رواية من نافذة قلبي الفصل الخامس 5 - بقلم مروة نصار
الفصل الخامس
اقتحم سيف المكان وهو يشعر بالقلق من الأصوات التي سمعها ، وعندما أصبح بالداخل وقف مصدوماً مما رأي .
وجد الأثاث وكل شئ في المكتب مبعثر والأوراق والتصاميم ممزقة تملأ أرجاء المكان، وميس ودينا تقفان في حالة من الذهول والهلع والبكاء الشديد .
هرع سيف في اتجاه ميس وبقلق شديد قال : أيه اللي حصل ، مين اللي عمل كده ، حد فيكم حصله حاجة ، لم تستطيع ميس أن تتحدث من كثرة البكاء فأجابته دينا وقد أستطاعت أن تتماسك قليلاً : مش عارفين ، أحنا رحنا نشتري شوية مستلزمات للشغل واتغدينا ورجعنا ، وأول ما دخلنا لقينا المنظر ده ، قالت كلماتها ثم عاودت في البكاء ثانية بعد أن نظرت مرة أخري حولها ، ورأت مدي الدمار الذي حدث .
تطلع سيف لوجه ميس وشعر بالحزن الشديد لبكائها وقال : بلغتم البوليس .
هزت الفتيات رأسها بالنفي ، فأكمل : لازم نبلغ البوليس ، والمفروض البواب يبقي عارف مين اللي طلع .
أخرج سيف هاتفه ليقوم بالأتصال ، فأوقفته ميس وقالت وهي تبكي . لا ، بلاش
فقال لها بدهشة : يعني ايه بلاش ، ليه ؟ .
فأجابت : مفيش فايدة ، البلاغ مش حيرجع اللي اتكسر ، ومش حنستفاد غير الشوشرة علي سمعة المكتب ، وده حيخسرنا أكتر .
فأجابها بحدة : أنت بتكلمي بجد ، أنتِ مقدرة معني اللي حصل ده ، كده أنتم في خطر ، ولازم البوليس يدور علي اللي عمل كده ويجيبه .
فنظرت له ميس بعيون ممتلئة بالدموع وقالت : مش محتاجة بوليس عشان أعرف ، مفيش غيره صلاح .
فأجابها : عدم بلاغك ، بيأكد ليه ضعفك ، وأنك جبانة ، وأنه يقدر يعمل فيكي اللي هو عايزوه .
فأجابت بعصبية : وبلاغي مَش حيرجع حقي ، وحيبوز شكل المكتب ، وحيعمل مشاكل أنا مش ناقصاها .
نظر لها سيف وصمت قليلاً ثم قال : وأنا مش حأفضل واقف ساكت .
ثم قام بأجراء أتصال هاتفي لصديق له وانتظر حتى اجاب ثم تحدث قائلا: الووو أيوه أزيك يا حازم
........
حازم عايزاك تيجي في العمارة اللي قدام شغلي الدور الخامس ، في عملية تخريب حصلت في مكتب الديكور ، عايزاك تجيب ناس يرفعوا البصمات وتشوف شغلك ، بس مش حنعمل محضر ، أنا بس عايز توصل للي عمل كده ، ونجيبه عشان يتضبط .
..........
خلاص مستنيك متتأخرش عليا ولما تيجي هاأشرحلك .
أغلق سيف هاتفه ونظر إليهم وقال : أنا هاأعملك اللي أنت عايزاه ، بس بردوه مش ها أسكت ، دلوقتي واحد صاحبي ضابط حيجئ ويشوف الوضع ، ونحاول نعرف مين اللي عمل كده ، ولو أثبتنا أنه صلاح ، وقتها سيبهولي ومالكيش دعوة خالص باللي حأعمله .
نظرت له ميس وأجابت بعصبية : يعني ايه ماليش دعوة ، والمفروض أن أنت اللي ليك ، أنت أصلاً ذنبك أيه أنك تدخل نفسك في مشاكل مش بتاعتك ، وليه تشغل نفسك بينا أصلاً ، وبعدين اللي بتتكلم عليه ده يبقي أبو بنتي ، حتي لو بكرهه ومش طايقاه ، حيفضل أبو بنتي ، مش حأقدر أذيه ، حأقول لبنته أيه بعد كده .
صمت سيف وهو يكتم غضبه حتي لا ينفجر بوجهها ثم أقترب منها وأمسكها من ذراعها وجذبها خلفه ودخل إلي غرفة جانبية وأغلق بابها بعد أن قال لصديقتها : دقايق يا دينا ، حأتكلم مع ميس علي أنفراد .
دخل سيف والشرر يتطاير من عينيه ونظر لها بغضب شديد ، مما جعلها تشعر بالخوف منه وتتراجع قليلاً للخلف ثم تحدث قائلاً : أيه خايفة مني ، مش كنتِ بره بتهزقيني وبتعرفيني حدودي ، مالك خفتي هنا ليه ، والا فاكراني حد زبالة ممكن أعملك حاجة .
بصي يا ميس عشان أختصر ليكي الطريق وأريحك ، أنا عارف أني غريب عنك ، وماليش حق أتدخل ، ولا أقولك تعملي أيه ، حلو كده ريحتك ، بس أحب أعرفك أني حأتدخل ، وحأعمل اللي شايفه صح ، وحأفضل جنبك حتي لو غصب عنك ، وحطي تحت غصب عنك دي كذا خط ، ومش حأسيب الحيوان ده يأذيكي تاني لا أنتِ ولا مريم ولا طنط ، موافقة تبقي ريحتيني ، مش موافقة يبقي أشربي من البحر .
قال كلماته ثم تركها وغادر الغرفة مغلقاً الباب خلفه .
وقفت ميس تشعر بالذهول من أسلوبه وطريقته التي تحدث بها ، ثم علت شفتاها أبتسامة لا تعرف مصدرها ، ولكنها شعرت بشعور غريب لا تعرف تفسيره ، فقط شعرت بالأمان ، بالسند والحماية ، التي لم تشعر بها منذ وفاة والدها ، حتي عندما تزوجت لم تشعر بها قط .
خرج سيف من الغرفة وهو لا يعلم ما هو رد فعلها علي ما قاله ، شعر أنه قد يكون تجاوز حدوده معها ، ولكنها لا تعلم ما الذي يدور بداخله الأن ، لا تعلم كيف يريد أن يحطم رأس هذا المدعو صلاح علي ما فعله ، كيف تجرأ ، لا تعلم أنه يؤنب نفسه مئات بل آلاف المرات علي أنه لم يكن في حياتها قبل هذا الحقير ، كيف تركها لهذا الوغد ، هو يعلم أن القدر له طريقته في كل ما نمر به في الحياة ، ولكنه يتمني لو يستطيع أن يمحي من حياتها إي لحظة ألم أو حزن مرت بها، لو يستطيع أن يجعلها تنسي كل ما مرت به قبل أن يلقاها ، لو يستطيع أن يرجع بالزمن إلي الوراء ويعيد كتابته من جديد ويكتب فيه قصة جديدة من أسمين فقط سيف وميس .
مرت خمسة عشر دقيقة ثم بعدها وصل الرائد حازم ، صديق سيف ومعه بعض الأشخاص .
دخل حازم وبدأ في معاينة المكان ، ورفع البصمات وتم تصوير كل شئ ، ثم توجه بالحديث إلي سيف : إيه اللي حصل بالضبط ؟.
فأجاب سيف : أنا جيت لقيت الوضع كده ، والمهندسة ميس والمهندسة دينا واقفين ، تقدر تسألهم هم حيفيدوك أكتر مني .
نظر حازم إلي الفتاتان وقال : ممكن حد يقولي اللي حصل .
فتقدمت منه دينا وقالت : احنا خرجنا نشتري حاجات واتغدينا ، رجعنا لقينا باب المكتب مفتوح ، دخلنا لقينا المنظر زي ما حضرتك شايفه .
فسأل مرة أخري : بتشكوا في حد ، ليكم أعداء .
نظرت دينا إلي ميس وهي لا تعلم ماذا تفعل .
فكرر حازم السؤال وقال : ليكم أعداء ؟، يا ريت لو في حاجة أعرفها .
فتحدثت دينا بتردد وقالت : هو احنا معندناش أعداء ، .. بس.... بس ، أصل يعني .
تنهد حازم وهو يشعر بنفاذ صبره وقال : ممكن حضرتك تتكلمي علي طول .
نظرت له دينا بضيق شديد واردفت قائله : ما أنا بتكلم علي طول أهو ، أمال شايفني بتكلم بالعرض .
نظر لها حازم محدقاً بدهشة وقال : نعم ، أنت بتهزري .
فأجابته دينا ببرود : وأنا أهزر معاك ليه أن شاء الله ، كنت أعرفك ، والا في سابق معرفة ، والا شايف نفسك ظريف عشان أهزر معاك .
تدخل هنا سيف وميس وقالوا معا : في ايه يا جماعة ، أنتم ها تتخانقوا ولا ايه.
اكملت ميس حديثها قائله : بس يا دينا مالك .
فأجابت دينا : ما أنت شايفة بيكلمني ازاي .
فأجاب حازم : بكلمك ازاي وأنا قلتلك حاجة أصلاً ، أنتِ اللي عاملة زي القطر ماشية وواخدة كل الناس في وشك .
حدقت به دينا وقالت بتلعثم : قطر ، أنا ... أ... أنا قطر ، تصدق أنت واحد معندكش .....
وهنا وضعت ميس يدها علي فم صديقتها لتمنعها من الكلام وقالت لسيف : ممكن نفصل القوات شوية ، قبل ما يولعوا المكتب بينا .
وسحبت صديقتها بعيداً عنهم وهي تعاتبها علي أندفاعها وعصبيتها الزائدة عن الحد .
أما عند سيف وحازم فبادر حازم قائلاً : مين المجنونة دي ؟ .
فأجابه : دي المهندسة دينا .
فضحك حازم بسخرية وقال : لا يا راجل ، قول كلام غير ده ، المجنونة دي مهندسة ، عجبت لك يا زمن .
ضحك سيف وقال : لا بس غسلتك ، وكانت هاتكمل لولا ميس لحقتها .
نظر له حازم وقال بحدة : مين دي اللي تغسلني يا أستاذ ، تحب أروح أخدهالك قلمين ، أنا سكت بس عشان خاطرك ، ثم أكمل ضاحكاً : وعشان بصراحة البت حلوة ، خسارة فيها التهزيق .
ضحك سيف وقال : لا والله ، بقي البنت حلوة ، طب أتلم بقي وأسكت وأتكلم معاها كويس مش عايزين خناق الله يسترك .
فنظر له حازم ثم قال : هو في أيه بالضبط ، مين دول ، وتعرفهم منين ، هو في حاجة حصلت جديدة في حياتك وانا معرفش ، والا ايه .
همس له سيف وقال : بعدين ، المهم اتكلم بذوق معاهم دلوقتي .
عادت ميس ودينا وتحدثت ميس قائلة : معلش أتأخرنا عليكم ، ثم نظرت لدينا وقالت : ايه يا دينا ، مش كنتِ عايزة تقولي حاجة .
نظرت لها دينا بغضب ، ثم أطلقت تنهيدة تدل علي تذمرها ثم قالت : ااه ، أسفة يا حضرة الضابط .
نظر لها حازم بدهشة ثم قال : ولو أنك بتقوليها من تحت الضرس ، بس ماشي أعتذار مقبول ، وأسف لو كنت أزعجتك .
فأبتسمت دينا بهدوء وقالت : لا ابداً مفيش حاجة ، أنا بس عصبية شوية بسبب اللي حصلنا ، وأسفة أن عصبيتي جت فيك .
مر اليوم علي الجميع ، وبعد أن أنتهي حازم وزملائه من التحريات وجمع الأدلة ، أصر سيف علي أيصال الفتيات إلي منازلهم ، وبالفعل توجه إلي بيت دينا أولاً ، ثم بعدها إلي بيت ميس .
وصل سيف بالسيارة أسفل البناية وتوقف ، وعندما همت ميس بالنزول من السيارة ، أوقفها وقال : ميس ، أنا .... أنا أسف ، عارف أني كنت بتكلم معاكي بحدة ، أرجو أنك تسامحيني ، وتعرفي أني خايف عليكي ، مش حأقدر أشرحلك أحساسي ، بس أتمني أنك تتفهمي خوفي وقلقي عليكي ، وياريت تسمحي ليا أني أكون جنبك ، وأي وقت تحتاجيني فيه متتردديش وتكلميني .
نظرت له ميس بأهتمام ثم قالت : شكرا يا سيف ، بجد مش عارفة من غيرك كنت حأعمل أيه .
فأبتسم لها ثم قال : ممكن رقم تليفونك ، وده الكارت بتاعي ، كلميني في أي وقت .
فأبتسمت ميس له وقالت : اتفقنا .
هبطت ميس من السيارة وتوجهت لداخل البناية ، أما سيف ظل في مكانه بضع دقائق ليطمئن عليها ، فضل أن لا يخبرها علي المشروع الخاص بشركته ليستغل الفرصة ويراها مرة أخري ، مرت الدقائق ثم تحرك مغادراً لمنزله .
وصل سيف المنزل وكالعادة وجد والدته تنتظر وقد تملكها القلق عليه ، وبمجرد دخوله من باب المنزل هرعت إليه وقالت : ايه يا بني أتأخرت قوي النهارده ، ومش بترد علي تليفونك ، كنت فين كل ده .
أحتضن سيف والدته وأجابها : سامحيني يا ماما غصب عني ، ظروف في الشغل ومعرفتش أرد عليكي .
ربتت والدته علي كتفه قائلة : المهم أنك جيت بالسلامة ، ثواني والأكل حيبقي جاهز ، روح غير هدومك وتعال .
بعد عشر دقائق كان يجلس مع والدته علي المائدة ليتناولوا العشاء ، جلس وهو يشعر بصراع كبير بداخله ، فهو يريد أن يبوح لوالدته بما يدور في قلبه ولكنه يشعر بالقلق من ردة فعلها .
حسم سيف أمره في النهاية وقرر مصارحتها فتحدث قائلاً : ماما كنت عايز أتكلم معاكي في موضوع مهم .
نظرت له والدته بقلق ثم قالت : خلص أكل ، وأسبقني علي أوضتك حأجيب الشاي وأجى نتكلم .
دخل سيف غرفته بعد أن أنهي طعامه ، كان يشعر بالتوتر ولكنه تشجع فهو يعلم مدي طيبة والدته وحبها له ، دخلت والدته بعد عدة دقائق تحمل أكواب الشاي ، جلس الأثنان سوياً يحتسيانه ، حتي بدأ في الحديث قائلاً : ماما أنا في واحدة معجب بيها وبفكر أتقدم لها وأخطبها .
تهللت أسارير والدته ، وقفزت من مكانها وهي فرحة وأسرعت لولدها تحتضنه وتقول : حبيبي أخيراً حأفرح بيك ، ألف مبروك يا بني .
صمت سيف قليلاً وقال : الله يبارك فيكي يا ماما ، بس أقعدي عشان أكمل كلامي .
جلست والدته وقد بدأ يتسلل القلق لقلبها ، فأكمل سيف حديثه قائلاً : هي يا ماما أسمها ميس ، مهندسة ديكور ، فاتحة شركة صغيرة في العمارة اللي قدامنا ، بنت محترمة ومهذبة ، والدها متوفي من وهي صغيرة ووالدتها هي اللي ربَّتها .
ثم صمت قليلاً وهو يشعر بالتردد ، فقالت والدته وقد شعرت أن هناك خطباً ما : وأيه تاني .
فأكمل قائلاً : وكانت متجوزة وأتطلقت .
شهقت والدته وهي تخبط بيديها علي صدرها وقالت : يا لهوي ، عايز تتجوز واحدة مطلقة ، يعني أنت مش أول بختها ، طب ليه من قلة البنات .
فأجابها سيف بثقة : اه يا ماما من قلتهم ، لأن مفيش واحدة عجبتني غيرها ، وعلي فكرة هي كمان عندها بنت صغيرة عندها أربع سنين .
نهضت والدته من مكانها بغضب وقالت : لا ، ده أنت أتجننت بقي ، ايه التخاريف دي ، علي أخرة الزمن رايح تجيب واحدة ببنتها ، ليه .
حاول سيف تهدئة والدته وقال : يا ماما أرجوكي أهدى وأسمعيني .
تحركت والدته ناحية الباب وقالت : لا هاأهدى ولا هاأسمع ، الموضوع ده تنساه خالص ، مش عايزة كلام تاني فيه ، ولو مش عايز تنساه يبقي تنساني أنا وتنسي أن ليك أم .
ثم غادرت الغرفة وتركته لا يعلم ماذا يفعل ؟ ، هل يرضي والدته ؟، أم يرضي قلبه ؟ .
أنتظروني مع القادم عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية من نافذة قلبي" اضغط على اسم الرواية