Ads by Google X

رواية ابتليت بعشقك الفصل الثامن والعشرون 28

الصفحة الرئيسية

 رواية ابتليت بعشقك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم بسنت علاء

رواية ابتليت بعشقك الفصل الثامن والعشرون 28

بعد يومين ..
منزل الهاشمي ..
تضجع شغف على الفراش بأريحية بينما تقول بانفعال ضاحك لملاك التي تجلس بجانبها و وجهها متضجر  بحمرة الخجل
-: لا أصدق حقًا أنك مقبلة على الزواج بعد أقل من أسبوعين !! يا فتاة إنني كلما أذكر اسم زياد أجدك تغيرين الموضوع بخجل مراهقة لا امرأة متزوجة !
ضربتها ملاك بخفة على ساعدها ناهرة إياها بخجل لتغير الموضوع بالفعل كما تقول شغف قائلة باهتمام حقيقي 
-: تأدبي و أخبريني أنت ، كيف عملك ؟
شعت عينا شغف بلمعة خاصة عند ذكر عملها ، الشيء الوحيد الذي أصبح يصبرها في هذه الحياة ، شغفها الذي اكتشفته متأخرًا وقد كانت منشغلة في ... (أشياء أخرى) أكثر أهمية بالنسبة لها وقتها !!.... 
فقالت بحماس وهي تتكئ على مرفقها
-: أتحفظين السر ؟ 
أومأت ملاك بتأكيد وهي تبتسم فقالت شغف بنبرة خافتة وكأنها تفشي سرًا حقيقيًا خائفة علم شخوص وهميين 
-: سأترقى خلال بضع أيام وأصبح رئيسة قسم !
ابتهجت ملاك بفرح حقيقي لابنة خالها فقالت مباركة وهي تقبلها بحبور
-: مبارك حبيبتي تستحقين كل خير ...
ابتسمت شغف ولم تعقب لتعقد ملاك حاجبيها وهي تضيف ببعض التعجب المشوب بالاستنكار
-: لكنك يا شغف تحيرينني ، لِمَ كل هذا ! کان بمقدورك الحصول على منصبك المرتقب بل و أعلى منه بمجرد التحاقك بالشركة !
اتسعت ابتسامة شغف وهي ترد بهدوء
-: أول يوم التحقت فيه بالشركة .. ظننت مثلك ، أن أبي سيجعلني مديرة أحد الأقسام ، أو ربما مديرة الشركة حتى ، أجلس في مكتبي المكيف ، أشرب مشروبي المفضل و ألقي الأوامر لهذا وذاك ، لكنه صدمني بأنني سأعمل تحت إشراف أحد المديرين !!
تنهدت وهي تتذكر أول يوم لها وتردف
-: حنقت و ابتئست ، خصوصًا عند رؤية مديري ، كوحش ضخم مزاجي لا يعرف الرحمة في العمل ، ولا يتهاون في أقل الأخطاء ، إلا أنني يومًا بيوم فهمت وعرفت ، عرفت معنى العمل الحقيقي ، و فهمت لِمَ اختار أبي سيف ، لأنه لا يتعامل بالواسطة ولا التملق ، و في الحقيقة لولاه لما كنت سأترقى فهو من علمني كل شيء في العمل حتى تفوقت عليه !..
قالت تلك الأخيرة بفكاهة ضاحكة بغرور أنثوي لتشاركها ملاك الضحك ثم فجأة تقول ساهمة
-: أتعملين شغف ! أنا لست خائفة من الزواج ، بل أريده ، أريده بشدة ، أريد بكل جوارحي أن أخلص زياد من هواجسه و الآن و بيدي ما سيزيلها للأبد ، استطيع حقًا أن أعترف أنني لا استطيع الانتظار لرؤيته عندما يعلم !!
لم تفهم شغف ما ترمي إليه ملاك بكلماتها فسألتها مقطبة وهي تميل برأسها في استفهام
-: ماذا.....
لكن قطع سؤالها فتح باب الغرفة بغتة ليطل من وراءه ... غيث !!!
-: ملاك حبيبتي يجب أ...........
تجمدت كلماته على فمه كما تجمد كله وهو يحدق فيها !!
خنقه وجيب القلب وهو يراها مضطجعة على فراش اخته بكل أريحية ، عينها في عينه وهي تنهض ببطء جالسة فيما يشبه .... التحدي!!
لحظة تجمد فيها كل شيء ... مجرد لحظة نسي حاضره و ماضيه ، نسي كل شيء ولم يبق إلاها .....
عيناه لا ترى سوى عينيها ، أواااااه فيروزتاه ... كم اشتاق حتى هرم ذاك الخافق باسمها !
 أذناه أصابهما الصمم من وقع دقات قلبهة الهادرة عليهما !
أسكره الشعور بالألم .... سكر لذيذة موجعة تجعله يكاد يترنح كالمخمور ، ذاك الألم الذي ينهش أحشاؤه ، يستوطن مخادع القلب فيتأجج برؤيتها ، ألم قربها ، لكن ياليت كل الألم كهذا والله لن يمانع !
كل ذاك حدث في ... لحظة !! 
بينما هي لم تكن بأقل منه ألمًا ، فرؤيته فعلت بها الأفاعيل ، فتحت جرحًا قريحًا مازال معبأً بالصدى لتسكب به الملح ، عيناه الملهوفتان كانتا كوحش ينهش في ثنايا الروح ، امتزجت المتناقضات بداخلها حتى تماهت لتصبح شعور .... رمادي!!
بلا رونق ولا طعم ، رمادية يغلب عليها الجمود و .. الوجع ... 
لكن لا تكون شغف الهواري إن لم تدحر كل تلك المشاعر في جزء قصي من قلبها ، تخفيها بحرص ... تواريها حتى عن نفسها متظاهرة بعدم وجودها ... فنهضت بتأنٍ جالسة ، تنظر إلى عينيه ولا تتهرب ، فإن كان يجب على أحدهم التهرب فبالتأكيد لن يكون سواه !
إنما هو لم يتهرب ، بل كان يحدق في عينيها ، في كلها بجوع ، جوع عاطفي ولهفة كطفل صغير ينظر لأمه بعد طول فراق ، يهفو إلى دفء حضنها ويهاب ردة فعلها فينتظر مبادرتها مرتعشًا .. لا يملك سوى النظر و ... الانتظار ، مبادرة في حالته ... لن تأتي أبدًا !!
فضربتها نظراته في مقتل وخلخلت صمودها إنما هي أيضًا ... أخفت ما يعتمل بداخلها!!
بكل الحرقة التي يتلظى بها فؤاده الخفاق بالوجع قال مصارعًا نبضاته بتقطع بنبرة تمناها طبيعية ، إنما لم تخرج إلا متقطعة ، متحشرجة ... ميتة !
كصرخة استغاثة من جوف الهاوية لشخص متيقن من هلاكه أو ربما هو ... هلك من الأساس فكانت تلك ليست سوى صرخة احتضار
-: مرحبًا ... شغف !!
اسمها كجذوة مشتعلة ، يلهب قلبه الذي يتمرغ في الشوق إنما لسانه يستلذ بنطقه رغم الوجع الحارق ، بقلب ينتفض كطائر لقي مصرعه اللحظة كان يراقب كل خلجة تصدر منها ، ابتسامتها التي رسمتها بإتقان يماثل رسم أحمر شفاهها القرمزي ... المهلك و ... فيروزتاه اللتان لم تتزحزحان عن عينيه وهي تقول بذات الابتسامة التي يدرك قبلها أنها مصطنعة وبصوت قوي النبرات كوتر مشدود بعناية
-: مرحبًا غيث ! كيف حالك ؟
سؤال مجامل عادي ، انطلق منها تلقائيًا في خضم تمثيلها المتقن لأن تكون (طبيعية) !!!
إلا أن ذاك التعبير الذي ارتسم في عينيه جراء سؤالها كان ببساطة .... قاتلًا !!
لم تر على وجهه من قبل تعبيرًا كهذا ! أو ربما هي من كانت تغض بصرها....
كانت عيناه تموجان بكل المشاعر والكلمات .... كان يخبرها بدون كلام عن (حاله) الذي تسأل عنه وهي فهمت .... يا الله وليتها لم تفهم !
نظرته تلك زلزلتها من الداخل ، بعثرت نبضاتها و أعاثت بها فسادًا فخرجت عن عقالها الذي تحكمها به !
رغم وجعها .. قهرها .. شوقها ، رغم كل شيء تلك النظرة قتلتها وأحيتها ألف مرة في اللحظة!
بينما هو ... وقع سؤالها عليه وقع الصاعقة ، فوقف محدقًا فيها بكل القهر داخله ... يحافظ على صموده بصعوبة وجسده يختض اختضاضًا غير ملحوظ...
يريد الضحك ملء شدقتيه ، بل يريد الغرق في الضحك حتى ... يبكي !!....
و لسان حاله يسألها ساخرًا
" كيف حالي ؟ أوتسألين حقًا يا شغف الروح ومماتها ؟!!
أنا ... ضحية حرب طاحنة بين القلب والعقل ، الحب والكرامة !
كل معركة يموت جزء في حتى أكاد أفنى....
أنا سقيم بمرض عضال يسمى ... أنت !
سقمي أنت وعلتي ولا دواء لي سواك .... وبين الداء والدواء أيا مولاتي هناك فقير يحتضر ، يعيش و لا يعيش ، ينتفض لرؤيتك ... ثم يرجع للموت الاختياري ...
أنا .... بت لا أعرف من أنا ، لم يتبق لي من (غيث) سوى بضع أنفاس متقطعة و ... تنهيدات محترقة ، لم يتبق منه سوى الأوجاع فها هو ... يعيش بها راضٍ أو ... يمثل الرضا"
لكنه _كالعادة_ حبس كل هذا مع أنفاسه التي ترتج في صدره ، لـ... يبتسم مجاملًا قائلًا بحشرجة لا قبل له بالسيطرة عليها 
-: أنا .. بخير .. حال الحمد لله ، أوصلي سلامي لخالي
ثم تنحنح يجلي حنجرتيه من سيول النيران فيهما ليستأذن بخفوت لكن قبل أن يغلق الباب وصله صوت ملاك المرتبك التي نسي كلاهما أمرها في غضون الدقائق الماضية  
-: انتظر غيث ، فيما كنت تريدني ؟
نظر لها محدقًا لثوان وقد نسي وجودها تمامًا ونسي حتى ما أتى لأجله ليتمتم بخفوت وهو يسارع للرحيل
-: ليس ... بأمر ذي أهمية !
ثم حث الخطى خارج البيت و أنفاسه تزأر في صدره ، فكفى قلبه وجعًا ، وكفى رئتيه احتراقًا مسكرًا بتلك الأنفاس المعبقة برائحتها التي لم تزل يومًا من أنفه...
جالت بخاطره كلمات تلك الأغنية المقيتة وهو يتذكر موقفًا مشابهًا قبل بضعة أيام ، حينما تقاطعت طرقهما على باب فرع الشركة المشترك فناظرته بخيلاء وترفع لبضع لحظات لتتخذ بعدها ابتسامتها منحى مجاملًا متكلفًا وهي تمر بجانبه مكتفية بإيماءة بسيطة ، لم تكلف نفسها حتى عناء الوقوف ومصافحته ، تركته هكذا واقفًا كالأبله لا يعرف أين يذهب ولا ... كيف يذهب إلى أين !!
"أهواك أهواك ، لا تهواني يكفي جفاك"
رددها بابتسامة ساخرة متوجعة ليهمس بعدها بتمزق وهو يدير السيارة 
-: حتى الجفاء تجفين به يا فيروزية العينين ! 
ثم أخذ يقهقه بقوة ، ضحكات كانت تشق صدره كسكين حاد وهو يخاطب نفسه من بين ضحكاته وقد انطلق بسيارته بسرعة مجنونة ينهش بعجلاتها الأرض كما ينهشه ألم الفراق القريب
-: يا لحالك يا غيث ، كم أصبحت مثيرًا للشفقة و أنت تتمنى ، بل تهفو إلى ... الجفاء !!...
***
منذ تركها وهو يجول بسيارته في الطرقات ، لا يعرف أين تأخذه نفسه ... فقط يهرب من الذهاب للمنزل مجددًا .... هو جبان نعم يعترف ... أمام نفسه على الأقل !!
يتنهد بقوة ، تشق صدره التنهيدات كخناجر حادة ، ما فتئت كلمات زياد تتردد داخل عقله
( هي أقوى منك ، هي تخطت ما حدث وتابعت حياتها ، بالتأكيد مازالت موجوعة إلا أنها تتعايش مع الوجع ، على عكسك ... أنت تعيش بداخل الوجع ، تتشربه بنهم وكأنك صائم الدهر حتى كاد يقتلك ، بل إنه قتلك فهذا الماثل أمامي ليس صديقي ، انه حتى لا يرتقي أن يكون شبحًا له !!) 
هي أقوى منك ... هي أقوى منك.....
أوقف السيارة على جانب الطريق عندما شعر بانعدام قدرته على القيادة ، أسند رأسه إلى الخلف وهو يفكر بألم ... ربما هي بالفعل أقوى منه ، ربما فراقه لم يؤثر فيها كما أثر فيه !
في النهاية هو من كان يلهث وراءها طالبًا سماح ورضا بخلت به عليه ، هو من كان يتعذب بينما هي تستمتع بعذابه !!.....
نفض رأسه بقوة وهو يهزها يمينًا وشمالًا نافيًا ، لا ... هو جرحها ، هو كسرها ، لقد كان وحشًا لم يرد سوى إيلامها والاستلذاذ بألمها وقد فعل ، و لكل فعل رد فعل ... وتلك هي ردة فعل فتاة عزيزة النفس لدرجة الغرور كشغف ، فأنثى مثلها كسرها ليس سهلًا ، وعندما تكسرها فهي ترمم نفسها بنفسها وتنسى ، تمحوك من دنياها وكأنك لم تكن !!
مسح على وجهه بقوة وهو يترجل من سيارته بعنف حينما شعر بالهواء المحمل بمشاعره المحترقة يطبق على صدره ، يحتاج للسير وحده قليلًا ، استنشاق بعض الهواء النقي لعل نفسه تنجلي... 
أخذ يسير بغير هدى ، لا يعرف أين تأخذه شوارع العاصمة ، يناظر الناس بنظرات ضبابية لا تخلو من الحنين ، فقد مر زمن لم يسر به على أقدامه في الشارع ، أناس بسطاء الحال يسيرون كل واحد عائد إلى بيته بعد يوم عمل شاق ، ابتسامة رضا تشق وجوههم رغم التعب ، منهم من يمني ذاته بطعام شهي يغذيه ويدب القوة في جسده بعد التعب ، و آخر يسير بتلهف لتستقبله أحضان زوجته لتزيل عنه شقاء الدنيا في لحظة ، زوج من الأحبة يسيران متعانقا الأيدي ، ينظران لبعضهما بوله غير مكترثين بالناس ، طفلان اصطدما به أثناء ركضهما السريع من ملاحقة أبويهما الحانقين.....
وقف هنيهة يستند إلى سور ، يتأمل الشارع المكتظ بالناس بابتسامة حزينة ، كله يهفو إلى بضع من الرضا المرتسم على وجوه الناس البسيطة ، رضا بحياته الباذخة ، رضا بكل ما يملكه ولا ينقصه شيء ..... سواها ، وبفقدانها ينقصه كل شيء ، فهي الشيء الناقص وهي كل شيء موجود ....
آآآه يا غيث انك تهذي ، أكمل سيره وهو يترنح تلك المرة حقًا ، يصطدم بهذا وذاك دون اكتراث ، عيناه تحرقه بدموع سخيفة لم يسمح لها بالنزول .... ينظر للأرض بنظرات تائهة ، لا يفكر بشيء ، بأي شيء ، فجأة شعر بكف قوية هبطت على كتفه وصوت خشن مألوف يشعره آت من بعيد يقول بمسحة قلق
-: سيد غيث أأنت بخير ؟
***
خارجًا من المتجر بعد أن ابتاع بعض الأشياء التي أوصته بها ، وضع الأكياس ببعض الحنق في السيارة وهو ينفخ بقوة بمزاج متعكر ، لقد كان المتجر مزدحمًا للغاية وهو من الأساس تأخر جدًا في العمل ، وفوق كل هذا نفذ شحن هاتفه منذ فترة ليزيد الطينة بلة ، وكأن العالم كله يتآمر ضده اليوم !!....
توقفت يده على عتلة باب السيارة وهو يحدق مقطبًا في نقطة معينة ، تتبع عيناه شخص معين !!
يكاد لا يصدق أنه هو !! بتلك الهيئة المشعثة و النظرات الزائغة ، يسير شبه مترنحًا وكأنه مخمور ، يتخبط في هذا وذاك !! 
حث الخطى نحوه ليوقفه ويده تحط على كتفه هاتفًا بقلق 
-: سيد غيث أأنت بخير ؟
التفت نحوه بذات النظرة ، ظل بضع ثوان تحاكي الدقيقة ليتعرف عليه ويهمس أخيرًا ببعض التعجب 
-: سيف !!
هز سيف رأسه مؤكدًا وكاد يسأله مجددًا إن كان بخير عندما سأله غيث مقطبًا وهو يهز رأسه وكأنه ينفض شيئًا وهميًا 
-: ما ... ما الذي أتى بك إلى هنا ؟
تجاهل سيف سؤاله المشوش وهو يسأله مجددًا 
-: هل أنت بخير ؟ هل أتيت سيرًا أم معك سيارتك !!
عقد غيث حاجبيه أكثر وكأنه يتذكر ثم قال 
-: لقد ركنتها في شارع قريب ، أظن !
لم يأخذ الأمر أكثر من بضع ثوان ليحسم سيف أمره وهو يقول بجدية 
-: حسن ، تعال معي أنا سأوصلك للمنزل !
فكان الرد القاطع من غيث بالنفي المشوب بـ...الخوف 
-: لا ، لا أريد الذهاب للمنزل ! 
زادت حيرة سيف وهو لا يفهم ماذا به لكنه تنهد وسأله بصبر ليس من شيمه 
-: أين تود الذهاب إذًا !! 
صمت ساهمًا ولم يرد فازدادت تقطيبة سيف وبدأ وجهه في التجهم وهو يسأله مجددًا
-: أأنت بخير ؟
هز غيث رأسه نفيًا فأومأ سيف شاردًا وهو يقول 
-: حسنًا ، تعال معي
وللعجب استسلم له غيث ، فقد كان حقًا مستنزفًا ويحتاج لرفقة شخص ، أي شخص حتى لو كان ... سيف ، أحد أسباب ما يعيشه من جحيم أسود !!
فور أن اعتلى السيارة حتى أسند رأسه للخلف مغمض العينين تاركًا لسيف مهمة الذهاب به لأي مكان سوى المنزل!!....
بعد بعض الوقت كانا يجلسان قبال بعضهما في مقهى معين يعرفه سيف يفتح أبوابه طوال اليوم....
يرتشف غيث من قهوته الخالية من السكر ببطء مسبل الأهداب وسط الصمت الذي يحيط بهما قبل أن يتنحنح سيف قائلًا
-: هل سأكون متطفلًا إن سألتك ما بك؟
رفع غيث عينيه إليه ، يناظره بنظرات غريبة أثارت توجسه ليهز بعدها رأسه نافيًا
-: في الحقيقة أحتاج أن أحكي ، لكن قبلًا أيمكنني سؤالك شيئًا ؟
هز سيف رأسه موافقًا فوضع غيث قهوته على الطاولة قبل أن يسأل بوضوح
-: هل تحب شغف؟ أو أحببتها يومًا !
عقد سيف حاجبيه باستياء وكاد أن يرد ردًا لاذعًا لولا ملامح غيث الهادئة إنما التي تحمل بين طيات هدوئها توسلًا لينكر ، فتنهد قائلًا بصراحة
-: أنا رجل متزوج سيد غيث ، لكن لن أنكر ، قبل زواجي كنت معجبًا بها ، إنما كان يمنعني عنها ارتباطها بك ، ويومًا سمعتها تكلم صديقة لها ، تخبرها أن كل شيء بينكما انتهى ،في الحقيقة كنت سعيدًا ، وطلبت منها موعدًا لأفاتحها في الارتباط بي ، لكنها رفضت وقالت أنكم ستعقدون قرانكم بعد أسبوع أو اثنين لا أذكر جيدًا ، لكن .... بعدما تزوجت ، علمت أن كل مشاعري نحوها لم تتعد إعجابًا بالمظهر فقط ، إعجابًا بتلك الهالة حولها ، اكتشفت في النهاية لم يكن حتى إعجابًا .. كان مجرد انجذاب للهالة حولها كما أخبرتك ، خصوصًا و انني شحيح العلاقات النسائية بل منعدم في الحقيقة فلم أفسر مشاعري جيدًا
قال تلك الأخيرة معترفًا ببعص الحرج بينما كان غيث يضم قبضته المتشنجة بقوة كازًا على أسنانه حى كاد يهشمها ، لم يكن يعلم بهذ الموضوع !
لم تخبره قبلًا !!! 
لكنه سكن من جأشه بصعوبة ، بالتأكيد لم ترد إخباره حتى لا تثير غيرته و غضبه !
بضعة دقائق قلائل احتاجها قبل أن يبتسم بسخرية مريرة قائلًا 
-: أتعلم أنني خسرتها للأبد ؟ 
كان سيف يرتشف من قهوته هو الآخر بكل هدوء ولم  يبدُ متفاجئًا فعقد غيث حاجبيه في استفهام سرعان ما جاوب عليه سيف
-: نعم ، أظن أنني أعلم ، لا تنس أنك امتهنت جزءً كبيرًا من كرامتها أمامي ، كما أنها تعمل معي واستطيع بسهولة التمييز بين شغف قبل القطيعة بينكما وبعدها ، ناهيك عن خاتم الخطبة الذي خلعته !
شعر غيث للحظات بالغباء ، أنه معتوه كبير لا يدري ما يدور حوله ، ليجتاحه في ثانية شعور الغيرة ، غيرة حارقة تنهش في الوجدان نهشًا وتكويه ، من ذاك الذي يتكلم عنها بكل تلك الأريحية والفطنة وكأنه يعرفها منذ دهر ، لكنه أجبر نفسه على الاستماع ، التقطت أذناه نقطة مهمة يجب أن يعرفها حتى وهو يموت في اللحظة ألف مرة ، فسأل بحشرجة و تقطع
-: ماذا .. تقصد بـ ... قبل القطيعة و.. بعدها ؟
تنهد غيث وهو يجيبه بهدوء 
-: أقصد أنها قبل أن يحدث ما حدث كانت ... كيف أصف لك !
 كانت عيناه تشع بالحياة ،إذا ذكر اسمك عرضًا فتتوهج عيناها بوهج خاص ، كان أي طفل صغير يستطيع الجزم أنها مدلهة بعشقك ، إنما بعدها......
خفتت تلك النار المتوهجة في عينيه عندما ذكر (وبعدها) لكنه لم يهتم وأكمل بصراحته المعهودة
-: بعدها ... أصبحت متحفظة زيادة ، مغلقة على نفسها بشكل غريب ، اجتهدت في العمل بطريقة أدهشتني شخصيًا لدرجة أنها ستترقى بعد يومين أو ثلاثة لتصبح في منصب يضاهي منصبي ، إنما في وسط كل هذا... عيناها تفتقران للحياة التي كنت أراها فيهما ، فيهما شيء انطفأ وقد كان مشعًا بقوة قبل أن..... 
ترك جملته معلقة ، فأومأ غيث المظلم العينين بطريقة مخيفة ، يتمزق هو ولا أحد يشعر به ، لم يكن يتوقع في أشد خيالاته حلكة أن يجلس مع رجل آخر ليشرح له حالة ... شغف ، شغفه هو ، حبيبته هو و امرأته هو  !!
الأمر أشبه بطبيب يداوي الناس جميعًا بينما هو مصاب بداء لا شفاء له !
آآه من ذاك القلب العليل !!
لكن في وسط الوجع ينبثق ذاك القبس الصغير من الضوء ، فيتشبث به هو بأنانية عاشق ، وبنذالة شديدة يشعر ببعض الفرح يختبئ بين طيات الوجع لحالتها ، لقد أثبت له أنها مازالت تفكر به على الأقل ، أن دربه الملبد بالأشواك ليس مسدودًا في النهاية ، أنه لو سلكه من جديد متحملًا وخزاتها المدمية ربما يصل يومًا ما .... من يعرف !! 
يمكن أن تُبعَث روحه التي ماتت من فرط الاشتياق !!
يخرجه سيف من أفكاره المتلاطمة قائلًا ما احتاج أن يسمعه
-: إلَّا أن لدي تعقيب على جملة ذكرتها في البداية ، لقد قلت أنك خسرتها للأبد !... 
تأهبت كل حواس غيث منصتًا له وهو يكمل بشبح ابتسامة غامضة تظلل شفتيه
-: في الحقيقة لا أظن ، أرى أنك لازلت تحبها بينما أظن أنها مثلك ، أعلم أن ما حدث كان مهولًا و إن لم أعرف كل جوانبه إنما نحن الرجال عندما نحب بصدق لا نعرف كلمة (المستحيل) ، لو كانت زوجتي لكنت أجبرتها على مسامحتي قسرًا مستخدمًا كل الطرق الممكنة دون أي ذرة ندم ، حتى وإن أضررت لتقيديها بقدم الفراش داخل منزلي !!....
ابتسامة ارتسمت على شفاه الرجلين وغيث يقول ببعض الاستنكار الضاحك 
-: عنيف جدًا !!
يضحم سيف ضحكة قصيرة وعيناه تشردان لدقيقة متخيلًا قطعة الشوكولاتة وهي مكبلة بأصفاد حبه لا تقوى على الفرار !
لكنه نفض رأسه وهو يرجع بتركيزه لغيث قائلًا بجدية 
-: ما أقصده أن المرء يحب مرة واحدة ، فلا تضيع سعادتك للأبد ، يمكن أن تترك لها بعض الوقت لتهدأ وهو ما أرجح أنك فعلته لكن بعدها شن الحرب عليها بكل أسلحتك يا صديقي ولا تبخل !
ابتسامة صادقة ممتنة شقت شفتي غيث وهو يشعر بالأمل يدب في روحه الميتة فيحييها من جديد فقال بهمس صادق
-: شكرًا 
ابتسم سيف ابتسامة صغيرة ولم يرد وهو ينهض ويضع الحساب على الطاولة قائلًا بصلافة
-: حسنًا لقد تأخر الوقت وآخر ما كنت أتوقعه أن ينتهي يومي بإعطاء نصائح عاطفية فجرًا ، هيا لأوصلك لمنزلك فسيارتك بعيدة عن هنا...
حاول غيث الرفض قائلًا أنه سيأخذ سيارة أجرة إلا أن سيف كان قد اعتلى سيارته بالفعل مشيرًا له بالمجيء قائلًا 
-: الشوارع مقفرة في هذا الوقت لن تجد أي سيارة ، هيا يا رجل....
جال بنظره في الشارع الذي يؤكد كلام سيف قبل أن يركب السيارة قائلًا ببعض الحرج 
-: أيمكننا نسيان تلك المقابلة وكأنها لم تكن ؟
ضحك سيف بقوة قائلاً وهو يرميه بنظرة ساخرة ويرجع بنظره للطريق 
-: إذًا السيد غيث الهاشمي يخجل من الجلوس مع موظف في إحدى شركاته فجرًا وتلقي بعض النصائح منه !
ابتسم غيث ولم يعقب بشيء ، فهو يعرف أن سيف لن يخبر أحدًا ، ثقة غريبة تلك التي يمتلكها نحوه رغم أنه يجب أن يشعر بالعكس !!
أسدل الصمت ستاره عليهما تحتى وصل كل إلى وجهته وكل واحد غارق في أفكاره أو بالأحرى غارقًا قي أفكاره نحو .... امرأته !!.....
***
تنهيدة ارتياح طويلة ندت عنه فور تخطيه عتبة الباب ، و أخيرًا ها هو في المنزل ، ابتسامة مستمتعة رانت على شفتيه وهو يفكر في قطعة الشكولاتة ....
أقلقت عليه !! أم نامت مبكرًا كعادتها المستفزة !!
ضغط على مقبس الضوء لينير غرفة المعيشة وهو يتقدم بحذر لغرفتها ، يمني نفسه برؤيتها تجلس على فراشها قلقة ، تتلاعب بشعرها كعادتها عندما تقلق أو تغضب ....
فتح باب الغرفة بهدوء وحرص لتنضب الابتسامة عن شفتيه فور رؤية سريرها الفارغ المرتب وكأنه لم يمس !!!
قادته قدماه تلقائيًا ناحية المطبخ وقد تجهم وجهه بخوف وانحبست أنفاسه التي تتلاشى شيئًا فشيئًا في صدره ، فتح باب المطبخ بعنف وهو ينظر متفرسًا بكل إنش به ليقابله السكون .... الخواء !!!
حث الخطى ناحية غرفته ... الأمل الوحيد المتبقي ، يختلق أسباب واهية لوجودها في غرفته ، يقنع نفسه أنها هنا ، هو يشعر بها ، رائحة عطر شعرها الخفيف ها هي تملأ رئتيه...
فتح باب غرفته بعنف شديد حتى كاد يقتلعه في يده وهو يهدر مناديًا باسمها من بين أنفاسه اللاهثة 
-: سنااااااااابل !!
قلبه يهدر بين جنبات صدره ، حبات العرق البارد تتصفد من جبينه بغزارة ، رباه أين تراها ذهبت !!
أخذ يجول بجنون في أرجاء الشقة ، يفتش هنا وهنا ، ينظر تحت الأسرة حتى ، يفتح الخزانات ، يفتح الغرف المقفلة الفارغة ، وكلما يقابله الظلام الفارغ ساخرًا منه كان يزداد توحشًا ، يزداد قلبه ارتجاجًا في صدره ، و تزداد وتيرة أنفاسه ارتفاعًا .... 
جلس أخيرًا على فراشه منهكًا ، يسند مرفقيه إلى ركبتيه دافنًا رأسه المنكسبين كفيه وهو يلهثت بقوة ، لا يرى أمامه ، وكأنه كان يجري في مضمار سباق لا بداية له ولا نهاية !!....
زمجر بقوة وهو يزيح بيده دورق المياة على الطاولة القريبة فيسقط مهشمًا لتنتثر شظاياه بكل مكان ، لا يستطيع التفكير ... يشعر أن عقله تجمد ، توقف عن العمل ، لا يسعه التخيل أين ذهبت أو لماذا ..!!
إنها لا تعرف أي شيء في العاصمة ، لم تخرج برفقته سوى مرات قلائل جدًا وقد كانت كل خروجاتهم بسيارته لقضاء حاجات ضرورية !!
أيمكن أن تكون نزلت إلى الشوارع تبحث عنه لتأخره !!
صاح بقوة وهو يضرب رأسه بكفيه معتصرًا إياها ، ما هذا الخاطر الغبي !! 
بالتأكيد لا ، أهو طفلها لتجوب الطرقات جزعًا عليه عند تأخره !!....
ربط على قلبه وهو يصيح بنفسه بقوة مصارعًا نبضاته الهادرة رعبًا 
-: إهدأ يا سيف ، إهدأ لتستطيع التفكير بروية وتعلم أين ذهبت تلك المعتوهة ، فكر فكر فكـــر أيها الأحمق !!!
صاح بها بقوة وهو يهب واقفًا ، يضرب الحائط بقبضته في هياج .... أخذ يضرب حى شعر بالخدر يسري في مفاصل يده فأسند جبينه إلى الحائط مطبق العينين مغضن الجبين هامسًا بحرقة مصدرها قلبه المتلوع وهو يشعر أن ليس بيده شيئًا ليفعله 
-: أين ذهبتِ يا صغيرة ؟ أهربت أخيرًا صغيرتي من الوحش الذي يقتات على جمال روحك ؟ يتشربه قطرة قطرة حتى ينير سواده ، أرحلتِ بعد أن علمتيه معنى أن يكون إنسانًا !!! أن له قلبًا يخفق ... لك ... وحدك!!!..أين ذهبتِ يا صغيرة ؟ أهربت أخيرًا صغيرتي من الوحش الذي يقتات على جمال روحك ؟ يتشربه قطرة قطرة حتى ينير سواده ، أرحلتِ بعد أن علمتيه معنى أن يكون إنسانًا !!! أن له قلبًا يخفق ... لك ... وحدك!!!..
بخطى ميتة ذهب ليرتمي على الفراش ، يحدق في السقف بجمود ويده تحط على موضع قلبه يمسده لعل الوجع يقل .....
يستغرب في نفسه سكونه ذاك !! يستعجب كونه يجلس هكذا ولا يجوب الدنيا بحثًا عنها ...!
ربما أراد حريتها !! ، بعد حواره مع غيث يشعر أن شيء تغير داخله ، يشعر الآن بتلك الحرقة والكمد الذي كان يشع من عينيه ويقطر من كلماته...
يشعر أن........
انتفض جالسًا وكل حواسه تتأهب عندما سمع صوت الباب يُفتَح !....
وكأن شللًا أصابه فظل متجمدًا على الفراش لا يقوى على الحراك فقط ... ينصت ، بقلبه قبل أذنيه !
رباه !! إنه صوتها ... صوتها المبحوح لهفة وهي تدعو الله ، تدعو الله خوفًا عليه ، يا الله انها تبكي ...  جزعًا وخوفًا من مكروه أصابه !!
صوتها يرن بين جنبات قلبه وهي تقول بتضرع باكٍ
-: يا الله احفظه ، ارجـ...ـعه لي سالمًا ... يا الله ، إن حصل له مـ..مكروهًا سـ.... سـ... 
لم تستطع إكمال جملتها فأجهشت في البكاء وهي تتهاوى على الأريكة دافنة وجهها بين كفيها متمتمة بالدعاء الخافت من بين شهقاتها....
نهض بأرجل متثاقلة ، يتقدم نحوها بخطى مرتعشة كارتعاشة قلبه في صدره الآن ، لا يفكر بشيء سوى أنها هنا ، وقف على باب غرفته يناظرها في جلستها الباكية بلا تعبير معين على وجهه ... جمود لا يعكس دواخله الثائرة التي تتقافز كالألعاب النارية ما بين ألم و فرحة و ... راحة
بعد عدة دقائق لم يستطع كبح "آآه" كحملة بكل ما يحتدم بالقلب من أن تشق صدره عبر شفتيه فانتبهت ناظرة له بلهفة مرتعشة ، لهفتها أخذت دقة من قلبه وهربت ، بل أخذت قلبه كله ، قلبه الذي هو ملكها من الأساس !... 
نهضت بارتعاش تتقدم نحوه ببطء ، تتسارع خطواتها شيئًا فشيئًا حتى ركضت نحوه وشهقة بكاء تتحر من بين شفتيها على صدره الذي احتواها ، بين ذراعيه اللذان حاوطاها بحنان متدفق جلب الدموع أكثر لعينيها فأخذ تمرغ وجهها في صدره تتشمه بنهم في حركة قتلته فتنهد بقوة وهو يحاول تهدئة قلبه الهادر بينما هي تواصل تعذيبها له ويديها الملتفتان حول جذعه تمران بغير هدى على ظهره تتلمسانه .....
أطبق عينيه وهو يضمها له بالمقابل ، دون وعي يميل ليدفن وجه في عنقها متشممًا إياها ، ذراعاه تعتصران جسدها النحيل ولا تصدر حتى تأوهًا ، هي فقط تبكي ، وهو تركها تفعل ما تريد حتى يستطيع ضبط شيئًا من نفسه المبعثرة ونبضاته التي عبثت بها الصغيرة باحترافية دون أن تدري....
بعد قليل هدأ بكائها ومازالا في وقفتها لتنظر في عينيه بشراسة لم تخلُ من اللهفة هاتفة وهي تضرب صدره بأحدى قبضتيها
-: أين كنت ها ؟؟ أيـ...ـن كنت كل ذلك الوقت ؟ و هاتفك مغلق تاركًا إياي أموت قلقًا عليك !! حرام عليك والله حـ...ـرام !!
أكملت جملتها بصعوبة لترجع للبكاء مجددًا متشبثة بقميصه ليرد سؤالا بسؤال الخافت وهو يرجع ليريح رأسه في تجويف عنقها 
-: أين كنت عندما أتيت؟ لم أجدك !!
فأجابت بصدق وسط شقات بكائها 
-: كنت عـ...ـند أم سعاد جارتنا في ... الشقة المقابلة  ، شعرت بي و أنا أفتح الباب كل دقيقتين أراقب الدرج فدعتني .... للجلوس عندها ... عندما ... رأت حـالـ..ـتي و .. أخذت تهدئني !
يتنهد بقوة وهو يشدد من احتضانها أكثر ، يتنهد ويتنهد براحة و ... وجع ، وجع لا يعرف مصدره ، وجع لوجع صغيرته الباكية ، لأنه السبب فيه ، وفي كل وجع عايشته مذ خطوت داخل بيته !!..
همس بخشونة بضع كلمات متقطعة وجبينه يتغضن 
-: لا تخطي خارج الشقة مجددًا دون علمي ، أ...أنا كذلك كدت ... أمـ... أمـ..ـوت قلقًا عندما...لم ... أجدك حينما ... أتيت !!...
رفعت رأسها ليرفع بالمثل وهي تحدق في عينيه اللتان تخبئان جزعه بمهارة بانبهار طفلة ... لا تصدق أنه يخاف عليها بتلك الطريقة !! 
يا الله ماذا تفعل وهو ينظر لها بتلك الطريقة المذيبة للأعصاب و العظام و..القلب ، القلب الذائب منذ زمن!!
يده ارتفعت تلقائيًا لتحيط جانب وجهها ، يحتضنه بكفه الضخمة وهو يجيب على سؤالها الأول بخفوت 
-: أنا تأخرت قليلًا في العمل بعدها كنت ... مع .. صديق ، كان متعبًا وكنت أجالسه فقط وأخفف عنه ، هاتفي نفذ شحنه ولم نكن في منطقة يمكنني إعادة شحنه فيها ، فور أن استطعت الرحيل سارعت بالمجيء ، كنت أحسبك خلدت للنوم منذ فترة !
فشهقت بلهفة وهي تقول ناظرة له بنظراتها الذباحة ببرائتها التي تنضح منهما ، بحبها المتدفق دون حساب حتى غمره من رأسه لأخمص قدميه 
-: وكيف أنام ؟ أنا لا استطيع النوم إلا عندما تأتي  و اطمئن لنومك حتى و إن ذهبت لغرفتي قبلها ! 
ابتسامة حنونة شقت شفتيه ومازال يمسد جانب وجهها بإبهامه ليهمس ببعض الانبهار الذي تنضح به عيناه ويصيح به قلبه الـ....عاشق
-: كيف تسطيعين أن تكوني بكل هذا الـ.... جمال و... البراءة ، آآه كيف أخبريني؟ كل تلك الحلاوة المسكرة ، ، كلك ... كيف !!!! 
ولم يمهلها فرصة للرد ولا للاستيعاب حتى وهو يباغت نفسه قبلها و يميل إلى شفتيها ، يأخذهما في قبلة رقيقة ، محتاجة ، متهورة مجنونة لذتها في جنونها..
بحق الله انها امرأته تلك التي يقبلها لأول مرة ، تلك التي يشعر أنه مازال فتى غر ، و يداه تجولان على جسدها بجوع انتزع شفتيه من شفتيها بصعوبة لكي لا يتهور أكثر وهو يلهث مسندًا جبينه إلى جبينها هامسًا بفكاهة لعينيها الذاهلتين 
-: لم أخطئ عندما أسميتك قطعة الشوكلاتة ، حتى شفتيك بطعم الشوكولاتة الحلوة يا جميلتي ، لكن دعيني أتذوق الـ ... باقي ... لأتأكد !
وبدلًا من أن يكبح جماح ثورة جسده الثائر راح يقبل كل إنش في وجهها برقة متناهية يسخر داخله منها !
عينيها ... بركتا الشوكولاتة خاصتيه برموشهما الكيفة الخلابة ، وجنتيها المكتنزتين برقة ، ذقنها ، تلك للتقطيبة بين حاجبيها وصولًا لـ...شفتيها ... مرة ثانية !
أخذ يقبلهما بخفة عدة مرات متتالية ، تزيد هي من تماديه بذاك الاستسلام وتلك الرعشة في شفتها السفلى المتدلية بإغواء طبيعي فيتعهد داخله أن يوقف ارتعاشتها ... إنما في الواقع كان يزيدها أكثر وقد كان  هو سببها من الأساس....!
أبعد نفسه عنها بغتة بصعوبة بالغة وهو يلهث بقوة فحاوطا نفسها بذراعيها تلقائيًا وهي ترتجف ليهمس لها بخشونة وهو يغمض عينيه
-: إن كنت تريدين مني التمادي فهو أحب ما لقلبي ، إن لم تريدي فأمامك خمس ثوان لتذهبي لغرفتك وإلا سأعتبر أنني حصلت على موافقتك!
أخذت ثانيتين تستوعب قبل أن تركض هاربة لغرفتها بسرعة توصد بابها بالمفتاح وهي تلهث بقوة متحسسة شفتيها بذهول تاركة إياه واقفًا يتحسس شفتيه المظللتان بشبح ابتسامة هو الأخر هامسًا بجذل 
-: خسارة هربت الفأرة المذعورة ، ستحتضن برودة سريرك كالعادة اليوم أيضًا يابن الغمراوي...
لكن من يستطيع النوم ! فلا هو ولا هي زار أجفانهما النوم بعد تلك الليلة الـ....حافلة !
قضت هي اللي على فراشها تتقلب بغير هدى وهي تتذكر كل تفصيلة وكل كلمة بانشداه تام و أعين مفتوحة تعجبًا بينما هو كان يخمد ثورة جسده بالتمارين الشاقة إنما .... عبثًا....
***
بعد بضعة أيام
تجلس على مكتبها الجديد تبتسم بفخر ، فخر لما حققته و وصلت له ، تتلقى التهاني منذ الصباح بفرحة وامتنان حقيقي ، تمرر يدها على الخشب الابنوسي الأسود للمكتب وعيناها تشردان....
لقد حققت ما تبتغي ، وستكمل مشوارها ...
لكن وسط الفرحة يبرز ذلك الشعور الاحمق الذي ينهشها من الداخل ، صورته لا تفارق عينيها ، صوته المرتعش لا يفارق اذنيها معذبًا ، نظراته .... أواااه من نظراته التي تكويها كيًا كلما تذكرتها !!
كانت تتمنى أن يكون لها قدرة التعبير عن لواعجها كما هو إلا أنها تجيد الإخفاء بداخلها ،لكن القلب هرم من المواراة حتى كاد ينفجر....
كرامتها تأبى الانصياع ، والقلب يصرخ مذبوحًا من ألم الفراق المميت...
همست بإنهاك وهي تريح جبهتها على المكتب بتعب 
-: لماذا منذ البداية يا غيث لماذا؟؟
تتلفظ بتلك الأخيرة بحرقة ليُطرَح بداخلها ذاك السؤال من العدم "إن جاءك ثانية نادمًا أتقبلين بالرجوع !؟"
رفعت رأسها مقطبة لدقيقتين وكأنها تفكر لترتسم ابتسامة ساخرة على محياها وهي تهمس لنفسها متناولة إحدى الملفات الورقية بعزم
-: أريحي رأسك يا شغف ، بعد ما ..فعلتيه لن ياتي ابدًا.....
***
نفس الوقت.....
أول أيام السنة الدراسية......
وقف بالسيارة أمام الجامعة متأففًا بحنق ، يشعر الآن فقط بالندم على موافقته على إكمال دراستها السخيفة ، بالرغم من أنه سيوصلها ذهابًا و إيابًا إلا أنه ليس مرتاحًا ، يخاف اختلاطها بالغير ، يخاف أن تكون لها حياة بعيدة عنه ، يعلم كم أنانيته إلا أنه هكذا !!
رجل حار العواطف كما هو حار الدماء ، أناني متملك بشدة في حبه ... 
فتحت عتلة الباب وهي تستعد للنزول متمتة بسلام خافت مختصر كما هي حالتها مذ تلك ... الليلة !
سارع للإمساك بساعدها يوقفها فنظرت له مستفهمة بتلك البراءة التي تقتله فقال عابسًا 
-: احترسي جيدًا على نفسك ، ركزي في محاضراتك ، اتصلي بي فور أن تنتهي ، و لا تتحدثي للذكور أبدًا .... 
قال جملته الأخيرة صائحًا بخفوت فأجفلت لتهز رأسها تلقائيًا وهي تسارع بالترجل من السيارة تاركة إياه ينظر في أثرها وهو يتنهد بقوة وقلبه المتلوع يهدر ، لماذا تبدو بهذا الجمال عندما تركته !!
لم يكن يجب أن يوافق على ذاك الفستان اللعين ... المهلك ... بزرقته الهادئة التي تتماشى مع لون بشرتها الخمرية ، يا الله !!
زفر بقوة وهو يدير السيارة وينطلق بسرعة هامسًا لنفسه 
-: ستجن قريبًا من تلك الصغيرة يا سيف!!! 
***
آخر اليوم الدراسي.....
ينتظرها بشيء من العصبية و أصابعه تنقر على المقود بغضب ، لقد اتصل بها فور وصوله وأخبرته أنها ٱتية إذًا لماذا تأخرت !!
ماذا تفعل ! .. تبًا له بماذا يفكر !!
إنها بضعة دقائق لم تكمل الخمس !!
قاطع أفكاره صوت فتح الباب فالتفت لها بحدة وهي تعتلي السيارة مبتسمة بانشكاح غير منتبهة لحاله فقابلها بتجهم عابس وهو يشيح بوجهه ويدير السيارة بينما يستمع لثرثرتها بنصف ذهن وهي تحكي عن الفتيات اللائي تعرفت عليهن ....
-: سيف ؟ سيف ألا تسمعني؟
التفت لها وقد سرح بأفكاره ... فيها ، لتكمل متكتفة وهي تزم شفتيها بعبوس
-: أخبرتك أكثر من ثلاث مرات أنني أريد مثلجات الشوكولاتة في أول يوم دراسي لي و أنت غير منتبه لي البتة !!
تركزت عيناه على شفتيها المزموتان بإغواء ، انتزعهما عنها بصعوبة وهو يعود بنظره للطريق مبتسمًا ابتسامة خبيثة وهو يقول 
-: فكي عبوس شفتيك بدلًا من أن...أفكه...لك
قال آخر كلماته ببحة مميزة و نظرات لم تخطئها فأسبلت أهدابها وقلبها تتسارع دقاته بجنون لتشعر به يوقف السيارة بعد عدة دقائق ويترجل دون كلمة ليعود بعدها وفي يده تقبع مثلجاتها فانفرجت أساريرها وهي تأخذهم منه شاكرة لكن قبل أن تهم بفتحها كان قد قال بحزم
-: لا ، ستأكلينها عندما نذهب للمنزل ، ولا تأكلي المثلجات خارج المنزل ... أبدًا.... 
تخصرت في جلستها وهي تهتف بعبوس 
-: لماذا إذًا ؟ ما العيب في المثلجات ؟
بنظرة حارة كنبرته قال بإيحاء
-: سأخبرك عندما نصل لـ...المنزل !!
و إن كانت بغيته إسكاتها فقد نجح أيما نجاح ، فقد أسبلت أهدابها ناظرة إلى المثلجات في حجرها وهي تكاد تلهث بينما هو يستمع إلى لهاثها وهو يشعر أنه على قاب قوسين من تقبيلها ... في سيارته وعلنًا أمام الناس.......
***
ليلًا......
أغلقت الهاتف معه وهي تتنهد بحالمية ، يا الله كم تحبه !!
إنه لا يكف عن الإغداق عليها بكلماته المعسولة ، لا يكل ولا يمل من شرح كيف هي بالنسبة له ...
كلماته تجعلها تزهر ونظراته تخترق قلبها فيهدر هاتفًا باسمه وحده....
كم تنتظر يوم زواجهما ، ليس لأي شيء سوى لتخلصه من أشباحه ، فهو يستحق أن يعيش حياة طبيعية 
لا يستحق كل هذا الوجع ، فيكفيه كل ما عاناه حتى هرم قلبه و قلبها....
اتسعت ابتسامتها وهي تفتح أحد أدراج مكتبها وتتطلع إلى ما بداخله بفرحة قبل أن تذهب لتتمدد على سريرها وتغط في نوم عميق مبتسمة براحة
google-playkhamsatmostaqltradent