سنة .. مش مرتبط و لا بحب .. و بشتغل مع والدى فى الصيد و عندنا مراكب بتسافر لبلاد كتيرة .. أما بقى عاوز إيه .. فأنا مش هضيع فرصة إنى أتعرف عليكى .
صرخت بداخلها و قالت بهيام :
- يا لهوووووى .. يعنى موز .. و قمر .. و يجنن و إسمه يحيى كمان .. هو أنا لو قولتله تتجوزنى أبقى مجنونة .
شعر بصراعها الداخلى و شرودها .. فمرر كفه أمام عينيها و قال بإبتسامة لذيذة مثل شفتيه الغليظة فى فم صغير .. هذا اليحيى كله تناقضات و لكنه لذيذ جدا .. أفاقت من شرودها و قالت بصرامة :
- تتعرف على مين يا قبطان إنت .. إنت هتصاحبنى .
تبدلت ملامحه فلعنت نفسها بشدة قائلة بداخلها :
- الله يخرب بيتك يا لمى هتطيرى الواد منى و الله لو مشى لهمسك فى رجله و أعيط و أقوله إتجوزنى و النبى .
مرر يحيى أنامله أسفل ذقنه و قال بمكر :
- يا ريت و الله .. هو أنا أطول إن النداهة بجلالة قدرها تصاحبنى .. بس الأول عارفينى بنفسك زى ما أنا عرفتك بنفسى .. دى الأصول .
لم تسيطر على لسانها الذى تمرد عليها و إعترف بكل شئ قائلا :
- إسمى لمى .. يتيمة و بعد موت بابا و ماما عمى رمانى فى ملجأ و سافر و لما تميت السن القانونى واحدة صاحبتى ساعدتنى و خلتنى أعيش مع ست كبيرة فى البيت ده .. علشان ما أبقاش لواحدى و عمرى ٢١سنة و معايا دبلوم إليكترونات و كمبيوتر و مش مرتبطة .
قالت كلامها كله دفعة واحدة و بمجرد ما إنتهت أخذت تلهث كأنها خرجت من سبق .. لاحظت إتساع إبتسامته اللذيذة .. للغاية ..
بينما تأملها هو لفترة طويلة ثم قال بحزم قاطع :
- تتجوزينى .

- إيه ده ببساطة كده .. فين الساسبنس و الأكشن اللى فى الروايات .. ﻷ روايتى لازم تبقى فيها شد و جذب أكتر .. و باعدين أنا مش بحب النهايات السريعة .. بس اللذيذ ده قالى تتجوزينى .. ده بجد و لا أنا بحلم و لا إيه الحكاية بالظبط .
راقب يحيى تغير ملامحها بين الإمتعاض أولا .. ثم التعجب ثانية و إنتهت بتنهيدة حارة .. أخرجها من شرودها مطقطقا بأنامله أمام و جهها قائلا بتعجب :
- بتروحى منى فين بس .. بقولك تتجوزينى .
لملمت لمى شعراتها البنية و عقدتها كذيل حصان يصل طوله لمنتصف ظهرها .. و تنفست مطولا و قالت بسخرية من وضوحه و جرأته :
- إنت مجنون يا حضرت .. جواز إيه إنت تعرفنى أصلا .
لعق شفتيه بهدوء و غمز لها بعينيه و قال بصرامة :
- بكرة زى دلوقتى هجيلك و هاخد رأيك و هتبقى موافقة إن شاء الله .. و هاخد رقم ولى أمرك و هطلبك منه و هجيب والدى و هخطبك و بعدها .. هتجوزك يا .. يا لمى .

كانت تستمع إليه و تراقب عينيه السوداء الواسعة بوله .. كم تتمنى الآن أن تلمسه لتتأكد أنه حقيقة و ليس وهما .. و لكنه تطلع إليها مطولا و تركها و إنصرف .. ثم قفز قفزة متمرس داخل قاربه و جلس بداخله و جدف قليلا ثم عاد بعينيه الواثقة إليها و صنع بأنامله قلبا و قرب يده من قلبه و أشار عليه و أشار إليها ليخبرها بأنها داخل قلبه و أنها له مهما حدث ..

يتبع الفصل التالي اضغط هنا

 الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية وعد بلا رحمة" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent