رواية ألفة ووصال الفصل السابع عشر 17 - بقلم ايه شاكر
- هو موبايلك نوعه إيه يا إيمان مش هواوي برده؟!
- إيه!
قلتها بصدمة، فقال:
-إيمان! إنتِ اللي عملتِ كده؟!
-لأ والله مش أنا.
وفي صمت تبادلنا النظرات وهو بيتفحص ملامحي، ودقات قلبي زادت، خوفت يشك فيا، أو يحصل بينا مشكلة بسبب أسماء دي...
قلت:
- بـ... بتبصلي كده ليه؟
ابتسم وهو بيزيح بصره عني، وقال:
- اتأكدت.
- آآ... اتأكدت من إيه؟!
رجع يبص في عيني، فبصيت للأرض،ورفعت رأسي مره تانيه لما قال:
- قرأت الإجابه في عينك و... وملامحك.
- مش أنا والله يا حاتم.
قلتها بقلق، فسكت شوية وححم وقال:
- قومي هاتيلي أشرب يا مونه.
- مونه؟! أول مره تناديني كده!
- ومش أخر مره.
قالها وغمز بعينه، فقومت ودخل أيمن وهو بيتسم ويلم عليه، واتجهت أنا للمطبخ وكنت مشتتة ومتوتره، اصطدمت نظراتي بوالدتي اللي بصت لهدومي بقرف ورشقني بنظرات حاده، فقلت بانفعال:
- قولتلك موضوع أسماء سر رايحه تفتحيه معاه ليه؟!
- هو أنا مش سألتك حاتم عارف قولتيلي أيوه؟
- بس مقولتلكيش روحي قوليله يا ماما.
قالت أمي وهي بتغسل الفواكه:
- آآ... ماشي خلاص ملهوش لزمه الكلام، أنا مقولتش حاجه ومش هقول... روحي غيري هدومك دي وأنا هبعت أيمن يقعد معاه على ما أعمل عصير.
- أيمن قاعد معاه فعلًا بس حاتم عايز مايه.
- طيب روحي غيري القرف اللي لابساه ده وأنا هنادي أيمن ياخد المايه...
هويت راسي كنت همشي فافتكرت إن أيمن استمع لكلامي مع والدتي، برقت وشهقت وأنا بقول بصدمة:
- يا نهار أزرق... أيمن!
وجريت وأنا بنادي أيمن، خوفت يكون فتن عليا.
فقابلني عند باب الأوضة وهو يقول ببراءة:
- نعم! بتنادي ليه؟
جذبته من هدومه بقـ ـوة، وأنا بقول:
- تعالى يا قلبي...
- على فين؟!
سحبته لأوضتي وأنا بهمس:
- إوعى تكون قولت حاجه عن اللي سمعتنا أنا وماما بنتكلم فيه؟
- لو قصدك عن أسماء فلا لسه...
رجيته بيدي يمين وشمال، وأنا بزعق:
- اسمع يلا، إنت ملكش دعوه بالموضوع ده ولا تتكلم معاه فيه أصلًا، فاهم؟
- لــــــيـــه؟
قلت بانفعال:
- من غير ليه، فــــــــاهم؟
نفخ بضيق وقال:
- طيب مش قايل... سيبي ذراعي بقا عشان أروح أقعد معاه.
سيبته وقلت بتحذيرة
- لو قلت حاجه يا حاتم هزعلك.
عدل من هدومه وهو بيقول بمكر:
- أولًا أنا مش حاتم أنا أيمن، ثانيًا مش هقول حاجه خلاص ثالثًا وده الأهم...
بصلي من فوق لتحت وكمل:
- روحي غيري الهدوم دي شكلك يكسف.
قالها ومشي وهو بيضحك فقلت وأنا ببص لنفسي بالمراية:
- عنده حق! شكلي يكسف فعلًا... أوووف أنا إزاي طلعت لحاتم كده!
بدلت هدومي وحطيت بعض مساحيق التجميل وخرجت مرة تانيه، وبحياء قعدت جنب والدتي اللي طبطبت على ايدي ووقالت:
- متقعديش خدي حاتم وروحوا البلكونه.
قمت ودخلنا للبلكونه...
فها هو الحلم السعيد الذي كنت أتمنى أن أراه بنومي أصبح الآن يقف جواري خلال يقظتي، وها قد أبصرت الخيال بأم عيني وقد تجسد بواقعي.
وقف حاتم ساند على سور البلكونه، كان مبتسم، يرمقني بين فترة والتانيه وساكت.
فأبتسم له لحد ما قطع سكوتنا وقال:
- الجو بدأ يبرد.
- فعلًا.
سكت مره تانيه وبص قدامه.
كنت بحرك موبايلي في ايدي مديه ليه عشان ياخده، فبص للموبايل شويهوقال:
- إيه ده؟!
- موبايلي الهواوي... ابحث فيه... والله والله مش أنا اللي عملت كده...
أخذ الموبايل من ايدي وضحكوقعد على الكرسي وهو بيلعب فيه،قلت:
- بتضحك على ايه؟!
تنهد وقفل الموبايل وحطه على الترابيزه، وقال:
- متقلقيش أنا مصدقك يا مونه... هو إنتِ نجمه حكتلك لحد فين؟
- نجمه قالتلي على يوم المستشفى لما أسماء كلمتها والكلام اللي قالته عن الصور وكده...
- مقالتلكيش حاجه تاني؟
- لأ، أنا متكلمتش معاها بقالي فتره.
- يعني مقالتلكيش إن حازم وكريم اتصالحوا وحازم عرف الحقيقه؟
شهقت وقلت بفضول:
- عرف إيه، وازاي؟
- كريم حكاله كل حاجه وهو صالح كريم وعرفه إنه مصدقه.
قلت بدهشة وفضول:
- وبعدين عمل ايه؟؟
- ولا حاجه ولا قال لأسماء إنه عارف ولا كلمني تاني سكت وخلاص... هيعمل ايه يعني، الله يكون في عونه.
تنهد بعمق وأضاف:
- ساعات بحس إني عايز أخليني هنا دايمًا، ومروحش عندهم أبدًا عشان هناك دوشه وصريخ وخـ.ـناق رغم إن الجو هادي... فاهمه حاجه؟
- فاهمه طبعًا... طيب وإيه حكايه الموبايل الهواوي؟
- لا كنت بهزر معاكِ.
قالها وابتسم بفتور، فابتسمت وقلت:
- حرام عليك... دا هزار ثقيل.
بصلي بابتسامة وسكت شويه، وقال:
- بس إيه الحلاوه والطعامه دي كلها...
وعشان أخفي حيائي وقفتوقلت:
- هو ده وقته؟ إنت بتغير الموضوع!
وقف جنبي مباشرة، بسط يده فبصيتلها وقلت بمرح:
- عايز فلوس ولا إيه؟
ابتسم وقال:
- امسكي ايدي.
بعدت عنه خطوتين وقلت بعناد:
- لأ...
قرب مني، وما زال باسط يديه فرشقته بنظرة جانبية.
قال ببعض الانفعال:
- والله هزعل وبجد عشان إنتِ بتتصرفي بجمود وبرود غير طبيعي.
- يا سلام! حوش حوش اللين والرقه اللي بتخر منك يا عسل.
ضحك وقال:
- طيب امسكِي ايدي يا إيمان...
منفذتش اللي قاله، فأضاف:
- يلا وإلا والله العظيم أنادي لأمك.
عقدت ذراعي وقلت:
- أنا محدش يقدر يجبرني على حاجه.
قبض حاتم ايده وسكت لفترة، لحد ما رن موبايله فأجاب وتجاهلني، انتبهت لما قال:
- لا حول ولا قوة إلا بالله... طيب أنا جاي دلوقتي... يلا مسافة الطريق.
استنيته يحكي عن المكالمة أو يفتح ايديه مره تانيه فأعانقها، لكنه سكت وهو باصص قدامه وأنا خاصه قدامي لحد ما قال:
- شوفيلي الطريق عشان همشي.
قالها بجمود وبيتهمني بيه؟!
مسألتهوش عن حاجه رغم فضولي، خرج وسلم على أمي وأخويا، وتقابل مع والدي اللي داخل عاد من الباب، ورغم ضيقي منه بسطت يدي لأصافحه وأنا بقول:
- مع السلامه يا دكتور.
- مبسلمش على حريم.
قالها حاتم وهو بيضحك، وحط ايده في جيبه، فقبضت يدي بإحراج وأمي وأخويا ووالدي بيتبادلوا النظرات.
تراجع حاتم فقال:
- طيب متزعليش يا ستي هسلم عليكِ...
- ملهوش لزمه.
قلتها بابتسامة جليدية ورميته بنظرة باردةودخلت أوضتي، ووقف هو يتكلم مع أهلي ويضحك معاهم.
انتبهت لموبايله اللي رن في البلكونه.
كان على سور على البلكونه، قلبته في ايدي، ثم فتحته بكلمة السر اللي عارفه أنها بتاريخ كتب كتابنا...
ولغريزتي الأنثوية فتشت فيه، لحد ما وصلت لألبوم الصور، واحدة وهو بيضحك وتظهر أسنانه وغمازة بإحدى وجنتيه، والتانيه وهو واقف برتابة طبيب حاطط ايده في جيوبه
وواحده وهو سائل ابن حازم وواحده مع شروق.
ابتسمت وأنا بقلب بين صوره لحد ما شوفت صوره خلتني أتصدم.
سيبت الموبايل وحطيته على التربيزه وأنا بقول:
- يا نهار أبيض!!
دخل أيمن للأوضه وأخذ الموبايل، وقال:
- تعالي كلمي حاتم عايزك.
خدت الموبايل من ايده، وطلعت وراه والصدقه لسه ماسكه فيا.
وقفت قدام حاتم وأنا بتأمله وهو يبتسم، بلعت ريقي في ارتبك، مد ايده ليصافحني فاديتلع الموبايل، فقال بابتسامة:
- ماشي يا إيمان.
قلت بجدية:
- هو إنت مش عايز تقولي حاجه؟
- أنا! حاجة إيه! لأ أبدًا...
هزيت راسي وحسيت بارتباكه وهو بيستأذن قبل ما يمشي وممدش ايده مره تانيه يسلم عليا.
ومقاليش على اللي مخبيه عني.
شوفته من الشباك لما طلع خرج من البناية يتعثر في خطاه وهو بيتكلم في موبايله...
نزلت دموعي، وتشنجت عضلات وشي لما تخيلت اللي مخبيه عني. وقررت أستناه يمكن يقولي قبل فوات الأوان...
قعدت على مكتبي فشوفت مصحفي، اللي غفلت عنه لأيام، وحضنته.
فوالله لا أرى نفسي مع القرآن والدنيا إلا كمن كتم أنفاسه لينغمس بماء البحر حتى إذا اختنق خرج ليأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يعود لدنياه فينغمس فيها ..
بقلم آيه شاكر
استغفروا
★★★★★★★
وقبل دقايق في شقة شروق، وقفت تتناقش مع والدتها في موضوع.
فزعقت والدتها:
- يعني إيه مش مرتاحه لأكرم؟
- يعني مش هو ده الشخص اللي عايزه أكمل معاه حياتي يا ماما.
- وجايه تقولي كده دلوقتي واحنا بنحدد ميعاد كتب الكتاب والراجل قاعد بره.
- لو محرجه منه أنا هخرج ارجعله الذهب وأقوله كل شيء قسمه ونصيب، ومعتقدش إنه هيزعل لأنه مش بيحبني أصلًا.
قاطعها صوت خبط على الباب، دخلت أسماء، قالت لشروق:
- إنتِ لسه ملبستيش أكرم قاعد بره من بدري.
ديرت شروق ظهرها وقالت:
- مش هقابله.
وقفت أسماء قبالها وقالت:
- ليه؟ انتوا زعلانين مع بعض؟
ابسمت شروق بسخرية وقالت:
- احنا مبنتكلمش مع بعض أصلًا عشان أزعله أو يزعلني.
- يعني إيه الكلام ده؟
قالتها أسماء فأخرجت شروق علبة الذهب وقالت:
- يعني اعفينا إنت من الإحراج ده يا أسماء ورجعي لأخوكي الذهب وقوليله كل شيء قسمه ونصيب.
- لأ يمكن ده يحصل أبدًا.
قالتها أسماء وفي نفس اللحظة دخل حازم للأوضه، سألهم في ايه، فشرحت شروق ليه.
فقال حازم:
- محدش يقدر يجبرك على حاجه يا شروق إنتِ مش صغيره والقرار قرارك... الجواز مش بالعافية.
غضبت وجه أسماء وبدلت نظراتها بينهم، قبل أن تخرج من الأوضة، فقالت والدتهما:
- مبسوطين كده زعلتوها؟!
قال حازم بانفعال:
- تخبط دماغها في أتخن حيطه.
خرجت الام تنهيدة طويلة وطلعن تطلب حاتم عشان يقنع أخواته..
وبعد دقائق خرج أكرم وهو في قمة سعادته وكأنه تحرر من حبل اتعقد حولين عنقه واشتد رباطه حتى كان على وشك إنه يمـ ـوت خنقًا.
مش وهو بيتنفس بعمق وبيبتسم ويحمد الله على ما حدث، لحد ما وصل بيته.
ومن ناحية تاتيه
كانت أسماء بتلف في الأوضه، والرسالة اللي اتبعنا لها من أسبوع ترتسم كلماتها أمام عينها:
"خلاص مفيش داعي تقولي لجوزك أي حاجه لأنه عرف بأصل الحكايه."
صغطتعلى أسنانها وهي بتحاول تمنع صرخة منفعلة تخرج من حلقها، وقالت:
- ولما هو عارف ساكت لــــــيــــه؟
نفخت بضيق، فقد حاولت جاهدة أن تسرع من زواج شروق وأكرم ولكن لم يكن في حُسبانها الصفعة دي.
ظنت إن تركت شروق أكرم لا شك أن حازم كمان هيتركها عاجلًا أم آجل بعدما عرف بحقيقتها...
منجحش اللي فكرت فيه، فقد سعيت لإرتباطهما حتى إن علم حازم بحقيقتها فكر في أخته أولًا قبل أن يأخذ أي قرار بشأنها ولكن هل انتهى الأمر هكذا!
هوت جالسة على أقرب مقعد فتحت درج الكومود وأخرجت علبة دواء وضعتها على سطحه، أخذت تقرض أظافرها في توتر وهي خاصه للعلبة، ثم انفـ ـجرت باكية وارتفع بكائها وهي تقول:
- أنا مكنتش عايزه أعمل كده... هما اللي بيجبروني أعمل كده... هما السبب في كل اللي أنا فيه، نجمه هي السبب من البداية، هي السبب... هي وإيمان السبب... مش هسامحهم أبدًا... مش هسامحهم... كلهم ظلموني حتى شروق... أنا بكرههم
وانخرطت في بكاء مرير، وسرعان ما مسحت وجهها تفكر في خطة، فخططها مش هتنتهي! فهي شخصية سيطرت عليها نفسها وتمكن منها شيطانها.
فضلت كده لحد ما رن جرس الباب فتظاهرت بالجمود وراحت لتفتح، لقت حماتها قدامها فاغتـ ـصبت ابتسامة وقالت:
- اتفضلي يا ماما...
دخلت والدة حازم وهي بتقول بحسرة وحرج:
- أنا عارفه إنك زعلانه ومش عارفه أقولك ايه، ليكِ حق تزعلي بس الجواز يا بنتي قسمه ونصيب، ومحدش بياخد مرات حد...
أطلقت أسماء العنان لدموعها وبكيت وارتمت بأحضانها.
وحاولت حماتها تهديعا وتطبطب على ظهرها، تظاهرت أسماء بالدوخه فسندتها لحد سريرها، وحاولت كثيرًا تهدئتها حتى أثار انتباهها علبة الدواء أعلى الكومود، فمسكتها وقالت بقلق:
- إيه ده يا أسماء؟ دوا إيه ده يابنتي؟!
انتفضت أسماء وأخذت العلبة من ايدها بقلق وهي تقول:
- دا مش ليا... دا لواحده صاحبتي...
فهزت والدة حازم رأسها وبصت لأسماء بشك...
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام.
★★★★★★
«حاتم»
« لماذا نراقب الناس وننسى أن الله يرانا في كل حين؟ ألا نستحي؟! تجذبنا الدنيا وفتنتها فيرسل الله لنا إشارات لنرجع، ألا نعود؟!»
دخلت لبيتنا وكنت بستغفر طول طريقي من بعد ما خرجت من بيت إيمان، يمكن مأحسنتشالتصرف معاها، لكن هعالج كل شيء في القريب العاجل، واقولها اللي أخفيته عنها ولكن بعدما أضبط نفسي الأول وأعود لسابق عهدي، أرجع فأصلي القيام ليلًا وأرتل القرآن في كل حين، ولأعود لابد أن أُزيل الغبار المتراكم على صدري أولًا، ولن يزول إلا بكثرة بالإستغفار.
قابلتني شروق على الباب عابسة الوجه، حصنتني وبكت وهي تقول:
- أنا سيبته... مقدرش أعيش مع واحد مش شايفيني ولا حاسس بيا.
طبطبت على ظهرها وقلت:
- متزعليش يا حبيبتي ربنا يرزقك بخير منه يارب.
اغتـ ـصبت ابتسامة بعدما خرجت من بين ذراعي وقالت:
- الحمد لله... كده أحسن... آآ... أنا ارتحت كده.
- بس مش باين عليكِ الراحه؟
قلتها بمكر فأنا عارف بحبها ليه، رمقتني بنظرة سريعة وقالت:
- هو محبنيش وأنا عمري ما هفرض نفسي عليه... وكمان أنا مش عارفه أثق فيه... هو اللي كان بينشر صور لنجمه أنا متأكده.
سكت شويه، وقلت:
- لأ مش هو بس ممكن يكون له يد الله أعلم.
يصتلي وقالت:
- إنت عارف حاجه ومخبيها؟!
هززت رأسي نافيًا وقلت:
- لأ أنا معرفش اي حاجه... أومال ماما فين؟!
- فوق عند الست أسماء بتراضيها.
- وحازم فوق؟!
شاورت لأوضتي وقالت:
- قافل على نفسه هناك... مش عارفه بينه وبين مراته ايه؟!
بصيتلها وقلت:
- وإنتِ بينك وبينها ايه؟ حاسس إنك مبقتيش تحبيها زي الأول.
تنهدت بعمق وقالت:
- لما اتخطبت لأخوها وكان بيعاملني وحش حسيت إني كرهتها فجأة وحسيت إنها مصطنعه ولابسه قناع بتخفي وراه وش تاني ويمكن محدش شايفه إلا حازم.
قلت زافرًا بعمق:
- ربنا يهديها.
قضيت ليليتي ببيتنا الكئيب أحاول سحب الكلمات من فم حازم ليُخرج اللي داخل قلبه، لكنه لم يفعل ولم أفعل أنا كذلك...
وبعد يومين
عدتُ من عملي مساءًا وقابلتني إيمان عند مدخل البناية، بصتلي بجمود وحاولت تتجاهلني لكني أسرعت الخطى واعترضت طريقها وألقيت عليها السلام فردته ببرود ومشيت.
متكلمتش معاها بصراحة ولو لمرة وهي كأي أنثى تحاول أن تظفر بكرامتها فلم تحاول ولو لمرة الحديث معي، واللي بيرهقني هو سؤالها المتكرر في كل مكالمة لنا:
- مفيش حاجه عايز تقولي عليها!!
لما مرت جنب شقتي سحبتها لجوه وقفلت الباب، فزعقت:
- إفتح الباب ده يا حاتم.
- لازم نتكلم مع بعض.
- مش دلوقتي.. افتح الباب ده خليني أمشي.
- مش فاتح إلا لما نتكلم.
قلتها بإصرار شديد وأنا بضغط على كل كلمة، ومددت يدي لأزيح النقاب عن وجهها فبعدت عني بسرعه، قلت:
- الله! دا إنتِ زعلانه مني أوي!
- مش زعلانه...
