رواية اقدار لا ترحم الفصل الخامس 5 - بقلم سيليا البحيري
فصل 5
بعد ما المكالمة اتقفلت على طول
الموبايل مكسور على الأرض.
نوال واقفة مكانها، وشها متجمد كإنها شافت عفريت.
حسام ماشي رايح جاي في الأوضة زي المجنون، يمسح وشه، يخبط على الترابيزة، يركل الكرسي برجله… وبعدين يقف فجأة.
حسام (بصوت مخنوق):
– مستحيل… مستحييييل! إزاي دخلت؟! إزاي ركّبت كاميرات جوا أوضتي؟!
(بيبص حواليه بجنون)
– دي أوضتي! قلعتي! محدش بيدخلها غير الخدام!
نوال (بصوت مبحوح):
– لازم… لازم تكون زرعت حاجة… أو يمكن…
(ترتعش)
– يمكن حد من الخدام بيشتغل لحسابها!
حسام (بيقف فجأة وبيصرخ):
– مين؟! مين فيهم؟ دول بقالي سنين معايا!
نوال (بهمس مرعوب):
– من خمس سنين يا حسام… الدنيا اتغيرت.
– وسيلين… سيلين بقت حد تاني.
حسام (يخبط الحيطة بغل):
– كل حاجة مترقبة! كل كلمة قلناها، سمعتها! حتى لما خططنا ناخد تاليا…!
نوال (بتقعد على طرف السرير، تحك في راسها):
– حسام… هي عارفة كل حاجة، وبتلعب بينا لعبة نفسية.
– لازم نضرب قبل ما تضربنا… لازم نسكتها… للأبد.
حسام (بيبص لها، عنيه مليانة شر):
– تقصدي نخلّص عليها؟
نوال (بهمس سام):
– أو ندمّرها من جوا.
– تاليا نقطة ضعفها؟ نخليها تكره أمها.
– نخلي الناس تشك فيها. نلفّق لها تهمة تانية.
– نرجعها السجن… حتى لو لدقيقة واحدة!
حسام (بعينين مجنونة):
– بس إحنا مش عارفين مصدرها، طلعت إزاي، ومين وراها؟
– لازم نعرف مين ظهر في حياتها.
نوال (بابتسامة صفرا):
– لو هي بتلعب شطرنج… إحنا هنلعب بالنار.
حسام (يقرب منها، يهمس):
– أنا مش هخسر… لا قدام سيلين، ولا قدام أي حد.
نوال:
– بس أول حاجة… نطرد كل الخدام. كـــلهم.
– ونفتّش الأوضة… حتة حتة.
– وأي كاميرا نلاقيها… نعرف إن عينيها علينا من جحيمها.
حسام (بيبص حواليه بقلق):
– حتى لو مش لقينا الكاميرا… هي دلوقتي شايفانا.
يسكتوا… والرعب يملأ المكان… العظمة اللي في الأوضة الذهبية، تتحول لسجن خانق
***********************
– بعد شوية –
الجو خانق… التوتر مالي الأوضة.
صوت الباب بيتفتح بهدوء…
إيد صغيرة تمسك بالمقبض…
وليد (عنده ٥ سنين) يدخل، شعره منكوش، وعينيه مليانة دموع.
وليد (بصوت خفيف بيرتعش):
– ماما… بابا…
(يتقدّم بخطوات مترددة)
– في صوت تحت الشباك… خوّفني…
نوال (تلف بسرعة وتحاول تبان هادية):
– حبيبي، مفيش حاجة، تعال…
حسام (ينفجر بعصبية):
– وليد!! مش وقتك دلوقتي!
(يضرب على الترابيزة)
– قلت لك كام مرة لما تنام… متخرجش من أوضتك؟!
وليد (بيرتعش ودموعه تنزل):
– آسف… بس… كنت خايف…
– في حد كان واقف يبص من الشباك… وفيه ظل…
نوال (تقوم بسرعة وتجرى ناحيته):
– ششش، تعالى عندي يا حبيبي، ماما هنا…
(تشيله وتقعد على السرير، تحضنه جامد)
وليد (يبكى بصوت واطي):
– هي خوّفتني… قالتلي إنها هتاخدني… زي ما أخدت بنتها…
نوال (تتجمد، تبص لحسام بصدمة):
– مين؟! مين قالك كده؟!
وليد (يمسح عيونه):
– صوتها… سمعته في المكالمة… نادت اسمي…
حسام (يهمس):
– مستحيييل… مستحيل يكون سمعها…
نوال (بهمس غامق):
– دي بتلعب بينا… وبتستخدم الطفل عشان ترعبنا.
حسام (بيبص لوليد بنظرة حقد مكسورة):
– وليد… اسمعني يا بطل.
(ينزل على ركبته قدام الطفل، صوته مرّ)
– انت قوي… ومينفعش تخاف من حاجة.
