رواية من نافذة قلبي الفصل السابع 7 - بقلم مروة نصار

 رواية من نافذة قلبي الفصل السابع 7 - بقلم مروة نصار

الفصل السابع

نظرت له دينا بغضب شديد ، ثم أغلقت باب السيارة ، وجلست بأعتدال في مقعدها ، ونظرت للأمام وقالت بحدة : أتفضل أمشي ، ومش عايزة أسمع صوتك طول الطريق . أصدر حازم همهمة كان فيها يحدث نفسه قائلاً : ايه البت الهبلة دي ، ده بدل ما تقول شكرا ، البلاوي دي بتتحدف علينا منين بس يارب .
سمعت دينا همهمته فقالت : أنا مش قلت مش عايزة أسمع صوتك . فأجابها قائلاً : وانا نطقت ، ما أنا مكتوم أهو ، ربنا يهون علينا ، ثم تحرك سريعاً بالسيارة كأنه في سباق يريد أن يفوز به .
جلست دينا مذعورة ، متشبثة في مقعدها بكلتا يديها الاثنتين ، وجسدها يترنح يميناً ويساراً في كل مرة يقوم فيها بالألتفاف بالسيارة ، كانت تشعر كأنها تستقل قطار الرعب في مدينة الملاهي ، حاولت أن تسيطر علي ذعرها حتي لا ترضي غروره وتجعله يشعر بأنه انتصر عليها .
أما حازم فقد كان يقود بسرعة شديدة وهو يشعر أنه لا يستطيع أن يتمالك نفسه من الغضب ، يريد أن يصل بها سريعاً وينتهي من هذا اللقاء الكارثي . اجتاز حازم المسافة والطرق في وقت قياسي ، حتي وصل بها إلي ( ميدان الحجاز ) ثم قال لها وهو يرفع يديه بطريقة درامية كأنه يطلب الأذن : ممكن لو سمحتي اتكلم .
فقالت له : نعم عايز ايه .
فأجاب ببرود : ممكن تتكرمي وتقوليلي بيتكم منين .
فأجابت بنفس البرود : اتفضل أمشي علي طول علي اليمين جنب محل العصير .
فقال لها : خلاص عرفت ، وقاد السيارة بسرعة شديدة جعل الأطارات تصدر صريراً شديد حتي وصل للمكان .
غادرت دينا السيارة وأغلقت الباب خلفها ثم انحنت ونظرت له من النافذة وقالت : عشان لما أقول عليك مجنون ، ما تعترضش ، أنا نفسي أفهم دي منظر سواقة ضابط ، أمال المجرمين بيسوقوا أزاي ، ثم نظرت له نظرة أستخفاف وتركته ورحلت . جلس حازم في السيارة وهو يشعر أنه سينفجر من الغيظ لدرجة جعلته يسدد بعض اللكمات للمقود أمامه ثم قال : يا بنت المجنونة ، انا سواقتي سواقة مجرمين ، أنا تهزقيني كده ، ده أنتِ حتي مقلتيش شكرا ، ماشي يا دينا يا بنت سليم والله لأطلعه عليكي ، أنا هاوريكي شغل المجرمين علي حق .

مع صباح يوم جديد وأشراقة شمس جديدة ، نهض سيف من نومه كعادته مبكراً في السادسة صباحاً ، ولكنه كان مختلف ، كان يشعر بالبهجة علي غير عادته ، استعد سريعاً وأرتدي حلة أنيقة باللون الأزرق الداكن ، ثم غادر مسرعاً بعد أن ألقي تحية الصباح علي والديه ، وأحتسي معهم قدحاً من الشاي بالحليب ، تصر والدته يومياً علي أن يتناوله قبل خروجه للعمل .

بعد خروجه من المنزل ، جلست والدته مع والده في الشرفة وظلت تتابعه بعينيها حتي تحرك بسيارته وأختفي عن الأنظار . استشعر والده أن هناك ما تخفيه زوجته عنه ، عندما وجدها شاردة ويبدو عليها القلق الشديد فبادر بسؤالها : مالك يا أبتسام فيكي أيه ، شكلك مش طبيعي . انتبهت زوجته وأجابت : مشكلة كبيرة يا جلال ، ومش عارفة حتنتهي ازاي .
أعتدل زوجها في جلسته وأقترب منها ممسكا بيدها وقال : خير يا حبيبتي ، قلقتيني . تنهدت أبتسام كأنها تخرج بتلك التنهيدة كل ما يجيش بصدرها وقالت : أبنك بيحب واحدة مطلقة وعندها بنت ، وقال أيه عايز يتجوزها ، بذمتك ده يرضي ربنا ، شاب لسه مدخلش دنيا ويبقي أول بخته ، واحدة سبق لها الجواز وكمان حياخدها ببنتها .
صمت جلال قليلاً ثم أردف قائلاً : أنتِ تعرفيها ، شوفتيها قبل كده ، تعرفي أي حاجة عنها . فأجابت : لا ,اسند جلال ظهره إلي المقعد ، ومرر يده في شعره وهي يحاول أن يفكر بطريقة سليمة ثم قال لزوجته : بصي يا أبتسام ، تعالي نتكلم بعقل شوية ، أنا فاهم كلامك كله ، بس احنا مينفعش نحكم علي الموضوع بالطريقة دي ، أولاً أبنك مش صغير ، ابنك بقي راجل ، يعرف يحكم عقله كويس ويعرف يختار كويس ، ولو أبنك واحد طايش أو ممكن أي واحدة تضحك عليه ، كان زمانه أتجوز من زمان ، لكن ده بيشوف أشكال وألوان ولا بيفرقوا معاه ، يبقي أكيد هو شايف فيها حاجة مختلفة مش موجوده في غيرها .
ثانياً أبنك من زمان من أيام الجامعة مدخلش الحب قلبه خالص ، مينفعش بعد السنين دي كلها واحنا كنّا بنستني اليوم ده ، نجئ نرفض دلوقتي ، كده أنتِ مش عايزة تبقي جدة خالص .
ثالثاً بقي مينفعش تحكمي علي البنت من غير ما تشوفيها مش يمكن تطلع أحسن من البنات اللي لسه متجوزوش، شوفيها الأول وبعدين أحكمي عليها .
رابعاً ودا الأهم احنا كل اللي يهمنا سعادة أبنك ، ومينفعش نقرر حاجة بداله ، دي حياته وهو حر فيها .
فأجابت أبتسام وهي تشعر بالحيرة : الكلام النظري حلو ، لكن علي أرض الواقع ده كلام أنشاء ، أنا مش مقتنعة ان كل البنات مش كويسين والمطلقة بس هي اللي كويسة ، وبعدين لو هي كويسة أتطلقت ليه .
فأجابها جلال وهو يشعر بدهشة من كلامها : أنتِ اللي بتقولي كده ، والا عشان الموضوع يخص أبنك ، ناسية ليلي صاحبتك ، ناسية جوزها كان بيعمل فيها أيه ، ناسية أستحملت ازاي وفضلت ساكتة لحد ما ماتت من الحسرة ، ناسية أن كلنا كنّا بنقولها تتطلق وهي كانت بترفض لأنها خايفة من نظرة المجتمع ليها ، زي نظرتك دي دلوقتي ، أكيد البنت دي أقوي من صاحبتك لأنها عرفت تأخد القرار .
صمتت أبتسام قليلاً ثم قالت : ايوه بس دي مخلفة ، يعني حيربي بنت واحد تاني ولما يخلف بقي الوضع حيبقي ازاي ، وتضمن منين الست تكون فعلا كويسة .
تنهد جلال ثم قال : مفيش حاجة مضمونة ، بس هافكرك بحاجة واحدة يمكن تعقلي شوية ، الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج السيدة خديجة اللي أكبر منه بخمستاشر سنة وكانت متزوجة من قبله وهو كان أول مرة يتجوز ، ها قولتي أيه في الكلام ده ، أقتنعتي والا لا .
نظرت ابتسام لزوجها وأبتسمت وهي تقول : طول عمرك بتعرف تقنعني ، خلاص لما يجئ بالليل هاقوله نشوفها ونتعرف عليها .
ابتسم زوجها وقال : عين العقل .

وكعادته كان يجلس في تمام الثامنة علي مكتبه بالرغم من توقفه في الطريق ، لشراء بعض المخبوزات مثل ( الكيك ، الباتيه ، الكب كيك) ، كفطور ليتناوله معها ، جلس يباشر عمله وهو يشعر بالحماس الشديد ، واللهفة كلما أقترب الموعد الذي سيراها فيه . أما ميس فقد كان جميع من في البيت مستيقظ في تمام السادسة ، وتجمعوا علي مائدة الفطور ، ثم استعدت ميس وارتدت طقم مكون من جاكيت وبنطلون كلاسيك باللون الأسود ، وأسفل الجاكيت ارتدت بلوزة حريرية باللون الأوف وايت ، مطعمة بالدانتيل من علي الصدر ، وبها شريط طويل من علي الرقبة يربط ليشكل عقدة رقيقة ، فراشية الشكل ، كانت ملابسها كلاسيكية تناسب الأجتماع ، ثم جمعت شعرها كله لأعلي بمشد خاص بالشعر ، وتركته يتدلي من الخلف . وفِي أثناء ذلك ، كانت السيدة فاطمة تساعد مريم في ارتداء ملابسها وتحضير حقيبتها ، لتأخذها والدتها إلي المدرسة في طريقها .
خرجت ميس من غرفتها حاملة حقيبتها وحقيبة أخري خاصة بالعمل ، وغادرت البيت مع أبنتها متوجهة للمدرسة ثم العمل .
كانت ميس في مكتبها في تمام الثامنة ، وعندما دخلت وجدت دينا جالسة تقوم بأعداد كل الأفكار والخطط المناسبة لشركة سيف ، حتي تأخذها معها ميس وتقدمها في الأجتماع . ميس : صباح الورد والياسمين علي أحلي دينا في الدنيا .
دينا بدون أن ترفع وجهها من علي الأوراق التي أمامها : صباح العسل والسكر يا ستي ، شكل الغزالة رايقة النهارده .
جلست ميس أمامها وهي تبتسم وتقول : طبعا رايقة ، شغل جديد وأن شاء الله يبقي خير لينا ويفرق معانا في مستقبلنا .
تركت دينا ما بيدها وأعتدلت في جلستها ونظرت لصديقتها وقالت : والله ، يعني ده بس اللي مخليكي مبسوطة كده .
عقدت ميس حاجبيها في دهشة وقالت : تقصدي ايه . فأبتسمت دينا بخبث وقالت : يعني يمكن عشان هاتشوفي سي سيف الحديدي ، الواد العسل السكر ده .
غضبت ميس من كلمات صديقتها وقالت : وأنا يفرق معايا أيه في أني أشوفه والا لا . دينا بهدوء : بصي يا ميس يا أنتِ غبية ، ياما عاملة نفسك غبية ، لو مش شايفة أهتمامه وأعجابه بيكي ، الراجل واقف معاكي من غير ما يكون في بينكم أي صلة أو معرفة ، مهتم بيكي وخايف عليكي ، والأهم عايز يحميكي دايما ، ده غير نظرة الحب اللي واضحة أوي في عينيه ، حضرتك بقي عايزه ايه تاني .
صمتت ميس وهي تحاول أن تستجمع شتات أفكارها ، هي تعلم أن ما تقوله دينا قد يكون صحيح ، لقد شعرت به وبأهتمامه ، ولكن لم تحاول أن تصدق ذلك ، حاولت أن تتجاهل الأمر ، بل حاولت أيضا أن تكبت قلبها ، أن تسجنه حتي لا يعارض عقلها ، حتي لا يغافلها ويتمرد عليها ، ولكن حتي لو سجنت قلبك بداخل ألف زنزانة لتسيطر عليه ، سيفتحهم جميعاً بسهولة ويسيطر هو عليك . تحدثت ميس بعد فترة صمت وقالت : عايزة بنتي ، ومش ناوية أخسرها مهما حصل ، حتي لو خسرت حياتي كلها عشانها ، المهم هي .

استمعت دينا لصديقتها ، وصمتت لأنها لا تستطيع مجادلتها في هذا ، وهي تعلم علم اليقين أن بمجرد أن تتزوج ميس ستحرم من طفلتها ، ثم حدثت نفسها ولكن بصوت مرتفع قائلة : أنا نفسي أفهم ليه بيحكموا علي الست أنها تعيش ميتة ، يعني عشان تفشل في جوازة تفضل طول حياتها عايشة لوحدها عشان متخسرش ولادها ، مين يقول كده . فأطلقت ميس تنهيدة وقالت : يلا أنا هانزل عشان متأخرش علي الميعاد ، جمعي كل الشغل عشان أخده معايا .

مرت الدقائق والثواني علي سيف ببطء شديد ، كان ينتظر ان تدق الساعة التاسعة بفارغ الصبر حتي يراها ، وبالفعل حان موعد اللقاء ، ووجد سيف مدير مكتبه يستأذنه في دخول المهندسة ميس بحسب الموعد المحدد لها . وقف سيف ينتظرها وبمجرد دخولها ، أشار لمدير المكتب بالأنصراف . ثم قام بالالتفاف حول المكتب ليذهب إليها ويرحب بها : يا اهلًا بالمهندسة ميس ، نورتي الشركة . ابتسمت ميس وقالت : اهلًا بيك مستر سيف .

في مكان أخر وبالتحديد بيت صلاح ، كان يجلس علي الأريكة يحتسي قهوته وينفث دخان السيجارة المشتعلة التي في يده ، وأثناء ذلك سمع رنين هاتفه يعلن عن قدوم مكالمة ، التقط الهاتف بيده ورأي الأسم الظاهر أمامه علي الشاشة ، وكأنه كان في أنتظار هذا الأتصال ، فأجاب بلهفة كبيرة : الووو ، ايه ، في أخبار جديدة .
.............
صلاح : بقي كده ، يعني هي دلوقتي عنده .
................
صلاح : بقالها كتير هناك .
...................
صلاح : ماشي ، لو في أي جديد عايز أعرف علي طول ، سلام .
ثم قطع الأتصال وهو يشعر أنه قد وصل إلي درجة الغليان ، ظل جالس يفكر حتي لمعت عيناه بفكرة وبدأ في تنفيذها ، فألتقط هاتفه مرة أخري وقام بعمل اتصال وبعد بضعة ثوان جاءه الصوت الذي يريد سماعه : .....
صلاح : ايوه يا حبيبتي أزيك ، وحشتيني أوي .
...............
صلاح : لو أنا كنت واحشك بجد كنتي سألتي عليا .
...................
صلاح : طيب ما تيجي ، أنا قاعد مستنيكي في البيت ، النهارده هاخده ليكي يا قلبي أجازة ، وهاقضيه كله معاكي ، بس متتأخريش عليا ، وهاتي معاكي الطقم اللي بحب أشوفه عليكي .
.......................
صلاح : سلام يا عمري .
أغلق صلاح الهاتف ثم جلس وهو يشعر بالنشوة لمجرد أن راودته فكرة ، سوف تجعل ميس تأتي راكعة تحت قدميه ماذا يخطط صلاح ؟ وهل ستنجح خططه ؟ انتظروني مع القادم. عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية من نافذة قلبي" اضغط على اسم الرواية

تعليقات