- أومال فيه ايه؟ مالك؟
قالت بجمود:
- إنت عايز تقول ايه؟!
- عايزه أقولك إني بحبك ووحشتيني أوي.
وقفت ورا الباب وقالت:
- بعد إذنك ممكن تفتح الباب عشان مينفعش كده!
مديت ايدي لأزيح نقابها عشان أشوف ملامحها لكنها بعدت وصاحت بانفعال:
- إفتح الباب بقولك وإلا والله هصرخ...
- تصرخي! ليه وعلى ايه!
فتحت الباب وقلت:
- اتفضلي يا ايمان.
نظرت لي نظرة مطولة ثم قالت بهدوء:
- شكرًا يا دكتور.
خرجت، ثم قطعت الدرج بخطوات واسعة وسابتني واقف أبص لأثرها في حيرة وقلق...
مرت الأيام على وتيرة واحدة، لا يؤرقني ويرهق قلبي سوى تغير إيمان وجمودها معي...
حتى جاء هذا اليوم..
في زيارة لبيت إيمان دخلت إليّ بنقابها، استغربت فعلتها كما أثار ذلك غضب والديها، قلت مازحًا:
- إيه يا إيمان إنتِ خارجه ولا إيه؟!
- مش خارجه بس... بس أنا مش مرتاحه و... و... واتسرعت بخطوة كتب الكتاب دي... آآ... أنا مش عايزه أكمل.
قالتها وحطت علبة الذهب قدامي، مما أثار غضب والديها وسحبت والدتها النقاب عن وجهها وهي بتتزعق:
- هو لعب عيال! دا جوزك يعني احنا ممكن نطردك دلوقتي وتروحي معاه، إنتِ ضيفه هنا...
- مش بالعافيه يا ماما... أنا مش مرتاحه.
قالتها إيمان بانفعال، وهمت والدتها أنا تضـ ـربها فوقفت أمامها وقلت:
- معلش يا طنط... استني أنا هتكلم معاها.
وقبل أن تنطق والدتها قالت إيمان بعناد:
- لأ... مش هقعد معاك أنا إديتك فرصه مره واتنين وتلاته، في كل زيارة وكل مكالمه استنيتك عشان تتكلم معايا وإنت محاولتش تتكلم بصراحه ومحاولتش تقول اللي مخبيه عني.
- هخبي عنك ايه!!! وبعدين واجهيني باللي في قلبك، يا إيمان أنا بحبك و...
قاطعتني بقولها:
- أرجوك كفايه لحد كده؟!
- هو أنا عملت ايه يا إيمان؟! أنا...
قاطعني والدها اللي كان بيتابع كلامنا، قال بحسرة:
- معلش يابني أصل أنا معرفتش أربيها سامحني.
- لأ يا عمي آآ... أنا هتكلم معاها وهنحل كل حاجه إن شاء الله.
نظرت لها برجاء، فديرت وشها عني، قلت بنفاذ صبر:
- ماشي يا إيمان... أنا همشي بس بعد المره دي أقسم بالله ما أنا راجع مره تانيه.
- أحسن برضه.
قالتها وسابت الأوضه، وتبعتها والدتها اللي معترضة سمعتها وهي بتقنع إيمان تخرج لي ولو مرة أخرى وتعتذر...
بصيت للأرض شويه، ووالدها بيعتذر نيابة عنها، لكنني خرجت من غيرما أرد عليه...
وقفت تحت البناية سرحان في اللي حصل.
وقطرات المطر تتساقط علي وأنا في وادٍ أخر لا أسمع سوى صوت إيمان وهي ترفضني للمرة التي لا حصر لها منذ عرفتها...
جريت وراها كتير ومقربتليش ولو لمرة واحد!
أقسمت أنها كانت المحاولة الأخيرة لكن هل سينتهي كل شيء هكذا، أم يجدر بي أن أحاول مرة أخرى؟! وإلى متى؟
وقفت أبص للبيت ولما ديرت ظهري عشان أمشي أوقفني صوتها:
- حــــــــــــاتــــم... يا حــاتم.
توقفت مكاني لما وقفت قصادي تأملت مقلتيها الدامعتين في صمت، لحد ما قالت:
- أنا آسفه.
سكت لأني مش عارف أسفها على ايه؟
على أنها سألتني ولا على اللي قالته، ارتشفت دموعها وقالت:
- ممكن نتكلم في شقتك؟
هويت راسي ورجعت معاها، دخلت للشقة وسيبت الباب مفتوح وقعدت على أقرب كرسي قابلني، فقفلت إيمان الباب...
خلعت نقابها وقعدت قصادي تبكي قالت:
- ماما بتحبك... وبابا حلف عليا لو معتذرتلكش هيضـ ـربني ولو متجوزتكش إنت هيجوزني ابن عمي وأنا مش بحبه.
رجعت بظهري لأستند على ظهر الكرسي وقلت:
- يعني إنتِ جايه تعتذريلي عشان بابا وماما!!
يكتت واستنشقت دموعها، وكنت بحاول كظم غضبي، مددت لها منديلًا وقلت:
- اهدي عشان نعرف نتكلم.
أخذته من ايدي، وقالت بصوت متحشرج:
- ليه عملت كده يا حاتم؟
قلت بانفعال:
- عملت ايه؟! أنا عملت إيه يا إيمان؟!
قالت بانفعال:
- أنا عرفت كل حاجه... إنت اللي بتبعت الصور لأسماء! شوفت اسكرينات لكل الصور، إنت اللي بتعمل كده... ومش ده اللي مزعلني تتفلق أسماء، أنا اللي قاهرني إني استنيتك تيجي تعترفلي لكنك كل مره كنت بتمشي من غير ما تقول... أنا آسفه مقدرش أكمل معاك على كده إنت مش صريح وأنا مش بحب كده.
سكتت ومسحت دموعها، فمسحت وشي وقلت:
- خِلصت يا إيمان... خلاص ربنا يوفقك في حياتك...
- يـ... يعني ايه؟
قالتها بصدمة، فهي متناقضة ومش عايزه تسيبني! قلت:
- مش إنت مش مرتاحه! وأنا مقدرش أجبرك على حاجه.
- مش هتبرر... مش هتوضحلي، مش هتقول حاجه؟
- إنتِ مخلتيليش حاجه أقولها... مسيبتيش مجال للنقاش.
وقفت عشان أنهي الحوار، فقامت وقالت بأعين دامعة:
- رايح فين؟
سكت، مش عارف اي سر الجمود اللي مسك في قلبي ممكن يأس أو إحباط، أو قلة حيلة...
شوفت في عنيها نظرات قلق وحيرة وخوف، وبنبرة مرتعشة قالت:
- هتسيبني؟!
بصيتلها بنظرة مطولة اتفحصها وهي وملامحها الشاحبة وهي تبكي بنشيج مسموع، قلت بهدوء مصطنع:
- اطلعي يا ايمان دلوقتي ونتكلم بعدين.
حطت ايديها على بوقها وجريت على الحمام.
وقفلته بقـ ـوة، فتبعتها وأنا سامع صوت تقيأها وتأوهاتها وبنادي عليها بلهفة عشان فتح، لحد ما خرجت وهي بتتظاهر بالقـ ـوة، قلت بقلق ولهفة:
- مالك يا إيمان؟
- كويسه.
قالتها بتعب وباعت ريقها، فقلت:
- لأ إنتِ مش كويسه... مش ممكن تكوني كويسه بشكلك ده!
- قولتلك كويسه وبعدين مش إنت هتسيبني؟ خلاص بقا متشغلش بالك.
قالتها بانفعال، فقلت بنفس انفعالها:
- أنا قولت إني هسيبك؟ أنا مقولتش إني هسيبك... إنتِ مراتي ولعلمك فرحنا هيبقى في أقرب وقت.
- بس أنا مش هتجوزك.
- مش بمزاجك على فكره.
قلتها بتحدٍ، أنا عارف أنها مندفعة وعصبية عنيدة، وعارف برده أنها تطبتحبني وإن حاولت إظهار عكس ذلك.
وقفنا نبص لبعضنا في صمت ظاهري وتخاطر لا يُسمع، نظراتها بتحكي قلقها وأنا بطمئنها أني مش هسيبها أبدًا.
نتبهت لرنات موبايلي برقم شروق، مرداش، وقربت من إيمان لأمسك ايدها فسحبتها، وعيطت، فقلت:
- بصي يا إيمان مش أنا اللي بعمل الصور، صحيح أنا عارف مين اللي بيعمل الصور دي لكن مش أنا.
- أومال مين؟
- مش موضوعنا دلوقتي المهم إن مش أنا اللي بعمل كده... وبطلي بقا عصبية وتهور... حاجه زي كده شغلاكي تعالي كلميني وأنا أفهمك لكن تسكتي وتطلعي مره واحده كده وقدام أعلك تحرجيني بالطريقه دي مينفعش... أنا زعلان منك جدًا...
سكتت شويه، وقالت بتعب ظاهر على وشها:
- وأنا تعبانه جدًا جدًا...
فتحت إيمان الباب لتخرج فجذبتها من ذراعها لتقف وقلت:
- استني أكشف عليكِ.
- لأ شكرًا أنا عايزه أنام... وآسفه على أي حاجه.
قالتها وخرجت من غير ما تبص في عيني، فنفخت بضيق وأنا سامع شروق ترن علي للمرة الثالثة، فمردتش وطلعت لايمان.
فتح والدها الباب، فقلت:
- خلاص يا عمي الموضوع اتحل و... عشان خاطري متزعلهاش.
قال والدها بابتسامة:
- ماشي يا حنين... تعالى بقا أشربك شاي بالنعناع.
دخلت وموبايلي لسه بيرن برقم شروق فاستأذنتهم ورديت:
- أيوه يا شروق...
قلتها، واتغزعت حين سمعت صوت شهقاتها العاليه، انتفضت واقف وقلت بلهفة خلتهم يبصولي بقلق:
- مالك يا شروق؟ إيه اللي حصل...
- الحقني يا حاتم...
قالتها بصوت متحشرج وأنا أسمع صوت أنفاسها، سألتها:
- إنتِ فين؟!
قالت ببكاء:
- في البيت تعالى لي...
سمعت شهقة مرتفعة خرجت منها ولم تقل كلمة أخرى لكنني كنت سامع صوت حشرجة أنفاسها، وصرختها فاتفزعت، وجريت ومش عارف مين جه ورايا...
- في ايه يابني؟!
قالها والد إيمان، وشغل عربيه ولحقني وأنا بجري زي التائه المجـ.ـنون.
ورايا إيمان بتناديني ووالدها بيقولي لأركب العربية...
ركبنا وإيمان بتسألني عن اللي بيحصل وأنا معرفش اللي حصل
طلبت رقم والدتي وحازم وأسماء ومحدش رد.
فطلبت رقم ميسره اللي جاوب على الفور وطلبت منه يروح بيتنا ويشوف أختي.
فحقًا المصائب لا تأتي فرادى...
بقلم آيه شاكر
استغفروا
★★★★
وفي بيت ميسره بعد مكالمة حاتم لبس حذائه بسرعه، سألته تسنيم حصل اي، فقال:
- مش عارف شروق مالها؟!
وخرج، لبست تسنيم ولحقت بيه...
قطع ميسره المسافة من بيته لبيت حاتم يهرول إذا كان هناك ناس فإذا فرغ الشارع ركض بكل ما أوتي من عزم، ومن خلفه تسنيم تتبعه بخطواتٍ واسعة...
وصل ميسره للبيت الذي بدأ وكأنه هادئ، دفع البوابة الحديدية وكانت مفتوحة فدخل وأخذ ينادي حازم، وبخطوات واسعة قطع الدرج لحد ما وصل لشقة شروق حط أذنه على الباب فسمع صوت حشرجة أنفاس شروق المرتفعة.
بلع لعابه بتوتر وبص للمفتاح في الباب وأنفاسه سريعة… فتحه...
وبرق عينه بصدمة لما شاف حالتها...
يلا مش خساره فيكم مع إني مكنتش عايزه أنزل الحلقه دي النهارده أحداثها كتير ومراجعتهاش كويس.
الحلقة (١٧)
•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية