Ads by Google X

رواية نوتفكيشن الفصل الرابع 4 بقلم دينا ابراهيم روكا

الصفحة الرئيسية

نوفيلا نوتفكيشن البارت الرابع 4 بقلم دينا ابراهيم الشهيرة بـ روكا

رواية نوتفكيشن كاملة بقلم دينا ابراهيم

نوفيلا نوتفكيشن الفصل الرابع

رفع زيدان عينيه يلتقط عيون الفتاة الواسعة، ذات الشعر القاتم الغزير امامه وجلس يفرك اصبعه فوق شفتيه منتظرًا انتهاء المزحة التي طالت دون معنى.

-اعتبر انك موافق؟

-انتي مصره تكملي لعب؟

-لعب أو لا ده قراري أنا، قولت أيه deal or no deal.

عاد للوراء يجلس بأريحيه أكثر ثم أخذ يطالع "ميرا" في شك قائلًا:

-أنتي بجد مش عارفة أنا مين؟

-بلاش غرور مش علشان طلبت مساعدتك هتعيش دور مشاهير السوشيال عليا،
ثم أنا هدفعلك مبلغ محترم.

لم يجيب وظل يراقبها في ذهول وقد حطمت غروره بالفعل فعلى ما يبدو أن قريبته لم تنتبه لوجوده ولو مرة واحدة على الأقل، نظرتها الحمقاء تجعله متيقن بانها لا تعلم صلة القرابة بينهما وتطلب منه تمثيل بالزواج منها في السر فعلًا!!
هو دونًا عن غيره.
سوء حظ أم حسن حظ ؟
لا يهم فهو على وشك إبراحها ضربًا حتى الموت إن فتحت فمها بطلبها الجريء من جديد أو أفضل ينتابه شعور قوي بتمزيق خصلات شعرها الغزير الذي يسرق انتباه من حولهم، والذي لا يتناسب مع ضعف قوامها ثم يجرها جرًا حيث والدتها لعلها تنفخ فيها بعض التربية الصحيحة.
تنفس من فمه يحاول سماع هذا الصوت الداخلي بعدم التدخل والرفض دون افتعال أي فضائح ثم الرحيل بشكل سلس نظيف بعد أن يلقي عرضها الوقح في القمامة.
لكنه جز على أسنانه يكبح غضبه ويحاول تمالك أعصابه حين أخرجته من بلورة أفكاره على صوتها الحاد الذي تخفي خلفه ارتباك وتوتر يشع من نظراتها:

-شوف لو مش موافق خلاص.

فرك وجهه في قوة يراقب عيونها المتعجبة من صمته الغريب فلا بد إنها تحسبه مجنونًا معدومة الحياء تلك وهو من كان يظنها ملاك منزوع الأجنحة سقط بالخطأ على أرضٍ من الذنوب، كاد يصرخ بالرفض في وجهها لكنها سبقته بقولها:

-أنا عندي حد يقبل عرضي متشغلش بالك خلاص.

علا داخله الصراع بين ضميره الحي ممثل الهموم الأزلي في حياته وسبب تورطه الدائم في مصائب لا تعنيه وهذا كله بسبب القيم التي تربى عليها، وبين هذا الصوت الخافت الذي يحثه على حمايتها والذي يحاوطه كلما وقعت عيناه عليها، زفر في حدة مستقرًا على قرار قبل أن يزجرها غاضبًا:

-أهدي شويه على نفسك أنا بفكر مش أكتر،
ثم أنا عايز أفهم أيه السبب اللي يخلي واحدة تطلب من واحد غريب يمثل انه جوزك ومش بس جوزك لا ده جواز في السر!

-السبب ده يعنيني أنا ومش ضروري تعرفه، اعتبر ده شغل أنت هتقوم بشغلك وأنا هلتزم بوعدي،
ولو تحب أنا ممكن أديك نص المبلغ دلوقتي والنص التاني بعد الست شهور، قولت أيه؟

ضاقت عيناه يطالعها في غموض يكبح داخله ثورة عارمة ولكنه قرر التراجع عن دفعها بعيدًا فهو لن يتركها تطلب المساعدة من شخص أخر فما أدراه ماذا سيفعل الأخر معها وكيف سيكون؟
لأن شخصً يقبل دور كهذا لن يمت للنبالة بصلة، أغمض جفونه لحظة قبل أن يفتحهما معلنًا قراره:

-اتفقنا ومش محتاج أخد فلوس دلوقتي، خليها ف أخر الاتفاق.

