Ads by Google X

رواية نزيف الجدران الفصل الحادي عشر 11 بقلم سيد داود المطعنى

الصفحة الرئيسية

   رواية نزيف الجدران الفصل الحادي عشر بقلم سيد داود المطعنى


رواية نزيف الجدران الفصل الحادي عشر

عصام في غرفته يحمل هموم الدنيا فوق رأسه, يأبي إلا أن يرافق زملائه إلي رفح لأداء واجبه, و يخشي أن يتأثر والده بعصيانه, ليصبح بين نارين, لا يعرف كيف يهتدي إلي سبيل.
كيف يعتذر عن قرار النقل, وهو قرار من القيادة العامة لا يحتمل المناقشة, و لا يستطيع ضابط تقديم التماس في هذا الأمر و يضحي بسمعته في العسكرية حتي إحالته للتقاعد, و لا يستطيع أن يتحدي والده الذي لم يتأخر عنه يوما حتي وصل به إلي تلك الدرجة, و لم يتخلي عنه حتي بعد تعيينه ضابطا بالقوات المسلحة, فقد جهز له شقته في وسط العاصمة ليتزوج بها, و خصص له مبلغا ماليا ضخما لنفقات زواجه و لتأمين مستقبله بعد الزواج .
كيف يخالفه الآن وهو الأب الحنون الذي يخشي علي ولده السقوط في المهالك.
ينظر للسماء, ينتظر التدبير, هل يعصي  قادته و يتخلي عن واجبه, أم يعصي والده ويتركه في نار القلق حتي انتهاء المهمة بالنجاح أو الرحيل عن الحياة.
يا لها من معادلة صعبة تلك التي وضعه فيها والده, و يا له من حلم قاسي ذلك الذي اقتحم حياتهم ليقلبها رأسا علي عقب, و يضع الأولاد مخيرين بين طمأنة والدهم بالتنازل عن أحلامهم و طموحاتهم أو الاستمتاع بحياتهم.
لم يخرج عصام لموعد زميله ماجد الذي وقع عليه الاختيار مثله للسفر إلى سيناء، بل أنه طلب ماجد ليزوره في البيت حتى يحكي له ما يريد، يطلب منه المشورة، يشاركه الرأي، قد يصل معه إلى حل يرتاح إليه.
ــ دبرني يا ماجد, أنا هتشل مش عارف أعمل ايه
ــ اعمل اللي يمليه عليك ضميرك يا عصام, بس خليك عارف مخالفة قرار زي ده عاقبته ايه
ــ وبابا يا ماجد! بابا ممكن تجراله حاجة لو أنا خالفت رأيه, خصوصا الحلم المفزع ده اللي شافه و خلاه خايف من كل حاجة
ــ و انت هتبني مستبقبلك علي أحلام والدك, ده واجبك قبل ما يكون شغلك يا عصام
ــ هو أنا ينفع أقدم التماس ع القرار ده
ــ هتبقي مسخرة بين زمايلك مدي الحياة, و كل ظابط في مصر ليه أم وأب بيخافوا عليه, وفي غيرك عندهم أولاد يا عصام, يعني موقفهم أصعب من موقفك, وأنا بصراحة مش هفيدك في موضوع زي ده.
لم عصام عند صديقه ماجد حلا لتلك المشكلة, فقرر هنا أن يقبل يد والده ويخبره أنه سيرفض قرار النقل و أنه قرر العودة لكتيبته في التل الكبير, و لن يذهب إلي رفح أبدا.
كانت فكرة رائعة تجعله يرضي والده, و يلتحق بزملائه في رفح.
يا لها من فكرة جعلته أكثر هدوءً وانشراحا, فدخل إلي غرفته مسرعا ليكتب تلك الرسالة قبل ذهابه إلي المعسكر حتي يسلمها يدا بيد للواء عبدالمجيد, فلا وقت هناك لكتابتها.
أمسك بالقلم و فكر قليلا في صيغة تلين عاطفة والده لو قرأها بعد رحيله قال فيها :
"والدي العزيز, و أستاذي في تلك الحياة, أنا لم أكتب إليك الآن لأعتذر لك عن مخالفتي لرأيك و تصميمي علي اللحاق بزملائي في رفح, فقد تعلمت منك ألا أعتذر عن قرار صائب اتخذته أبدا, و لكني يا أبي كنت أعلم مدي خوفك علي حياتي, و لم تفكر لحظة واحدة أن موتي في سبيل الله أعظم من حياة ستنتهي لا محالة, و أنت لا تبخل عليَّ بتلك النهاية التي يتمناها كل مؤمن, كم كنت أتمني أن أحتضنك وأودعك و أنت تعلم تماما أني ذاهب إلي مصيري, لأموت في أقاصي البلاد, لأفدي بلادي بروحي ودمائي, وأفديها بأجمل شيء لي في الوجود, وهي تلك اللحظات التي أقضيها معك, لا تعاتبني في حزنك يا والدي, وعش سعيدّا يا من قدمت للبلاد روحا ترخص من نفسها فداءَ لأمنها و سلامتها, ابنك و صديقك و أخيك الصغير عصام".
    أطبق عصام تلك الرسالة ووضعها في جيب حقيبته, وترك الحقيبة بالغرفة وخرج إلي الصالة, فوجد والده سارحا أمام التلفاز و هو يرتشف فنجانا من القهوة, وكان التلفاز علي إحدي القنوات الإخبارية المصرية تنقل الأحداث الجارية في رفح وتمشيط الجيش لبعض الأماكن هناك.
ــ أنا هخرج شوية يا بابا, وراجع
ــ تعالي شوف كده الجيش بيعمل تمشيط لبعض المناطق الارهابية في رفح
ـــ ربنا يعينهم يا بابا
ــ تعالي شوف كده نتيجة العمليات دي ايه
ــ ما أنا عارف يا بابا, هخرج ساعة كده و ارجع أدردش مع حضرتك
ــ يا عصام!
ــ نعم يا بابا
ــ تطلع فكرة رفح دي من دماغك, وتشوف لها أي تصرف
ــ حاضر يا بابا حاضر بعد إذن حضرتك
   خرج عصام, وعينا سعد تراقبه بخوف شديد, و ارتشف رشفة من فنجانه و نظر في التلفاز.
                          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راندا في غرفتها حائرة, تود أن تخبر والدها بذلك الخبر السار, الذي فاجأها به زياد بعد الخروج من الجامعة, حتي يستريح قلبه من ذلك الأمر, و يطرد قلقه علي عصام من رأسه, لكنها لا تعرف كيف ستكون حالته الآن, قد تسمع منه ما تكره.
لو وازنت راندا بين السعادة التي قد تدخلها علي قلب أبيها بخبر زياد, و الحزن الذي يملأ قلبه بسبب عصام, لرجحت كفة الحزن والقلق والتوتر الذين يتحكمان فيه, ذلك الحزن الذي لا يجليه سوي خبرا مضادا و هو إلغاء قرار نقل عصام إلي رفح.
يا لها من مسكينة, كانت تتمني أن تري من زياد ما يسعدها, حتي تأتي طائرة إلي أبيها تشاركه فرحتها, و لكن وشم الشقاء منقوشُ علي جبينها, لا يفارقها.
 تأتي طائرة ليستوقفها غما أكبر من فرحها, لتعرقل فرحتها حالة من الحزن العام تخيم علي أرجاء المنزل, و تصيب كل وجوه الأسرة.
ما الذي ينبغي أن تفعله تلك الفتاة التي تراقب والدها من ثقب باب الغرفة, و تري هموم الدنيا تتناثر أمام عينيه و حول أنفه و فوق رأسه, فترسم تلك الصورة الكئيبة علي وجهه.
ما الذي ينبغي أن تفعله راندا الآن حتي تمرر ذلك الخبر علي مسامع والدها من بين كل تلك الهموم.
فتحت هاتفها المحمول واتصلت بعصام و أخبرته بتلك التفاصيل, وعرفت منه أنه بالخارج الآن.
ــ يا عصام أنا نفسي أحكي لبابا, وهو مشغول بسببك و متضايق جدا, أرجوك تريحه
ــ حاضر يا راندا, أنا ساعة بالظبط و هرجع, اطلعي له انتي دلوقتي, وقوليله انك كلمتيني واني هعمل المستحيل علشان مسافرش رفح, و اللواء عبدالمجيد وعدني انه هيتصرف
ــ بجد يا عصام الكلام ده؟
ــ أيوة بجد يا راندا, و بعد كده تحكي له الحوار بتاعك ده وأنا هرجع أشارككم الفرحة
ــ ربنا يخليك يا عصام, ده بابا هيفرح جدا
أغلقت راندا هاتفها وخرجت إلي الصالة حيث والدها السارح أمام التلفاز, وأسرعت ناحيته تقبله
ــ عندي خبرين كل واحد فيهم بمليون جنيه يا بابا
ــ يااااه للدرجة دي يا راندا؟

يتبع الفصل الثاني عشر اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent