رواية ألفة ووصال الفصل الثامن 8 - بقلم ايه شاكر

 رواية ألفة ووصال الفصل الثامن 8 - بقلم ايه شاكر

قبل ما إيمان تركب ورا الراجل اللي مأخدتش بالي هو مين، شُفت في عنيها نظرة… لو بتتكلم كانت هتقول: "أنا خايفة!"
فضلت واقف مكاني أبص عليهم لحد ما اختفتوا، وحسيت كإن نور الشارع انطفى مره واحده.
سألت نفسي: هي راحت فين دي؟ وإيه السر اللي ورا النظرة دي؟!
رفعت دماغي أبص على بلكونتها، لقيت أخوها الصغير واقف هو كمان بيتابعها، والحزن باين على وشه. ناديته:
- أيـــــمـــن!
انتبه لي وقال بابتسامة فيها حزن:
- نعم يا دكتور.
- هات عودين نعناع وتعالى نشرب شاي… عايزك.
هز راسه بـ لأ وقال بقلق مصطنع:
- ما بلاش… أنا آخر مرة شربت شاي بالنعناع عكيت الدنيا!
افتكرت اللي قاله اليوم ده، فضحكت وقلت:
- يا عم عكيت إيه! انزل متقلقش… أنا نسيت اللي إنت قولته أصلًا.
- أصلًا!؟ طيب احلف بالله.
ابتسمت وكنت فاكر اللي قالهولي: إن إيمان قابلت عريس تاني. ساعتها حسيت إن مفيش فايدة من اللي بعمله… وإني بجري ورا سراب.
وهو لاحظ إن ملامحي اتغيرت، وندم إنه اتكلم بعفوية، ضحك واعتذر وبرر إن أخته “مستهلّانيش”، لدرجة إنه قال إن مناخيرها كبيرة!!
ساعتها زعقتله، واتضايقت لأني عمري ما شفت إيمان غير جميله.
أنا شوفتها أكتر من مرة قبل ما تلبس النقاب… اتشديت لـ تلقائيتها، وملامحها اللي زي الملاك.
مأخدتش بالي من مناخيرها أصلاً… وشها مدور ومنور زي القمر، وابتسامتها خجولة، وضحكتها وهي بتخبي سنانها بإيدها، وزعَلها الطفولي وهي بتزم شفايفها، ونظراتها اللي كانت بترميني بيها كل ما نِعدّي على بعض ونظرتها وهي بتعمل نفسها مش شيفاني…
حاولت كتير أبعد عنها… وكل مرة أرجع لها أكتر من الأول.
افتكرت حكاية أخويا حازم وحبه لـ نجمة… وازاي كنت بسخر منه بيني وبين نفسي. وأنا اللي دلوقتي بدوق نفس المرارة… مرارة الحب والشوق والرفض والبُعد ودلوقتي بس… فهمت ألمه.

خرجني من أفكاري صوت أيمن وهو بيناديني كذا مرة، وقال:
- أنا عندي مذاكرة.. هبقا أجي وقت تاني.
- يلا يا أيمن، انجز... مستنيك.
قلتها وأنا داخل أحط براد الميّه على النار، وقلبي مليان قلق وحيرة وتعب، يا ترى راحت فين وشالت شنطتها ومشيت كده!؟ ومصير قلبي هيبقى إيه!؟ أنا أصلًا مش متخيل حياتي من غيرها.
أنا راسم حياتنا سوا، وبدعي كل ليلة إن قلبها يلين وميدُقش غير ليا، وإن ربنا يجمعنا في الحلال قريب...

رجعت بذاكرتي لأول مرة شُفتها فيها، يوم ما كنت في بيتهم مع أخويا، ولما إخواتها زقّوها على أوضة الجلوس. ساعتها اتخضت واتلخبطت وكانت نظراتها مرعوبة وهي بتقول كلام عفوي زعل والدها. افتكرت جملتها:
"جاين لوحدكوا ليه! أومال فين شروق وأبو شروق وأمها؟"
ضحكت وقطع ضحكتي صوت جرس الباب، فعرفت إن أيمن وصل.
فتحت له، مد إيده بورق نعناع وهو بيقول:
- النعناع أهوه، ومتكترليش منه ولا تزودّي سكر... أنا اكتشفت إن المشكلة في النعناع والسكر، بيخلوني مش في وعيي ولا مؤاخذة.
- ماشي يا سيدي، مش هكتر سكر... ادخل.
قلتها بضحكة ودخلت على المطبخ، وهو قفل الباب وجه ورايا. وقف ورايا وأنا بحط الشاي والسكر في الكوباية، وقال بخفة:
- معقولة يا ناس... سِكر بيحط سِكر!
قلت بابتسامة:
- بكاش أوي.
الولد ده بيطلع مني الضحكة غصب عني، بيّفكرني بإيمان... نفس ملامحها، نفس عفويتها وضحكتها ونظرتها الدافية.
انتبهت من سرحاني لما أيمن طرقع أيديه وقال:
- على فكرة… أختي راحت عند جدتي، هتقعد هناك فترة عشان خالي مسافر...
- راحت البلد؟ هتقعد قد إيه؟
- مش عارف... بس باين كتير.
قالها أيمن، وبعدين كما بنبرة حزينة:
- أنا زعلان أوي... البيت ملوش طعم من غيرها. والله لولا الدراسة كنت روحت معاها...
رفع راسه وابتسم وقال:
- أصل إيمان دي الحتة الطرية في البيت، بفرج جدًا وأنا بضايقها، وأكاد أجزم إن هي كمان بتتبسط بده.

ابتسمت وأنا بقلب المعلقة في كوب الشاي وقلت: -وربنا ميحرمكوش من بعض.
رحنا على البلكونة بالشاي وهو بيسألني:
- هو إنت تعرف واحد اسمه ميسره؟!
قلت وأنا بقعد:
- تقريبًا... ليه؟
-أ.صله طلب إيد إيمان من بابا...
ساعتها الكوباية وقفت في إيدي، ومهتمش ليها ميلت عليه وقلت بنبرة عالية:
- نَـــــــــعــــــم!؟ وهي قالت إيه بقى؟
رجع أيمن لورا بخضة وبص حواليه في توتر، وقال:
- هـ... هي مقالتش حاجة لسه!
سِكِتِّنا لحظة، وأنا بحاول أمنع غضبي، بس معرفتش. هو حس بده، وحاول يخفف الموقف فقال:
- هو إنت لما تتجوز إيمان هتقعد هنا في الشقة برضه... صح؟!
لمّحت ابتسامة على شفايفي، وقلت:
- يسمع من بوقك ربنا... وأكيد هقعد في المكان اللي هي تختاره.
ضحك أيمن وقال بعفوية:
- أنا مش عارف والله هي رفضاك ليه! تخيل! بتقول لماما إنها عايزة تتجوز ميكانيكي أو حداد أو نجار!
بصّيت له وأنا رافع حاجبي، فعض لسانه بسرعة وقال وهو بيشاور على الشاي:
- مش قولتلك متكترش نعناع ولا تزود سكر...
ضحكت وقلت:
- والله إنت اللي سِكر يا أيمن.
حط ايده صدره وقال بابتسامة:
- ربنا يعزك يا رب.
قمت ووقفت على سور البلكونة، ببص للسما وأنا مُضَيّق عيني وبهمس:
- ماشي يا ميسره... مش هغلب معاك.
طلعت تنهيدة طويلة، وفضلت أعيد الجملة أكتر من مرة، لحد ما سمعني أيمن وهو بيقول:
- بتقول حاجة يا دكتور؟!
التفتت له وقلت:
- بكلم نفسي... قوم... قوم انزل ذاكر.
- أيوه ما حضرتك أخدت غرضك مني...
- غرضي منك! انزل يا أيمن ذاكر ربنا يهديك.
- ماشي يا هندسه.

قالها وقام يمشي شرب، فقلت بصوت عالي:
-هندسه! إنت خدت عليا أوي!

رجعلي تاني وقال بقلق:
- هو حضرتك زعلت عشان قلت هندسه؟
- لا يا أيمن بهزر معاك...
قلتها بابتسامة، فابتسم أيمن ولوح لي قبل ما يمشي...
بقلم آيه شاكر
استغفروا
★★★★★★★
«إيمان»
الحياة كبحرٍ مدلهم، تتقلب أمواجه بين شدة وتراخي، نستطيع التأقلم مع اضطراب أمواجه، إنما المشقة كل المشقة تكمن في التعامل مع مخلوقاته.
******
بمجرد ما وصلت لبلد جدتي حسيت بخنقة، ولما عدينا قدام بيت شروق صدري اتقبّض كإن الهوا اتسحب من حواليا…
عدّت دقيقة كمان لحد ما وصلت لبيت جدتي، واستقبلتني جدتي بترحيب وفرحة.
قال خالي:
- أنا لسه قدامي يومين تلاته على ما أسافر، هكون فهمتك نظام العلاج وكل حاجه.
- ماشي يا خالو.
قلتها بهدوء مش شبه طبيعتي معاهم، فسألتني جدتي:
- مالك يا بت؟ هو خالك جايبِك بالعافية ولا إيه؟!

رسمت ابتسامة خفيفة وقلت:
- لا يا تيته، أنا بس عايزه أنام… هو أنا هنام فين؟

قلتها وأنا ببص حواليّا، فشاور خالي على سرير قصاد سرير جدتي، وسابنا بعد ما اطمن علينا

قالت جدتي:
- مش هتحكيلي قصة حلوه من اللي إنتِ بتكتبيهم؟ - بطلت الشغلانة دي يا تيته.
- ليه يا بت؟! دا أنا مستنياكِ عشان تسلّيني شوية بقصصِك.
افتكرت حاتم، وبصيت لجدتي بابتسامة وقلت:
- ننام النهارده وبُكره أحكيلِك قصة حلوه… إيه رأيك؟
مجادلتش جدتي ورقدت وهي بتقول:
- ماشي، عشان أنا كمان عايزه أنام… تصبّحي على خير.
- تلاقي الخير دايمًا يا تيته.
قلت كده وبدأت أرتب حاجتي في الدولاب، وبعدين غيرت هدومي ورقدت على سريري بس معرفتش أنام. سألت نفسي… وبعدين؟ هغرق إمتى؟ وإيه اللي هيحصل؟

لكن مفيش حاجة حصلت… الأيام عدت بروتينيه بعضها، ومفيش حاجة تسليني غير حكاوينا أنا وجدتي قبل النوم كل ليلة…
حكيت لها عن حاتم، وعن اللي عملته أسماء وشروق… وعن كل حاجة، مخبّتش عنها لا خير ولا شر، وأوهمتها إنها قصة من خيالي. لكنها اعترضت جامد على رفض البطلة لحاتم وقالت:
- هي البطلة بتاعتك دي معتــ.ــوهة! واضح من كلامك إنها بتحبه… رافضاه ليه بقى؟! بتعاقب نفسها! أنا شايفة إنه يستاهل فرصة، وهي تعمله اختبارات وعلى أساسها توافق أو ترفض… إنما كده هتندم أشد الندم بعدين… هو عيبه الوحيد أخته ومرات أخوه زي ما بتقولي! وده مش عيب.
- إنتِ شايفة كده يا تيته؟!
- طبعًا، أصل الحياة عمرها ما هتمشي من غير مشاكل. لو العيب مش في أهل البطل، هيكون في البطل نفسه، أو البطلة! لازم يبقى في خلل في مكان… مفيش حد كامل! وبعدين هو بُعده عن أهله كإنه بيقولها بطريقه غير مباشرة إنه مستعد يكتفي بيها…
كنت بقرض ضوافري وأنا مركّزة في كلامها، وسرحت شوية أفكر… وبعدين قلت:
- ممكن يكون عندِك حق يا تيته… أنا هفكر تاني.
- فكري ياختي.
نامت جدتي وسابتني أفكر في اللي بعمله مع حاتم. هل أنا بظلم نفسي؟ هو أنا بحبه؟ لا… أنا محبتوش! يمكن حبيت إنه بيحبني… إنه عايزني… بس أنا بكره اسمه!
ولما جيت أتناقش مع جدتي تاني، سمعت صوت نَفَسها المنتظم، فعرفت إنها نامت.
فاستلقيت وقفلت عيني، وأنا بحاول أقنع نفسي إني مش بحبه!
افتكرت ميسره… أمي مجابتش سيرته تاني، وأيمن قال إن ميسره لا رفض ولا طلب تاني، فأهلي سكتوا، واتنسى الموضوع.
وأنا مشفتوش ولا اتكلمت مع أخته تسنيم بعدها.

كنت بخرج لتدريبي يومين في الأسبوع الصبح، ويوم بالليل.
وأثناء دوامي، كانت بتيجي أخت جدتي «والدة أسماء» أو خالتي أو أمي، يقعدوا مع جدتي…
مشوفتش حاتم في الفترة دي… لأني اتنقلت لقسم تاني في التدريب.
بس جوايا كان في حاجة مش مرتاحه… كل يوم أخرج على أمل أشوفه، وكل يوم أرجع من غير جديد. ساعاتها بس أدركت إنه كان بيدي لأيامي نكهة خاصة… وافتقدتها.

وأثناء دوامي… كتير كنت أقابل «شروق»، تبتسملي، وتقعد تحكي لصاحبتها بصوت عالي عشان أسمع، عن استقرارها هي وأكرم… مش فاهمة بتعمل كده ليه! بتحاول تغيظني؟ أنا أصلًا مش فارق معايا!
استغفروا.
★★★★★

بداية ٢٠٢٠ مساءًا
رايحة الهوا بعد المطر مميزة تشرح الصدر، أنا بعشق القشعريرة اللي بتسري في جسمي من برد الجو.
بحب المطر! بدعي بكل اللي نفسي فيه، بيقولوا إن أبواب السما بتكون مفتوحة على الآخر وقتها… يا سلام على جمال الشتا!

وصلت قدام المستشفى شيفت بالليل…
وبصيت جنبي لقيت حاتم نازل من عربية الأجرة…
عملت نفسي مش واخدة بالي، وبصيت قدامي وقلبي بيخبط من الفرحة، وهو كان باصص عليا.

قطعنا الطريق سوا، وقرب مني لحد ما سمعته بيقول:
- ازيك يا إيمان؟
بصتلُه بنظرة سريعة وشلت عيني بسرعة وقلت بثبات مُفتعل:
- ازيك إنت يا دكتور؟
- الحمد لله، فينك اختفيتِ فجأة؟… إنتِ في قسم إيه دلوقتي؟
- آآ… عناية جراحة.
هزّ راسه بابتسامة هادية، وكل واحد فينا راح على شُغله.
وأنا كنت ببتسم تحت النقاب… يا لحُسن حظي الليلة! إيه الإحساس ده؟! سألت نفسي هو أنا ليه استلطفت صوته وكلامه؟ وحتى شكله بقا مُريح!؟

المشاعر دي غصب عنّي خلتني أعترف… إنه وحشني… بجد!

بقلم آيه شاكر
★★★★
وفي قسم العناية كان داير حوار بين طاقم التمريض…
قالت واحدة منهم:
- الحالة اللي في أوضة ٣ متشخّصة كورونا… أنا مش همسكها.
قالت التانية:
- ولا أنا! أنا حامل.
ردّت الأولى:
- ما أنا كمان حامل.
بصوا هما الاتنين عالممرض الوحيد في الشيفت، فبص لهم بعبوس ما بيفارقش وشه:
- متبصوليش… أنا مسكت حالة خلاص وأصعب منها.
لفوا كلهم يبصولي، فبصيت ورايا يمكن يكون حد تاني، فخبطت عيني في الحيطة، فقلت:
- أنا امتياز يعني… أكيد مش همسك حالة لوحدي!
قال الممرض بحدة:
- وفين باقي زمايلِك إن شاء الله؟!
استغربت طريقته الفظة، قلت:
- معرفش.
رشقني بنظرة حادة ومشي، وجت الممرضة قالتلي:
- بصي… أنا همسكها معاكي بس أنا حامل، يعني هقولّك تعملي إيه، بس مش هدخل عندها.

بصيت ناحية الممرض الغريب ده، وبعدها حولت وشي عنه وقلت:
- ماشي… تمام.
في الوقت ده مكنش كورونا مشهور ولا معروف خطـ.ـره، فمَهتمّتش ولا أخدت في بالي خالص.
دخلت للحالة وقعدت جنبها أتكلم معاها وكنت بأكلها بإيدي ولا كإن في حاجة.
أول ما طلعت، لقت زميلتي الإدارية بتقول:
- إنتي هـَـ.ـبْلة يا بت؟ كنتي بتعملي إيه عند الحالة دي؟!
- وزّعيني عليها… أنا مسكتها مع مس ماهي.
- دي كورونا!
- يعني إيه كورونا بس؟ الست زي الفل… دي فكرتني بجدتي. أنا حبيتها قوي… وأنا همسك الحالة دي، وهلبس ماسك خلاص.
قلتها ببرود، فقالت زميلتي وهي بتكتب اسمي:
- إنتي حرة.
وكملت دوامي مع الست المُسِنّة…
ولما جه نص الليل، كنا خلصنا العلاج، والهدوء سيطر ع المكان، واتقسمنا فريقين يتناوبوا النوم…
قلت:
- أنا مش هنام… متعملوش حسابي.
الممرض رشقتي بنظرة غريبة، يمكن فيها كُره مش فاهمة سببه! أنا أصلاً أول مرة أشوفه!

كان مركز بيكتب أحوال المرضى، فسألته الممرضة:
- ممكن أقوم أصلي وارجع يا مستر غِيّس؟
قال من غير ما يرفع عينه:
- غَيْث… مش غيس.
قالت له بابتسامة مستفزّة:
- إنت اللي اسمك غريب!
قال ببرود:
- مش أغرب من اسمك يا مس مَهِيرة.
قالت بضيق:
- ماهي… اسمي ماهي لو سمحت.
هو لوى بوقه وسكت، فقامت الممرضة وهي بتهميش بغضب:
- هو الشيفت باين من أوله.

ولما انتهى غيث من التدوين، بصلي أنا وزميلتي باستهانه وقان يمر على اوض المرضى، فقلت لزميلتي:
- ماله ده! مش طايق نفسه ولا طايقنا! شكل مراته ضـ ـرباه قلمين قبل ما يجي!
- لا دا مش متجوز، خريج من قريب أعتقد! بس بيقولوا مستر غيث ده صعب أوي.
- على نفسه.
قلتها بثقة، فضحكت زميلتي وقالت:
- يعجبني فيكِ ثقتك بنفسك وإنك جاهزه دائمًا للهجـ.ـوم، لكن أبوس إيدك عدي الشيفت ده على خير ومن غير مشاكل.

قالتها وقامت تجيب موبايلها، فابتسمت وفتحت موبايلي على المصحف أرنل القرآن بهمس...

وبعد دقيقتين رجع غيث وسأل بغلظة:
- صاحبتك راحت فين؟!
- مش عارفه!
قلتها من غير ما أبصله،، فقال بانفعال:
- يعني إيه مش عارفه! هو أنا كل ما أسألك عن حاجه مش عارفه!
- لو سمحت متعليش صوتك عليا!
قمت عشان أسيب المكان فقال:
- لو خرجتِ من هنا هعمل فيكِ مذكره.
- ابقي هاتها وأنا أمضيلك عليها.
تجاهلته وقل ما أخرج، سمعت صوته الغاضب:
- ماشي... هتشوفي هعمل ايه!
- تمام وريني.
قلتها ببرود وخرجت كنت قلقانه، ولكن كرامتي فوق كل شيء...

وبعد فترة
دخلت تاني مع زميلتي، وكانت الممرضة التانية بتدوّن شُغلها، سألتني:
- إنتِ عملتِ إيه! دا مستر غيث شايط منك وكتب فيكم مذكرة.
شوّحت بإيدي ببرود، وسألتني زميلتي والقلق مالي عنيها:
- إنتِ عملتِ إيه يا إيمان؟ مش قولتلك عدي الشيفت على خير؟
معلقتش... وقعد غيث بوش عابس بعد ما بصلي بنظرة كلها ضيق، وقال للممرضة "ماهي":
- سبحان الله، أنا عمري ما قابلت واحدة منتقبة إلا وكانت قليلة الذوق!
- لو سمحت... احترم نفسك.
قلتها بحدة، لأني الوحيدة اللي لابسة نقاب.
تجاهلني، فزودت:
- أنا ممكن أعمل فيك مذكرة دلوقتي عشان شتمتني.
برده تجاهلني، فسكت شوية أفكر.
المكان كله كان ساكت إلا من صوت الأجهزة.
بصوت عالي قلت لزميلتي:
- كنت فاكرة كل الغيث كله خير... بس لما قابلت غيث شُفت شره.
عرف إني عصبته، لما قبض ايده.
فقمت مبتسمة.
عينيه ولعت وقال وهو بيعض على أسنانه ومنفعل:
- تصدقي بالله أنا...
وقطع كلامه هطول "غيث قلبي" لما حاتم دخل وهو ماشي بهدوء، وبص لغيث وقال:
- فيه إيه؟ صوتك عالي ليه يا مستر؟!
غيث نفخ:
- ولا حاجة...
زميلتي قالت:
- حل الموضوع يا دكتور وشوف مين اللي غلطان...

وبما إن زميلتي عارفة إني قريبة حاتم، بدأت تحكي اللي حصل باختصار.
ولما خلصت، قلت:
- نسيتي تقولي إنه شتمني وقال إني قليلة ذوق.

حاتم قال وهو بيرشق غيث بنظرة جامدة:
- هو قال كده؟!
أنكر غيث:
- أولًا أنا مقولتش كده، ثانيًا هي عملت فيا مذكرة لإنها سابت القسم من غير ما تستأذن!

رد حاتم بجمود:
- وإنت مالك؟ تستأذن منك ليه؟!
- لإني سنيور الشيفت.
قالها غيث، فرد حاتم:
- وإنت مالك بيها برده! حد موصّيك على الامتياز؟! إنت ليك الاستاف بتاعك يا أستاذ!

- لأ يا دكتور... أنا مسؤول عن كل التمريض هنا.
احتدّ الكلام بينهم فقلت بتتوتر:
- آآ… خلاص يا دكتور حاتم...
انفعل حاتم:
- لأ مش خلاص!
سابه غيث ومشي، فحاتم قال بغيظ:
- والله إنت اللي قليل الذوق... يلا يا إيمان، مش هتقعدي هنا، ويبقى يوريني هيعمل إيه.
قبل ما أرد، جهزغيث وقال:
- هعمل كتير وهتشوف.
رد حاتم:
- تمام… ابقى ورّيني هتعمل إيه! يلا يا إيمان.

بصوت لبعض بنظرات حادة، ومشي غيث فتدخلت ماهي:
- معلش يا دكتور… والدته لسه متوفية من قريب وأعصابه بايظة وبيتخـ.ـانق مع أي حد… بالله عليك متعملش حاجة، وأنا هتكلم معاه وأخليه ييجي يعتذرلك.

بلعت ريقي وقلت:
- خلاص يا دكتور لو سمحت.
- يلا تعالي يا إيمان.
- لأ… مش هينفع أسيب القسم دلوقتي.
وقعدت، فحاتم ضم شفايفه ومعلقش...

مشى خطوتين وبصلي بنظره سريعة وخرج…

بعد وقت طويل... قعدنا قدام مكتب التمريض في صمت تقيل، بنراقب أجهزة المرضى لحد ما باقي الطاقم صحوا وتناوبوا.
دخل غيث ينام، فتنهدت براحة، وقعدت ألعب في الموبايل وسرحت وأنا بكتب شوية خواطر، لحد ما صوت زميلة قالت:
- تعالي ورايا يا إيمان بسرعة... قومي!
- فين؟!
قولتها، بس هي شاورتلي ومشيت من غير ما ترد.
روحت وراها وأنا بسأل:
- رايحين فين؟ عايزة إيه؟!
لحد ما وقفنا قدام أوضة مقفولة، وقالت:
- ادخلي الأوضة دي وارتاحي شوية لحد الفجر… فاضل ساعة ونص.
- لـ… لأ، أنا مبعرفش أنام غير في…
قاطعتني:
- ادخلي اقعدي على السرير يا إيمان! هتفضلي قاعدة على الكونتر طول الليل؟!
وببعض العصبية زقتني جوا الأوضة وقفلت الباب عليا.
قررت مجادلش وقولت أقعد على السرير شوية وأرجع.
الأوضة كانت فيها أربع سراير فاضية وحمان.
قفلت الباب وقعدت على السرير شوية، شلت النقاب وتنهدت، وبعدين قمت أتوضى وأصلي ركعتين قبل الفجر.
مددت إيدي أفتح باب الحمام… وفي نفس اللحظة حد فتح باب الأوضة من بره. اتخضيت، ورجعت خطوتين لورا، ولما شُفت مين اللي دخل… اتصنمت مكاني، وعنيا وسِعت من الصدمة...
اللي مش هيتفاعل قلبي وصوابعي غضبانين عليه.
الحلقة (٨)

•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية

تعليقات