– ماما وبابا هيحموك، فاهم؟
وليد (يمسح دموعه):
– بس… أنا مش بحبها، الست اللي بتزعق في التليفون…
نوال (تحاول تبتسم، تمسك وشه):
– مش هتشوفها تاني، بوعدك… بس خليك دايمًا جنب ماما، ماشي؟
(وليد يومئ برأسه، وبعدين يدفن وشه في حضن نوال تاني… جسمه بيترعش من الخوف.)
حسام (يقف، يهمس لنفسه والغضب مالي صوته):
– بتستخدم ابني؟!
– والله يا سيلين… هرجعك للقبر اللي طلعتي منه…
– والمرة دي… مفيش رجوع.
نوال بتحاول تهز وليد علشان ينام، بس نظرتها شاردة…
وحسام واقف قدام الشباك، بيراقب الضلمة كإنه مستني مصيبة تطلع له.
وفي الركن…
نقطة حمرا صغيرة بتنور… من كاميرا مخفية…
ما اكتشفوهاش لسه
*********************
في شقة سيلين الفاخرة – أوضة المراقبة الخاصة – بعد نص الليل
الجو هادي…
بس التوتر مالي المكان كأن في كهربا في الهوا.
قدّام شاشة كبيرة متقسّمة لكاميرات مراقبة…
بتظهر صور أوضة نوم حسام ونوال، ووليد واقف بينهم بيعيط، وصوتهم طالع بوضوح من السماعات.
سيلين قاعدة في هدوء، رجل فوق رجل، لابسة بدلة سودة شيك، على وشّها ابتسامة خفيفة…
باردة… كلها مكر وحساب.
وراها أمينة واقفة بقلق، ماسكة كباية نعناع ما لمستهاش، وعينيها بتتنقل بين الشاشة ووش سيلين.
أمينة (بهمس وقلق):
– سيلين يا بنتي… خلاص، سمعتيهم، شفتي الرعب في وشّهم، عرفوا إنك مش لعبة.
– ليه ما تسيبيهم لربنا؟ ليه مكملة في السكة دي؟
سيلين (وعنيها مركزة عالشاشة):
– علشان أنا كنت اللعبة، خمس سنين.
– خمس سنين وانا بتوسّل، بنزف، بتمنى الموت… وهم؟
(تشاور عالشاشة)
– كانوا عايشين وبيضحكوا، بيسرقوا، وبيربّوا بنتي عند ست ستها شيطانة.
أمينة (تتنهد، تقرّب منها وتقعد جنبها):
– بس قلبك يا بنتي… خايفة يتغيّر.
– خايفة تنسي إنتي مين… وتروحي في سكة ما تعرفيش ترجعي منها.
سيلين (تضحك ضحكة قصيرة، تبصلها):
– أنا؟
– أنا فاكرة كويس أنا مين… ده أنا خلقت نفسي من جديد.
– واللي كان اسمه "قلب"؟ دفنوه يوم ما خدوا بنتي.
(تغمز بعنيها)
– بس متخافيش… مش ناوية أبقى وحش.
– الوحوش الحقيقية؟ هم اللي جوّه الشاشات دول.
أمينة (تشهق وهي شايفة وليد بيعيّط تاني):
– حتى الولد الصغير… خوّفتيه يا سيلين…
سيلين (بهدوء وابتسامة باهتة):
– ما قربتش له… ومش هقرب.
– بس خلتهم يحسوا بشوية من اللي أنا حسّيته… شوية بس.
– وحسام؟ بيتجرّأ تاني ياخد بنتي؟!
(صوتها يبقى حاد)
– لأ. دلوقتي… أنا بدوّر على رقبة جديدة في اللعبة.
أمينة (بخضة):
– تقصدي مين؟
سيلين (تضغط على ريموت جنبها، فتتحوّل شاشة لصورة راجل أنيق شايل شنطة سودا – المحامي "فادي شرف"):
– المحامي فادي.
– شاهد الزور، بياع الضمير، وتاجر العدالة.
– أول واحد هيذوق طعم الخوف… الحقيقي.
أمينة (تحط راسها بين إيديها):
– يا بنتي… لو عرفوا إنك اللي زرعتي الكاميرات؟ لو بلّغوا البوليس؟!
سيلين (بضحكة خفيفة):
– أنا؟ لا، دي مش شغلتي.
– اللي زرعهم "ضمير خادم عندهم"… وحسام ونوال لسه مش عارفين مين.
(تضحك بسخرية)
– دي لعبة ذكاء يا أمينة… لعبة طويلة… وأنا بدأت أكسب أول جول.
أمينة (تبصلها وتسأل بهمس):
– ولو خسرتي فيها يا سيلين…؟ أنا قلبي مش هيتحمّل.
سيلين (تمسك إيد أمينة بحنية نادرة):
– مش هخسر…
– هرجّع كرامتي… وكرامة كل بنت دمّروها وسكتت.
(تقوم ببطء، وتتجه للنافذة الواسعة، تبص على أنوار المدينة)
سيلين (بهمس):
– دلوقتي… دور المحامي
*********************
⚖️ صباح اليوم التاني – مكتب المحامي “فادي شرف”
الساعة عشرة الصبح.
شمس ناعمة داخلة من شبابيك عالية في أوضة مكتب شيك في برج زجاجي.
المكان منظم، هادي، كأنه عمره ما عرف الفساد…
بس الحقيقة؟ كلها بتقول عكس كده.
فادي شرف، في الخمسينات، لابس بدلة رمادي شيك، قاعد ورا مكتبه بيروّق على شوية ورق، بيشرب قهوته الفاخرة.
السكرتيرة كانت نازلة تجيب طلبات…
والباب؟ مش مقفول كويس.
والسكون؟ مستني يتكسر.
خطوات نعمة… بطيئة… تقطع الصمت.
صوت كعب حريمي بيعلى… بيقرب…
لحد ما يقف وراه تمامًا.
فادي (من غير ما يبص):
– ثانية واحدة بس… قولي لهم إني مشغول 10 دقايق.
صوت ناعم… واطي… بس فيه رُعب بارد:
سيلين:
– صباح الخير… يا أستاذ فادي.
(إيده تتجمد فوق الورق. عينيه توسّع. قلبه يوقف لحظة. بيشلّ.)
فادي (بهمس):
– مستحيل…
سيلين (تتحرك ببطء، تدور حوالين المكتب):
– لأ، مش مستحيل.
– سيلين عبد الجبار… خرجت من جحيمكم.
فادي (يقوم بسرعة، يرجع ورا، يخبّط في الكرسي):
– أنـ… أنتي؟! لأ… أنتي في السجن!
– مؤبد! أنا… أنا حضرت المحاكمة بإيدي!
سيلين (بابتسامة فيها سخرية، تحط شنطتها على المكتب، وتقعد بكل هدوء):
– يا سلام… حضرت الإعدام؟ ولا كنت بس في الدفن؟
– عامل إيه؟
(تغمز)
– شكلك تعبان شوية… قلبك عامل إيه؟
فادي (بيحاول يلم نفسه، بيقّطع نفسه نفس):
– إزاي؟ إزاي خرجتي؟!
– أنتي… دي مش ممكن تحصل من غير إذني… أقصد… من غير حكم جديد!
سيلين (بتتظاهر إنها بتفكر):
– يمكن المحكمة فاقت على نفسها؟ واكتشفت إنها سجنت الغلط؟
– أو يمكن شطارتك في تزوير الأدلة ما كانتش قد كده؟
– أو… يمكن في حاجة إنت ما تعرفهاش.
(تميل عليه وتهمس)
– أنا عندي… سيف.
فادي (بيرتعش، يبص للباب):
– عايزة إيه؟ جيتي ليه؟!
سيلين (ببرود):
– أنا؟ أنا مش عايزة حاجة.
– جيت أبص عليك.
– كنت عايزة أشوف الرعب وهو بينوّر في عيني محامي كبير زيك…
– زمان، كنت أنا اللي بترعش قدامك…
– والنهارده؟
(تقف فجأة، تقرّب له خطوة)
– النهارده… أنا اللي بكتب النهاية.
فادي (بتوتر):
– لو جاية تهدديني… أنا أعرف ناس كبار!
– أبلغ الأمن دلوقتي حالًا!
سيلين (تضحك ببرود):
– بلّغ.
– قولهم: "الضحية جاتلي… وقالتلي إنها هشوفني قريب في القفص اللي أنا حطيتها فيه."
– فاكر؟ قلتلي يوم المحاكمة: "إنتي مريضة… والمجتمع لازم يتخلص من أمثالك."
– وأنا بقولك النهارده: أمثالك… لازم الناس تشوفهم من غير لا مهنة ولا ضمير.
فادي (يبلع ريقه بالعافية):
– أنتي… مجنونة.
سيلين (بابتسامة):
– لأ يا أستاذ فادي.
– المجنونة ماتت في الزنزانة…
– واللي واقفة قدامك دلوقتي؟
– ظلّها… جاي يحرق كل الظلال اللي زيك.
(تتجه ناحية الباب، تقف، تبص له قبل ما تخرج):
سيلين:
– النهارده كنت بلعب معاك…
– المرة الجاية؟
– هنلعب… على حقيقتك.
بتخرج… والباب بيتقفل وراها بهدوء مريب…
فادي ينهار على الكرسي، بياخد نفسه بالعافية، والعرق مغرق وشّه
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆
•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية