رواية ألفة ووصال الفصل التاسع 9 - بقلم ايه شاكر
مديت إيدي أفتح باب الحمام… وفي نفس اللحظة حد فتح باب الأوضة من بره. اتخضيت، ورجعت خطوتين لورا، ولما شُفت مين اللي دخل… اتصنمت مكاني، وعنيا وسِعت من الصدمة...
ولما شافني هو كمان اتصدم ومن صدمته قفل الباب وراه. تلاقت عيونا للحظة… أول ما لمح ملامحي نزل عينه للأرض، ولفيت ظهري ولبست نقابي بسرعه.
- إنتِ دخلتِ هنا إزاي يا إيمان؟
قالها حاتم وهو باصص للأرض بنبرة مرتبكه، بس مكنش متلخبط قدي. لفيتله وقلت وأنا لسه تحت تأثير الصدمة:
- مكنتش عايزه أنام… زميلتي والله… آآ… أنا مكنتش…
سكت لما حسيت بالدموع بتجري من عيني، فبصيت للأرض…
خـ.ـطف حاتم نظرة بسرعة، وقال بتوتر:
- بتعيطي ليه؟ اهدي… وأنا خارج خلاص.
جري ياخد شنطته اللي ماخدتش بالي منها غير دلوقتي، قلت بحشرجة:
- آآ… آسفه والله… مكنتش أعرف إن إنت هنا!
ومن غير ما يرفع عينه، قال:
- محصلش حاجة… وكويس إن أنا اللي هنا… ولما تدخلي أوضة افتحي حمامها وبصي في أركانها كويس قبل ما تقفلي بابها عليكِ.
هزيت راسي وقلت بطاعة:
- حاضر…
اتجه للباب وقال:
- أنا هخرج وإنتِ اقفلي على نفسك وخدي راحتك.
- حاضر.
- وبطلي عياط لو سمحتِ.
- حاضر.
كنت لسه مذهولة، واقفة زي التمثال…
مسك مقبض الباب وهو مديني ضهره، وزفر زفرة طويلة وقال:
- تعبتيني أوي يا إيمان.
قلت بدموع وأنا بعدل نقابي وايدي بتترعش:
- أنا آسفه والله…
بعد ما فتح الباب، لفت ناحيتي من غير ما يرفع عينه، وقال:
- بطلي عياط…
وطلع وسابني. لما سمعت صوت الباب بيتقفل، جريت ووقفت وراه، ساعتها شهقة بكاء خرجت من حلقي واترددت في أرجاء الأوضة سيبت دموعي تنزل يمكن تهدي رعشة قلبي وارتباكه…
قعدت على السرير أفكر في اللي حصل… في كلامنا… ولقيت نفسي ببتسم وأنا ببكي.
وبعدين سألت نفسي:
- لحد إمتى هفضل مش عارفه أنا عايزه إيه؟
أنا تايهة… قلبي مال… وعقلي بيعافر ومش عايز يستسلم…
مطلعتش من الأوضة لحد شروق الشمس، مع إني منمتش.
والصبح الساعه ٧، دخلت القسم، اديت المريضة الدواء ووقعت اسمي في دفتر الانصراف.
وقبل ما أمشي، بص لي غيث بنظرة سريعة وقال بنبرة فيها تردد:
- بصي يا مس آ… أنا بعتذر لو غلطت فيكِ امبارح.
- حصل خير.
قال بنبرة مختلفة خالص عن امبارح:
- تمام يا آنسه… مش حضرتك آنسه برضه؟
هزيت راسي بـ أيوه من غير كلام.
بصّيت له، لقيت ابتسامة خفيفة بترتعش على شفايفه…
بصيت حواليا، لقيت زميلاتي واقفات بيراقبونا بابتسامة واسعة جدًا، كأنهم بيتفرجوا على مسلسل!
دخلت أوضة التمريض أغير هدومي، وأنا بسأل نفسي: هو ماله؟! وإيه مالهم؟! وإيه اللي جرى له فجأة؟ بقا لطيف كده فجأة؟ ولا خاف من حاتم؟!
أكيد خاف منه!
شويه ودخلوا عليا كلهم…
قالت واحدة بسخرية لطيفة:
- دا تاريخ المستشفى هيسجل إن مستر غيث الصعب بجلالة قدره اعتذر لإيمان.
قلت:
- صعب على نفسه… أنا مبخافش من حد… بس إيه اللي حصله يعني عشان يعتذرلي؟! خاف مني ولا إيه؟!
قالت زميلتي اللي كانت معايا امبارح:
- هو أصلًا إنسان غريب كل ساعة في حال…
قلت لها وأنا متضايقة:
- اسكتي إنتِ! دا أنا هعرفك عشان دخلتيني أوضة كان فيها دكتور يا أستاذة!
قالت:
- والله ما كنت أعرف… ودي الأوضة اللي كنا نايمين فيها أنا والبنات.
قالت واحدة تانية:
- تلاقي الدكتور هو اللي داخل بالغلط… الأوضة اللي جنبها بتاعة الدكاترة. بس دكتور مين اللي كان في الأوضة؟
قلت بلا مبالاة:
- متشغليش بالك.
لبست شنطتي وطلعت من الأوضه، سايبة ورايا همهمات وتساؤلات…
لكن كلامي القليل وغموضي هو اللي بيحميني من الناس.
استغفروا.
بقلم آيه شاكر
★★★★
وقفت مستنيه الأسانسير، فوقف غيث جنبي متملمش لكن كنت هنزل على السلم بدل وقفتي جنيه دي! بصلي وسألنب:
- إنتِ إيمان صح؟
- صح.
- أنا بعتذر منك تاني لأني كنت سخيف أوي امبارح...
- حصل خير.
ولما وقف الأسانسير كان فيه كتير فاتجهت انزل السلم وكان ورايا فقلبي دق بسرعه وقلق.
كنت سامعه صوته وهو بيحي اللي يقابله من عمال أو أطباء أو زملائه..
ولما طلعت من المستشفى شوفت حاتم قدامي بيتكلم في موبايله، وتسنيم في الاتجاه التاني بتستعد عشان تعدي الطريق وبتبص في الساعه وشكلها مرتبكه عشان هتتأخر على البصمة.
ولما شافتني شاورتلي وابتسمت، والمربيات رايحه جايه.
ديرت وشي ناحية حاتم وعربية حازم اللي وقفت قدامي فظهرت أسماء كانت راكبه قدام وشايله ابنها، قال حاتم:
- تعالي يا إيمان مش إنتِ رايحه البلد؟
- آآ... أيوه.
قلتها بتوتر، ففتحلي الباب وقال:
- طيب تعالي اركبي معانا هنوصلك.
وقال حازم:
- تعالي يا إيمان نوصلك في طريقنا... انزلي يا أسماء اركبي معاها ورا.
- رجلي وجعاني مش هعرف أنزل.
قالتها أسماء بزهق واضح، وقررت أزود زهقها وأستمتع شويه.
لكن قبل ما أركب سمعت أبواق العربيات وصوت احتكاك جامد من فرامل عربية، فاتفزعت وبصينا كلنا ناحية الصوت...
العربيات كلها وقفت مرة واحدة، ماعدا عربية واحدة عدت ولا كأن في حاجة، وكانت تسنيم واقفة مصدومة رافعة إيديها لفوق كإنها مـ.ـجرمة وقعت في إيدين الشرطة، وورقها وكيس الأكل وقع تحت رجليها...
جري «غيث» عليها وكان بيلم حاجتها من الأرض، وهي انحنت تساعده وتشكره بارتباك:
- شكرًا شكرًا جدًا... -يلا... تعالي في جنب وبعدين اشكريني.
ومشي جنبها لحد ما عدوا الطريق، ووقف يعطيها حاجتها وهي لسه بتشكره كتير، وهو ساكت ومردش، بني آدم غريب بمعنى الكلمة، ورجع لعبوس وشه ونظراته الحادة تاني.
قربت منها أطمن عليها، حضنتني وقالت:
- الحمد لله اتكتبلي عمر جديد... الحمد لله...
بعد ما سابتني، بصّت لغيث وقالت:
- شكرًا بجد...
فرد ببرود:
- كفاية شكر... أنا معملتش حاجة.
شاور غيث لعربية أجرة ومشي من غير ما يبص وراه، وتسنيم فضلت بصة في مكانه الفاضي وهي مبتسمة، وما أخدتش بالها إني بنادي عليها، هزيتها بخفة، فقالت بابتسامة مرح:
- إنتِ هنا يا إيمان؟
- بقالي شوية بقولك أنا ماشية عشان هركب معاهم... قلتها وأنا بشاور على عربية حازم، فبصت تسنيم وقالت:
- طيب ماشي في حفظ الله... أنا كمان متأخرة، سلام.
قالتها وهي داخلة المستشفى، فابتسمت، لأني بحب روحها المرحة رغم إني مشوفتهاش غير مرات قليلة... سبحان اللي بيده مفاتيح القلوب.
ركبت معاهم في الكرسي اللي ورا وجنبي حاتم اللي لزق في باب العربية وساب بينا مسافة كبيرة.
قال حاتم لأخوه:
- ما عندكش شغل النهارده ولا إيه يا حازم؟!
- لأ عندي أجازة، قولت أجيب العيش والفطار وبالمرة أجيبك.
- وأنا جيت معاه عشان العسل ده.
قالتها أسماء بابتسامة صفراء وهي بتشاور على ابنها، وساد الصمت، لحد ما سألني حازم:
- معدتيش بتكتبي روايات ولا إيه يا إيمان؟
قلت:
- لأ، اعتزلت... ومفيش وقت، وحسيت كمان إني ماعنديش الموهبة...
تدخل حاتم:
- معندكيش إيه؟! لأ، إنتِ موهوبة وأنا قلتلك قبل كده...
كان حازم بيسمع كلامه مبتسم، وكنت متأكده إن أسماء بتعض على أسنانها من الغيظ، خاصة لما غيّرت الحوار فجأة:
- صحيح يا دكتور حاتم... إيه رأيك في العروسة؟
رد حاتم:
- حلوة ربنا يرزقها بابن الحلال إن شاء الله، بس أنا بقا اعذروني مش هينفعها ومش هقابلها... وبطلي تزني على ماما.
اتعدلت أسماء وبصت لجوزها وقالت:
- قوله حاجة يا حازم... عايزين نفرح بيه.
- قول لمراتك تشيلني من دماغها يا حازم.
قالها حاتم بضيق، مخبيه ورا نبرة هزار، فقال حازم: - - خلاص يا سمسم سيبيه هو حر...
- بالظبط كده...
قالها حاتم، فردت أسماء بخبث:
- مش عارفة ليه الرجالة بيحبوا يجروا ورا الحاجة الصعبة والمستحيلة... حتى لو مش حلوة.
- عشان لما يوصلوا يحسّوا بلذة الوصول...
قالها حاتم، وبصلي بنظرة خاطفة وهو مبتسم، وأنا كنت متابعة الكلام بترقب وابتسامة مستخبية تحت النقاب.
سكتنا تاني، وبصيت للطريق من الشباك وأنا بسأل نفسي: "يا ترى حاتم عرف حقيقة أسماء زي ما قال قبل كده؟ ولا كان بيخوفني وبس؟"
المسافة بين بيت جدتي وبيتهم طويلة فوصلوني الأول، نزلت من العربية وودعتهم بابتسامة طالعة من عيني، وحسيت بنشوة انتصار وأنا شايفة الغيظ في عينين أسماء... أنا شكلي بقيت شريرة ولا إيه؟
نزل «حاتم» من العربية، وطلب من حازم يمشي لأنه هيطلع يسلم على جدتي ويلحقهم، فقلت:
- آآ... جدتي احتمال تكون نايمة...
ولما شفت الفرحة في عين أسماء، قررت أغيظها أكتر، فقلت:
- بس نصحيها عادي... اتفضل يا دكتور... حضرتك نورتنا.
اتغاظت أسماء، فحسيت بانتصار جديد، ودخلت البيت مبسوطة.
استقبلتني جدتي كالعادة:
- أهلًا بالمؤلفة الكبيرة اللي وحشتني هي وقصصها...
قلت وأنا بخبط على الباب:
- معايا ضيف يا تيته...
ظهر حاتم وألقى السلام فردت جدتي:
- أهلًا وسهلًا... اتفضل يا حبيبي.
شدتني جدتي من إيدي ولما قربت منها، قالت همس: - ده العريس؟!
رديت همس: - مش وقته يا تيته.
بصّتله جدتي وقالت:
- أهلًا يا حبيبي... نورت.
قعد حاتم يعرفها بنفسه، وجدتي ابتسمت وطلبت مني أجيب ضيافة. ولما رجعت، سمعتها بتقول آخر جملة:
- أنا بقا قولت لإيمان إن القصة بتاعتها دي ناقصة... والبطلة غلطانة.
بلعت ريقي وقلت بصدمة:
- قصة ايه دي يا تيته؟
- قصة البت اللي رافضه العريس عشان أخته ومرات أخوه...
ارتعشت يدي فحطيت الصنيه قبل ما تقع مني، قام حاتم وبصلي بنظرة سريعة واستأذن ومشي.
قفلت الباب وراه، ورجعت أسأل جدتي:
-إنتِ حكيتيله إيه يا تيته؟!
- هو ماله زعل من القصه ولا إيه؟!
أدركت إللي حصل، حاتم فهم كل حاجه، قلت بقلق:
- يالهووووي...
استغفروا
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد يومين…
دخلت المستشفى في شيفت النهار، اليومين اللي فاتوا مروا في قلق وأرق، ومنعت نفسي إني أمسك الموبايل وأكلم حاتم وأوضحله… هو أصلاً في إيه يتوضح؟ كل حاجة باينة خلاص.
اتمنيت أشوفه النهارده، وقعدت على الكونتر مستنية باقي زمايلي، لحد ما لفت انتباهي صوت بحبه، الصوت اللي بينشر بهجة على الكل، قربت مني وقالت:
- أخيرًا اتقابلنا في شيفت واحد.
سلمت عليها وأنا مبسوطة:
- تسنيم… يا نهار أبيض ده يوم سعيد.
لكن أول ما شُفت ميسره داخل، عيني وسعت والبهجة طارت:
- ليه كده بقا؟!
بصّت تسنيم على اللي ببص له وابتسمت قبل ما تقول:
- أخويا خطوبته كمان يومين… وإنتِ معزومة طبعًا.
ابتسمت وقلت:
- م… مبروك… عقبالك يا توتو.
وأول ما قلتها، لقيت تسنيم بتبص بابتسامة فضـ.ـحاها ناحيته الشخص التاني…
وكان آخر حد نفسي أشوفه النهارده “غيث”، قلت بحسرة:
- دا إيه الشيفت ده!!!
تنهدت ورجعت لشغلي، وميسره مكلمنيش، وطول الوقت شغال في هدوء…
الوقت عدى بهدوء، وفرحت لما بصيت في الساعة لقيت باقي ساعتين وخلاص… لكن فجأة جهاز حالة من عندنا صَفَر، وبعد محاولات كتير لإنعاش قلبها… "مـ.ـاتت"
ميسره بص عليها بحسرة وقال:
- أبشر يا تيمور… أهل الحالة دي بلطـ.ـجية ومش هيسكتوا!
غيث قال:
- وإحنا هنعمل إيه! الأعمار بيد الله.
الدكتور خرج يبلغ أهل المتوفية… ومىجعش تاني، وفضلنا سامعين الصويت والصريخ برا، والقلق مالي المكان… واحنا بنبص لبعض كده بخضة، وبنحكي قصص زمايلنا لما أهالي المرضى هجموا عليهم.
ميسره وغيث بدأوا يجهزوا المتوفية، وإحنا واقفين بنكلم بعض بنظرات بس.
تسنيم قالت:
- الدكتور هرب وسابنا.
واحدة تانية قالت بثقة:
- متقلقوش… إحنا بالنهار يعني الوضع أمان، وبعدين الأمن برا ومش هيخلّوهم يدخلوا هنا.
وقالت ثالثة:
- وثالثًا بقى أقولكم حاجة… لو حد حاول يقرب منكم قولوا أنا حامل… هيبعد فورًا.
قلت:
- يا سلام! وأنا بقى أقول حامل إزاي وأنا أصلاً مش متجوزة.
ردت:
- يا ستي هوّ يعني هيخليكي تعملي تحليل! المهم نعيش.
تسنيم قالت بصوت بيرتعش:
- أنا عمري ما أقول كده طبعًا… وبعدين أنا أصلاً مش خايفة.
وبمجرد ما خلصت جملتها… الهجوم حصل فجأة!
القسم اتملى بأهالي المتـ.ـوفى، داخلين يكـ.ـسـ.روا.
تسنيم صرخت وجريت في ثانية واستخبت ورايا:
- محدش يقربلي… أنا حامل!
قالتها وهي مرعوبة ومسكاني من دراعي.
أنا اتصنمت في مكاني، وبلعت ريقي وأنا شايفة دخولهم المفاجئ بالآلات الحادة، ومش فاهمة الأمن راح فين!
واحد منهم وقف قدامي رافع السـ.ـلاح في وشي، فقلت بسرعة:
- لو سمحت… متقربليش… أنا حامل.
وعاوزه منكم طلب مهم هقولكم في أول كومنت 🙈
(٩)
•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية