رواية حرب سقطت راءها الفصل الفصل العشرون 20 - بقلم نورا عبد العزيز
وقف أمام سيارته يحملق فى صندوقها بتوتر خائفٍ من معرفة القاتل؟، فتح صندوق السيارة وصُدم عندما رأى ما لم يتوقعه أبدًا، كانت امرأة مكمم فمها ومقيدة يديها خلف ظهرها وقدميها فظل يحملق بها بصدمة وذهول تام لا يصُدق ان سيدة بمنتصف الخمسينات هى من فعلت بزوجته مُدللتها هذا الشيء، رفع اللاصقة عن فمها لتصرخ بألم فأقترب بحدة غاضبٍ من ألت إليه الأمور مع زوجته وفقد طفله لم يكفيهم، بل حاولوا قتلها بالسم داخل المستشفى، سأل بحدة كالسيف وعينيه كالصقر الذي على وشك ألتهم السيدة:-
_ ليه؟ مين اللى حرضك على قتل مراتي وابني
كانت المرأة ترتجف من الخوف بعد التعذيب الذي تعرضت له من رجال "جلال" وخنقها مُقيدة داخل صندوق سيارة ، رأت الرعب فى الأرض وكانت أنفاسها تُعد عليها فتمتمت بضعف:-
_ أنا ....
صرخ بجنون وصوته هز جدران المرأب ويتكرر كتير من قوته:-
_ ميـــــــــــــــــــــن؟
_ أبوس أيدك يا بيه أرحمني والله ما عملت حاجة
مسكها من عباءتها بغضب شديد ثم قال بتهديد صر يحة:-
_ متخلنيش أرتكب فيكي جناية أنا كله كوم واللى يقرب لمراتي كوم تاني خالص، لا شرع ولا دين ولا قانون بيقول أنكم تقتل روح لسه بتتخلق في بطن أمه، لا شرع ولا دين ولا قانون يا كفار يا ولاد الكلب بيقول أنكم تسمموا مراتي عشان تقتلوا بعد ما نجت بأعجوبة من رب الكون فى سقوطها، عيلة لسه مكملتش عشرين سنة فى عز شبابها تخلوها تعيش فى جحيم ورعب وتشوف الموت كل يوم بسببكم، أنا كمان معاكم مش هعرف شرع ولا قانون وحق مراتي هأخده من كبدكم ، مين .... مين اللى حرضك تقتلى مراتي وتأذيها ها؟
أبتلعت السيدة لعابها بخوف من نظراته المرعبة وكل ما رأته مع رجال "جلال" شيء وما تراه فى عيون هذا الأسد الجريح شيء أخر من الرعب، جعل الدم تتجلض فى عروقها وتشل أطرافها من الذعر فتمتمت بذعر:-
_ واحد جالنا البلد فى المولد وخدني أنا وأتنين ستات من الغجر معاه وأدينا صورة للبنت اللى سقطناها وقال انها أخته وحملت فى الحرام واللى عمل كدة هرب وهو عايو يخلص من العيل دا عشان أخته تعرف تعيش ودفع لكل واحدة فينا 5000 جنيه قبل وزيهم بعد
دمعت عينيه من القهرة وحسرته على خسارة الطفل الذي سيربطه بصغيرته وبيه كان سيجبرها بالعيش معه لشهور حتى تعرف كم يحبها وتقرر البقاء معه برغبتها، تنهدت بحسرة وقال بألم يمزق نبرته:-
_ أبن الجارحي أبو النور يساوى 30000 جنيه يا عالم نجسة، هو مين ؟ اسمه اي اللى عملها ، شكله أى؟
أخرج هاتفه كالمجنون على صورة "عماد الدين" وسأل بخوف:-
_ هو دا
هزت رأسها بلا وهى تنظر إلى الصورة بثقة، أعطاها صوره "عادل" شريك أخاه فى محاولة قتله لتهز رأسها من جديد بلا، وجعلت الحيرة تسير فى عقله وتسيطر عليه فقالت بخوف:-
_ أسمه عمـــــــــ........
لم تكمل أسم "عمران" حين قاطعها دراجة نارية مرت من جوارهم كالصاروخ ونحرت عنق السيدة بالسكين من سائقها، أتسعت عيني "الجارحي" على مصراعيها من هول الصدمة التى وقعت عليه الآن ووجهه الذي لوث بالدماء من السيدة وقميصه ليفوق من شروده سريعًا وركض خلف الدراجة بسرعة جنونية فحتما هذا هو القاتل الخفي الذي يحوم حوله، أخرج هاتفه وهو يركض وراء الدراجة وأتصل على "جلال" صاحب المنبي فصرخ بجنون فور أستقبال الأتصال :-
_ القاتل فى الشركة أقفل بوابة الجراج
كان يلهث كالمجنون من الركض فهم "جلال" بسرعة يضغط على زر الطوارئ وأغلق جميع الأبواب لكن السائق كان محترف ليعبر البوابة الحديدية فى الثانية الأخيرة قبل أن تُغلق، فسقط "الجارحي" على الأرض يلهث بشدة من قوة الركض، عاد لسيارته وكان "جلال" وصل مع "كريم" ورجاله فأخرج السيدة من السيارة بغضب يجتاحه من هروب القاتل منه وقال بضيق:-
_ الجثة دى تلزمك أنت
أخذ سيارته وذهب إلى مغسلة السيارة وأدخل سيارته للغسيل وهو بداخلها يفكر فى أخر حروف لفظت بها السيدة "عمـــ " إذا كان "عماد" فكيف لم تتعرف على صورته وأكدت أنه ليس القاتل، ظل يعتصر عقله وذكرياته فى التفكير داخل أعماق الماضى ربما يحصل على شيء، ظل هكذا حتى أنتهت جولة غسيل السيارة وأنطلق للمستشفى حيث محبوبته.....
_______________________________
خرجت "ليل" من المصعد فى المستشفى مُتجهة إلى غرفة "قُدس" لترى "يزيد" جالسًا أمام باباها يحرسها بنفسه بعد محاولة التسمم التى تعرضت لها، وقفت أمام باب غرفة "قُدس" ومسكت مقبض الباب ليوقفها "يزيد" وهو يقف أمامها يمنع طريقها من الدخول وقال:-
_ أسف يا أنسة ليل، المعلم جارحي مانع أى زيارة لمدام قُدس حتى لو كانت إنتِ
أتسعت عيني "ليل" على مصراعيها من هول الدهشة التى أصابتها و"الجارحي" يمنعها من رؤية صديقة طفولتها وتؤأم عمرها، تمتمت بسخرية قائلة:-
_ أنت شارب حاجة على المسا يا يزيد ، أنا ليل
_ شارب سيجارة
قالها بسخرية مقابل سخريتها ورفع حاجبه بتهكم أكثر وقال بجدية:-
_ ممنوع!!
كزت على أسنانها بغيظ شديد حتى سمع صوت صرير الأسنان من مكانه فقال بخفوت:-
_ إنتِ كويسة ؟
تبدلت تعابير وجهها من الصدمة لدهشة أكبر من سؤاله ولأول مرة يتجرأ على سؤالها عن حالها بجراءة هكذا فأبتلعت لعابها بأرتباك شديد وقالت بحدة:-
_ وإنت مالك؟ حادة غريبة والله هتأخد وتدي معايا كمان
سمعت "قُدس" حديثهما من الخارج وخصيصًا صوت "ليل" العالي فتحركت من مكانها بصعوبة تغادر الفراش وهى تتكأ على الحائط حتى وصلت للباب وفتحته وهى تسمع جملة "يزيد" يقول:-
_ متأسف لو تخطيت حدودى يا أنسة وكمان مُتأسف لأن تعليمات المعلم الجارحي مش هخالفها
_ ليل!!
قالتها "قُدس" بهدوء فنظرت "ليل" لها بحزن وهى قد أبتعدت كثيرًا بعد خطبتها على "عمران" والمشاكل التى أرتكبها فى حق "قُدس"، أقتربت "ليل" خطوة منها وقالت بعبوس ونبرة دافئة:-
_ أنا جيت أطمن عليكي يا قُدس ، كمان وحشتيني أوى ومحتاجة ليكِ
تنهدت "قُدس" بتعب متجاهلة كل الضغوطات والتفكير الآن فقالت بهدوء:-
_ وديني لليان؟ أنا عايزة أشوف أختى؟
هز "يزيد" رأسه بنعم وأخذت "ليل" يد "قُدس" وساروا فى الرواق معا حتى وصلوا لنهايته حيث غرفة "ليان" فتح "يزيد" الباب ودلفوا" وكان "هادى" بالداخل مع "فتحى" و"ياسمين"، رأى صغيرته تتحرك فأسرع نحوه يأخذها بقلق قائلًا:-
_ أى اللى قومك بس يا قُدس
تحملت على كتف والدها حتى وصلت إلى أختها، نظر الأثنتين لبعضهما وتبسمت "قُدس" بلطف ثم قالت:-
_ إنتِ كويسة ؟
أومأت إليها بنعم وسألت "ليان" بقلق على الصغيرة وهى تبدو أضعف بكثير منها بوجهه الشاحب وضعف قدميها التى ترتجف من حركتها ورغم ذلك تحملت لتأتي لأختها:-
_ إنتِ شكلك تعبانة أوى؟ أقعدي
تبسمت "قُدس" بعفوية رغم المرض الظاهر عليها وقالت:-
_ لا، أنا كويسة متقلقيش عليا خالص
دلف "الجارحي" ومعه "هدير" يقول بقلق:-
_ إنتِ إي اللى قومك من مكانك؟
نظر الجميع على لهفته على صغيرته وقالت:-
_ أنا كويسة أوى متقلقش
أقترب منها بجنون مُترعبٍ من حركتها وحملها على ذراعيه لكن أستوقفته "هدير" وهى تقول:-
_ خليها يا جارحي، خلينا نحتفل بعيد ميلادها هى وأختها مع بعض
فتحت علبة الكعكة التى جلبتها معها بمناسبة عيد ميلاد الفتيات، ووضعت بها شمعتين لهما وبدأ الجميع يغنوا معًا أغنية عيد الميلاد، نظر "ليان" لهما بفضول من هذه العائلة ظهرت لها من العدم والآن تشاركهم تفاصيل حياتها ، بارك الجميع لهم عامهم الجديد، أخرج "هادى" من جيبه علبة قطيفة وردية اللون مستطيلة وفتحها كان بها قلادتين على شكل قلب مقسومة لنصفين بكل قلادة نصف وأعطى الجزء الأول لـ "قُدس" والأخر لـ "ليان" وقال بحنان ودفء:-
_ كل سنة وأنتوا طيبين يا حبايب قلبى والعمر كله ليكم
_ عقبال مليون سنة يا قُدس أنتِ وليان
قالتها "هدير" وهى تقدم هديتها للفتاتان وكانت عبارة عن دفتر وردي وقلم مصنوع من الذهب به ريشة من الأعلى بشكل ناعم، تبسمت "قُدس" على جمال الهدية وبارك "فتحى" لـ "ليان" وقدم لها مفتاح سيارة من ماركة كيا كهدية لعيد ميلادها مما جعلها تبتسم برقة، تحدث بنبرة هادئة:-
_ كل سنة وإنتِ طيبة وبخير وبصحة يا حبيبة قلبي
_وحضرتك طيب يا بابا
قالتها "ليان" بهدوء وبسمة تنير وجهها وسعادة تغمرها من عيد ميلادها الأولى مع هذه العائلة وأهتمامهم بها كـ "قُدس" تمامًا....
_____________________________
تبسم "عماد الدين" وهو يقف أمام باقة من الزهور الحمراء بسعادة فجاءت له الموظفة فأشار على فترينة المجوهرات وقال بحماس:-
_ عايز العقد دا لو سمحتي
تبسمت الموظفة بدورها وقالت برحب:-
_ تحت امرك يا فندم
أخرجت العقد له ووضعت فى علبة قطيفة مربعة زرقاء اللون ودفع ثمنه نقدًا بعد أن جمد "الجارحي" أرصدتهم جميعًا، أخذه وغادر المكان ليذهب إلى المستشفى حيث "ليان" ، وصل إلى غرفتها وكانت الساعة الواحدة صباحًا ليُصدم عندما وجد الغرفة فارغة فسأل الممرضة بقلق:-
_ لو سمحتي هى انسة ليان فين؟
أجابته الممرضة بدهشة:-
_ هى مش فى أوضتها؟
تحدثت الأخرى صديقتها قائلة:-
_ لسه خارجة من شوية ومشيت فى أتجه الأسانسير مع واحد ، الراجل اللى كان معاهم طول العملية وهدد بسلاح الدكتور
أومأ "عماد الدين" بنعم وقد فهم ان أحد غيره سبقه ليغادر المكان، وصلت "ليان" للسطح مع "كريم" وتركها على بابه وحدها لتسير فى الداخل باحثة عن "جلال" لتُصدم عندما رأته يجلس على الأريكة الخشبية الموجودة وحوله ورود مزينة الأرضية وطاولة عليها شموع وكعكة عيد الميلاد ، أقتربت أكثر منه لتُصدم من هذا المشهد الرومانسي وتُتمتم بعفوية:-
_ أى كل دا؟
أخذ يدها بحنان ليساعدها فى السير وأقتربت نحوه حتى وصلت للطاولة وكانت مُزينة بطريقة رومانسية ناعمة ، أحضر صندوق كبير كان موجود على المقعد ووضعه فوق الطاولة وقال:-
_ كل سنة وإنتِ طيبة وبخير ومعايا
رفعت رأسها بسرعة من كلمته الأخيرة وحدقت بوجهه بدهشة كبيرة وعينيها ترمش بسرعة أكثر من الدهشة، رفع يده إلى وجهها الجميل ووضع يده على وجنتيها الناعمة يحتضنها بإعجاب شديد واضح، نظرت له بأرتباك أكثر وعينيهما تحترق من نيران قلوبهما التى نشبت بداخلهم فى هذه الوهلة، تحدث "جلال" بنبرة خافتة هامسٍ إلى طبيبته الجميلة:-
_ أنا بحبك يا ليان
ظلت تحملق به مصدومة من جملته ليكمل مفاجأته دون سابق أنذار حين أقترب أكثر يتذوق شفتيها الباردة ويديه تسلل لخصرها النحيلة وهى تحت تأثير الصدمة ولا تُصدق أن رجل عصابات مثله يقتل بدم بارد يعرف شيء عن الحُب ووقع بغرامها، على الجهة الأخرى سقطت باقة الورود من يد "عماد الدين" على الأرض من هول الصدمة التى أصابته حين رأى رجل يقبلها وسط الورود والشموع وهي بين ذراعيه مُستسلمة تمامًا فكز على أسنانه وهو يغلق قبضته بأحكام قبل أن يفقد أعصابه الآن وقد خذل قلبه مرة أخرى من هذا التوأم وطعن من جديد حتى أحرقته نار العشق وبات العشق جحيمه القائم، غادر المكان مُسرعًا قبل أن يسحب مسدسه ويقتل "جلال" فى الحال، أبعدته "ليان" بسرعة عنها فنظر "جلال" لها بدهشة من رفضها له، ظلت ترمق عينيه اللامعة ببريق مشاعره ودفئه فقالت بتلعثم شديد:-
_ إنت أزاى تعمل كدة؟
_ ليان ، أنا بقولك بحبك... مش منتظر منك محاضرة أخلاق فى لحظة زى دى ، أنا منتظر
صرخت به بانفعال شديد وكاد عقلها يقتلها من فعلته الوقحة وسرقته لقلبتها الأولى بخباثة:-
_منتظر أى، أنى أترمي فى حضنك وأنا بقولك بموت فيك ومستبنيش وحياتك، دى وقاحة
تمالك أعصابه ولأول مرة أحد يهينه هكذا وتهزمه امرأة والآن بعد أن هُزم يتعرض للإهانة منها حتى دهست كبريائه وغروره وضربت برجولته عرض الحائط، ألتف لكى يغادر من أمامها فلم تمنعه وظلت محلها حتى سمعت صوت باب السطح يغلق بقوة، أنتفض جسدها من قوة ضرب الباب، وقف "جلال" وراء الباب بصدمة ألجمته يحاول ترميم كبرياءه ورجولته ...
نظرت للطاولة بحزن وهذا الصندوق لتفتحه وكان بداخله بالطو أبيض جديد حفر عليه أسمها بخيط من الذهب يليف بطبيبة مثلها، وصندوق مجوهرات كامل وفستان أسود جميل وخاتم زفاف معه بطاقة كُتب بها ( لطالما كنت رجل عنيد متكبر ومتحجر القلب لم تهزمي امرأة من قبل مهما كانت تملك جمال لكن هذا الرجل متحجر القلب قد هزمته طبيبته الجميلة "ليان" وقد ختمت على قلبه بعينيها الساحرة فلا شيء يداوى هذا المريض سوى بقاء طبيبته معه للأبد... تتجوزني يا ليان؟ )
دمعت عينيها الخضراء بحزن من حدتها معه فركضت نحو باب السطح رغم جسدها المريض لكن هذا الرجل فعل المستحيل أجلها ولأجل إنقاذ حياتها لا يستحق هذه المعاملة القاسية منها، فتحت باب السطح وهى تركض على الدرج وتنادي عليه بتعب:-
_ جلال.... جلال
سمع صوت صغيرته من الأعلى وكانت تلهث بقوة فصعد كالمجنون لأجلها وكيف تركض وهى مريضة هكذا، الخوف عليها هو من حركه وهزمه مرة أخرى أمامها، نزلت بسرعة لتلحق به قبل أن تفقده لتتعثر قدميها من ضعف جسدها والدوران الذي أصابها من الحركة المفرطة وكادت أن تسقط عن الدرج لكن لحُسن حظها وصوله فسقطت بين ذراعيه ليتشبث بها بأحكام وقوة وهو يقول:-
_ ليــــان
شعر بضربات قلبها وانفاسها العالية التى أوشكت أن تنقطع، تنهد بلطف وأنحنى بظهره بخفة ليجملها على ذراعيه فسكنت رأسها على كتفه وعاد بها إلى الغرفة ليضعها فى الفراش بحنان فتشبثت بعنقه وهى تقول:-
_ أنا آسفة ، متزعلش من عصبيتي
أومأ إليها بنعم ومسح على رأسها بحنان ، همس إليها بلطف وقال:-
_ أرتاحي يا دكتورة ليان ، أرتاحي وبعدين نتكلم
رمقته بصمت شديد من تلقيبه لها بطبيبة مما يعنى أنه يحمل بداخله الغضب والحزن منها، لكن قلبه المتحجر يملك من الحُب ما يكفى للهفة والخوف عليها رغم حدتها وتصرفها العاق معه ....
____________________________
وقف "هادى" من مقعده على السفرة وقال بهدوء:-
_ مش عاوزة حاجة منى يا صفصف قبل ما أطلع
نظرت والدته إليه وتنحنحت "وصيفة" بتوتر وقالت بهدوء:-
_ والنبي يا هادى تطل على أختك لأحسن شكلها وهى راجعة من الشغل النهاردة مكنش مريحني خالص
عقد "هادى" حاجبيه بدهشة من قلق والدته وسأل بلطف:-
_ ليه؟ حصل حاجة معاها؟
تنهدت "وصيفة" بحزن من تعاسة أبنتها ثم قالت بهدوء شديد:-
_ معرفش يا هادى بس تقريبًا كدة الدكتور مصطفى سافر النهاردة تقريبًا دا تخميني
هز رأسه بنعم ثم قال بهدوء:-
_ متشغليش بالك يا صفصف
أنهى جملته واتجه نحو غرفة "هدير" ليسمع صوت شهقاتها المبحوحة من الداخل وأنين بكاءها المكتوم من هذا الحزن، طرق باب الغرفة وقلبه مفطور على أخته الصغيرة، دلف للغرفة ليراها تمسح دموعها بسرعة جنونية خائفة أن يرى أحد دموعها وقالت بهدوء:-
_ فى حاجة يا هادى؟
تحدث "هادى" بنبرة خافتة محاولًا عدم أحراج اختاه الصغيرة قائلًا:-
_ لا يا حبيبتي، سلامتك كنت جاي اطمن عليكِ ، ممكن أدخل
أومأت إليه بنعم فتبسم ثم دلف إلى غرفتها وجلس أمامها على الأريكة وقال بلطف:-
_ محدش بيهرب من المقسوم يا هدير، ولا النصيب بيتهرب منه يا ضي عيني
هز راسها بنعم موافقة الرأى معه ثم قالت بهدوء شديد:-
_ عندك حق، بس أنت بتقولى دا ليه؟
_ أبدًا جم على لساني قلت أفضفض بيهم وياكِ ، يمكن من الأحداث اللى بتحصل حواليا والمصائب اللى نازلة على قُدس برضو .. كل دى حاجات خليتني أفكر أن محدش بيهرب من المقسوم ونصيبك هيصيبك مهما يعمل البشر، مثلًا شوفى جارحي محاوط على قُدس أزاى وبرضو نصيبها صابها ومعرفتش تهرب منه
أومأت إليه بنعم مقتنعة بحديثه لكن الحزن واليأس يحتلان ملامحها الهادئة وأختفاء "مصطفى" بعد وفأة والدها جعل الخيبة والخذلان يصابان قلبها البرئ، وقف "هادى" من مكانه وقبل رأسها ثم غادر فى صمت ولا يعرف كيف يتصل برجل يخبره أن يأتي ليتقدم لخطبة أخته؟ أليس من المفترض ان يعززها ويأتى "مصطفى" ركضًا لطلبها؟!!........
_______________________________
كانت "قُدس" جالسة فى الفراش بغرفتها الجديدة فى المستشفى مع "ليان" فى غرفة واحدة وتتحدث فى الهاتف مع "مصطفى" قائلة بضيق:-
_ يعنى طيارتك النهاردة الساعة تسعة ، مستغربة أنك مجتش تتطمن عليا ولا تزورني حتى يا دكتور مصطفى
فتح باب الغرفة ودلف "الجارحي" ومعه وجبة صغيرته المُفضلة من الدجاج المقرمشة، سمعها تقول بجدية:-
_ لا ، دودو مش عندى وبعدين أنت هتفضل تهرب منها لحد امتى، أنا بكلمك بصفتك دكتوري النفسي اللى بستشيره وبفضفض معاه وبدفع ثمن دا، لكن خلى بالك يا دكتور أن دودو دى أغلى حد عندى ولو إنت مش عايزها مش هنجبرك عليها ولا انا مثلًا هحاول أوقف رأسين فى الحلال غصب
جلس "الجارحي" أمامها مُندهشة من حديث زوجته مع رجل أخر ورفع حاجبه بعد أن عقد ذراعيه أمام صدرها فقالت بجدية أكثر:-
_ حيرتني معاك يا دكتور، عايزها وسايبها وماشي ...... مرة دكتور قالى اللى يحب يمسك فى حبه بأيده وأسنانه لان الحب فرصة ونعمة ربنا بيكرمنا بيها مرة واحدة فى الحياة كلها ولو راحت عمرها ما بترجع
كانت تذكره بحديثه معها سابقٍ عن حُبها لـ "الجارحي" وأنهت الحوار بحزم تقول:-
_ معرفش، ومش من حقك تسألنى عن أحوال هدير لانها متخصكش ، ثم أن هدير محتاجة رجل بجد يحارب الدنيا والظروف عشانها مش جبان بيهرب من اول مطب فى الطريق
أنهت الحديث باغلق الهاتف فى وجهه دون أن تتركه له مجال للرد أو الجدال معها، نظرت "قُدس" إلى زوجها الغاضب من حديثها مع "مصطفى" لتتابع حدتها معه وقالت:-
_ أتصرف
أندهش من طريقتها وامرها الغريب له وسأل بفضول:-
_ أتصرف فى أى؟ عملتى مصيبة جديدة؟
هزت راسها بلا وهى غاضبة ومزاجيتها حادة جدًا اليوم بسبب الشجار بينها وبين "مصطفى" فقالت بتمرد:-
_ بغض النظر عن ظرافتك المتناهية، لكن لا ، دكتور مصطفى مسافر الساعة 9 وهدير مموت نفسها من العياط والقهرة وبصريح العبارة كدة بتحبه وهو اتقدم أكتر من مرة وكل مرة تتأجل منكم ، أتصرف وحل الموضوع دا النهاردة عشان هدير متستاهلش كسرة القلب دى
_ وأنا هعمل أى ؟ هروح اجيبه من قفاه وأقوله أتجوزها غصب، أديكي قُلتي مسافر يعنى اتخلى عنها
قالها ببرود شديد فقاطعتهما "ليان" وهى تقول بهدوء:-
_ بصرف النظر عن تريقتك بس أه ، روح هاته من قفاه من قلب المطار وجوزهاله، لان الفرصة مبتجيش كتير ولأن الحُب مبيتعوضش ، يعنى مثلا لو صحيت الصبح وقالولك قُدس مسافر وهتسيبك للأبد هتخاف وقتها على كبريائك وغرورك ولا هترجعي تمنعها وتمسك فيها عشان متسباكش
نظر "الجارحي" إلى "ليان" فى حديثها الجنوني حتى ذكرت أسم زوجته فأدار رأسه تجاهها وتذكر هروبها سابقًا منه لبلاد الخارج وكيف عاش سنوات من العذاب فى هجرها له وسرقت النوم من عينيه والبسمة من شفتيه ، تنهد بهدوء وهو يحاول أن يستوعب أن "هدير" عمته المُدللة طيبة القلب ستعيش ما عاشه فى الهجر الآن ليقول بهدوء:-
_ حاضر هتصرف..... يــــزيــد
فتح باب الغرفة ودلف "يزيد" فتبسمت "قُدس" على زوجها المتحكم والمُسيطر ......
_______________________________
فى مطعم على النيل كانت "ليل" جالسة مع "عمران" يتناولا الطعام فى هدوء ليري الممرضة التى دلفت إلى غرفة "ليان" و"قُدس" من بعيد تُشير له فوقف بتعجل وهو يقول:-
_ عن أذنك يا روحي خمس وراجعلك
أومأت إليه بنعم ثم غادر ليسير بعيدًا حتى ذهب إلى الممرضة وسحبها معه تجاه المرحاض فقالت بدلال وهى تضع يديها على صدره:-
_ وحشتني
أبعد يديها عنه بقلق من أن يراهما أحد وقال بتوتر:-
_ أى اللى جابك هنا يا تمارا مش قولنا لينا شقة نتقابل فيها
تبسمت "تمارا" بدلال مُفرط ورفعت يديها تحيط عنقه بإثارة وقالت:-
_ أتصلوا بيا فى المطعم ياكدوا عليا الحجز وعرفت أن حاجز للسنيورة بتاعتك فى مكاننا المُفضل ، قلت لازم أجي أشوف ست الحُسن والجمال اللى فضلت تخطبها فى العلن عني وأنا أتجوزتني عرفي وفى السر
أبعد "عمران" يدها عنه وقال بقلق:-
_ اعقلي وبلاش جنان ومتهديش كل اللى بخطط له من سنين، علن اى وسر أى ما دام فى الأخر عارفة أن قلبي كله ملكك لوحدك
رفعت عينيها الزرقاء نحوه تتطلع بملامحه وشعرها الذهبي المموج مسدول على الجانبين يحيط بوجهها الحليبي ذو البشر البيضاء، فقالت بإثارة ونبرة دافئة:-
_ لو فعلا لوحدي اللى فى قلبك تسيبها دلوقت وتيجي معايا
تنحنح بحرج من عينيها السحرية وهى تلقى عليه تعويذتها الملعون التى سرقت قلبه وجعلته يذوب بمشاعرها فشعرت بيديه تتسلل إلى خصرها بعد أن كان يدفعها لتبتسم بخباثة ودفعت باب المرحاض وهى تدفع هذا الرجل معها ....
أنهت "ليل" تناول طعامها وتعجبت لتأخره وهى تنظر حولها بتوتر من التأخير فرن هاتفه لتنظر إليه بتردد وألتقطت الهاتف بحيرة وخوف من فكرة التجسس عليه وفتحت الهاتف وهى تعرف الرمز السري حين راته سابقًا دون أن يُدرك "عمران" رأت رسالة على الواتس أب من قلب أحمر دون تسمية ففتحت المحادثة بينهم لتُصدم عندما رأت الحديث القائم بين الطرفين عن تسمم "قُدس" و"ليان" عمدًا وتحريض على قتل التوأم ورسائل اخرى غرامية وفتاة ترسل له صور لها بملابس فاضحة لتدمع عينيها بصدمة قاتلة وتركت الهاتف من يدها سريعًا بعد أن محت أى أثر لتجسسها عليه ، دفعت تكلفة الطعام وغادرت تاركة له رسالة على الواتس أب محتواها :-
(أنت سبتني ومشيت روحت فين، أنا مروحة )
فرت هاربة قبل أن يراها ويُدرك أنها رأت شيء فى هاتفه لكن لسوء الحظ أن "عمران" عاد ليراها تغادر المكان فشعر بشيء مُخيف وأخذ اشياءه وغادر، ناداها بقلق من الخلف:-
_ ليل... ليل
كانت منهارة تمامًا وبعد أن سمعت صوته أرتعبت من الخوف أكثر، هذا الرجل قادر على قتل التوأم فماذا سيفعل بها؟ حاولت أيقاف سيارة أجرة قبل أن يصل لها لكن لا جدوي فرأت سيارة "يزيد" وهى تعرفها جيدًا فركضت نحوها وفتحت الباب ليُصدم "يزيد" الذي كان يحملق فى هاتفه وفزع من فتح باب سيارته ليرى الفتاة منهارة من البكاء فمسكت يده بسرعة وهى ترى "عمران" يقترب وقالت :-
_ أمشي بسرعة من هنا
أتسعت عينيه على مصراعيها بجنون وقال:-
_ عملك حاجة؟ أنزله
_أمشي
صرخت بجنون منهارة من البكاء ليضغط على زر التشغيل وتنطلق السيارة بسرعة جنونية فى اللحظة التى وصل بها "عمران" لمقبض الباب وفتحه ............
وللحكـــــــــــــــــــــايـــة بقيـــــــــــــــــــــــــــــــــة ، يُتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع .................
• تابع الفصل التالي "رواية حرب سقطت راءها" اضغط على اسم الرواية