رواية ألفة ووصال الفصل الثامن عشر 18 - بقلم ايه شاكر
برق عنيه بصدمة لما شاف حالتها، كانت قاعده على الكرسي بتعيط بهسترية وحاطه ايديها على صدرها وكأنها يتصارع عشان تلتلتقط الأكسجين وأنفاسها بتتحشرج وكأنها في سكرات المـ ـوت...
قرب منها ميسره يناديها وبيطلب منعا تهدى لكنها مستجتش وفي اللحظة دي وصلت تسنيم للبيت، قالت بأنفاس عاليه وقلق:
- هي مالها؟!
- دي شكلها صـ.ـدمة عصبية، اقعدي جنبها هروح الصيدليه وأجي.
خرج ميسره الطريق وأخد الطريق جري دون اكتراث لمن يمر عليه من الناس ويسأله بيجري ليه وحصل اي.
وهو راجع بعدما جاب جهاز التنفس من الصيدلي ومعه بعض الدواء، وهو بيجري وسامع كلام الناس حوليه…
- ربنا يصبره.
وأخر:
- دا كان صاحب عمره...
كأن فيه حاجه ميعرفهاش.
وشيء غريب بالبلد وكأن الحزن ريحته ظاهره في نواحيها لكن مكنش عنده وقت للتفكير في أي حاجه إلا شروق اللي بتصارع الحياة. لتلتقط الهواء...
وصل للبيت
حاول يحطلها جهاز التنفس لكنها كانت بنقاوم، فقال ميسره بضيق:
- وبعدين بقا... مش هينفع كده يا شروق...
- هنعمل إيه يا ميسره؟!
قالتها تسنيم، فقال ميسره:
- امسكي ايديها كويس وأنا هحطلها الماسك.
قيدت تسنيم حركتها وحط هو الجهاز حول أنفها بالغصـ.ـ ب، ووقف ميسره يجهز حقنه تانيه لكن شروق موقفتش عن البكاء رغم هدوء أنفاسها قليلًا.
وبعد فترة
كان ميسره سرحان وبيفتكر في الجملتين اللي التقطهم سمعه.
وبعدما هدأت شروق مسحت تسنيم على شعرها المكشوف، اللي منتبهوش ليه… شروق كانت لابسه منامة شتوية ومفيش حجاب على رأسها، فسحب ميسره غطاء وحطه عليها، فقالت تسنيم بقلق:
- مالك بس يا شروق؟
ولما بصت تسنيم لميسره لاحظت إنه باصص على شروق اللي قفلت جفونها قبل شوية.
فقالت تسنيم:
- إيه يا عم ميسره... نظراتك يا عسل...
وبدات تسنيم تُحكم الغطاء حول شروق، بينما انتفض ميسره… كان سرحانفي ملامحها وكأنه أول مره يشوفها.
دير وشه الناحيه التانيه وبص في ساعته بارتباك، فقالت تسنيم:
- هو ليه دكتور حاتم كلمك ومكلمش خطيبها، أقصد أكرم؟
- مش عارف لكن أكرم مبقاش خطيبها عشان شروق سابته.
قالت بمكر:
- بجد!! وإنت كمان سيبت خطيبتك، صدفه غريبه مش كده!
بلع ميسره لعابه وسكت، فقالت تسنيم بابتسامة ساخرة:
- المشكله إني فهماك أوي يا ميسره، إنت وأكرم مش عارفين إنتوا عاوزين إيه!!
بص لها ميسرة بنظرة سريعة ورجع يبص للفراغ بصمت فسألته تسنيم:
- هي شروق لما كانت واقفه معاك في المستشفى من يومين كانت بتقولك ايه؟!
- امته ده؟ آآ... أنا مش فاكر.
قالها بارتباك ظهر على حركاته ونبرته، فقالت تسنيم:
- طيب لما طلبت تقابلك في الكافتريا الصبح... كانت عايزه إيه؟
- دا إنتِ مرقباني بقا يا تسنيم!!
قالت تسنيم:
- أنا حاسه إن إنت السبب في الحاله اللي هي فيها دي! قول يا ميسره حصل ايه ومش هقول لحد.
- اطمني يا تسنيم أنا مليش أي يد في حالتها دي، كل الحكايه إن شروق سابت أكرم عشان شاكه إن هو اللي كان بيعمل صور لنجمه، وسألتني كذا مره وأنا قولتلها معرفش حاجه لكن أكرم كان قايلي كل حاجه، أنا متأكد إن أكرم برئ وأنا فهمتها إنه برئ من غير ما أطلع أسراره.
-.وهو أكرم زعلان عشان شروق سابته؟
- أكيد لأ... بالعكس دا فرحان.
قلبت تسنيم فمها بشك، وقالت وهي تنظر بعيني أخيها:
- أمرك عجيب إنت وصاحبك... صدقني انتوا الإتنين نسخه واحده... مش عارفين إنتوا عاوزين إيه!
- إنتِ مش فاهمه حاجه!
قالها ميسره وقاطع كلامهما صوت مكابح سيارة وقفت أسفل البناية.
بص ميسره من الشباك فشاف حاتم نزل من سيارة والد إيمان وهما وراه..
ولما دخل حاتم للشقة قامت تسنيم من جنب شروق ووقفت جنب أخوها واندفع حاتم نحو أخته يهزها بلطف ويتفقدها برفق، ثم نظر لميسرة وقال معاتبًا:
- رنيت عليك كتير مردتش عليا... كنت هتجنن...
- نسيتِ موبايلي في البيت.
قالها ميسره، فسأل حاتم:
- هي مالها؟!
- أعتقد صدمة عصبيه.
- صدمه عصبيه!!
قالها حاتم ونظر حوله وهو يقول:
- هو مفيش حد هنا! ماما ولا حازم!
هز ميسره رأسه نافيًا، فأومأ حاتم وحمل أخته لغرفتها ومن خلفه إيمان تتابع ما يحدث بلهفة وقلق...
استأذن ميسره وخرج من البيت ومعه تسنيم التي تُلح عليه ليفصح عن كامل ما يخفي وهو يراوغها، فقالت بزهق:
- ما تقول بقا يا ميسره هو أنا هتحايل عليك!
- أنا صدعت يا تسنيم، خلاص بقا كفايه إلحاح، دا ربنا يكون في عون غيث! افصلي بقا.
- بس خليك فاكر إنك بتخبي عليا حاجات.
- ماشي هخليني فاكر...
قالها ميسره وأوقفه شاب من بلدته بقوله:
- إنت بتعمل إيه هنا! هو إنت متعرفش اللي حصل ولا ايه؟
- حصل ايه!
وقبل أن يتحدث الشاب مر رجل كبير وقال لميسرة:
- البقاء لله يابني... إنا لله وانا إليه راجعون.
ومشي الرجل، وفضل ميسره يسأل الشاب عن مقصد الرجل ولم يصمت إلا حين قال الشاب بحزن:
- صاحبك اكرم... بيقولوا كان راكب موتوسكل وعمل حادثه و... البقاء لله.
ربت الشاب على كتف ميسرة وانصرف تاركًا ميسره قد تصنم مكانه وهو يغمغم:
- أكرم مين!! أكرم أنا شايفه الصبح...
بينما أطبقت تسنيم يدها على فمها من هول صدمتها...
استغفروا
بقلم آيه شاكر
★★★★★
في اليوم التالي
أُغلق كتاب أكرم، ولن يُرى مجددًا بين الناس إلى أن تأتي نهاية تلك الدنيا ويتقابل الجميع في عالم الانهاية.
في العزاء
كان صوت القرآن يدوي عاليًا وبالخارج يجلس الرجال بملامح جامدة تلائم الموقف، فقد فقد شاب حياته على حين فجأة...
بينما في الداخل كان النساء يتوشحن بالسواد، وهناك بعض الهمهمات الجانبية، يتخللها أصوات صراخات أسماء التي كانت شبه واعية ترقد على فراشها وتصرخ باسم أكرم بين حين وأخر ولا تكرر إلا عدة جمل في صوت مرتفع:
- سامحني ياخويا... يارتني كنت أنا... أنا أستاهل بس إنت لأ، كنت لسه بفكر هرجعك لشروق ازاي...
قالت سيدة:
- معلش يا حبيبتي اصبري دا أنا شيفاه في منامي امبارح بدر منور... الله يرحمه.
وقالت أخرى:
- أنا كمان شوفته كان في مكان كله أخضر ولابس أبيض... في الجنه ان شاء الله.
أما الثالثة فقالت:
- عقبالنا يارب...
نظر لها جميع السيدات، فتلعثمت بقولها:
- قـ... قصدي غقبالنا لما ندخل الجنه يعني.
قامت ست من قرايب أكرم وقالت:
- سعيكم مشكور يا جماعه... تقدروا تتفضلوا.
ومسكتتش أسماء وفضلت تصرخ وتكرر اسم أخوها..
وفي مكان تاني ببيت شروق...
كانت راقده على سريرها والدموع تنهمر من مقلتيها في صمت بعدما بُح صوتها من الصراخ، فقد انتهى طريقها مع أكرم. ظنت أنه سيعود لكن الآن لا مجال للعودة...
حين أتعبها البكاء نامت ويمكن كان نومها نتيجة المُهدأ، فقد كان يتصل بأوردتها محلول تتابعه إيمان التي تجلس قصادها في صمت حتى انتهى فنهضت وأغلقته ثم خرجت للردهة بخطوات ثقيلة مرهقة...
قابلتها والدة شروق وقدمت لها الشاي، وجلستا، قالت إيمان:
- الحاله اللي شروق فيها دي عشان أكرم؟!
تنهدت والدة شروق وقالت بخفوت:
- كانت بتحبه بس شاكه فيه ويوم ما اتأكدت من براءته قولتلها تكلمه وحاولت أقنعها تقابله وروحت أقول لأسماء ترتب ميعاد ليهم بس ملحقتش لقيت أسماء بتصرخ وتقول إنه عمل حادثه، طلعنا نجري وبعدها بدقائق مات... من صدمة أسماء اتصلت بشروق وقالت لها والبت جاتلها صدمه عصبيه كان شاب زي القمر... ربنا يصبر قلب أهله وأمه.
مسحت والدة شروق دمعة سقطت منها، فقالت إيمان وهي تحبس دموعها:
- واضح إن شروق كانت بتحبه أوي... ربنا يصبرها.
- شروق كانت بتحبه وربنا يكفيكِ الشر تأنيب الضمير صعب أوي يابنتي... وهي حاسه إنه زعل عشان سابته فعمل حادثة وأسماء اللي قالتها كده قدامنا كلنا.
- ربنا يكفينا شر فواجع الأقدار... أنا قلبي واجعني أوي...
قالتها إيمان وانفـ ـجرت باكية، وهي تقول:
- أكرم كان طيب أوي يا طنط أنا اعرفه من الطفوله وهو ابن خالة أمي... كنا دائما نلعب مع بعض ولما كبرنا أنا حطيت حدود مع كل الشباب... بس أكرم كان بيكلم ماما دائمًا وأسمع صوت ضحكتهم مع بعض فأدخل أكلمه وأضحك معاهم... صعبان عليا أوي بجد.
ضمتها والدة شروق حتى هدأت، فقالت والدة شروق:
- ادخلي يا حبيبتي ريحيلك شويه في أوضة حاتم.
- لأ أنا همشي... هقوم اروح عند تيته وأبات هناك.
- طيب اصبري شويه حاتم زمانه جاي...
- لأ لأ أنا همشي... كنت جايه أطمن على شروق واقفل المحلول زي ما حاتم قالي.
- حاتم قالك كده عشان تيجي من الدوشه والغم اللي هناك...
بدأت إيمان تبكي مره تانيه بنشيج عالي وهي بتفكر أكرم، وبتحط نفسها مكان شروق وحاتم مكان أكرم فتزداد شهقاتها وعياطها، ووالدة شروق جنبها تتنهد وتستغفر تاركةً إياها تقذف الم قلبها للخارج بذرف تلك الدموع الساخنة.
استغفروا
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
بقلم آيه شاكر
★★★★★★★
«إيمان»
«لم لا ندرك قيمة ما في أيدينا إلا بعدما يطير على حين غفلة منا؟!»
أثر فيا مـ ـوت أكرم، خوفت أفقد حاتم فبكيت وشهقت، لحد ما ناولتني والدة حاتم كوب من الماء فأخذته منها بأيدٍ مرتعشة وشربت...
جففت دموعي حين سمعت باب الشقة يُفتح، وقبل أن أرتدي نقابي قالت الأم:
- دا حاتم... بس صوت أسماء وحازم بره هروح أشوفهم.
دخل حاتم مع ابن حازم الصغير...
قعد حاتم قصادي من دون كلام، فأخذت ابن حازم من ايديه وقبلته بلطف وطبطبت على ظهره فقعد جنبي، سألت حاتم:
- هي أسماء جت!
- أيوه... قالت مش قادره أقعد في البيت من غير أخويا فحازم طلب منها تيجي.
- ربنا يهديها.
صمت حاتم وهو منكس الرأس ثم أجهش بالبكاء، فقلت:
- بالله عليك متعيطش أنا ماسكه نفسي بالعافيه...
ازداد بكاء حاتم فشاركته واختلط نشيجنا معًا، لحد ما جت والدته وأخذت الطفل اللي عبست ملامحه حتى كاد يبكي، وقالت لنا:
- عيطوا وطلعوا كل اللي جواكوا متكتموش العياط لتتحسروا.
وبعد فترة من البكاء
قام حاتم وقعد جتبي، قال بصوت مختنق وهو يكبح البكاء:
- خلاص يا ايمان أنا سكتت... خلاص بقا.
قلت بصوت متحشرج:
- مش عارفه أسكت... مش قادره.
بصلي لفترة، وقد ترك مسافة بيننا وكأنه يستحي أن يقترب، ولما طال بكائي، قطع المسافة بينا وضمني، فشددت عليه وكأنني أخشى أن يهرب مني.
استغفروا.
**********
مرت الأيام ونقص الحزن تدريجيا لحد ما اختفى بعدما ترك ندبة خفيفة في قلوب البعض وعميقة في قلوب أخرين.
«بتُ لا يؤرق ليلي ويرهق قلبي إلا وجلي من أن يحين أجله قبل أجلي، فدومًا ألهجُ بدعوة ثابتة، وهي ألا تغادر روحه جسده قبل أن تفعل روحي، فقد سكن فؤادي فارتضاه رفيقًا لدربي.»
أردت الإستيلاء على كامل عالمه فتوظفت بالمستشفى الذي يعمل به بعد أن استأذنت والدي فترك الإذن له معللًا أنه زوجي، ووافق حاتم بشرط واحد...
كان عملي بمستشفى خاص إلى أن أستلم عملي الحكومي، وكان شرطه الوحيد تكون أوقات عملي في نفس مواعيده هو وشروق التي توطدت علاقتي بها مرة أخرى، وقررت أن أخلع رداء الماضي وأنسلخ من كل الذكريات السلبية وأرميها ورا ظهري.
بمعنى… نقطه وسطر جديد لبداية جديدة...
وفي المساء
بعد انتهاء عملي وفي غرفة تبديل الملابس، وقبل ما أربط نقابي دخلت شروق بتهميش لنفسها بكلمات، ومشافتنيش لكني ألقيت السلام فانتفضت، قلت:
- ايه شوفتِ عفريت؟
- أيوه... الحمد لله على كل حال.
- إنتِ بتقولي ايه!!
- متركزيش يا مرات أخويا... سيبيني في اللي أنا فيه.
سكتت شروق قليلًا، جلست ثم حدثت نفسها مجددًا:
- هو قال أكرم برئ... مش عارفه ليه مش عايز يقولي الحقيقة بقا...
قلت بفضول:
- هو مين ده؟!
رفعت حاجبيها وهي ترشقني بحدة لبرهة فسألتها مجددًا ماذا تقصد فهدرت بي:
- إيـــــــه.... وإنتِ مالك؟ قومي جوزك مستنيكِ بره.
- طيب متزعقيش! ايه ده...
قلتها بنزق وأخذت أربط نقابي، وشردت شروق لبرهة ثم حدثت نفسها مجددًا:
- هيكون مين يعني اللي عمل كده!! آه لو أعرفه هـ... هـ... هـ...
- شروق! إنتِ كويسه يا شروق؟!
قلتها فنظرت لي شروق بحدة مما دفعني لأهرب من أمامها لخارج الغرفة، أصبحت سريعة الغضب حقًا لا تُطاق، لكني أحبها...
خرجت أغمغم بنزق فاصطدمت بحاتم، ابتسم وقال:
- مش قولنا نركز.
- لعلمك أنا كنت عارفه إن إنت... وخبطت فيك متعمده.
- يا سلام!!! طيب يلا يا فالحه عشان عاوز أتكلم معاكِ في موضوع مهم.
- انا مش بحب كلمة فالحه دي بحسها شتيمه مع إنها مش شتيمه بس إنت بتقولهالي كتير وبسخرية كده و...
قاطعني بابتسامة:
- مش هنخلص النهارده ما خلاص بقا.
ضحكت ومشيت جنبه كان ساكت وكنت بلح في السؤال عن الموضوع المهم، فقال ليثير حفيظتي:
- مفيش موضوع أنا مش قايل.
رمقته بنظرة سريعة وقلت:
- على راحتك أصلًا أنا مش فضوليه خالص.
ضحك وقال:
- يا نهار أبيض إنتِ هتقوليلي...
ضحكت ووقفنا ننتظر سيارة أجرة فجذب انتباهي شروق اللي خرجت من المستشفى مع تسنيم وميسره اللي كان ماشي قدامنا فنادته شروق ووقفت تسأله حاجه، مسمعتش اللي بيقولوه، لكني ركزت على إنفعالات وجههما...
ولما طال سكوتي بصلي حاتم وقال:
- مش إنتِ عايزه تعرفي مين كان بيبعت صور لأسماء وبيهددها؟
قال الجمله دي في نفس اللحظة اللي رفعت شروق ايدها عشان تضـ.ـرب ميسره على وشه، فمسك دراعها قبل ما يوصل ليه، فبرقت عيني بصدمة.
عارفه إن الحلقة قصيرة والصراحة مكونتش ناويه أنزل لأني بره البيت، وتتعوض بكره.
(١٨)
•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية