رواية مطلوبه للانتقام الفصل الحادي عشر والاخير 11 - بقلم هبه ابو الفتوح

 رواية مطلوبه للانتقام الفصل الحادي عشر والاخير 11 - بقلم هبه ابو الفتوح

(الفصل الحادي عشر ـ لم ننتهي بعد)

ـ النهارده هتبقى جلسة المحاكمة، جاهز؟
ـ أكيد لازم أكون جاهز، وعارف إن هو هيبقى موجود، حتى لو مش هقدر أمسكه، بس يكفيني طرف خيط يوصلني ليه.
هكذا قالها وهو يضع الهاتف على الطاولة بجواره، ثم تابع ارتداء بدلته الرسمية كان اليوم بالنسبة له أكثر من مجرد جلسة محاكمة، بل هو نصف الطريق نحو نهايةٍ طال انتظارها، نهاية لا تكتمل إلا حين يُطوَّق عنق رشاد بحبل المشنقة لكن يبدو أن هذا اليوم لم يحن بعد، أتاه صوتها من الجهة المقابلة يحمل بين نبراته غضبًا مكتومًا:
ـ كان لازم أستنى شوية وأخلص عليه وأنا بهرب، لأن اللي بيعمله فينا ده مش حلال... ليكون حرام عليه توبة، استغفر الله.
جحظت عيناه مع وقع كلماتها الأخيرة، كأنها خنجر غُرس في صدره نظر إلى الهاتف ثم إلى انعكاسه في المرآة، ليرى وجهًا لم يعد يعرفه. أغمض عينيه، ووضع يده على صدره يتحسس خفقانًا غاضبًا يوشك أن يخرق أضلعه.
تنفس بعمق، التقط الهاتف مجددًا، ثم أمسك بحقيبته بعد أن ألقى نظرة سريعة على هيئته، وغادر الشقة قاصدًا المحكمة حيث سينطق اليوم بالحكم الأخير في قضية بكار النمر
وضع يده على مقبض السيارة، لكن عقله لم يكن هنا... كان عالقًا في حلمٍ لم يستيقظ منه بعد، حلمٍ يتكرر منذ تلك الليلة يشعر وكأنه ما زال يعيش في داخله، ما زال يختنق بنفس الغصّة التي لم تزل تحرق صدره كلما تذكّرها.
كان يتمنى ـ حتى لو في وهمٍ عابر أن يكون قادرًا على إنقاذها، أن يعود إلى تلك اللحظة ليحمل عنها الألم قبل أن يُثقل روحها.
نظر إلى الحقيبة بجانبه، مدّ يده داخلها وأخرج وردة، رفعها إلى أنفه يستنشق عطرها الذي بدأ يتلاشى، تمامًا كما تلاشت هي من حياته.
لقد أراد أن يصنع لها هذا الورد خصيصًا، وردة لا تذبل، لتبقى معها ما بقي العمر... لكنها ذهبت، وظل الورد.
أزاحت الهاتف من على أذنها ببطء، تعجبت للحظة حين أغلق الخط في وجهها دون سابق إنذار، نظرت إلى الشاشة المظلمة ثم وضعت الهاتف في حقيبتها بتنهيدةٍ ثقيلة نهضت من على المكتب وهي تمسك آخر ملفات القضية.. مدّت يدها تفك رباط عنقها قليلًا، ثم مرّرت أصابعها على جبينها تتحسس قطرات العرق التي تساقطت منذ الصباح لماذا تخاف الآن؟ أليست هذه القضية التي سعت خلفها لزمن أم لأن النهاية لم تأتِ كما توقعت؟
ـ يمكن علشان الموضوع ما خلصش زي ما كنت متخيلة... يمكن علشان العدالة لسه مخدتش مجراها.
نظرت حولها بشرود، ثم قالت:
ـ بس هييجي اليوم... هييجي اليوم اللي أتنفس فيه راحة حقيقية، يوم ما رشاد ياخد جزاءه.
عادت إلى المكتب وجلست ببطء، أخرجت الحاسوب وفتحته لتتابع آخر التحديثات عن القضية التي تحوّلت مؤخرًا إلى رأي عام.
كانت الصفحات تمتلئ بعناوين ساخرة وصورٍ تملأ الشاشات
صورة هروب رشاد... التقطتها إحدى كاميرات الصحافة، وهو يهرب داخل سيارةٍ سوداء حدقت فيها بذهولٍ لثوانٍ، ثم انطفأ كل شيء داخلها دفعةً واحدة. أغلقت الحاسوب بعنفٍ و وضعت رأسها بين كفيها، وأخذت تشدّ خصلات شعرها بغضبٍ مكتوم، كأنها تعاقب نفسها:
ـ لا لا، مش معقول! أنا وعدت بكار... وعدته إن أخوه هيتحاكم قدامه، وإن الحكم هيطلع بالإعدام! إزاي أواجهه دلوقتي؟
ضربت بيدها على المكتب بعصبيةٍ وقالت:
ـ فشلت... فشلت فعلاً شاطرة يا جود.
لكنها، رغم كل شيء، رفعت رأسها بعد لحظات ربما لم تنتهِ الحرب بعد، لكنها أقسمت أن النهاية القادمة لن تكون هروبًا آخر.
التقطت حقيبتها من فوق المكتب، وضعت فيها الأوراق على عجل ثم سحبت معطفها من على الكرسي وارتدته بحركةٍ سريعة، وكأنها تحاول الهروب من أفكارها قبل أن تبتلعها. فتحت الباب لتغادر، لكن رنين الهاتف أوقفها فجأة.
نظرت إلى الشاشة بتوجس... رقمٌ غريب ترددت لثوانٍ، ثم أجابت:
ـ الو، مين معايا؟
جاءها الرد من الطرف الآخر بسعادة واضحة:
ـ ما تزعليش... وبلاش تبقي غضبانة، هييجي يوم ونتقابل، بس المره دي هتبقى محاكمتك أنتِ... على إيدي.
اتسعت عيناها في صدمةٍ لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما تحوّل الذهول إلى غضبٍ متقد، تعرف هذا الصوت جيدًا صرخت في الهاتف بصوتٍ مرتجف من الغيظ:
ـ يا حقير يا زبالة أنت ما عندكش القدرة تواجهني وش لوش عشان جبان
ساد صمتٌ قصير على الخط، كأن الطرف الآخر يستمتع بثورتها، ثم جاء صوته بنبرةٍ باردةٍ تستفز الأعصاب:
ـ الجبان هو اللي بيستخبى ورا القانون يا جود.
وقبل أن تفتح فمها لترد، أغلق الخط.
نظرت إلى الهاتف في يدها، عيناها تشتعلان غضبًا، ووجهها احمرّ كالجمر، حتى شعرت أن الهواء أصبح خانقًا من حولها. قبضت على الهاتف بقوةٍ حتى كادت تحطمه بين أصابعها.
رن الهاتف مرةً أخرى، هذه المرة يمان حدّقت به لثانيةٍ ثم أغلقت الشاشة دون أن ترد، لا رغبة لها في الحديث، ولا طاقة لديها لتبرير غضبها التقطت حقيبتها مجددًا، وخرجت
كانت قاعة المحكمة تغصُّ بالحاضرين، أصوات الهمس تتعالى ثم تخفت فجأة كلما تحرك أحد أفراد الأمن وقف العقيد إلى جانب بعض الضباط في الصف الأمامي، بينما كان يمان يقف على بُعد خطواتٍ قليلة وّ يداه متشابكتان خلف ظهره، وعيناه لا تفارق باب القاعة
كل بضع دقائق يرفع معصمه ليرى الوقت ثم يعيد النظر إلى الباب مرة أخرى هتف أحد الضباط وهو يقترب من العقيد:
ـ يا فندم، الأستاذة جود لسه ما وصلتشِ؟
هز العقيد رأسه بالنفي وقال:
ـ اتصلت بيها أكتر من مرة... ما ردتش.
شعر يمان بقبضةٍ تضيق على صدره كلما سمع تلك الجملة لم يكن قلقه مجرد قلقٍ مهني... بل ذلك النوع من القلق الذي يشتعل في داخلك عندما تشعر أنك فقدت السيطرة على ما كان يجب أن تحميه.
أخفض رأسه قليلًا ومرر يده على عنقه، يتنفس بصعوبةٍ، وقال:
ـ يمكن تكون في الطريق... أو يمكن تعبانة بس...
لكن صوته الداخلي لم يكن مطمئنًا.
تسلل إلى عقله صوتٌ خبيثٌ كصوت الشيطان وهو يوسوس له:
ـ تفتكر لو رشاد عرف مكانها؟ لو خطفها تاني؟ يمكن المرة دي عايز يمنعها من المرافعة... يمنع الحكم بالإعدام عن أخوه.
تجمد في مكانه للحظة، أصابعه انكمشت بقوة حتى اسودت أطرافها من شدّة القبضة رفع عينيه نحو العقيد وأردف باندفاع:
ـ يا فندم، أنا هروح لمكتبها أتأكد بنفسـ...
لكن قبل أن يُكمل جملته التفت الجميع فجأة ناحية الباب الكبير للقاعة انفتح الباب بهدوء ودخلت جود بخطواتٍ ثابتةٍ رغم الإرهاق البادي على ملامحها، توقف يمان عن الحركة تمامًا تبعها بنظره حتى جلست في مقعدها المخصص، لم تُلقِ التحية، لم تنظر إليهم، ولم يقرأ على وجهها أي ملامح، لا غضب ولا قلق، فقط ثباتٌ بارد
تبادل الضباط نظراتٍ متوترة، بينما اقترب أحدهم وتمتم ليمان:
ـ شكلها متوترة النهارده.
لكن يمان لم يرد كان ينظر إليها كما لو يحاول أن يقرأ ما وراء ملامحها... هل هي بخير؟ هل حدث شيء؟
وقبل أن يتمكن من التقدم نحوها أو حتى منادتها، دخل القاضي إلى القاعة، فوقف الجميع احترامًا.
ضرب القاضي بمطرقته على الطاولة معلنًا بدء الجلسة، فابتلع يمان كلماته، وعاد إلى مكانه في صمتٍ
بدأت الجلسة، وكان المدعي العام يقف في موقعه، بينما وقف محامي بكار النمر في الجهة المقابلة، يرمق جود بنظرةٍ حادةٍ تحمل الغضب والاستهزاء.
أما هي، فقد رفعت رأسها بثباتٍ لا يخلو من الكبرياء، نظرت إليه بعينين تلتمعان بصلابةٍ لو تحوّلت نارًا لأحرقتهم جميعًا.
بدأت الجلسة في تمام الحادية عشرة صباحًا، جلسَّا القاضي يعتلي المنصّة و يطرق بمطرقته على الطاولة معلنًا بدء المرافعات.
وقف الجميع احترامًا، ثم جلسوا في هدوء
كانت جود تقف في الصف الأمامي.رفع القاضي نظره إليها وقال بصوتٍ رسميٍّ حازم:
ـ تفضلي يا أستاذة جود، الكلمة لكِ.
تقدّمت خطوة للأمام، نظرت للحضور بثقةٍ مشوبةٍ بشجنٍ خفي، ثم بدأت حديثها:
ـ سيدي القاضي... السادة الحضور...
اليوم، نقف أمام جريمة لم تكن وليدة لحظة، بل سلسلة من الدماء التي سالت بلا وجه حق، سلسلة من الخداع والابتزاز، يقف على رأسها المدعو رشاد النمر، ويعاونه شقيقه بكّار النمر، المتهم الحاضر أمامكم… سيدي القاضي، بين يديّ أدلة قاطعة، منها مقطع مصوّر يثبت تورّط المتهمين في قتل الشاهد "كمال الدسوقي" والذي تم العثور عليه بعد ساعاتٍ من استدعائه للإدلاء بشهادته.
هنا تعالت الهمهمات في القاعة، فطرق القاضي بمطرقته قائلاً:
ـ من فضلكم، هدوء في القاعة.
أشارت جود إلى الشاشة المقابلة، ليُعرض الفيديو الذي صوّرته خلسة.
ظهر في المقطع أحد رجال رشاد وبكّار وهما يتحدثان عن تصفيته قبل أن يفتح فمه.
لكنّ محامي الدفاع أعترض قائلًا:
ـ سيدي القاضي، أعترض على هذا الدليل جملةً وتفصيلًا.
رفعت جود حاجبيها وقالت بحدةٍ مضبوطة:
ـ وعلى أي أساسٍ تعترض يا أستاذ عادل؟
ابتسم بخبثٍ وقال وهو يتقدّم خطوة:
ـ أولًا، لأن هذا المقطع تم تصويره دون إذنٍ مسبق من النيابة العامة، مخالفًا بذلك نص المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنصّ علىٰ: "لا يجوز التفتيش أو تسجيل المحادثات أو المراسلات إلا بإذنٍ مسبب من النيابة العامة."
وبذلك، يصبح هذا التسجيل باطلًا قانونًا، ولا يُعتدّ به كدليل إدانة.
ضربت جود بيديها على الطاولة قائلةً بحدةٍ لم تستطع كبحها:
ـ ولكنه دليل واقعيّ! جريمة موثقة بالصوت والصورة! ألا يُعتبر هذا كافيًا لإظهار الحقيقة؟
ابتسم المحامي مرة أخرى بسخريةٍ خفيفة:
ـ الواقع لا يُغني عن القانون يا أستاذة. ما قمتِ به خرقٌ صريحٌ لإجراءات التحقيق، وأنتِ للأسف محامية جنائية وتدركين ذلك جيدًا
نظرت جود إلى القاضي برجاءٍ مكتومٍ وقالت بصوتٍ يرتجف من الغضب المكبوت:
ـ سيدي القاضي... لقد تمّ التصوير في إطار الخطر الداهم، عندما كان القتل واقعًا لا محالة، ولم يكن هناك وقت لاستصدار إذن. هل يُعاقب من حاول إنقاذ العدالة لأنها لم ترتدّ عباءة الإجراءات؟
صمت القاضي للحظة، ثم قال:
ـ هذا لا يغيّر من الأمر شيئًا يا أستاذة الإجراء الباطل لا يُنتج أثرًا صحيحًا.
انخفضت أنفاس جود فجأة، شعرت كأن أحدهم سحب الهواء من القاعة بأكملها التفتت بنظرةٍ خاطفة نحو يمان الجالس بين الحضور، كانت نظرته ثابتةً عليها، لكنها قرأت فيها عجزًا عاد محامي بكّار للكلام بثقةٍ وهو يغلق ملفه ببطءٍ متعمد:
ـ وبناءً عليه، نطلب استبعاد هذا الدليل من أوراق القضية، وإخلاء سبيل موكلي لعدم كفاية الأدلة القانونية.
حاولت جود الاعتراض مجددًا، لكن القاضي رفع يده مقاطعًا:
ـ المحكمة قررت رفع الجلسة للمداولة.
انزلقت الكلمات من فمه كطعنةٍ باردة.
جلست جود في مقعدها، يديها ترتجفان، وهي تشعر بأن صوت القانون اليوم كان أقسى من صوت الظلم ذاته.
تذكرت وعدها لبكّار في الزنزانة، حين قالت له:
ـ العدالة هتنال مجراها.
لكنها لم تتوقع أن القانون نفسه سيقيد العدالة بأغلال الإجراءات.
بعد نصف ساعة، عاد القاضي إلى القاعة، والكل يقف منتظرًا.
قال بصوته الثابت:
ـ حكمت المحكمة حضورياً بمعاقبة المتهم بكّار النمر بالسجن ثلاث سنواتٍ فقط بتهمة حيازة سلاحٍ غير مرخّص، وبراءة المتهم من تهمة القتل لعدم كفاية الأدلة القانونية.
تساقطت الكلمات كالرصاص في صدرها تجمدت جود في مكانها، تحدّق في الورق أمامها دون أن ترى شيئًا، بينما المحامي المقابل يبتسم بخبث رفعت نظرها إلى القاضي بعينين دامعتين، ثم همست لنفسها بصوتٍ مبحوحٍ لا يسمعه أحد:
ـ أهدي يا جود أنتِ ما خسرتيش القضية... لكن القانون هو اللي خسر عدالته.
لم تشعر جود بشيء، كأن الأرض سُحبت من تحت قدميها، وكأن الصوت الذي دوّى في أذنها لم يكن صوت القاضي بل صفعةً على كرامتها.
قبل أن تنهار تمامًا، كان يامان أول من تحرّك ركض نحوها بخطواتٍ سريعة لكن قلبه كان يشتعل خوفًا، مدّ يده بخفّةٍ ثم أمسك كتفها بقوةٍ ليمنعها من السقوط، وضع كفَّه على رأسها بحنانٍ غلب عليه الارتباك، ثم ضمّها إلى صدر رفع رأسه وهو يلتفت حوله بتلهّفٍ وحذر، وفجأة لمحه…يقف على بُعد أمتارٍ قليلة، بثوبه الأسود وسُترةٍ غطّت أغلب ملامحه، لكن ابتسامته الساخرة كانت واضحة كالشمس تجمّدت نظرات يمان عليه، عضّ على أسنانه بقهرٍ مكتوم، وضمّ جود بقوةٍ أكبر إلى صدره وقال:
ـ جود دي مش نهاية القضية ده حكمٌ مؤجّل.
أقسم بالله، أقسم بالله يا رشاد… نهايتك هتكون في الجلسة الجاية.
لكن جود لم تكن تسمع شيئًا. كل ما تبقّى في وعيها هو صدى صوت القاضي وهو ينطق بالحكم، ونظرة المحامي التي لم تفهم معناها بدأت أنفاسها تتسارع، وارتجف جسدها الصغير بين ذراعي يمان حتى خارت قواها تمامًا حينها تدخّل العقيد بخبرة الميدان، اقترب منها وامسكها من ذراعيها بقوةٍ وهو يهزها برفق:
ـ جود، فُوقي ده مش وقت الانهيار شوفي رشاد! واقف وشايفك وشمتان فيكِ، هو ده اللي عايزه؟!
رفعت جود رأسها ببطءٍ وكأنها تخرج من غيبوبة، تبعت نظرات العقيد لترى ما يشير إليه يمان، وهناك… على الطرف الآخر من القاعة، كان رشاد ما زال واقفًا، يرفع يده يلوّح بابتسامةٍ تنزف شماتة، ثم اختفى بين الناس الازدحام التفتت نحو يمان وقالت:
ـ شكل قضيتنا ما انتهتش يا يمان وهتطول.
أبتعد عنها عندما أدرك الوضع وقام بعدل ملابسه ثمَ مدّ يده نحوها باحترام، وبعد أن أدّى التحية العسكرية قال بثباتٍ يشبه القسم:
ـ وأنا جاهز يا فندم لإتمام المهمة حتى لو بعد قد إيه

صمت يمان لثوانٍ، ثم قال بتوترٍ واضح:
ـ بصي... هو أنا عارف إن الموضوع غريب، بس أنا كنت مأجله من زمان، ومش عارف دلوقتي أخد الخطوة ولا لأ.
نظرت له جود بتعجب، وأشارت له أن يُكمل، وكأن الكلمات عالقة في حلقها.
أخرج خاتمًا من جيبه، ووضعه أمامها بخجلٍ لم يعتده أحد منه. استردت وعيها تدريجيًا وهي تنهض من على الكرسي، تحدق فيه باندهاش وقالت وهي تضع يدها على رأسها بألم:
ـ أوعى تكون يا يمان عاوز تتقدّم لي... وإحنا في المحكمة؟ وبالمنظر ده؟ وفي الحالة اللي أنا فيها دي؟!
كتم العقيد ضحكته واضعًا يده على فمه، وخلفه بعض الضباط الذين بدأ كلٌّ منهم ينظر في اتجاهٍ آخر كي لا تنجرح من ضحكاتهم المكتومة.
أما يمان فحمحم بإحراجٍ وقال:
ـ يعني بصي... هو الموضوع غريب شوية، بس اعتقد إننا بنعمل أي حاجة فدا مصر، وعلشان المهمة تبقى صح... فلازم نضحي لأجل مصر... وعيون مصر... وشطارة مصر.
قطّبت حاجبيها بشك وقالت:
ـ اممم يعني المهمة مش هتنجح إلا لما نتجوز؟
رفع كتفيه بحركةٍ تنم عن الجهل بالأمر، فالتفتت إلى المحكمة، ثم إلى المحامي الذي ما زال يُرتّب أوراقه ويتحدث مع بكار، قبل أن تزفر بجهدٍ وتقول وهي تمد يدها له:
ـ وأنا موافقة... كله لأجل مصر، ونجاح مهمة مصر!
ابتسم وهو يقترب منها ليضع الخاتم في إصبعها، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وسألته بتردد:
ـ هو ده... نفس الخاتم؟
نظر إليها باستفهامٍ في البداية، ثم ما لبث أن أدرك ما تعنيه، فهزّ رأسه نافيًا بصمت عندها أعادت يدها له بثقة، فوضع الخاتم بأنامله.
تعالت التصفيقات من حولهم، وضحك الضباط بتعجب وقال أحد أصدقاء يمان مازحًا:
ـ طول عمرك يا يمان غريب الأطوار في كل حاجة، حتى اليوم اللي هتكمل فيه نص دينك...
نظر إليه يمان بحدّة، فابتلع الآخر كلماته سريعًا وأكمل مصححًا:
ـ أقصد يعني... لأجل مصر طبعًا! في قلب المحكمة ولسه خارجين من قضية فاشلة؟! إيه ده؟!
أنهى كلماته بضيقٍ ساخر وهو يغادر واضعًا كفًّا على كف، لتنفجر الضحكات من خلفه.
ومن هنا... بدأت قصةٌ جديدة، بأحداثٍ جديدة.

عزيزي القارئ
تمت بحمد الله
لكن مهلاً… لا تحزنوا، فالنهايات الحقيقية لم تُكتب هنا فكل حكاية تنتهي تترك خلفها خيطًا صغيرًا يقودنا إلى بدايةٍ أخرى.
ولأن القدر لا يهوى الفُراق، ستجدون يمان وجود مرةً أخرى، ولكن في مكانٍ آخر… بين رمادٍ فاضت به الروح عشقًا.
فهناك، ستكتمل الحكاية التي لم تنتهِ بعد.
راقبوا الرماد حين يفيض… فهناك ستعود الأرواح التي ظننتم أنها رحلت

لقراءة ومتابعة روايات جديده وحصريه اضغط هنا

•تابع الفصل التالي "رواية مطلوبه للانتقام" اضغط على اسم الرواية

تعليقات