رواية من نافذة قلبي الفصل السادس 6 - بقلم مروة نصار

 رواية من نافذة قلبي الفصل السادس 6 - بقلم مروة نصار

الفصل السادس

وقف سيف مصدوماً من كلمات والدته ، لا يقوي علي الحركة ولا التفكير ، من المستحيل أن يخسر والدته ،وأيضا لا يستطيع أن يكسر قلبه بعد أن دق من أجلها أخيراً ، نعم هو لا يعلم أن كانت ستوافق عليه أم لا ، ولكنه فضل أن يتحدث مع والدته قبل أن يخطو أي خطوة في هذا الموضوع ، كان يتمني أن يحصل علي موافقتها حتي يطمئن قلبه ، ولكن الأن ماذا يفعل ؟، لا يستطيع ان يجرح والدته ، وأيضا لا يستطيع أن يبتعد عنها ، فهي تحتاج إليه ، حتي لو رفضته كحبيب ، هي تحتاج لوجود شخص بجوارها ، هي تحتاج الحماية والأمان ، وهو لا يستطيع أن يتخلي عنها ، ليس الأن حتي لو طلبت منه هذا لا يستطيع .

مرت عدة أيام وسيف يحاول أن يكون بجوار ميس، لقد كان يساعدها في أعادة المكتب كما كان ، وأصر علي أن يأخذها يومياً من المنزل في طريقهما للعمل ، ثم يعود بها بعد أنتهائه ، أصر علي ذلك وكان تبريره لها : حتي نعلم من فعل هذا . وفِي يوم من الأيام ، وبعد الحادثة بثلاث أيام تقريباً ، كانت ميس و دينا في المكتب ومعهم سيف ، يعملوا علي قدم وساق ليعيدوا المكان كما كان ، وأثناء ذلك سمعت دينا صوت هاتفها يعلن عن قدوم مكالمة ، فذهبت إلي الغرفة الأخري حيث تركت الهاتف لتري من المتصل ، وتركت سيف وميس بمفردهما ،جلس سيف قليلاً ليستريح ثم قال : علي فكرة عندي ليكي مفاجأة حلوة كنت عايز أقولهالك من كام يوم بس اللي حصل خلاني أستني شوية . تركت (ميس )ما كانت تفعله وذهبت لتجلس بجواره وقالت وعينيها تلمع من فرط الفضول : بجد مفاجأة ، طيب أيه هي ؟. فقال : لا أتحايلي عليا شوية . فنظرت له بنفاذ صبر وقالت : لو سمحت قول بقي . فأجابها بأبتسامة : خلاص حأقول وأمري لله ، أعملي حسابك بكره عندك ميعاد معايا علي الساعة ٩ صباحاً ، في مكتبي عشان نناقش تفاصيل الديكورات اللي محتاجين حضرتك تعمليها لشركتنا .

نظرت له بدهشة ممزوجة بفرحة كبيرة وقالت : أنت بتتكلم جد . فأجابها بجدية مصطنعة : وأنا هاهزر في الشغل . فقالت وهي تشعر بأمتنان كبير له : بجد يا سيف أنا مش عارفة أقولك ايه ، انت بتعمل عشاني كتير وأنا مش عارفة أرد كل ده أزاي . فضحك قائلا : عشان بخيلة ، عمرك مرة فكرتي تغلطي وتعزميني علي الغدا عندكم ، والا الهانم مش بتعرف تطبخ وخايفة تتكشف .

فأجابته وهي تتحدث بثقة كبيرة : مين دي اللي مش بتعرف تطبخ ، طب ده أنا ممكن أعمل دكتوراه في فن الطبخ . فأجابها : لا يا بشمهندسة ، أنا اللي أحدد ده مش أنت ، أنت عليكي تطبخي وانا عليا أكل وأقول رأيي . فأبتسمت وقالت له : اتفقنا ، بكره حضرتك معزوم علي العشاء عندنا . فقال لها : اتفقنا .

أما دينا فعندما توجهت للغرفة لتري من المتصل ، كان الرقم الظاهر علي الشاشة ، رقم غريب لا تعرفه ، ترددت قليلاً ثم قبلت الأتصال : الووو

.....: الوووو

دينا: مين معايا .

......: ايه مش فاكرة صوتي .

دينا : بقولك أيه أنا مش فايقة ، والعفاريت بتتنط في وشي ، حتخلص وتقول مين والا أقفل في وشك .

......: ما شاء الله قطر ماشي وبيأخد أي حاجة في وشه ، أنتي علي طول كده ، والا أنا بس اللي بجيبلك حساسية وبتقلبي بالشكل ده .

صمتت دينا قليلاً ثم قالت بصوت متردد : حازم . فأجابها : ايوه حازم ومالك خايفة وأنتِ بتقوليها كده ليه .

فأجابت بحدة : ايه خايفة دي ، وأنا هأخاف ليه أن شاء الله .

حازم: يا بنتي أهدي شوية ، انتي كله عندك خناق ، مبتعرفيش تتكلمي طبيعي .

صمتت دينا حتي تتمالك نفسها من الغضب ثم قالت : نعم يا حضرة الضابط ، ممكن أعرف سبب تشريف حضرتك ليا بالمكالمة دي .

حازم: عايز أشوفك .....

فأجابت بأندفاع : ايه عايز أشوفك دي ، هو انا صاحبتك والا في بينا سابق معرفة ، يعني ايه عايز اشوفك ، انت بتستظرف ....

فقاطعها حازم بغضب وقال : أسكتي شوية ، أفصلي يا شيخة ، يخربيت كده ، ايه ده ، انت عايزة تتخانقي وخلاص ، وبعدين مش تصبري لما أكمل كلامي ، أنا هأعوز أشوفك ليه الا عشان القضية ، ايه تاني ممكن يخليني أطلب الطلب ده .

شعرت دينا بالخجل الشديد وقالت والكلمات تتلعثم علي شفتيها : أنا .. أنا ... أنا أسفة فهمتك غلط ، ثم حاولت تغيير الموضوع فقالت : هو حضرتك وصلت لحاجة .

حازم : في معلومات محتاج أعرفها من حضرتك حتفيدني في القضية ، ياريت لو يناسبك تعدي عليا في القسم حاسألك شوية أسئلة .

دينا بقلق : أيه قسم ، لا أنا مش بدخل أقسام ، لا ما ينفعش .

صمت حازم قليلاً ثم قال : خلاص ، حأعدي علي حضرتك الساعة ٨ عند المكتب ، في كافيه في الشارع اللي وراكم نقعد نتكلم فيه .

دينا : خلاص أتفقنا ، وأنا عارفة الكافيه حتلاقيني قاعدة فيه الساعة ٨ بالضبط ، مش محتاج تعدي عليا .

حازم : اتفقنا ، مع السلامة .

دينا : مع السلامة .

خرجت دينا بعد المكالمة ، فوجدت ميس تنظر إلي ساعتها وتقول : الساعة بقت ٧ بقول كفاية كده النهارده ونروح ، يلا يا دينا .

فأجابتها دينا : لا أنا حأقعد لغاية ٨ أخلص شوية حاجات وبعدين هامشي عشان عندي مشوار ، روحي أنتي وأشوفك بكره . فقال سيف : طيب يلا يا ميس أوصلك قبل ما أروح ، ثم نظر لدينا وقال :طيب أنتي مش محتاجة حاجة يا دينا . فأجابته : لا شكرا .

غادرت ميس مع سيف وظلت دينا في المكتب ، وأستمرت في العمل حتي يحين الموعد المحدد ...


وفي مكان أخر في أحدي المدن الجديدة وبالتحديد مدينة الشيخ زايد ، جلس صلاح مع نادر صديقه في بيته يتحدث معه . نادر : أنا مش فاهم أنت عايز أيه بالضبط ، أنت مش طلقتها خلاص ، عايز أيه تاني منها ، وأوعي تقولي بنتي ، أنا عارفك كويس ، أنت أصلاً البنت ولا فارقة معاك ، يبقي كل الأفلام دي ليه . صلاح وهو يكاد ينفجر من شدة الغضب : كده مزاجي كده ، ميس دي حاجة بتاعتي ، وأنا مبحبش حد يأخذ حاجتي ، طلقتها اااه ، لكن تفكر تروح تحب وتتجوز يبقي أخر يوم في عمرها . نادر بدهشة : أنت مجنون يا صلاح ، أيه اللي بتقوله ده أنت عايز تقتلها . صلاح وهو يبتسم بخبث : لا مش من أولها كده ، أنا حأوجع قلبها الأول شوية ، هاخليها تموت في اليوم ألف مرة ، عشان تبقي تعرف تروح ترفع قضية خلع وتخلعني كويس ، أنا هاخليها تندم علي اليوم اللي شافتني فيه .


أوشكت الساعة علي الثامنة ، فأنهت دينا ما تفعله وأستقلت المصعد ثم توجهت إلي المقهي المتواجد بالشارع الخلفي ، دخلت دينا إلي المقهي وبحثت ببصرها في جميع أركان المقهي حتي وجدته يجلس هناك علي مائدة بجوار النافذة ، فذهبت إليه وهي تشعر برجفة بسيطة قد أنتابتها لا تعلم لماذا ، لقد كان لا يرتدي زيه الرسمي ، كان يرتدي ملابس كلاسيكية تجعله غاية في الوسامة . فهو شاب وسيم طويل القامة ، رياضي بحكم مهنته ، هو وسيف يجمعهم حب الرياضة وخاصة رياضة الجودو ، يتميز بشعره الأسود الكثيف وملامحه الشديدة الرجولة وبشرته السمراء البرونزية ، وعيونه الحادة الذي بلون العسل الصافي ، جاذبيته تكمن في شخصيته التي تظهر علي وجهه لتزيده وسامة . أما دينا فهي فتاة هادئة الملامح ، ذات جمال رقيق ناعم ، لها بشرة سمراء جميلة ، وعيون سوداء واسعة ، وشعر أسود مموج كموج البحر دائما تجمعه للخلف، ترتدي نظارة طبية تخفي جمال عيناها ، روحها جميلة ونقية ، لم تتزوج إلي الأن بالرغم من أن عمرها في نفس عمر صديقتها وذلك لأنها لم تجد الحب إلي الأن ، عصبية ، متسرعة ، وعفوية .

رأي حازم دينا قادمة فنهض من مكانه ليستقبلها ، وعندما وصلت إليه مد يده ليصافحها قائلاً : أهلا بيكي أنسة دينا . فأجابت : أهلا حضرة الضابط . ثم جلسا وبادرت دينا بالحديث مباشرة قائلة : خير يا فندم ، حضرتك محتاج تعرف أيه .

فنظر لها بدهشة وقال : طيب أصبري الأول نشرب حاجة ونتكلم ، أنا جاي من الشغل مصدع ومحتاج أشرب قهوة عشان أقدر أسمعك .

نظرت له دينا وهي تعدل من وضعية نظارتها في حركة أصبحت عادة عندها ، تفعلها دائما عندما تكون قلقة أو تشعر بتوتر أو حرج وقالت له : مفيش مشكلة ، بس يا ريت بسرعة عشان الوقت اتأخر ، وأنا لسه مشواري بعيد . فقال لها : تحبي تشربي أيه . فأجابت وهي تنظر في أتجاه النافذة حتي لا يلاحظ توترها : قهوة مضبوطة . أبتسم حازم وأشار بيده للنادل ليأتي ثم قال له : اتنين قهوة مضبوطة لو سمحت ، ثم أكمل كلامه لها : أول مرة أقابل بنت بتشرب قهوة ومضبوطة كمان . فنظرت له وقالت : وهي القهوة كمان فيها بنت وولد . فأجابها بهدوء : لا طبعا مش قصدي ، بس غالباً البنات مش بتحب القهوة عشان طعمها المر ، عامة أسف علي الملاحظة دي هي بس حاجة مش بشوفها كتير .

شردت دينا قليلاً مع صوته ، لقد كان تأثيره عليها غريب لم تعهده من قبل فهو يملك صوتاً قوياً ، به نبرة مميزة هادئة ، ثم تنبهت علي صوته وهو يهتف بأسمها قائلاً : أنسة دينا ... أنسة دينا ... دينا .

شعرت بأحراج شديد وقالت : هااا ، أيوه ... أنا ... أصل ... أسفة بس سرحت شوية ، أفتكرت بس حاجة ، أسفة كنت بتقول أيه . نظر لها حازم وهو يقول لنفسه : أيه البنت المروشة دي ، ثم تحدث وقال : مفيش مشكلة ، كنت بقول لحضرتك أنت ساكنة فين . فأجابت دينا : في مصر الجديدة . فأبتسم حازم وقال : احنا جيران بقي ، أنا ساكن في سانت فاطيما . فأبتسمت وقالت : انا في ميدان الحجاز . فقال لها : خلاص يا ستي متشغليش نفسك ، هاروحك معايا . فأجابت بحزم : أنا مش بركب مع حد غريب . فقال بمنتهي الهدوء : وهو سواق التاكسي حد تعرفيه ، قريبك يعني . فأجابته : أظن كلامي مفهوم وواضح ، ده حاجة ودي حاجة تانية خالص . فتحدث بنفس الهدوء : أعتبريني أوبر وأركبي وراء لو تحبي .

نظرت له بحدة وقالت : حضرتك كنت عايز تسألني في أيه بالضبط . أنحني حازم بجذعه قليلاً متكئاً علي النافذة بجواره وقال : ممكن أعرف مين اللي عمل كده ، أنا متأكد أنكم شاكين في حد ، بس مش عايزين تقولوا ، وأنا مش حأقعد أضيع وقتي وأنتم مش عايزين تقولوا أي معلومات . نظرت له دينا وهي تعلم أن ما يقوله هو المنطق

ثم تنهدت تنهيدة قوية وقالت : أنا هاقولك كل حاجة ، أحنا شاكين في طليق ميس ، أسمه صلاح الدين السوهاجي ، مهندس ديكور زينا ، كان شغال معانا في الشركة القديمة قبل ما نسيبها ، أنسان سئ ومؤذي لأقصي درجة ممكن تتخيلها ، ميس رفعت عليه قضية خلع ، ومن وقتها وهو هايتجنن وعمال يحاول يأذيها بأي طريقة ، حاولت معاه كتير بالمنطق وبالعقل أنه يتعدل عشان حتي بنته لكن للأسف مفيش فايدة ، أستحملت معاه حاجات صعب أي واحدة تتحملها ، ودلوقتي كمان مش سايباها في حالها .

استمع حازم لحديث دينا ثم قال لها وهو يشعر بالدهشة : طالما أنتِ عارفة كده ، ليه روحتي شاركتيها في المشروع ده ؟ . فنظرت له بدهشة أكبر وقالت : يعني أيه ، أسيب صاحبتي وأقول يلا نفسي ، أزاي يعني ، وبعدين هيا ذنبها أيه ، ده نصيب وربنا أكيد حيقف معانا . فأبتسم حازم قائلاً : والله النهارده بشوف العجب ، صاحبة جدعة وبتشرب قهوة مضبوطة . فأجابته ببرود : والله مش ذنب البنات أنك مش بتشوف كويس ، العادي أن البنت تبقي صاحبة جدعة مع صاحبتها والعادي أنها تحب تشرب قهوة مش معجزة يعني . فأجابها بنفس البرود : تصدقي صح ، أنا فعلا اللي مش بشوف كويس .

فنظرت له بأستخفاف وقالت : الظاهر كده ، طيب حضرتك كده خلصت أسئلة والا في حاجة تانية . فأجابها وهو يشعر بالضيق من طريقتها : خلاص ، بس أكتبي بيانات طليق صاحبتك عشان التحريات . دينا : حاضر ، وقامت بأخراج ورقة وقلم من حقيبتها وأثناء ذلك كان حازم يشير للنادل وأعطاه الفيزا كارد ، كتبت له دينا البيانات كاملة ثم نهضت قائلة : أستأذن حضرتك بقي عشان ألحق أروح . فنهض هو الأخر وقال : أتفضلي هانخرج مع بعض . خرجا سوياً من المقهي ، وبعد خروجهما تقدم منها حازم وقال : من غير كلام كتير أنا شايف شوية شباب واقفة علي الناصية ، وشكلهم شاربين حاجة ، حاولت دينا الألتفات لتري ما يتحدث عنه ، لكنه أوقفها سريعاً بيديه ممسكاً بذراعها حتي لا تلتفت وأكمل قائلاً : أوعي تبصي ، أمشي معايا من سكات وأركبي العربية ، انا لوحدي ومش حأقدر عليهم لو حاولوا يتهجموا عليكي ، ونظراتهم كده بتقول أنهم ناويين ، يلا بسرعة . قال كلماته ثم جذبها من ذراعها وتقدم خطوتين ثم فتح باب سيارته لها، ودار حول السيارة ليصعد هو الأخر ويقوم بتشغيل السيارة وينطلق بأقصى سرعة .

جلست دينا في السيارة وهي تشعر بالرعب مما كان من الممكن أن يحدث لها ، وبدأ جسدها كله بالأرتجاف ، حاولت أن تسيطر علي نفسها ولكنها لم تستطيع . التفتت حازم إليها وهو يقود السيارة وعندما وجدها هكذا قام بأيقاف السيارة سريعاً وحاول تهدئتها وقال وهو يشعر بالقلق الشديد : دينا مالك ، بتترعشي كده ليه ، أنا أسف والله ، ما أعرفش أنك هاتخافي كده ، انا كنت بهزر ، مفيش حد كان واقف ، أنا بس كنت بقول كده عشان أوصلك . أستطاعت دينا أن تسيطر علي خوفها ، وتحول الخوف إلي غضب شديد ،ثم نظرت إليه بعد أن أدركت ما قاله وقالت : أنت أتجننت في حد يعمل كده ، أزاي تتصرف التصرف ده ، أزاي تضحك عليا بالشكل ده ، أنا قلبي كان هايقف وأنت تقول بتهزر ، أنت أنسان مش طبيعي ، أنا غلطانة أني صدقتك . ثم قامت بفتح باب السيارة وحاولت النزول منها ولكنها وجدت يد تجذبها للداخل وتمنعها من النزول ، جذبها حازم للداخل وقال لها بحدة وبصوتاً مرتفع : بصي بقي ، أنا أسف مقصدش بس أنا مش مجنون ، وهاوصلك يعني هاوصلك ، ياما والله هاطلع الطبنجة وأوصلك تحت تهديد السلاح ، قلتي أيه ؟.

ماذا ستفعل دينا ؟ وهل ستتقبل تصرفات حازم ؟ أنتظروني مع القادم. عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية من نافذة قلبي" اضغط على اسم الرواية

تعليقات