رواية ألفة ووصال الفصل العشرون 20 - بقلم ايه شاكر

 رواية ألفة ووصال الفصل العشرون 20 - بقلم ايه شاكر

وقفت شروق تقلب الشاي بإيد، وهي شايله الصينية بالإيد التانية، وبتنادي على والدتها اللي كانت في أوضة من الأوض، قالت شروق:
- هو حازم وحاتم خرجوا جري كده يعني؟ مقالوش رايحين فين؟
مردتش والدتها، فمشيت شروق كام خطوة، وفجأة والدتها خرجت من أوضة فخبطت في شروق، واتكب الشاي السخن على رجل شروق وإيد والدتها، فصرخوا...
جروا على الحمام يغسلوا الحـ ـرق تحت المية، وفي نفس اللحظة كان التليفون بيرن، بس محدش رد.
وبعد فترة…
قعدوا يدهنوا الدهان على مكان الإصـ ـابة، فتاوهت شروق وقالت بضيق:
- بصي بقى يا ماما… التالتة ثابتة! أنا مش عاملة شاي تاني… آه والله رجلي بتوجعني، دي مكنتش كوباية شاي دي!

بصت لرجليها اللي احمرت بزيادة وقالت بقلق:
- أنا خايفة أوي لتسيب أثر… وتبقى عاهة مستديمة.
بصت والدتها لإيدها بسكات، وبعدها قامت وقالت لها بنبرة زعل:
- ما إنتِ ياختي ماشية زي العامية! سرحانة… مرة تفكري في ميسره، ومرة أكرم…
ردت شروق بنبرة عالية:
- ميسره دا؟ ده أصلًا إنسان عايز الحـ ـرق! أنا بكرهه!
- بس يا بت! إنتِ عارفة حاجة؟! ميسره دا اللي فوقك من الهـ ـطل اللي كنتي فيه! واد زي العسل… وأنا بحبه وبعزه… وماتغلطيش فيه. فاهمة؟
سكتت شروق شوية، ونزلت عينيها للأرض… قلبها لسه بيوجعها كل ما تفتكر أكرم.
قالت بحزن:
- حتى لو كان أكرم زي ما ميسره قال… كان عامل عليا لعبة… أنا حبيته يا ماما.
ردت الأم بحسم:
- الكلام دا ملوش لازمة دلوقتي. خلاص أكرم مبقاش موجود… وميجوزش عليه غير الرحمة. الله يرحمه ويهديكي… وياريت بقى تخلعي السواد وتعيشي حياتك
عين شروق كانت ماليانة يأس… فهربت من كلام أمها وقامت للمطبخ وهي بتكتم دموعها:
- أنا… هعمل شاي تاني.
- تاني؟! طيب اعملي حسابي بقى.
- حاضر.
بصّت الأم وراها وهي رايحة المطبخ، وفضلت تدعي ربنا يصلح حال بنتها ويرزقها بزوج يعوضها خير… واتمنت لو يكون ميسره!
دخلت شروق المطبخ، وسابت دموعها تنزل وهي بتحضر الشاي اللي أصلًا مش عايزة تشربه.
وكانت بتحاول تكتم شهقاتها… لكن أمها حست ببكائها، ودخلت عليها، حضنتها وقالت لها بهدوء:
- معلش يا بنتي… هي الدنيا كده. اختبارات… مرة ننجح ومرة نفشل، وبنعوض الفشل بنجاح تاني.
حاولت شروق تقطع الحزن وقالت بنبرة ما بين الجد والهزار:
- إيه العمق ده يا ماما؟! أنا ليه مفهمتش؟
ضحكت الأم وقالت بسخرية لطيفة:
- من امتى وإنتِ بتفهمي يا قلب أمك؟!
- لأ… أنا بفهم! أصحابي مأكدينلي.
- أصحابك مين دول؟! أنا من يوم ما خلفتك مشوفتلكيش صاحبة واحدة!
ابتسمت شروق ابتسامة حزينة:
- نجمة… والله وحشاني. لما بقعد مع نفسي وأفتكرها بحس إني كنت شخصية خبيثة وسامة في رواية حد.
ضحكوا سوا… وبعدها قالت الأم بواقعية:
- حتى أنا يوم من الأيام كنت شخصية سامة في رواية حد! ربك غفور رحيم… أهم حاجة ننضف قلوبنا، محدش واخد منها حاجة… مرة واحدة هتلاقي نفسك تحت التراب وبتتحاسبي.
- ربنا يجعل حسابنا خفيف يا ماما…
انتبهت شروق لصوت المايه بتغلي:
- يلا… هعمل الشاي الأول وأجيلك. روحي شوفي حاجة نتفرج عليها في التلفزيون على ما أجيلك يا نحله.
- نحله؟
- طبعًا… أحلى نحلة كمان! عشان تجيبي عسل زيي.
الأم ضحكت:
-حطيلي صباعِك… ما إنتِ عسل. حطيت معلقتين يا روح أمك!
وبعد شوية… خرجت شروق من المطبخ شايلة الشاي للمرة الرابعة. فجأة الجرس رن بقـ ـوة.
الأم فتحت، وشروق جريت تلبس حجابها… ولما سمعت صوت ميسره بيتكلم مع والدتها، خرجت بسرعة تشوف فيه إيه.
لسه جواها رغبة تضـ.ـربه متعرفش ليه!
قال ميسره وهو بيتنفس بسرعه:
- مش بتردوا على الموبايل ليه؟! أنا نفسي اتقطع… هي الموبايلات معمولة ليه يا جماعة؟!
قالت شروق بحدة:
-اتكلم كويس…
اتجاهلها، وفضل يشرح لوالدتها وهو متلخبط.
شروق همست:
-قليل الذوق.
بص لها بابتسامة مستفزة، فقالت والدتها:
- أنا مش فاهمة حاجة يا ابني… ماله الشاي؟!
بص ميسره على الترابيزه وشاف كوبايتين الشاي، فسأل بقلق واضح:
- إنتو… شربتوا شاي؟!
- كنا لسه هنشرب… تعالى اتفضل يا ابني اشرب معانا.
- أشرب إيه بس! الشاي… فيه سُم قاتـ ـل!
صرخت شروق:
- ما تتكلم كويس! فهمنا!
لكزتها أمها في دراعها.
تنهد ميسره وقال:
- لما أفهم أنا الأول هفهمكم… هاتوا برطمان الشاي. ومتاكلوش أي حاجة لحد ما حازم أو حاتم ييجوا… هما اللي بلغوني أقولكم كده.
اتصلت شروق بحاتم وبحازم… محدش رد.
وميسره قاعد يحكي لوالدتها وهو بيرمق شروق من وقت للتاني… ولما عينيه اتقابلت بعينيها، ارتبك، وتغيرت مشاعر شروق فجأة للإرتباك والحياء… وده ظهر على ملامحها.
قال ميسره بتوتر:
- طيب… هستأذن أنا.، هروح أشوف الجماعة وأطمنكم إن شاء الله.
قالت شروق بسرعة:
- لا… استنى، هاجي معاك.
بصت لها أمها بدهشة! مش شويه بتعانده ومش طيقاه، ودلوقتي بتطلب تروح معاه؟!
قالت شروق بصوت مهزوز:
- يعني… بدل ما أمشي لوحدي بالليل… وأنا قلقانة على حازم وحاتم…
قالت أمها:
- ماشي.
بص لها ميسره بنظرة باينة فيها الفرحه، وقال:
- تمام. أنا هروح أغير هدومي… على ما تلبسي.
- تمام.
وقفوا يبصوا لبعض لحظة… وابتسامة خفيفة على وشوشهم.
وأمها بتبص لهم ومش فاهمة اللي بحصل.
بدلت نظرها بينهم وحمحمت وقالت:
-تمام!
انتفض ميسره وقال بسرعة:
- طيب… هستأذن.
ودخلت شروق أوضتها عشان تهرب من عيون أمها.
وقفت قدام المرايا، لابسة لبس ملون… وبصة لنفسها.
افتكرت أيامها مع أكرم… وقلبها اللي لسة موجوع… واللي غصب عنها اتخبط في ميسره فجأة.
قالت لنفسها:
- مينفعش…
كانت هتغير هدومها وترجع للسواد… بس أمها دخلت، ولما شافتها ابتسمت:
- أيوه كده! هوّ انتي هتفضلي لابسة إسود لحد إمتى؟ يلا… ميسره مستني تحت.
- لـ… لأ… قوليله يمشي. أنا مش رايحه..
- هو إيه أصله دا؟! قومي يا شروق… عشان تطمنينا على إخواتك.
نفخت بضيق، وخرجت.
عدلت حجابها في مراية جنب الباب… وعاتبت نفسها: بتتجملي لمين؟! دا غلط… ومينفعش…
ولما خرجت من البيت لقت تسنيم واقفة جنب أخوها… ابتسمت شروق وحضنت تسنيم وقالت:
- هتيجي معانا؟!
- أيوه… عندي شغل دلوقتي.
تنهدت شروق براحة… ومشوا سوا.
وهي في الطريق حاولت تكلم إخواتها ومحدش بيرد… وبين كل لحظة والتانيه تلاقي نفسها بتبص على ميسره من غير قصد… ولما شافها، ابتسم… وبدأ يهندم هدومه.
بقلم آيه شاكر
استغفروا
★★★★★★
«إيمان»
في أوضة استقبال المرضى كنت سامعة صرخات نجمة وأسماء، بس أنا مصرختش… واستغربت إن وجعي اختفى فجأة. خوفت… خوفت أوي إن الروح تكون فارقت جسمي. سمعت صوت حاتم كإنه جاي من قاع بير:
- متخافيش.
بصيت له، بس كانت رؤيتي مشوشة جدًا، مش شايفة ملامحه، وبطلت أحس بأطرافي…
وفجأة دماغي جري ناحيه فكرة واحدة: هل ينفع أتوب دلوقتي؟ ماينفعش أموت قبل ما أتوب!
أنا اغتبت واحدة الصبح… لازم أطلب منها السماح.
وسمعت أغنية… ومستغفرتش… ومقريتش ورد القرآن بقالي كام يوم… خوفت أموت! خوفت أوي إن روحي تطلع وأنا لسه ما أصلحتش علاقتي بربي.

وعارفة إن الساعة بتيجي بغتة… وبرده مش جاهزة لها. يمكن ده "التمني المذموم" اللي العلماء اتكلموا عنه… إن الواحد يتمنى يتوب قدام شوية، وبعدين يسوف. نفسي دايمًا تقولي: "لسه بدري… روحي هتتوب قبل ما تطلع".
بس أنا ما سعيتش… والدنيا سحبتني.

- متغمضيش عينك يا إيمان… خليكِ معايا… إيمان! إيييمااان…
كان صوت حاتم بيختلط بأصوات الأطباء والتمريض حواليا…
دعيت ربنا… "يا رب أرجع… أسمع صوت حاتم تاني… أشوفه تاني… يا رب أخرني لأجل آخر عشان أرجعلك بحق".
°°°°°°°°°°°°°°
-اصحي يا إيمان…
كان صوت شروق أول حاجة سمعتها.
فتحت عيني… وحمدت ربنا إني لسه عايشة.
حسيت بإيدها بتطبطب على إيدي بحنان، وأول ما شافتني قالت بفرحة:
- يا حاتم… دكتور حاتم! مراتك فاقت!
دورت بعيني عليه… لقيت نفسي على سرير مستشفى… يبقى اللي حصل كان بجد.
أسماء سمـ.ـمتني.
سألت شروق بصوت مبحوح:
- هو أنا فاقدة الوعي من امتى؟
- من كام ساعة… حمد لله على السلامة يا قلبي…
وباستني على راسي، وأنا ببل ريقي وأسأل:
- ونجمة؟
- كويسة الحمد لله… وفايقة. وأسماء كمان… عايشة.

هزيت راسي ببطء… ودخل حاتم، وشهه مليان إرهاق ولهفة. ابتسمت… فابتسم. خرجت شروق وسابْتنا. قرب مني، سحب كرسي وقعد جنبي وقال بحنان:
- متعرفيش قلبي حصله إيه بسبب اللي حصلك… حسيت إنه اتقسم نصين.
ابتسمت وقلت بنبرة ضعيفة:
- لنتبادل إذن.
- ماذا؟
-أديك قلبي… وتديني قلبك أصلحه… إيه رأيك؟
ضحك وقال:
- الموضوع ده محتاج تفكير.
ضحكنا… ومسك إيدي بحنية.
وقال:
- تعرفي إني من زمان عاوز أقولك شعر كتبته ليكي؟
- شعر؟ طيب قول.
اعتدل وقال بثقة ممزوجة بهزار:
- وبسببك يا إيمان مبقتش أعرف أنام… وبسببك يا إيمان مبقتش أشوف نسوان… وعشانك يا إيمان آآ… عملت سبايدر مان آآ…
انفجـ.ـرت ضحك:
- اوعدني متقولش شعر تاني
ضحك وقال:
- أوعدك يا قلبي.
مسح على شعري… وهو بيحمد ربنا إني بخير.
ودخلت ماما والعيلة… كلهم كانوا مهتمين بيا، بيطبطبوا هليا… وبيضحكوا…
حسّيت بمحبتهم… ومعزتي عندهم.
وأد إيه فراق الإنسان بيوجع اللي بيحبوه.
ومن اللحظة دي… خدت قرار:
أتغير. وأصلح نفسي. وأتوب بجد… قبل ما روحي تسيب جسمي.

بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام.

★★★★★
في أوضة تانية في المستشفى، كان حازم واقف قدّام والدة أسماء ووالدها، وقال بانفعال:
- أنا كده حكيت لحضراتكم كل اللي عملته أسماء فيّا وفي عيلتي، وأنا شايف إنها مش محتاجة مصحة تتعالج… دي المفروض تدخل السجن عشان تتأدب.
والدتها انهارت في العياط وهي بتقول:
-زعشان خاطري يا بني… هي محتاجة تتعالج، وإحنا هنعالجها… بس بالله عليك السجن لأ. راعي حالنا… أنا مش عايزة أفقد ابني وبنتي.
اتنفس حازم بحدة وقال:
- أنا ماليش دعوة يا أمي… القـ.ـضية في إيد نجمة وإيمان دلوقتي، هما اللي هيقرروا. والشرطة مجتش لحد دلوقتي عشان حاتم مكتم على الموضوع.
قال والدها بقلق شديد:
- يعني إيه؟! بنتي هتتحبس؟! اعمل حاجة يا حازم بالله عليك.
- من ناحية هعمل… فأنا هعمل يا عمي،وأنا آسف في اللي هعمله.
اتقدم ناحية السرير اللي أسماء نايمة عليه ودموعها نازلة وهي سامعة كل كلمة.
قال:
- أسماء.
بصت له بعينين كلها دموع، وهو مشفقش عليها ولا لحظة، وقال بثبات:
- إنتِ طالق.
شهقت وهي بتحاول تتمالك نفسها وقالت بتوسل:
- لأ… لأ يا حازم. عشان ابننا… عشان خاطر ابننا سامحني.
قال ببرود:
- متقلقيش… ابننا هيفضل معايا. مقدرش أسيبه مع واحدة مريضة زيك.
كان هيقوم ويمشي، بس صرخت ووقفته:
- هو إنت فاكر نفسك أحسن مني؟! ما إنت زيي… وأنا عارفة إنك إنت اللي كنت بتبعتلي الصور والتهديدات يا حازم… كنت عايز إيه؟!
انفـ.ـجر فيها:
- كنت عايزك تعترفي! كنت بحاول أخليكي تحسي بغلطِك… كنت بحافظ على بيتي لآخر لحظة، بس إنتِ مرجعتيش يا أسماء. تعرفي؟ كريم حكالي… واتخانقت معاه ومعرفتش إني عارف، مع إني شاكك فيكي من زمان. أخوكي حكى لميسرة، وميسرة حكالي… بس كنت بتمنى يطلع كذاب.

اتعدلت أسماء قاعدة على السرير، وقالت وهي بتشهق من العياط:
- طيب… أنا آسفة. والله مش هعمل كده تاني. أنا بحبك يا حازم… وكل اللي عملته كان عشان بحبك.
بصلها بثبات وقال بهدوء قاطع:
- خلاص يا أسماء… الطريق بينا اتسد.
سابها ومشي…
والدها فضل واقف يبص على أثره، وهي منهارة:
- أنا آسفة يا حازم… متســـــيبنيش!
لكن هو ملتفتش…
بصلها أبوها وقال بحرقة وجع:
- يا خسارة يا بنتي… يا خسارة تعبي. خسرت ابني وبنتي… ربنا يعوض عليا.
واتكـ.ـسرت جواها كل حاجة لما شافت الحسرة في عيونهم…
شروق كانت واقفة لوحدها في طرقة المستشفى، بتسترجع اليوم من أوله… فاكرة أول ما وصلت وسمعت اللي حصل، وإزاي قلبها اتقبض.

كانت بتتنقل بين الأوض تطمن على نجمة وإيمان وأسماء…
بس أول ما نجمة فاقت، شروق مقدرتش تدخل لها.
كانت خايفة تحرجها… أو تطردها، وكمان احترامًا لطلب نجمة من سنين إنها متشوفهاش تاني.
فدخلت أوضة إيمان، وقعدت جنبها.
فكرت في أسماء… واللي كانت هتعمله فيها وفي أمها! فكرت قد إيه اتصدمت… وقد إيه بقت شايفاها "مجنونة بجد".
وهي غارقانه في التفكير، لقيت ميسرة واقف جنبها.
قالت وهي باصه قدامها:
- لو كنت شربت الشاي أنا وماما… كان هيحصلنا إيه؟! تخيل… دي أسماء اللي اخترناها أنا وماما لحازم وكنا مبهورين بجمالها وأخلاقها. دي اللي خسر أخوي نجمة بسببها. قصدي… بسببنا.
قال ميسرة بهدوء:
- مالوش لازمة الكلام ده يا شروق… واوعي تقوليه لحازم.
دموعها نزلت غصب عنها وقالت:
- إحنا غلطانين أوي…
تنهد ميسرة، وطلع منديل من جيبه وادهولها.
مسحت دموعها وبصت له:
- شكرًا… شكرًا يا ميسرة على كل حاجة.
قال:
- أنا معملتش حاجة يا شروق تستدعي الشكر.
بصلته لحظة، وبعدين سابته ودخلت لإيمان تاني…
*******
أبيض ناصع مرصع بحبات شبه اللؤلؤ، وحجابها ونقابها مزينينها، وقالت وهي بتبص لشروق: -الفستان جميل والله والعروسه مزيناه.
قالت شروق بتوتر: -أنا مش مرتاحه يا إيمان... حاسه... حاسه إني اتسرعت في موضوع الخطوبه مع كتب الكتاب ده.
-يا بنتي اتسرعتِ ايه! إنت بتفكري بقالك شهرين.
نفخت شروق بضيق وقالت: -أنا خايفه أوي.
حضنتها إيمان وقالت: -متقلقيش خير بإذن الله.
في اللحظة دي دخلت تسنيم وهي مبتسمة وفرحانة وقالت: -اللهم بارك إيه القمر ده... بجد انتوا الاتنين ما شاء الله تبارك الله زي القمر.
كانت ماسكة تليفونها وبتكلم نجمة اللي صوتها سُمع وهي تقول: -وريني العرايس يا توتو.
-حاضر ثواني هفتحلك الكاميرا.
وجهت تسنيم الموبايل عليهم وأخذته إيمان تتكلم بنبرة سعيدة، أما شروق فاتلخبطت لأنها ماكلمتش نجمة من آخر مشكلة بينهم، وكانت فاكرة إن نجمه مش هتطلب تكلمها.. بس خابت توقعاتها لما طلبت نجمه تكلمها فعلًا.
أخذت شروق الموبايل بإيدين مرتعشين وبابتسامة بتتهز..
قالت نجمه: -مبارك يا شروق كان نفسي أكون معاكم والله ربنا يتمم بخير يارب.
ردت شروق بعد ما بلعت ريقها: -شكرًا يا نجمه.
قالت نجمه: -النهارده كتب كتاب صديقة طفولتي شروق وفرح صديقتي العزيزه إيمان، أنا بجد فرحانه أوي.
جريت الدموع من عين نجمه، ولما شروق شافتها اتشنج بُقها وقالت: -سامحيني يا نجمه بالله عليكِ.
نزلت دمعة من شروق، فردّت نجمة بضحكة مرِحة: -بس يابت بلاش دموع هتبوظي المكياج... ربنا يسعد قلبك يارب سلمولي على العريس وخلوا توتو تصورلي الحفله.
أخذت تسنيم التليفون من شروق وقالت: -حاضر هصورها على «جروب م» بما إن كلكم مسافرين.
وبعد شوية.. دخل حاتم بخطوات واثقة، مسك إيد إيمان، وقف قدامها لحظة وبصّ بعمق في عينيها، وابتسم بعذوبة.. نظراتهم لوحدها كانت بتحكي عن فرحتهم. وقال: -قمر...
إيمان ابتسمت بخجل، وبصّ حاتم على أخته وقال: -يلا يا عروسه إنتِ كمان.
قالت شروق بنزق:
- وهو العريس مش هيجي ياخدني ليه؟!
- عشان لسه مكتبناش الكتاب يا حلوه... عايزه تمسكي إيده ولا ايه! لعلمك أنا اللي مرضتش أخليه يجي عشان الواد ده لسانه طويل هو أنا ناسي يو ما جه يتقدملك وقال قدامنا كلنا إنه بيحبك! واد جرئ ولسانه طويل...

- متقولش عليه كده...
قالتها شروق، فضحكوا، فتنهدت وأضافت:
- صراحه كده أنا حاسه إني اتسرعت يا حاتم وكمان الفستان بتاعي مش حلو ينفع نأجل موضوع كتب الكتاب ده ليوم تاني؟
- نعم ياختي!
قالها حاتم فتدخلت تسنيم:
- والله فستانك زي القمر.
- يلا يا شروق ربنا يهديكِ.
قالها حاتم فبلعت شروق ريقها وخرجت معاه...
كان حازم واقف قدام عربيته، لابس بدلة أنيقه وسائل ابنه اللي لابس زيه يرتدي، ولما شافهم ابتسم وقال لابنه:
- ارفع إيدك شاور لعمو وعمتو.
رفع الطفل ايده يلوح لهم بابتسامة واسعة.
ركبوا عربية حازم، وشروق بالمقعد الأمامي، وحازم سايق وابنه قاعد على رجليه.
وبالمرسي اللي ورا حاتم وإيمان وجنبها تسنيم اللي بتصور كل لحظه لنجمه...
نفخت شروق بضيق، فبصلها لها حازم وقال:
- مالك يا شروق؟
- فين عريسي مش المفروض يجي ياخدني!
ضحك حازم وقال:
- معلش سيبناه يجهز حاجات للحفله...
- بجد بقا أنا عمري ما شوفت عروسه كده! ولا عريس كده دا زي ما يكون مغـ ـصوب على الجواز مني!
- مغـ ـصوب إيه! هو إنتِ عايزه أي نكد وخلاص يا بت... اهمدي شويه.
قالها حازم بنبرة مرحة، فتنهدت شروق وبصت لإيمان وحاتم وتسنيم اللي متابعين حوارها بابتسامة، فابتسمت وقالت:
- منورين.
- دا نورك.
قالها حاتم.. بصت شروق لحازم وقالت:
- شغل لنا حاجه تحسسني إن أنا عروسه يا حازم.
- من عنيا يا عروسه.
ومشيت العربية وصوت المنشد بيقول:
- خطيت الليله خطوتي والعالي يسمع دعوتي يارب كمل فرحتي زوجه صالحه يا عظيم، نور يارب سكتي بارك يارب بخطوتي خلي عروستي جنتي ثبت فؤادي يا حليم...
صلوا على خير الأنام
بقلم آيه شاكر

★★★★
وفي مكان الحفله.
وقف ميسره جنب غيث وهو مرتبك، فسأله غيث:
- مالك؟!
بص ميسره حواليه على المكان اللي مليان أضواء وقال:
- مش عارف… حاسس إني ناسي حاجه!
- إن شاء الله مش ناسي حاجه… أنا بس مستغرب إنك مروحتش تجيب العروسه معاهم؟!
ابتسم ميسره وقال:
- ما أنا واقف أستقبلها أهوه…
- لا كتر ألف خيرك يخويا.
قالها غيث وهو بيضحك ورجع يقعد على الترابيزة جنب المأذون ويتكلم معاه، ومسك ميسره تليفونه عشان يتصل بحازم، وفي نفس اللحظة كانت العربية بتقف قدامه، فاتسعت ابتسامته وبص لشروق وغمز لها.
شافه حاتم فقال لشروق بنرفزة:
- شايفه الجراءه بتاعته؟ بيعصبني الواد ده.
ضحكت شروق وقالت: "عاجبني برده وبحبه كده".
رد حاتم:
- إيه يا بت الجراءه دي! يا شيخه حِلّه ولقت غطاها…
نزل من العربية مع عروسته، واتلمّوا الناس عشان يستقبلوا إيمان، الكل كان بيحضنها هي وحاتم، ومحدش واخد باله من شروق اللي نزلت من العربية وهي بتقول:
- على فكره أنا كمان عروسه، محدش سلّم عليّا ليه!!
محدش سمعها غير ميسره اللي جِه ناحيتها وهو بيحاول يكتم ضحكته:
- مبروك يا عروسه.
قالت له بضيق: "اسكت عشان حسابك بعدين! يعني إيه متجيش تاخدني من الكوافير بقا!"
- أعمل إيه كنت بجيب المأذون والله… هعوّضهالك بعد كتب الكتاب، اتفقنا؟
- متفقناش…
قالتها ومشيت بخطوات سريعة وهو ماشي وراها يحاول يرضّيها…
وبعد شوية… اتكتب كتابهم، والناس كانت بتحضن شروق وهي مبتسمة فرحانة…
ميسره شدها من إيدها، والكل بيتفرج عليهم، ووقف قدامها، وبص حواليه وقال بصوت عالي:
- يا جماعه… أنا بحبها…
شروق ضحكت من الفرحة، وهو حضنها ولف بيها وسط الناس، وهي بتقول:
- بس يا ميسره… أنا خايفه.
على ناحية تانية
إيمان ميلت على حاتم وقالت: "شايف الرومانسيه… مش إنت اللي مسلمتش عليّا يوم كتب كتابنا حتى."
ضحك وقال: "لازم تكوني عارفه إني بتحرج… والناس دي جريئه أوي، أنا مقدرش أعمل كده قدام حد، بتكسف… وبعدين أعمل كده قدام الناس ليه؟ إحنا لينا بيت، أوعدك أول ما يتقفل علينا الباب هعملك اللي إنتِ عايزاه."
غمز لها بابتسامة، فضحكت وقالت: "أنا كمان بتكسف أصلًا… بس بهزر معاك."
قال وهو بيضحك: "يا حبيبتي ما جمع إلا أما وفّق."
وقف حازم جنب حاتم وبصّ له وهو يهمس: وبعدين في ميسره اللي واخد راحته أوي ده!
- يا عم سيبهم يفرحوا… كل واحد بيعبر عن فرحته بطريقته…
- بس مكنش ينفع يلف بيها كده قدام الناس.
- طيب ما إنت عملت كده قبله.
- وندمان إني عملت كده.
قالها حازم بنبرة فيها حزن، فغير حاتم موضوع الكلام بخفة: سيبهم يفرحوا النهارده… ومن بُكره حطّ لهم قواعد صارمة تخلّيهم يتجوزوا بعد أسبوع.

ضحكوا، وفضل حازم يبص على شروق وميسره وعلى حاتم وإيمان… لحد ما فجأة شاف أسماء داخلة القاعة. جري عليها بسرعة قبل ما حد يشوفها… وقال لها بحدّة:
- إيه اللي جابِك؟!
- جايه أبارك.
- لو سمحتِ امشي يا أسماء.
- حازم أنا بحبك ومش عارفه أعيش من غيرك… أنا اتأدبت والله…
-قولتلك إمشي يا أسماء.
-مش همشي، يا حازم… وإن مرجعتليش أنا همــوت بالبطيء.
ضحك بسخرية وقال: -تصدّقي خوفت عليكي… امشي يا أسماء، وأنا ليا كلام تاني مع أبوكي… عشان متفق معاه مشوفكيش في مكان…
-مش همشي إلا لما أبارك للعروسه.
اتعصب وقال: -مش هسمحلك تبوّظي فرحتهم… امشي وإلا والله…
قاطعت كلامه بحزن: -من غير وإلا يا حازم… همشي…
بصّت له فترة وهو كمان كان بيتأملها… كأنه بيدوّر يشوف هل بجد ندمانة ولا بتمثل… نزلت عينيها على الأرض ولفّت تمشي وهي دموعها نازلة.
قبل ما تمشي بعيد رجعت تبص له تاني وقالت: -عايزه أقولك حاجه قبل ما أمشي…
كملت بصوت مخنوق: -أنا… أنا بحبك بجد… وندمانه… وإن رجعنا لبعض هعيش خدامه تحت رجليك العمر كله…
قالتها ومشيت وهي مكسورة… وحازم وقف يمسح وشه، يحاول يكتم غضبه وقال بصوت واجعه: -وأنا كمان كنت بحبك… بس مش قادر أتقبلك تاني…
ماكانش واخد باله من أمه اللي واقفة من بعيد، ولا شروق وميسره وحاتم وإيمان اللي كانوا بصّين له بنظرات شفقة…
ولما لفّ وشافهم، ابتسم ابتسامة باهتة وحزينة، وراح قعد لوحده على أقرب كرسي، والناس حواليه رايحين جايين…
وهو سرحان… شايف بس ابنه اللي بيلعب في القاعة… وسامع صوت أسماء وهي بتبكي… لكنه كان مصمّم مايلينش لها تاني، لأنها وجعته وجع كبير… على الأقل دلوقتي…
لكن محدش يعرف الغيب… والقلوب بين إيدين ربنا… ومحدش يعرف الأيام مخبّيالنا إيه…
استغفروا
بقلم آيه شاكر
★★★★★
«إيمان»
خلصت الحفلة واتقفل علينا باب شقتنا، وأنا كنت مطمّنة إني ساكنة في نفس العمارة مع بابا وماما. وقف حاتم قدّامي وتنهد براحة، وبصّ لي بابتسامة
وقال:
- وأخيرًا وليس آخرًا... تعبتيني أوي.
كنت متلخبطة ومكسوفة، بس عملت نفسي ثابتة وقلت: وإيه المشكله لما تتعب عشاني؟ هو أنا مستاهلش التعب؟!
- تستاهلي كل حاجه حلوه يا إيمان، يلا نتعاهد إن خلافاتنا بيننا وبس... والحب اللي ربنا زرعه في قلوبنا نرويه بحسن العِشرة.
- ابسط يدك أُعاهدك.
قلت كده وأنا ببتسم وماده ايدي، فمد إيده ومسكتها، وبعدها حضني ولف بيا، ولما سابني قلت:
- أنا عايزه أتعشى.
- هتتعشي بفستان الفرح؟ مش لما تغيّري!
- آه صح… ونصلّي كمان، وبعدها نقعد ناكل للصبح.
سألتي:
- ويا ترى العشا إيه بقا؟
- ماما جايبه لنا حمام.
قال:
- بس أنا مبحبش الحمام.
- حد مش بيحب الحمام؟!
غمز لي وقال: وعشانِك يا إيمان هتعشّى الليلة حمام.
ضحكنا، وقال:
- نورتِ بيتي وقلبي وحياتي…
ابتسمت بمرح وقلت: هنيئًا لك.
ضحك، وقال: طيب هو أنا المفروض أعمل إيه دلوقتي؟!
- تغير هدومك إنت كمان...
دخلنا أوضتنا، مد إيده عشان يخلع هدومه، صرخت فيه: إنت هتعمل إيه!!! مش هنا يا حبيبي… روح الحمام.
ضحك، واخد هدومه وخرج وهو بيغنّي بصوت عالي فرحان:
- وعشانك يا إيمان هغير في الحمّام... وعشانك يا إيمان هتعشى الليلة حمام... وعشانِك يا إيمان مبقّتش أعرف أنام...
قلت وأنا بضحك: يا حاتم احنا اتفقنا متقولش شعر تاني.
- بس أنا مش بقول شعر… أنا بغني.
قالها وهو بيضحك قبل ما يقفل عليه باب الحمام، فضحكت من قلبي.
ــــــــــــــــــ
«إيمان»
"الحياة بيتٌ غامض ومعتم، به عدة غرف مؤصدة الأبواب، لكل غرفة رحلتها ولكل رحلة مشاقها، وعليك أن تمضي متوكلًا على الله وموقنًا بأنه لن يضيعك أبدًا، فقط توكل وامضي مطمئنًا..."

كتبت الكلمات دي وأنا نايمة، وحاتم جنبي نايم… أو كنت فاكرة كده لحد ما بصيتله لقيته فاتح عين ومغمض التانية وهو بيقول بنعاس:
- ايه ده؟ هي الساعه كام دلوقتي؟
اتلخبطت وحطيت الموبايل بسرعة تحت المخدة وقلت: الساعه ٣ ونص يا حبيبي.
- كنتِ ماسكه موبايلك ليه؟
- كـ… كنت بشوف الساعه عشان أقوم أصلي القيام.
ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: طيب يلا قومي اتوضّي وأنا جاي وراكِ.
بصيت تحت المخدة في المكان اللي خبيت فيه الموبايل، وفكرت آخده معايا… بس سيبته. بلعت ريقي بقلق وقمت.
كنت متأكدة إنه هيفتح الموبايل ويشوف كنت بكتب إيه، هو من أول ما اتجوزنا وهو ملازمني… بيعرف أنا بفكر في إيه وبكتب إيه وبحس بإيه. وعمري ما اتضايقت من ده، بالعكس… وجوده بيطمني.
واللي مقلق قلبي فعلًا… تأخّر حملي.
سبع شهور مش كتير، بس قلبي بقا! نفسي أحس بإيد صغيرة بتتحسس وشي… نفسي أكون أم. والدكاترة قالوا "مسألة وقت"، وأنا مستنية… بدعي… وبعيط… وبردد:
«ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء»
وكل شهر بيعدي، أملي يزيد… وقلقي يزيد.
اتوضيت، ولما لفيت… لقيته واقف ورايا، ساند على الحيطة، وبطفيةإيده الموبايل. بيبص لي ويبتسم كأنه فاهم كل حاجة.
قال: كاتبه كلام جميل كالعادة… ولكن، ألا تبصرين الحكمة؟
قلت برضا: الحمد لله في السراء والضراء، وما دام قلبك بينبض فأنا بخير… وما دمت معايا فأنا أُضيء.
تبسم وقال: ما أجملك أنتِ والفصحى! فقد تعود لساني عليها بفضلك.
- جميل…
قلتها وانا ببتسم.
حضني وقال: حبيبتي ربنا يباركلي فيك.
- ربنا ميحرمنيش منك… ولا يحرمك مني أنا ونكدي وقلقي.
ضحك وقال: لا يا ستي ربنا يحرمنا من القلق والنكد… يلا هتوضى وأجيلِك.
اداني الموبايل، خدتُه وأنا بتنهد براحة… طالما حاتم معايا، كل شيء بعده سهل.
عدى الوقت بين صلاة وقرآن واستغفار. وبعد الفجر نمت، وصحيت على زنة ذبابة… والتانية على وشي!
نفخت بضيق، وقمت متعصبة:
"إزاي الذبان ده دخل؟ أنا بقفل كل حاجة كويس!"
بصيت جنبي… مالقيتش حاتم قمت أدور عليه، لقيته واقف بيتكلم في الموبايل في البلكونه وبابها مفتوح على الآخر!
صرخت: برْدُه كلامي مش بيتسمع! بَرْدُه يا حاتم!

اتخضّ، ودخل بسرعة وقفله وقال:
- آسف يا ستي… بس عارفة الساعه كام؟ الساعه ٩! فرح أختي النهارده يا إيمان، كان المفروض نكون باتّين هناك.
- لسه بدري… هنلحق نلبس ونروح.
- طيب يلا بسرعة، أنا لسه قافل مع حازم… وهيعدّي علينا كمان عشر دقايق.
- حاضر… بس طلع الدبان اللي دخل الشقة ده.
- دبان ايه يا إيمان! بقولّك اتأخرنا والنهارده فرح أختي، الله!
- يعني نمشي ونسيب الدبان في الشقه ولا إيه!
- لا طبعًا… الذبان ملهوش أمان وممكن يسرق حاجة من الشقة…
سابني ودخل المطبخ، بيهمهم بكلام مش مفهوم.
صرخت:
- طيب على فكره بقى… إنت اتغيّرت يا حاتم!
طلع راسه وقال:
- أيوه اتغيرت… ومبقتش دكتور وبَس… لا… وكمان طباخ!
زهِق ورجع المطبخ وهو بيقول:
- البسي يا إيمان على ما أجهز لنا سندوتش ولا حاجه.
دخلت الأوضة وأنا بكلم نفسي:
- أنا أصلًا مكتئبة ومش عايزه أحضر أفراح… أوف…

بعد شوية، صوت كلاكس عربية حازم ملى الشارع. نزلنا بسرعة…
ركبنا، لقينا حازم متخـ.ـانق مع ابنه اللي قاعد جنبه وزعلان. حاتم أخد الولد وباسه وحطه جنبي:
- تعالَ يا بطل عند طنط.
ولما ركب قدّام، قال لحازم:
- لا مؤاخذه يا حزومي… اتأخرنا عليك.
- الصراحه اتأخرتوا جدًا… وأنا بكره الانتظار يا حاتم وإنت عارف.
حاتم بايه على خده: آسفين يا رياسة.
حازم مسح خده بانزعاج: قولتلك ميه مره بطل تبوسني…
ضحكنا، ومشينا. وبعد شوية وقف قدام بقالة: هنزل أشتري شوية طلبات لماما.
حاتم نزل وراه وهو متضايف: اومال مستعجل ليه! طيب ما كنت تشتريهم قبل ما تيجي!
حازم بصله وقال: اسكت يا حبيبي! تعرف تسكت؟
- مالك يابني؟ متعصب ليه كده؟!
مردش، فحاتم قال:
- صحيح… سمعت إن أمينه بنت عمك اتطلقت!
حازم لفله وقال: هو أنا مش قلتلك اسكت يا حبيبي؟!
حاتم سكت ورجع العربية وهو بيقول:
- الواد ده بقى عصبي زيادة…
استغفروا
بقلم آيه شاكر

************
وصلوا للبيت اللي كان مليان بأفراد العيلة، والضحك والزغاريد ماليين المكان. أما حازم فكان، كالعادة، بيهرب من الزحمة ويتعمد يقعد لوحده.
سمع صوت عمته دلال وهي قاعدة مع بنت أخوها أمينة؛ كانت أمينة بتحكيلها بصوت مكسور عن جوازها اللي كان صعب… طلع بيتعاطى مخـ.ـدرات ومش بس كده، ده كان بيضـربها وبهدلها سنين. قالتها وهي بتحاول تثبت نفسها لكن التعب كان باين على ملامحها.
تنهد حازم بعمق.
كلام أمينة لمس حتّة موجوعة جواه.
افتكر نفسه زمان… أيام ما كان قلبه فاضي وبيتعلق بأي ابتسامة.
في يوم حب أمينة، وفي يوم حب نجمة، وفي يوم خدته مشاعره ناحية أسماء… وكل ده كان؟ مجرد فراغ عاطفي.
ضحك من غبـ.ـاءه وقتها، وضحكته خرجت منه فجأة لدرجة إن دلال رفعت حاجبها:
- بتضحك لوحدك ليه يا حازم؟ خير؟
مسح وشهوقعد جنبها وقال:
- افتكرت موقف كده…
- طيب ماشي… طمني عليك.
هز راسه وقال بآهة طويلة:
- الحمدلله على كل حال…
ابتسمت دلال، بص حازم لأمينه وقال:
- كبرنا يا أمينة… وحملنا زاد.
قالها وهو يبص لطفلتها الصغيرة، وبعدين لابنه.
أمينة ردت بنبرة هادية عمره ما شافها عليها قبل كده:
- لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها يا ابن عمي.
بعد نظره وقال:
- ونِعم بالله.
سرح للحظه… في الأيام اللي فاتت كلها عدت قدامه زي دخان وهو بيطير.
انتبه على صوت دلال وهي بتقول:
- ربنا يعوضك خير يا بنتي ويجبر بخاطرك.
أمينة هزت راسها وقالت بحزن:
- لا… خلاص. مش هتجوز تاني.
نزلت دمعة من عينها وهي بتقول:
- كان دايمًا يقولّي إني مش عاجباه… بهدلني وكرهّني في نفسي وفي الرجالة كلها…
قاطعها حازم بصوت ثابت لكنه متأثر:
- متقوليش كده يا أمينة. مش كل الرجالة وحشة… وبعدين إنتِ لسه صغيرة، وهو الخسران.
وقبل ما يكمل، بصلها بنظرة طويلة وقال:
- واحدة مؤدبة ومحترم زيك ضيعها بغباءه؟ دا شخص ميعرفش قيمة النعمة.
تعلّقت عيون أمينة بوشه للحظة.
كانت بتحاول تمسح دموعها، لكن التعب مالي وشها… جمالها اللي كان بيلفت انتباهه زمان بقى باهت، كإن الخريف عدا على ملامحها وخد معاه كل ألوانها.
بص لها فاتعلقت عنيها بعينه، ارتبك وشال عينه بسرعة.
أما دلال؟ فكانت بتبص عليهم هما الاتنين بنظرة متفهمة.

صلوا على خير الأنام
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
جه المساء.
وفي قاعة أفراح واسعة، كانت تسنيم قاعدة جنب غيث، وشروق جنب ميسرة. الجو هادي، ومفيش ولا أغنية اشتغلت لسه.
ميلت تسنيم على غيث وقالت:
- مش كفاية بقا؟
- مبقالناش خمس دقايق قاعدين! مستعجلة على إيه؟ إنتِ مستوعبه إحنا دافعين كام في القاعة دي؟! طيب بلاش القاعة… عارفة الفستان اللي إنتِ لبساه ده مدفوع فيه كام؟!
- خسارة فيه الفلوس… دا طابق على نفسي! عايزة أخلعه مش طايقاه.
- تخلعي إيه!؟ إنتِ هتفضلي لبساه للصبح… بقولك دافع فيه مبلغ وقدره.
بصت له بنظرة جانبية حادة، فقال وهو بيضحك بخبث:
- متبصليش كده… هو مش ده الفستان اللي إنتِ اخترتيه ومكنش عاجبني؟ عقابًا ليكِ مش هيتخلع غير بكرة الصبح!
ابتسمت ابتسامة مصطنعة عشان محدش ياخد باله، وقالت:
- أنا مش هرد عليك دلوقتي عشان محدش يفهمني صح… إنما احنا لينا بيت إن شاء الله.
غيث ضحك وقال:
- أنا مبخافش… أنا معايا الحزام البني وبعرف أدافع عن نفسي كويس.
- قصدك حزام أسمر بتاع الكاراتيه ده؟
- لا… قصدي الحزام البني بتاع البنطلون.
- هتضـربني يا غيث؟
ضحك وقال: - هجـ.ـلدِك.
ضحكت: - لعلمك… أنا كمان مبخافش، لأني معايا الحزام الأبيض بتاع الفستان… ونتواجه إن شاء الله.
استغفروا.
ــــــــــــــــ
من ناحية تانيه…
كانت شروق قاعدة وشها مكشر، ساكتة وباصة قدامها. مسك ميسرة إيدها وقال:
- عشان خاطري… روقي.
- كان نفسي بابا يكون موجود.
- ربنا يرحمه يا شروق… طيب عشان خاطري بقى متنكديش على نفسك. ابتسمي شوية… الناس بتبص عليك.
ارتجفت شفايفها بابتسامة صغيرة وقالت:
- حاضر… همسك نفسي لحد ما الليلة دي تخلص… وهبقى أعيط بعدين.
- برافو عليكِ… امسكي نفسك لحد ما نروح الغردقة ونرجع… واعملي بعد كده اللي إنتِ عايزاه.

وعلى جانب تاني
كانت إيمان قاعدة جنب حاتم وسط العيلة.
عينها كانت بتراقب أمينة… ابتسامتها الهادية.
عينيها وقعت على حازم وهو بيختلس النظر لأمينة كل شوية… كأنه بيتابع حالها من بعيد.
قطع شرودها صوت حاتم وهو يميل عليها:
- حذري فذري… إيه المفاجأة اللي عاملها لكِ؟
- مفاجأة إيه؟
- مفاجأة… ممكن أسربلك جزء منها. إحنا هنروح الغردقة معاهم.
- مالييش مزاج… ومجهزتش شنطة ولا أي حاجة.
- متقلقيش… أنا هجهّز كل حاجة الليلة، هنمشي الصبح… نغير جو يومين.
- لا يا حاتم… أنا مليش مزاج بجد.
قال بابتسامة مغتصـ.ـبة:
- ماشي يا حبيبتي… اللي يريحك.
كان فاهم سبب رفضها… بص لها بعين مليانة قلة حيلة، وهي عاملة نفسها مش واخدة بالها ومركزة قدامها. انتهى الفرح برتابة، وكل واحد رجع بيته.
أصر حاتم يباتوا عند والدته وعمته دلال، وكانوا قاعدين سوا… ومعاهم أمينة وبنتها.
اتكلموا شوية قبل النوم.
أما حازم… قضى الليل كله في أرق.
بيتقلب على السرير، وأفكار كتير بتدور في دماغه.
قام، توضى، وصلى استخارة…
وبعدين أخد قرار عاجل… زي كل قرارات حياته.
صلّوا على خير الأنام.
ـــــــــــــــ
في الصباح…
صحِي حاتم، لقاها واقفة في البلكونة، سرحانة.
وعلى الكومود… اختبار حمل منزلي.
تنهد، وأخده ومشي ناحيتها.
قال:
- اعمليه يا حبيبتي… سيبيها على ربنا، اعمليه عشان تتطمني… وعشان لو مفيش حمل نروح الرحلة معاهم، أنا عارف إنك رافضة الرحلة عشان كده.

سكتت ثواني، وبصوت متحشرج قالت:
- خايفة.
- تأكدي إنه خير… كل حاجة ليها ميعاد. توكلي على الله.
بصت له لحظة، وأخدت الجهاز ودخلت الحمام.
وقف هو يمسح وشه ويقول:
- يارب…
بعد ما خلصت، قفلت عينيها وحطت الجهاز في غلافه… من غير ما تبص للنتيجة.
كانت مرعوبة من الخذلان… من الألم اللي بيدخلها في دوامة نفسية زي كل مرة.

خرجت خاصه للأرض…
حاتم افتكر النتيجة سلبية، فطبطب على ضهرها:
- الحمد لله… خير. لسه رزقنا مجاش… روقي.
- أنا مش عايزة أروح الرحلة يا حاتم.
- اللي يريحك يا حبيبتي… مش مهم الرحلة. المهم تكوني بخير.
- أنا بخير والله… متقلقش.
نظرت إيمان للجهاز لحظة… وحطته في شنطتها، وخرجت من الأوضة تتظاهر بابتسامة.
اندمجت بسرعة في الكلام مع دلال وأمينة…
وحاتم كان بيراقبها من بعيد.
تنهد براحة… افتكر إنها مرت بسلام ومزعلتش زي كل مرة.
انتصف النهار...
كانت إيمان بتساعد دلال ووالدة حاتم في تجهيز الطعام، وحاسه بغثيان مفاجئ من رائحة الطعام، فحطت ايدها على بوقها ووقفت قصاد االحوض تحسُبًا، فسألتها دلال:
- مالك يا إيمان؟
هزت رأسها نافية، وهي تقول:
- مفيش حاجه يا عمتو.

كان حاتم واقف وراهم ومتابع إيمان، ابتسمت له، فقال:
- منوره مطبخنا يا مونه.

قالت إيمان بمرح:
- هسيب بقا ماما وعمتو ينوره وأروح أنا أنور الحمام شويه...

ضحكوا واتجهت إيمان للحمام عشان تهرب الريحه اللي حسيستها بالغثيان.

ووقف حاتم يتكلم مع والدته وعمته...

وقف حازم في الصالة ينفخ بالون لبنت أمينة ولإبنه، فقربت أمينة وقالت لابنتها:
- قولي لخالو شكرًا يا ليان.
- شوكن.
قالتها الطفلة، فابتسمت أمينة وكانت هتمشي لكن ناداها حازم، التفتت له مترقبة، فقال بصوت مهزوز:
- إنتِ... كويسه؟ يعني...
بلع باقي كلامه وتعجبت هي من سؤاله، ومردتش، اتنفس حازم بعمق وقال:
- بصي يا أمينه أنا مش بحب اللف والدوران... واتعودت أكون دوغري ومش عايز أضيع وقت، وزي ما بيقولوا يعني خير البر عاجله و...

سكت، فحثته على الكلام بقولها:
- و؟

- أنا عايز اتجوزك.

ظهرت الصدمة على وشها ومردتش، وكانت بنتها بتلعب مع ابن حازم، فسحبتها من ايدها، وهي بتقول:
- يـ... يلا يا ليان هنمشي.
شالت بنتها وقبل ما تمشي نادتها دلال ووالدة حازم عشان يتغدوا مع بعض، لكنها استأذنت وأصرت تمشي، وكان واضح عليها الإ تباك، فدلال قالت:
- مالها دي! كانت بتقول هتقعد معايا طول اليوم!!
وقدام البيت
لحق حازم أمينه وناداها، فوقفت وهي في قمة انفعالها، قالت:
- لا يا حازم آسفه... أنا مبفكرش في الموضوع ده لأني لسه خارجه من تجربه ما يعلم بيها إلا ربنا ومش جاهزه نفسيًا لأي حاجه.
- ومش هتبقي جاهزه إلا لما تتحطي في الموقف يا أمينه.
سكتت شوية وهي بتبص حواليها، فقال:
- اوعديني إنك تفكري في طلبي.
زفرت بقـ.ـوة، وبصتله بنظرة سريعة وقالت بحياء:
- مش دلوقتي.
- وأنا هستناكِ.
سكتت شوية وقالت:
- أنا لسه تعبانه...
-أنا كمان تعبان... لكن الحياه مش هتقف، عشان كده اوعديني إنك تفكري يا أمينه.
سكتت تفكر في كلامه وبعدين قالت:
- أوعدك.
قالتها ومشيت، وحازم واقف يبتسم ويلوح لطفلتها اللي شايلها على كتفها وهي بتلوح له بابتسامة واسعه.
رجع حازم بيته مبسوط على غير عادته، وقف على البلكونه مبتسم، فحاتم حاوط كتفه وباس خده وقال:
-زإيه الأخبار؟
أزاح حازم إيده وقال بضيق:
- أنا قولتلك كم مره بطل تبوسني!
ضحكوا كلهم، واتجمعوا على الترابيزه عشان يتغدوا.

رن جرس الباب، قالت والدة حاتم:
- يا ترى مين اللي حماته بتحبه ده؟!
نهض حازم وتوجه للباب وقال:
- أنا هشوف مين.
بمجرد ما فتح الباب صاح بفرحة:
- مش معقول... كريم.
حضنه كريم وقال:
- متأخرين للأسف، كان نفسنا نحضر الفرح بس وصلنا امبارح بعد ما الحفله خلصت.
حازم رمق نجمه اللي واقفة مبتسمة، ومسك ابنته بيده، وحمل الطفلة وقال من غير ما يبص لنجمه:
- ازيك يا نجمه؟ حمد الله على السلامة.
- الله يسلمك.
دخلوا البيت وحازم شايل الطفلة، وقال ببهجة:
- حماتكوا بتحبكوا تعالوا احنا بنتغدا.
وقف الجميع فور ما شافوهم وتبادلوا العناق، كانت إيمان حاسة برغبة قوية في التقيؤ، فهرولت للحمام وراها حاتم، وبعد ما خرجت قال:
- إيه اللي حصل؟
- متقلقش مفيش حاجه... روح طمنهم عليا أنا جايه أهوه.
إيمان ركضت لغرفتها، طلعت جهاز الفحص وهي بتسمي الله، ولما شافت النتيجة ابتسمت ودموعها نزلت، جففت دموعها وخرجت لهم، فجري عليها حاتم وسأل:
- فيه ايه يا ايمان؟
أدتله الجهاز، بدل نظره بينها وبينه بابتسامة وقال بخفوت:
- اللهم لك الحمد... اللهم لك الحمد... إنتِ حامل!
أومأت إيمان بسعادة وقالت:
- كل ابتلاء وكل محنة وراها فرج وليها حكمة وأنا كنت متعشمه أوي يا حاتم وكنت متأكده إن ربنا مش هيخذلني المره دي، والشهر اللي فات ربنا كان بيختبر صبري وهل هكمل في الطاعة ولا هيأس وهبعد، أنا بحب ربنا أوي يا حاتم.
حاتم كان بيتأملها بابتسامة وفرحان، قال:
- تعالي نبشر ماما...

بعد ما بشر حاتم عيلته بخبر حمل إيمان، قعدوا يتبادلوا الأحاديث بسعادة ويختاروا اسم الجنين...
حازم بدل نظره بين عيلته... تمنى دوام الوصل بعد غياب طويل من كريم ونجمه اللي حاول ينسى حنين قلبه ليها ومحسش إن قلبه اتعافى منها خالص إلا دلوقتي، يمكن أمينه وقعت فجأة في قلبه...
فسبحان مقلب القلوب من حال لحال...

★اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وعلى طاعتك.★
ومن ناحية تانية، مال حاتم على إيمان وقال:
- اعذريني كنت عايز أحضنك بس اتكسفت عشان كانوا بيبصوا علينا وكمان مبعرفش أقول كلام رومانسي قدام حد، بس أوعدك أول ما نبقى لوحدنا هغرقك...
ابتسمت وقالت:
- أنا كمان بتكسف على فكره.
- كل حله بتدور على غطاها يا حلتي.
- ودا أغرب غزل اتقال في التاريخ يا غطايا...
ضحكوا الاتنين، فقالت دلال:
- طيب ضحكوني معاكم...
قال حاتم:
- لا احنا بنضحك على الفاضي يا عمتو متشغليش بالك.
ضحكوا كلهم، ودلال بدل نظرها بين كريم ونجمه وحاتم وإيمان وحازم وطفله، وأولاد زوجها اللي بقوا أولادها، وقالت:
- الحياه جولات يا ولاد ولكل إنسان نصيب من السعادة ونصيب من الحزن ونصيب من الراحه ونصيب من الآرق، ربنا يسعد قلوبكم يا حبايب قلبي ويجعلكم حظ وفير من السعادة في الدنيا، وحظ كثير من السعادة في الآخرة...
رددوا كلهم:
-آمين... يارب...

•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية

تعليقات