رواية ألفة ووصال الفصل السادس 6 - بقلم ايه شاكر
- نــــــعـــــم!
- إنتِ هتقفي كده كتير يا بنتي خدي الصنيه من إيدي!
- أنا مش هنزل يا ماما! واللي بتفكري فيه ده مش هيحصل انسي... مش هتجوزه.
- خدي الصنيه من إيدي يا إيمان ونزليها للراجل.
- مش هنزل يا ماما.
قلتها بعند ونبرة أمي ونظراتها بتتغير بين الحدة واللين، حطت أمي صنية الأكل ويحبتني من هدومي فخوفت، زعقتلي:
- ارحميني، أنا نفسي أعرف إنتِ عايزه إيه؟
- مش عايزه حاجه والله.
قلتها بخوف، فسابتني أمي، ورفعت صوباعها في وشي تحذرتي:
- والله وبالله يا إيمان لو ما سمعتِ الكلام ونزلتِ الأكل ده لحاتم لهخلي أبوكي يجوزك ابن عمك ونخلص منك.
عارفه إني بابا مش بيرفض طلب لماما وهو أصلًا بيحب ابن عمي اللي أنا مش بطبق أتنفس من الهواء اللي بيتنفس منه، فشيلت الصينيه وقلت قلة حيلة:
- ولا تزعلي يا ماما هنزل أفطر وأتغدى معاه لو ده يرضيكِ.
ابتسمت أمي، فبصتلها بشك، وشاورت لأخويا اللي كان بيسمع حوارنا بابتسامة مستفزة، ونزلنا لحاتم وأنا زهقانه، وصوت أمي واصلني:
- ربنا يهديكِ يا بنتي ويجعله من حظك ونصيبك.
رد أخويا بابتسامة:
- آمين... آمين.
ونزلنا وأنا مستغربة اللي بيحصل.
خبط أخويا على الباب بحمـ ـاس، ولما شافنا حاتم ابتسم وسلم على أخويا، بينما كنت واقفه ساكته ونظراتي طبعًا بتعبر عن رضايا.
حمحم حاتم وأخذ الصينيه ايدي وهو بيقول:
- تاعبه نفسك ليه يا إيمان؟ أنا قولت لطنط إني مش هفطر دلوقتي.
سكت، وحمدت ربنا إن النقاب بيخفي تعبيرات وشي، قال:
- كان نفسي أقولك اتفضلي لكن معلش بقا هـ...
وقبل ما يكمل تبريره، قاطعته:
- إنت إنسان متربي عشر مرات... روح ربنا يباركلك.
قلتها وطلعت السلم بخطواتٍ واسعة وسيبته واقف جنب أخويا جوار بيبصوا لبعض، وأخويا بيقول:
- أنا هفطر معاك.
دخلت للشقة أنفاسي عالية، وقفلت الباب ورايا وبمجرد ما شافتني أمي قالت:
- يابت مفطرتيش معاه ليه؟
خلعت النقاب، وقلت بابتسامة:
- موافقش يدخلني يا ماما.
- ومالك مبسوطه كدا ليه؟
- مش مبسوطه بس مش عارفه بوقي مبتسم ليه! بحاول أبين أد إيه أنا زعلانه ومتأثره لكن بوقي مش مديني فرصه.
قلتها بابتسامة عريضة، ومختفتش إلا لما حدفتني أمي بالمخده في وشي.
وقالت بزهق:
- والله لأقول لخالتك تيجي تتصرف معاكي أنا تعبت... والله تعبت.
ورنت على خالتي تشتكيني ليها، هو أنا يعني عملت ايه!!
سمعت جملة أمي وهي بتقول:
- ماشي هاتي بودي وتعالي اقعدي معانا يومين! هستناكي.
اتصدمت وقلت بقلق:
- بودي جاي!!
بصيت لأوضتي وبلكونتي وزرع النعناع، خوفت يرويه بودي من ماءه الجاري زي ما عمل قبل كده.
لبست النقاب وجريت وحطيته على حته عالية، وقلت:
- ربنا يعديها على خير.
سمعت أخويا بيناديني من بلكونة حاتم، قال:
- نزلي السبت بعودين نعناع عشان نشرب شاي بالنعناع.
نفذت اللي قاله وأخد حاتم النعناع، قال بابتسامة:
- شكرًا.
- عفوًا.
قلتها ودخلت لأوضتي....
وبعد فترة رجع أخويا للبيت، وقف ورا الباب يحك رأسه، وهو بيقول:
- شكلي كده عكيت الدنيا! الشاي ده كان فيه حاجه أكيد!
سألته:
- إيه اللي حصل؟!
اتنفض، ووسعت عنيه وقال بارتباك:
- لـ... لا... مفيش يا... مفيش حاجه أبدًا.
قالها وفتح باب الشقة وجري على تحت، لويت بوقي بذهول، وقلت بقلق:
-استر يارب.
صلوا على خير الأنام.
★★★★★
«لو أذنبت كل ثانية وفي أخر يومك عدت واستغفرت الله، لغفر لك ولا يبالي، وإن علم الناس بذنب واحد اقترفته على حين غفله لن يغفروه ولن يغفلوا عنه...»
وقف «أكرم» قصاد بيت ميسره يناديه، فقامت تسنيم تصحي أخوها، هزته برفق وقالت ساخره:
- قوم صاحبك المحروس بينادي عليك.
قال بخمول:
- قوليله كان عنده شيفت وسهران طول الليل ونايم.
- أنا مش هطلع قوم قوله بنفسك.
- خلي ماما تقوله يا توتو... سيبيني أنام.
- ماما نزلت السوق... قوم قوله وابقى نام.
- مش قائم سيبيه ينادي.
قالها بنفاذ صبر، وحط المخده على رأسه، فقامت تسنيم وطلعت من الأوضه وهي بتقول:
- طيب خليه بقا ينادي.
قعدت على الأريكة، وهي سامعه صوت أكرم، وبتحاول تتجاهله، لكنها قاما في النهاية وهي بتنفخ بضيق، لبست حجابها وهي بتقول لنفسها:
- عادي يعني هطلع أقوله ميسره نايم... ميسره نايم.
كررت أخر جمله وهي بتقرب من البلكونة. بلعت ريقها بارتباك وخرجت.
مشافتش أكرم من سنتين بعدما اتقدم لخطبتها ورفضته. وسافر للعمل خارج مصر ومطلبهاش مرة تانية ولا اعترض طريقها أو ظهر قدامها صدفة حتى على تطبيقات التواصل الاجتماعي...
أخذت نفس عميق أطوأكدت على نفسها أنها هتقوله أن ميسره نائم وتدخل فورًا..
ولما بصلها «أكرم» هربت الحروف من راسها من رأسها، وتصنمت مكانها، أنقذها قوله:
-.إزيك يا تسنيم؟ آآ... أومال فين ميسره؟
- آآ... نام، نايم، كان عنده شيفت بالليل ونام...
- طيب ماشي لما يصحى قوليله إني عديت عليه.
قالها وابتسم وهو يرميها بنظرة عتاب خفية، وغادر...
وقفت تسنيم مكانها ساكته وسرحانه بتبص لمكانه الفارغ، شكله اتغير مظهره وبقى أنحف من الأول حتى ملامحه تغيرت وازدادت هيبته! لكن لا زال قلبها رفضه نهائي.
بدأت نظرها تراقبه وهو يبتعد بخطى واسعة، مبينه أثر الأيام في شخصيته قبل مشيته وملامحه!
وبعد ما مشي ظهرت والدتها شايله أكياس من الخضروات والفواكه فنزلت بسرعه تساعدها.
وبعدما ارتاحت والدتها من السلم وخلعت حجابها قالت:
- أم أكرم قابلتتي في السوق النهارده... بتقول إنه رجع من السفر.
هزت تسنيم رأسها وقالت:
- أمممممم... عرفت كان جاي عايز ميسره...
- بيقولك ربنا فتح عليه أوي وبنى بيت كامل لنفسه...
مصمصت والدتها شفتيها بحسرة، وأضافت:
- يا خساره! مش لو كنتِ وافقتِ عليه كان زمان عندك بيت لوحدك.
-إيه يا ماما! خلاص الموضوع انتهى من زمان.
قالتها تسنيم ودخلت المطبخ عشان متشوفش نظرات اللوم والعتاب المتكرر، بينما رددت والدتها بسخرية:
- دا أنا بختي مايل في عيالي... ظبطي الشقة وجهزي نفسك يابت لما نشوف هتطفشي العريس بتاع النهارده ازاي.
قالت تسنيم لنفسها:
- كل شويه عريس!! دي الحياة بقت صعبه يارتني ما كبرت!
استغفروا.
بقلم آيه شاكر
★★★★★★★
«يكفي أن يُكرر المخادع في نفسه كذبةٍ، ليقتنع بهراءٍ وافتراءٍ سولته له نفسه، ولم يكن.»
قبل ما تطلع «أسماء» من بيت أهلها، وقبل ما تفتح باب الشقة، سبقتها والدتها ودخلت، فسلمت أسماء عليها، قالت والدتها:
- عارفه قابلت مين في السوق يا سمسم؟
- مين؟
- أم تسنيم اللي أخوكي كان عاوز يتجوزها.
- تسنيم!! قولتلكم قبل كده تسنيم دي متكبره ومغروره... أما شروق أجمل منها بكتير ومتواضعه... والله الواد أكرم دا مابيفهم!
- القلب وما يريد بقا يابنتي... بس خلاص أمها بتقول متقدملها عريس النهارده وهتقابله.
قالتها والدتها، فقالت أسماء بفرحة:
- أحسن، صدقيني تسنيم دي بنت مش كويسه وبعدين رفضت أكرم يبقى خلاص انتهى يشوف غيرها... خليه يتقدم لشروق والله بنت قمر... نفسي أفرح بيه وبيها، اقنعيه يا ماما عشان خاطري خليه يخطبها قبل ما يسافر.
قالتها أسماء برجاء، ففكرت والدتها للحظة، وقالت بحمـ ـاس:
- والله شروق بنت حلوه وأنا أتمناها ليه، طيب سيبيني أزن عليه وربنا يقدم الخير.
فرحت أسماء، وقامت باست رأس والدتها بسعادة وقالت:
- والله إنتِ أحسن أم في الدنيا.
ابتسمت والدتها وقالت:
- إنتِ اللي أحسن بنت في الدنيا وأطيب قلب.
رجعت أسماء تقعد مكانها، والإبتسامة على وشها، باصه قدامها وسرحانه، هي متأكده إن والدتها هتقنع أكرم، وشروق اقتنعت خلاص، فأسماء مكنتش بتسيب فرصه إلا وتتكلم عن أكرم بالخير وازاي أنه اتغير وبقى راجل معاه فلوس، ولاحظت الهُيام على ملامح شروق فادركت اقتناعها بيه لما سألتها شروق عنه قبل أيام...
دخل أكرم للبيت، كان سعيد عشان شاف تسنيم واتكلم معاها حتى لو كلمتين، ولما شافته أسماء قالت بخبث:
- تعالى أسمع أخر الأخبار... بيقولك تسنيم متقدملها عريس النهارده وهتقابله ومقتنعين بيه.
انطفى وشه ووقف مكانه للحظة يستوعب اللي نطقت به أسماء، سأل بلهفة:
- مين قالك؟!
- أمها كانت معايا في السوق وقالت لي...
قالتها والدته، فقامت أسماء وطبطبت على كتف أكرم وقالت:
- صدقني تسنيم مش لايقه عليك، وشروق بتحبك يا أكرم.
تجاهلها أكرم وقعد جنب والدته، وقال:
- هنفطر ولا إيه يا ماما؟!
بصت له أسماء، وحست أنها هتنجح المرة دي وهتجوز أكرم لشروق قريب جدًا.
★★★★★★★
«إيمان»
بالليل…
كنت قاعدة في أوضتي، بكلم صحباتي رسايل في جروب م «سمر ونجمة وهمسة ونسمة»، بنشجّع بعض على الدين قبل الدنيا، نفكّر بعض بالأذكار ونتكلم في كل حاجه.
الواحد دايمًا محتاج حد يفوّقه، يقوله إن الدنيا دي رحلة… طريق سفر طويل وشاق، بيجمع فيه متاعه اللي هيفضل معاه في الآخرة، وأحلى وأغلى متاع في الدنيا هو القرآن.
فجأة باب أوضتي اتفتح، ولقيت أمي واقفة جنب خالتي، الاتنين بصّين عليا بحاجب مرفوع. استأذنت صحابي وقفلت التليفون قبل ما أقول بصوت مهزوز:
- خير إن شاء الله؟
قالت خالتي وهي بتشد مناخيري لقدّام:
- خير! هو إنتي وشّ خير؟ دا إنتي وش فقر يا أم مناخير!
قلت وأنا ببعد إيدها:
- بالراحة يا خالتي! وبعدين هو إنتي يعني معندكيش مناخير؟
- عندي بس مسمّسمة… مش زيك!
ضحكت هي وماما عليّا باستهزاء، فبصّيت على شكلي في المراية… والله ملامحي حلوة! حتى مناخيري اللي دايمًا يتريقوا عليها، والله مش بالوحاشة اللي بيقولوا عليها.
تنهدت وقلت برضا:
- الناس من آدم، وآدم من تراب… كله آخره واحد. الطويل والقصير، التخين والرفيع، الأبيض والأسود… ومفيش حد أحسن من حد إلا بالتقوى.
بصّوا لبعض، وفي اللحظة دي أخويا دخل ومعاه بودي اللي كان بيضحك. قمت سلّمت عليه وبوسته، وخالتي كانت بتهمس لماما بحاجة، وأنا براقبهم بطرف عيني، لحد ما خالتي قالتلي بنبرة هادية ونظرة كده كلها تودّد:
- إيمان… يا حبيبتي.
- بصّتلها مستنية تكمل، فحطّت قدّامي علبة هدايا وقالت:
- حاتم… قصدي الدكتور حاتم… عيد ميلاده النهارده و…
فهمت على طول وقاطعتها:
- وعايزاني أروح أقوله كل سنة وإنت طيب وأديله الهدية… صح؟
ماما هزت راسها، وخالتي وراها بابتسامة واسعة. قلت بسخرية:
- أيوه وماله… ما هي كده بقت بطاطا خالص.
بودي قال:
- أنا عايز بطاطا.
خالتي ردت:
- بكرة يا بودي هجيبلك.
اقتنع وقعد يلعب مع أخويا، وخالتي بدأت تقنعني بكل الطرق… وبعد شدّ وجذب قالت:
- ما إنتي مش هيجيلِك فرصة زي دي تاني… بمناخيرك دي!
قلت وأنا بضغط على الكلام بسخرية:
- عسل يا خالتي… إنتي عسل.
فصرخ بودي:
- أنا عايز عسل.
ردت خالتي متنرفزة:
- بكرة يا بودي هجيبلك…
قام دبدب الأرض وهو بيعيّط:
- لا… دلوقتي!
ماما قامت جابتله العسل، وخالتي فضلت تلحّ عليا طول الليل… بس على الفاضي.
وقبل الفجر قلقت وأنا نايمة، وسمعت خالتي بتهذي:
- الهدية يا إيمووون… عشان يتقدملك تاني يا به…
ضحكت، ودعيتلها ربنا يهديها.
قمت صلّيت ركعتين استخارة وطلبت من ربنا يورّيني علامة… اي إشاره.
مقدرتش أنام بعدها، وقعدت مستنية الفجر، شمّيت ريحة الهوا اللي قبل الصلاة… ريحة مميزة وجو هادي.
وقفت في البلكونة… لقيته واقف في بلكونته ماسك المصحف، بيحفظ بتركيز وخشوع… وبعدها دخل أوضته.
مسكت الهدية، بقلبها في إيدي وأنا سانده على سور البلكونة.
رجع حاتم تاني للبلكونة… وقف شوية، وفجأة بصّ لفوق… فشافني وابتسم…
حسيت إن قلبي ساب مكانه، اتلخبطت، وإيديا ارتعشت… والهدية وقعت مني!
حطّيت إيدي على بُقي بكتم شهقتي، وعنيا وسعت لما شفته بيلقطها.
الحلقة (٦)
بعنوان:
•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية