رواية بنت البئر الفصل الخامس 5 - بقلم حور طه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الجانب الآخر /داخل سراية صالح العرباوي
السماء ملبده بالغيوم
والهواء فيه ريحة تراب متحرك كأنه بينذر بعاصفة.
صالح، هنادي، مختار، وبدور واقفين جنب العربية. التوتر مالي الجو، وعيونهم بتتنقل بين بعض كأنهم بيودعوا بعض قبل معركة.
بدور بصوت بيرتعش وفيه إصرار:
ــ لع يا خوي... ما هملكش واصل!
أنا هاجي معاكم، ولو فيها موتي!
صالح يحط إيده على كتفها
وصوته هادي لكن حاسم:
ــ يا حبيبتي، ما تقلقيش... بس وجودك هناك خطر.
اللي جاي صعب، ومكانك دلوقتي مع الشيخ زكريا.
خليكي هناك، هتكوني في أمان...
وما تروحيش اي مكان، فاهمة يا بدور؟
ومش عايز دمعة تنزل من عينك، لحد ما ارجع لك!
هنادي تقرب من بدور، تمسك إيدها بحنان:
ــ صالح معاه حج،يا بدور...
لو الخطة ما نجحتش، تبجي إنتي في أمان.
الدار هناك حصن ليكي...
وابوي ما هيهملش حد يطولك او يلمس ضفرك
مختار يفتح باب العربية وبيبص لبدور:
ــ يلا يا خيتي، أوصلك للدار...
وبعدين أروح أعمل اللي اتفجنا عليه، انا وصالح.
صالح يقرب من مختار، عيونه فيها ثقة:
ــ مختار، اللي هتعمله النهاردة هو المفتاح...
براءة هنادي في رقبتنا كلنا، بس الليلة إنت هتكون صوتها قدام النجع.
اجمع الناس، خليهم يسمعوا الحقيقة...
وخلي كذبهم يتفضح قدام الناس كلها!
مختار يبص في عنين أخته وهو بيكتم وجعه:
ــ هعمل كل اللي ربنا يجدرني عليه...
علشان اثبت براءتك جدام النجع، وأخلي كدبهم يتفضح…بس... ليا عندك طلب، يا صالح!
صالح يرد من غير تردد:
ــ طلب ايه يا مختار؟
مختار يمد إيده ويلمس خد هنادي بحنية موجوعة:
ــ دير بالك على خيتي...جلبها اتكسر!بزيادها عاد وجع الجلب
صالح يبصله بثبات، صوته هادي وواثق:
ــ هنادي أمانة في رقبتي...
ما حدش هيلمس طرف جلابيتها طول ما فيا نفس.
هنادي تبص ليهم والدمعة في عنيها
بس قلبها دافي من جوا…لحظة صمت مهيبة...
بعدها صالح وهنادي يركبوا العربية
والطراب يلف حوالين عجلاتها
وهما بيتحركوا ناحية دوار جابر العرباوي.
مختار يلم بدور بنظره فيها رجاء:
ــ يلا يا خيتي، علشان اوصلك للدار
وما تجلجيش الليلة هتكون بداية الحق
بدور تبص وراها للعربية ماشية...
قلبها بين الدعاء والخوف...
لكن في عينيها نور... نور الحقيقة اللي قربت تظهر!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«داخل دار جابر العرباوي / بعد ساعة»
جابر أول ما شاف هنادي داخلة ورا صالح
نار الغضب ولعت في صدره، بس رسم سخرية باردة على وشه، وقال وهو بيبتسم ابتسامة مسمومة:
ــ ارتاحتي ف حضن أخوي، يا هنادي؟
صالح حنين، بس بردك مش راجل...
هيعرف يبسطك كيف ما كنت أنا ببسطك؟
صالح دمه غلى، ويده كانت هتطلع عليه
لكن هنادي وقفت قدام جابر
بصت له بصة فيها شجاعة واستحقاق
وصوتها طالع من جوف مجروح لكنه قوي:
ــ اللي يرخص مرته... ويشوه سمعتها...
ما يبجاش راجل.
واللي يرمي مرته في البير وولده في بطنها
ما يبجاش راجل
ده ما يبجاش إلا خسيس وندل... يا ولد جبريه!
صالح ابتسم بفخر، فخور باللي واقفة جنبه
لكن جابر اتعمى غضب، ورفع إيده يضربها
في لحظة... صالح مسك إيده ووقف قدامه زي جبل:
ــ لو رفعت إيدك عليها تاني؟
واللي احل القسم... أقطعها لك.
دي الحتة الوحيدة في حياتي اللي ما فيهاش مساومة!
جبريه تدخل فجأة
بنبرة محاولة تهدئة مغلفة بالخبث:
ــ كفاية بجى... فضوها...
الأوراج جاهزة، يا صالح.
إنت وهنادي تمضوا... وترجع الأرض لولدي..
صالح يرد ببرود حاسم:
ــ مش هنمضي...
إلا لما جابر يطلع قدام أهل النجع
ويقول إن هنادي بريئة من كل اللي اتقال عليها...
جابر يضحك بسخرية، وهو بيهز دماغه:
ــ عايزني أطلع وأجول إني رميت مرتي في البير؟
وإني كدبت عليها، وشوهت سمعتها؟
ابرئها واشوه سمعتي اني..
صالح يرد بصوت تقيل:
ــ آه... لإن ده اللي حصل فعلا..
ولو راجل... تعترف بغلطك..
جبريه تقاطعهم، بنفاد صبر:
ــ يا صالح... كفاية تمثيل.
هنادي انتهت خلاص، ما بجالهاش مطرح في البلد.
هتمضي وتتنازل، وإحنا نديها جرشين هي وأبوها وخيها،ويخرجوا من البلد دي من غير رجعة..
هنادي بصوت مجروح:
ــ يعني حاولتوا تجتلوني،وشوهته سمعتي
ودلوج... بتطردوني..
من البلد اللي اتولدت وكبرت فيها؟
جابر يرد بقسوة:
ــ وتحمدي ربنا إنك هتطلعي منيها
وانتي، لسه على رجلك...
صالح يتنفس بعمق، ويبص في عيونها بثقة:
ــ خلاص يا هنادي
امضي التنازل.
وأنا كمان... همضي يا جابر.
كل أملاكي بقت ليك.
جبريه تضحك بخبث وهي بتحط العقود قدامهم:
ــ عين العجل يا ولدي...
صالح يغمز لهنادي من غير ما حد يشوفه
وهي تفهم، وتبتسم ابتسامة بالكاد ترى.
الاتنين... يمضوا بإيدهم الشمال.
حركة مقصودة، محكمة!
جبريه وجابر ماخدوش بالهم
قابضين على العقود وفرحانين وكأنهم كسبوا المعركة.
جبريه تضحك ضحكة سم، وتقول:
ــ كنت ناوية تطلعوا من النجع في ستر الليل
بس لع... دلوج
الفيديو اللي معانا...
هيشوفوا أهل النجع كلهم.
كلهم هيشوفوك يا صالح...إنت وخيتك
جابر يضحك:
ــ معلش يا أخوي..
لازم نضمن إن رجلك ما ترجعش النجع تاني...
ولا حتى في حلمك.
صالح بنبرة متحدية، وعيناه ما ارتعشتش لحظة:
ــ زي ما بيقولوا...
اللي يحفر حفرة لاخيه، وقع فيها...
جابر بتوتر، يحاول يثبت أعصابه:
ــ تقصد إيه بكلامك؟
انت خلاص يا صالح انتهيت!
وهنا، الباب يندفع بقوة، ويدخل مختار
وصوته جاي زي السهم:
ــ صالح يجصد يجولك...
إنت اللي انتهيت!
إنت وجبريه، انتهيتوا خلاص...
أهل النجع كلهم شافوا وسمعوا الحجيجة...
شافوا إن خيتي هنادي بريئة...
وإنكم إنتو اللي ظلمتوها وافتريتوا عليها..
صالح يضحك ضحكة خفيفة
ونفس بارد يخرج من صدره وهو يقول:
ــ ودلوقتي... يا مختار! نقول أكشن...
واطفي لنا الكاميرات..
جبريه تبرق عينيها بفزع:
ــ كاميرات؟!
كاميرات إيه؟!
هنادي بصوت ثابت رغم رجفة جواها:
ــ صورناكم صوت وصورة
وأهل النجع دلوج عرفوا الحجيجة كلها...
إني بريئة!
وإن ابنك حاول يجتلني حتى بعد ما عرف إني شايلة في بطني ولده!
مختار يروح للكورنر ويفصل الكاميرات بنفسه وبيرجع يقف جنب صالح وهنادي
والرعب مرسوم على وشوش جابر وجبريه!
جبريه بصوت عالي
زي اللي بيغرق وبيمسك في أي قشيه:
ــ هبعت الفيديو اللي معايا...
وخليهم يحكموا عليك يا صالح...
بعد ما يشوفوا إنك... استحليت عرض خيتك!
صالح يطلع تليفونه من جيبه بهدوء
وابتسامة واثقة على وشه:
ــ ما عنديش مانع!
إنتي ابعتي الفيديو اللي معاك...
وأنا كمان...أبعت الفيديو اللي معايا...
ونسيب الحكم لأهل النجع
يشوفوا مين اللي فعلا استحل العرض...
أنا؟…ولا ابنك، اللي استحل عرض أمه!
جابر ينفجر غاضب:
ــ إنت عتجول إيه؟!!
صالح يرد بنفس الهدوء القاتل:
ــ اللي سمعته، يا جابر...
ما حاولتش تسال نفسك…
ليه دماغك مصدعة من الصبح؟
مع إني قلت لأم عزيز تخفف لكم جرعة المخدر...
بس شكلها زودتها حبتين!
جبريه تتلفت حواليها وهي بتبدأ تربط الأحداث!
الدوخة اللي من الصبح... الكلام اللي مش راكب...
هنادي تقول، وصوتها فيه نار مكبوتة:
ــ أنا جلت لهم لو عايزين تكسروا جبريه!
استخدمه سلاحها...
لأني خابراكي يا جبريه...
عقربه مالكيش أمان!
مختار يبتسم بسخرية:
ــ يعني باختصار...
انجلب السحر على الساحر!
والفخ اللي عملتيه في صالح وبدور...
وجعتي فيه يا جبريه! انتي وولدك!
صالح يمد إيده لجابر:
ــ هات الفيديو اللي معاك...
وأنا أسلمك الفيديو بتاعك إنت وأمك...
ولو حابين نخليها فضايح أهل النجع يتسلوا عليها لسنين...
أنا ما عنديش مانع....
انت بس قول… زيع!
جبريه تصرخ بصوت مبحوح:
ــ مش هتعرف تكسرني، يا صالح!
الفيديو هيشوفوه...وبدور مش هتقدر ترفع راسها أبدا....
جابر لأول مرة صوته يطلع حاسم
مش ساخر ولا غاضب:
ــ كفاية، ياما....كفاية!
ده التليفون... عليه الفيديو...
خده يا صالح،هات اللي معاك!
جبريه تنهار:
ــ لـــع! يا جابر... لــع!
مش هيطلعوا من اهنا إلا بفضيحة!
جابر بنظرة باردة:
ــ هم اكده اكده هيطلعوا من النجع...
لان كل حاجة بجت باسمي خلاص...
مش محتاج أكتر من اكده!
صالح يضحك، وهو بيقرب منه:
ــ والله يا جابر...
ما ينفعش كده، دايما بتحرقلي المفاجآت!
جابر بتوتر:
ــ في إيه تاني يا صالح؟
صالح يقرب منه بخطوات واثقة
يسحب العقود منه، ويهزها قدامه:
ــ اصلا..العقود اللي انت فرحان بيها؟
دي هتدخلك السجن من خمس لـسبع سنين
عارف ليه؟
لأنك زورتها، يا جابر.
ووقعت عليها بإيدك...
لكن أنا وهنادي وقعنا بإيدينا الشمال.
يعني العقود... ملهاش أي قيمة قانونية.
والبلاغ اللي انا هقدمه للنيابه هيثبت انك زورت توقيعاتنا علي الاوراق اللي معاك دي!
يعني انت حبيب اخوك هتلبس قضيه تزوير!
جبريه تهتف بذهول:
ــ ده مستحيل...
ده كلام فاضي...
هنادي تقطع كلامها، بعين مليانة وجع وانتقام:
ــ زي الكلام الفاضي اللي جلتوه علينا.
بس الفرق إن إحنا معانا دليل...
وإنتو،غرقته في حقدكم!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«قدام دار جابر العرباوي»
أهل النجع متجمعين
عيونهم مشدودة ناحية البيت والهمس مالي المكان:
ــ ربنا يسامحنا...
صدجنا الكذب وافتكرناها هربت مع عشيجها...
هنادي طلعت أطهر منا كلنا.
جابر وجبريه... ظلموها وباعوا ضميرهم الشيطان!
واحدة من الستات الكبار تطلع دمعتها بحرقة:
ــ أنا كنت بلعنها ف جلبي... وهيا كانت مظلومة...
سامحينا يا بتي، والله ما كنا نعرف..
هنادي تقف وسطهم
ملامحها مرهقة بس عينها دافية:
ــ أنا مش زعلانه منكم...
أنا عارفه إن الطيبين ساعات بيتلخبطوا...
بس ربنا كشف الحق وطهر اسمي واسم ابوي
ودا كفاية...
وهنا صوت البوكس بيكسر الجو، والكل يلف!
جابر خارج من الدار
والحديد في إيده والشرطة وراه.
عينيه بتدور وسط الوجوه...
لكن كلها وجوه غاضبة.
جبريه وراه، مكبوتة ووشها منفجر من الذل.
صالح واقف زي الجبل..
ومختار على يمينه وهنادي على يساره...
وفجأة، أهل النجع يرموا شباشبهم على جابر
كل واحد بيرمي، كأنه بيحدف ذنبه عليه
ــ ده جزاء الخاين!
ــ ظلمت الشريفة بت شيخنا يا ولد جبريه!
جابر مابيقدرش يرفع راسه..
لكن الطامة جاية من بعيد...
رئيسة، الغازية، بطنها باين
بصوت عالي وسط الناس:
ــ يا أهل النجع، اسمعوا واعرفوا...
اللي في بطني ده من جابر العرباوي..
وكان عايز يجتلني ويجتل ولده....
زي ما عمل مع هنادي!
الناس تنهار من الصدمة، والرجال يشتموا
والستات تندهش، والهواء يلسع الوجوه...
صالح يقرب من جابر قبل ما الظابط يركبه البوكس:
ــ هي دي الفضيحة اللي كنت إنت وأمك عايزين تطلعوني بيها؟
أهو ربنا ظهر الحق!
وأنت اللي طلعت بيها... ووشك في الأرض.
انا...سافرت واتغربت…وسبتلك البلد..
كبرت أملاكنا بإيدي، وعمري ما حسبتك
لكن جزاتي إنك تطعني في ضهري
وتبقى عايز تشوه سمعتي وسمعة أختي؟
وتسرقني؟وتنهش عرضنا؟
صالح ما استناش الرد! بص للضابط ياخده..
الظابط يهز راسه، وياخد جابر،ويطلعوه قدام الناس كلها.
صالح يقف جنب هنادي...
اللي كانت بتحاول تبتسم وسط دموعها...
أهل النجع ييجوا يسلموا عليها..
وهي ترد عليهم بود، متسامحة، بسيطة...
وفجأة...
جبريه تخرج من ورا الناس....
في إيدها مسدس....
وصوت الصفير يتحول لصراخ!
مختار يصرخ وهو بيجري:
ــ بعدي يا هنادي!!
صالح يشدها ورا ضهره...
وهو اللي بيبقى قدام السلاح...
لكن قبل ما جبريه تضغط الزناد...
طلقة قوية تدوي في الهوا!
الظابط ضربها في صدرها....
وقعت على الأرض...
والدم بدأ يلون جلابيتها السودة...
هنادي تصرخ، وهي متخبية في حضن صالح
مش قادرة تبص!وصالح يمسكها بحنان:
ــ متخافيش!يا هنادي
جبريه تهمس قبل ما تنفسها يطلع:
ــ أنا... جبريه...
ما تموتش اكدا... بسهوله...
صالح يحدق في جبريه
عينه مش بتطرف،وصوته ثابت كالسيف:
ــ طول عمرك عقربة...
وكل اللي يقرب منك يتسمم ويموت بالبطيء
بس خلاص...
النهارده يومك، والسم اللي كنتي بتسقيه لغيرك... رجعلك في الآخر.
وانتهى لعبك!…وانتهت حكايه جبريه!
جبريه تغمض عينيها، والسكينة الكاذبة تنزل على ملامحها بعد ما سكت صوتها إلى الأبد.
الإسعاف تشيل جثتها، وهي وابنها بيغادروا النجع مطرودين، محملين بذنوبهم ومفضوحين قدام الناس.
في اللحظة دي، يدخل الشيخ زكريا...
ماسك عكازه، وفي إيده التانية بدور
ماشي بخطى ثابتة فيها وجع السنين.
بدور أول ما تشوف صالح
تجري عليه وتحضنه بكل خوفها واشتياقها
وهنادي ترتمي في حضن أبوها، تبكي في صمت
ما فيهوش إلا راحة طويلة كانت مستنياها!
الشيخ زكريا يحط إيده على راس هنادي
ويقول بصوت مبحوح من الإيمان قبل التعب:
ــ ومن يتق الله يجعل له مخرجا...
وإنتي يا بتي! كنتي مع ربنا..
ربنا!نجاكي من البئر...
زي ما نجى يوسف عليه السلام.
ما هملش حقك... ولا سابك ف ظلمهم...
هنادي تحضنه بحرقة:
ــ الحمد لله يا بوي...
ربنا ما هملنيش رغم كل اللي جالوه عليا
طهر شرفي جدام الناس... وطهر اسمك معايا!
نروح لصالح، وبدور لسه حضناه:
ــ حمد الله على سلامتك يا خوي...
كنت خايفة عليك!
صالح يبتسم وهو يحاول يغير جو التوتر:
ــ الله يسلمك يا قلب أخوك
وحقك عليا...
كنت فاكر إنك ف أمان، بس والله ما هسيبك تاني.
بدور:
ــ أهم حاجة عندي إنك بخير...
واللي راح، ربنا هيعوضنا عنه باللي جاي.
الناس تبدأ تتفرق وترجع لبيوتها....
ويفضل واقف قدام الدار صالح ومختار وبدور وهنادي والشيخ زكريا...
صالح يسيب بدور ويقرب من الشيخ زكريا
وعينه كلها رجاء صادق:
ــ تسمح لي يا شيخ زكريا أطلب إيد هنادي...
تكون مراتي على سنة الله ورسوله؟
الشيخ زكريا يبتسم
بهدوء الأب الراسي في قلبه الحكمة:
ــ الجواب مش عندي يا ولدي...
اسأل صاحبة الشأن؟
صالح يبص لهنادي...
وهنادي، بعيون خجلانة وابتسامة كلها رضا:
ــ اللي تشوفه يا بوي...
الكل يضحك، والشيخ زكريا يهز راسه:
ــ خلاص يا ولدي...
أول ما تخلص شهور العدة، نكتب الكتاب...
والفرح بعد الولادة إن شاء الله...
يدخلوا الدار...
لكن صالح يفضل واقف مع هنادي
قرب منها، بصوت هادي كله دفء:
ــ كلها كم شهر... ونتجوز!...وتبقي مراتي.
هنادي تسرح شوية:
ــ نتجوز...؟
صالح يضحك ويهز راسه:
ــ لا بقول لك إيه...
أنا مش هقضي عمري كله في اندهشاتك
أقول لك أنا حبيبك، تقولي حبيبي.
أقول لك هنتجوز، تقولي هنتجوز.
ده إيه الردود الجاهزة دي؟
هنادي تضحك، وتقول بهمس:
ــ حبيبي...
عمري ما حسيت بمعنى الكلمة دي
غير لما شفتك....
صالح يبص لها بعين فيها امتنان:
ــ وانتي...
خلتيني أحس بحاجة عمري مع عشتها غير معاك
كأنك نور... ربنا بعته ينورلي دنيتي!
هنادي تحط إيدها على بطنها بخوف حنين:
ــ خايفة على ولدي...
من الدنيا اللي جاية!
تفتكر هتحبه يا صالح؟
صالح يقرب منها
يحط إيده على إيدها اللي على بطنها:
ــ احبه؟
ده هيكون ابني...
وهكون أحن عليه من ابوه...
وهيعيش معانا عمر كامل...
في حضن أمه الطاهرة... وأبوه اللي لقاها بعد غربة!
صالح يمسك إيد هنادي بهدوء
عينه في عينها، وصوته منخفض كأنه بيحكي سر:
ــ عارفة يا هنادي...
لما كنت بعيد... وقلبي تايه وسط الدنيا..
ما كنتش أعرف إن الطريق كله كان بيوديني ليكي.
ولما خرجتك من البئر...
مش إنتي بس،اللي خرجتي
دي كانت الحقيقة، كانت الطهارة
كانت الصبر اللي ربنا بيكافئه
وكل مرة بشوفك فيها...
بحمد ربنا إنه نجاكي... ونجاني بيكي.
هنادي تبص له والدمعة في عينيها
وهو يبتسم ويقول بنبرة دافية، صافية:
ــ يا بنت البئر...
إنتي معجزتي اللي لقيتها بعد ما كنت ضايع.
وأنا من النهارده...
مش بس هبقى جوزك...
أنا هبقى سترك، وأمانك، وحبيبك...
لعمر ماشي على قدر الله....
هنادي ترفع راسها، تبص له بعيون
فيها ألف حكاية ودمعة ناعمة تنزل على خدها:
ــ وأنا كنت فاكرة إني خرجت من البئر لوحدي...
بس الحقيقة؟
أنا كنت خارجة علشان ألاقيك
علشان ربنا يبدلني بكل وجع... بحب زي ده!
تمد إيدها تلمس وشه، بنعومة خايفة تضيع اللحظة:
ــ يا صالح...
لو أنا بنت البئر...
فإنت نوره اللي أنقذني!
وإيده اللي سحبتني للنور!
وصدره اللي صدقني لما الكل كذبني!
تتنهد، ونبرة صوتها تتهدى:
ــ وأنا من النهارده!
هكون مراتك، وسندك!
واللي هتعيش ليك! زي ما عشت علشانها!
تبتسم من قلبها
وهي بتقول بهمس فيه خجل وصدق:
ــ يا نــور البئــر...
أنا بحبـــــك!
******************
هنادي ما كانتش بس بــنت البئـــر؟!
كانت البذرة اللي اتدفنت ظلم،وطلعت نــور!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«تمت بحمد الله»
يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل "رواية بنت البئر دليل الروايات" لكي تظهر لك كاملة
•تابع الفصل التالي "رواية بنت البئر " اضغط على اسم الرواية