رواية مطلوبه للانتقام الفصل الثامن 8 - بقلم هبه ابو الفتوح
بدأت الحفلة تتلألأ أنوارها في أرجاء الساحة الواسعة، الأضواء تتراقص على الجدران كأنها نجوم هبطت من السماء لتحتفل معهم، والموسيقى تعلو بإيقاع مرح يملأ المكان… دخلت الفتيات إلى الساحة وعيون الجميع تتجه إليهن، كل واحدة تحمل طلتها الخاصة، وجمالها الذي يميزها عن الأخرى كانت تولين أكثرهن هدوءًا، ترتدي فستانًا بسيطًا بلونٍ هادئ يبرز نقاء ملامحها أكثر مما يخفيه.
جلسن جميعًا إلى إحدى الطاولات المزينة بالورود البيضاء، وبدأت الضحكات تتعالى بينهن بينما كانت جود تكتفي بابتسامة خفيفة، تراقب الأضواء وهي تتبدل من لونٍ إلى آخر.
قالت مريم وهي تمسك بيدها:
ـ يلا يا تولي قومي نرقص شوية، الليلة دي بتاعتنا يا بنتي!
هزّت تولين رأسها نافية بابتسامة هادئة:
ـ لا يا مريم، أنا مش بحب الجو ده، انتوا روحوا انبسطوا أنا هقعد هنا شوية.
ضحكت الفتيات وذهبن إلى ساحة الرقص، بينما بقيت هي مكانها تحدق في الفراغ، تتأمل تلك اللحظة التي ستنهي بها فصلًا من حياتها لتبدأ آخر. وبعد دقائق، قررت أن تنهض متجهة نحو الحمّام لتُعدل من خصلات شعرها التي تمردت بفعل الرطوبة، وما إن استدارت حتى اصطدمت بأحدهم، فاندلق كوب العصير الذي كان بيده على فستانها.
شهقت وهي تنظر إلى الفستان الذي تلطّخ باللون الأحمر، ثم رفعت رأسها بغضب وقالت:
ـ أنت مش بتشوف ولا إيه؟!
رفع الرجل نظره إليها، وفي اللحظة التي التقت فيها عيناهما، اتسعت عيناها بدهشة، قبل أن يتحول دهشها إلى غضب مكتوم.
إنه هو... نفس الشخص الذي أسقطها أرضًا صباحًا!
ابتسم هو بسخرية خفيفة وقال بهدوء:
ـ واضح إن الصدف مش بتزهق منك أبداً والله ما كان قصدي.
رمقته تولين بنظرة حادة وردّت بحدّة:
ـ آه طبعًا ما كانش قصدك، واضح إنك ماشي ورايا من الصبح، عايز إيه بالظبط؟
ضحك بخفوت وهو يرفع يديه مستسلمًا:
ـ أنا مش عايز منك حاجة، بالعكس أنا حتى مش عارفك أنا هنا في مهمة تأمين للحفلة مش أكتر.
نظرت إليه دون اقتناع، ثم زفرت بقهر وقالت:
ـ خلاص، مش مهم مابقتش فارقة.
تجاوزته بخطوات سريعة وهي تحاول أن تُخفي انفعالها، ودخلت إلى الحمّام لتغسل أثر العصير من فستانها، تُحدّث نفسها:
ـ حتى الليلة دي... اللي كنتِ مستنياها تبقى حلوة، لازم تبوظ كده!
نظرت إلى انعكاس وجهها في المرآة، وابتسمت بسخرية وهي تقول:
ـ شكلها نهايتك يا توتي مش سهلة أبداً.
خرجت تولين من المرحاض بخطوات متثاقلة، وقد بدأ على ملامحها أثر الانزعاج، واتجهت نحو صديقاتها اللواتي التفتن إليها في اللحظة ذاتها، لتقع أنظارهن على فستانها الذي صار مبقعًا بالعصير الأحمر، فشهقن معًا بدهشةٍ ممزوجة بالشفقة.
قالت إحداهن بصدمة:
ـ يا بنتي إيه اللي حصل؟! فستانك اتبهدل كده ليه؟
تنهدت تولين محاولة تمالك أعصابها، وأجابت باقتضاب:
ـ ولا حاجة... واحد كب العصير عليا، شكلها الليلة دي مش رايده تكمّل.
وضعت حقيبتها على الكرسي وأكملت بصوتٍ واهن:
ـ أنا آسفه يا بنات، همشي دلوقتي، ما ينفعش أفضل كده وأنا الفستان متبهدل بالشكل ده.
نظرت إليها مريم وقالت بسرعة:
ـ لا لا لا، استني! ما تمشيش، فستانك التاني في العربية، خديه وبدّليه، الحفلة لسه في أولها.
هزّت رأسها رافضة في البداية:
ـ لأ يا مريم، خلاص، بلاش، كفاية اللي حصل النهارده.
لكن الفتيات أصررن جميعًا، وبدأن يتوسلن إليها بابتساماتهن المعتادة، حتى استسلمت تولين أخيرًا وقالت وهي تتنهد:
ـ ماشي، هروح أجيبه وارجع.
غادرت القاعة متجهة نحو ساحة الانتظار، حيث كانت السيارات تصطف وقفت أمام السيارة تبحث في حقيبة يدها عن المفتاح، وفجأة شدّها منظر انعكاس ضوء القمر على سطح المياه القريبة، والهواء الرطب الذي داعب خصلات شعرها بخفة شعرت للحظةٍ وكأن العالم توقف عن الدوران، فضمت ذراعيها إلى صدرها واقتربت من حافة المياه، وأغمضت عينيها تبتسم بخفوتٍ وهي تهمس لنفسها بشيءٍ لم يسمعه أحد.
لكن الصوت الذي اخترق هدوءها جعل الدم يتجمد في عروقها.
همسٌ قريب، دافئ وخبيث في آنٍ واحد، خلف أذنها مباشرةً:
ــ مش عيب أميرة زيك تبقى واقفة لوحدها في الوقت ده؟ ما ينفعش والله، لازم يكون معاكي أمير… زيي.
شهقت تولين بصوتٍ مرتفع، ووضعت يدها على صدرها، ثم التفتت بسرعة نحو مصدر الصوت، لتجده أمامها… هو نفسه، صاحب الحوادث كلها!
اتسعت عيناها، وقالت بانفعال:
ـ منك لله! إنت عايز إيه مني يا بني آدم؟!
تراجع خطوتين للخلف وهو يرفع كفيه وكأنّه يهدئها، وعلى وجهه نفس تلك الابتسامة السمجة:
ـ ولا حاجه والله، بس لقيتك واقفة لوحدك كده فقلت أرجّع اللي حصل بفستانك، يعني أعوضك واقف معاكِ شويه، فيها إيه؟
نظرت إليه بعدم تصديق، وقالت باستهزاء واضح:
ـ تقف معايا شويه؟ توبة! توبة استغفر الله!
قهقه بخفة وهو يقول بمرحٍ مصطنع:
ـ الله! بتحبي التركي؟ تعرفي وأنا كمان بحب التركي جدًا جدًا جدًا.
كادت أن تستدير لتغادر، لكنّه أمسك بمعصمها بخفة، وأعادها نحوه:
ـ مش حلو كده، لما أكون بكلمك وتسيبيني تمشي!
انتزعت يدها بعنف وهي تقول بحدّةٍ نفد منها الصبر:
ـ توبة! استغفر الله العظيم! إنت عايز مني إيه؟ عيب اللي بتعمله ده، وبعدين مش بتقول إنك ظابط؟ فين بقى الاحترام والانضباط؟ ولا دي تصرفات مراهقين مش ظابطين؟
رفع حاجبيه مبتسمًا بهدوء:
ـ بصي، أنا ظابط فعلاً، بس ظابط نفسي أكتر. وبعدين والله مش قصدي حاجة وحشة، أنا بس… ما حبيتش أشوفك زعلانة مني.
ظلت تنظر إليه للحظات بصمت، قبل أن تلتقط حقيبتها وتقول ببرودٍ حاد:
ـ أنت مش ظابط نفسك أنت ظابط إيقاع، وبعدين شكلك مش بتزهق من الغلط… بس أوعدك المرة الجاية هتندم على وقفتك دي.
ثم استدارت وغادرت، تاركة خلفها صوته الذي تمتم ضاحكًا:
ـ يا أميرة… شكل الصدف بيني وبينك لسه ما خلصتش.
بعد مرور أسبوع، أتت تولين إلى الجامعة مرة أخرى لتُنهي بعض الأوراق الخاصة باختبارها الأخير، كانت الشمس تميل إلى الدفء، والهواء يحمل شيئًا من الراحة التي تسبق الوداع. دخلت من بوابة الكلية، حتى ناداها حارس البوابة قائلاً:
ـ آنسة تولين، العميد طالبك فوق أول ما توصلي.
تجمدت لبره، نظرت إليه بدهشة وقلق:
ـ طالبني أنا؟! ليه؟ في حاجه حصلت؟
هزّ رأسه نافيًا دون أن يوضح شيئًا، فازداد القلق في صدرها، وصعدت الدرج بخطواتٍ متوترة وهي تحاول أن تسترجع أي شيء قد يبرر استدعاؤها المفاجئ.
لكن القدر كان في انتظارها على منتصف السلم.
ارتطمت فجأة بأحدهم بقوةٍ جعلتها تكاد تسقط، غير أن يده امتدت سريعًا لتلتقطها قبل أن تهوي، وقبل أن تستوعب ما حدث، وجدت نفسها في مواجهة عينين واسعتين تلمعان بدهشةٍ ودهاءٍ في آنٍ واحد.
ابتسم هو بسعادةٍ طفولية، وقال بنبرةٍ مرحة:
ـ أنا مش قادر أوصف قد إيه القدر بيحبني، كل شوية يرميني في طريقك، أو حضنك أيهما أقرب! ناقص بس تكمّلي وتدخلي أحلامي، وساعتها نبقى خلصنا من كل الصدف!
دفعت يده بعصبيةٍ عن خصرها، وتراجعت خطوة إلى الوراء، كادت أن تسقط ثانية لولا أنها تمسكت بدرابزين السلم، ثم قالت بغضبٍ مكتوم وهي تحاول التقاط أنفاسها:
ـ على فكره دي مش صُدفة! أنا شفتك طول الأسبوع اللي فات، ماشي ورايا زي ظلي! بس كنت ساكته علشان ما كنتش بتتعرضلي، إنما دلوقتي كفاية، واضح إنك متعمد.
اقتربت خطوة منه وقالت بحدةٍ حقيقية:
ـ إنت عايز مني إيه يا بني آدم؟ أقسم بالله لو ما بعدتش عني، هبلغ عنك وأقول إنك متحرّش!
شهق بدهشةٍ مصطنعة، وتراجع نصف خطوة وهو يرفع حاجبيه بانكسارٍ مفتعل:
ـ إزاي تعملي كده فيا يا قاسية؟! وأنا اللي وقعت في غرامك من أول ما شوفتك، إزاي؟! إزاي تعاملي واحد عاشق كده يا تولين؟
رمقته بنظرةٍ حادة وازاحته من طريقها لتكمل صعودها قائلة بسخريةٍ لاذعة:
ـ غرام إيه يا أبو غرام! أبعد عني بقى بدل ما أوريك الغرام الصح!
لكنه صعد خلفها دون أن يستسلم، وقال بنبرةٍ جادةٍ بشكلٍ مضحك:
ـ طب خلاص، بلاش تتعصبي. بصي، نجرّب الموضوع ده؟ أنا ما جرّبتوش قبل كده، بس كل اللي حواليا بيعملوه تيجي نجربه إحنا كمان؟
استدارت نحوه فجأة، ورفعت كفّها أمام وجهه مهددة:
ـ إنت متخلف يا حبيبي؟! إيه اللي بتقوله ده؟ أبعد عني فورًا!
ثم أكملت صعودها بسرعة، وهي تلهث من الغضب، لكن ابتسامة صغيرة خانتها في النهاية، تسللت إلى وجهها رغماً عنها، عندما سمعت صوته يتمتم خلفها بمرحٍ.
وعند باب غرفة العميد توقفت، التفتت إليه وهي تشير له بإصبعها بتحذيرٍ واضح:
ـ إياك تعمل أي حاجة! أنا داخلة دلوقتي للعميد، ومش عارفة عايزني في إيه بس أقسم بالله لو عملت أي تصرف، كله كوم ومستقبلي كوم، وهخليك تندم عليه.
رفع يديه مستسلماً، وقال ببرودٍ متعمد وهو يقلب عينيه:
ـ طيب طيب، ولا يهمك يا آنسة تولين بس وعد، أول ما تخرجي من عند العميد، نروح نشرب قهوة في الكافيه اللي عند الجسر.
ترددت للحظةٍ وهي تحدق فيه، قبل أن يقطع هو صمتها قائلاً:
ـ مفيش وقت للتفكير يا قمر، هي كلمة واحدة… موافقة ولا أروح أقول للعميد كل حاجة وأنك بتتحركشي بيا؟
صرخت به بانفعال:
ـ بَـ أيه خلاص! موافقة، موافقة! بس بالله عليك ما تعملش حاجة!
تراجع خطوة إلى الوراء واضعًا يده على فمه كمن يختم وعدًا، ثم أشار بإصبعه إشارة الصمت وهو يبتسم بمكرٍ قائلاً بعينيه دون صوت:
ـ أنا ما عملتش حاجة، بس أوعي تنسي القهوة.
ثم ابتعد بخفة، تاركًا تولين تتنفس بضيق وهي تهمس لنفسها:
ـ يا ريتني كنت وقعت فعلاً من أول مرة وخلصت من وشك!
جلست تولين أمام العميد بكل هدوء، تحاول أن تُخفي توترها، لكن ملامح الجدية التي ارتسمت على وجهها كانت تُظهر كم أنّها تأخذ الأمر على محمل الجد. تحدث العميد معها بصوتٍ هادئٍ يحمل في طياته تقديراً واضحاً:
ـ أستاذة تولين، أنا اخترتِك تقدمي حفلة التخرج السنة دي، شُفت فيكِ الثقة واللباقة اللي تأهلك تكوني واجهة الدفعة كلها.
لم تستطع أن تُخفي ابتسامتها، شعرت بفخرٍ عميقٍ يتسلل إلى قلبها، كأنها أخيراً بدأت تحصد ثمرة جهدها الطويل. أومأت له باحترام وقالت:
ـ شكرًا جدًا يا دكتور، إن شاء الله أكون قدّ المسؤولية وأمثل الكلية بأفضل صورة.
أخبرها العميد ببعض التفاصيل عن موعد الحفل الذي سيكون بعد أسبوعين، وطلب منها أن تبدأ التحضير فورًا. خرجت تولين من الغرفة وهي تشعر وكأنها تسير على سحاب، نَسِيَت تمامًا وجود يمان وكل الموقف السابق معه.
لكن ما إن نزلت على السلم حتى تفاجأت به يقف عند منتصف الدرج، يده معقودة أمام صدره، ووجهه يحمل ملامح الانتصار.
قال بنبرة خفيفة، وكأنه يذكّرها:
ـ نسيتِ القهوة.
تلاشت كل أفكار الغضب والجدية من عقلها، وارتسمت على وجهها ابتسامة راضية وهي تقول:
ـ ما نسيتش القهوة.
اقترب منها بخطوات هادئة وقال وهو يرفع حاجبه بفضول:
ـ طب احكيلي، كان عايز منك العميد إيه؟
أجابته بحماس واضح:
ـ اختارني أقدّم أوائل الدفعة في حفلة التخرج اللي بعد أسبوعين!
ابتسم بإعجاب وقال:
ـ أنا ما اعرفكيش من زمان، بس بجد فخور بيكِ… بتمنى لك التوفيق دايمًا.
ثم أشار بيده نحو الخارج قائلاً بحيوية:
ـ تعالي بقى، الكافيه ده لسه فاتح جديد، وأنا وعدت صحابي إني مش هدخل غير لما أكون معايا حد… وبصراحة، ما لقيتش غيرك في وشي.
رفعت حاجبها بحدة ونظرت إليه بغضب خفيف:
ـ قصدك إيه يعني إنك ما لقيتش غيري في وشك؟
ارتبك على الفور وبدأ يتلعثم وهو يلوّح بيديه نافيًا:
ـ لا والله مش قصدي كده خالص! بس يعني... بصي، تعالي تعالي، ما كنتش متخيل أصلًا إن يجي يوم وأشرب قهوة مع بنت غير قطتي.
ضحكت رغمًا عنها، وهزت رأسها باستسلام قبل أن تسير بجانبه نحو الكافيه.
دخل الاثنان المكان، كان الكافيه مضاءً بإضاءة دافئة تُلقي لمساتٍ ناعمة على الزجاج والطاولات الخشبية. جلسا في زاوية هادئة، وطلبا قهوة ساخنة. تبادلا بعض الأحاديث العابرة، ضحكات خفيفة تقطعها نبرات التوتر الأولي بينهما.
وبينما كانت تولين ترفع كوبها لتحتسي أول رشفة، لمحت من بعيد وجوهًا مألوفة. التفتت سريعًا لتجد صديقاتها يجلسن على الطاولة خلفهم.
صرخت إحداهن بفرح:
ـ تولين! تعالى يا بنتي!
ابتسمت تولين بحرج ونظرت إلى يمان الذي أومأ لها بابتسامة ودودة قائلاً:
ـ يلا نروح نقعد معاهم، ما ينفعش نسيبهم لوحدهم.
انضمّ إليهم، وتبادلا التعارف والضحكات سرعان ما ذاب الجليد بين الجميع، ووجدت تولين نفسها تضحك من قلبها، تُشارك في الأحاديث، وتستمع إلى نكاته العفوية.
في تلك اللحظة بالتحديد، شعرت بأن شيئًا في داخلها تغيّر… ذلك الحاجز الذي كانت تبنيه بينها وبين الناس بدأ يتلاشى، فقط لأن يمان كان مختلفًا؛ بسيطًا، خفيف الظل، ومليئًا بالحياة ولأول مرة منذ زمنٍ طويل، شعرت بالارتياح تجاه أحد.
عادت تولين إلى منزلها تلك الليلة وهي تشعر بخفةٍ غريبة في روحها، كأن شيئًا ما تغيّر بداخلها دون أن تدرك تمامًا ما هو. ما إن أغلقت باب غرفتها حتى ألقت حقيبتها على المقعد، وخلعت حذاءها، ثم ألقت بنفسها على السرير بأنفاسٍ متعبة لكنها سعيدة.
ظلت لوهلة تنظر إلى السقف بعينين شارِدتين، ثم أمسكت هاتفها وفتحت تطبيق الفيسبوك، تتصفّح الأخبار والصور دون اهتمامٍ حقيقي، فقط تقتل الوقت قبل النوم.
وفجأة توقفت أناملها عند إشعارٍ جديد: "طلب صداقة من يمان فؤاد".
رفعت حاجبها بدهشة صغيرة، ثم ارتسمت ابتسامة على طرف شفتيها وهي تهتف:
ـ ابن اللذينة، ما ضيّعش وقت.
غلبها الفضول، فدخلت إلى صفحته.
كان بروفايله بسيطًا، صورة له بالبدلة، يقف أمام خلفية رمادية بابتسامة واثقة. قلبت في صوره قليلاً، معظمها كانت من خروجات مع أصدقائه. توقفت عند آخر صورة… كوب قهوة موضوع على الطاولة، نفس الكوب الذي كان أمامه اليوم في الكافيه، وكُتب أسفل الصورة: "الصحبة الحلوة مش دايمًا بتتخطط، أحيانًا بتيجي صدفة."
شعرت تولين بدفءٍ غريبٍ في صدرها، وابتسمت بخفة.
ترددت قليلًا بين أن تقبل الطلب أو تتجاهله، ثم وضعت الهاتف على صدرها وهي تفكر:
ـ أقبله؟ ولا أسيبه شوية كده؟
لكن قلبها خفق بشدة حين ظهر إشعار رسالة جديدة منه.
فتحتها ببطء لتجد كلماته الجريئة تملأ الشاشة:
"ما تتأخريش، وما تتردديش في إنك تقبلي الطلب ولا لأ،
أنا ممكن في لحظة أفتح أكاونتك وأقبله بنفسي،
بس حبيت أسيب لك الفرصة دي."
اتسعت عيناها، وارتبكت ضاحكة وهي تعض على شفتها السفلى قائلة لنفسها:
ـ ده واثق أوي في نفسه!
ثم كتبت له بسرعة وهي ترفع حاجبها بتهكمٍ ساخر:
"وطالما واصل كده ليه ما قبلتش الطلب من نفسك؟
بس عامة دي حاجة ترجع لي أنا."
وضغطت إرسال ثم تنهدت بخفة، وكأنها أنهت تحديًا صغيرًا.
بعد لحظاتٍ قصيرة، أعادت فتح طلب الصداقة وضغطت على قبول.
أغلقت الهاتف، وألقت به على الطاولة بجانبها، ثم تمددت على السرير، وأسندت رأسها إلى وسادتها، واحتضنتها برفق.
كانت ابتسامتها هادئة هذه المرة، ليست ابتسامة سعادة كاملة، بل مزيج من فضولٍ خجولٍ وشعورٍ جديدٍ لم تختبره من قبل.
وغفت بعدها بدقائق قليلة، تاركة الهاتف يلمع بضوءٍ خافت على الطاولة، وشاشة الرسائل تُظهر آخر ما كتبته له…
بينما ابتسامتها بقيت مرسومة، تُخبر أن يمان بدأ يترك أثرًا في قلبها دون أن يدري أحد.
•تابع الفصل التالي "رواية مطلوبه للانتقام" اضغط على اسم الرواية