رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم نورا عبد العزيز
الفصـــــــــل الواحد والعشرون ( 21 )
بعنـــوان " مفــــــــاجـــــأة"
أوقف "يزيد" سيارته جانبًا بجوار النيل ونظر إلى الفتاة التى بجانبه مُنهارة من البكاء ومنكمشة فى ذاتها تضم يديها الصغيرتين فى حسرة وتعتصرهما من الفزع الذي أحتلها، دموعها لا تتوقف وشهقاتها مكبوح رغم أنتفض جسدها، سحب منديلًا من علبة المناديل الموجودة أمامه ومد يده إليها فأخذ المنديل الورقي وبدأت تجفف دموعها بحسرة فسأل بحيرة قائلًا:-
_ بقيتِ كويسة ؟ أحسن دلوقت؟
هزت رأسها بنعم وهى تحاول التماسك والسيطرة على دموعها وأعصابها، تحدث "يزيد" بهدوء شديد:-
_ أروحك ولا تحبي تروحي لمكان تاني
_ لا، روحني البيت
قالتها بهدوء مُتحاشية النظر إليه بحرج من بكاءها أمامه فأنطلق "يزيد" إلى المنزل، شردت فى طريقها إلى المنزل كيف ستخبرهم بحقيقة "عمران"، ما زال عقلها لا يستوعب أبدًا ما رأته، مشاعر خذلان وأنكسار بداخل قلبها بسبب حقيقة "عمران" وعلاقته بهذه الفتاة، مشاعر رعب وخوف من تخطيطه لجريمة القتل ؟ لا تستوعب كل هذه الحقائق المُرعبة ، وصلت لمنزلها مُسرعة ورجلها تطي الأرض طيًا حتى تصل لغرفتها تختبي بها وأغلقت الباب بالمفتاح وراءها تلمم شتات نفسها ودموعها التى تساقطت كالشلالات على وجنتيها بحرية بعد أن أطلق جفنيها الضعيفان أسرهما بداخله وترك العنان لقلبها المطعون بخنجر الخيانة والخذلان حتى يصرخ قبل أن يتوقف من صدمة الخيانة، أرمت بجسدها على الفراش تشهق بقوة وتكتم صرخاتها القوية فى وسادتها التى أعتصرتها بيديها من الألم والخوف الذي يصاحبها وهى مخطوبة الآن لمجرد قاتل.......
_____________________________
أمام مطار القاهرة توقفت سيارة ملاكي سوداء من ماركة بي أم دبليو وترجل منها "مصطفى" ودفع تكلفة الخدمة للسائق وفتح الباب الخلفي ليأخد حقائبه وتقدم نحو بوابة الدخول دافعًا بحقيبته الكبيرة ويده تنظر فى الهاتف تقيم السائق على التطبيق الخاص بالتوصيلات، أوقفه رجلين فرفع رأسه سريعًا ونظر لهما لمقاطعتهما إلى طريقه سهوٍ ، تنحنح "مصطفى" بضيق وقال:-
_ أى
تحدث الرجل بنبرة حادة صارمة قائلًا:-
_ دكتور مصطفى
نظر "مصطفى" بقلق شديد من سؤاله وتفحص الرجلان بعينيه يرتديان بدلة سوداء كالحراس الشخصية باجسادهم الضخمة ونظراتهم القوية فقال بتلعثم:-
_ أيوة أنا
تابع نفس الرجل الحديث بجدية أكثر:-
_ أتفضل معانا
أخذ الرجل الأخر الحجقيبة منه بالقوة وهو مذهولًا من هذا التصرف فتحدث بحدة غليظة من هذه الطريقة:-
_ هو فى أى؟ أنتوا مين؟
لم يجيبه أحد فتأفف بغيظ أكثر وقال بانفعال:-
_ أنا ورايا طائرة ياريت تفهموني أنتوا مين وعايزين أى مـــــ ........
أبتلع بقية حديثه حين ترجل "يزيد" من السيارة السوداء رباعية الدفع من ماركة مرسيدس وقد فهم قليلًا من هؤلاء، فتح "يزيد" له الباب الخلفي للسيارة وكان "الجارحي" بداخله الذي أشار برأسه لـ "مصطفى" بأن يصعد فتأفف الدكتور بضيق من هذه الطريقة وصعد بوجه عابس وخانق، فقال:-
_ أى الطريقة دى يا معلم جارحي؟
أغلق "يزيد" الباب وراءه ووقف أمام السيارة بينما الرجلين وقفوا بجوار البابين الخلفين للسيارة ، تحدث "الجارحي" وهو ينظر فى هاتفه ببرود شديد وكأنه لا يبالى بانفعال "مصطفى" أو غيره بقلب ثلجي:-
_ هو دخول الحمام زى خروجه يا دكتور
_ نعم!!
قالها "مصطفى" بتعجب من المثل الذي ضرب به الجارحي مقدمة الحديث ليقول "الجارحي" مُتابع بنبرة حادة وقد أنزل الهاتف عن يده :-
_ هو مش حضرتك سبق وأتقدمت لعمتى هدير وخدت الموافقة من المعلم الكبير جدي وأخوها وبناءً على الموافقة دى بقي فى مكالمات وخروجات بينكم
هز رأسه بنعم ثم قال بجدية:-
_ بس محصلش حاجة رسمي ودا من عندكم يا معلم جارحي وأنا راجل سايب حالى ومالى وشغلي وجيت هنا عشان أخطب عمتك واتجوزها وأرجع ، عطلت مستقبلى شهور لأجل عيونها وعشان شاري لكن أنتوا مقدرتوش دا و....
كان "الجارحي" يستمع لحديثه بهدوء تام دون أن ينظر له لكنه شعر بضيق من هذا الحديث لتخلى قليلًا عن وقاره وهدوءه ووضع يده خلف ظهره فى صمت و"مصطفى" يتابع الحديث مبرر موقف سفره الآن حتى أبتلع كلماته بفزع حين أخرج "الجارحي" مسدسه من خلف ظهره ووضعه فى منتصف صدر "مصطفى" وقال بحدة صارمة:-
_ رغى ، رغى ... وكلام يقرف وميثبتش غير أنك مش راجل ، يمكن تكون عيشت حياتك كلها برا ودا اللى نساك طبع المصريين والمجتمع الشرقي، دخولك وخروجك على بنتنا دا مش سهل يا دكتور والظاهر إنك محتاج تتعلم درس أصول دخول بيوت الناس وقعدتك مع الرجالة
أبتلع "مصطفى" لعابه بفزع من المسدس الذي ظهر فجأة والآن بمنتصف صدره ويد "الجارحي" الأخر خلف رأسه يحكمه بمسدسه حتى لا يتحرك، تحدث "مصطفى" بتلعثم شديد وخوف واضح فى ملامحه:-
_ أهدا يا معلم جارحي بس، أهدا وأبعد البتاع دا وكل حاجة هتتحل
دفعه "الجارحي" بقوة وأعتدل فى جلسته ثم قال بغيظ:-
_ الحل الوحيد أنك تنزل منها وتسحب شنطتك وأقرب تاكسي تأخده على البيت وتكون معاك شبكتك وتخبط على باب شقة عمى هادي حمايا وتشبك أخته بكل عزة وكرامة وإياك تحس مجرد أحساس إنك بتعمل كدة غصب عنك ولا بالأكراه
تنحنح "مصطفى" بهدوء ثم قال:-
_ أنا مش مجبور على هدير أنا بحبها ورايدها ومش هأخدها أكراه ولو مكنتش هعزها وهكرمها مكنتش أتجرأت أنى أدخل البيت من بابه من الأول
رمقه "الجارحي" بسخرية من الرأس لأخمص القدم وقال بتهكم:-
_ يبقى أمي اللى كانت سايبها وهربانة دلوقت، بقولك أى أنا مش جاي أسمع أشعار وغزل فى عمتي وتاني مرة متقاطعنيش يا دكتور لأحسن أقطع أنا حسك من الدنيا كلها
أجابه " مصطفى" بتوتر وعينيه على المسدس والرجال الذين بالخارج هاتفٍ:-
_ حاضر
حك "الجارحي" لحيته بضيق وقال بحزم:-
_ وصلنا لفين؟ اه تشبكها بحُب يا عم الحبيب وإياك جنس مخلوق يعرف حاجة عن اللقاء السعيد اللى إحنا فيه دا، يعنى حفاظًا على شكلك على الأقل قدام الكل يبقى أسمك مهربتش ومطلعتش عيل فى كلامك، وتفضل فى نظر الكل وخصوصًا هدير وحماتك صفصف راجل باع الدنيا وأشتراها ومهموش مال ومستقبل يا أبو مستقبل وإن شاء الله تخلص والصبح تطلع طيارة خاص مخصوص بيك لشغلك وشهر بالكتير وألاقيك قدامي جاى تكتب وتتجوز ونخلص .... ورب الكعبة لو مرجعتش فى خلال 30 يوم تتجوز لأجيبك من قبل أنجلترا وساعتها متلومنيش .... أنزل
ترجل من السيارة بتوتر وخرج منه زفير قوي بأريحية والجلوس مع مسدس ورجل غليظ كـ "الجارحي" يفقد الأعصاب والتوتر، صعد "يزيد" إلى مقعد السائق وأنطلقوا سويًا تاركين "مصطفى" فى أرض المطار الذى لم يتردد لحظة فى طلب سيارة من التطبيق ليعود كما جاء.......
_______________________________
كانت "مديحة" جالسة فى حديقة العمارة الأمامية ومعها كوب الشاى بالنعناع المُفضل لها ترتشف القليل منه وبجوارها "آسيا" ابنتها ومعهم "هدير" التى تحاول الهروب من الوحدة حتى لا تجهش فى البكاء من رحيله، تحدثت "آسيا" وهى تعطى الهاتف إلى "هدير" قائلة:-
_ أى رأيك فى الفستان دا
نظرت "هدير" إلى الهاتف وتبسمت بلطف ثم قالت:-
_ حلو جدًا بس الموديل دا عايز ألوان سمبل خالص
_ ما هو فى ألوان أتفرجي كدة ، بس أنا عن نفسي هطلب منه الأسود
قالتها "آسيا" وتمرر أصبعها على الشاشة متنقلة بين ألوان الفستان لتجيب "هدير" بعفوية:-
_ الله وأنا اطلبي اللون البينك دا قمر أوى وسمبل فى نفسه، بصي كدة يا ديحة
أخذت "مديحة" الهاتف ونظرت إلى الموديل الذي أعجب الفتيات وقالت بزمجرة:-
_ زفت وذوقكم يقرف ، أنا معرف بنات اليومين دول موضتهم بقيت معفنة كدة ليه؟
أخذت رشفة من الشاى بينما ضحكت "آسيا" و"هدير" عليهم وقالت "آسيا" بعفوية ويدها تضرب يد أختها:-
_ ما دام قُلتي زفت ويقرف يبقي عجبك يا ديحة
نظرت "مديحة" لهما بخُبث ثم قالت بمكر شديد:-
_ وإن شاء الله هتطلبوه منين؟ هو أنتوا بقى حالتكم فلوس تعمل شوبينج بيها؟ ما هو شفط كل حاجة فى عبه
تأففت "هدير" وهى تغلق شاشة اللابتوب الخاص بيها بحزم ثم قالت بجدية:-
_ الجارحي قال أن هديني مبلغ كل أول شهر زى أيام بابا الله يرحمه وإحنا مش وقت خالص دلوقت يسمح أننا نتجادل على الورث والمال، متنسيش يا ديحة ان مراته محجوزه فى المستشفي وأبنه أتقل فى بطنها بفعل فاعل، وطبعا دا غير التسمم اللى حصلها فى المستشفى وكانت هتموت فيه، وكل دا حصل فى يوم ما أتعرف فيه الوصية يعنى كلنا بالنسبة له وجه أشتباه وأحب أوضح حاجة كمان ومش من تأليفي ولا تخميني هادي وفؤاد كأنه مع الجارحي يوم ما طلوع الستات على قُدس وقتلوا أبنه وكانت هتروح فيها ووقتها الجارحي مضي على تنازل التركة كلها للعائلة بس الغدر اللى حصل هو اللى خلاه يقطع الورق .... فياريت نعذره ونقف جنبه على الأقل لحد ما يعرف مين المجهول اللى بيحاول يأذيه فى مراته عشان نطلب حقنا بقلب جامد
أنتفضت "مديحة" من مكانها وبصقت الشاى من فمها بذهول حين سمعت هذا الحديث وقالت بدهشة:-
_ مضى تنازل ، إنتِ مُتأكدة من الكلام دا
تنهدت "هدير" بضيق لفرحتها بهذه الجملة تاركة بقية الحديث عن الخطر الذي يحوم فى حياة ابن أخيها وقالت بخنق:-
_ أه ومش هقولك اسألى هادي لكن هقولك أسألى ابنك أمام الجامع ...
وقفت من مكانها ودلفت إلى الشقة بعد هذا الحديث الذي عكر صفو سهرتهما، ضربت "آسيا" يد والدتها بحرج وقالت:-
_ أى يا ديحة مش عارفة تكتمي لسانك شوية
ضربتها "مديحة" على قدمها بقوة وقالت:-
_ هو فى بنت متربية تقول لأمها تكتمى لسانك يا قليلة الربية
تنهدت "آسيا" بضيق أكبر وقالت بحزم:-
_ مش عايزة الكل يقول أن كل اللى همك الفلوس، حتى لو دا فى كل اللى همك داير شوية متبينيش أوى كدة أنكِ هتموتي على الورث والفلوس، يا ماما أنا خايفة عليكِ إنتِ الوحيدة اللى مبينية للكل لهفتك للتركة، الجارحي لو ملاقاش حد يشيل كل المحاولات اللى بتأذي قُدس دى هيشيلها للى هيموت على الورث ومفيش غيرك مبين دا
_ إنتِ هتعمليلى الناصحة العاقلة، قومي ..قومي من جنبي، قومي شوفي بنتك ولا شوفيلك طبقين أغسليهم كتكم القرف
قالتها بزمجرة شديد وحديث "آسيا" ضرب بتفكيرها عرض الحائط، وقفت "آسيا" من مكانها بعد أن طردتها والدتها لترى "مصطفى" يدخل من بوابة العمارة ويحمل فى يده باقة كبيرة من الورود الحمراء وعليها شارة بيضاء مكتوب عليها (أخترتكِ لتكوني نسائي الأربعة) ، تبسمت بسعادة لأجل أختها وركضت إلى الداخل، دقت باب شقة "وصيفة" لتفتح لها "سنية" فقالت وهى تدخل بتعالج:-
_ أجري يا سنية نادى للمعلم هادى من فوق بسرعة قوليله فى ضيف تحت منتظرك
خرجت "وصيفة" من المطبخ حاملة طاجن النجرسكو الساخن وقد سمعت جملة "آسيا" ، تمتمت بدهشة:-
_ ضيف مين؟
أقتربت "آسيا" بسعادة من شكل السفرة وعليها كل ما تشتهى النفس من حمام وبط ومحشي ورق عنب وجلاش ونجرسكو وأطباق جانبية فأجابت بحماس:-
_ اللهم صلى على النبي، مش تقوليلي أن عندك عزومة يا صفصف
وضعت "وصيفة" الطاجن بلطف بالمنتصف وقالت:-
_ عزومة أى، دا الجارحي أتصل من ساعتين كدة وقال أن جايب قُدس من المستشفى النهاردة ومعاها ليان هتكمل علاجها هنا وأهلها وقالى أعمل وليمة تشرف على ما يجي
تبسمت "آسيا" وقد تذكرت الضيف لتقول بلهفة:-
_ جارحي أى ووليمة أى، الدكتور برا
رفعت "وصيفة" حاجبها بتعجب وسألت بفضول:-
_ دكتور مين هم وصلوا ومعهم دكتور
ركضت "آسيا" تجاه غرفة أختها وقالت بحماس شديد:-
_ هم هيجوا من المستشفى بدكتور برضو يا صفصف ، دا الدكتور اللى أتقدم لهدير برا ومعاه بوكيه ورد جميل أوى
دلف "هادى" مع جملتها ليقول بدهشة هو الآخر:-
_ أى
_ هو راح فين ؟ ألحقوا يا هادى لأحسن ديحة تتطفشه من برا
قالتها وفتحت باب الغرفة لترى أختها جالسة فى هدوء وتبكي فى صمت حتى لا يشعر بها أحد فأسرعت نحو الدولاب وهى تقول:-
_ بتعيطي ليه؟ قومي أغسلى وشك المبوز دا ولا هتقابلى العريس بالبوز دا عشان يهج أول ما يشوفك
رفعت رأسها بصدمة ألجمتها وقالت بأنفعال مع وقوفها:-
_ عريس!! عريس أى أنا مقولتش أنى عايزة أتجوز
أخذتها "آسيا" بتعجل نحو المرحاض وقالت بضيق:-
_ أنجزي الراجل برا وبعدين أبقى أفرضي براحتك ، أنجزي يلا عشان ألحق أحطلك شوية ميكاج حتى يلا
خرجت "هدير" من المرحاض لترتدي فستانها الذي أخترته أختها وجلست أمامها بوجه عابس مُستسلمة لأختها التى تضع لها مساحيق التجميل وعندما أنتهت قالت بلطف:-
_ كدة حلو عشان متبقيش أوفر اوى برضو ... يلايا عروسة على ما أشوفلى فستان من عندك يجي مقاسي ولا أخرتها هطلع للضيف بالبيجامة يعنى..... يلا
فُتح الباب ودلف "الجارحي" بهدوء ووقار، مُتكبرًا وهذا الكبر الذي يزيده وسامة وشموخ أمام الجميع، فقال بجدية :-
_ يلا يا عمتى تعالي
_ جارحي أنا مش عايزة أتجوز و....
قالتها بضيق شديد ووجهها عابسًا فتحدث وهو ياخذ يدها بلطف وقال:-
_ تعالى بس نستقبل الضيف ولما يمشي نشوف حوار الجواز دا وعايزة أى، دلوقت الراجل فى بيتنا عيب
أخذها فى يده بهدوء وخرجت لترى رأس "مصطفى" من الخلف جالسًا على الكرسي فأنقبض قلبها وهذا القلب يملكه رجل وحيد لن تخضع ألا له وحده، همس "الجارحي" لها بنبرة خافتة دافئة:-
_ إنتِ ردتلي قلبي سابقًا ودلوقت لازم أرد لك قلبك يا هدير
رفعت رأسها له بعدم فهم فى خطوتها الأخيرة التى وصلت أمامه ووقف "مصطفى" من محله مُستديرٍ إليها لتتسع عينيها بدهشة ألجمتها من المفاجأة التى وقعت على قلبها وعقلها تجمد تفكيرها وجعلت القلب يتسارع نبضاته بجنون، مد "مصطفى" يده إليها ببسمة وعينيه تلمع ببريق العشق وقال:-
_ مكنش ينفع أسيبك هنا وامشي
تنحنح "الجارحي" بحدة وجلس جوار والده و"قُدس" بينما تحدث "فؤاد" بلطف وبسمة تنير وجهه:-
_ الدكتور طلبك مني أنا وهادى رسمي يا هدير ، إحنا وافقين مبدئيً لحد ما نسمع رأيكِ فى النهاية رأيك هو الأهم
صمتت "هدير" بخجل شديد وأخواتها جالسون أمامها ليبتسم "هادى" بسادة على أخته وقال:-
_ الجواب بيان من عنوانه يا فؤاد ، نقرأ الفاتحة
ظلت بجواره وهى تقرأ الفاتحة وبدأت عينيها تبكي من الفرح ولا تُصدق أنه ترك الطائرة وجاء لأجلها، أنهى "الجارحي" قراءة الفاتحة وقال بهمس فى أذنيها:-
_ اتصرفت أهو
تبسمت "قُدس" بعفوية وأصابعها يدها تتشابك معه بلطف ثم نظرت إلى عينيه بحنان وسعادة تغمرها:-
_ عشان كدة بحبك يا جارحي، عشان قد اى حاجة وبتعمل أى حاجة عشاني
ربت على يديهما المُتشابكة بلطف وعينيه تعانق عينيها أمام الجميع وقال هائمًا بجمال طفلته المُدللة التى هزمته بالعشق:-
_ لأجل عيونك أنا مستعد أهد العالم على رؤوس الكل يا قُدس، لأجل نظرة الرضا اللى شايفاها دى أنا أدفع عمري كله ، إنتِ حربي اللى مش هقبل فيها بأى هزيمة
تبسمت بسعادة أكثر وكلما ضحكت اغلقت عينيها جفنيها بطريقة جميلة تُذيب قلبه العاشق، تحدث "هادى" بعفوية:-
_ صدق الله العظيم ، نتعشي بقى
قاطعه "مصطفى" بنبرة هادئة:-
_ معلش ممكن طلب كمان
نظر الجميع له بأهتمام ليقول بحُب:-
_ ممكن نتكتب دلوقت ونأجل الفرح زى ما تحبوا بعد الأربعين بعد سنة زى ما تحبوا بس عشان تتطمنوا أكتر لو أضطرت أسافر أنها مراتي
نظر "هادى" إلى أخاه "فؤاد" وهكذا "وصيفة" بقلق ليقول "فؤاد" بنبرة هادئة:-
_ مفيش مانع يا دكتور بكرة نجيب المأذون ونكتب
وقفوا جميعًا ليستعدوا لتناول الطعام فقال "مصطفى" من جديد بسعادة تغمره:-
_ بس
تحدث "الجارحي" بخنق من هذا الرجل وقالت:-
_ وبعدين فى أم اللقمة اللى مش هنطفحها دى، أي تاني
تبسم "مصطفى" بتحدٍ له ومن قليل كان يهددوا بالسلاح والآن جاء وقت الأنتقام منه فقال بسعادة:-
_ أنا المأذون معايا فى العربية برا
ضحكت "هدير" وهكذا "آسيا" التى تمتمت بعفوية ومرح:-
_ مستعجل أوى
واقف "فؤاد" و"هادي" وجلسوا لعقد القرآن مع المأذون بينما "الجارحي" لم يبالى بأى شيء فى حضرة زوجته التى أخذها إلى السفرة وجلس جوارها لتناول الطعام بسعادة لخروجها من المستشفى وعودتها للبيت ، خرجت "ليان" من غرفة "قُدس" التى كانت لها سابقًا ورأت عقد القرآن لكنها تقدمت إلى السفرة مع أختها وجلست أمامها على الجهة الأخرى وبدأت تتناول الطعام بينما أقتربت على السفرة وقالت بهمس:-
_ أنت عملت أى؟ هو أنت جامد أوى كدة لدرجة أنك تخليه يكتب الليلة
ضحكت "قُدس" على زوجها بينما "الجارحي" لم يُجيب عليها ولم ينسي أن بسببها أوشكت "قُدس" على الموت فضربته "قُدس" فى قدمه من الأسفل ليكز على أسنانه وقال:-
_ اه جامد لدرجة تخلينى أقوم دلوقت وأقول لابوكي أن بنته بتحب رجل عصابات وسمعته زفت
كان يستفز "ليان" لكنه اختار الخصم الخاطئ فتبسمت "ليان" بغرور وعادت بظهرها للخلف لترى الجميع يقتربوا لتناول الطعام ودلف "عماد الدين" مع "مديحة" من باب الشقة وجلسوا ، رفع "هادي" ملعقته بالحساء وقبل أن يتذوق طعمه صعقته "ليان" وهى تحدق بـ "الجارحي" بغرور ولا تبالي بشيء مُتحدثة ببرود قاتل:-
_ بابا أنا متقدملي عريس
رفع الجميع أنظارهم عن الطعام بينما قال "هادى" بهدوء:-
_ طيب كُلى دلوقت وبعد الأكل نتكلم فى الموضوع دا
فى نفس اللحظة التى قال فيها "فتحي" والدها بالتبني:-
_ بعدين يا ليان ، بعدين يا حبيبتي نبقي نسأل عنه
_ اسألك أنا يا حج
قالها "الجارحي" بسخرية وتناول قطعة من الدجاج وعينيه ترمق "ليان" بمكر بينما نكزت "قُدس" ذراعه بغيظ من تحديه لأختها التى تحدثت بجراءة وشجاعة أمام الجميع قائلة:-
_ مش هتعرف تسأل عنه يا جارحي أصل مهما تسال مش هتعرف عنه قد اللى أعرفه أنا ، أصل يا باب جلال رئيس شركة حراسات بس فى الحقيقى رجل عصابات ومجرم
بصق "هادي" ما فى فمه بفزع بينما رمق الجميع "ليان" نساء ورجال، وأتسعت عيني "عماد" من مواصفات الرجل الذى أخترته ، تحدث "فتحى" بصدمة ألجمته قائلًا:-
_ إنتِ قُلتي اى؟
_ قُلت أنه رئيس عصابة وهتجوزه على فكرة
قالتها بخبث شديد ليقف "هادى" من مكانه كالثور الهائج وقال بانفعال شديد:-
_ إنتِ مجنونة يا ليان ولا العلاج اللى بتأخديه أثر عليكي، فى دكتورة محترمة تتجوز مجرم ويا عالم الأجرام اللى هو فيه عامل أزاى لأى مدى
_ بحبه وهتجوزه
قالتها ببرود دون أن ترجف لها عين من نظرات الجميع وألسنتهم بينما ضرب "فتحى" السفرة وهو يقف من مكانه متمردٍ ورافضٍ هذا الحديث فقال بانفعال:-
_ هو اى اللى بحبه وهتجوزه ، دا على جثتي بعد العمر دا كله اجوزك لواحد زى دا
أتاهم الصوت من تجاه باب الشقة يقول:-
_ تحبي جثتك تبقي بطريقة معينة
ألتف الجميع نحو الصوت وكان "جلال" يقف على باب الشقة وعينيه حادة ليبتسم "الجارحي" بسخرية من ظهوره الآن داخل ساحة الحرب ورفض الجميع...........
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية