رواية ألفة ووصال الفصل العاشر 10 - بقلم ايه شاكر
- لو سمحت متقربليش… أنا حامل.
سابني الراجل وجري على أوضة المريـ.ـض وهو بيصرخ بحرقة:
- قتـــلتـــــ.ـــــــوه ليــــــــــه…
اتخضيت من صوته العالي، ومشيت أنا وتسنيم ناحية الأوضة اللي «غيث» قفلها عليهم من لحظات…
وبنظرات مترقبة تابعناهم وهما بيقتحـ.ـموا الأوضة… واتصدمنا من اللي بيعملوا…
ميسرة كان بيضغط بإيده على صدر المتو.فى كأنه بيحاول ينعش قلبه، وغيث ماسك حقنة واضح جدًا إنها محلول ملح…!
وقف «ميسرة» اللي بيعمله، وكلمهم بثقة مصطنعة وبرسمية:
- إيه اللي بيحصل ده!! كده أنا مش هعرف أنقذ المريض.
زعق واحد من الرجالة اللي واضح إنه كبيرهم:
- أومال الدكتور بيقول إنه تو.فى ليه؟
قال غيث بنبرة مرتعشة:
- لأ… دي حالة تانية آآ… إن شاء الله هنلحقه وهيعيش، بس… اطلعوا بره لو سمحتوا عشان نعرف نشتغل، وإلا هيمـ.ـوت فعلًا وهتبقوا إنتوا السبب… يـــــــــــــا أمــــــــن!
صرخ غيث بآخر جملة كإنه بيستغيث.
شاور الراجل للباقيين يخرجوا، ولما طلعوا بص لنا وهددنا وهو بيهز صباعه:
- حياته قصاد حياتكم كلكم.
بص الراجل لتسنيم بحدة وهو بيعيد الجملة، فمسكت دراعي وقالت بتوتر:
- آآ… إيه! أنا ماليش دعوة… وبعدين أنا حامل.
ولما بص عليا، قلت بتوتر:
- و… و… وأنا كمان.
رشقنا ميسرة بنظرة مش هنساها… نصها صدمة ونصها سخرية، ورجع يكمل اللي بيعمله واللي كلنا متأكدين إنه مالوش لازمة…
أول ما خرجوا؛ ميسرة وقف اللي ببعمله وتنهد بارتياح بسيط.
جات ممرضة ناحيتهم وقالت بعصبية:
- هو إنتوا بتعملوا إيه؟
حط «غيث» السرنجة على جنب وقال:
- بنكسب وقت… وإلا كنا اتفرمنا دلوقتي.
وقف ميسرة حاطط ايده في جنبه وقال بتفكير:
- طيب نطلب الشرطة؟ ولا نكلم الريسة؟ نعمل إيه؟
بصله غيث شوية وقال:
- أنا هكلم أمن المستشفى… متقلقوش.
قالت الممرضة ماهي بضحك:
- متقلقوش… إحنا بالنهار، وكمان الأمن هييجي دلوقتي… وبعدين قولوا إنكم حامل زي ما تسنيم وإيمان عملوا بالظبط و…
قاطعها ميسرة بضيق بسيط:
- اسكتي يا مس ماهي لو سمحتي… والله ما بيفرق معاهم الكلام ده… ولو اتصرفتوا كإنكم مخـ.ـتلين عقليًا هتتفرموا برده.
ابتسم غيث وهز راسه باستنكار، ومسك تليفونه يكلم الأمن.
شاور ميسرة لتسنيم تقرب منه، ومال على ودنها، وهو ماسك قفاها، وقال:
- حامل!! حامل يا توتو؟
قالت تسنيم وهي بتشاور عليا:
- والله كنا بننقذ نفسنا…
بصلي ميسرة بنظرة سريعة، ورجع لأخته وقال بسخرية:
- بالعقل… دول ناس مش في وعيها… لو عرفوا إنك حامل هيسيبوكِ يعني؟!
هزت تسنيم راسها بالايجاب وقالت وهي بتبص لماهي:
- أيوه… مس ماهي مأكدالي…
ابتسمت ماهي، فقال ميسره بنفاذ صبر وهو مغمض:
- يارب الصبر… آخر مرة تحضري شيفت معايا يا تسنيم… فاهمة؟!
- فعلًا… أصلًا شيفتاتك صعبة… فقري من يومك.
بصلها بحدة، فقالت مرتبكة:
- آسفة… معلش، أنا متوترة وخايفة من اللي حصل… واللي بيحصل… واللي هيحصل.
كنت سامعة كل كلمة، معجبه بعلاقتهم الظريفة… لكن معلقتش بأي كلمة.
والظاهر إني مش لوحدي اللي كنت متابعاهم، غيث كان واقف بيراقبهم بنظرة اعجاب.
سأل غيث ميسره:
- هو إنتوا أخوات؟
رد ميسره:
- للأسف…
ابتسم غيث وقال:
- أول مرة أعرف.
وبعد فترة...
جهز غيث وميسره المتوفـ.ـي، وقال غيث بثقة:
- أنا كلمت أمن المستشفى، وبلغوا أهل الراجل بالوفاة وهيجوا يستلموا الجـ ـثة دلوقتي… في وجود الأمن طبعًا.
قال ميسره بقلق:
- ربنا يستر.
وقفت تسنيم جنب أخوها بتوتر، فطبطب على إيدها وقال:
- متقلقيش…
قالت تسنيم بارتباك حقيقي:
- أنا خايفه… ما أنا برده لسه في عز شبابي… ولسه عايزه أتجوز واخلف وأعيش حياتي.
بص غيث عليهم بابتسامة مسحها بسرعه، ومسح دقنه وهو بيتلفت حواليه بخوف إن حد يشوفه، بس أنا كنت شوفته، وملاحظه نظراته لتسنيم.
وبعد فترة بسيطه
دخل راجل، وحواليه الأمن…
وميسره واقف على يمين سرير المتو.فى، وغيث كان على الشمال، وإحنا كلنا واقفين بنتابع بترقب وقلق وخوف.
الراجل كان هادي وساكت وباين عليه مكـ.ـسور… غير حالته اللي شوفناها قبل شويه.
وقف قدام السرير مذهول، عينه مبتتحركش عن أبوه، وبعدها بص لميسره وسأله:
- ليه مأنقذتهوش من المـ.ـوت؟
بص ميسره للأرض وقال:
- إحنا عملنا اللي علينا والله، ربنا يصبركم.
انحنى الراجل قدام السرير، ودموعه نزلت مرة واحدة، وصوت شهقاته علي هو بينادي على أبوه وبيترجاه ميسيبهوش…
وبوجود الأمن، الموضوع عدى على خير.
وبعد ما خرج المتو.فى…
الممرضات قعدوا يضحكوا على تسنيم ورد فعلها، وأنا كنت في عالم تاني… واقفة لوحدي والدموع نازلة من عيني.
هو ده نفس المشهد اللي بيتكرر كل فترة في العناية… بس الأشخاص بيختلفوا.
وهي نفس اللدغة اللي بتلدغ قلبي كل مرة… خصوصًا لما أستوعب إن ملك المـ.ـوت كان هنا من شوية وقبض روح إنسان…
دموعي كانت بتفيض بخوف من النهاية اللي مفيش مفر منها… المـ.ـوت
إديت العلاج للست اللي قالوا إن عندها كورونا، لكنها طلعت مش مصابة بيه… هي أصلاً في العناية لأنها عاملة عمـ ـلية قلب مفتوح، وحالتها ساءت فجأة واضطروا يوصلوها على جهاز التنفس الصناعي… وده زود حزني أكتر.
كنت ببص لها من بعيد قبل ما أمشي… كأنها حد من أهلي وخايفة أخسره.
خلص الدوام وأنا لسه على نفس الحالة… قلبي لسه بيبكي مع إن عيني وقفت دموع.
وصلت لبيت جدتي، استقبلتني بترحيب، بس أنا كنت ساكتة ومكـ.ـسورة…
رميت نفسي في حضنها وبكيت بوجع! وقلتلها قد إيه المجال الطبي صعب ومرهق… فوصتني أتحمل، وأخلص النية لأن على قدر المشقة يكون الأجر.
وبعدين قالتلي:
- روقي بقى عشان تقريلي الروايه الكوميدي، الكاتبه بتنزل الحلقه الساعه ٧، وأنا بقالي ساعه مستنياكي.
مسحت دموعي وابتسمت وقلت:
- حاضر… هغسل وشي وأجهز الفشار وأجيلِك يا قلبي…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام.
★★★★★★
مرت علي أيام ثقيلة مشوفتش حاتم ولا سمعت عنه، وفي كل ليلة قبل ما أنام بحاول أقنع نفسي أنساه، لكن مفيش فايده!
لما كنت بروح المستشفى كنت بتلفت حوليا أدور عليه وبرده مش بيظهر.
وفي ليلة قررت أتنازل عن كبريائي وأتصل بيه؟!
كانت الساعة العاشرة مساءًا...
قعدت لوحدي بعدما نامت جدتي، ببص لشاشته وبطرق الأرض بقدمي في ارتباك.
رنيت عليه وكنت مستنيه رده عليا، لحد ما فتح الخط.
ألقى السلام رد صوت رجولي معرفتوش، فرديت السلام، سألني:
- مين حضرتك؟
- آآ... أنا... أنا إيمان.
- إيمان!! خير يا إيمان؟
سكتّ، وبللت شفايفي بارتباك، بفكر أقوله أنا عايزه ايه؟! شكيت إني طلبت رقم غلط، لكنه سألني:
- عايزه حاتم؟
- آآ... أيوه
- حاتم سافر والخط بتاعه معايا... أنا حازم...
حاولت التحكم في صوتي، عشان ميخرجش مهزوز:
- إزيك يا دكتور؟ آآ... أنا كنت هسأله عن حاجه في الشغل... شكرًا لحضرتك.
- دا هو سافر امبارح يا إيمان.
- تمام يجي بالسلامه ان شاء الله... سلام عليكم.
قفلت معاه، ومن شدة ارتباكي، مسألتهوش عن تفاصيل سفر حاتم...
حسيت بخنقهودمعت عيني، سألت نفسي: سافر! طيب ليه مقاليش؟ وهل دي إشارة منه إنه هيتخلى عني للأبد!
مسحت دموعي، وأنا رايحه جايه في الأوضه بكلم نفسي: ليه زعلانه دلوقتي مش أنا كنت عايزه كده؟ أهو بعِد عن طريقي… خلاص بقا صفحة واتقفلت للأبد وانتهى مش هفكر فيه تاني نهائي...
فتحت محادثة «جروب م» اللي كنا بنتدارس فيه القرآن الكريم والأحاديث النبوية ونادر لما نتكلم عن أمورنا الخاصة، فكل واحدة فينا اتشغلت بحياتها...
كنت عايزه أتكلم مع حد فكتبت:
- حد موجود؟!
استنيت ما يقرب من نصف ساعه ومحدش رد، فعيطت.
أنا وحيدة أوي، أنا الأخت الكبيرة لتلت ولاد، مليش أصدقاء ومليش حد يسمعني ولا يطبطب على قلبي!
هجـ.ـمت الأفكار السلبية على قلبي دفعة واحدة، وموقفتش دموعي. وقتها افتكرت رساله بعتتها نجمه من فترة:
«كم أن الإنسان كنود! يُعدد النقم وينسى النعم»
فتحت دفتري اللي غبت عن الكتابه فيه مدة طويلة كتبت مشاعري بايد بترتعش ودموعي بتنزل على الكلمات لحد ما هديت وتنهدت بعمق قبل ما أقلب الصفحة....
وفي صفحةٍ جديدة بصيت لفراغها شوية، قبل ما أكتب عنوان جديد:
«سأكتب إليك حتى أراك، مجهولي...»
ومكنش قصدي حاتم…
مجهول تاني هحكيله، ما أنا لازم أطفي شعلة مشاعري لحاتم، لأنه مش نصيبي!
نصيبي هيجي عاجلًا أو آجلًا، وأتمنى متتقاطعش طرقي أنا وحاتم مره تانيه.
دقت الساعه ١ الصبح
سمعت صوت إغلاق باب البيت بهدوء، فانتفضت وتسائلت حرامي؟!
مسكت عصايه، ومشيت على أطراف صوابعي… ولما شوفت شنطة في إيد الحرامي، قررت مضـ.ـربهوش إلا لما أشوف وشه، قلت بفرحة:
- خالو!!
فتح ذراعه فاترميت في حضنه بشوق...
- مقولتش إنك راجع ليه خالو؟!
تنهد بحسرة، قعد على الكرسي، وقال:
- مكنتش عامل حسابي لكن الشركه اللي كنت شغال فيها نزلوا كل العماله المصريه... كنت قلت ربنا هيكرمني وألحق أعمل قرشين وأتجوز تاني! يلا الحمد لله...
أشفقت عليه، خالي مطلق من خمس سنين ودلوقتي هو في أواخر الثلاثين وبيسلفر عشان يعرف يتجوز تاني.
ضم شفايفه ووطى راسه بحزن وحسرة، فقعدتت قصاده ومسكت ايده وقلت:
- والله أكيد خير كل حاجه رزق يا خالو وإن شاء الله ربنا يعوضك، خليك واثق من كده... متزعلش بقا...
قلتها وأنا بطبطب على ايده بابتسامة، فقال برضا:
- الحمد لله.
كل انسان ليه ابتلاءه، وكل إنسان له رزقه، افتكرت نعم الله علي: أمي وأبي على قيد الحياة دا رزقي الحلو، إخوتي الصغار وابتسامتهم رزقي الحلو، وحتى وظيفتي التي بكرهها نعمة وفضل من الله عليا، وغيرها من النعم التي لا تعد ولا تحصى.
طبطبت على كتف خالي وقلت:
- ما تيجي تصلي معايا ركعتين قيام وتحمد ربنا إنك وصلت بيتك بالسلامة...
اتسعت ابتسامة خالي وقال:
- مع إني مش قادر بس يلا نصلي...
قام وحاوطني بذراعه فقلت:
- بقولك ايه يا خالو ما تيجي تقص لي ودني ونتجوز وخلاص... أنا أصلًا بحبك.
ضحك وقال:
- يا مونه إنت تستاهلي واحد أحسن مني دا أنا عاطل يا بت.
- يا سيدي أنا هصرف عليك قول بس إنت أمين ومتقلقش.
باسني من رأسي، وقال:
- ربنا يرزقك باللي يسعدك يا حبيبتي...
- عشان خاطري روق... متزعلش بقا.
هز رأسه بابتسامة، ودخل يتوضى.
وبعد يومين
رجعت لبيتي بعد ما خالي رجع من سفره.
بقلم آيه شاكر
رددوا:
«لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين »
★★★★★
مرت الأيام بروتينية مملة لكننا مش بندرك قيمتها إلا لما يتغير الروتين فجأة.
شيء خفي يسمى فيروس كورونا هـ ـجم علينا وهـ.ـدد حياة البشرية بأكملها، أصبحنا نخشى السلام على بعضنا، ونسير بالطرقات واضعين قناعًا حول أنفنا وفمنا، ونجلس متباعدين عن بعضنا...
ومع مرور الأيام لم يزد الوضع إلا سوءًا والوفيات في ازداد، وتحولت بعض أقسام المستشفيات لعزل للمرضى...
هل أظلمت السماء؟ أم أنني فقدت بصري، حل علينا ليل طويل، ووباء غريب تمنينا انتهاءه لكنه طال، وفُرض علينا حظر تجوال، وقُيدت حركتنا...
منعني والدي إني أروح المستشفى فقعدت في البيت أتابع الأخبار ومطلعش إلا لزيارة خالي وجدتي كل فترة...
وببطء وثقل مرت أسابيع وشهور...
غالبًا كنت بمشي اتلفت حوليا، نفسي أشوف حاتم! ساب فراغ كبير في قلبي وفي أيامي. سألت نفسي، هل هلاقي حد يحبني كده تاني؟ ولا هتعـ.ـاقب ومش هتجوز خالص عشان رفضت حاتم؟
مرت الأيام
وجه اليوم اللي اترميت فيه في البحر، وأنا مبعرفش أسبح.
حصل تدهـ.ـور مفاجئ في حالة خالي بعد إصابته بالكرونا ودخل العزل وعشانه أنا اللي رميت نفسي في البحر.
سيبت بيتي بعد ما استأذنت والدي، ورُحت على العزل الصحي، كنت مطمئنه إن مفيش حاجة هتصيبني غير اللي ربنا كاتبه ليا.
كنت مؤمنة جدًا إن الوباء ده وهـ.ـم، وإنه شبه الإنفلونزا العادية، وإن خوف الناس هو اللي بينزل مناعتهم وبيخلي حالتهم تتد.هور فجأة!
لبست طقم العزل زي باقي طاقم التمريض، بعد ما أصريت بكل قـ.ـوة إني أعتني بخالي بإيدي...
ورجعت المستشفى اللي كنت بتدرب فيها، وشوفت بعيني تدهـ.ـور الحالات، وإرهاق اطقم الكبي اللي شغال طول الوقت.
وقد إيه كانوا بيجاهدوا علشان ينقذوا حياة أي حد... متتكلمش عن تأثير الكورونا وإنت مدخلتش شوفت الحالات في المستشفى!
كنت بقعد أبكي لوحدي وأدعي ربنا يلطف بقلب طفل، أو شاب لسه في مقتبل حياته، أو بنت لسه في أول عمرها... وكم مرة بكينا كلنا لما مات دكتور وبعده ممرض وبعدين ممرضة...
أما الصرخات اللي بره المستشفى؟! دي يتكتب لها حكاية لوحدها...
ساعتها حسيت إني في نص البحر اللي حلمت إني اندفعت فيه، بس المرة دي ما لقيتش حاتم...
مسمعتش صوته يطمّني، ومش عارفة عنه أي حاجة!
بقلم آيه شاكر
استغفروا
★★★★★
في مكان تاني...
دخل حازم شقته، ومن الباب على الحمام على طول بعد ما أسماء أشارت له يدخل الأول، حرصًا على نفسها وعلى ابنها...
وهي بدأت تمسح الأرض من آثار رجليه، ولما خلصت قعدت قدام ابنها تتابعه وهو بيلعب قدامها...
وبعد ما حازم غير هدومه، قعد قدام مراته وزفر زفرة تقيلة، وبص لها شوية قبل ما يقول:
- ماما وشروق طلعوا إيجابي.
اتعدلت في قعدتها وقالت بسرعة:
- يا نهار أبيض!! وإنت هتعمل إيه؟ أنا مش هسمح لك تنزلهم...
- مش هنزل… بس هنعملهم أكل.
- اعمله إنت… أنا مليش دعوة.
قالتها ببرود وهي بتاكل من الفاكهة، فسكت حازم وبصلها لحظة، وبعدين قال:
- أسماء! هو إنت إزاي اتغيرتي كده؟ ولا أنا اللي مكنتش شايفك من الأول؟ يمكن الفترة اللي قعدناها في البيت عرفتني عليكي أكتر.
وقفت الفاكهة في إيدها وقالت بنبرة منفعلة:
- تقصد إيه؟
- أقصد إنك أنانية… وغيورة… وقلبك مش نضيف زي ما كنت متخيل.
ضغطت أسماء شفايفها بضيق وسكتت، فوقف حازم وقال لها:
- اقفي مع نفسك شوية… عشان أنا مبقتش مستحمّل طريقتك، إحنا كل يوم بنبعد عن بعض أكتر… مع إننا عايشين جنب بعض.
قامت هي كمان وقالت بسخرية:
- طيب طلما زهقان مني أوي كده طلقني وريح نفسك.
- إنتِ مدركه اللي بتقوليه؟! أنا بقولك عدلي من نفسك وإنتِ بتقولي إيـــــه؟!
كانت بتضغط على أسنانها بغيظ، قالت بانفعال شديد:
- أنـــا كــده وهـــفــــضــل كـــده يـــا حـــازم مـــش هتـــغيـــر عـــشــان حــد.
قال بنفس انفعالها:
- متــــعـــــليـــش صــــوتــــك عـــلـــيـــا!
تشنج بقها من صوته العالي، هما فعلًا علاقتهم بقت متزعزعة ومهزوزة، وبقوا يتخـ.ـانقوا كتير الفترة الأخيرة.
قالت أسماء وهي دموعها نازلة:
- يعني دا جزائي... أنا استحملت قرفك ورفضك ليا، وكنت بعدي غلطك في اسمي مع إني فاهمة ومدركة.
قال باستنكار:
- امتى ده؟ ورفض إيه وقرف إيه؟ وأنا عمري ما غلطت في اسمك...
قالت بنبرة عالية:
- لأ غـــلـــطـــت فـــي اســـمـــي! بس أنا اللي كنت بتغاضى عن الموضوع...
وزودت وهي متحسرة:
- كام مرة قلتلي يا نجمة؟! وأنا بلعت الكلمة وسكت... لو فاكرني مش عارفة إنك بتحبها ومش قادر تنساها تبقى غلطان يا حازم.
صرخ فيها:
- إنتي اتجننتي رسمي!
صرخت أسماء:
- آه اتجننت! وإنت اللي جننتني يا حازم... من يوم ما عرفتك وأنا اتجننت... مبقتش في عقلي! ويا ريتك بتحبني زي ما أنا بحبك... إنت عمرك ما حبيتني...
قالتها ببُكاء وجريت على أوضتها تلم حاجتها وتمشي. بصّ حازم على أثرها لحظات، وشاف ابنه بيجري وراها، فمشي وراها وسألها:
- إنتي بتعملي إيه؟
ردت بحدة:
- هروح عند أهلي… أنا مش طايقاك.
تنفس حازم بعمق وقال:
- طولي بالك واهدي يا أسماء...
ردت بدموع:
- سيبني يا حازم... سيبني لو سمحت. أنا محتاجة أريح أعصابي.
سكت شوية وهو بيبصلها بحسرة، ولما لقاها خلصت لم حاجتها، قال:
- طيب… هوصلك عشان الولد.
وشاور لابنهم، وفعلاً وصلها لبيت أهلها ومدخلش… رجع شقته.
قعد يتأمل الشقة الهادية… يتخيل ضحك ابنه فيبتسم، وبعدين يفتكر مراته وطريقتها فيكشر.
جرس الباب رن، قام حازم بكسل يفتحه… لقى حاتم واقف قدامه بشنطة على ضهره.
وحمد ربنا إن اللي فتح هو مش أسماء.
قال حازم:
- تعالى يا حاتم… حظك حلو، أسماء راحت عند أهلها… اقعد معايا لحد ما ربنا يشفي ماما وشروق.
سأله حاتم:
- متخانق معاها ولا إيه؟
- للأسف… أنا مبقتش طايقها يا حاتم...
حاتم نزل عينه يفكر وكأنه بيجاهد يقول السر اللي في قلبه ولا لأ…
لكنه اكتفى بـ:
- فكر في ابنك يا حازم… ذنبه إيه!
زفر حازم بقـ.ـوة:
- أنا نفسيتي تعبانة أوي...
طبطب حاتم على كتفه:
- معلش يا حازم… ربنا يعينك.
سكتوا شوية…
لحد ما قال حازم:
- المهم… طمّنّي عليك… مقابلتش إيمان؟
هزّ حاتم راسه بالنفي، سأله حازم:
- مش هتقولي بقى السبب اللي خلاك تخليني أكلمها وأقولها إنك مسافر؟
تنحنح حاتم ووقف، وقال:
- أنا كنت جاي أقولك إني رايح العزل النهارده… مش هوصيك على ماما وشروق. أنا جبتلهم الأدوية اللي محتاجينها، ولو في حاجة كلمني...
وكالعادة، كل مرة يسأله فيها حازم عن ايمان… حاتم يهرب.
استأذن ومشي.
وحازم وقف يبص لظهره ويقول:
- ربنا ما يوجعش قلبك يا حاتم… زي ما قلبي اتوجع زمان...
استغفروا.
بقلم آية شاكر
━━━━━━━━━━━━━━
«إيمان»
بعد إصرار «تسنيم» دخلت أوضة أرتاح شوية… كنت مرهقة ومنمتش كويس بقالى يومين.
قفلت عينيا بتعب… لكن عقلي الباطن مسابنيش!
الصراخ… أصوات أجهزة العناية… تأوه راجل كبير… شكل بنت لسه ميـ.ـتة… دمعة طفل… وصيحات الجيش الأبيض وهم بينعشوا قلب حد…
فجأة انتفضت وقعدت… وقلبي بيدق بسرعة، صدري بيطلع وينزل…
وفي نفس اللحظة الباب اتفتح…
دخلت تسنيم.
قالت:
- إيمان… إنتي صاحية؟
هزيت راسي، فقعدت بعيد عني… وبعدها الممرضة دخلت، وقفت بعيد هي كمان.
تسنيم قالت بهدوء متردد:
- أنا عايزة أقولك حاجة.
قلبي دق أسرع… سألتهم بخوف:
- في إيه؟
نظراتهم كانت بتقول إن فيه حاجه تخوف… حاجة عقلي فهمها رغم إني مش عايزة أسمعها.
سألت وأنا على وشك الانهـ.ـيار، وملامحي مشدودة وعينيا بتلمع بالدموع:
- خالي مات؟!
فقالت الممرضة بسرعة:
- لأ والله… خالك كويس متقلقيش، وخلاص هيخرج. بس المشكلة… إنتي.
- أنا!!! مالي؟
قالت تسنيم:
- التحليل بتاعك طلع إيجابي… يعني إنتي مصابة بالكورونا… ولازم تتعزلي، مينفعش تخرجي مع خالك.
بلعت ريقي بصعوبة:
- بــ… بس أنا مش حاسة بأي أعراض...
لأنه لسه في البداية… بس متقلقيش إن شاء الله تبقي كويسة.
- وليه أقلق؟ إن كُتبلي النجاة… هنجو، ولو ربنا كتبلي عمر… هعيش، الحمد لله.
عدّى يومين… وبدأت الأعراض تظهر وتتفاقم، خصوصًا بالليل. كنت في أوضة فيها ست سراير، كل سرير عليه ستارة تقيلة تفصله عن التاني.
كنت تعبانة جدًا… ساعات أنام وأهذي باسم أمي، ولما أفتح عيني وملاقيش حد فأبكي…
وساعات النوم ياخدني غصـ.ـب عني.
وفي مرة فتحت عيني… لقيت نفسي بنادي على حاتم. دموعي نزلت من وجع عضمي…
قلت لنفسي: "دا البحر اللي رميت فيه في الحلم… ودلوقتي بننادي على حاتم! هو أنا نسيته؟! وإزاي أنساه وهو اختفى من غير أثر؟!"
- إيمان!!!
كان صوته…
افتكرت إني بهلوس…
لكن لما رفعت راسي لقيته واحد لابس لبس العزل… ماسك دفتر المرضى شوفت عينه كان باصصلي بقلق وصدمة.
قرب مني، وقال بارتباك:
- إنتي هنا من امتى؟ وازاي محدش قالي؟
كنت عايزة أسأله امتى رجع من السفر، بس خوفت… يمكن أكون بيتهيألي، فقفلت عيني تاني...
•تابع الفصل التالي "رواية ألفة ووصال" اضغط على اسم الرواية