-اللي يريحك.

جاء ردها سريعًا وبريق السعادة والانتصار يلمع جليًا داخل عيناها، كاد يبتسم ساخرًا من شعورها الواهي بالنصر فقد برمت صفقتها للتو مع الجلاد .

***

خرج "زيدان" من ذكرياته متمتًا كلمات غير مفهومة وكأنه يشجع ذاته على الإقدام والمواصلة فيما هو عازم عليه، ربما كان عليه إخبار ذويها والانتهاء من الأمر لكنه يشفق عليها من ردود أفعالهم التي قد تدمرها تمامًا فهو لا يرى فيهم الطريق الأمثل للمعاملة ومعالجتهم للموقف ستكون شبه مستحيلة، فهذا الخلل في طفلتهم لم يتولد من الفراغ.

*****

في اليوم التالي، جذبت "ميرا" حقيبتها وقبعتها السوداء نغلقه باب السيارة قبل ان تلقي نظرة خاطفة في مرآة السيارة على ثوبها الأحمر الفضفاض منزوع الكتفين والذي يصل إلى أسفل ركبتيها كمعظم أثوابها المستوحاة من طراز الخمسينيات، فقد وجدت فيه كهف ملاذها تخفي فيه عدم تصالحها النفسي مع مؤهلات جسدها النحيف فهي تضفي عليها رونقًا وترسمها لأعين الناظرين بشكل لائق.
فكرت ساخطة على نحافتها وقصر قامتها لكن الابتسامة عادت تبتلع فمها متذكرة إعجاب "زيدان" بالنساء القصيرات مؤكدًا على تفضيله لهن، أما عن النحافة فهي لن تقسو عليها لأنها سعيدة بالتغيير الذي طرأ على جسدها الأسابيع الماضية، فقد تفاجأت بالميزان يهلل لها فرحًا معلنًا زيادتها بضع كيلوجرامات قليلة في الأسابيع الماضية دون تخطيط منها.
وهو ما تعتبره شيء خارق خارج عم المألوف، فقد وضعت الكثير من طاقتها من أجل إيجاد طرق لزيادة الوزن بين اتباع حميات غذائية شهيرة وابتلاع أدوية تعمل كفاتح الشهية بالإضافة إلى لجؤها لأخصائية تغذية وكل هذا انتهى بالفشل دون تحقيق ما تسمو إليه.
ابتسمت لنفسها سعيدة بالرضا المنبثق منها اليوم، ثم حركت طرف إبهامها فوق فمها ترتب أحمر شفاها قبل أن يقطعها صوت "زيدان" المتذمر:

-أنتي شكلك مش عايزة تطلعي، يبقى نروح أحسن.

التفتت ناظرة له من أسفله لأعلاه في انزعاج متجاهلة وسامته المشعة دون أي جهد يذكر منه فهو يرتدي جينز أسود وقميص أبيض سادة يحتضن صدره سوى من بضع الإنشات في أعلاه يعرضها بفخر للعيان، حركت رأسها مبعدة أنظارها عنه في خجل من وقاحة أفكارها قبل أن تردد مؤكدة:

-قدامي يا كسلان على فوق، وكمان مفيش نوم بدري أنا بحذرك.

أخبرته بحركة صغيرة من رأسها تؤكد قرارها بينما تلقي بخصلاتها للخلف متحركة لداخل المبني ثم إلى أعلاه حيث يقبع أصدقائها.
اتبعها زيدان المبتسم شاعرًا بتلك الثقة المتزايدة يومًا بعد يوم فقد لاحظ امتلاء جسدها بشكل ملفت في الأسابيع السابقة، لتتأكد شكوكه بأن شهيتها مرتبطة بحالتها النفسية، وان نحافتها ما هي إلا انعكاس لاضطراباتها الداخلية ارتفع فمه في ابتسامه راضية متأكد ان وجوده في حياتها هو سبب هذا التوهج.
دلفا سويًا وبعد التحيات والتفاهات تركها بقلب ثقيل تنغمس بين الفتيات اللواتي لولا أموالهم الطائلة لظننت إنهن امتهن العُهر، سعل بخفه يمحض رغبته في أن ينتشل "ميرا" حاملًا إياها عنوة من بينهم كي يخبأها بعيدًا عن مستنقع فسادهم.
تحركت عيناه بشكل تلقائي كلما شعر بالكره صوب "رامي" المسلط أنظاره الحاقدة فوقه فأومأ رأسه في حركة ساخرة انتهت قبل أن تبدأ مبتسمًا في مكر كي يزيد من غليانه، كما تغلي دماءه فهو متأكدًا من اهتمامه الزائد بتلك الحمقاء جواره والتي تحركت مقتربة منه عندما غير قادرة على فرض وجودها أكثر حينما اندمج الجميع في حديث ليس بها به مكان، متجاهلين تواجدها.
ابتلع مرارة مشاعره الكارهة لتواجده وتواجدها في هذا المكان وتلك الأجواء الماجنة بين شباب يتراقصون وأخرون غارقون في الخمر وكأنه ماء الحياة، أغمض جفونه يحث ذاته على الصبر فقد اقتربت النهاية.

-أنا أسفه ماما مكنتش موافقة انزل أقابلك امبارح، كان في حاجة؟

صدح صوت "ميرا" قاطعًا أفكاره فالتفت يتابع حديثها الموجة ل "ريناد" التي نظرت لها ببلاهة كأنها تحاول إدراك مقصد كلماتها أو ربما هي تحت تأثير مخدر ما:

-حاجة أيه؟

-الحاجة اللي كلمتيني عنها امبارح عشان أقابلك؟

تدخل "رامي" سريعًا يجذب انتباه "ريناد" لحديث داخلي داخل مقلتاه قبل أن يحذو بنظره نحو "ميرا" التي تشاهدهم في عدم فهم لكن "ريناد" أنهت الموقف مجيبة في لهجه مرتبكه سريعًا:

-اه اه، دي حاجة مكنتش مهمة نتكلم فيها بعدين.

حركت "ميرا" رأسها في براءة مرسلة ابتسامه لهما، بينما ضاقت عيون "زيدان" الذي يرغب في هز جسدها يحثها على فتح عيونها تلك الغبية وقد بدأت الشكوك تلتهم دواخله فهؤلاء الحمقى يخططون لأمر لن يعجبه البته.
أخرج نفس متقطع يحاول السيطرة على انفعالاته ثم انتقل بصره فوق "رائف" الذي بدأ يبتلع أقراص عده ومتنوعة بعيون واسعة فعلى ما يبدو أن الأحمق قررت الموت اليوم!
انقلب ثغره في تقزز وتلقائيًا مد يده يلقط كفها قبل أن يدفعها للاقتراب منه أكتر متجاهلًا تشنج جسدها المضطرب لكنها استرخت بعد دقائق وراقبها كيف انتقلت من السكون التام وكأنها ضائعة إلى الحماس والحديث بلا توقف منتشيه ببعض الانتباه التي يمررها لها "حازم" والذي كان ليبدو لطيفًا لولا وجوده في تلك الدائرة، استمر في حديثه التافه معها وهو يسألها عن العلامة التجارية لقبعتها.
ثم استقام زيدان تلقائيًا يجاورها عندما صحبها حازم للشرفة كي تلقي نظرة على دراجته الجديدة وحين عادا بعد دقائق لاحظ كيف مدت الحمقاء يدها في اعتياديه لتلتقط كوب العصير الخاص بها فمال يهمس في أذنها:

-ما تشربيش العصير طالما سبتيه ومشيتي!

نظرت له متعجبة ثم سألت في استغراب:

-ليه؟

-أنتي قاعدة حرفيًا في غرزة، يعني وارد أوي حد من المساطيل دول يحطلك حاجة في العصير.

-وهيعملوا كده ليه؟

-مساطيل بقى هنعمل أيه!

حرك رأسه يائسًا من أن تدرك الحياة يومًا، تابع مراقبة لمن حولهم في صمت وتركها تنغمس في حديث عن "طفولتها" وفي رأيه هذا حديث ساخر حين يجاورك شخص يغفو في حالة من السُكر، وأخر أذهبت المخدرات عقله كليًا حتى إنه بدأ في ملامسة الفتاة جواره بشكل لا يلائم تواجدهم حوله!
لكن بالتأكيد لم تجذب تلك المشهد انتباهها وكادت تتطرق لموقف حدث لها في الصغر جعلها مرتبطة بالقبعات إلا ان إحدى الفتيات صرخت بمزحة تتناسب مع الحوار قبل أن تغرق في ضحكاتها وكأنها مزحة حائزة على الأوسكار سارقة رؤوس من لايزال محتفظًا بوعيه.
راقب كيف تسمرت "ميرا" وتراجعت في مقعدها باستسلام منسحبه عن ساحة الأضواء، وقتها أراد أن يسألها ما هو سر تعلقها بهذا الجمع فكل ما يراه منهم نحوها هو الشفقة، وأكثر انتباه يعيرونه لها لا يتعدى بضع كلمات هنا وهناك وهذا في قاموس العالم ليست صداقة، أو على الأقل هي ليست صداقة في قاموسه هو!
لكنه يستثني من الشفقة "رامي" بالطبع والذي يقبض عليه يسترق النظر نحوها كل بضع ثواني، فكر ساخرًا لكنه نفض تلك الأفكار عنه واعتدل يصب جام انتباهه فوقها متسائلًا في فضول مفتعل:

-أيه السبب؟

نظرت له في تساءل لا تدري مغزى كلماته قبل أن تبتسم في خفة متسائلة:

-سبب أيه؟

-البورنيطه اللي على راسك دايمًا.

أشار إلى حديثها المنقطع قبل قليل، فتعلقت نظرتها الحائرة بنظره الغامض في حرب صامتة تحاول فيها اختراق دواخله وكأنها ستقبض على رغبة خفية هدفها الإيقاع بها والسخرية منها، قابل نظراتها المتفحصة بابتسامته الهادئة ولا يدري كيف أجابتها عيناه العسلية المائلة للون الخضرة ولكنها كانت إجابه كافية بأن تبادله الابتسام وتبدأ في الحديث تحكي دون توقف قرابة الساعة حتى أخذ الوضع يخرج عن السيطرة جواره بين ريناد ورائف اللذان بدأ في التقبيل علانيه دون مراعاه لمن حولهما، وقتها لم يستطع التحمل وتحدث معترضًا:

-احنا قاعدين هنا على فكرة!

التف له "رائف" يرمقه في انزعاج وعدم رضا عن تدخله قائلًا بلسان ثقيل:

-دي مراتي وأنا حر.

حك "زيدان" ذقنه مقررًا ألا ينخرط في نقاش مع ديوث مُخدر، لكنه مال نحوها هامسًا في أذنها:

-ما تيجي نمشي ونروح ناكل؟

-ونسيبهم؟

سألت في صوت ضعيف متردد فأشار لها بعيونه نحو أصدقاءها اللاهين في شئونهم الخاصة، مجيبًا في سخرية:

-محدش فاضي لينا أصلًا.

تابع في ترقب على أحر من الجمر كيف عضت شفتيها في خفة وهي تلقي نظرة خاطفة على الجميع ثم استقرت عيناها عليه محركة رأسها في موافقه مقتنعة بحديثة.
كاد يلقي قبضته في الهواء منتصرًا فكل ما يدور في عقله إنه نجح لتوه في سرقة اهتمامها وانتباهها عنهم وتركيزه صوبه هو!
حسنًا إذا كان الاهتمام هو غايتها، فسيمنحه لها دون توقف.
المهمة الأولي ... تمت بنجاح ...
فكر في صبيانية ثم ابتسم في غرور وهو يمد أصابعه نحوها ملتقطًا كفها كي يجذبها للوقوف ومرافقته للخارج.

*****

بعد تناول وجبة العشاء قرر "زيدان" مكافئتها بأن تشاركه متعته الخاصة بأن يقود سيارته متجولًا على الطرق بلا هدف.

-ما تتكلمي ساكتة ليه؟

صدح صوت "زيدان" قاطعًا الصمت المخيم داخل السيارة فحركت كتفيها بلا إجابة محددة وهي ترمقه بعناية ثم قالت:

-عادي، تقريبًا الأكل كتم على نفسي.

-ميرا فوقي يا روحي، أنتي اكلتي نص برجر مش خروف.

ابتسمت "ميرا" له شاعرة بإحراج من انتباهه لضعف شهيتها لكنها استكملت مغيرة الحديث في لهجة مشاكسة:

-طيب يا لمض اتكلم أنت.

ارتفع حاجبه في تعجب من حماستها مجيبًا دون أن يحيد بعينيه عن الطريق:

-هقول أيه؟

-مش عارفة، كلمني عن حياتك مثلًا.

لوى رقبته نحوها مرسلًا لها ابتسامة صبيانية ثم أعاد وجهة نحو الطريق وهو يخبرها متعجبًا:

-أنتي عارفة كل حاجة في حياتي، احنا بقالنا كتير بنتكلم في أدق تفاصيل حياتنا.

-لا أقصد عن نفسك وعيلتك مش عن شغلك وأصحابك ويومك، أنت تقريبًا عمرك ما اتكلمت عن حد غير والدك.

أخبرته شبة متلعثمة بينما تضم شفتاها تشعر ببعض الخجل من تطفلها المباشر، لكنه أوقف توترها بحديثه التلقائي عن نفسه:

-عشان ماليش غيره بعد أمي الله يرحمها، وأنا وحيد أبويا وأمي ماليش أخوات.

حانت منه نظرة خاطفة نحو وجهها حين ساد الصمت وارتفع حاجبة في تعجب وهو يتفحص تقاسيمها الحزينة المندمجة مع قصته فابتسم ممازحًا:

-انتي هتعيطي ولا ايه بقولك وحيد مش متوحد!

زفرت في ملل من تبلد مشاعره وقد انكمشت ملاحمها في تذمر وعيناها تدور داخل مقلتيها مردده:

-أنا غلطانة اني بعبر عن مشاعري معاك.

علا صوت ضحكاته ثم مد أصابعه يعبث بأزرار المذياع حتى أستقر على إحدى المقاطع الغنائية الهادئة ثم رمقها بطرف عينه متسائلًا في فضول:

-كلميني عن طفولتك؟

اهتزت ضحكتها ولكنها نظرت بعيدًا متمته في عدم اكتراث:

-كانت طفولة عادية مفيهاش حاجة مميزة.

-وكنتي متعلقة بأصحابك بردو زي دلوقتي؟

سأل في نبره متقطره بالفضول فهمست محرجة أثناء نظرها من النافذة جوارها للخارج :

-مكنش عندي أصحاب وقتها، كان في بنت بحبها بس للأسف بعدت عنها لما اشترت كلب.

-لا حول ولا قوة إلا بالله، خسرتي صاحبتك عشان اشترت كلب!

-أيوه أنا عندي فوبيا الكلاب، ممكن أنتحر اساسا لو شوفت كلب،
كمان مخسرتهاش بالمعنى الحرفي أنا بس كان نفسي نبقى أصحاب وهي مكنتش مهتمة.

شعر بموجات من عدم الراحة والتوتر الزائد تنبعث منها واكبتها حركة أصابعها المتسارعة فوق فخديها فتحدث مغيرًا الحديث في نبرة مشاغبة:

-أحسن حاجة، مفيش أرخم من الصحاب الصغيرين وأن عيل عنده خمس سنين يتفاوض معاكي على سندوتشاتك بدل ما يقول للميس انك بتحبيها!

دارت برأسها نحوه في صدمة قبل ان تنفجر ضاحكة مشيرة بنظرات الاتهام نحوه مستنكره:

-مستحيل كنت بتحب الميس وانت عندك خمس سنين؟!

رفع أصبعه في الهواء مجيبًا بملامحه الجادة:

-أنا ممكن أكون خمس سنين لكن كنت مخلص بكل كياني، طيب أنتي عارفة لما بنت كانت تقولي بحبك مصيرها كان بيبقى أيه؟

-أيه؟

-كنت بفقعها علقة موت!
قسمًا بالله أي بنت كنت ألمحها كده بتحبني كان بيبقى يومها أسود من قرن الخروب.

اتسع عيناها في ذعر ثم حركت رأسها لليمين واليسار في ذهول مسترسلة وسط ضحكاتها:

-أنت مش طبيعي!


أوقف السيارة أمام كورنيش النيل واعتدل يطالعها بابتسامه مستكملًا في مشاكسة:

-اه، أنا راجل عصامي أحب أبني بؤس حياتي بنفسي، أحب الست اللي عمرها ما تحبني، لكن أحب واحدة مناسبة ليا وتحبني زي ما بحبها، أيه هنكفر ولا ايه؟!

-والله العظيم مجنون، طيب ودلوقتي بتعمل أيه في البنات لما تحبك؟

سألته تحاول تغطية فضولها بنبرتها الممازحة فارتفع فمه في نصف ابتسامه ماكرة وهو يطالع الفضول والارتباك المتفاقم داخل حدقتيها ثم أردف في لهجة خبيثة:

-خليها تحبني ونشوف هيحصل أيه!

انعقد حاجباها في حيرة متعجبة إجابته المزعجة فمال يقرص وجنتها الحمراء مستكملًا في مشاغبة :

-تحبي أحكي كنت بعمل أيه مع البنات لما بقى عندي عشر سنين؟

-مش محتاجة اكيد كنت بتكهربهم.

اندمجت ضحكاتهما سويًا حتى توقفا لالتقاط الأنفاس، ساد الصمت المريح بين كلاهما مدة إلى أن قطعة صوت رنين هاتفها فتغيرت ملامح وجهها تمامًا قبل أن تقطع الاتصال.
حك زيدان جانب ذقنه يشعر بمشاعر مختلطة ترتفع داخل صدره وصار يخشى عواقبها الوخيمة على قلبه الساذج أكثر من عواقبها عليهاؤ فهو لا يرغب في فرض حصاره المندفع حولها ولكنه فشل في كبح مشاعر غيرته عليها وانتهى الحال به متسائلًا:

-مين بيتصل؟

-دي ماما.

-ما ردتيش عليها ليه؟

قضبت بين جبينها لا تشعر بالراحة في الإفصاح عن جام مشاعرها له واكتفت بهمستها:

-مالوش لازمة

-أنك تطمني أمك عليكي مالوش لازمة؟
عارفة لو بابا اللي اتصل بيا كنت سيبت الدنيا تولع ورديت عليه، وعلى فكرة مامتك ست لطيفة من شوية المواقف اللي عاصرتها بينكم واضح انها زي اي أم خايفة على بنتها وعايزه مصلحتك.

كاد يضيف أن خطأها الوحيد إنها تترك زمام الامور في ملعبها دون مراعاة لجنون هذا السن وعدم اكتمال نمو شخصيته بشكل كامل أو منطقي لكنه سيطر على لسانه.
تفاقم غضبها من تدخله وحديثها عن علاقتها بوالدتها وكأنها طفلة متمردة بل مدللة فلا أحد عاش ما عاشته ولا عاصر ما عاصرته من جنون في حياتها:

-أنا حرة يا زيدان دي حاجة خاصة، متدخلش لو سمحت.

تعلقت عيناها بعيونه المتصلبة التي لا تبوح عن مكنونات صدره أو ردود أفعاله تجاه نوبة غضبها، وشعرت بارتعاش طفيف يهز قلبها.
بينما عض "زيدان" فوف لسانه في قوة كي لا يثور في وجهها غاضبًا ليس على حديثها معه بهذا الشكل ولكن بسبب قراراتها المتهورة كمعظم المراهقين يرون في ذويهم العقاب متناسيين أنهم منبع الأمان لهم.
أدار محرك السيارة في صمت دون إجابة محافظًا على ملامحه الساكنة لكنه متأكد من تأثير صمته عليها فقد كانت تتلوى جواره كقطعة من اللحم تستوى على فحم الانتظار، لعق شفتيه وتأهب مترقبًا حديثها في أي لحظة، فخبراته التي اكتسبها مع النساء لن تضيع هباء:

-ممكن أفهم أنت زعلان ليه ويفرق معاك ليه ارد أو لا ؟

أوقف السيارة في حدة متعمدًا إثارة مخاوفها ثم أخبرها في جدية تامة:

-أنتي فاهمة كويس أنا زعلان ليه فيلاش لف ودوران،
أنا كنت فاكر أننا على درجة كبيرة من التفاهم، واعتبرتك أقرب أصدقائي رغم فترة التعارف البسيطة بينا، بس واضح اني قرأت بين السطور أكتر من اللازم.

أنهى جملته باهتزاز عاطفي مقصود يومأ رأسه كأنه يشعر الخذلان من فعلتها، نجح فيها من إثارة الدقات المتضاربة بين ضلوعها فأسرعت مبررة:

-أنا كمان بحسك قريب مني، أنا مقصدتش كل ده الموضوع وما فيه ان علاقتي أنا وماما معقدة شوية.

-لازم تتعقد يا ميرا أنتي مش بتدي نفسك فرصة تتكلمي مع مامتك زي أي بنت وأم طبيعين، لو بتديها نص الاهتمام اللي بتدي ل رودينا مثلًا صدقيني العلاقة بينكم هتتحسن.

أصر وهو يحرك يده من حوله وكأن كلماته أمرًا بديهيًا فأغمضت جفونها قائلة في استسلام:

-طيب حصل خير، ممكن نتكلم في الموضوع ده بعدين؟

فركت ذراعها في توتر لا تجد إجابة تترجم مشاعرها المتخبطة المكبوتة وكأنها تخشى انفجارها وإخافته من مدى حاجتها لأحد جوارها تتفهمه ويتفهمها.

-اللي يريحك.

-أنا أسفة لو حسيت اني عليت صوتي عليك.

ارتفع جانب وجهه ساخرًا يخبرها في عنجهية لا تجد لها مبرر طبيعي:

-لا مفيش داعي للأسف، لو حسيت أن صوتك علا عليا كنت قصيت لسانك.

ضمت شفتيها في انزعاج من إجابته الاستفزازية لكنها لم تتوقع أبدًا كلماته التالية وكأنه يتعمد وضعها في خلاط يدوي كبير، زر تحكمه دفين تحت إبهامه، يضرب داخله حصونها وأقنعتها ويعريها داخليًا لعيونه الناعسة الثاقبة:

-هو أنا لو طلبت منك تبطلي لبس الفساتين اللي بتبين نص جسمك ده، هتسمعي كلامي؟

حدقت به دون فهم لمطلبه أو فهم لسرعة تحوله من موقف إلى أخر، هل سبب له جسدها نوع من الاشمئزاز؟
فركت أعلى كتفها العاري متوترة وقد أشعرتها كلماته بخلوه من القماش ودبت البرودة إلى أطرافها، لكنها وجدت نفسها تسأله متلعثمة :

-هو مش لايق عليا؟

-للأسف هو لايق عليكي أكتر من اللازم.

تعلقت عيناهما للحظات قبل ان تنسحب هي اولاً مستفسرة في توتر:

-ودي حاجة وحشة؟

فرك خصلاته مرات متتالية يحاول تجميع كلماته:

-وحشة لما يشوفها اللي مالوش حق فيكي، أنا مش بتكلم عشان أديكي درس في الحلال والحرام لأنك خلاص داخلة على عشرين سنة وأكيد عارفة إنه حرام فعلًا،
أنا بتكلم معاكي لأن في حاجة جوايا بتخليني متضايق لما أشوف أي واحد بيبصلك.

-بيبصلي أنا؟!

سألت "ميرا" في صدمة وهي تضع يدها على صدرها كأنها لا تصدق كلماته التي توحي بأن أحدًا من الجنس الأخر قد يهتم بوجودها، فحرك رأسه في قلة حيلة مؤكدًا:

-أنتي جميلة على فكرة.

-أنا جميلة؟ أنت شايفني جميلة بجد يا زيدان؟

سألت في هدوء وعيناها الواسعة تطالعه في براءة، فأخبرها في ضيق بسبب تحريكها السافر لمشاعره:

-لو مش جميلة هقولك ما تلبيس كده تاني ليه؟
ما انا مش ههتم ساعتها!

-أنا بلبس كده عشان بحس بثقه في نفسي أكتر، أنا رفيعة لو أنت مش واخد بالك!

رد في نبرة هادئة وكأنه يخشى التخبط وإخافتها من تدخله المفاجئ في حياتها:

-مش معنى انك رفيعة انك وحشة، ربنا خلقنا مختلفين لسبب، وكل انسان وعنده جماله الخاص وأنتي ربنا رزقك الجمال في ضعفك ورقتك.

-ضعفي؟

-ممكن ما تفهميش كلامي بس أنا لما بشوفك قدامي بحس اني عايز أخبيكي عن العالم كله وبكون عايز أقتل اي واحد ممكن يبصلك بصة وحشة.

طالعته متصلبة كتمثال حجري في ذهول وقد غرقت في حالة من الصدمة غير متوقعة كلماته، رمشت ثم ارتفع أنفاسها المترقبة تحاول السيطرة على الأعيرة النارية التي يطلقها قلبها فرحًا وهي تستجمع شجاعتها متسائلة:

-ليه؟

-حاليًا مش لاقي جوايا مبرر غير عشان أنتي أقرب أصدقائي وغالية في نظري فوق ما تتصوري.

أنهى جملته في حنو بالغ نجح في إزاله العبسة بين حاجبيها ووجد نفسه يميل كي يمرر أنامله فوق وجنتها مبعدًا بعض خصلاتها خلف أذنها في سكون.
غامت عيناه بمشاعر مضطربة وهو يراقب صدرها يعلو ويهبط بأنفاس متقطعة وكأنها تلهث لاستنشاق الهواء، وكيف نجحت عيناها المخادعة في خطف أنفاسه وكأنها تسحبه معها لمشاركتها تقطع الأنفاس وكأنها توشم روحه بتواجدها، شعر بالحرارة تسري في جسده فأبعد انامله عنها مستغفرًا الله في باطنه محركً رأسه لليمين واليسار كي تهرب منه الشياطين، ثم أكمل مؤكدًا:

-ميرا أنا مش بطلب منك تغيري لبسك بشكل جذري ممكن جاكت أو شال صغير على كتافك ويا سلام لو فساتينك تطول لحد السمانة شويه يبقى كتر خيرك،
هو طلب يبان سخيف أو تافه لكن هيفرق معايا وهيخليني حاسس براحة أكتر.

-راحة في أيه؟

همست في نبرة منخفضة متلعثمة وعيناها غارقة في عالم الأحلام تراقب كل حركة منه فرد مبتسمًا في خفة:

-راحة في الزيجة دي، أنتي ناسية إنك مراتي ولا أيه .... يا روحي؟

لكمته بتلقائية في ذراعه تحاول تغطيه ابتسامتها بتوبيخها له:

-تصدق طالما بتغيظني يبقى مش موافقة.

لمعت عيناه الناعسة ثم قال في ثقة عالية لا يدري مصدرها وكأنه يحتكر صكوك ملكيتها مدى الحياة:

-يبقى اتفقنا يا روحي.

ضاقت عيناها مستنكرة استفزازه ومشاكسته الدائمة لها، لكنها ابتسمت لنفسها في مكر فلو يدري مدى تأثرها وتعلقها به كلما خرجت حروفه الحانية والساخرة بنطق كلمة "روحي" لهرب من هنا إلى الجانب الأخر من العالم سيرًا على الأقدام.
google-playkhamsatmostaqltradent