رواية نزيف الجدران الفصل الثالث عشر 13 بقلم سيد داود المطعنى

الصفحة الرئيسية

   رواية نزيف الجدران الفصل الثالث عشر بقلم سيد داود المطعنى


رواية نزيف الجدران الفصل الثالث عشر

كانت راندا تقرأ والدموع تنهمر علي خديها, و سمر تفتح عينيها دون أن تبكي أو تصدر صوتا, ورائف يصرخ, و البكاء والنحيب يعلو من صدور الجميع, فألقت راندا الورقة من يدها و ارتمت في حضن والدها صارخة.
ــ عصااااااااام, عصااااااااااااام, عصام فين يا بابا, أنا لسة مكلماه فون 
سعد ينظر للغرفة و تقع عيناه  علي عيني عصام, و يعيد النظر لأولاده, فيجد سمر تغيب عن الوعي و هي واقفة, وتسقط علي الأرض مغشيا عليها, فيخرج عصام من الغرفة مسرعا.
ــ ليه كده يا بابا, ليه , ليه, حرام عليك اللي بتعمله فيهم ده حرام حرام.
ــ آآآآء سمر, سمر, سمر
قام عصام بمحاولة افاقة سمر, فارتمت عليه راندا وارتمي عليه رائف يحتضنانه, وانحني سعد يدفعه عن سمر بقوة غاضبة.
ــ اوعي شيل ايدك عن بنتي, انت بتكرهنا, أنا هفوقها بنفسي, ابعد عنا يا آخي فارقنا.
  راندا ورائف يمسكان في عصام, وسعد ينحني علي الأرض ويرفع سمر بين يديه ويضعها علي الأريكة  ويضغط علي عصب أنفها
ــ سمر.. سمر.. قومي يا بابا, قومي يا سمر, عصام لسة موجود بيننا أهو, يا سمر
فتحت سمر عينيها فوقعت علي أبيها, فناداها عصام, فنظرت إليه دامعة ومدت يديها ناحيته تفتح ذراعيها, فبكي عصام بحرقة واندفع ناحيتها يحتضنها.
ــ خضتينا عليكي يا سمر.
ــ كنت هموت يا عصام, كنت هموت, الحمد لله انك بخير.
ـــ أخوكم عايز يروح يحارب الارهاب في سيناء, وسايب لنا جواب نقراه بعد استشهاده, علشان يروح سيناء تنفجر فيه عبوة ناسفة وييجي لنا ملفوف في العلم.
ــ أرجوك يا بابا, بلاش الكلام ده قدامهم.
ــ بص يا ولد انت, أنا بعمل كل ده من باب الخوف عليك, أنا بشتاق لك بمجرد ما تمشي من هنا و أنا عارفك في أمان في التل الكبير, انت كتبت جواب نقراه بعد استشهادك, و شفت بعينك رد فعل أخواتك, تخيل لو انت استشهدت فعلا, كان هيبقي شكلنا ازاي, الحمد لله انك موجود وأنقذت أختك, آدي اخواتك جنبك, و انت و ضميرك .
 مشي سعد تاركا المنزل لأولاده و هو ينظر لراندا بعينين تحدثانها, أن تبذل كل طاقتها لمنعه من السفر إلي رفح.
ــ خليك فاكر يا عصام قبل ما تاخد قرار السفر, ان أختك داخلة علي خطوبة, و طبعا لو سعادتك سافرت وسبتنا في النار دي, لا هتتم خطوبة, ولا العيال هيعرفوا يذاكروا ولا أي لحظة سعادة هنعرف نعيشها بعد النهاردة.
                       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يشعر سعد بنفسه وهو يقود سيارته, لا يعرف أن يذهب الآن, لمن يفضفض, قد نسي أنه اتصل بصديقيه موسي و صادق لينتظراه في المقهي الذي يقضيان فيه سهراتهم اليومية, لم يدر أنه وصل إلي مقابر العائلة, ووقف علي قبر زوجته يبكي متحسرا, خائفا, يكلمها, و ينتظرها ترد عليه.
ــ يا ريتني أنا اللي تحت يا وردة, و انتي اللي معاهم, مش قادر أسيطر عليهم, مش قادر أطعمهم السعادة, حاسس إنهم افتقدوا الأم والأب بموتك, بتستعجلي الرحيل ليه يا وردة, ليه, ليه تسيبينا وانتي عارفة أنك هتسيبي خمس يتامي, ولدين و بنتين و انا الخامس, الواد الكبير اللي عملناه ظابط أد الدنيا, عايز يحسرنا عليه, واخداه الوطنية و هيموتني بحسرتي, زوريه يا وردة في المنام أرجوكي, ما كل الأمهات بتزور ولادها و تنصحها, ليه تسيبي كل حاجة ومش عايزة تقدمي حاجة, تعالي له يا وردة أرجوكي, قوليله أبوك خايف عليك, فهميه يا وردة اني مش بصغره ولا بحب افرض رأيي عليه, قولي له زي زمان ان كل آرائي في صالحه, يعني هو علشان ينفذ أوامر قياداته يعصي أمري أنا, علشان يريح نفسه, يتعبني ويتعب أخواته, البنات كانوا هيموتوا بمجرد ما قرأوا الرسالة وهما عارفين انه في اجازة, فما بالك يا وردة لو مات فعلا, ما تردي عليا يا وردة, عمرك ما سبتيني أكلم نفسي بالشكل ده, ردي يا بنت الناس ردي, ردي يا وردة , ارحمني يا رب , ارحمني يا رب, يا رب ارحمني, ارحمني, ارحمني.
  انفجر سعد في البكاء, و جثي علي ركبتيه وتعفر بالتراب, حتي كاد أن يصاب بالجنون, لم ينقذه سوي اتصال موسي به, و ترددت علي مسامعه كلمات أنشودة " قمر قمر سيدنا النبي قمر" والتي خصصها نغمة لرنين هاتفه.
ــ أيوة يا موسي
ــ انت فين يا عم انت 
ــ أنا جاي لكم في الطريق يا موسي قربت عليكم اهو
  أغلق سعد هاتفه وخرج من المقابر و ركب سيارته وانطلق إلي رفاقه وهو معفر بالتراب, وكان البؤس علي وجهه كمن ضاقت به سبل الحياة وجلس بينهم وهو مكفهر, لا يجيب علي تساؤلاتهم عن سبب وصوله لتلك الحالة.
ــ ليا عندك طلب غريب يا صادق
ــ طلب ايه ده ان شاء الله
ــ عايز منك حتة حشيش بس تتسبب في دخول صاحبها السجن 
ــ حشيش! وسجن! و دي عايزها ليه دي؟
ــ عايزها ضروري يا صادق, يا ريت تتصرف لي
ــ وانا هتصرف لك منين يا سعد
ــ يعني انت هتغلب في حتة حشيش يا صادق
ــ طاب عايزها في ايه
ــ عايزها في مسألة حياة أو موت
ــ يا سلام! حتة حشيش في مسألة حياة أو موت
ــ أيوة وما تسألش أكتر من كده
 بدأ الشيطان يعرض علي سعد أفكاره التي لا تنفذ كي يمنع عصام من السفر لرفح, واقترح عليه أن يضع له قطعة من نبات الحشيش المخدر بين ملابسه, تعرضه للمحاكمة, فيكون مصيره الحبس لفترة قصيرة, أو حتي التجريد من الرتب العسكرية أو الوقف عن العمل, و كل هذا تضحية سهلة مقابل منعه من النقل إلي رفح.
إلي هذا الحد وصل الخوف بالرجل الرشيد, أن يلفق لابنه قضية كتلك القضية حتي يحميه من تنفيذ القرار.
عاد سعد إلي بيته وهو يسأل نفسه ماذا لو لم يخترق ذلك الحلم حياته, ولم ير في منامه جدران بيته تنزف دماءُ إثر طعنات عصابة ملثمة, ماذا لو لم يكن تفسير تلك الرؤيا هو قتل أحد أبنائه في عملية ارهابية, هل كان سيعترض علي ذهاب ولده إلي رفح ؟ هل كان سيمنع سمر من الاشتراك في رحلة سانت كاترين, هل كان سيمنع رائف من الذهاب إلي المدرسة, هل كل هذا لا يهمه, و الأمان هو الحل الأمثل لهم, وهل تلك القرارات التعسفية التي يتخذها في تعاملاته معهم قادرة علي حمايتهم؟.

يتبع الفصل الرابع عشر اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent