رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل الثاني والعشرون 22 - بقلم نورا عبد العزيز
الفصـــــــــل الثاني والعشرون ( 22 )
بعنـــوان " قلوب الرجـــــــال "
فى غرفة الصالون والجو الذي تعكر صفوه بوصول "جلال" وتحولت ليلة عقد القران الهادئة بمشاعرها الرومانسية الناعمة وسط جو أسري جميلة إلى ليلة مشحومة بالكثير من الغضب والكره والاشمئزاز ، كان "جلال" جالسًا على المقعد وأمامه "فتحى" و"هادي" والدي "ليان" أحدهما بالتبني والأخر الأب البيولوجي ، يحدقان فى هذه الرجل الذي يحمل ملامح مرعبة وشخصية الأجرام والعنف تبث من عينيه وحدته، رجاله بالخارج يحاصرون المبني بأسلحتهم وخلف مقعده "كريم" مساعده الأول، حملق "الجارحي" بحدة بينما يجلس وحده بمنتصف الأريكة ويضع قدم على الآخرى بغرور وقوة تبث من هيئته توحي بجبروته ومكانته القوة وسلطته على هذه العائلة ، رغم وجود والده وعمه وأخاه الأكبر، ورغم كونه الرجل الأصغر في العائلة لكنه بماله وسلطته وعمله أصبح يملك لقب كبير العائلة رغم أنف الجميع ، تحدث "هادى" بحدة صارمة:-
_ أنت بقى المجرم اللى بنتي عايزة تتجوزه ، حثالة زيك يتجرأ يطلب أيد بنتي
لم يتمالك "كريم" أعصابه وهو يسمع إهانة رئيسه فوضع يده على مسدسه الموجود فى حزام الأمان بخصره وقبل أن يسحب المسدس أوقفه "الجارحي" وهو يرتشف رشفة من كوب الشاى وينزل الكوب على الطبق فى يده بجدية صارمة:-
_ لو أتسحب هتكون رصاصته فى دماغك
نظر الجميع إليه وأولهم "جلال" ليرفع "الجارحي" رأسه نحو "كريم" بتهديد واضح ثم قال:-
_ مش معنى أنكم شوية مجرمين يبقي ينفع تكونوا خصم للجميع، فوق لنفسك أنت واللى مشغلك وشوف أنت واقف على أرض مين ؟ أنا الجارحي أبو النور ، لا أنت ولا بلدك ولا حتى جيشك يجرأ أنه يتنفس على أرضي بدون أذن مني
مسك "جلال" يد "كريم" المُمسكة بالسلاح وقال بهدوء وعينيه ترمق "الجارحي" بحزم وقال:-
_ هدأي أعصابك يا كريم ، إحنا هنا عشان نأخد عروستي مش فى خناقة
قهقه "الجارحي" بسخرية ثم قال بمكر:-
_ أوعي تفكر الدخلة اللى دخلت بيها علينا دى هتهددنا، أنت متقدرش تتجوزها غير بأذن منى أنا، ولا هي تقدر تتجوزك غير بموافقتي
تنحنح "هادي" بحرج من حديث "الجارحي" الذي لغى وجوده تمامًا وأعطي كل الصلاحيات لنفسه فقط، حتى زواج أبنته هو من يقرر الموافقة به، نظر "الجارحى" إلى "هادى" بعد أن سمع صوت نحنحته الخافتة وقال:-
_ جلال الصياد أكبر قاتل مأجور فى الشرق الأوسط مش بس مصر، بيتأجر فى كل أنواع التجارة الغير مشروع ومهما كانت، بيدور أكبر عصابة مجرمين فى الشرق الأوسط ولو عايز تعرف أكثر عن الكوارث والجرائم اللى عملها فى حياته أجبهالك ولو قابل تجوزه بنتك شيء يرجع ليكم يا عمي أنت وأستاذ فتحى
وقف من مكانه يغادر هذا المجلس فرأى "ليان" تجلس على المقعد بجوار السفرة وبجوارها "قُدس" تقف ماسكة بيدها من التوتر وتراقب الوضع عن كثب، تحدث "الجارحي" بنبرة خافتة:-
_ تعالى يا قُدس
تركت يد "ليان" وأقتربت منه بخطوات بطيئة حتى وصلت أمامه، مسح على رأسها بحنان وعينيه تراقب نظرات عينيها الدافئة رغم حملها للكثير من الحديث والأسئلة وقلقها على أختها لكنها ما زالت طفلته البريئة وعينيها الخضراء تسحره حتى النخاع، فقط هذه الطفلة وحدها التى تسلبه عقله وحكمته وتجعله يخضع إليها دون جدال أو معاناة فى المحاولة معه لطالما كان مستسلمًا لرغباتها وأمانيها ، تبسم "الجارحي" بلطف لأجل صغيرته وقال :-
_ يلا عشان تطلعي ترتاحي
أنحنى قليلًا ثم حملها على ذراعيه أمام الجميع دون أن يخاف شيء أو يسحرج من وجود العائلة، دلاله إليه وحنانه ليس لهما مكان أو توقيت ، بل هما حقها فى كل مكان وكل وقت ، لقد خُاقت جميلته حتى تُدلل ، غادر الشقة بصغيرته إلى الأعلى وعينيه تراقب "هدير" التى تجلس فى الحديقة مع "مصطفى" تبتسم بسعادة وسط حديثهما الدافئ بعد أن جمع بينهما القدر، تبسم بخفة وصعد بقية الدرج مع "قُدس" التى أرخت رأسها بخمول وضعف على كتفه وذراعيها تلف حول عنقه الناعم ، قالت بخفة :-
_ شكرًا
سمع كلمتها الناعمة بصوتها المبحوح، فتح باب الشقة بلطف وولجا الأثنين معًا لتقول مرة أخرى :-
_ حقيقي شكرًا يا جارحي
تنحنح بدفء ثم غير طريقه إلى الصالون وأنزلها على الأريكة بخفة ثم جلس أمامها يتطلع بعينيها الدافئة رغم أنهما شبه مُغلقتين ورفع يده إلى وجهها يحتضن هذا الوجه الملاكي بين يديه وقال:-
_ على أى يا ملاكي؟!
تبسمت "قُدس" بعفوية من كلمته الأخيرة وقالت:-
_ ملاكك؟؟!!
قبل جبينها بحُب شديد ثم قال:-
_ ملاكي ودنيتي وحياتي، وعمري كله، عمري اللى فات ضاع وأنا بكبر فيكي وبحميك وبظلل عليكي بجناحاتي لحد ما كبرتي وبقيتي أجمل بنت تشوف عين أى راجل ، عروسة تملي العين والقلب يا قُدس، خليتي أجرب إحساس غريب وجديد عليا، غيرتي عليكي وعقلي اللى مبيفكرش غير فيكي
أبتلعت لعابها من التوتر وقشعر جسدها بدهشة من جراءته فى الحديث وأخير أعترف بطلها وحبيبها بمكانتها لديه ، قلبها تتسارع نبضاته بسرعة جنونية غير مصدقة ما تسمعه فتمتمت بربكة قوية:-
_ أنت بتقولي أنا الكلام دا، جارحي بص ليا كويسة أنا قُدس مش حد تاني
_ إنتِ قُدسي وحبيبة قلبي وبنت عمري
قالها بنبرة دافئة وعينيه تعانق عينيها بنظرات تتلألأ بالحُب ودقات قلوبهما تكاد تطرب الأذان من قوة مشاعرهما ، دمعت عينيها من الفرح وقالت بعدم أستيعاب:-
_ يعنى أنت مش مجبر عليا
صمتت للحظات وعينيه ترمق دمومعها الناعمة التى شقت طريقها على وجنتيها التى أحمرت وتوردت من خجلها وبكاءها معًا، أقترب ببطء نحوها حتى وصل لوجنتيها بشفتيه يقبل تلك الدموع الحارة ثم همس بشغف:-
_ أنا بحبك يا قُدس
تبسمت بسعادة وهى تُجيب عليه بحنان :-
_ وأنا بحبك يا جارحي من زمان أوى، بحبك ما أول ما عرفت يعنى أي حُب ، ومعرفتش يعنى أى حبيب غير بيك أنت ، أنا طول عمري بتمني اللحظة اللى تحبني فيها وتشوفني حبيبتك مش عيلة صغيرة بتربيها وبتقولك يا ابيه عشان أنت حبيبي
أومأ إليها بنعم ثم ضمها إليه بقوة عناقٍ طويلٍ يرضى قلبه عن مشقة الشوق إليها التى أنتهكت قلبه وأعتصرت صدره فى غيابها ومرضها ، شعرت بدفء أنفاسه فى عنقها ويديها تطوقه بحنان لتقاطع عناقهما السحري ولحظتهما الرومانسية حين قالت:-
_ ممكن زى ما حلت موضوع هدير تحل موضوع ليان
أبتعد خطوة عنها وحملق بيها بعيني حادة كالسيف وتحولت رومانسيته إلى جدية صارمة مما جعلها تلتزم الصمت أمام نظرات عينيه الخشنة، تحدث بنبرة غليظة:-
_ طب هدير أنا أتصرفت لانه دكتور محترم لكن ليان أتصرف أزاى، أجوزها لمجرم دا اللى أنتِ عايزاه ، راضية وقابلة أن أختك تتجوز واحد زي دا ، انهى عقل ومنطق هيقبل بدا
_ مش عايزة قلبها يتكسر يا جارحي
قالتها بنبرة خافتة بتوتر ليتحدث "الجارحي" بجدية وقال بغلاظة:-
_ مش كل حُب بيكمل يا قُدس، ومش كل حاجة بيعوزها البني أدم بتحصل، وألا مكنش أتوجد الفراق والوجع والحزن وكل المشاعر الأليمة وبقيت الحياة كلها وردية
وقفت من مكانها بهدوء وعينيها تراقب زوجها ثم قالت بحيرة:-
_ يعنى ليان هتعيش كل المشاعر دى ، أنا عيشتها سابقة وحقيقي شيء فظيع ربنا ما يكتبه على حد
تنهد بهدوء وهى تُذكره بما قاسته مع الايام بفضله، تحدث بخنق فى صدره:-
_ ليان اللى عملت كدة فى نفسها يا قُدس، ومتقارنهاش بيكِ، إنتِ قسيتي العذاب والفراق والوجع لانك حبيته واحد مكنتيش عارفة هو هيحبك ولا لا لكن لو كان جه فرصة للحب مكنش هيتأخر ولا هيرفض، لكن ليان حبت واحد من البداية وهى عارفة حقيقته تاجر مخدرات وسلاح وأثار وقاتل مأجور كل دا هل فى عقل يقبل بيه عشان عايزاني أقبل بيه، طب نفرض يا قُدس أنا خلفت عقلي وعقيدتي وقبلت أتصرف عشان خاطر بحبك وطلبك عندى أمر لازم يتنفذ، مفكرتش هيجرأ أى لأختك لو أتجوزه ودخلوا الأثنين فى مشكلة ما أى أُنين متجوزين بيتخانقوا، هيحصل أى، هنعرف نوصل لليان ولا هيكون عمل فيها حاجة، هيسمح انها تغضب عند أهلها وتريح أعصابها شوية ولا هيحبسها فى بيته ومش هنعرف عنها حاجة عشان حتى نقف مع بنتنا
صمتت قليلًا تستوعب حديثه وهو يتحدث بحق، لم تنظر للمستقبل أمام أختها فوقف "الجارحي" من مكانه أمامه زوجته وقال بجدية أكثر:-
_ بلاش كل دا، مسألتيش نفسك كم الخطر اللى هتعيش فيه فقط لكونها مرات مجرم زى دا وأعدائه فى كل مكان، وما هيصدق الكل أن ظهر له زوجة أو حبيبة وهتكون نقطة ضعفه ..... دا إنتِ مجربة دا فى جوازك مني وأنا مش مجرم ، كام مرة حاولوا يخلصوا منى ومنك ومن ابننا
تنهدت تنهيدة مُعبأة بالكثير من الأنكسارات والخبيات ثم قالت بضيق:-
_ عندك حق، الحياة صعبة أوى
أخذ وجهها بين يديه وقال بهدوء:-
_ مش الحياة اللى صعبة لكن أختياراتنا هى اللى صعبة وهو الإنسان كدة ، بطبعه بيحب تعب القلب
نظرت إليه فى صمت وقد أنتهى الجدال بينهما وأقنعت كليًا بحديثه فتنهد بخنق شديد وهو يسحبها من مؤخرة رأسها يضمها إلى صدره فتشبثت بخصره مطوقه إياه بحزن وقلق على حال أختها، وضع قبلة على رأسها وعقله شاردًا بصغيرته التى تجلب المصائب إلى صدره ولم ينسى تلك الجثة التى باتت بين يديه قبل أن أن يصل للقاتل ، حروفها الأخيرة لم تغادر أذنه وعقله حتى الآن ( عمـــــــــ ) من هذا القاتل الذي تجرأ على قتل ابنه وحاول قتل صغيرته بالسُم ، لم تخمد نيران عقله من التفكير لكن حتما سيصل للفاعل ؟؟؟ ليتذكر كلمة "جلال" إليه
_ لو عرفت هو مين هتنبهر أن صعلوق زى دا عرف يعمل كل دا ، حشرة تداس بالجزمة ........
حديثه القليل كان الرصاصة التى أصابت العقل فى هذه اللحظة ، أنحنى قليلًا وحمل جميلته المُدللة إلى الفراش تأخذ قسطًا من الراحة ثم غادر الغرفة بلطف ورفع سماعة الهاتف وبعد ثواني قال:-
_ يزيد أنا مستنياك فى المكتب حصلني على هناك .......
_____________________________
أشرقت الشمس صباحًا وتغلغلت أشعتها الذهبية إلى غرفة النوم تشق طريق صباحها لكن عينيها لم تغفو للحظة والدموع لم تجف بعد عن جفنيها بسبب الواقع المرير التى رأته وأستيقظت من وهم حُبها عليه ، لم تكتفي بأكتشاف خيانته لها مع فتاة أخرى ، بل الواقع أكثر ألم وحسرة فحقيقة أنه قاتل مُرعبة ، وضعت "ليل" الوسادة فوق رأسها تحاول كبح أنينها ورافضة ضوء الشمس تتمني أن تظل فى عتمة غرفتها كعتمة قلبها المخذول، رن هاتفها مرارًا لتتأفف وهى تلتف نحو الكمودينو تلتقط الهاتف وكان أسم "عمران" فلم تجيب وأرتجفت يديها من رؤية أسمه على هاتفها يتملكها الخوف فماذا سيفعل مجرم مثله بها الآن ؟ هل ستخلص منها أم سيقتلها مثل محاولة قتله لـ "ليان" و "قُدس" وبدأ عقلها يفكر ماذا إذا كان هو من يحاول قتل "الجارحي" أيضًا ؟ ظل يرن أكثر وأكثر فأغلقت الهاتف تمامًا بضيق والحيرة تتملك منه أكثر وأكثر ماذا تفعل معه؟ نظرت للسقف بتوتر وعقلها كالصاروخ يفكر بجنون ولا يصل لحل حتى فتح باب الغرفة ودلفت "أسيا" تتحدث فى الهاتف قائلة:-
_ هصحيها يا عمران أهو؟
تأففت "ليل" بغلاظة من دخول والدتها وكأن لا سبيل لها من الهرب منه ورفض المواجهة ، أعطتها "أسيا" التليفون بقلق وفضول شديد من سبب أتصال "عمران" بها لطلب الحديث مع ابنتها؟ تنهدت "ليل" بهدوء وتماسكت فى الحديث بنبرة حادة:-
_ ألو ، صباح النور
_ فى أى يا ليل بقالي يومين ثلاثة مش عارف أوصلك ولا بتردي على تليفونك وطول الوقت مقفول
قالها بضيق من إختفاء "ليل" عنه لتعتدل "ليل" فى جلستها وهى تداعب خصلات شعرها بأصابعها وقالت:-
_ مفيش هو فاصل بس كنت هشحنه وأكلمك
_ هو مامتك جنبك ؟
سألها بهدوء من جوابها الحاد فرفعت نظرها إلى "آسيا" التى تنظر إليها بفضول ، واقفة عاقدة ذراعيها أمام صدرها بصمت وعينيها تلتهم الصغيرة وصمتها لهذه اللحظات جعله يحصل على الجواب فقال بهدوء:-
_ طيب ممكن أقابلك ولا تحبي أجيلك البيت ؟
_ لا
قالتها بتعجل شديد من مجيئه إليها ، كيف ستقابل هذا الخائن وتابعت الحديث بسرعة :-
_ ماشي نتقابل، نفس المطعم اللى كنا فيه أخر مرة
أومأ إليها بنعم موافقًا على أختيارها، أنهت الاتصال كاملًا ثم أعطت الهاتف إلى "آسيا" بهدوء ، نظرت "آسيا" إلى الهاتف ثم مسكت ذقن أبنتها ترفع رأسها إليه لتلاحظ أثر البكاء وعينيها المُنتفخة من قلة النوم والبكاء، سألت "آسيا" بهدوء:-
_ حصل أى ؟ كنتِ بتعيطي صح؟
_ لا يا ماما منمتش بس كان عندي مذاكرة وطولت فى السهر
رمقتها "آسيا" بشك فى أمرها وقلبها يضرب القلق أبوابه، تنهدت بلطف وجلست أمام "ليل" ثم قالت بعفوية:-
_ مالك يا ليل؟ هتخبي عني؟ فى مشكلة حصلت بينك وبين عمران؟ قوليلي وأنا هساعدك
_ أوف مفيش يا ماما
قالتها بزمجرة شديد متذمرة على أسئلة والدتها ، غادرت وهى تبعد أمها عن طريقها فخرجت "آسيا" وراءها تقول:-
_ تعال يا ليل أنا بتكلم معاكِ
تأففت "ليل" أكثر من إلحاح والدتها فهربت من الشقة إلى الخارج مُتجهة إلى شقة "وصيفة" لكنها أرتطمت بـ "يزيد" يصعد الدرج فكادت أن تسقط بجسدها الهزيل وعينيها شبه المُغلقتين، تشبث "يزيد" بخصرها بدون وعى قبل أن تسقط الصغيرة منه وتقابلت عيونهما فى لحظة مفاجأة لتتسع عيني "يزيد" على مصراعيها من جمال الصغيرة فتغاطت بالنظر عنها وأبعد عينيه عنه فأبتعد "ليل" عنه وهربت إلى شقة "وصيفة" كالقطة الصغيرة الهاربة، صعد الدرج بأرتباك شديد يتنحنح بتوتر محاولًا أستراجع صموده وصورة هذه الفتاة لم تغادر عينيه التى سرقت النظر إليها ، شعرها الأسود وعينيها الحمراء من شدة بكاءها وبيجامتها الوردية ووجنتيها المتوردتين من البكاء وحزنها، لا يعلم كيف أمتزج الحزن بالجمال هكذا ، وصل أمام شقة "قُدس" ليهندم قميصه بهدوء ودق الباب ففتحت له "سنية" وقالت:-
_ قُدس هانم مستنياكِ فى الصالون
دلف إلى الصالون وعقله يتذكر جملة "الجارحي" أمس حين قال:-
_ قولها اللى وصلته يا يزيد ، قُدس مش هتصدق غير اللى بتسمعه
ولج إلى الصالون وكانت "قُدس" جالسة أمام اللوحة وتمزج فرشة الرسم مع الورق بطريقة إبداعية حتى قاطعها صوت "يزيد" يقول:-
_ مدام قُدس
ألتفت إليه بهدوء ووضعت القلم الرصاص بين خصلات شعرها وقالت:-
_ نسيتني يا يزيد صح؟
_ مستحيل أنسى طلب حضرتك طلبتيه
قالها بهدوء ثم جلس على الأريكة وقال:-
_ عمران طلع شخص تاني خالص غير اللى نعرفه ، متجوز عرفي من بنت أسمها ريتال ودى اللى كانت بتحوم حوله وخليته نشك أنه بيعرف بنات ، غير أن طريقة ظهوره فى حياة ليل غريبة وحُب سريع وخطوبة وماديًا بيعدى الفقر والغريب أن عنده رصيد 700 ألف فى البنك غير
قهقهت "قُدس" بعفوية على ما تسمعه فقالت:-
_ لسه فى غير ؟؟
تبسم بمكر مما يعرفه وقال:-
_ الأدهش والأعجب أن عمران طلع أبن الراجل اللى عماد أتخانق معه وأتقتل فى الخناقة ودخل السجن المعلم هادى فيها
وقفت "قُدس" من مقعدها من هول الصدمة التى وقعت عليها وأتسعت عينيها بقشعريرة تُصيب صدرها وقالت:-
_ كمان
هز "يزيد" رأسه بنعم لتفكر "قُدس" فى صمت وهى تتحرك فى الغرفة ذهابٍ وإيابٍ لتقول:-
_ يعنى ممكن يكون خطب ليل عشان يقرب مننا وينتقم من عماد
تنهد "يزيد" بحدة وعقل الصغيرة ما زال لا يفهم فقال:-
_ قصاد المعلم هادي اللى دخل السجن والحكومة أثبتت الثهمة عليه
نظرت "قُدس" إليه بقلق وقالت :-
_ صح!!
كاد أن يتحدث ليقاطعه صوت رنين الهاتف الذي دق بإستلام رسالة جديدة ، أخرج الهاتف من جيبه ونظر ليرى رقم مجهول أرسل رسالة له ففتحها وكان محتواها
_ أنا ليل ، ممكن تيجي معايا مشوار الساعة 5
أبتلع لعابه وعينيه تحملق بالهاتف ويتذكر ما حدث من قليل وربكته وضحت فى ملامحه ثم قال:-
_ هكمل بحث وأبلغك ، عن أذنك
غادر الشقة مُسرعًا ونظر للهاتف ليرسل الجواب عن طريق تفاعل بـ إعجاب على الرسالة فقط ........
___________________________
وقفت "ليان" فى النافذة لترى سيارة "جلال" وسيارتين أخرتين من الحراسة يقفون أمام البيت فأتصلت "ليان" به وقالت:-
_ انت بتعمل أى؟
رفع "جلال" نظره للأعلي من وراء النافذة ليرى أن طبيبته الجريئة تقف فى الشرفة فترجل من السيارة حتى تراه بوضوح وقال بجدية:-
_ بحاول أسيطر على نفسي وأكبح غضبي وعقلي الشيطاني اللى بيقولى أدخل اخدك من قبل الأوضة بالقوة بعد ما أبوكِ طردني من البيت
ضحكت "ليان" وهى تجلس على المقعد بكوب النسكافيه ووضعته على الطاولة التى أمامها وقالت:-
_ بالقوة !!
_ ممكن تقفي عشان أعرف أشوفك
وقفت من جديد وهى تتنفس بتعب مُتمتمة :-
_ مع أن الوقوف تاعبني
_ أقعدي
قالها بلهجة امرية بعد أن أخبرته بتعبها وأرهاقها لتضحك من جديد وقالت:-
_ وبعدين بقى هو إحنا بنلعب ولا أي ؟
_ أرتاحي يا ليان
قالها بهدوء وهو يتكأ بظهره على السيارة ويعقد ذراعه أمام صدره والأخرى يرفع الهاتف على أذنه ويقف مُرتدي بدلته الرمادية وقميصه الأسود ونظارته الشمس السوداء تزيده وسامة ، ظلت واقفة ترمقه ببسمة وقالت:-
_ العناد مش حل، وبصراحة هم ليهم حق مين يقبل يجوز بنته لمجرم
تنحنح بخنق لتقول بجدية:-
_ دى الحقيقة ليه محسسني أني فاجأتك بحقيقتك ما أنت عارف يا جلال الحقيقة ، وأنا كمان عارفة وقبلت فمتزعلش
أومأ إليها بنعم ليقول بحنان وعينيه لا تغادر شرفتها وجميلته تطل منها كالحورية:-
_ مين اللى طلعك فى طريقتي يومها ؟
_ القدر والنصيب والمكتوب على الجبين، نصيبي يا جلال
قالتها بلطف وأرتشفت رشفة من النسكافيه بعفوية ليقول بخفوت:-
_ ما تيجي أخطفك يا ليان ونقول نصيب، اخطفك وأخبيكي فى دنيا تانية خالص ، أخبيكي جوا قصري سلطانتي
ضحكت بعفوية بطريقة قوية ولم يفهم سبب ضحكاتها حتى شعر بشيء ثلب يلمس رأسه فنظر بجنانه وكان "هادى" يقف واضعًا بندقيته فى رأس "جلال" وقال بحزم:-
_ أنا مش قُلتلك تغور من هنا ومشوفش وشك فى طريق بنتي نهائي
صوت ضحكاتها العفوية فى الهاتف كان يسحره ويجعل قلبه يتراقص من السعادة ولا يُصدق أن طبيبته الجميلة بدأت تستعيد صحتها وتخرج منها الضحكات بهذا الجمال والعذوبية الناعمة وهذه الضحكة ونغمتها الدافئة كفيلة أن تجعله يصمد ويتحمل غلاظة والدها ليقول:-
_ أنا قُلتلك أنى هأخدها ، أديهالي بالرضا بدل ما أخدها بالقوة
وضع "هادى" المسدس فى منتصف جبينه وقال بتهديد:-
_ أنا راجل دخلت السجن سابق عشان أحمي ابن أخويا من تهمة هو اللى عملها وعادي جدًا فما بالك عشان أحمي بنتي ضنايا من مجرم زيك ممكن أتسجن او حتى أتعدم عادي مش باقي على حاجة
كز "جلال" على أسنانه بقوة وغلاظة هذا الرجل تعدت كل الحدود حتى سمع "هادى" صرير أسنانه القوى وكاد أن يفقد أعصابه ويتحدث ليمنعه صوت "ليان" التى قالت فى الهاتف بحذر:-
_ جلال أوعاك، دا بابا
كلمتها أوقفته رغم عنه وأغلق قبضته بضيق شديد وقال بحدة:-
_ لينا لقاء تاني ، وفكر كويس لأانى مش هسيبها وأفتكر أنى راجل بقتل عادي عشان الفلوس ما بالك ممكن أعمل أى عشان حبيبتي
فتح باب سيارته وصعد بها ليقود "كريم" السيارة مُغادرًا المكان مما جعل "هادي" يغضب أكثر ويضرب إطار السيارة بالرصاص مما أرعب الجميع وتأفف "جلال" بالداخل وهو يقول:-
_ لأجل ليان، بس عشانها
ترجل من السيارة وكاد عقله يجن جنونه ولا يعرف كيف يكبح الغضب بداخله أكثر من ذلك فرأته يبدل سيارته مع سيارة الحراسة بعد أن أنتفض قلبها من فعل والدها .......
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية