رواية ابتليت بعشقك كاملة بقلم بسنت علاء

الصفحة الرئيسية

رواية ابتليت بعشقك بقلم الكاتبة بسنت علاء والكاتبة بسمة عبد العظيم كاملة جميع الفصول من الفصل الأول إلى الفصل الأخير عبر دليل الروايات للقراءة والتحميل Pdf

مقدمة رواية ابتليت بعشقك

ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻘﺎﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ...
ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪتهما اﻟﻤﻔﻀﻠﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭﻫﺎ، ﻳﻌﺒﺚ ﺑﺤﺎﻓﺔ ﻛﻮﺏ قهوته، ﻳﻘﻄﻊ ﺃﻛﻴﺎﺱ ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻣﺴﺒﺒًﺎ ﻓﻮﺿﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ، ﻭﺑﺄﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﻮﺭﺩﺓ ﺍﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺰﻫﺮﻳﺔ أمامه، ﺇﻧﻪ ﻭببساطة... ﻣﺘﻮﺗﺮ، كفتى غر يقابل حبيبته لأول مرة، ﻭﻻ يعلم ﻟﻤﺎﺫﺍ!
لا يعلم ما بها، يغازلها فلا تستجيب، يسألها فلا تجيب، بل أنها تتجاهله كليًا تلك الأيام رافضة كل اتصالاته وكأنه... عبء عليها!!
حتى عندما تتعطف وﺗﻜﻠﻤﻪ ﺗﺮﺩ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺎﺭﺩﺓ ﻭ ﺟﺎﻓﺔ، كما أنها ﻟﻢ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺮﺅﻳﺘﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺓ!
ﺩائمًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺠﺞ ﺑﺄﻋﺬﺍﺭ ﻭﺍﻫﻴﺔ ﻭعندما ﻛﺎﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﻟﻤﻨﺰﻟﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺼﻨﻊ ﺍﻟﻨﻮﻡ!!
وﻫﺎ ﻫﻲ ﻓﺮﺻﺘﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻴﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻟﻜﻞ ﻫﺬﺍ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺣﺼﻞ على ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ ﻣﻨﻬﺎ بشق ﺍﻷﻧﻔﺲ ﻭ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺘﻪ ﺑﺎلميعاد بكل قلة أدب ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻧﺼﻴﺔ مختصرة باردة، غير مكلفة ذاتها ﻋﻨﺎء ﻣﻬﺎﺗﻔﺘﻪ ﻭإﺧﺒﺎﺭﻩ حتى، ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﻣﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﻘﻪ عليها!! ﺩﺍﺋﻤًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺒﺮﻫﺎ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺣﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻻ ﺍﻋﺘﻜﺎﻑ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺣﺎﺟﺒﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﺍﻵﺧﺮ ﺗﺎﺭﻛﺎ ﺇﻳﺎﻩ ﻳﺮﻛﺾ ﺧﻠﻔﻪ!!
في الحقيقة ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﺮﻛﺾ ﻓﻘﻂ!، ﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺄﺱ ﺃﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﺟﻞ؟ أوليست ﻫﻲ ﺧﻄﻴﺒﺘﻪ وحبيبته؟ ﺇﻧﻬﺎ ﻋﺸﻘﻪ، ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻳﺮﺿﻴﻬﺎ!! ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻫﻲ ﺗﺘﺪﻟﻞ ﻓﻘﻂ.. نعم هي كذلك!! 
خدر قلبه قبل عقله مؤقتًا بتلك الكلمات رغم القلق الذي ينهشه نهشًا، وﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺭﺁﻫﺎ ﻣﻦ ﺯﺟﺎﺝ ﺍﻟﻤﻘﻬﻰ، تترجل ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺭﺗﻬﺎ ﺑﺮﺷﺎﻗﺔ سلبت لبه... كما تفعل دائمًا، ﺑﺒﻨﻄﺎﻝ ﺃﺳﻮﺩ ﻗﻤﺎﺷﻲ ﻭ ﻗﻤﻴﺺ ﺃﺑﻴﺾ ﺭﻗﻴﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻔﻮﻥ ﻣﻊ ﺣﺬﺍء ﻛﻼﺳﻴﻜﻲ ﺃﺑﻴﺾ، هيئة بسيطة غير ملفتة للنظر، إلا عندما تكون هيئة... شغف الهواري!!
هي ذاتها فتنة متحركة على قدمين، أخذ يتأملها متمليًا في تفاصيلها التي يحب، ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺍﻷﺷﻘﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻃﻠﻴﻘﺎ ﻛﻤﺎ يعشق، ﺑﺸﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎء ﺍﻟﻘﺸﺪﻳﺔ و... ﺃﺧﻴﺮًﺍ ﺧﻠﻌﺖ ﻧﻈﺎﺭاتها ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ لتكشف ﻟﻪ ﻋﻦ ﺟﻮﻫﺮﺗﻴﻪ ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺘﻴﻦ، فيروزتاه، ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻭآﺁﻩ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺻﺐ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺑﻬﻤﺎ ﺑﺰﺭﻗﺘﻬﻤﺎ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﺓ ﻭﻟﻮﻧﻬﻤﺎ اﻟﻔﻴﺮﻭﺯﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻌﺮﻩ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﺠﺮ ﻛﺮﻳﻢ لا يقدر بأموال الدنيا...
ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺛﻨﺎء ﺗﺄﻣﻠﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪ دلفت للمقهى ﻓﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ دون أن تتزحزح عينه من عليها، يراقبها بعينين متفرستين بينما ﺗﻤﺸﻲ الهوينا برﺃﺱ ﻣﺮﻓﻮﻉ ﻭ ﻛﺄنها ﺗﻤﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ بلهفة مفضوحة أفلتت منه ﻏﺼﺒًﺎ ﻟﺮﺅﻳﺘﻬﺎ:
"ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ، ﻣﺎ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺄﺧﻴﺮ ﻫﻞ ﺣﺪﺙ ﺷﻲء؟"
ابتسامة سخرية تربعت على شفتيها وهي ترد باستخفاف أثناء جلوسها ﻭﺍﺿﻌﺔ ساقًا ﻓﻮﻕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺗﺎﺭﻛﺔ ﺇﻳﺎﻩ ﻭﺍﻗﻔًﺎ يحدق بها ببعض الدهشة ﻛﺎﻷﺑﻠﻪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﺍتها اﻟﻤﺰﺩﺭﻳﺔ وطريقة كلامها:
"ﺣﺒﻴﺒﺘﻚ!! ﺁﺳﻔﺔ أنني ﺗﺄﺧﺮﺕ عليك غيث، ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺃﻧﺖ ﻣﺸﻐﻮﻝ، ﻫﻞ ﻟﺪﻳﻚ... ﻣﻮﻋﺪ ﺁﺧﺮ ﺭﺑﻤﺎ؟"
ﻓﺮﺩ ﺑﺤﻨﻖ وهو يجلس ونظراته تلقائيًا تجول بين رواد المقهى متحققًا من عدم رؤية أحدهم لشيء مما حدث:
"ﻣﺎﺫﺍ هناك ﺷﻐﻒ؟ ﻣﺎ تلك المعاملة؟"
ﺛﻢ أردف مبتسمًا بعصبية وهو ينقر بأصابعه على الطاولة بذات ﺍﻟﺤﻨﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻮﺑﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﺨﺮﻳﺔ وعيناه تراقبان خلجاتها دون وعي:
"تتركيني لأسبوع ﺃﻻﺣﻖ ﻃﻴﻔﻚ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ تتعطفي علي ﻭﺗﻘﺒﻠﻴﻦ بمقابلتي تأتي لتقلبين ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ! ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺃﻓﻬﻢ؟"
احتدت لهجته في آخرها رغم خفوت صوته حرصًا على ألا يلفتا الأنظار، أما هي فببرود جاهدت لادعائه راحت ﺗﻌﺒﺚ ﺑﻬﺎﺗﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﻌﻤﺪﺕ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﻐﻴﻈﻪ:
"ﻻ ﺷﻲء"
خطف ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺪﻫﺎ بغتة ﻭاضعًا إياه ﻓﻲ ﺟﻴﺒﻪ قائلًا ﺑﺤﺪﺓ أكبر وجبين متغضن حنقًا رافعًا ﺃﺻﺒﻌﻪ ﻳﻠﻮﺡ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺗﺸﻴﻌﻪ ﺑﻨﻈﺮات الاستخفاف واللامبالاة: 
"ﺍﺗﺮﻛﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﺍﻟﻠﻌﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻜﻠﻤﻴﻦ ﻣﻌﻲ، ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ أفهم كل شيء ﺍﻵﻥ، ﻻ ﺗﺜﻴﺮﻱ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﻭ ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻻ ﺷﻲء!!"
بذات النظرة قالت بنبرة أكثر استفزازًا وبرودًا تجيد اصطناعها:
"ﺣﺴﻨﺎ أﺧﺮﺝ ﻫﺎﺗﻔﻲ ﻣﻦ ﺟﻴﺒﻚ أﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃُﺭﻳﻚ ﺷﻴﺌﺎ"
ﻧﻈﺮ لها بتوجس ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ لكنه ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﺛﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ تواري ﺟﺮحًا ﻳﺮﺍﻩ ﺟﻠﻴًﺎ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺃﺧﺮﺝ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﻭناولها إياه ﻓﻔﺘﺤﺘﻪ بنظرات جامدة ﻭأخذت ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺸﻲء ﻓﻴﻪ ﺛﻢ ﺃﻋﻄﺘﻪ إليه ﻭ ﻫﻲ ﺗﻘﻮﻝ مرفرفة بعينيها وكأنها ليست تلك التي تشتعل نيرانها في الداخل:
"اﻧﻈﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺎ..... حبيبي، ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻚ؟"
شددت على كلمة "حبيبي" بسخرية مرة إلا أنه لم ينتبه وهو يﺣﺪﻕ بدهشة لم تخلُ من التوتر ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ يظهر على شاشته ﺻﻮﺭ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻊ إحداهن، اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﺻﻮﺭة ﻭ ﻫﻲ ﺗﻤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ إﻏﻮﺍء، ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻪ ﺑﻨﻈﺮﺍﺕ ﻣﻔﻀﻮﺣﺔ ﻭ... ﺗﻘﺒﻞ ﻭﺟﻨﺘﻪ!، ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﻪ ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﺣﺼﻞ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ؟ ﺗﻤﺘﻢ بدﺍﺧﻠﻪ وهو يطبق عينيه بيأس:
"ﻳﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ!!"
مسد زاويتي عينيه بساببتيه في هم، لكنه ﺃﺧﺪ ﻧﻔﺴًﺎ عميقًا ﻭهو يفتح عينيه متفرسًا فيها، محاولًا دراسة خلجاتها، ليقول بهدوء محاولًا تدارك الموقف:
"حسنًا، ﻟﻦ ﻳﻨﻔﻊ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﻠﻊ و مسمع من الجميع، ﻫﻴﺎ لسيارتي، يمكننا التحدث هناك براحة أكبر"
ظهر ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﻓﺾ جليًا، لكن ﻗﺒﻞ أﻥ تهم بالكلام ﻗﺎﻝ ﺑﺼﻮﺕ ﺣﺎﺯﻡ وقد نهض بالفعل:
"ﻫﻴﺎ ﻳﺎ ﺷﻐﻒ، ﻻ ﺗﻌﺎﻧﺪﻱ أرجوك"
ﺭﻣﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ ﺗﻜﻔﻲ ﺛﻤﻦ ﻣﺎ ﺷﺮﺑﻪ ﻭ ﻣﺎ ﺧﺮﺑﻪ ﻭ ﺗﺰﻳﺪ ليتحرك إﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎﺫﺍ ﺳﻴﻘﻮﻝ، أﻭ ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺳﻴﻔﺴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻟﻜﻨﻪ ﺳﻴﻔﻌﻞ ﺃﻱ ﺷﻲء ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ...
بينما هي كانت ﺗﻤﺸﻲ أﻣﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺛﻘﺔ وخيلاء، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻻ يعنيها تاركة إياه يتميز غيظًا من برودها....
ﻭﺻﻼ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻓﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺏ بابتسامة حلوة ﻓﻲ ﻟﻔﺘﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﻨﻪ للتخفيف ﻣﻦ ﺃﺟﻮﺍء ﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺟﻠﺴﺖ ﺑﻐﺮﻭﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﺣﺘﻰ ﺃﻥ ﺗُﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻈﺮﺓ، ﺗﻨﻬﺪ ﻭ ﻫﻮ ﻳﺴﺘﺪﻳﺮ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺼﺮﺓ على ﺧﺼﺎﻡ ﺍﻟﻨﻈﺮﺍﺕ ناظرة ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ عبر زﺟﺎﺝ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ اللاﺷﻲء، ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻌﻨﻒ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻪ ﻟﻬﺎ وهو يعتلي السيارة صافقًا الباب:
"أولًا، ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ اﻋﺮﻑ ﻣﻦ ﺑﻌﺚ ﻟﻚ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ كي ﺃﺳﺤﻖ ﻋﻈﺎﻣﻪ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﻠﻮ ﺍلأﺧﺮﻯ!"
حسنًا!! لقد ﺍﺳﺘﻔﺰﻫﺎ ﺣﻘًﺎ لأبعد حد!
ﺃﺑﺪلًا ﻣﻦ ﺗﺒﺮﻳﺮ ﻣﻮﻗﻔﻪ والاعتذار يترك لب الموضوع ليسأل ﺑﻜﻞ ﺗﺒﺠﺢ ﻣﻄﺎﻟﺒًﺎ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺷﻲء ﺳﺨﻴﻒ ﻛﻬﺬﺍ!
زفرت بقوة وهي تلتفت إليه أخيرًا صائحة بحنق:
"حقًا!! أﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﻬﻤﻚ ﻓﻘﻂ؟ ﻣﻦ ﺃﺭﺳﻞ ﻟﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭ؟؟ ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺳﻴﻔﻴﺪﻙ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ؟ أﻟﺘﺸﻔﻲ ﻏﻠﻴﻠﻚ؟ ﻭأﻧﺎ.. أنا ﻣﻦ ﺳﻴﺸﻔﻲ ﻏﻠﻴﻠﻲ ﺑﻌﺪ ﺭﺅﻳﺘﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ وغيرها!!"
ﻫﻢ ﺑﺎﻟﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﻧﺐ يكتنف قلبه ﺷﻴﺌًﺎ فشيئًا حالًا ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻃﻌﺘﻪ ﻭ ﻫﻲ ﺗﻘﻮﻝ مرجعة نظراتها لمرماها الأول بعيدًا عنه:
"لكن لكي ﺃﺭﻳﺤﻚ، أﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﻣﻦ ﺃﺭﺳﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﺇﻧﻪ ﺭﻗﻢ ﻣﺠﻬﻮﻝ، ﻫﻞ ﺍﺭﺗﺤﺖ ﺍﻵﻥ؟"
ﻗﺎﻟﺖ تلك الأخيرة ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ سوداء ﻭ ﻫﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ تحرق ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻬﺎ بإرادة قوية ﻟﻢ ﻭلن ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺰﻭﻝ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﻳﻤﺮﺭ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﺗﺎﺭﺓ، ﻭﻳﻐﺮﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﺗﺎﺭﺓ أﺧﺮﻯ حتى كاد يقتلعه من منابته، ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎذا ﻳﻘﻮﻝ!!
هو في موقف لا يحسد عليه، إنها شغف الهواري تلك بكل عنفوانها واعتدادها بذاتها التي تحاسبه، أي أن أي خطأ ولو صغير في تلك المسألة بالذات يعني فراقًا بلا رجعة، ﻟﻜﻨﻪ هدأ من ذاته وهو يختار اللين ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﺍﻵﻥ ﻓﻘﺎﻝ ﺑﺮﻓﻖ وبتلك النبرة التي تؤثر فيها:
"ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ، ﺃﺗﺼﺪﻗﻴﻦ ﺣﻘًﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ؟ ﺃﺗﺮﻳﻨﻨﻲ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺗﺠﺎﻭﺏ ﻣﻌﻬﺎ؟ ﺃﺑﺎﺩﻟﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ حتى!
ﺣﺘﻰ ﻓﻲ تلك ﺍﻟﺼﻮﺭة ﺍﻟﺘﻲ تقـ...ﺗﻘﺒﻠﻨﻲ ﻓﻴﻬﺎ أﻗﺴﻢ ﻟﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺑﺎﻟﺘﺎﻛﻴﺪ ﻣﺰﻳﻔﺔ، أﻭ أﻧﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻏﺮﺓ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﻫﻜﺬﺍ، ﻭﻟﻌﻠﻤﻚ ﻓﻘﻂ تلك كانت عميلة لدي تلتصق بي وتحاول تطوير علاقتنا خارج إطار العمل وأنا طردتها من مكتبي منذ أسبوع تقريبًا، ﻓﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺘﻘﻂ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻟﻌﻠﻤﻬﺎ بأن ﻫﺬﺍ سيحدث، ﻟﻜﻲ تجد ما ﺗﻨﺘﻘﻢ مني به ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ....."
تناظره بعدم تصديق وغضبها يتفاقم شيئًا فشيئًا، لتفتح ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ثانية ما إن انتهى ﻭتوجهه ﻧﺤﻮﻩ وهي تمرر ﺍﻟﺼﻮﺭ بسرعة صائحة:
"وﻫﺬﻩ، ﻭﻫﺬﻩ، ﻭﻛﻞ ﻫﺆﻻء، أﻫﻢ عميلات؟ أم ﺍﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻣﺰﻳﻔﺔ أيضًا؟!"
ﺃﺧﺪ ﻳﺤﺪﻕ في اﻟﺼﻮﺭ بانشداه تام!
ﻛﻴﻒ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ تلك!! ﻭ ﻣﻦ ﻗﺎﻡ ﺑﺘﺼﻮﻳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﺱ!؟ أﻛﺎﻥ ﺃحمقًا ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ لدرجة ألا يلاحظ شيئًا مثل هذا!!!... ﻋﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﺮﺩﺓ ﻓﻌﻞ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺃﻛﺪ ﻇﻨﻮﻧﻬﺎ فقالت بحرقة ﻭﺩﻣﻮﻋﻬﺎ تسيل ﺭغمًا عن أنفها:
"كنت ﻣﺘﺄﻛﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﻧﻚ ﺧﺎﺋﻦ، ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﺫﺏ ﺍﻟﻤﺨﺎﺩﻉ الحقير، لا أريد رؤية وجهك مجددًا"
ﺍﺳﺘﻔﺎﻕ ﺳﺮﻳﻌﺎ ﻣﻦ ﺫﻫﻮﻟﻪ وهو يراها تفتح عتلة الباب وتهم بالنزول فأمسك سريعًا بعضدها وهو يميل ليغلق الباب قائلًا ﺑﺼﻮﺕ ﻋﺎﻝٍ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻤﻌﻪ ﻭﺳﻂ ﺑﻜﺎﺋﻬﺎ:
"ﺷﻐﻒ، ﺷﻐﻒ حبيبتي، كل ﻫﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ، ﺃﻻ ﺗﺮﻳﻦ ﺷﻜﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭ!!
ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺻﻐﻴﺮًﺍ، ﺷﺎﺑًﺎ ﻣﺘﻬﻮﺭًﺍ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ، أقسم حبيبتي أنني ﺗﺒﺖ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ، وﺃﻥ إﺣﺪﺍﻫﻦ ﻟﻢ ﺗﻤﺲ ﻗﻠﺒﻲ ﻻ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻭﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ!"
ﺛﻢ ﺃﺿﺎﻑ ﺑﺮﻗﺔ محاولًا الابتسام وﻫﻮ ﻳﺤﺎﻭﻁ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺑﻜﻔﻴﻪ يكفكف ﺩﻣﻮﻋﻬﺎ ﺭﻏﻢ ﻣﻤﺎﻧﻌﺘﻬﺎ الشرسة:
"ﺃﻧﺖ ﻭﺣﺪﻙ ﻣﻦ ﺗﻤﻠﻜﻴﻦ ﻣﺎ ﺑﺪﺍﺧﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻷﻳﺴﺮ ﻣﻦ أضالعي" 
أزاحت كفيه عن وجها بقسوة قائلة بنبرة باردة إنما مرتجفة، وهي تحاول استعادة بعض من شخصيتها:
"هذا كله لا يهمني، أنا لا اصدقك، وحتي إن صدقتك، أنا لن اقبل أن أعيش مع خائن، الخيانة تجري في الدم يا غيث، ربما تبت مؤقتًا إلا أنها كالمخدر، ستنتكس يومًا ما، وأنا.... لن أكون المرأه التي تجلس في كل يوم تنتظر خبر خيانة زوجها، شغف الهواري لم تخلق لتعيش مثل هذه الحياة، أنا استحق رجل يكون معي بكلّيته، رجل حقيقي، وليس... شبه رجل فاقد للرجولة.... وفوق ذلك كله خائن، كاذب ومخادع!"
ثم أكملت تسيطر عليها طاقة الغضب والوجع مستغلة حالة الذهول التي هو فيها متغاضية عن ذاك الجرح الذي يعصف بكيانه، والذي تراه واضحًا كما الشمس في عينيه، لكنه يستحق صحيح!!، فلتجرحه وتمعن في الجرح كما جرحها:
"لكني أريد أن أخبرك بشيء قبلًا، أنت أحقر رجل رأيته في حياتي، بل أنك لست رجلًا من الأساس، الرجل الذي لا تملأ عينه امرأته لا يحسب ضمن الرجال و....."
قاطعا بصياح حاد... حاد جدًا، كان كزئير أسد جريح، يصارع ليبقى فيطلب النجدة من قاتلته، حبيبته!!
ضاربًا على المقود بكفه وقد تلظت النيران في عينيه وداخل قلبه من كلامها:
"اخرســــي، اخرسي، لا تتفوهي بحرف آخر..."
ثم أغمض عينيه لبضع ثوان وهو يلهث وكأنه كان يجري لأعوام، ليفتحها وقد تحولت النيران التي تسكنهما إلى ثلج بارد، بل مجمد، عكس حال قلبه الذي يتخبط داخل ثنايا صدره لا يدري أين يذهب من فرط الوجع، لكنه على أي حال استعان ببرود ملامحه الذى يستخدمه مع عملائه وشركائه، الذي صنع اسم "غيث الهاشمي"، فقال بنبرة جامدة باردة كالصقيع الذي يجتاح أوصاله وهو الذي ينظر أمامه هذه المرة:
"إلى هنا وكفى، لقد وصلتني وجهة نظرك كاملة"
ابتسم بسخرية مكملًا بنبرة لم ينجح بروده في مواراة قيح جرحه الحديث فيها:
"آسف إن كنت جرحتك أو أزعجتك بحبي المزعوم، وأعدك أنه منذ اليوم ستكونين ابنة خالي والرجل الذي رباني فقط، وأي شيء تحتاجينه سأكون بجانبك بصفتي مثل أخيك، وليس أكثر..."
ثم خلع حلقته الفضية من يده اليمنى، فكأنما أدخل يده داخل صدره لينتزع ذاك القلب اللعين الهادر بحبها حتى اللحظة، ليضعها في درج من أدراج السياره أمام نظراتها المذهولة وهو يكمل:
"والآن، إن لم يضايقك بالطبع، سأوصلك للبيت، يا... ابنة خالي"
قال جملته الاخيرة باستهانة، وكأنها عيبًا أو سبابًا وهو  يدير السيارة، لينطلق بها في صمت لا يقطعه سوى صوت أنفاسهما العالية.. وقد عرف كلاهما أن الفراق قد حان....
**

الفصل الاول

بعد أسبوعين......
مضجعًا على سريره، شارداً في ذكريات ذلك اليوم المشؤوم الذي يصر على تذكير نفسه به فى كل يوم لكي لا ينسى، لكي لا يضعف، يدعس قلبه بقدمه ويعلمه القسوة!!
ما حدث أيضًا جعله يسترجع ذكريات ما مضى قبل هذا اليوم بكثير، تفاصيل كان يختار غض الطرف عنها، تصرفاتها المتعالية معه، وكأنه أقل شأنًا منها!!.... جعلها إياه يجري وراءها دوما، وغضبها وحنقها دون سبب مبرر دائمًا، ورغم كل هذا، كأي أبله كان مستعدًا لتحمل كل هذا لو أنها تحبه بصدق، لكنه.... بات لا يظن هذا.
ياللسخرية!! بعد كل هذا ليس واثًقا من حبها، بل يشعر أنه كأي شيء امتلكته ولا تريده أن يكون لغيرها حتى لو لم تصبح تريده بعد الآن، إنه حب الامتلاك... وما أبشعه!!
قاطع شروده صوت هاتفه يعلن عن اتصال، عبس قليلا وهو يتسائل مفكرًا أثناء استقامته بجذعه ليجلب الهاتف 
"من الذي يتصل الآن!! إن خيوط الشمس الأولى بدأت في الظهور، بالتأكيد إنه زياد"
في خضم تفكيره وهو يبحث عن الهاتف كان الاتصال قد انتهى لكن سرعان ما عاود الهاتف رنينه المُلِح ثانية فتضاعف قلق غيث وهو يمسك به ليرد دون أن ينظر للرقم قائلًا بقلق:
"زياد! هل حدث شيء؟"
السكون الذي وصله من الطرف الاخر مع صوت شهقات بكاء مكتومه جعله ينظر للرقم متحققًا رغم إدراكه الداخلي، فلم يكن المتصل إلا هي... شغف!
تملكه برود صقيعي لم يتوقع أن يشعر به في موقف كهذا.... لكن جيد، زفر بقوة وظل صامتًا، منتظرًا منها أن تتكلم ليصله صوتها الخافت بعد عدة ثواني قاربت الدقيقه:
"غيث!"
لم يرد ولم تتوقع أن يرد، رده تجسد في ابتسامة ساخرة بمرارة لم ترها بينما أخذت نفسًا عميقًا ليساعدها على عدم البكاء ثانية لتدخل في صلب الموضوع مباشرة كما هى عادتها:
"غيث! أنا آسفة على... على كل ما قلته ذلك اليـ...ـوم لقد كنت مجر..وحة جدًا وخائفة...أيضًا"
أكملت بعد أن التقطت نفسًا عميقًا آخر بصعوبة:
"لقد.... لقد كنت غاضبة... بشدة، وأنت تعرف كيف أكون عند غضبي؛ ألقي بكلمات لا أعرف عواقبها يمينًا ويسارًا هكذا"
حسنًا!! هذا يوم يسجل في التاريخ، شغف الهواري تعتذر!
لكن الجرح في كرامته وفؤاده أعمق... أعمق بكثير من اعتذار سخيف في الهاتف بعد منتصف الليل كاللصوص، أجبر نفسه على استحضار نبرة ساخرة كابتسامته وقال:
"أي يوم يا ابنة خالي؟ الأيام كثيرة جدًا والكلمات الطائشه أكثر"
تنهدت بقوة وهي تقلب عينيها في أرجاء غرفتها بقلة حيلة، لا تعرف بماذا ترد عليه، لكنها بنبرة مستعطفة قالت:
"غيث أرجوك" 
وتترجاه أيضًا!، ياللهول!، ماذا حدث في العالم لتترجى شغف الهواري أي مخلوق كان!!
لكنه ورغم كل شيء يشعر ببرود قادر على أن يجمدهما معًا الآن، وكم ممتن هو لهذا البرود الملازم له في هذا الموقف!
"أرجوك ماذا؟"
يمعن في تعذيبها هو يعرف، فإن كانت قد تخلت عن كبريائها قليلًا لكي تعتذر فها هو يجبرها على التنازل أكثر وتكرار اعتذارها الذي... لن يقبله....!
أما هي فقد أفلتت منها شهقة بكاء معذبة وهي تغطي عينيها بكفها قائلة بترجي، غير مبالية إن سمع صوت بكائها:
"غيث...."
زفر بضجر وهو يرفع عينيه ناظرًا للسقف في حركة تدل على ملله، يتقن المسرحية أمام ذاته أولًا قبل أن يتقنها عليها، ليرد بصوت أظهر ذاك الملل المصطنع فيه جليًا
"ماذا؟"
انهمرت دموعها من عينيها أكثر وهي تكتم شهقاتها بيدها، يا الله... إنها لا تعرف ماذا تقول، لا تعرف كيفية الاعتذار!، لم تعتذر لأحد من قبل صراحة حتى والديها، لكنها قالت ما تشعر به:
"غيث! برودك هذا يوجعني، حقًا..."
تغضن جبينه بوجع أحمق ضرب قلبه ققبضة حديدة، وسرعان ما ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة منها، ومن نفسه قبلها، فهي تعاتبه على بروده بعد ما فعلت وهو... هو الغبي الأحمق مازال يتأثر!
لكنه يموت ولا يظهر أي من التأثر هذا في صوته، فقال بدلًا من ذلك بصوت غير مبالٍ:
"حقًا!! جيد إذًا لأنكِ أوجعتني كثيرًا، كثيرًا جدًا، أكثر مما  يمكنني حصره"
تنهد بهم وهو يرجع للنوم على ظهره يتأمل السقف بنظرات غير مبصرة، ثم ضحك فجأة ضحكة عالية مليئة بالسخرية، في الواقع إنها آآآه عاشقه مجروحة متلظاة بنيران لا تخمد داخله، أخرجها على شكل ضحكة لكي لا يُكشَف، لكي لا ينفجر، أو ربما لكي يخدع بها نفسه! 
"كفري شيئا من ذنوبك تجاهي آنستي"
كانت تطبق عينيها بقوه وكأنها بذلك لا تسمح للكلام بالمرور عبر عقلها، وجع لا يحتمل، لم تعش كهذا وجع من قبل، أهذا غيث حقًا!! هذا هو الذي يتشفى بوجعها دون أن يرف له جفن!
هذا هو حبيبها الذي لم يكن يحتمل أن تقول الـ آه فقط!!
هل حولته هي بتصرفاتها وقلة عقلها إلى هذا الشخص!!
ما يوجعها أكثر بل يقتلها بسكين ثلم أنه محق، له كل الحق في كل كلمة قالها، فتنازلت أكثر والدموع تنهمر أنهارًا من عينيها لذلك الموقف الذي وضعت ذاتها فيه:
"أنا آسفة آسفة آسفة، لم أعتذر لأحد من قبل وها أنا أكررها لك، و... سأكررها عشرات المرات إن أحببت، فقط سا...محني، كل ما أريده أن تسامحني غيث وأن نرجع كما كنا"
مسحت دموعها وهي تكمل بارتعاش ملهوف مضيفة للهجتها كل ما بداخلها من عاطفة:
"أنا لا استطيع العيش بدونك، فقط تلبس أنت خاتمك الذي خلعته، وأنا... أنا خاتمي لم أخلعه من يدي من الأساس، ونرجع كما كنا حبيبي، نبدأ صفحة جديدة، وأعدك أنني لن أجرحك أو أي شيء من هذا القبيل ثانية"
ابتسم! حقًا ابتسم، لكنها ابتسامة لا تمت للابتسام بصلة، إنها مجرد انبساط متحجر لعضلات الفم مغلف بالقسوة، وبقيح جرح جديد لم يندمل بعد، هتف أخيرًا بسخرية موجوعة:
"وما الذي حدث في الدنيا لتتنازل السيدة شغف وتقول هذا الكلام؟ ربما عرفتي الحقيقه وأنني لست بكاذب؟"
ضحك ضحكة عالية خالية من أي معلم من معالم المرح ليكمل في صخب يواري اختناقه:
"لا لا دعيني أخمن، ربما مللتِ من الجلوس في المنزل ففكرت في الرجوع قليلًا لشبه الرجل الأبله للتلاعب به!!" 
ثم أكمل بصوت مظلم بدا غريبًا حتى له، وهو يسمع شهقاتها المعذبة ومحاولاتها اليائسة للكلام، لكنه سيفضي بما في جعبته الآن لعله.. يرتاح، ولو أن الراحة في تلك اللحظة تبدو كنجم بعيد صعب المنال:
"لن ينفع شغف، لن ينفع، أنا في كل يوم و في كل دقيقه أتذكر ما قلتِه بالحرف، لقد انطبع في ذاكرتي كوشم من نار لا يزول، وأنتِ قد قلتِ أنكِ عند الغضب تتفوهين ولا تميزين ما تقولين، وأنا لن أحتمل مجددًا لقد تحملت كثيرًا صدقيني و حاولت كثيرًا المحافظة على هذا الحب، لكن... يبدو أنه ليس مقدرًا له أن يكتمل."
ثم أكمل بعد أن أخذ نفسًا عميقًا يحاول ابتلاع تلك الغصه الملتهبة في حلقه:
"كما أنني لست لعبة في يدك ترمينها وقت ما شئت وتستردينها وقت ما شئت، أنا رجل لدي كبرياء، كرامة ومشاعر، وأنتِ قد سببتِ جرحًا غائرًا في جميعهم، أنا الآسف، لكني أقولها لكِ ربما للمره الاولي "لا"، لا يا شغف لن ألعب لعبة القط والفأر هذه المطلق عليها حبًا ثانية..."
ثم أغلق الخط على صوت شهقتها الباكية ونداءها باسمه، وهو يغلق عينيه لكي لا يضعف!
وصوتها الباكِ مازال يعذبه، رمى الهاتف بكل قوته بعيدًا غير مبالٍ بما قد يحط به، ثم حاول أن يأخذ وضعيه مريحه للنوم لعله يرتاح و يحجب خياله وهو يصور له حالها الآن، لكن عبثًا... 
شتم بصوت عالي وهو يهب واقفًا متجهًا بخطوات ميتة نحو المرآة، ينظر لذقنه الغير حليقة وللسواد الذي يحفر حول عينيه، وقال بعذاب لصورته يقوي نفسه:
"فلتتعذب قليلًا فقد تعذبت أنت أضعافًا، اقسَ أيها الضعيف الخائن"
قال جملته الاخيره وهو يقرع بقوة على صدره محل قلبه، إلى أن شعر بالوجع يخدره، لكن وهل هذا وجع!! يا ليته يتوجع هكذا دائمًا ويصحو ليجد أن ما حدث لم يحدث، إنه وجع لا يقارن حتى بالنار التي بداخله تتغذى على أحشائه!..  
بينما هي كانت غارقه في البكاء، غير مصدقة تلك الطريقه التي كان يحدثها بها وفي نفس الوقت تراها بعين العقل أقل رد فعل منه، لكنه أغلق الخط بوجهها! أغلقه حقًا! 
ارتفعت وتيرة بكاءها لكنها قالت بعزم بعد هنيهة تقوي نفسها:
"لا يهم، لن أستسلم يا غيث وسأحاول مرة واثنين وثلاثة إلى أن انجح، أنت لن تقاوم حبي كثيرًا، وعندما استرجعك... سأحرص ألا اضيعك أبدًا!
أراحتها جزئيًا تلك الكلمات فرجعت للنوم على فراشها الوثير، ليغفو كلاهما كل واحد وأفكاره، لكنهما لم يستطيعا منع عقولهما من الحلم، الحلم بالحبيب حيث لا جرح، لا قسوة، حيث لا وجود لهذا العال،م فقط زوج من الأحبة بمفردهما، ولا يرافقهما سوى العشق.....
**
في الصباح......
فتح عينيه متأففًا بحنق بسبب صوت هاتفه الملح برنينه المزعج، يا الله ما حكاية هذا الهاتف، هل ينقصه أيضًا!! هل يرميه ليستطيع النوم براحة بعد ليلة طويلة قضاها مع السهاد متقلبًا على جمرات الاشتياق!!
نهض بحركات بطيئة كسولة وهو يفرك عينيه، ثم أخذ يبحث عن الهاتف على المنضدة جانبه ثم أخذ يقلب الوسائد على الفراش لعله يكون تحتها فلم يجده!! 
أغمض عينيه وهو يضغط على زاويتهما بسبباتيه عندما تذكر أنه رماه على الأرض فجرًا... بعد مكالمتها، تنهد وهو يخرج من سريره حافي القدمين يمشط الأرضية بنظراته باحثًا عنه وهو يسب ويلعن المتصل الذي أخرجه من نومه الذي حصل عليه بشق الأنفس، و... أخيرًا وجده في زاوية من زوايا الغرفه، مال بحنق ليتقطه بعنف فوجد جانب الشاشه مكسورًا، ابتسم ساخرًا وهو يحسد الهاتف لذلك الكسر الصغير بينما هو مهشم لآلاف القطع، رد علي المتصل غير مبال كثيرًاٍ بما حل بالهاتف وما أن فتح الخط حتى وصله صوت زياد الحانق صائحًا به:
"أين أنت أيها الاحمق؟، لماذا لا ترد؟، لقد اتصلت بك عشرات المرات منذ الصباح، ماذا حدث؟، هل حدث شيء؟، هل أنت بخير؟"
نفخ غيث بضجر قبل أن يتثائب بنفس برود البارحة، الذي على ما يبدو قد تملكه إلى أجل غير مسمى:
"ما كل هذه الأسئلة يا زياد!!! أهو تحقيق؟ أتوقظني على اتصالاتك المزعجة تلك لتحقق معي!"
كاد زياد أن يرد عليه شاتمًا إياه بأفظع الشتائم لجعله يقلق هكذا، لكن براحة داخلية لعلمه أنه بخير عندما قاطعه صوت غيث البارد مكملًا:
"لكني سأجيبك لعلك تريحني منك ومن اتصالاتك، أين أنا؟، أنا في المنزل، لماذا لا أرد؟ لقد كنت نائمًا وأنت بسلامتك أيقظتني، و بالنسبه لأخر سؤالين اجابتهما واحدة وهي.. لا لم يحدث شيء"
ثم أكمل مسترسلًا في الكلام يحكي لصديقه لكي لا ينفجر بابتسامة ساخرة موجوعة: 
"لم يحدث شيء بخلاف النبش في جرح مازل مفتوحًا متقيحًا، من الأساس بدون فائدة، إن كنت تسمي هذا حدثًا مهمًا..."
عبس زياد بقوة قبل أن يقول بنبرة تقرير واقع وليس سؤالًا:
"تواصلت معك!!"
عندما لم يسمع الرد من صديقه تأكد من صحة ظنونه فقال بهدوء صارم وهو ينهض من على مكتبه ويرتدي سترته على عجل:
"حسنًا ابق عندك أنا قادم اليك"
فرد غيث بتبرة وهو يرمي نفسه مجددًا على الفراش:
"حسنًا يا زياد، بانتظارك"
**
كانت تمر بغرفة غيث متجهه إلى غرفتها عندما سمعته ينطق بكلمتها السحرية.. "زياد"، وقفت تتنصت على باب الغرفة تستمع للمكالمة رغم ضميرها الذي يؤنبها على قيامها بمثل هذه الأعمال، قطبت جبينها في وجل وقلبها ينقبض متوجعًا لنبرة أخيها وتلك المرارة التي تقطر من كلماته، ماذا حدث؟ ما هذا الجرح الذي يتكلم عنه! أحدث شيئًا جديدًا لم يطلعها عليع بينه وبين شغف!!! لماذا إذًا!!
ظل عقلها يدور في دوامات التفكير فتشتت تفكيرها عن باقي المكالمة التي لم تسمع منها شيئًا آخر سوى تلك الكلمه الأكثر سحرًا:
"بانتظارك"
تجمدت لدقيقة وقد نست كل شيء إلاه، إنه قادم، يجب أن تفعل شيئًا ، أن تسعى على حبها ولو قليلًا، يجب أن تتخلى عن خجلها الزائد لعل ذاك الجلف حجري القلب يراها، عله يعلم أنها كبرت وأضحت امرأة، وليست أخت صديقه الصغيرة السخيفة التي يعتبرها كأخته كما قال لها مرارًا!!
تنهدت بحسرة، لكنها لم تدعها تتمكن منها فقد حثت الخطى نحو غرفتها لتتجهز لقدومه، إن كان أعمى القلب والبصيرة فيجب أن تبدأ في جذب نظره، لن تعيش طوال عمرها تتلظى بنيران حبه في الخفاء!.... وصلت إلى غرفتها مهرولة وهي تبحث في خزانتها عن شيء مميز ترتديه، إلى أن وقعت عيناها على فستان بيتي رقيق بلون وردي منقوش بورود بيضاء يصل طوله إلى ما بعد الركبة، إنه نوعًا ما لطيف وهي تحبه... يكفي أنه وردي، بلونها المفضل، سارعت بارتدائه لتترك شعرها حرًا طليقًا بعد أن جمعته من الأمام بمشبكي شعر على الجانبين فبدت أيقونة للرقة والبراءة، لم تضع أي من مساحيق التجميل مقررة أن تكون على طبيعتها، إنها جالسة في البيت بحق الله! ولحسن حظها رن جرس الباب بالضبط عندما أنهت ما تفعله، فهرولت مسرعة تفتح الباب بابتسامة ببهاء، بينما صوت غيث يصلها مشوشًا فتكاد لا تسمعه من نبضات قلبها الهادرة
"ملااااااك، افتحي الباب لزياد حبيبتي، واجعليه يصعد لغرفتي، إني آخذ حمامًا سريعًا"
نزلت الدرج تنهب درجاته بسرعة حتى كادت أن تتعثر عدة مرات، إلى أن وصلت للباب فأخذت نفسًا عميقًا وهي تضع يدها على صدرها تهدئ من نبضات خافقها اللعين، لتبتسم أجمل ابتساماتها وتفتح الباب قائلة وعيناها تتفرسان كل إنش من ملامحه الحبيبة بنهم:
"مرحبًا... زياد!"
فرد بلهجة رسمية وهو يلقي عليها بنظرة عابرة ليتحاشى النظر إليها بعدها:
"مرحبًا ملاك! هل غيث بغرفته؟"
كادت دموع الحنق والوجع أن تطفر من عينيها، ياله حقًا من جلف!!، أيستكثر عليها دقيقة يسأل بها عن حالها حتى لو من باب المجامله!!!
فقالت بصوت بارد وهي تنظر للأرض متبرمة:
"نعم، يخبرك أن تصعد له"
فرد وهو ينظر في ساعته وكأنه ليس محتملًا الوقوف معها:
"حسنًا شكرا لكِ، سأصعد له، بعد إذنك"
تمتمت له بـ "تفضل" لكنه كان قد تحرك بالفعل، تنهدت بحسرة وهي تراقب طيفه الصاعد آخذًا قلبها معه، غير تاركًا لها سوى بقايا عطر تغلغل في ثنايا صدرها لتقضي معه ليلتها، شتان ما بين حالها من خمس دقائق فقط وحالها الآن!!
لكن هي من تفعل ذلك بنفسها، فدائمًا ما يحصل ذلك وهي لا تيأس.....
تنهدت وهي تسمع صوته العالي الصادر من غرفة غيث لتصعد الدرج بوهن وهي تناظر الدرجات تحتها ذاهبة إلى غرفتها، يبدو أن لا نصيب لها اليوم، ولا في أي يوم.......
**
دخل غرفة صديقه بدون أن يطرق الباب كالعادة ليجد غيث خارجًا من الحمام، لا يرتدي إلا بنطالًا قصيرًا بينما يجفف رأسه وجذعه بالمنشفة، فقال محاولًا تلطيف الأجواء، حتى لا تقتل أحدهما تلك الشحنات السلبية التي تملأ الغرفة؛ أشياء وملابس ملقاه هنا وهناك بغير ترتيب، الهاتف المهشم المرمي على الطاولة بلا اكتراث، و... وجه غيث المرتسم عليه علامات البؤس! 
"هل جعلتني أترك عملي وآتي إلى هنا لرؤيتك بعد الاستحمام؟ صباحية مباركة يا عروس!!"
قال تلك الأخيرة وهو يلكزه في كتفه ساخًرا، فرد غيث بذات البرود وهو يبعد يده ملقيًا المنشفة على طرف الفراش بغير اكتراث:
"أنت من قلت أنك قادم، لم أدعك حتى!"
ابتسم وهو يلاعب له حاجبيه، فهذا هو المزاح عادي بينهما، إلا أن خلف مشاكسته كان القلق بداخله يتآكله، ماذا حدث مجددًا!!
لقد أخبره منذ أسبوع فقط عما حدث بينه و شغف،  أبهذه السرعه ألحقت الأذى به مجددًا! أم أنها حالة استيعاب متاخرة للواقع!!!
قال محافظًا على لهجته المشاكسة وهو يتجه ليجلس بجانبه على الفراش:
"حسنًا ليس من شأنك، ها قد أتيت وانتهى الأمر، ماذا بك الآن؟"
أظلمت عينا غيث فأطرق لثوان، يستجمع جلده، أو ما تبقى منه ليبقيه حيًا، ليقول أخيرًا وهو يرمي نفسه للخلف محدقًا في السقف غير مبصرًا:
"لا أعرف! أشعر أنني... ضعفت، أو سأضعف، أكره ذاتي حقًا يا زياد، تلك النفس الخائنة اللعينة، أريد شيئًا فتفعل العكس، تسخر مني، تتحالف مع قلبي ليشكلان حزبًا ضدي، وأنا وعقلي نحارب أعزلين، وحيدين...."
ضحك بمرارة ليكمل بصوت مبحوح ونظراته تشخص بعيدًا:
"الأمر يشبه طفل صغير في مقاومة جيش بأكمله!"
كل هذا وزياد صامت، ينظر إليه متفرسًا ويستمع إليه دون مقاطعه، يريده أن يخرج كل ما بجعبته رغم عدم فهمه الكلي للأمر...
لاذ غيث بالصمت عدة دقائق كان زياد كريمًا عليه بها قبل أن يصدر صوتًا يحثه على أن يحكي له، فأخذ يسرد له ما حدث بصوت ميت، ثم استقام في النهاية قائلًا بانفعال يتفجر من عينيه:
"أرأيت يا زياد!!! بمكالمة واحدة سأضعف، لا أكف عن التفكير بحالها، بكاءها مازال يوجعني، ويوجعني أكثر أنني أوجعتها، ويوجعني أكثر من كل هذا أنني موجوع لوجعها!"
أخذ شهيقًا قويًا ليصيح:
"ألا يجب فقط أن أتذكر ما قالته ليقسى قلبي!!! لماذا هو ضعيف هكذا؟"
ثم أخذ يضرب بقبضته محل قلبه كما فعل سابقًا هاتفًا بذات السؤال، فأخذ زياد يهدئه مثنيًا إياه عما يفعل:
"اهدأ غيث... اهدأ، ألا تعرف ماذا بك حقًا! إنه الحب يا صديقي، هو من يجعلك تغفر بدون إرادتك حتى لو لم يغفر عقلك وكرامتك، يجعلك تتغاضى عن أشياء كثيرة في سبيل من تحب، توجع أنت وهي لا، تحترق أنت لتظل هي سالمة فقط، تفضل الموت حيًا عن الحياة بعيدًا عنها..."
كانت عيناه قد شردتا بعيدًا وقد غطتهما غيمة سوداء من الحزن، لقد انحرف عن مسار الحديث رغمًا عنه، فرسم ابتسامة سريعة على ثغره عندما رأى نظرات صديقه المتسائلة تخترق دواخله مكملًا كلامه:
"وأنت يا صديقي عاشق ولهان، لواحدة تحبك وتريدك، فماذا تنتظر؟"
لم يفهم ما يرمي إليه زياد بكلامه فغرز أصابعه بين خصلات شعره قائلًا وقد ازدادت تلك التقطيبة بين حاجبيه:
ماذا تقصد؟" 
قال زياد بهدوء معتاد منه وهو يضع يده على كتفه:
"ما أقصده يا غيث هو أن تعطي لنفسك وإياها فرصة أخيره، لكن فرصه صحيحة، هذه المره لا تتهاون معها، أحبها... اعشقها... لكن في احترام وثقه متبادلة، فهما أساس أي علاقة ناجحة"
بان على وجه غيث ملامح الاستنكار جلية فقال في اندفاع متألم وهو يفرد كفيه بقلة حيلة:
"كيف يا زياد!!، كيف أخبرني!، أنا لا أتوقف عن التفكير بها، بالماضي وبما حدث، كل ما فعلته، لا أتوقف عن استرجاع كلماتها المسمومة كلمة كلمة إلى أن انطبعت كوشم لا يزول في عقلي وداخل قلبي الذي قتلته، كيف تطلب مني ببساطة أن أسامح!، أن أُعطي فرصة جديده، أترى الأمر بهذه السهولة!!! 
نهض زياد من جانبه وهو يقف مشرفا عليه وقد شخص نظره للبعيد مجددًا:
"ليس بتلك السهولة، لكن صدقني... بعد أن يمر الوقت، إن لم تفعل هذا من باب التجربة حتى ستندم بعدها طوال عمرك، عندها سترى هذا الموقف أنه لا شيء أمام تضييع سعادتك مع من تحب، ستجد كم كنت تافهًا لتضيع عمرًا بأكمله أمام غلطة مهما كان حجمها، لا أقول لك بأن تذهب وترتمي تحت أقدامها، لا، أنت لن تفعل زيادة عما تفعله....."
تنهد بقوة ثم أكمل وسط نظرات غيث التي تشيعه باستهجان وكأنه يخبره أنه سيسد ثقب الأوزون بإبرة وخيط:
"هي بالتأكيد ستسعى إليك مجددًا، هذه المره افتح لها بابًا ولو صغيرًا، اجعلها تشعر بوجود أمل من المحاولة، قومها، اجعلها تشعر بخطأها وعاقبها إن أردت، لكن المهم ألا تضيع فرصتك، أليس من الممكن أن يكون هذا الموقف حدث لتتغيرا كلاكما!!، ألم تفكر في هذا في خضم عصبيتك كثور هائج!" 
كانت ملامح غيث توحي بالتفكير العميق وهو يقلب كلام صديقه في رأسه غير مهتمًا مثقال ذرة بمشاكسته الأخيرة، لا يدري كم مر من الوقت وهو يفكر غير مبصرًا سوى صورتها أمامه، لا يطرق باب أذنيه سوى صوتها الباكي وهي تسأله الصفح، حتى سمع زياد يقول بملل: 
"حسنًا حسنًا، يبدو أن ليس لزياد المسكين نصيب من أفكارك وأنك ستظل هكذا لفترة، سأذهب أنا فقد أجلت اجتماعًا مهمًا لأجل عيون ثورنا الهائج، ولعلمك فقط، أنت ستذهب إلى العمل من الغد؛ هناك الكثير من الأعمال المتراكمة عليك وأنا لست خادمتك التي جلبها لك والدك لأهتم بأعمالك أيضًا!"
لم يرد أيضًا فتمتم زياد بـ"حسنًا" مصطنعًا الإحباط لعدم تجاوب غيث معه، ففي ظرف آخر لكانت قبضة غيث قد زينت ثغره بادئًا بها عراكًا خشنًا كان لغة مزاحهم، اتجه نحو الباب يفتحه بهدوء قبل أن يلقي نظرة أخرى على غيث الذي يبدو في عالم آخر، ولم يشعر أي منهما بالواقفه تستمع إلى الحوار، وحبها لهذا الجلف وقلقها على أخيها في تزايد مستمر.......
**
أحد المقاهي ......
تنهدت بقوة وهي تقول ببوادر بكاء:
"أنا لا أعلم ماذا أفعل حقًا! لقد أغلق الخط في وجهي يا ياسمين، أغلقه في وجهي أنا!، أتصدقين أن هذا غيث؟!"
فردت ياسمين بغيظ وحنق من دلال صديقتها المبالغ فيه وسطحيتها الشديدة:
"أهذا فقط ما يحزنك!، أنه أغلق الخط!!
أنا أرى أن هذا أقل رد فعل له على ما حصل، أنا أتعجب حقًا كيف لم يرد لكِ كل كلمة قلتِها أضعافاً من الأساس!"
فقالت الأخرى مدافعة بوهن وقد جرحها كلام صديقتها من فرط صراحته:
"لكنه... لكنه يحبني مهما حصل، أنا أعرف ذلك، و أنا أيضًا أحبه، والله أحبه جدًا"
ضربت ياسمين بكفها على الطاولة بخفة حتى لا تلفت الأنظار وهي توبخها بشراسة:
"كفى غروراً شغف، إنه يحبك، لكنه مجروح جدًا، إنها كرامته ورجولته تلك التي دهستيها بحذائك بكل بساطة؛ لذا... فمن حقه أن يفعل ما يشاء، حقه أن يخرج من حياتك نهائيًا، أن يرفض الرجوع، كل الخيارات بيده بينما أنت لا عليك سوى المحاولة والانتظار، لكن في الحقيقة... إن كنت أنا في ذات موقفه لم أكن لأقبل بالرجوع أبدًا..."
كانت شغف تناظرها بألم لاعنة نفسها آلاف المرات  بداخلها لما قالته، لقد حلقت كلمات ياسمين عن خروجه من حياتها لتخترق قلبها مباشرة خنجر حاد، فقالت بذات النبرة الأولى، فلا تجد للرد سوى بعض كلمات تشكل بضع أعذار واهية:
"وهل كنت تريدين مني أن ترى كل هذا وأصمت!!، لقد كنت مجروحة جدًا أيضًا.."
فردت ياسمين بهدوء وهي تشبك كفيها على الطاولة ناظرة لعينيها بنظرة العارف:
"تعرفين أنه بريء، وأن تلك الصور الخاصة بسكرتيرته مزيفة، بالإضافة إلى أنه اعترف لكِ في الماضي بكل علاقاته ونزواته، ومن وقتها وهو تاب وأخلص إليك وأنتِ من أخبرتني، لقد اخترتِ في الماضي أن تُكملي العلاقه فلو كنتِ لن تتحملي فلماذا منذ البداية؟"
تغضن جبين شغف بوجع لم يؤثر في ياسمين مثقال ذرة، فهي تعرف شغف جيدًا، إن وجدت من يدللها ويخبرها أنها ليست مخطئة فستتشبث به مقنعة نفسها أن ذلك هو الصواب، لقد كانت متيقنة أن غيث بريء لكنها تألمت عند رؤية الصور فأرادت إيلامه:
"لا أعرف، لا أعرف، لقد أردت إيلامه لأني تألمت، لم أكن بوعيي، لكنني... لا أستطيع العيش بدونه"
قلبت ياسمين عينيها بملل قبل أن تقول بقسوة وهي ترى الدموع في عينيّ صديقتها:
"يا الله ارحمني!، أتخبرينني أنا بأنك تحبينه!!، فلتخبريه هو، ثم أن اعترافاتك بالحب قد زادت منذ ما حصل، أتذكر أنكِ لم تقولي لي قبلًا أنكِ تحبينه إلا لمامًا!!"
التقطت أنفاسها قبل أن تكمل بحدة أكبر:
"أتعرفين!، أنتِ تشبهين طفلة صغيرة أُخِذت منها لعبة كانت لا تُلقي لها بالًا، لكنها بعد أن فقدتها أخذت تبكي تريد استرجاعها، لكن الخوف يا شغف هو بعد أن تستعيدي لعبتك.... الخوف أن ترجع ريمة لعادتها القديمه و أن تهمليها ثانية!!"
فردت شغف بالنفي سريعًا وهي تهز رأسها يمينًا ويسارًا بسرعة كالأطفال:
"لا، أقسم، لقد أدركت كم أحبه، لن أجرحه أو أحزنه ثانية فقط فليعطني الفرصة، يا إلهي أنا لا اعرف ماذا أفعل حقًا!"
قالت تلك الأخيرة وهي تغمض عينيها بيأس مسندة جبهتها إلى يدها، فقالت ياسمين وقد أشفقت على حال صديقتها:
"حسنًا، أنا سأتصل به وأحاول شرح الوضع له، وأنتِ أيضًا، يجب أن تتحدثا، اتصلي به أو حاولي أن تلتقي به في أي مكان، أشعريه بندمك الصادق وأنه مهم لديك"
تهللت أسارير شغف وهي تبتسم بفرح غير مصدقة:
"حقًا ياسمين ستفعلي هذا؟"
فردت الأخرى مبتسمة قبل أن تشرب ما تبقى من مشروبها بسرعة:
"نعم سأفعل، والآن هيا لدي عمل ولقد عطلتني بما فيه الكفايه"
تمتمت شغف بـ "هيا" وهي تنهض آخذة حقيبتها واضعة على الطاولة ورقتين نقديتين كبيرتين تكفيان لثمن ما شرباه وتزيد وسط نظرات ياسمين المستهجنة لما تفعله وهي تقول:
"لِمَ كل هذا!! نحن لم نطلب شيء يقارن بهذه الاموال كلها!!"
فابتسمت شغف قائلة
"حبيبتي، نحن في مقهي****، هذا أكثر من سعرهما بقليل والباقي أتركه للنادل، هيا بسرعة حتى لا تتأخري"
فقالت ياسمين وهي تتحرك من خلفها
"والله إن كنا طلبناهم من المقهي الشعبي تحت شرفتنا لكنا دفعنا أقل من ربع هذه الأموال، مبذرة"
ابتسمت شغف ولم ترد فقد اعتادت على كلام صديقتها، لتزول الابتسامة عن وجهها في غضون ثوان وقد غرقت في أفكارها ثانية، فنفضت رأسها بقوة وهي ترجع للابتسام لياسمين بينما يتجها نحو سيارتها لإيصالها.....
**
ليلًا...
دخلت تجر قدميها بإرهاق إلى المبنى المتهالك الذي تقطن في إحدى شققه مع عائلتها الصغيرة؛ أختها الصغيره سما وأمها، كل ما لها في تلك الحياة...
تصعد درجات السلم بوهن، درجة فوق درجة، تجبر قدميها على الصعود علها تكون الأخيرة، أيجب أن تكون شقتهم في الطابق الثالث!، إنها تأتي كل يوم مرهقة بالكاد تقوى على المشي لتضطر للصعود كل هذه الدرجات القاسية المكسر بعضها، واليوم بدلًا من أن تنام وترتاح لتباشر عملها غدًا يجب عليها مكالمة السيد غيث المبجل، آه يا ياسمين تورطين نفسك دائمًا!!
وأخيرًا وصلت إلى الشقة، تنهدت براحة رغم النيران التي تتآكل في باطن قدمها، بحركات بطيئة متثاقلة أخرجت مفتاحها من حقيبتها لتفتح القفل الصدئ، ودخلت تُلقي تحية خافتة وهي تسمع السؤال اليومي من أمها:
"هل أحضر لكِ الطعام حبيبتي؟"
فردت بتعب وهي تمسد عنقها:
"ليس الآن يا أمي لدي ما أنجزه، حضريه لاحقًا"
دخلت الغرفة الوحيدة الموجودة بالمنزل وهي تقول لأختها التي تجلس على الأرض أمام طاولة منخفضة مستديرة تذاكر دروسها:
"سما حبيبتي أريد الغرفه لنصف ساعة فقط"
تمتمت أختها بـ"حسنًا" وهي تخرج لتترك ياسمين في الغرفه، أغلقت الباب بالقفل، وبدلت ملابسها إلى ملابس بيتية مريحة وهي تتجه إلى السرير الوحيد الذي يتوسط الغرفة لتجلس عليه بقنوط وهاتفها في يدها، أخذت تناظر الهاتف قليلًا دون أن تبصره فعليًا، ماذا ستقول لغيث!!، إنها محرجة منه جدًا، فعلاقتهم لا تتعدى السلام وفي المناسبات العامة فقط، بحضور شغف وعائلتها بالتأكيد، حتى أنها أخذت رقمه من شغف دون علمه، يا ترى كيف ستكون ردة فعله عندما يعرف بمعرفتها لأمور خاصة كهذه!!
حسنًا!، لن تعرف إلا عندما ترى صحيح!!، هي من ورطت، نفسها فلتكن إذًا على قدر المسؤلية التي وضعت نفسها بها، ماذا سيحدث مثلًا!، إنها مجرد مكالمة!!
عقدت العزم وهي تضغط على الرقم الغير مسجل في هاتفها، تستمع إلى الرنين المتزامن مع صوت أنفاسها المتوترة بترقب، إلى أن سمعت صوت فتح الخط فقالت بتوتر وكفها تستقر خلف عنقها:
"مرحبًا!"
كان غيث مضجعًا على سريره كما هو حاله هذه الايام،  فاستقام ليجلس مقطبًا وهو يرد شاعرًا بأنه يعرف صاحبة هذا الصوت!! 
"مرحبًا، من معي؟"
كانت قد نهضت من مكانها تسير في الغرفة الضيقة بلا هدف سوى تقليل ذاك التوتر الدخيل على شخصيتها:
"أنا.... ياسمين، صديقة شغف"
أغمضت عينيها تنتظر إغلاق الخط في وجهها إلا أنها فتحتهما ببطء وهي تنظر إلى الهاتف متحققة عندما لم يصلها سوى الصمت كجواب، أما هو فكشر عن جبينه وهو يفكر والقلق كمرض خبيث يتسلل إلى عقله حتى احتله، ما الذي سيجعل صديقتها تتصل به ليلًا!!، هل حدث لها شيء؟ يا الله!
هب واقفًا وقد ظلل ملامحه جزع خالص صارخًا وقد اتجه للخزانة يخرج ما تطاله يده دون تمييز
"ماذا بها شغف؟، هل حدث لها شىء؟، هل أصابها مكروه؟؟، تكلمــــي"
أبعدت الهاتف عن أذنها مقطبة بانزعاج من صياحه الذي كاد أن يصمها، فقالت تهدأه:
"لا لا، لم يحدث لها أي شيء، إنها بخير تمامًا، أنا اتصلت بك لأمر آخر، لكنه... يخص شغف أيضًا"
أطبق عينيه بقوة وهو يمسد موضع قلبه الهادر خوفًا وجزعًا من كلمات كادت ترديه صريعًا، استند على الجدار يستجمع نفسه، يمنع ذاته بصعوبة لئلا يمطر تلك السخيفة بسيل من الشتائم التي لم تسمعها في حياتها قط جراء ما فعلته به، أما هي فلاهية ما يحدث له أكملت بتردد أكبر وسط صوت أنفاسه العالية:
"إنها اخبرتني بما حصل بينكم في.. آخر مقـ..ـابلة، وحكت لي أيضًا عن... المكالمة، عندما أغلـ..ـقت الخط في وجهها، إنها حقًا..."
لم يمهلها فرصة الإكمال فقد عاد ليصيح بحدة مرة أخرى، لكن بصوت أشد عنفًا وهو يزعق بها:
"ماااذا؟، ولِمَ تحكي لكِ من الأصل!، من أنتِ من الأساس لتتدخلي في هذه الخصوصيات وهي... هي الغبيه كيف تحكي لكِ أو لأي شخص كان؟"
أجفلت قليلًا من ردة فعله، لم تتوقع أن يكون عنيفًا هكذا!، لكن بطبيعتها الواثقة وما رأته في حياتها من شقاء ترجح أنه لم يرَ نصفه بالتأكيد ردت بهدوء جامد:
"لقد حكت لي لأنني صديقتها المقربة سيد غيث، وأنا لا أرى عيبًا فيما حصل ولا أي داعٍِ لغضبك هذا، إنها المخطئه ولست أنت، وأنا طلبت التدخل وأردت مكالمتك لمحاولة إصلاح الأمور، لمعرفتي بعشقكما المتبادل..."
ابتسم بسخرية مريرة وأخذت النغزات في قلبه تستشري وتتفاقم عند كلمة "عشقكما المتبادل"، إن صديقتها تقول الكلمة بثقة وإيمان أكثر منه بحب شغف له، ثم أخذ شعوره بالندم يتزايد لحدته المبالغ بها مع الفتاة في أول مره تكلمه بها، كما أنها تتصل قاصدة خيرًا، بالإضافة إلى أنه قد حكى ما حصل لزياد و بالتفصيل، إذًا هو ليس أفضل منها بشىء في هذه النقطة....
"أنا آسف يا آنسة... ياسمين، لم يكن يجب أن أحتد عليك هكذا، لكن اعذريني فلا طائل من أي كلام تريدين قوله... ما بيني وشغف قد انتهى"
فردت بمنطقيه وهي ترجع للجلوس على الفراش كحاله:
"فقط لا تقل كلمة "انتهى" تلك، ما بينكم أكبر بكثير من أن ينتهي في موقف سخيف كهذا، أنت تعشقها وهي كذلك، من رأيي أن تعطي لنفسك وإياها فرصه أخرى، لكن بالمعايير الصحيحة، وأؤكد لك أنك إن رأيت حالها هذه الأيام صدقني ستستجديها أنت الرجوع"
ضحك ضحكة جوفاء، خالية من أي معلم من معالم الحياة كداخله، ليبتسم بسخرية مريرة أصبحت مرافقة له كقرينه هذه الأيام، يسترسل في الكلام وكأنه يفرغ وجعه به وقد نسى تقريبا مع من يتكلم:
"كيف حالها؟، أولم تسأل هي عن حالي؟، أولم تتسائل حتى في عقلها كيف ؟ يتبع الفصل الثاني اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent