رواية بنت البئر الفصل الرابع 4 - بقلم حور طه

 رواية بنت البئر الفصل الرابع 4 - بقلم حور طه

«البارت 4من روايه بــنت البئــر »
«الكـــاتبه حـــور طـــه» 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل سراية صالح العرباوي…
هنادي جريت أول ما شافت صالح وبدور
داخلين. وشوشهم باينه عليها الخراب
والدمعة محبوسة في عيونهم.
هنادي بلهفة وخوف:
ــ في إيه؟ مالكم؟
بدور تنهار فجأة في حضنها جسمها سايب
دموعها سايحة، وصوتها مش طالع.
هنادي بتسندها:
ــ بدور! بدور مالك؟! فيكي إيه يا خيتي؟!
بصت لصالح اللي واقف زي الجبل
لكن عنيه مغيمة بالغضب والوجع
ما بينطقش.
هنادي بتحاول تسيطر على خوفها:
ــ صالح... حد يتحدد، بالله عليكم في إيه؟!
صالح بص لبدور
وقال بصوت مخنوق بس فيها غليان:
ــ هنادي، ساعديها تطلع أوضتك، لازم ترتاح شوية...
هنادي طلعت بدور وهي سايباله دموعها وسكاتها دخلوا الأوضة، ونيمتها على السرير
وغضتها، وبدت تمسح على شعرها بحنان
هنادي بهمس:
ــ احكيلي يا خيتي، حصل إيه؟ مين وجعك اكده؟
بدور ما قدرتش تكتم أكتر، وبدأت تحكي
صوتها ضعيف، ودموعها بتنزل مع كل كلمة 
حكت عن اللي حصل في دار جابر
والمصيبة اللي عملتها جبريه وجابر فيها هي وصالح...
هنادي وقفت من الصدمة
وضربت على صدرها بقهر:
ــ بتجولي إيه؟! هم عملوا العملة السوده دي؟!
الخسه…دي! ما يعملهاش عدو!
بدور تضرب على خدودها وهي بتبكي:
ــ كسرونا يا هنادي... فضحونا ومش كفاية
عايزين يرمونا في الوحل ويصورونا على إننا أهل العار...
هنادي حضنتها بكل قوتها:
ــ والله ما هيقدروا، يا بدور!
ربنا خابر ومطلع وهيرد كيدهم
بدور بألم:
ــ صورونا يا هنادي...
لو صالح ما نفذش طلباتهم، هيفضحونا!
هنادي:
ــ طلباتهم؟ عايزين إيه؟!
وهنا... يدخل صالح.
مش هو نفسه اللي دخل الصبح
كان واقف قدامهم دلوقتي، عينه نار
وصوته ساكن لكن مرعب...
صالح بصوت منخفض كالرعد:
ــ عايزين يلووا دراعي...
علشان ماجبلكيش حقك، يا هنادي...
هنادي رجعت لورا خطوة
حافظت على المسافة بينه وبينها،بتوتر:
ــ حقي؟! أنت... أنت جلت لجابر إني عايشة؟
صالح سكت لحظة، وبص في عينيها بعمق...
         «ثم فلاش باك - قبل 24 ساعة»
داخل دار جابر العرباوي / مساء
السفرة مفروشة بالأكل من كل صنف... 
أطباق محشي، ولحوم، وريش مشوية...
المشهد أشبه بوليمة ملكية…
جابر يدخل وهو بيضحك بسخرية: 
ــ إنتي عاملة وليمة يا جبريه، مش عشا!
جبريه وهي بتنظم السفرة، بعين بتلمع: 
ــ دي الليلة الكبيرة، يا ولدي... ولازم نكرم الضيوف.
جابر يقطع كلامها بقلق ظاهر
يمشي بين السفرة كأنه بيعد أنفاسه: 
ــ خايف لا ما ييجي... ويخرب كل الترتيب.
جبريه بابتسامة ثقة، بصوت ثابت:
ــ هييجي... اطمن.
جابر يرفع حاجبه: 
ــ ما خبرش منين جايبة الثقة دي يا ياما؟
ده صالح العرباوي... إللي كل دجيجة بحال.
وفجأة... صوت صالح ياتي من خارج الدار !
جبريه تضحك ضحكة خبيثة: 
ــ صالح العرباوي وصل... 
أنا هروح أجيب باجي الوكل...وإنت اجعد معاه... 
جبريه تدخل المطبخ... وجابر واقف بيظبط جلبيته،ويقول بخبث: 
ــ حاضر ياما…الليلة ليلتك يا خوي
بعد لحظات... يدخل صالح بهدوء غريب
جسمه ثابت، لكن عيونه زي الجمر.
جابر يرسم وجه المحبة:
ــ نورت دارك يا صالح...
اقعد، يا خوي!
صالح يقترب... لكن بدل ما يقعد
يرفع إيده... وبـ بوكس مفاجئ
يضرب جابر في وشه!
جابر يتصدم، يقع خطوة لورا: 
ــ إيييه؟! ليه اكده يا خوي؟ بتضربني ليه؟!
صالح يمسكه من ياقة الجلابية، صوته ناري: 
ــ أنا هخلص عليك يا كلب... مش بس هضربك!
جابر يترنح: 
ــ طيب... فهمني... أنا عملت إيه؟!
صالح عيونه تمطر غضب: 
ــ مراتك... حكتلي الحقيقة!
إزاي طاوعك قلبك ترميها في البير؟!
هي وولدك؟!
جابر يرتجف:
ــ هنادي... عايشة؟!
صالح يقاطعه، والغضب مولع في عينه
يضربه ببوكس تاني يهزه:
ــ أيوه!
هنادي…
اللي انا طلعتها بإيدي من البير!
اللي إنت رميتها فيه
أنقذتها من موت كنت إنت كاتبه لها يا جبان!
جابر يتراجع:
ــ ما تصدقهاش... دي خاي...
لكن قبل ما يكمل، صالح يرميه على الأرض:
ــ إنت الكذاب! إنت اللي شوهت سمعة بنت أشرف منك مليون مرة!
جابر بيأن:
ــ أسمعني بس يا خوي...
صالح بصوت حاد، بيجره من على الأرض:
ــ أنا مش عايز أسمع كذب تاني. دلوقتي...
هتكتب ورقة طلاقها…وهتقول الناس إنك غلطت. وهتنضف شرفها اللي لوثته... وبعدين تطلعوا برا النجع!
جابر يصرخ:
ــ عايزني اهمل أرضي ومالي... ودار أبوي؟!
صالح بهدوء حاسم: 
ــ انت مالكش حاجة. الخير ده كله بتاعي! باسمي...
أنا كنت سايبك تعيش فيه بكيفي! دلوقتي... 
تاخد العقربة أمك وما أشوفش وشكم هنا تاني!
وفجأة...
جبريه تظهر من ورا صالح، وفي إيدها حقنة...
تغرسها في رقبته بحركة سريعة!
صالح ينتفض، يلف يشوفها
لكن جسمه بيضعف...
عينه بتتسع...
لسانه بيتقل...
ويقع على الأرض مغمي عليه!
جبريه تنزل لوشه، تمسك راسه بإيدها
وتهمس بخبث:
ــ العجربة لدغتك خلاص يا ولد جوزي...
بس المرة دي... اللدغة سامة.
وهطلعك من النجع بفضيحة...
تعيش معاك العمر كله!
جابر ينهض وهو بيعدل هدومه، بصوته المتوتر:
ــ لازم نخلص منه!ياما…
جبريه ترد ببرود قاتل:
ــ لع... موته مش فـ مصلحتنا دلوج.
أنا هخليه يتمنى الموت... كل دجيجة!
تسكت لحظة، ثم تأمر جابر:
ــ لما السنيورة خيته تيجي، خدرها وطلعها فوق...
أما ده... شيلوه على أوضته، ونيموه على السرير...
الليلة لسه في أولها. ولازما نجهز العريس!
       «عودة من الفلاش باك للوقت الحالي »
الجو في الاوضة مشحون بالسكوت
بس عيون هنادي كانت بتقول كل حاجة.
هنادي بصوت مكسور، تكاد همستها تسمع:
ــ سامحني يا صالح...
يمكن لو ما كنتش رحت لجابر
ما كانش قدر يورطكم ويعمل العملة السوده دي...
صالح هز راسه بحزم، صوته هادي بس فيه نار:
ــ إنتي ما ليكيش ذنب
هم من البداية كانوا مرتبين كل حاجة
عينهم على أملاكي...
بس اللي محيرني
ليه عملوا فيكي كده؟
ليه كل الحقد ده يا هنادي؟!
فجأة... صوت دوشة جاي من تحت.
الثلاثة بصوا لبعض،و نزلوا بسرعة...
عند باب السرايا...
الغفير مطروح على الأرض، والدم سايل من راسه
ومختار واقف فوقه، بيهتز من الغضب
في إيده سلاح، وعيونه كلها نار:
ــ هخلص عليكي دلوج...
وأغسل عاري، يا فاجرة!!
صالح بخطوة سريعة
يسحب هنادي ورا ضهره
يرفع إيده للواجهة:
ــ اهدى يا مختار!
ما تتهورش...
ما تعملش حاجة ترجع تندم عليها طول عمرك
اختك مظلومة وبريئة.
مختار يصرخ بجنون:
ــ أوعى تكون إنت...
إنت يا صالح بيه...
ولد المدارس الامريكاني 
واللي جاي بالخراب، من بلاد بره
هو اللي غواها!
هخلص عليكم انتو الاتنين!!
هنادي فجأة تطلع من ورا صالح
وتفتح دراعاتها قدامه
تحميه بجسمها وهي بتبكي:
ــ لع يا مختار!
صالح ما ليهوش ذنب...
صدقني يا خوي
شرفك وشرف أبوي متصان...خيتك شريفة...
ومربايه على إيدك وإيد الشيخ زكريا
ما تطلعش منيها العيبة واصل
همل الشيطانك وصدجني.
صالح يقرب، بهدوء وحزم
يمد إيده بالتليفون، يفتحه ويشغل التسجيل:
ــ اسمع يا مختار...
ده صوت جابر وجبريه وهما بيقولوا الحقيقة
اسمع... قبل ما تغلط الغلطة اللي تكسر قلبك للأبد.
مختار يسمع...
إيده ترتعش...
ينزل السلاح ببطء:
ــ يا كلب...
يا جبان...
ما حدش هيخلصك مني يا جابر...
ده انت موتنا وإحنا عايشين!
هنادي تنهار في حضنه، تبكي بحرقة:
ــ أخيرا...
أخيرا يا خوي صدقتني؟
ابوي صدج... اللي اتجال عني
مختار يضمها بحنية، يمسح دموعها:
ــ لع يا خيتي...
أبوك ما صدجش ولا حرف
هو الوحيد اللي جلبه كان حاسس ببراءتك...
بس أنا...أنا خذلتك
وسمعت للناس وهملتك للديابه تنهش فيكي...
سامحيني، يا بت زكريا...
لحظة صمت!
ثم  يسأل مختار:
ــ بس ليه؟
ليه جابر وجبريه عملوا اكده؟
ليه السواد ده كله؟!
الأنظار كلها اتوجهت لبعض...
بس مافيش رد.
وفي وسط الصمت الثقيل...
باب السرايا يتفتح، ويدخل الشيخ زكريا...
خطوته بطيئة لكن ثابته، وعينه فيها وجع سنين
يبص على صالح وهنادي ومختار وبدور...
ثم يقول بصوت فيه نبرة حزن مكسوة بالحقيقة:
ــ عملوا اكده... علشان الأرض يا هنادي
الأرض اللي مكتوبة باسمك يا بنيتي.
هنادي أول ما شافته...
جرت عليه، دموعها سبقت خطوتها
ركعت عنده، تبوس إيده، وتبكي بصوت مخنوق:
ــ كنت خايفة...
خايفة يا بوي تصدج حديدهم
كنت بموت كل لحظة وأجول…
يا ترى لسه شايفني بتك؟
الشيخ زكريا ينزل لعندها
يمسك خدها بيد مرتعشة
يحطها في حضنه، ويضمها بكل قوته:
ــ إنتي بتي...
حتة من جلبي، وريحة أمك
وأنا اللي مربيكي بإيديا
كيف أصدج حديدهم؟
مهما جالوا، جلبي عمره ما كذبك يا بتي
صالح يتقدم خطوة، عينه على الشيخ:
ــ بس احكي لنا يا مولانا...
احكي لنا حكاية الأرض اللي مكتوبة باسم هنادي.
الكل يقعد حوالين الشيخ زكريا
وهدوء مر يلف المكان...
الشيخ يتنهد، ويحكي:
ــ بدير العرباوي…أبوك يا صالح...
جبل ما يموت بشهور
جال لي! أنا عايز هنادي لولدي جابر...
أنا وجتها كنت خابر أن جابر ما يصلحش 
ولد فاسد، ما ينفعش لبتي
جلت له لع، ورفضت...
لكنه أصر، وجال…بتك هي اللي هتصلح ولدي 
وأنا برضو رفضت
لكن بعدين... عمل اللي في راسه وجوزهم 
وجال لي ما تخافش يا زكريا هامن حياه بتك
وكتب باسم هنادي الميت فدان اللي في الناحية البحرية،ورقة الملكية كانت معايا
وفيها شرط!
في حالة وفاة هنادي، الأرض ترجع لجابر!
الكل اتجمد في مكانه.. وكمل الشيخ زكريا:
ــ أنا، لأني كنت شايل هم جابر
خبيت الورجة عنه
لحد ما من فترة أكدا..
عرف جابر الحجيجة...
وعرف إن الأرض باسـم هنادي..
وإنها بترجع له بعد موتك..
هنادي بصوت مقهور، الدموع محبوسة في حلقها:
ــ بس لو كان طلبها مني
كنت اتنازلت له عنها، والله العظيم
ما كانت الأرض أغلى من حياه ولدي.
الشيخ زكريا يهز راسه بحسرة:
ــ صوح يا بتي...
لو طلبها كنتي هتديها له
بس هو ما كانش طمعان في الأرض...
كان طمعان في اللي تحتها.
الكل بصله بدهشة، وصالح شد حواجبه:
ــ اللي تحتها؟! تقصد إيه؟
الشيخ زكريا قال بصوت واطي:
ــ الأرض دي...
جابر عرف من الخواجات إنها فوج كنز
آثار فرعونية مدفونة تحتها
وكان ناوي يبيعها للخواجات
عشان يفحروا ويطلعوا الدهب
حتى لو هد النجع كله فوج دماغنا!
وجابر كان خابر انك يا هنادي ما كنتيش هتدي له الارض لما تعرفي ان اللي هيعمله هيهد النجع كله 
هنادي تنهار بالبكاء، وتسند على كتف بدور
ومختار يضرب الترابيزه بقبضه يده، ويقول:
ــ ده ما كانش طمع...
ده كان شيطان في جلد بني آدم.
صالح يقف، صوته هادي بس مر زي السم:
ــ يضحي بروح مراته وابنه
علشان طمعه في المال والسلطه
الشيخ زكريا يهمس:
ــ ولسه...
جابر وجبريه، مخبيين أوراج تانية...
أكبر سواد لسه ما طلعش للنور...
صالح يبص لبدور بوجع وقال: 
ــ سوادهم طلع يا شيخ زكريا..
بس هم درهم خلص!
واللي جاي هيكون رد قاسي.. 
نظرات متبادلة بين صالح وهنادي...
وعد صامت بيتولد في اللحظة دي...
اللي اتعمل هيترد... بس بشرف..
                          *********
في المساء مساء
النسيم البارد بيلف في أركان الحديقة...
وسكون الليل متغطي برهبة اللي جاي…
صالح بيقرب من هنادي
شايل شال صوف على إيده.
لما شافها قاعدة على الكرسي
عنيها سرحانة في السما
حط الشال برقة على كتفها وبصوت دافي:
ــ قولتلك الجو بيبرد في الفجر...
هنادي عدلت الشال على كتفها، صوتها خافت:
ــ متشكرة يا صالح...
صالح وهو بيقعد جنبها:
ــ عنيكي الجميلة دي مالها؟
باين عليها النوم هاجرها...
هنادي تبص بعيد بخجل...
بس الصمت ما بيعرفش يخبي توتره...
ترجع تبصله وفي عينيها حاجة تقيلة:
ــ خايفة... بكره يوم صعب..
صالح يحاول يخفف عنها
يغير نبرة صوته ويقلدها بلهجة صعيدية فيها دلع:
ــ خبر إي يا هنادي؟ عتخافي وأنا وياك؟
ده انا بجى ما ليش عازه يا ولاد!
هنادي ما قدرتش تمنع ضحكتها...
خرجت منها غصب عنها، بسيطة ورقيقة زيها:
ــ طب ما انت بتتحدد صعيدي زي الفل أهو!
صالح اتسحر من ضحكتها، وعنيه فضلوا عليها:
ــ عندي استعداد أغير لهجتي، ودنيتي...
وعمري كله... بس علشان أشوف ضحكتك دي...
هنادي احمر وشها من الكلام، بصت للشجر اللي في الحديقة تهرب من عينيه، وقالت بصوت مرتبك:
ــ اللي ناوي تعمله بكره... واعر جوي..
وأنا جلبي مش مطمن...
صالح بثقة:
ــ لا أنا ولا إنتي هيحصلنا حاجة،بكره... 
إحنا رايحين نرجع حقنا، وربنا معانا...
بس أنا عايزك تبقي قوية... 
وقلبك جامد يا بنت البئر..
هنادي تبص له، عنيها تلمع بدمعة مش ضعف
دمعة فيها وجع وسنين…
قربت منه، وصوتها كان هادي بس ثابت:
ــ بنت البئر؟
أنا صوح بنت البئر يا صالح...
بس البئر اللي رموني فيه ما غرجنيش..
ده علمني أتنفس وانا في جوف ظلامه..
أسمع صوت جلبي وأنا بين الحياة والموت…
أنا طلعت منه أجوى، وأصدج، وأنضف من ناس كتير عاشوا فوج الأرض وما عرفوش يتهنوا بترابها.
وبعدين سكتت لحظة، وبصت له بكل صدق:
ــ وعلشان اكده… لما تجوللي إنك معايا
أنا ما بخافش...البئر علمني الصبر..
بس إنت…
إنت اللي علمتني معنى الحياة...
صالح وقف قدامها، ساب الكلام يسكن جوه لحظة…
كان باين في عينه إنه سمع كل كلمة مش بس بودنه إنما بقلبه...قرب منها خطوة وقال:
ــ يا هنادي…
أنا طول عمري شايف الرجولة في الفعل
والشجاعة في السكوت وقت الغدر
بس النهارده…أنا شفتهم في عيونك.
مد إيده، ما لمسهاش
لكن وقف قريب منها كأنه بيطبطب عليها بكلامه:
ــ اللي طلع من البئر ما كانتش بس بنت
دي كانت ست بـ ألف راجل
وحقك…مش بس هرجعه لك..
أنا هخلي كل النجع يشوف
مين هي هنادي بنت الشيخ زكريا.
وبعدين ابتسم ابتسامة صغيرة فيها حب:
ــ ومن احل القسم
ما حد فيهم هيلمس ضفرك طول ما أنا حي.
عايزك دايما تكوني واثقه 
من نفسك ومن حبيبك!
هنادي بهمس مرتبك:
ــ حبيبـــي؟
صالح يرفع حاجبه، يبتسم بمكر لطيف:
ــ يعني مش حبيبــك لسه؟
هنادي قامت ومشيت وما ردتش..
بس ابتسامتها قالت كل حاجة...
ابتسامة فيها رضا، أمان..
وشوق كانت مستنية عمرها كله...
صالح مد إيده ناحيتها وهو بيهزر:
ــ ما رديتيش... أنا مستني الرد!
هنادي وقفت، وبصت له 
من فوق كتفها بابتسامة كلها وعد:
ــ تصبح على خير... يا صالح!
صالح وهو بيهمس لنفسه:
ــ الخير جالي من يوم ما دخلتي حياتي!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«داخل دار جابر العرباوي / صباح اليوم التالي»
في المطبخ، جبريه قاعدة على الكرسي
حاطة إيدها على راسها
وعقدت حاجبيها من شدة الألم
عينيها شبه مغمضة
والتنهيدة بتخرج من صدرها متعبة:
ــ يا وجع راسي…انتي يا وليه... 
ناوليني المسكن من حداك
كأن حداد بيدج مسامير في دماغي!
أم عزيز تبص لها بقلق وهي بتحضر الفطار:
ــ مالك يا ستي كفى الله الشر 
أشيع لعوض ينده للحكيم؟
جبريه ترفع إيدها بكسل وتلوح:
ــ لع يا ولية، همليني!بس نوليني
حباية من اللي فوق الرف... وكوباية ميه!
أم عزيز تجيب لها المسكن والمية
وتراقبها وهي بتشرب وهي بتكتم أنفاس الوجع!
يدخل جابر من الباب، خطواته تقيلة
ماسك دماغه، وتعبه باين عليه كأنه خارج من عركة:
ــ ياما... دماغي بتتشج... حاسس الدنيا عتلف بيا
كأن حد كان خابطني بطوبة ف نص الليل!
جبريه تبص له، تتناسى تعبها، وتديله حباية تانية:
ــ خد يا ولدي، خدي دي... 
أنا قمان الصداع واكل مخي!
جابر ياخد الحباية ويبلعها، وبعدين يقعد قصادها يحط كوعه على الطربيزة، ويفرك جبهته:
ــ ما خبرش أنا صاحي... دماغي مش مرتبة... 
في حاجه مش طبعيه، مش متذكر اللي حصل آخر الليل.؟!
جبريه تبص له بنظرة فيها شوية قلق 
وشوية حسم وتحاول تتحكم في تعبها
تصوتها ناعم لكن وراه نية سوده:
ــ انسا التعب دلوج...
النهارده لازم تفوج يا جابر، النهارده يومنا.
أنا مشيت الخطة صوح... والمصيبة اللي عملناها هتكسرهم، وتكسر اللي خلفوهم.
صالح، وهنادي، وخيته بدور... 
هيطلعوا من النجع مشيين ومش باصين وراهم
والفضيحة هتبقى زفتهم اللي هتطلعهم من النجع
جابر يرمقها بنظرة شارده، ولسانه تقيل:
ــ بس... ياما، حاسس إن في حاجه غلط... 
في حاجه مش ماشية عدل...
جبريه تضرب الطربيزة بكفها
وصوتها يرتجف من الغضب:
ــ ما فيش غلط! الغلط إننا نسيبهم ياخدوا نفسهم...
افتح عينيك يا جابر، ده آخر يوم لصالح العرباوي في النجع،وهبجى أنا الست جبريه اللي رجعت الأرض والجاه لولدها... غصب عن الكل!

•تابع الفصل التالي "رواية بنت البئر " اضغط على اسم الرواية

تعليقات